أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 5-13















المزيد.....


عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 5-13


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4735 - 2015 / 3 / 1 - 01:33
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الحتمية و علاقات الإنتاج و القوانين الاقتصادية 1-2
في الحلقة السابقة ، أوضحت أن مبدأ الحتمية يقول بأن كل الأحداث (events) في الكون ، بضمنها الأفعال البشرية ، تحتمها في النهاية أسباب كائنة خارج إرادة الإنسان . و شرحت كيف أن ماركس و إنجلز قالا بعكس ذلك تماماً : أن الطبقات الاجتماعية المُسْتغَلة و الشعوب المظلومة تستطيع - عن طريق التنظيم و الكفاح السياسي بكافة أشكاله - أن تعمل على إلغاء استغلال و ظلم الإنسان للإنسان فتكسر قيود الاستغلال و الاستعباد و تربح حريتها و حق تقرير مصيرها و بناء مستقبلها بنفسها . هذا المبدأ الماركسي يثق بقدرات الشعوب و الطبقات المستغَلة و بإمكانيتها في التحرر من كل أنواع الاستغلال الاقتصاسياسي . و قد سبق و أن قدم لنا التاريخ درساً بالغ السطوع لنجاح الشعوب بتقرير مصيرها في حركات التحرر الوطني ضد النهب الكولونيالي و الاستعمار الجديد و التي عمت خلال القرنين التاسع عشر و العشرين كل قارات أمريكا الشمالية و الجنوبية و أفريقيا و أجزاء واسعة من آسيا (الصين ، الهند و الباكستان ، جنوب شرق آسيا ، الفلبين ، أندونسيا ، إلخ ) و أجزاء من أوربا ( ألمانيا ، إيطاليا ، البلقان ، بولندا ، تشيكوسلوفاكيا ، يوغسلافيا ، ألبانيا ، إيرلندا .. إلخ ) ، و أفضت في النهاية إلى تحرر ثلاثة أرباع شعوب العالم التي كانت محتلة . أما في داخل النظام الرأسمالي ، فقد كشف ماركس للبشرية جوهر الرأسمالية المتمثل بسرقة قوة عمل ملايين العمال على طول الخط ، و كيف أن هذا النوع من الاستغلال البشع و المدمر للإنسان لن ينتهي إلا بتشريك وسائل الإنتاج ، فأطلق نداءه الشهير : يا عمال العالم إتحدوا ، و تأسست الأممية الشيوعية ، و الأحزاب الاشتراكية في أرجاء العالم كله ، و ما تزال ، و ستبقى ؛ و قامت عدة أنظمة اشتراكية ، بعضها إنهار ، و بعضها باقٍ ، و بعضها آتٍ ؛ و لكن حلم تحرر الإنسان من الاستغلال الذي أيقضه شبح ماركس باق لدرجة أن فيلسوفاً مثل دريدا يصرح على رؤوس الإشهاد أن لا مستقبل للإنسان بدون ماركس .
هذه المقدمة الغرض منها الإيضاح بأن نداء ماركس و إنجلز لشغيلة العالم بالاتحاد في النضال السياسي ضد الاستغلال الرأسمالي يوضح إيمانهما بتوفر الإمكانية للمجتمعات المظلومة و الطبقات المستغَلة - و ليس الفرد - للعمل السياسي المنظم لرسم مستقبلها السياقتصادي و بما يلغي استغلال الإنسان للإنسان . هذه الحقائق التاريخية واضحة ، لا أعتقد أن أي دارس للماركسية سيختلف بصددها .
طوال ظهور هذه السلسلة من المقالات ، وردتني عدة تعليقات عليها عبر الفيسبُك بإسم السيد : أنيس عموري ، و لعله - إن لم أكن مخطئاً - هو نفسه الأستاذ وليد يوسف عطو المحترم أو شخصاً قريباً منه . و قد تميزت هذه التعليقات بنفس أسلوب التهجم المجاني المحموم على الماركسية عن طريق التزوير و خلط الأوراق الأثير لدى السيد وليد يوسف عطو المحترم . من جانبي ، فقد بينت له أولاً - في الحلقة الأولى - أنني سأرد عليه في سلسلة قادمة من المقالات كي لا ينحرف موضوع النقاش الخاص بهذه السلسلة عن مقاصده . و إزاء إمعانه بالاستمرار في الحلقات التالية بكيل الإتهامات المزورة العارية من الصحة من كل حدب و صوب على الماركسية ، فقد طلبت منه اختيار فقرة واحدة صحيحة غير مغرضة من كل مداخلاته أستطيع تناولها بالتحليل في هذه السلسلة ، فلم يشأ جبر خاطري .
في غضون ذلك ، في الحلقة الرابعة من هذه السلسلة ، وردني تعليق من أستاذ فاضل هو موضع محبتي و اعتزازي الدائمين - الأستاذ نعيم إيليا المحترم - قائلاً - بعنوان : ملحوظة - بالنص :
ملحوظة
2015 / 2 / 27
التحكم: الحوار المتمدن نعيم إيليا
الأستاذ القدير حسين علوان حسين
نفي مبدأ الحتمية عن الماركسية لا ينفعها بشيء بل يسيء إليها. العلم - وأنت تعتقد بأن الماركسية نظرية علمية - يؤكد الحتمية ولا ينفيها: استكشافات الهندسة الوراثية، ولا سيما في مجال الوصفة الجينية (الجينوم) مثال واحد من كثير من الأمثلة العلمية التي ترسخ مبدأ الحتمية.
آراء الأستاذ عموري - بغض النظر عن موقفه السياسي من الشيوعية - لا تخلو من الحصافة والسداد. وقد سبقني إلى لفت عنايتك إلى أن قول إنغلز لا ينفي الحتمية عن الماركسية بل يعززها ويستدرك ما كان خفي من أمرها.
مع تحياتي وتقديري لجهدك
في انتظار بقية السلسلة!
أنتهى نص تعليق الأستاذ الفاضل السيد نعيم إيليا المحترم .
و لقد وعدته بتناول الموضوع المهم الذي أشار إليه ، و كذلك تعليق الأستاذ أنيس عموري المحترم - الذي سأخصص لبقية تعليقاته مستقبلاً "سلسة" جديدة ، و ليس هنا . و ها أنا أفي بوعدي للأستاذ الفاضل السيد نعيم إيليا المحترم في هذه الحلقة و ما بعدها مباشرة .
يقول السيد أنيس عموري المحترم :
القول بأن ماركس قال باللاحتمية وننتقي أقوالا في صالحنا لا يجب أن يخفي أن ماركس قال أيضا بالحتمية وقال أقوالا أخرى هي التي شاعت وعُرِفت وعُمِل بها في حياته وبعد مماته وصارت أيديولوجيا كل الدول والتنظيمات التي قامت باسمه.
بهذا فتساؤل حسين علوان: " فأين وجد الأستاذ وليد يوسف عطو وشركاه وأساتذته المحترمون في نصوص ماركس وأنجلز ما يتطابق مع فرية الحتمية والدوغماتية والكلانية هذه لكي يتبرعوا جزافاً برميهما بها؟" هو تساؤل في غير محله، بل إن ما فهمه الأتباع من المادية التاريخية هو حتميتها التاريخية، هذه هي القاعدة وما أتى به حسين علوان هنا شاذ جرى اكتشافه ونفض غبار السنين عنه مؤخرا لتبرير الفشل، وحتى من انتبهوا باكرا إلى هذا الخلل تعرضوا للتشنيع والإقصاء باعتبارهم تحريفيين.
الأقوال التالية هي القاعدة العامة التي عُمل بها في الماركسية:
"ليس الوعي هو ما يحدد الحياة، بل الحياة هي التي تحدد الوعي". "يحدد" وردت في النص بالفرنسية détermine، ومنه صيغت déterminisme، حتمية.
"إن نمط إنتاج الحياة المادية هو الذي يتحكم عموما في عملية تطور الحياة الاجتماعية، السياسية والفكرية".
ونقرأ أيضا في (نقد الاقتصاد السياسي،1857). "ليس وعي الناس هو الذي يحدد (يحتم) وجودهم، بالعكس، وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم".
"يرتبط البشر، بين بعضهم البعض، بعلاقات محددة، ضرورية، مستقلة عن إرادتهم..."
بل هذا ما يجب أن نفهم من قول إنجلز، عكس ما فهمه حسين علوان: "ماركس وأنا، إلى حد ما، نتحمل مسؤولية كون الشباب، أحيانا، يولون دورا أكبر مما يجب للجانب الاقتصادي. فأمام خصومنا الذين ينكرون هذا، كنا نؤكد على المبدأ الرئيسي الذي يتنكرون له، ولم نكن نجد الوقت ولا المكان ولا الفرصة للاهتمام بدور العوامل الأخرى (المؤثرة)
(Marx et Engels, Etudes philosophiques, Ed. sociales, p 156.)
إنجلز يعترف بالخطأ ويتحمل المسؤولية بينما حسين علوان يستميت في تبرئته.
انتهى نص الأستاذ أنيس عموري المحترم .
سأتناول أولاً الجمل الخاصة به قبل الانتقال لمناقشة جمل ماركس المقتبسة و فهمه المضحك المبكي لها .
من الواضح أن جملة الأستاذ أنيس عموري المحترم : " فتساؤل حسين علوان ... هو تساؤل في غير محله " هي كلام مجاني في ضوء كون تهجمات السيد و ليد يوسف عطو على الماركسية في مقالته إياها قد جاءت كلها بدون أي توثيق نصي ، بل إعتمدت أسلوب كيل التهم بالجملة إرتجالاً جزافاً . و هذا الأسلوب الهجائي غير علمي و غير لائق بتاتاً ، و من حقي أنا و حق كل قارئ مطالبة القائل بإثبات مصداقية كلامه بالنصوص الموثقة . تساؤلي هو التساؤل الذي في محله لأن البينة هي على من إدعى ، و كلام المعلق عموري هو الذي في غير محله بالمرة لأن الباحث العلمي مسؤول عن كل حرف يكتبه ، و تهربه من إثبات مصداقية كلامه بالنصوص لا يليق بمن يحترم شرف كلمته .
أما قوله : "بل إن ما فهمه الأتباع من المادية التاريخية هو حتميتها التاريخية، هذه هي القاعدة وما أتى به حسين علوان هنا شاذ جرى اكتشافه ونفض غبار السنين عنه مؤخرا لتبرير الفشل، وحتى من انتبهوا باكرا إلى هذا الخلل تعرضوا للتشنيع والإقصاء باعتبارهم تحريفيين. " فهو قول مزوّر آخر لأن السيد أنيس عموري لم يقم بسؤال كل أتباع ماركس في العالم عن رأيهم لكي ينصِّب نفسه هنا المتحدث الرسمي زوراً بإسمهم . و في هذا كلام طويل ليس هنا مكانه ، سأرد عليه بالتفصيل مستقبلاً في السلسة الخاصة بالسيد أنيس عموري المحترم .
و بصدد قوله : " بل هذا ما يجب أن نفهم من قول إنجلز، عكس ما فهمه حسين علوان: "ماركس وأنا، إلى حد ما، نتحمل مسؤولية كون الشباب، أحيانا، يولون دورا أكبر مما يجب للجانب الاقتصادي. فأمام خصومنا الذين ينكرون هذا، كنا نؤكد على المبدأ الرئيسي الذي يتنكرون له، ولم نكن نجد الوقت ولا المكان ولا الفرصة للاهتمام بدور العوامل الأخرى (المؤثرة) (Marx et Engels, Etudes philosophiques, Ed. sociales, p 156.إنجلز يعترف بالخطأ ويتحمل المسؤولية بينما حسين علوان يستميت في تبرئته. "
الكلام أعلاه ينطوي على محاولة فاشلة منه و مكشوفة لخلط الأوراق دوغماتياً ، لكون اعتراف إنجلز بعدم إنجازه - هو و ماركس - بحوثاً كافية شافية في الجانب الشكلي من سيرورة تكون البناء الفوقي ، و تحمله المسؤولية عن ذلك ينفي نصياً كل التخرصات المجانية للسيد وليد يوسف عطو المحترم نفسه في مقالته إياها بدوغماتية الماركسية و بادعائها لكلية الصحة لنفسها . خلط الأوراق هنا لا يفيد في ضوء أنني - في الحلقة السابقة - قد استشهدت بالنص المشابه التالي لإثبات كذب الأستاذ وليد يوسف عطو الصراح عندما اتهم الماركسية بكونها تدعي كلية الصحة و أنها تتسم بالدوغماتية :
نص أنجلز :
"باستثناء هذا ، توجد هناك فقط نقطة واحدة أخرى ناقصة ، و التي ، على أية حال ، فشلنا دوماً ، ماركس و أنا ، في التوكيد عليها على نحو كاف في كتاباتنا ، و التي كلانا مذنب بصددها على نحو متساوٍ . أقول ، كلانا قد أولى تركيزه الأساسي - و كان لزاماً علينا فعل ذلك - بالمقام الأول على إشتقاق الأفكار السياسية و القانونية و غيرها من الأفكار الآيديولوجية و كذلك الأفعال الناجمة من وسط هذه الأفكار ، من الحقائق الاقتصادية الأساسية . و لكننا في عملنا هذا أهملنا الجانب الشكلي - الطرق و الوسائل التي تستطيع بموجبها هذه الأفكار ـ إلخ. أن ترى النور - لصالح الجانب الموضوعي (المعنوي). و هذا ما أعطى مناوئينا فرصة مرحباً بها لإساءات الفهم ، و التي يمثل بول بارت مثالاً بارزاً لها ."
انتهى نص إنجلز .
واضح جداً من النص أعلاه و النص المشابه الذي أورده السيد أنيس عموري المحترم أن اعتراف أنجلز بتقصيره هو و ماركس يقيم الدليل القاطع على أن الماركسية ليست كلية الصحة و ليست دوغماتية مثلما يدعي الأستاذ و ليد يوسف عطو المحترم - هذا إذا كان هو و السيد أنيس عموري المحترم يفهمان معنى ما يكتبان . لوم إنجلز نفسه و لماركس و دعوته كل الماركسيين في البحث بهذا الموضوع لتجاوز النقص الحاصل ، و تصريحه - في نصه الذي أوردته في الحلقة السابقة - بحاجة الماركسية إلى أكوام من الدراسات في تاريخ الاقتصاد لإكمال النواقص في النظرية الماركسية يؤكد محاربة ماركس و إنجلز للدوغماتية و لكلية الصحة في نظريتهما . كما أنه يلغي التخرصات التي تتهم الماركسية زوراً بكونها تهمل دراسة الأثر و التأثير بين البناء التحتي و الفوقي لكونها تقول بالحتمية الاقتصادية (كذا) . إنجلز إنتبه إلى هذا النقص ، و نبّه عليه قبل أي شخص آخر ، و لهذا فقد حث كل الماركسيين الشباب للإنعكاف على دراسة حقول علم تاريخ الاقتصاد التي لم تتح الفرصة لماركس و أنجلز البحث فيها على نحو شافٍ . و سأعود لهذا الموضوع في الحلقة القادمة .
نصل الآن إلى الفصل المضحك المبكي في أقوال السيد أنيس عموري المحترم . يقول :
الأقوال التالية هي القاعدة العامة التي عُمل بها في الماركسية:
"ليس الوعي هو ما يحدد الحياة، بل الحياة هي التي تحدد الوعي". "يحدد" وردت في النص بالفرنسية détermine، ومنه صيغت déterminisme، حتمية.
"إن نمط إنتاج الحياة المادية هو الذي يتحكم عموما في عملية تطور الحياة الاجتماعية، السياسية والفكرية".
ونقرأ أيضا في (نقد الاقتصاد السياسي،1857). "ليس وعي الناس هو الذي يحدد (يحتم) وجودهم، بالعكس، وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم".
"يرتبط البشر، بين بعضهم البعض، بعلاقات محددة، ضرورية، مستقلة عن إرادتهم..."
إنتهت أقول السيد أنيس عموري المحترم .
الأستاذ أنيس عموري يفسر اقتباساته من أقوال ماركس بكونها الدليل على قول ماركس بالحتمية ، و أنا أؤكد أنها تقيم الدليل الذي يدينه من لسانه بالجهل الفاضح حتى بمعاني الكلمات و الجمل التي يقرأ و يستشهد بها . سأبدأ من الأخير . يقول ماركس :
"يرتبط البشر، بين بعضهم البعض، بعلاقات محددة، ضرورية، مستقلة عن إرادتهم..."
ما علاقة المقولة أعلاه بالحتمية التي تقول أن كل حدث في الكون مكتوب له أن يحصل كما هو حاصل بالضبط للأسباب الحتمية المتحكمة فيه رغماً عن إرادة الإنسان ؟ لا علاقة ، البتة . الحديث هنا هو عن علاقات الإنتاج و ليست الأحداث ، و بإمكان الإنسان الخروج من علاقات الإنتاج إذا كان حراً و لم يكن مضطراً للعمل ، بلا حتمية و لا من يحزنون . مثال : فلان يولد إبناً لعبد ، فيصبح هو - رغماً عن إرادته - عبداً لسيد أبيه و سيده في العلاقة الإنتاجية القائمة بين السيد و العبد حسب قوانين نمط الإنتاج العبودي . هل أن هذه العلاقة الإنتاجية (العبد-السيد) إختارها العبد بنفسه و بإرادته ؟ طبعاً لا . الحديث هنا هو عن علاقات إنتاج تفرضها ظروف اجتماعية موضوعية موروثة من الماضي ، و ليس الحتمية و عدم الحتمية ؛ فمثلما لا يستطيع الإنسان أن يختار أمه و أباه ، فكذلك لا يستطيع العبد أن يختار نوع علاقته الإنتاجية بل يفرضها عليه دوره المحدد في نمط الإنتاج السائد تاريخياً في زمنه . فلان ملاح يملك أرضاً سبخة يحتاج للعمل و إنتاج الملح منها و بيعه لكسب عيشه . و لكي لا يموت من الجوع ، فهو ينتج الملح من أرضه و يبيعه في السوق ، فيدخل - بمعزل عن إرادته - في العلاقة الإنتاجية مع الآخرين و المتمثلة بعلاقة المنتج-المستهلك . الإرادة الشخصية للملاح هنا تنصب على الإنتاج بغية كسب القوت و دوام العيش ، و لكنه مضطر لكي يبيع إنتاجه في السوق أن يدخل بمعزل عن إرادته في علاقة المنتج-المستهلك اللازمة لتحويل منتوجه إلى نقد ، و بعكسه يموت من الجوع . هذه العلاقات واضحة ، و يقررها الوضع الاجتماقتصادي القائم لكل إنسان يعمل لكي يحصل على دخل في كل زمان و مكان . فلانة عاملة ، ماذا يجب عليها أن تعمل لكي تعيش ؟ تعمل في مصنع أو دار أو محل عمل ما لتدخل بمعزل عن إرادتها بعلاقة العاملة - رب العمل الضرورية لتحقق صفة العاملة فيها . طبعاً باستطاعتها - إن شاءت و توفر لها المعين - عدم العمل ، و حينئذٍ ستصبح خارج علاقات الإنتاج التي يتحدث عنها ماركس هنا برمتها ، و بالتالي لا تعود عاملة . الآن نأتي إلى العلاقة الإنتاجية الثلاثية المتفردة : فلان رأسمالي لديه مصانع ، و لكي يواصل تحقيق المزيد من الأرباح ، يضطر لتشغيل العمال في مصانعه من جهة ، و بيع أنتاج العمال للمستهلكين من جهة أخرى . هل أن ارتباط الرأسمالي بهاتين العلاقتين : رب عمل-عامل ، بائع- مستهلك يحصل بإرادته ، أم أن شكل هاتين العلاقتين يقوم على طبيعة نمط الإنتاج السائد تاريخياً في مجتمعه بمعزل عن إرادته ؟ الجواب هو : طبيعة نمط الإنتاج القائم و بمعزل عن الإرادة الشخصية . لنفرض أن عاملاً استطاع أن ينتقل عبر عشرين سنة من بائع متجول ، إلى عامل تعدين ، ليصبح بعدها رب عمل . كبائع متجول ، كان مضطراً لأن يرتبط مع الآخرين بعلاقة البائع-المستهلك ، و إلا لم يكن بائعاً متجولاً في حينها ؛ و كعامل تعدين ، كان مضطراً لأن يرتبط بعلاقة عامل-رب عمل ، و إلا فهو لم يكن عاملاً ؛ و كرب عمل ، يضطر أن يرتبط مع الآخرين بعلاقة رب العمل-العمال زائداً علاقة البائع-المستهلك ، و بعكسه لا يكون رب عمل . كيف يمكن إذن لإرادة الفرد أن تتدخل لإثبات عدم الحتمية و كون الإرادة الفردية فاعلة المفعول هنا ؟ الجواب : عندما يختار المرء الخروج من دائرة الإنتاج برمتها من خلال التوقف عن الشغل الذي يدر له دخلاً ، فينتفي قيام شكل علاقته الإنتاجية مع المشتركين الآخرين فيها .
و الآن نأتي على الاستشهاد-الفضيحة للسيد أنيس عموري المحترم . يقول :
الأقوال التالية هي القاعدة العامة التي عُمل بها في الماركسية:
"ليس الوعي هو ما يحدد الحياة، بل الحياة هي التي تحدد الوعي". "يحدد" وردت في النص بالفرنسية détermine، ومنه صيغت déterminisme، حتمية.
"إن نمط إنتاج الحياة المادية هو الذي يتحكم عموما في عملية تطور الحياة الاجتماعية، السياسية والفكرية".
ونقرأ أيضا في (نقد الاقتصاد السياسي،1857). "ليس وعي الناس هو الذي يحدد (يحتم) وجودهم، بالعكس، وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم .
إنتهت إقتباسات السيد أنيس عموري المحترم من ماركس ؛ و محاكمته تقول : بما أن المترجم الفرنسي لأقوال ماركس من الألمانية يستخدم الصفة الفرنسية (détermine) ( و معناها بالفرنسية هو "محدد" أو "مقرر" أو ما شابه ) في ترجمته للمقولات أعلاه ، و كانت المفردة التي تعني "الحتمية" في الفرنسية هي (déterminisme) ، إذن فماركس يؤمن بالحتمية بالترجمة ! أنثروبولوجيا اللغة ! طيب ، كلمة (détermine) هي صفة - تستخدم في الفرنسية ، مثلاً ، في عبارة : "السعر محدود" : (Un prix déterminé) بمعنى "مُحدَّد" ، فكيف تحولت صفة "محدد" بقدرة قادر إلى الفعل "يحتم" عند الإستاذ أنيس عموري المحترم ؛ و من بعدها من صفة عينية ملموسة إلى إسم معنى نظري بإضافة اللاحقة (isme) عليها ؟ هل يمكن استبدال الصفة (détermine) بالإسم (déterminisme) في نص مقولات ماركس بالفرنسية أعلاه دون تغيير معناها تماماً ؟ قطعاً لا . هل يجوز لي أن أفسر أنا جملة : "قيام زيد من مكانه كان في محله" بمعنى أن زيداً يؤمن بالقيامة لكون مفردة "القيامة" مشتقة من "قيام" ؟ طبعاً لا يجوز ، لأن هذا تلفيق . و لكن الملفقين ضد الماركسية على أتم الاستعداد لعمل كل شيء ، على قاعدة : كل شيء مسموح بالحرب ضد الماركسية ، و لذلك فإن ماركس هو حتمي بحكم الترجمة الفرنسية لكون وعي ماركس تابع و نابع من مفردات مترجمه الفرنسي ! طيب ، ما دام الأستاذ أنيس عموري يفهم في اللغات ، و هو متبحر في تفسير الماركسية مثلما يدعي زوراً و بهتاناً ، فلماذا لم يقم بمراجعة النصوص الأصلية لماركس بالألمانية لإثبات صحة كلامه ، مثل كل باحث يحترم شرف الكلمة ؟ كلا ، هذا لن يكون ، فعيون الغيض كليلة عن كل خصلة جميلة ! و الصحيح الواقع هو أن ماركس يستخدم الصفة الألمانية (bestimmt) هنا ، و معناها : مؤكد ، معطي ، مثبت ، محدد ؛ في حين أن جذر مفردة الحتمية بالألمانية (Determinismus) لا علاقة له مطلقاً بجذر هذه الكلمة (bestimmt) ، عكس الحال في الفرنسية و الإنجليزية . من هو "الشاذ" في التفسير إذن ، أنيس عموري الذي يسمح لنفسه بالتحكم الديماغوجي و الدوغماتي بوعي ماركس و كل أتباعه عن طريق تزويره الصريح و المتعمد لترجمة نصوصه ؛ أم حسين علوان حسين ؟ يقول ماركس :
[Es ist nicht das Bewuß-;-tsein der Menschen, das ihr Sein, sondern umgekehrt ihr gesellschaftliches Sein, das ihr Bewusstsein bestimmt.]
[ ليس الوعي الاجتماعي للبشر هو الذي يحدد وجودهم ، بل بالعكس ، وجودهم الاجتماعي هو المحدد لوعيهم الاجتماعي .]
و بالمناسبة ، فإن ماركس يوضح أن أول من قال بهذه المقولة هو : عبد الرحمن بن خلدون .
يتبع ، لطفاً .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 4-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 3-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 2-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 1-13
- حسين علوان حسين - الأديب و الباحث الأكاديمي العراقي - في حوا ...
- القليل من الدعم اللوجستي فقط
- ماركس ، و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 5-5
- أقوى العلماء تأثيراً ماركس ، و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب ...
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 3- 5
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 2 - 5
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 1 - 5
- كيف حرر - الحوار المتمدن - المؤلف ؟
- العبقري آينشتاين يجيب : لماذا الإشتراكية ؟
- نمط الإنتاج الأنديزي : ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إن ...
- الفقيد عالم سبيط النيلي و اللغة الموحدة : المنهج و النتائج
- قصة قدموس مثالاً للملحمة التاريخية / 3 - الأخيرة
- أم آسيا
- قصة قدموس مثالاً للملحمة التاريخية / 2
- كارل ماركس و بيرتراند رَسْل / 5
- كارل ماركس و بيرتراند رَسْل / 4


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 5-13