أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ما وراء الجسد















المزيد.....

ما وراء الجسد


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4734 - 2015 / 2 / 28 - 12:02
المحور: الادب والفن
    


صدر عن دار «قلم» بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، كتاب نقدي يحمل عنوان «الجسد في الرواية الإماراتية»، للدكتور رسول محمد رسول. يتضمن الكتاب مقدمة وافية وأربعة فصول، وهو مسرد بالمصادر والمراجع التي اعتمدها في بحثه النقدي.
وصف رسول هذه الدراسة بأنها ضرب من المغامرة، لأن موضوع الجسد، بحسب رأيه، لم يُطرَق من قبل في الرواية العربية عموما وفي الرواية الخليجية والإماراتية على وجه التحديد. وهذا يعني أن مغامرته النقدية سوف تفتح آفاقا ريادية جديدة.
يعتقد الباحث أن الكثيرين لا يفرّقون بين الجسم والجسد، بل إن بعض الناس يتساءلون باستغراب عن طبيعة هذا الفرق وماهيته! ولتبديد هذا الغموض الذي يحيط بكلمة «الجسد» تحديدا التجأ الباحث إلى السيميائية بوصفها معنية بدراسة اللغة من زاوية الدلالة. فالسيميائية، كما يفسرها سعيد بنكراد، هي «كشف واستكشاف لعلاقات دلالية غير مرئية من خلال التجلي المباشر للواقعة.. إنها تدريب للعين على التقاط الضمني والمتواري والمتمنع، لا مجرد الاكتفاء بتسمية المناطق أو التعبير عن مكنونات المتن». وطالما أن د.رسول يحاول الإمساك بهذه الدلالة المتوارية لذا أوجبت عليه الاشتراطات البحثية الدقيقة أن يتبنى المقاربة السيميائية في تحليل عدد من النصوص الروائية الإماراتية.
يعرّف الباحث في الفصل الأول من كتابه بأن مصطلح الجسد أو الـ«Metabody» هو «كينونة رمزية وإيحائية وإشاراتية وعلاماتية وأيقونية تضاف إلى الأجسام من خلال تمثيل الإنسان لها»، لكن هذه الرموز والعلامات تحتاج إلى من يلتقطها. وقد شبهها الباحث بأنها «شبكة متخفية من القوى الحاثة على ظهور الجسد». وبطبيعة الحال فإن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يخرج هذه الشبكة المتوارية من دياجير الأجسام القارة ومثوياتها الراكسة والمحجوبة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن «الجسد» هو كينونة افتراضية «بعدية»، لكنها ممكنة الوجود والتصير والحضور. ويسوق الباحث أمثلة عديدة في هذا الصدد، لكننا سنكتفي بالإشارة إلى «جسم» المرأة بوصفه كينونة مكانية لها جغرافيتها الخاصة، لكن صاحبة هذا الجسم حينما ترتدي ثوبا يتناسق مع بنيتها فهي تخرج جسمها من مكانه الطبيعي إلى مكانية جسدية تتوفر على معطيات جمالية جديدة.
يركّز الباحث في الفصل الثاني على جسدية الأشياء، ويختار منها سبع جسديات شائعة، وهي جسدية المنزل والمدينة والصحراء والبحر والمقهى، إضافة إلى الجسدية الذكورية والأنثوية. وتعتمد بعض معلومات هذا البحث عن خبرات الكاتب وملاحظاته الشخصية، فلا غرابة أن يتحدث عن منزلهم القديم الذي كان آيلا للسقوط، ومنزلهم الجديد الذي شيدوه لاحقا حيث سكنت عمته إحدى غرفه التي أحبها الباحث لأنها مرتبطة بالحكايات التي كانت ترويها له عمته قبل أن ينام، لكنه سوف يكره هذه الغرفة تحديدا بعد وفاة عمته لأن جسدية الغرفة قد تحولت من جسدية سعيدة إلى جسدية محزنة.
ويؤكد الباحث أن العاصمة أبوظبي توحي بأبنيتها الشاهقة وأبراجها العالية وكأنها كتلة من الأجسام الغريبة الشاذة على جسد المدينة. وحينما يلج الزائر أو حتى المواطن الإماراتي إلى قلبها ستتفكك المدينة إلى وحدات سكنية صغيرة، لكن يظل «قصر الإمارات» هو العلامة الجسدية الفارقة ربما لطرازه الأصيل، أو لتشبثه بشاطئ البحر، أو لجسديته التي تخلصت من كتله الجسمانية الفظة وتماهت كأنموذج بصري يسر الناظرين. لا بد من الإشارة إلى أن جمالية جسدية الصحراء تكمن في سعتها وجلالها وتغيرها المتواصل، وهذا الأمر ينسحب على البحر في سعته وغموضه وكثرة الأحياء التي تعيش أعماقه وتؤثث فضاءه الجسدي. وتتبع الباحث جسدية المقهى والتغيرات الجوهرية التي طرأت عليه حتى أصبح بالشكل الذي نراه الآن، شاشات سكرين عملاقة، وإنترنت يكاد يختصر العالم في حاسوب، وفتيات خدمة في غاية الأناقة والجمال، بينما كان صاحب المقهى هو الخادم الوحيد الذي يلبي طلبات الزبائن الكثيرين الذين يحتشدون في جسم المقهى لكي يضفوا عليه جسدية جديدة. هذه الأناقة التي أشرنا إليها توا والاهتمام المفرط الذي يبديه الرجال والنساء على حد سواء هو الموضوع الذي سماه الباحث بالجسدية الذكورية والأنثوية، فمثلما يهتم الرجل بمظهره الخارجي، وقص شعره، وحلاقة ذقنه، ومشق حواجبه، فإن الأنثى تتبع الأسلوب ذاته في تقنيتي الحجب والإظهار حيث تزيل شعر الوجه، وتزجج الحاجبين، وتطلي أظافر اليدين والقدمين، وتضمّخ نفسها بأفضل العطور، وترتدي الملابس الجميلة المتناسقة بغية لفت انتباه الرجل. ولأن الموضوع ينصب على الرواية الإماراتية تحديدا فقد ركز الباحث على الملابس الخليجية وطريقة تزيينها بالقطع الفضية والذهبية والفسفورية التي تتناسب مع الحلي الذهبية التي تضعها المرأة في أنحاء متفرقة ولافتة للانتباه من جسدها.
يقسم الباحث الجزء الرابع والأخير من الكتاب إلى ثلاثة أقسام وهي الجسدية الأنثوية وجسد البحر والجسدية الذكورية، حيث يرصد في القسم الأول ستة أجساد ممطورة وضالة ومستعارة وما إلى ذلك. ففي رواية «رائحة الزنجبيل» لصالحة غابش نواجه الجسد الممطور للدكتورة علياء الغافي، حيث تنقعت ملابسها تحت المطر حتى التصقت بمعالم جسدها. ولا يختلف جسد «لطيفة» عن الجسد الممطور لعلياء، لكن مريم الغفلي أضافت أفعالا جديدة طارئة على جسد بطلتها المنقوعة في الماء، كالارتجاف والتعرق والخرس والإحساس بالحصار، الأمر الذي منح جسد الضحية علامات أيقونية خارجية وداخلية شديدة الإيحاء جعلتها بالنتيجة تبدو مثل حورية أو ملاك. في رواية «للحزن خمسة أصابع» يصف ناصر جسد خلود بأنه «ضال» من دون أن يفصح عن طبيعة هذه الضلالة إن كانت نفسية أم أخلاقية أم وجودية. ثم يتحامل مطر بن محارب، بطل رواية «الغرفة 357» لعلي أبو الريش، فيصف خادمة الفندق السريلانكية بأنها غبراء وشعثاء ومرتجفة لأنها فوتت عليه فرصة اللقاء بمادلين، الفتاة الشقراء التي أحبها حبا جما، وأفضى هذا الحب إلى ضياعه في الصحراء بحثا عن قبر أمه. أما «نسمة» بطلة رواية «الحب المدمر» لسمية محمد العكبري، فإنها تظهر بصورة الجسد المستعار، حيث يوثق والدها صورها منذ طفولتها حتى اللحظة الراهنة التي لا تخلو من تجليات بصرية جميلة في الرصد والالتقاط. ربما لا يحتاج أن نتوقف طويلا أمام المرأة المبتلة في رواية (الطائر بجناح أبعد منه) لناصر الظاهري، لأنها لا تختلف كثيرا عن المرأتين الممطورتين حتى وإن توافرت الشخصية الثالثة على علامات جسدية إيجابية، مثل الاسترخاء والدفء ورائحة الطهر. يتوافر البحث على أكثر من قراءة لجسدية البحر، ويكفي أن نشير هنا إلى رواية «حلم كزرقة البحر» لأمنيات سالم.
أما القسم الثالث والأخير من هذا الكتاب فيتضمن قراءة متفحصة للجسدية الذكورية في ثماني روايات لعل أبرزها «الجسد الراحل» لأسماء الزرعوني، التي تتبعت جسدية عيسى المزلاي الذي غادر المكان ككينونة بدنية، وظل حاضرا كعلامة أيقونية موحية، ورواية «ملائكة وشياطين» لباسمة يونس، والتي رصدت جسد شقيقها المعلول بمرض نقص المناعة وما خلفه هذا المرض الخبيث من هزال ونحول وروائح حمضية مقززة تنطوي على علامات أيقونية شديدة الإيحاء في رسم أبعاد الجسد المعطوب.
وفي الختام لا بد من الإقرار بأن كتاب «الجسد في الرواية الإماراتية» للدكتور رسول محمد رسول يسد فراغا كبيرا في الثقافة العربية التي لم تخض كثيرا في هذا المضمار.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدب الاعتراف
- رواية سعد محمد رحيم الماكرة!
- التقنية الميتا- سردية في رواية -كاباريهت- لحازم كمال الدين
- أولاد أبو غرّيب
- دراسات في سياسات التعليم لنديم العبدالله
- سينما التحريك لبرنار جينان وترجمة صلاح سرميني
- السخرية الصامتة في فيلم شاشاتنا
- باثولوميو بيل يترجم -الأرض اليباب- إلى صورٍ بصريةٍ مُدهشة
- شخصيات غير مألوفة، وثيمات صادمة بعض الشيئ
- الطاقة المؤلمة في معرض تركيبي مشترك
- قراءة نقدية لديوان غريب على قارعة الطريق
- قل متى؟ للمخرجة الأميركية لين شيلتون
- تنظيرات الناقد لجمهورية الشعر
- حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية
- ويسترن أم أنتي ويسترن؟
- الانتحار الجماعي الغامض
- عفوية الأداء في بلد تشارلي
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي بافتتاح بريطاني واختتام أمير ...
- يان ديمانج يرصد محنة جندي وحيد وأعزل في متاهة معادية
- الشاعر صلاح نيازي: ليست هناك قاعدة في الترجمة


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ما وراء الجسد