أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فواد الكنجي - داعش و جريمة التاريخ في تدمير الآثار الأشورية















المزيد.....


داعش و جريمة التاريخ في تدمير الآثار الأشورية


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 4734 - 2015 / 2 / 28 - 10:56
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


نينوى مدينة الأشوريون ، مدينة الشموخ والمجد، عانقت الشمس قبل سبعة ألاف سنة او يزيد ونهضت شامخة على الضفاف نهر دجلة، شع بريق ظهورها منذ فجر مبكر، حيث ألاف الكتب والمجلدات تتحدث انبهارا عن فنونها وعلومها ومجدها العملاق، فليس هناك على كوكب الأرض – في المطلق - من بحث عن تاريخ الا وكانت (نينوى الأشورية ) محطة تستوقف الباحثين والعلماء في الأدب والحكمة والفنون والفلسفة والتاريخ والعلوم، كونها امتلكت كل مكونات الحضارة ومقوماتها في أعظم انجاز خلد تاريخ (الأشوريين) الا وهي مكتبة ( اشور بانيبال ) والتي تعد أول مكتبة عامة في تاريخ البشرية ، حيث احتوت على كنوز المعرفة الإنسانية، ومنحت مؤسسها (آشور بانيبال) المكانة المرموقة بين رعاة العلم و المعرفة العظام بصفته ملكا مثقفا اهتم بالعلم والمعرفة، وجعل من مكتبته أول وأشهر وأغنى مكتبة عرفت في التاريخ القديم، سبقت مكتبة الإسكندرية بأكثر من ثلاثة قرون، وجاءنا منها نصوص ما لم يأتنا من أية مكتبة قديمة غيرها، لقد ضمت تلك المكتبة في أجنحتها أروع وأثمن ما تم الكشف عنه من الكنوز الأشورية خلال القرنين الماضي والحالي، قبل إن يأتوا فصيل من المجرمين والقتلة واللصوص ( دولة الإسلام – داعش) هؤلاء الأوغاد الأنجاس ليحيلوا تاريخ وحضارة وفن الدنيا إلى ركام يدمرون اثأر اعرق وأعظم مدينة على الأرض إلا وهي الحضارة الأشورية .
وبهذا الجرم الشنيع نراهم عبر ما صور من أفلام توثيقية لجريمتهم النكراء يتباهون فينشرون أفعالهم الدنيئة عبر كل مواقع الإنترنت، يوم 26-2-2015 ليبقى هذا التاريخ في ذاكرة المجتمع الدولي في اكبر انتكاسة لقيم الحضارة والإنسانية ،صورا تظهر زمر من المجرمين المسلحين وهم يدمرون الآثار الآشورية التاريخية لمدينة نينوى ، بالمطارق والحفارات اليدوية والمعاول، و يحطمون التماثيل الأثرية على سور نينوى ، وأبرزها الثور المجنح وعدة من التماثيل الحجرية والرخامية الضخمة، يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد، بدعوة أنها أصنام وثنية لا يجوز الإبقاء عليها حسب عقليتهم الرعناء دون ان يعو بان هذه التماثيل لم تعبد على مدار التاريخ ولم تقام من اجل العبادة بل أقيمت لتزين قصور الملوك ومدينة نينوى ليارخو عليها انجازاتهم كما كانوا يؤرخون الإحداث على جداريات والألواح الحجرية، بكون أن ذاك لم يكتشف الورق بعد، بكون الأشوريون هم أقدم الشعوب في العالم أمنت واعتقدت بوجود الله في سماء وكانوا يسمونه ( أشور ) فأشور هو اسم( الله ) باللغة الأشورية القديمة كما هو الله اسم للرب باللغة العربية، فالأشوريون عرف وامنوا واعتقدوا بوجود الله في العلى قبل سبعمائة ألاف سنة ،أي قبل المسيحية وقبل مجيء الإسلام بدينهم وحرفوه هؤلاء الدواعش الأوغاد ليحكموا هم على أنفسهم درجة جهلهم وأميتهم وغبائهم..! فلو كانوا على قدر ضئيل من الفهم والإدراك و المسؤولية، ولا نقول أكثر، لما كانوا فعلو ما فعلوه بتاريخ أجداهم فان كانوا عربا من الشرق فان أصولهم تعود للأشوريين، لا محال، قبل تغير ديانتهم إلى الإسلام ، ولكن ما نقول لجهلاء والسفاحين والقتلة واللصوص ...! وليدركوا وليعلموا هؤلاء المغول الدواعش، بان الإسلام حينما حطم الأصنام حطمها في( مكة والمدينة ) لأنها كانت تعبد ولكن الأشوريين لم يصنعوا أصنام بهياكل دمى صغيره كما عرف في الجزيرة العربية ووضعوها في أماكن مقدس معينة بمنازلهم ليعبدونها، وإنما صنعوا تماثيل ضخمة عملاقه ووضعوها في الطرقات وإمام قصورهم لتزين جمالية المدينة والقصور ليس الا، ولم يضعوها في معابد خاصة ليأتوا لعبادتها كما كان العرب يفعلون بأصنامهم في الجزيرة .
واليوم بمفهوم هؤلاء الأوغاد (داعش) وإتباعها يكون( الحجر الأسود ) في( مكة)" الحجر الأسود هو حجر مكون من عدة أجزاء، بيضاوي الشكل، أسود اللون مائل إلى الحمرة، وقطره 30 سم، وقد عززت بعض الأجزاء الصغيرة معا من خلال لصق سبعة أو ثمانية أجزاء مع بعضهما. الحجم الأصلي للحجر هو حوالي 20 سنتيمتر (7.9 إنش) في 16 سنتيمتر (6.3 إنش). حجمه الأصلي غير واضح نتيجة لتغير أبعاده علي مر الزمان، كما تم إعادة تشكيل الحجر في عدة مناسبات - راجع موسوعة وكيبيديا " أيضا صنما لان ملايين من المسلمين يذهبون ويقبلونه ويطوفون حوله أليس هو بمثابة صنم يعبد ..؟ فلماذا إذا يا أيها الأوغاد يا داعش ،لا تذهبون هناك وتهدمونه كما تهدمون حضارة الأشورية في موصل.. ؟ ام إنكم تضحكون على ذقونكم بشعارات كاذبة ، تحللون وتحرمون وفق أمزجتكم ، وانتم لا تفقهون شيء عن دينكم وعن الإسلام فكيف تفهمون ما قيمة الحضارة والتاريخ والكتب والمخطوطات والآثار، التي تعتبرونها محرمات فتحرقونها وتدمرونها ..؟ هل العلم والمعرفة وأدواتها في عقيدة الإسلام هي كفر ضمن رويتكم...؟ فلماذا أذا تستخدمون أدواتها، بنشر جرائمكم، عبر السلاح والرصاص والمدرعات المصنعة في الغرب وتستخدمون توينر و خرائط كوكل والاتصالات والتنقل بعربات همر وتويوتا ونيسان وتلبسون أحذية اديداس و نايك المصنعة في أمريكا أليست هذه من صناعة العلم ومنتجة من مجتمعات غربية وغير مسلمة وانتم تعتبرونهم مجتمعات كفرة ويجب إبادتهم كما تفعلون بالأشوريين المسيحيين في العراق وسوريا ومصر ..!
هذا هو دليل جهلكم يا دواعش، ناقشوا الأمور مع ذاتكم بمنطق العقل لتصلون الى حقائق ...، ولكن لا تفعلون لان غرائزكم الحيوانية تطغي على سلوككم وتصرفاتكم وهي التي تقودكم وستقودكم الى الجحيم وبائس المصير، ولا ما الذي يدفعكم الى تحطيم اثأر حضارة وهي التي نورت عقول البشرية وأوصلتهم الى هذا النور في العلم والمعرفة .
ان تحطيم الآثار الأشورية لهي جريمة بحق التراث الإنساني، لان هذه الآثار هي جزء مهم من تاريخ البشرية والتراث العالمي، فضلا عن ذلك فان تلك الآثار تمثل أولى الحضارات الإنسانية، ولا يمكن كتابة تاريخ البشرية من دون هذه الآثار التي أعطت المؤرخين والعلماء الدلائل والإثباتات الأولى على بدايات تفكير الإنسان وكيف كانت أصول هذا التفكير الذي تطور ليصل إلى ما وصل إليه في هذا القرن الواحد والعشرين.
ان داعش- يوما بعد أخر- وبجرائمها ووحشيتها تكشف مدى تخلفها الفكري والعقلي في تدمير هذا التراث، تراث الأشوري، تراث امة العراق والعرب المشرق بكونهم من أصول هذه الأمة، امة الأشورية الخالدة ، وهذه جريمة مشينة ومهولة، سيسجلها التاريخ كما سبق ان سجل غيرها من الجرائم داعش التي أقدم عليها البرابرة الجدد المتوحشين الدواعش الذين شوهوا بجرائمهم تاريخ البشرية والتراث العالمي.
ان فداحة إجرام داعش تكمن أيضا في تلازم التدمير مع سفك دماء وقتل وذبح المواطنين الأشوريين الأبرياء في العراق وسوريا ومسيحي مصر وتهجيرهم وتدمير نمط حياتهم وعيشهم الضارب في عمق التاريخ في هذه المنطقة منذ ألاف السنين، وهنا تكمن الجريمة الكبرى، ان ما جرى ضد حضارة وادي الرافدين على يد داعش لا يمكن السكوت عنه وتجاوزه، بل بات جريمة موصوفة ضد الإنسانية يجب المحاسبة عليها بسبب فداحتها وعمق الضرر الذي ألحقته بتاريخ البشرية وتراثها ولا بد من المحاسبة على هذه الجرائم، فبعد أن عجزة الدولة العراقية وحكومته من فعل أي شيء طوال فترة احتلال مدينة موصل في 6-6- 2014 والى يوما هذا، وهي للأسف تتفرج على المشهد بدم بارد وكان موصل ليست مدينة عراقية، بات أمر مخجل حقا ، مما يدعو بنا أمر حماية تراث وحضارة وحماية الأشوريين من الإبادة والتدمير، من مهمة المجتمع الدولي الذي يجب ان يبادر لوقف هذا المسلسل الإجرامي من دون أي تأخير واليوم قبل الأمس، لان التأخير يرتب المزيد من الإضرار والخسائر التي لا تعوض.
فأهمية الحضارة الأشورية في العراق والتي للأسف لا تبالي الحكومة العراقية بها، يكفي أن نقول لنذكرهم لعلى نسوا او تجاهلوا ،بأن مكتبة ( اشور بانيبال ) الأشورية فحسب، احتلت الصدارة في العديد من البحوث والدراسات في عوم العالم ،لما احتوته من رقم طينية تعد في الزمن الراهن من أهم ما يمتلكه المتحف البريطاني من آثار المعرفة والتي تقدر بأكثر من( خمسة وعشرين ألف ) رقيم أوقفت العالم أمام عظمة تأريخها واغتنت أشهر متاحف العالم بروائع آثارها وكنوزها، عكست منجز الإبداع لواحدة، تعد من أكثر الحضارات البشرية المعروفة عراقة وأصالة، ألا وهي الإمبراطورية الأشورية، حيث حفظ هذه المكتبة العريقة منجزات حضارات وادي الرافدين السابقة أنقذتها من البعثرة والضياع ووضعتها في مكان واحد فحفظت الكثير من الآثار الفكرية أهمها (قانون حمورابي) جمع في 282 مادة تشريعية كما حفظت الأساطير والملاحم والإعمال الأدبية التي تناولت الرثاء بشكل اناشيد، واعتبر المؤرخون بان (مكتبة آشور بانيبال) هي أقدم مخازن الرقم الطينية في وادي الرافدين و أقدم مكتبة اكتشفت حتى الآن ، وأقدم من المكتبة الإسكندرية ، فـ (الملك سرجون الثاني721- 705 ق.م) هو من سعى في جمع الرقم الطينية حيث وجدت ألواح كانت كتبت في عهده عليها ختم خزائنه، وقد توسعت هذه المكتبة في عهد (آشور بانيبال) الذي خلفه في الحكم حيث عمل على رفدها بالمزيد من الرقم الطينية وتولى توسيعها، ، فقد اهتم بفنون الكتابة وناصر الكتبة, إذ قال في أحد النصوص "استقيت المعارف الخاصة بالكتبة وحذقت آيات السماء والأرض ودرست ظواهر السماء وتمكنت من حل قضايا صعبة في القسمة والضرب وأتقنت فن الكتابة السومرية والاكدية الصعبة جداً, وكنت أحب أن أقرأ الأحجار والأنصاب المكتوبة من أزمان ما قبل الطوفان".‏ من الجدير بالذكر أن الملك (آشور بانيبال) تعلم الكتابة منذ الصغر, وأن والده الملك (اسرحدون) اهتم برعايته والإشراف عليه بنفسه, حيث بدأ بتخصيص معلم يشرف على تربيته وتهذيبه كان اسم معلمه (نابو ـ اخِ ـ اريبَ( الذي أشرف بشكل مباشر على تهيئته وتطوير معارفه.‏ كان آشور بانيبال ملكا حكيما ومحاربا محنكا وعالما مولعا بالآداب، وقد قال: "لقد تعلمت الحكمة عن الحكيم (آدابا)، واقتبست أسرارها، وأسرار فن الكتابة على الرقم، وخصتني السماء بالحكمة، ناقشت في مجالس العلماء، شاركت في معرفة الفأل من الكبد، أستطيع تفسير جميع الألغاز. وقد قرأت أصعب الرقم السومرية والأكدية، وتمعنت في النقوش الحجرية قبل الطوفان". والدليل الأكثر أهمية بهذا الخصوص هو اهتمام آشور بانيبال بالنشاطات العلمية والكتابية هو ما جمعه في مكتبته الشهيرة الألواح والرقم الطينية في مجموعته الخاصة لمطالعتها في المكتبة".
ومن المعروف أيضا أن الكنوز الحضارية التي شاعت شهرتها في بلاد النهرين لحق بها الإهمال والسطو ولم تنجوا الا حين انتقلت ألاف القطع إلى متاحف باريس ولندن، ورغم إننا كنا نتهم الغرب بأنهم سرقوا أثارنا وكنا نطالب باسترجاعها ولكن اليوم نكتشف حقا بأننا كنا واهمين لأننا لسنا أهل لحفظ الأمانة ،أمانة ما تركوه لنا الأجداد من علم ومعرفة وتراث وحضارة وإلا لكان كل ما حملوه من الآثار الموجودة في متاحفهم اليوم قد تم تدميره على يد تنظيم داعش الإجرامي وأتباعها ،كما يدمر اليوم اثار ملوك أشور في موصل . تلك الآثار التي تراكمت فيها تجارب في فن النحت بموطن الآشوريين منذ أقدم العصور، وتحكم موقع بلاد آشور كما يشير الباحثون في تكوين الهيئة العامة للشخصية الأشورية، وتميز هذا الفن بأسلوب موضوعاته من خلال مجاميع القطع النحتية البارزة التي أظهرت الخصائص والصفات الأشورية في تنظيم الشَعر وإشكال الملابس ونقلت ألينا موضوعات قصصية، كما في المسلة البيضاء المكتشفة في (تل قوينجق) داخل مدينة نينوى. والتي حملت ألينا من القرن الثالث عشر ق.م بوجوهها الأربعة موضوعات قصصية مختلفة.
لقد حدد النحات الأشوري خطوط مساراته في الإبداع من خلال الألواح التي جاءتنا من زمن (أشور ناصربال 824 ق.م) وكذلك من زمن (سرجون الثاني 705 ق.م ) الذي زين عماراته ومعابده وقصوره بمجاميع من الألواح المنحوتة، فيما أتاح لنا النحات الأشوري في زمن (سنحاريب 682 ق.م) التعامل مع ألواح حملت حوادث مصورة، حيث تم تطور النحت البارز في زمن (أشور بانيبال ) باتجاه المدرسة الواقعية مع ازدياد قدرة النحات على إظهار التأثير المطلوب في الحالات المختلفة وإظهار التفاصيل الكثيرة في إشكال وهيئات الإنسان والحيوان والنبات، وهذا يعني ان النحات الأشوري قد بدأ بتحسس موضوع (علم المنظور والإبعاد) وهو ما تحقق في القطع النحتية الكبيرة التي تم وضعها في مداخل المباني وقصور الملوك ومداخل المدينة و قوامها مخلوقات مركبة عرفت باسم (لاماسو، او الثور المجنح ) تتألف من مكونات قوى بشرية وحيوانية نجح النحات الأشوري بدمجها بشكل منسق، وكان لهذه المنحوتات الكبيرة والمتكونة من رأس إنسان وجسم حيوان وجناحي طائر، و(الثور المجنـّح) يمثل ذروة النحت العالي الأداء في المخلفات الآشورية، والذي مازال أسلوب النحت الأشوري يدرس في كل مدارس الفن في ارقي جامعات العالم، ويذكر بان أستاذ علم الآثار الآشورية (جون راسل) يقول :" ورَد ذكر هذا لاماسو في كتابات الملك الآشوري سنحاريب حيث جلبت رجالا أسرى من المدن التي غزوتها وبنو لي قصرا يقف على بوابته اثنان من هذا الثور المجنح ، ومن هنا نؤكد ثانية ونقول لعصابات داعش إن تهمة (عبادة الثور المجنح او بمفهومهم أصنام ) تبطل لأنه ليس من الممكن أن يكون (الإله) حارسا على بوابة قصره، لان هذه التماثيل ليست أصنام لتعبد كما يتهيأ عناصر( داعش) فيقوم بادعاءات كاذبة وفق تفسير خاطئ بأنها كانت تعبد لان (اللاماسو) قوة تجمع أربعة عناصر تكوّن الكمال (الأسد للشجاعة والثور للقوة والنسر للمجد والإنسان للحكمة)، وهذه التشكيلة كانت مرتبطة بالقصائد وهي في الوقت ذاته تعود الى أساطير عراقية عرفها العراقيون وتداولوا سرها قبل (الإغريق )بألفي سنة، ومنها كما اثبت الباحثون أسطورة (كلكامش) التي سبقت الأساطير الإغريقية، بل وكانت النواة الأساسية لبناء أساطيرهم من بعدها، واليوم نراها تتهشم بالمطارق والحفارات اليدوية ومعاول من قبل زمر (داعش) ليتحول متحف الموصل الحضاري إلى أنقاض من حجر مهشم بفعل هؤلاء الأوغاد، هذا المتحف الذي تأسس عام 1952، وقسم الى أربع قاعات تضم آثاراً من الأزمنة الآشورية والحضرية والعربية الإسلامية، فضلاً عن مكتبة عامة تعود نواتها الأولى إلى الباحث اللغوي العراقي، الأب (أنستاس الكرملي)، الذي تبرع بمكتبته الشخصية للمتحف الوطني العراقي في بغداد، والذي حولها بدوره إلى متحف الموصل الحضاري• وبحسب تقارير من المدينة فإن (داعش) جعله دارا تابع لمقراته الإجرامية بعد ان وضع يده على نفائسه التي لا تقدّر بثمن، وهذه هي المرة الثانية التي ينهب فيها المتحف منذ احتلت القوات الأميركية العراق عام 2003، حيث فقدت البلاد نحو 17 ألف قطعة أثرية لم تتمكن الجهود الحكومية العراقية والدولية من استعادة ويذكر بان في موصل اكثر من ( 1600) موقع أثري، كان قد تحدث عنها الدكتور المرحوم ( بهنام ابو الصوف ) كما تقع فيها قرية (الحضر) التي شكلت حلقة حضارية خاصة سميت بمملكة العرب (عرابايا بحسب نطقها الآرامي) في القرن الثاني قبل الميلاد، واشتهرت أيام الملك(الأبرش) الذي قُتل على يد ملكة تدمر( الزباء) ، ذائعة الصيت، وإلى جانب (الحضر)، تضم محافظة نينوى مدينة ( نمرود ) الأثرية (وتعرف أيضاً باسم كالح، أو كالخو) وهي العاصمة الآشورية الثانية التي بناها الملك (شلمنصر) عام 1273ق.م خلفا للعاصمة الأولى آشور، والجدير بالذكر في هذا المقام بان (116) ملكا أشوريا حكموا مدينة أشور في نينوى خلال فترة حكم تجاوزت على خمسة ألاف سنه وهو عدد لم يسبق لأية إمبراطورية ظهرت على مر التاريخ في العالم ان حكموا ملوكها بهذا العدد.
ومن ملاحظ هنا ان معالم الحضارة الأشورية بقيت طي النسيان التاريخي حتى عام (1808) الميلادي "حينما اكتشف القنصل البريطاني في الموصل (ديج) مدينة (نينوى) اذ كان يخرج للصيد ايام الأحد خارج الموصل وفي جولاته رأى نساء يخبزن الخبز بتنانير محلاة بقطع من (القاشان)، عرف بحسه ان هذا القاشان غير اعتيادي، سال القنصل النسوة من أين أتيتن هذا القاشان أشرن بأيديهم هناك، كان المكان مجهولا، و لما وصل المكان اكتشف (مدينة آشور) وعلى أثرها عثر على بعض الرقم الطينية المفغورة كان ذاك الحدث العظيم .
ثم جاءت بعثات تنقيبية أهمها بعثة الاثاري المعروف (هنري لايارد) يرافقه (هرمز رسام) في التنقيب عثرا على (71) غرفة وقاعة وممراً في تل كويسنجق كما عثرا أيضا على (مكتبة اشور بانيبال) التي احتوت ما يقارب من 25,000 رقيم طيني وضعت على جوانبها الثيران المجنحة التي شكلت أغنى اثأر العالم, من هذه الرقم الطينية، عثرا على قصة نوح دونت فيه (قصة الطوفان) و (ملحمة كلكامش).
وعندما غادر (هنري لايارد) العراق نهائيا عام 1851 أوكل مهمة التنقيب الى صديقه (هرمز رسام) كلف بالمهمة ذاتها بإسناد من المتحف البريطاني فابدع في مهمته، حيث عثر على العديد من الكتابات بالرقم الطينية القديمة التي سجلت ثقافة وعلوم وعقائد الشعوب القديمة في (بيث نهرين)، يتحدث الاثاري المشهور (اندري بارو) عن طريقة (هرمز رسام) في التنقيب في كتابه (آثار بلاد الرافدين) قائلاً :" تولى هرمز رسام بعد مغادرة (لايارد) بالكشف والتنقيب وحده في عدة مناطق، عثر على عدة آثار ثمينة يذكر منها تمثال (عشتار- ألامرأة العارية) على مقربة من معبدها في نينوى و (المسلة البيضاء) في تل كويسنجق. تعرف على اسم (أشور ناصر بال) في هذه المسلة بين عامي 1852 ــ 1853 ثم عثر (هرمز رسام) عام 1879 في (تلا بلادات) شمال شرق مدينة كالح (نمرود) على بوابتين برونزيتين نقشت عليها تصاوير (الملك شلمنصر) يستلم الجزية من (ملك قرقميش). بعثات تنقيبية أوروبية عثرت على كنوز مهمة من آثار الحضارة الأشورية، عثروا في قرية حسونة، على معابد وكنوز النمرود، كما اكتشفوا حدود مملكة آشور، في الكثير من المواقع الأخرى، اكتشفوا موقع المكتبة الأشورية الواقعة ضمن حدود قصر ملوك آشور حدثا تاريخيا يبقى أثره جديدا إلى الأبد".واغلب ما كان يتم اكتشافه من قبل هذه البعثات كان ينقل إلى بلدانهم خارج العراق ولحين قيام الجمهورية في العراق واهتمام الدولة بالآثار.
وهنا لابد ان نذكر اهم المتاحف التي احتضنت الآثار الأشورية رغم تدمير متحف موصل للآثار ولازالت أهم الآثار الأشورية خالدة فيها هي :
مديرية الآثار العراقية و متحف العراقي ببغداد و متحف دمشق و متحف حلب ومتحف اللوفر والمتحف البريطاني ومعهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو ومتحف الجامعة بفيلادلفيا ومتحف برلين ومتحف المتروبوليتان ومتحف سان لويس ومتحف اسطنبول ومتحف بروكلين و مكتبة بيربونت مورجان و متحف لي كارلزبرج بكوبنهاجن ومتحف طيبه باليونان ومتحف تورينو ومتحف تاريخ بفينا.
فالآثار هي مرايا الماضي والحاضر وأساسه ، واثأر الحضارة الأشورية تعكس الماضي الذي بناه أجدادنا في وادي الرافدين والتطور الذي كانوا فيه ، ولو عدنا الى التاريخ القديم للأشوريين ودرسنا كل ما تركوه لنا في أثارهم من الألواح الحجرية، سنكتشف بان من حضارة الأشوريين ظهرت أولى الكتابات باللغة المسمارية وتم تدوين الأساطير على الألواح الحجرية ، وسنت أولى القوانين وتم دراسة علم الفلك ورصد النجوم ، ووضعت أولى المسائل الهندسية حيث صنعوا العربة ، وبنو السدود على الأنهار ، واشتهرت حضارتهم بفن النحت والعمار وعبر ومنحوتاتهم سنكتشف قيمة حضارة ما بين النهرين التي هي الأقدم والأعرق والأكثر حضارة تأثرا على البشرية حتى يومنا هذا ، فهذه الحضارة المدنية وصلت إلى أعلى درجات الرقي والتقدم في كل المجالات و امتدت مابين النهرين الى مصر وتخوم الصين ، ونشرت المدنية والعلم والمعرفة في كل أرجاء العالم.
فأين هؤلاء الدواعش السلفيون المتطرفون من هذا التاريخ وحضارة الأشوريين..!حيث هؤلاء الدواعش المجرمين أشاعوا الفساد في الأرض من قتل وذبح وإحراق وتدمير هذا التراث لحضارة سبعة ألاف سنة، بقيم داعشية حمقاء لا تمد بأية صلة للبشرية ولا حتى بدينهم دين الإسلام الذي أضحى هاجسنا اليوم يتمثل بالخوف على المسلمين نتيجة تشرذمهم وضياعهم وابتعادهم عن حقيقة الإسلام الأصيل مما سبب الرجوع من جديد إلى موقف الدفاع في مواجهة كل أشكال الغزو الثقافي الآتي من شلة من مضللي الدين الإسلامي والذين بات يتغلغلون في المجتمعات الشرقية عبر أساليبهم الدموية الرخيصة .



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داعش تصاعد في سوريا حملتها البربرية ضد القرى الأشورية في الح ...
- مجزرة مسيحيو مصر الأقباط .. وجرائم داعش .. وسكوت واشنطن
- مفهوم الفن وفلسفة الإبداع عند الفنان التشكيلي
- الوحدات القتالية .. صحوة أشورية
- معركة كركوك وانتصار البشمركة
- كركوك لن تكون موصل ...
- عراق اليسار
- أحداث موصل وسيناريو احتلالها من قبل داعش
- إقليم كردستان واحة للسلام .... رسائل الكرد الى الأشوريين الم ...
- ويأتي عام 2015
- لكي لا تكون المرأة ضحية دون ثمن ...!
- بين صحيح البخاري وصحيح مسلم فقد المجتمع صحيحه تأويلا.. والصح ...
- جرائم ضد المرأة .. والعراق ..وما من منقذ...!
- التطرف يقوض امن المسيحيين في الشرق الاوسط وباقي الاطياف الاخ ...
- محنة النازحون العراقيون في المخيمات
- التذوق و جماليات الفن التشكيلي
- كردستان ليست قردستان .. يا .. سعدي يوسف...!
- هل سنشهد احتلال لعواصم عربية مجددا ...؟
- لا امن للعرب والمسلمين دون اعتراف باسرائيل ..!
- الاشوريون بين مطرقة الدواعش وسندانة الحكومة


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فواد الكنجي - داعش و جريمة التاريخ في تدمير الآثار الأشورية