|
البوح الساخر في - ماذا تحكي أيها البحر...؟- للكاتبة المغربية فاطمة الزهراء المرابط
نجية جنة
الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 19:37
المحور:
الادب والفن
" ماذا تحكي أيها البحر ...؟" عنوان معبر يوقعنا في حبال القص الهادر كأمواج البحر، الانسيابي كحفيف رياحه ذات النسمات الأنثوية التي تحمل بين جوانحها لغة شعرية ذات دلالات انزياحية ، حيث إسناد الكلام إلى البحر ، فيكون القارئ فكرة حول القصص التي جلها جاءت بوحا مستمرا ، و بالرغم من الذبذبات الشعرية التي نستشعرها إلا أن جل المواضيع تلامس الواقع بكل همومه ومشاكله ، وتلامس أيضا ذات الكاتبة برغباتها وأمنياتها وانكساراتها. فالمجموعة القصصية هي الولادة الأولى لفاطمة الزهراء لمرابط ، لذلك كان وجعها مضاعفا ، ورغبتها أكيدة في طرح قضايا تؤمن بها وتتوخى من خلالها التعبير عن رسائل إنسانية.
تضم المجموعة تسعة عشر قصة قصيرة ، جلها اعتمدت تقنية إبداعية متميزة ، حيث اعتمدت أسلوبا سهلا محملا بتلميحات لا تخلو من سخرية لاذعة، ووصفا موجزا لا يحمل تفاصيل مملة ، تقتفي أثر المعلومة مع سبق الإصرار والترصد فتأتي الحكاية منسجمة انسجاما كليا من البداية حتى النهاية . بعض القصص جاءت كقصيدة نثرية أو كخاطرة تحمل أسلوبا رقيقا ولغة شعرية شفيفة كما في ص 8 " أنت القصيدة" " هذا المساء كان هناك ، عبث بالحروف والكلمات، لهفة الشوق ، لم تبدد رغبة الصمت و السؤال ، لم تمح بقايا الحروف الملتهبة...." ، كما أن استخدامها لبعض العبارات بالدارجة المغربية في بعض النصوص يزيد التعبير تأكيدا وتأثيرا وواقعية ، كما في ص 15 "آآآآآآه على زمان الحكرة...." وفي ص 75 " الله يا ربي ، بنت وحدة ومسخوطة".
لكن في جل القصص نشتم رائحة البحر ، يندثر زبده ، وتمحي أحزانه مع المد والجزر فتتملكنا نوستالجيا للطفولة وللشباب حيث الإحساس بالأمان تارة والخيبة تارة أخرى. شأن الكاتبة التي نجدها في كل القصص بجانب البحر أو وسط أمواجه بدون منقذ ، دلالة على وضعية المرأة الحائرة ، كما توحي صورة الغلاف ، بفضاء ضبابي ، وكأن السيدة على الشاطئ بخطواتها المتأنية تحمل أسرارا سوف تشاركها مع البحر ، أو سوف تسائل أمواجه عن الحلول لمشاكل وأسرار أثقلت كاهلها.
فالكاتبة تنطلق من أحداث واقعية كلها ممزوجة بأحاسيسها المرهفة ، الشيء الذي يؤكد طغيان الذكريات و الأحلام على المتن السردي ، فينطلق الحكي من أعماق الذات لينكأ جراحات القارئ ، ويتناوب ضمير المتكلم والغائب في القصص ، ورغم استخدام وجوه مقنعة للشخوص ، ندرك جيدا أن شخصية الساردة قوية وتطغى على الأحداث. فكل النصوص تحمل وجهين مختلفين ( الإعلان والإضمار) الشيء الذي يزيد الخطاب السردي تنوعا و جمالية.
نبشت الكاتبة عميقا بين هموم المواطن ، وأضافت همومه لهمومها ، ففضحت معاملات وعادات كثيرة تنخر واقع المجتمع المغربي ، في قصة " انتظار" ص 14 " الرجل القصير يختفي بين المكاتب المتشابهة ، ويعود بعد خمس دقائق بورقة صغيرة مزينة بتوقيع أحمر ، لون الدم الهارب من وجهه ، وهو يتجول كل يوم بين المواطنين ..." أسلوب التلميح يزيد الوصف حدة وجمالية " ادهن السير يسير" تنتقد تفشي الرشاوي والغش والرداءة في الإدارة العمومية حيث ينبئ الوضع بإفاضة الكأس وسط جموع الشعب .
أما قصة " لعنة" ص 23 فتحمل بين طياتها انتقادا لاذعا لوضعية الثقافة و المثقف بالمغرب ، والواقع المتدني للملتقيات الأدبية ، حيث تصور واقع المبدعين المبتدئين واندهاشهم وخيبة أملهم أمام من يعتبرون أنفسهم أوصياء على الأدب ، في حين لا يملكون من الإبداع سوى حقيبة مهترئة وبيرية، يلهتون وراء مصالحهم الشخصية وفتات الموائد، " تلعن في صمت ، الحروف التي جعلتها تقف أمام رجل بائس لا يفقه في الكتابة سوى انتقاداته التافهة ، ثم يحمل حقيبته المهترئة ويرحل بعيدا في انتظار لقاء آخر " ص 24 " ما الجدوى من السفر لساعات وساعات ..؟ و الوقوف لدقائق أمام الميكروفون ، أمام الكاميرا، تتساءل في أعماقها، وهي تتأمل الوجوه المنصتة ، الوجوه المتجهمة، المتبرمة، الأنامل العابثة بأزرار الأجهزة المحمولة" ص: 25 " لم جئت إلى هنا ؟ ألتكوني صفراء مثل هؤلاء ، ستعودين خاوية الوفاض كما جئت ، ستلملمين شظايا حروفك اليتيمة ، وتحمين شهادة كرتونية مع أوراقك المنسية". في ص 69 القصة "التباس " أيضا تفضح بعض التصرفات الدنيئة لبعض المحسوبين على الثقافة والصحافة ، بحيث يتعرض مبدع مبتدئ لسرقة عمله الأدبي من طرف كاتبة مشهورة في ص 70-71 " آه ما أحلى الشهرة. ... قال وهو يتقدم بروايتها الأخيرة. ... هل يمكنك الاطلاع على نصوصي المتواضعة، إنها منشورة على صفحتي بالفايس بوك. ... هذا الصباح كانت هناك ، تبتسم ، تبستم له وحده ، ذكرى اللقاء العابر لا يزال حلما يداعب خياله ، لم يحتس القهوة السوداء كعادته ، بل تمتع برشفات من عصير البرتقال ، فرحا بجديد كاتبته الغالية ، وعلى حروف الجريدة تجمدت عيناه، يا لسخرية القدر، إنها قصته القصيرة..." قفلة القصة ختمت باندهاش القارئ من الحقيقة الصادمة لواقع الساحة الأدبية .
في قصة " أمواج" ص 33، توظف أسلوب الإسقاط ، والحوار الداخلي الذي يبدو عاديا مع الجدار ، يأخذنا إلى زمن الطفولة ، حيث الكاتبة تستمتع بحكايات أبيها، بشغبها ،لعبها ورسوماتها ، وفي نفس الآن تستشعر حزن الجدار وتوظف همومه لصالح نفسيتها البئيسة ، قصة تعبر عن ذات الكاتبة الحزينة التي تسعى للتخلص من كآبتها، وتبدأ من خلال موهبتها ( الرسم) في ص 39 " - صباحك مشرق أيها الجدار العظيم ..؟ ألقيت التحية وأنا ألتفت حولي ، وكأني أخشى أن يسمعني أحد المارة فيتهمني بالجنون... وأين هي العظمة؟؟ رد الجدار منكسرا -أنت عظيم، ألا تنظر على شموخك، انظر إلي ألا تتذكرني ؟؟ كنت طفلة قبل سنوات ، وها أنذا أغادر الثلاثين ، هل تعلم كم هو عمرك ؟ و الجدران بعدك أصابها الفناء منذ زمن طويل. نبرة الحزن والانكسار تغلف صوته...
طرحت القاصة عدة قضايا جريئة تهم المرأة، و عرضت بعضا من خبايا الأنثى وهواجسها على الخصوص ، وما يتعلق بها نفسيا وجسديا واجتماعيا واقتصاديا ، بحيث أعطت لعناوين النصوص دلالات ، إيحائية :ك " أيام الباكور" ص75 و "شمعة" ص 83 و "أبواب مفتوحة "ص 87 " ثرثرة" ص 103 و " برج الهوى" ص 109 و "عبور" ص 113 و" تلك الشقراء " ص 119 ، وبذلك جاء الكتاب محملا بأبعاد إنسانية .
#نجية_جنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في ديوان بعد الرحيل ، للشاعرة المغربية رشيدة بورزيكي
-
حكي بانورامي في المجموعة القصصية -وشم في السعير- للكاتب المغ
...
-
ما رواء الحكي في المجموعة القصصية-وصمة زعفران- للكاتب المغرب
...
-
أنفاس ليلي
-
دثريني أمي
-
الحلم العربي في رواية - الحلم لي- للروائية المغربية حليمة زي
...
-
-نماذج من الشعر الرومانسي- في كتاب -شعراء فرنسيون من القرن ا
...
-
قراءة في ديوان -أنزف مرتين- للأستاذة نجية جنة بقلم الأستاذ ع
...
-
تأملات في تراجيديا الواقع في-خرير الوهم-للقاص والروائي العرا
...
-
عيون باسمة رغما عنها
-
ديوان - أنزف مرتين- للشاعرة المغربية نجية جنة
-
لا عهد لك
-
الحوارية الدرامية في - امرأة تخشى الحب - للروائي المغربي مصط
...
-
ها العيد حل
-
عندما تكتب أنثى ..((نزيف الحروف )). قراءة في ديوان جنة نجية-
...
-
كان اي
-
الوحدة العضوية وانسجام الموضوع في ديوان - ولادة - للشاعر الم
...
-
التقابل الدرامي في المجموعة القصصية - لسمر حجازي-
-
السخرية اللاذعة والأسلوب الملغز في - ويك ...مد النظر- للقاصة
...
-
-الأسلوب الساخر في رصد سلوكات الواقع- في -رؤية معكوسة - للأس
...
المزيد.....
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|