أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - جريمة المتحف .. من ذبح العراقيين إلى ذبح العراق














المزيد.....

جريمة المتحف .. من ذبح العراقيين إلى ذبح العراق


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 14:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جريمة المتحف .. من ذبح العراقيين إلى ذبح العراق
جعفر المظفر
رآني البعض وكأنني كنت متطرفا في التعبير عن ألمي وأنا أرى مذبحة تاريخنا في نينوى على يد الداعشيين, ففي رأيه ليست التماثيل أكثر قيمة من الإنسان الذي تذبحه داعش, ولذلك كان يجب أن تأتي ردة الفعل بمستوى أخواتها, بينما عَلَّق صديق على أن الأمر كان متوقعا لذلك كان يجب أن يخلو من دهشة المفاجأة.
كل ما ذكروه سليم فالإنسان يبقى هو الأغلى, لكن هل يتعارض الحزن الكبير على جريمة مذبحة المتحف أو ينتقص من سخونة وألم ما يتأسس على جريمة ذبح وحرق الإنسان. الواقع أن كلاهما مؤلمان إلى درجة كبيرة, غير أن جريمة المتحف تبقى ذات دوي أعلى لأنها تقدم قراءة مباشرة لمدى ومستوى الروح والسلوك الجرائمي الذي تتصف به الجماعات التكفيرية كما وإنها تبقى العنوان الأفضل لفهم كل أشكال ومستويات الجرائم الأخرى بالإتجاه الذي يلغي أي تبرير لأية واحدة منها قد تنحى بإتجاه تفسيرها على اساس كونها رد فعل على فعل خاطئ.
ما زلت أتذكر دموع مديرة المتحف العراقي بعد المجزرة التي حدثت أمام أنظار جيش الإحتلال الأمريكي وعلى مقربة من دباباته, غير ان تلك الجريمة كانت لها تفسيرات عدة أهمها أن التخريب الجزئي كان غطاء لجريمة تعداها إلى جريمة سرقة الاثار نفسها رغم أن الجريمة أخلاقية أيضا وتعبر عن حالة حقد على تاريخ العراق. ثم أن المتاجرة بالاثار باتت تحتل مكانا متقدما جدا في قائمة سوق العمل وتكديس الأرباح, وليس خطأ أن نظن أن سرقة آثار العراق وكم هائل وثمين من الوثائق ذات العلاقة بالتاريخ اليهودي كانت جزء لا يتجزا من مخطط الإحتلال نفسه, فالأهداف المادية للغزو ما كانت لتخطأ حينما وضعت الآثار العراقية في ذات الخانة التي وضعت فيها النفط, وبينما فرض الإهتمام بالثانية ضرورة تواجد الدبابات الأمريكية على أبواب وزارة النفط لحمايتها من أية إنتهاكات قد تؤثر على عملية إمداد النفط وتسويقه وتذبذب أسعاره أو قد تنال من الوثائق المهمة ذات العلاقة بالنشاط الإنتاجي والتصديري والتسويقي فإن ترك المتحف العراقي من دون حماية كان لقصد تركه مفتوحا أمام السرقة أولا من قبل عصابات متخصصة وللتخريب ثانيا بما يضمن التغطية على الجريمة الأولى.
ولهذا أقول أن ذهاب قوات الإحتلال وضع حماية عسكرية على وزارة النفط العراقية كان مقصودا مثلما أن تركها بناية المتحف العراقي بدون حماية كان مقصودا أيضا, وقد صدر الأمر للحالتين من عقل واحد وبذات النوايا التي تلتقي على مستوى النتائج وإن إختلفت على مستوى الآليات والوسائل. وهل سأخطأ حينما أتصور ان الهيئة العسكرية والسياسية الأمريكية التي خططت للإحتلال لربما ضمت في عضويتها إختصاصيين صهاينة وأمريكين في علم الآثار وآخرين من المتاجرين بها, الذين يؤمنون أن ثروة العراق الأساسية ليست في نفطه فقط وإنما في آثاره أيضا. وبينما تكمن أهمية النفط بقيمته الإقتصادية المجردة فإن قيمة الآثار تضم إضافة إلى جانبها الأقتصادي جانبا ثقافيا ذا قيمة تاريخية لا تقدر بثمن وهي لا يمكن إعادة إنتاجها أو إستخراجها ثانية.
لقد كان بإمكان دبابة واحدة أن تضمن حماية المتحف العراقي, لكن ذلك كان من شأنه ان يضيع فرصة سرقته ويلقي باللوم على قوات الإحتلال مباشرة حين تحصل السرقة, أما ترك المتحف مفتوحا أمام اللصوص فهو كان سيسجل جريمة السرقة ضد مجهول لن تتعدى هويته حدود هوية لص أو مخرب عراقي خاصة وأن البلد برمته كان يسرق من قبل أهله. لكن السراق العراقيين لم يكونوا من ذوي هذا الإختصاص الدقيق الذي يحتاج إلى معرفة وخبرة وأيضا إلى متابعات تسويقية مرهقة تتطلب علاقات متشعبة وإحترافية ومهنية مع سوق الآثار العالمية أو مع المتاحف المهمة التي قد يباع الأثر الصغير في مزادها باسعار خيالية. ولست أعتقد أن عراقيا لصا كان مهتما بغير سرقة أموال البنوك النقدية ومقتنيات المؤسسات العراقية ذات الربحية المباشرة, ويبقى أن الهدف الأساسي للجريمة الأولى كان قد تمحور حول السرقة أكثر مما تمحور حول التخريب, دون أن نسقط من حساباتنا ميول دول عدة توجهت للإستيلاء على كثير من الوثائق الهامة وحرق أخرى يشكل وجودها خطرا وثائقيا ضد هذه الدول.
جريمة داعش لا شك تختلف كثيرا عن السرقة التي تمت بإشراف ومساعدة وحتى بتخطيط من قوات الإحتلال. هذه المرة نحن أمام جريمة أخلاقية وثقافية تتعدى بأهميتها الجانب الإقتصادي أو حتى الثأري الذي قد قد تفسره مشاركة الصهيونية في الإنتقام من تاريخ عراقي معادي ونقيض. صحيح أن داعش تعتمد على تهريب الآثار العراقية والسورية والمتاجرة بها كقناة تمويلية رئيسة, لكنها أيضا تشيع وتعمل على نشر وتطبيق ثقافة نقيضة تماما ومعادية لكل ثقافة تاريخية تؤسس لوطن إسمه العراق, وحيث يبدو أن لا شيء يربطه مع العالم أو يقدمه إليه, ولا شيء يجمع شعبه أو يحقق تماسكه ووحدته ويشيع فيه روح الأمل وإستذكار القدرة على تخطي الكوارث غير تلك الثقافة التي تبدو وكأنها باتت سفينة نجاته من حاضر ليس فيه غير التهتك والإنحدار وكأنها مذكرات محفورة على الحجر لوطن عظيم ولعالم تستطيع من خلالها أن تقرأ تاريخه وكثيرا من حاضره.
جرائم داعش التي يتم من خلالها ذبح عراقيين هي مهولة دون اي شك, لكن الأمر مع جريمة المتحف كان وقع الحزن فيها اشد لأنها جريمة إستهدفت ذبح العراق نفسه.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داعش تطهر العراق من أصنامه
- يوم تنجح العملية ويموت المريض
- وهل سيحلها الزاملي .. عن قصية ضياع نينوى أتحدث
- علمانيون ولكن ضد العلمانية (2)
- مطلوب رأس الإعتدال
- حول جريمة شابل هيل وطريقة التعامل معها
- علمانيون ولكن ضد العلمانية
- ليس دفاعا عن الإسلام .. ولكن !
- هل داعش لوحدها من يتآمر على الإسلام
- العلمانية عراقيا .. حاجة بقاء وليست حاجة تطور فقط
- بمناسبة عودة وفد التعزية العراقي للسعودية غانما مُصَّفَرا
- الجواهري عظيم رغم أنف السياسة وكذلك عبدالرزاق عبدالواحد (2)
- الجواهري عظيم رغم أنف السياسة وكذلك عبدالزاق عبدالواحد
- بين السماء والأرض .. حكاية الوطن الضائع
- حينما يكون الخلل في الإعتدال لا في التطرف
- حرية التعبير بين خطر الإرهاب وخطر التقديس
- جريمة باريس .. عنا وعن حرية التعبير أتحدث
- عملية باريس الإرهابية .. هل هي مؤامرة صهيونية بأياد مسلمة ؟!
- دكتور جيكل والمستر هايد
- بين مانديلا وعامر الخزاعي


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - جريمة المتحف .. من ذبح العراقيين إلى ذبح العراق