أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - نشاة الكون: طبيعية أم ماورائية؟ [1]















المزيد.....

نشاة الكون: طبيعية أم ماورائية؟ [1]


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4733 - 2015 / 2 / 27 - 15:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نشاة الكون: طبيعية أم ماورائية؟

الفصل الثاني من كتاب ديفيد ميلز "الكون الملحد Atheist Universe" ترجمة إبراهيم جركس

((لقد تمّ ابتكار مفهوم الله لتفسير اللغز والغموض. لقد اختُرِع مفهوم الله لتفسير تلك الأمور والظواهر التي لاتفهمها. والآن، عندما تكتشف في النهاية كيفية عمل شيء ما أو الطريقة التي يسير فيها، فإنّك ستحصل على بعض القوانين التي تبعدك عن الله، ستشعر أنك لست بحاجةٍ إليه بعد الآن))
[ريتشارد فاينمان، 1918-1988، فيزيائي حاصل على جائزة نوبل]

خلال عام 1919، انضمّ عالم شاب وطموح يدعى إدوين هابل إلى طاقم من العلماء والباحثين الطموحين في مرصد ماونت ويلسون بكاليفورنيا. قاموا بتوجيه تلسكوبهم الذي يبلغ قطره 100إنش نحو ظلمة السماء، وسرعان ماتمكّن هابل من تحقيق أحد أعظم الاكتشافات وأكثرها أهمية، سجّل هابل على صفائحه الفوتوغرافية المُعَدّة بدقة بأنّ الضوء الذي ينبعث من المجرّات البعيدة كان يميل نحو اللون الأحمر في نهاية الطيف. اكتشف هابل علاوةً على ذلك أنّه كلّما كانت المجرّة أبعد عن الأرض، ازداد ميلان الطيف نحو اللون الأحمر. هاتان الملاحظتين الفلكيتين واللتان جرى إثبات صحّتهما لاحقاً عن طريق المنهج العلمي الصارم، أصبحتا تعرفان لاحقاً باسم "قانون هابل Hubble s Law".
المساهمة الأعظم والأكثر إثارةً للجدل التي ساهم بها هابل في مجال علم الفلك تكمن في تعليله لظاهرة انحراف طيف الضوء نحو اللون الأحمر. فكّر هابل أنّ الانتقال أو الانحراف الملحوظ في اللون (أي طول الموجة) كان سببه الحركة النسبية، بعيداً عن الأرض، للمجرات البعيدة. وبما أنّ هابل كان يعرف أنّ الانحراف نحو الأحمر في طيف الضوء المنبعث من المجرات متناسب مع بعد المجرة عن الأرض، وقد توصّل إلى نتيجة مفادها أنه كلما كانت المجرة أبعد، كانت حركتها أسرع. بغضّ النظر عن النقطة التي وجه نحوها هابل مرقابه إلى السماء، فقد وجد أنّ جميع المجرات _أو لنكون أكثر دقة، جميع العناقيد المجرية_ كانت تبتعد بسرعة عن الأرض، وعن بعضها البعض أيضاً.
ومن خلال خطوة منطقية واحدة، أدرك هابل أنّ المجرات إذا كانت تبتعد بسرعة عن بعضها _بمعنى أنّه إذا كانت البارحة أقرب إلينا (أو إلى بعضها) ممّا هي عليه اليوم_ فهذا معناه أنّه في زمنٍ ما، أو في لحظة زمنية معينة في الماضي، كانت جميع المادة الموجودة في الكون محصورة ومكدّسة مع بعضها ضمن مجال صغير جداً أو نقطة مكانية مضغوطة عالية الكثافة. إذن إنّ هذا التوسّع الملحوظ للكون، لابدّ وأنّه قد نتج عن قوى نابذة من نوع ما أو انفجار ما. وقد جرت تسميه هذا التفسير النظري لتمدّد الكون لاحقاً باسم "الانفجار الكبير أو بيغ بانغ Big Bang".
الأدلّة الكوزمولوجية التي تدعم نظرية الانفجار الكبير ليست مقتصرة على اكتشاف هابل والاستدلالات المنطقية. في عام 1965، رصد الخبيران آرنو بنزياس وروبرت ويلسون، اللذان كانا يعملان لحساب شركة بيل للهواتف، شعاع خلفية موجية ضعيف يشغل الكون ويصدر من كل مكان ومن جميع الاتجاهات. أثبت هذا الشعاع الموجي لاحقاً أنّه عبارة عن صدى كهرومغناطيسي للانفجار الكبير _وقدّم دليلاً صلباً، متيناً، وقاطعاً يدعم نظرية الكون المتمدّد أو المتوسّع.
خلال باكورة عام عام 1992، تمكّن تلسكوب ناسا في الفضاء COBE (مسبار الخلفية الكونية) من تسجيل شذوذات طفيفة ضمن شعاع الخلفية هذا. هذه التغيرات الطفيفة، التي لطالما بحث عنها الكوزمولوجيون طويلا، ضرورية جداً لتفسير سبب عدم توزّع المادة في الكون بشكلٍ متساوٍ. لو كان الانفجار الكبير توسّعاً تناظرياً بشكل مثالي وعلى نطاق شامل، لما ظهر هذا الكون إلى الوجود، كما هو الآن، مساحات شاسعة منه خالية تماماً من المادة، متواجدة في مناطق متاخمة لمناطق ذات كثافة عالية من المادّة. إنّ أرصاد مرقاب كوبي لاتقدّم فقط دليلاً أكيداً إضافياً على نظرية الانفجار الكبير، بل أيضاً تناغم التوزّع الجميل والمتناظر للمادة في جميع أرجاء الكون المنظور.
وحتى قبل اكتشافات هابل، تنبّأت معادلات آينشتاين في النسبية العامة بتوسّع الكون وتمدّده. والأمر المثير للاهتمام هو أنّ آينشتاين لاحقاً قد قام بإدخال "ثابتاً كونياً" اعتباطياً في معادلاته لنفي إمكانية التمدّد الكوني. لاحقاً وصف آينشتاين هذا الثابت الكوني بأنّه "أعظم خطأ ارتكبه في حياته". من المذهل تصوّر أنّ آينشتاين _بالإضافة إلى مساهمته العظيمة في مجال العلم_ قد قدّم دليلاً نظرياً يثبت صحّة نظرية الانفجار الكبير قبل توفّر أي دليل تجريبي أو رصدي. لسوء الحظ، كان آينشتاين متأثّراً بالفكرة الشائعة بأنّ الكون ساكن ومستقرّ. لم يظهر آينشتاين غالباً أي استقلالية فكرية عن معتقدات وأفكار عصره.
يخمّن عدد من مؤرّخي العلم أنّه لابد أن يكون إسحاق نيوتن حتى _الذي عاش في القرن السابع عشر_ قد تأمّل في الضرورة النظرية للكون المتوسّع. فإذا أخذنا قوانين نيوتن في الجاذبية الكونية، عندها سينهار الكون الساكن وغير المتمدّد على نفسه. خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يمكننا أن نستنتج ببساطة وبعقلية منفتحة وبكل أريحية، سادت الفكرة القائلة بأنّ انفجارا عظيماً قد حدث وولّد هذا الكون الذي عَقِبَته عملية توسّع وتمدّد استمرّت طوال 14 مليار عام.

# ما قبل الانفجار الكبير
إذا تابعنا في افتراضنا بأنّ نظرية الانفجار العظيم تصف ولو جزئياً تاريخنا الكوني الحقيقي، عندها سنواجه من فورنا سؤالاً محيراً. جميع "الانفجارات" التي نشهدها على الأرض في أعماق الفضاء تتضمّن تفرّقاً وتشتتاً عشوائياً للمادة. لذا، إذا كان الكون _كما نعرفه اليوم_ قد بدأ بانفجار كبير، شتّت مادّته الفيزيائية في أرجاء المكان، فمن أين جاءت كل هذه المادة في الأساس؟ لذا، وكم يتساءل الفيلسوف المعاصر مورتيماير آدلر: ((لماذا هناك شيء، بدلاً من لاشيء؟)).
بالنظر إلى هذا السؤال الصعب، انقسم العلماء المعاصرون إلى فريقين كل فريق اتّخذ لنفسه موقفاً محدداً: 1) لقد تجاهلوا السؤال بشكلٍ كامل. 2) قالوا أنّ هذا النوع من الأسئلة يتجاوز نطاق البحث العلمي الصارم، ويجب أن يترك عبء الإجابة عنه إلى الفلسفة وعلماء اللاهوت.
نلاحظ أنّ الفلاسفة واللاهوتيون أكثر من سعداء للخوض في مثل هذه الأسئلة المقلقة والمعقّدة والمربكة للعقل الإنساني. فمنذ زمن توماس أكويناس بالقرن الثالث عشر _وقبل ذلك بوقتٍ طويلٍ ربما_ خاض العديد من الفلاسفة الأكليروسيين وقدّموا حجّة "السبب الأول أو العلّة الأولى أو المبدأ الأول" لأصل الكون. وبالرغم من أن غالبية هؤلاء اللاهوتيين كانوا يؤمنون بنظرية سفر التكوين وعملية الخلق المذكورة فيه، فإنّ هذا الخلق الآني قد جاء من عَدَمْ ex nihilio، كل ماكان يسعى رجال الكنيسة هؤلاء تحقيقه من عَدَمِهِم هذا المساهمة في النقاش الكوزمولوجي العلماني، ودحضه وتفنيده.
تنصّ حجّة السبب الأول أو المبدأ الأول على مايلي: نحن نلاحظ أنّ الكون يتضمّن قانون السبب-النتيجة. كل شيء في هذا الكون يتطلّب سبباً أو علّةً أو لوجوده. وكل سبب أو علّة أو مبدأ، بدوره، بحدّ ذاته نتيجة تتطلّب سبباً سابقاً لها. وإن عدنا إلى مالانهاية في هذه السلسلة السببية، فسنصل في النهاية إلى السبب الأول أو العلّة الأولى، التي نطلق عليها اسم: "الله".
من الناحية التاريخية، واجه الفلاسفة المتنوّرون والعقلانيون حجّة السبب الأول بالتساؤل التالي: ((ما سبب الله؟)) [من الذي خلق الله؟]، وعندما أجاب رجال الدين بأنّ ((الله كان موجودٌ دوماً))، قدّم العلمانيون نقطتين أساسيتين كدحض لهذا الجواب الهشّ: 1) إذا افترضنا أنّ الله موجودٌ دوماً، عندها ما المانع بأن نفترض أيضاً أنّ المادّة والعالم الفيزيائي/ المادي كانا موجودين دوماً ومنذ الأزل؟ ففي النهاية، هذا الافتراض الطبيعي، الغير-ماورائي أبسط بكثير من اقتراح سلسلة أكثر تعقيداً من معجزات الخلق الإلهية.
2) الحجّة الأكليروسية _أنّ الله موجود أزلي_ تتناقض مع البديهة الأصلية لحجّة السبب الأول: أنّ "قانون السبب الأول" يمكن تطبيقه بثبات. إذا كان كل شيء، باستثناء الله، يخضع لقانون "السبب-النتيجة"، عندئذٍ تصبح حجّة السبب الأول خاصّة وبذلك مستحيلة منطقياً. بمعنى آخر، لقد عدنا من حيث بدأنا، ولم نحرز أي تقدّم لامن ناحية حججنا المنطقية، ولا من ناحية فهنا للسبب الكوني.
هذه الحجج القديمة قدم الزمن نفسه، لصالح حجّة السبب الأول وضدّها، هي حجج مشؤومة أصلاً، لكنها حجج فلسفية ولاهوتية بطبيعتها، بدلاً من أن تكون حججاً علمية. ولهذا السبب بالضبط، أغلب العلماء المعاصرين _كما سبق وقلنا، يتردّدون كثيراً في الخوض بمثل هكذا افتراضات غير علمية، ويناولون الدلو بسعادة وسرور للفلاسفة وعلماء اللاهوت. هدفي هنا يتمثّل في أن أبيّن أنّ مثل هذا الدلو الكوزمولوجي الذي يجري تمريره غير ضروري للفرد العصري أو الشخص ذو العقلية العلمية الحديثة. فعن طريق استقطاب القوانين الفيزيائية المؤسّسة منذ زمنٍ طويل، بإمكان العلم أن يصف لنا كوناً عنصرياً في زمن ماقبل الانفجار الكبير. بمعنى آخر، قصدي هنا هو أن أوصل فكرة مفادها أنّ أصل المادة هو سؤال أجاب عنه العلم منذ زمنٍ طويل، لكنه فشل في شرح المسألة وتوضيحها بشكلٍ مبسّط للجمهور القارئ.

# قوانين الفيزياء
اليوم، بتنا نرى كتابات التكوينيون ومحاضراتهم وهي تتضمّن إشارات مرجعية "لقوانين الفيزياء". فالتكوينيون يعشقون استخدام هذه المفردة التقنية ويأملون أن تمنحهم هذه اللفظة العالية عباءة الوقار الأكاديمية. ومع ذلك، عندما ندقّق بحرصٍ في كتبهم العلمية، تتوضّح أمامنا حقيقتان جليّتان: 1) أنّ التكوينيون أو المؤمنون بنظرية الخلق والتكوين يسيئون فهم، واستخدام _ويعيدون صياغة القوانين الراسخة والمؤسّسة لعدد من المجالات والحقول العلمية. 2) لايبدو أنهم _التكوينيون_ يفهمون أساساً ما الذي يعنيه العلم الحديث ضمن إطار "قوانين الفيزياء". لذلك، وقبل أن نستمرّ أكثر، ينبغي عليّ أن أعرف ماهو العلم، وما ليس هو، وماذا يعني في سياق "القوانين الفيزيائية". بكل بساطة، إنّ القانون العلمي أو الفيزيائي هو عبارة عن وصف بشري/إنساني لطريقة عمل الكون بثبات. على سبيل المثال، إقترح أسحق نيوتن بعد دراسته للأجرام السماوية قانون الجاذبية، مفصّلاً ومتنبّأً، بمعادلاته الرياضية، بمدارات الكواكب القريبة.
أسّس جورج مندل، وهو يزاوج بين مختلف أنواع الكائنات الحية على الكوكب، الإطار العام لقوانين الوراثة والتوارث الجيني، متنبّأً بدقة بالنتائج البنّاءة لعملية التزاوج المختلط. هذه القوانين، قوانين نيوتن ومندل، قد جرى توسيعها وتنقيتها على أيدي العلماء اللاحقين، الذين أجروا بدورهم على أساسها تجاربهم، وسجّلوا أرصادهم وملاحظاتهم الثمينة والقيّمة. النقطة الأهم هنا هي أنّ القوانين العلمية والفيزيائية عبارة عن أوصاف إنسانية، قائمة على أساس الملاحظة الإنسانية، وبذلك فهي عرضةً للمراجعة المستقبلية _أو التفنيد العلمي والنهائي حتى.
غالباً مايزعم الخلوقيون _وبتجاهل لهذه التعاريف_ أنّ قوانين الفيزياء تحكم سلوك الكون _أنّ قانون الجاذبية على سبيل المثال يسبب سقوط الأجسام على الأرض، أو أنّ قوانين الكيمياء هي التي تحكم التفاعلات الخلوية. مثل هذا الزعم، أي القائل بأنّ قوانين فيزيائية تحكم الكون المادي، يعكس وجود حالة من سوء الفهم المدقع وعدم فهم عميق بالعلم من قبل الخلوقيين. قدّم كلٌ من فيرنسايد وهولتر في كتابهما ((مغالطة: تزييف الحجّة Fallacy: The Counterfeit of Argument)) مثالاً تشبيهياً واضحاً وجلياً. تصوّر أنّه قد تمّ إرسال مراسل صحفي لجريدة ما لتغطية لعبة كرة قدم في إحدى المدارس. يجلس المراسل في الكبينة المخصّصة للصحفيين، ويكتب مقالاً للصحيفة حول اللعبة التي شاهدها للتو. من السخف القول أنّ رواية هذا الصحفي عن نتائج اللعبة هي التي أدّت إلى الانتهاء إلى هذه النتائج. بنفس الشكل، من السخف القول أنّ قوانين الفيزياء، وفي المواصف الإنسانية المكتوبة عن ملاحظات إنسانية لطريقة عمل الكون، هي التي تنتج الظواهر المرصودة.
ويستنكف التكوينيون عن الاعتراف بأنّ القوانين الفيزيائية إنسانية المصدر في الأصل. فبدلاً من ذلك، يؤمن الخلوقيون بأنّ قوانين الفيزياء موجودة بشكل مستقلٍ عن الإنسان ولذلك فهي تتطلّب وجود "واضع لهذه القوانين"، قوّة إلهية "تسيطر على الكون وتحكمه" عن طريق هذه القوانين. إذا كانت قوانين الفيزياء ابتكارات إنسانية، عندها يصبح مفهوم المشرّع الإلهي لهذه القوانين غير ضروري إطلاقاً: الإنسان نفسه هو واضع هذه القوانين ومشرّعها.
إنّ إدراك حقيقة أنّ العلماء هم واضعو هذه القوانين لايعني بتاتاً القول بأنّ سلوك الكون المادي له سوابق سببية كافية. لايوجد عالم حقيقي واحد يقول بأنّ الكون يتصرّف بطريقة عشوائية واعتباطية بالكامل وغير متوقعة.
طبعاً، إنّ الهدف الكلي والأخير من العلم هو اكتشاف وفهم المنظومات والعلاقات السببية التي تعمل عملها في مختلف أرجاء الكون.
لكن، عن طريق الاعتقاد بأنّ قوانين الفيزياء هي السبب في تصرّف الكون على هذا النحو، يغفل التكوينيون عن الحاجة للبحث عن تفسيرات سببية أصيلة. على سبيل المثال، لو سألت لماذا الحجر التي تُرمَى باتجاه الأعلى نحو السماء تسقط فوراً نحو الأرض، وسيكون من غير المعقول ولاالمنطقي القول: ((إنّه قانون الجاذبية)). "فالجاذبية" أو "قانون الجاذبية" ببساطة شديدة هو الاسم الذي أطلقناه والذي أضفيناه على الظاهرة المرصودة. إنّ السبب الحقيقي والكامن وراء سقوط جميع الأشياء نحو الأرض وانجذاب جميع الأشياء الموجودة في الكون نحو بعضها هو _في هذا اليوم_ مايزال لغزاً محيراً. صحيحٌ أنّ آينشتاين قد بيّن أنّ الأجسام الضخمة تشوّه الزمكان وتنتج عنها تأثيراً ثقالية. لكن لماذا تشوّه الأجسام الكبيرة والثقيلة الزمكان؟ مثل هذا السؤال مازال من دون إجابة، ولايمكن الإجابة عنه بالقول: ((إنّه قانون الجاذبية)). القانون الفيزيائي عبارة عن وصف موضوع من قبل الإنسان، وليس تفسيراً سببياً عن طريقة عمل الكون بثبات.
القانون الذي يسمى بقانون "السبب-النتيجة"، كثيراً مايجري توظيفه واستغلاله من قبل الكُتّاب التكوينيون والناطقون من أنصار نظرية الخلق، ماهو إلا عبارة عن لعبة فلسفية لاهوتية، وليس بقانون راسخ ومؤسَس في مجال العلوم الفيزيائية. وبنفس الشكل، لايقدّم قانون "سبب-نتيجة" أي تفسير للعديد من المشاكل أو المسائل العلمية. لنفترض على سبيل المثال أنّ سيارتي لم تعمل بشكل صحيح ومناسب، فأخذتها إلى مرآبٍ خاص من أجل إصلاحها. وسألت عامل الصيانة هناك عن سبب عدم عمل سيارتي بشكل صحيح. فإذا أجابني التقني أو عامل الصيانة بالقول ((إنّه قانون السبب-النتيجة مرةً أخرى))، فسأدرك على الفور بأنّه يراوغ، وأنّ "تفسيره" فارغ بالمرة. التفسير العلمي الواقعي سيكون: بسبب وجود عطل في التوصيلات الكهربائية جعلها عاجزة عن توليد شرارة، وهذا يحول دون اشتعال الوقود، وبذلك لايعود المحرك قادراً على تدوير محور القيادة، وبذلك فإنّ عمود المحور غير قادر على الدوران، وبذلك تصبح العجلات الموصولة بالمحور تظلّ ساكنة لاتدور. إذن، نلاحظ أنّ التفسير أو التحليل العلمي الأصيل يتضمّن علاات ميكانيكية محدّدة وتفاعلات معيّنة. لذا، إنّ أي حجّة تتأثّر بشكل أعمى "بقانون السبب-النتيجة"، بدون ملء أي فراغات أو فجوات، هي حجّة فارغة من أي مضمون علمي.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسوأ 12 فكرة زرعها الدين ونشرها بين البشر
- يغالطونك إذ يقولون [1]: أنّ الانفجار الكبير خطأ، لأنّه لايمك ...
- هل تمّ إثبات نظرية التطوّر؟
- أيمكن أن يكون الله مطلق العدل ومطلق الرحمة في آنٍ معاً؟
- لماذا حرّم محمد على أتباعه التشكيك به أو بقرآنه؟
- الموت للكفرة [2] العنف السياسي بوصفه إرهاباً: دراسة سوسيو-سي ...
- الموت للكفرة [1] العنف السياسي بوصفه إرهاباً: دراسة سوسيو-سي ...
- ستة دلائل تشير إلى أنّ الدين يضرّ أكثر ممّا ينفع
- متلازمة الصدمة الدينية
- ميم التوحيد
- شركية ووثنية البطريارك إبراهيم
- كيف تحوّل يهوه من إله محلّي إلى إله عالمي؟
- كتاب فيروس الدين [3] تأسيس
- كتاب فيروس الإله [2] تأسيس
- كتاب فيروس الإله [1] تأسيس
- ماذا نعرف عن محمد حقاً؟
- ديانة التوحيد القمري 12: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري 11: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري 10: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري (جغرافية العبادات القمرية في الشرق الأو ...


المزيد.....




- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - نشاة الكون: طبيعية أم ماورائية؟ [1]