أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عندليب الحسبان - نُتَف من أنا وهناك / النُتفة الأولى : تشويش على البث















المزيد.....

نُتَف من أنا وهناك / النُتفة الأولى : تشويش على البث


عندليب الحسبان

الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 12:40
المحور: الادب والفن
    


لزمنٍ طويلٍ وبعيد ظلّتْ الشآم تعني لي "الفاكهة المجفّفة " , فالقادم من الشآم " دمشق " عوّدنا أن يأتينا وبيديه صندوق حلوى صفّتْ فيه بجمال يغري الأطفال قطعٌ من الفاكهة الملونة المسكّرة : الاجاص , والتفاح , والتين , والخوخ , والبرقوق , فعلقت في ذاكرتي هذه الشآم الحلوة علوقَ سكر فاكهتها على لساني الصغير .
لم أعرف أن عاصمةَ سورية اسمها دمشق الا متأخرا بعد دخولي المدرسة بوقت وبعد أن صرتُ اسمعها تتردد في نشرات الأخبار , بصراحة لم أحب كثيرا "دمشق " هذه , بقيتُ أحب الشآم وفاكهتها المسكّرة أكثر .
وبدأتُ كأطفال جيلي أتعلّق بغوار الطوشة ومقالبه , وما زالت صورة "غوار "برفقة " ابوعنتر " وهما يجولان في الحارة بلباس الشرطة ناشبةً بذاكرتي الى الآن , بالطبع نسيتُ الحوارَ ونسيتُ الكثير من تفاصيل المشهد , ولكن بقي الزي الشرَطي حاضرا حضور السلطة في الوجدان .
بلدتي " ام قيس " بلدة حدودية , هي والجولان هضبة ضخمة شُقّتْ فنزفتْ نهرَ اليرموك , هي هضبة مغروسة بين فخذي صراع دائم حامٍ دامٍ , في الشمال يربض الجولان السوري المحتَل , وفي الغرب تنام بحيرة طبريا وكثيرٌ من مدن وقرى فلسطين . وفي الوسط نهر اليرموك يجري في مكانه لا يراوحه , برغم جريان التاريخ من حوله وتقلبه من ضفة إلى أخرى . وإلى الشرق منه تقع "الحمة الأردنية " , هي جمعٌ من عيون الماء الحارة والباردة ,تنزّ من هنا وهنا وهناك , فعلى مسافة يخبرها أهلُ الحمة وجوارِها تداهمك رائحة قوية هي مقصد السياح للشفاء والراحة , انها رائحة الكبريت , وذات يوم وعلى ذات المسافة ضج صوت الكبريت أيضا مناديا بالحرب والموت .
بيتنا يقع على الشارع الرئيسي الواصل الى "الحمة ", أذكر أن يوم الجمعة كان يوما مختلَفا عليه في بيتنا , فهو يوم عطلتنا المدرسية ولهونا نلعب بابَ البيت في الشارع , وهو يوم السياحة الأجنبية وزمامير السيارات والضوضاء التي يحبها الأطفال , حيث تتكاثر السيارات الملونة الآتية من الشرق باتجاه الحمة الأردنية للسياحة العلاجية والترفيهية , كان هذا اليوم سياحيا للجميع الاّ لأمي المسكينة , فهو يوم الطبخة اللاّحمة , ويزيده ملحميّةً أولئك السياح الذين يصفّون سياراتهم أمام البيت ليطلبوا تعبئة قنينة ماء , او أولئك النسوة يستسمحن أهل البيت لأداء الصلاة في إحدى الغرف , أو يطلبن استخدام الحمام لأغراض الوضوء أو فك الوضوء , كان أبي يفرح كثيرا بهن , أما أمي فكانت تدخل المطبخ وتمتم بحنق : الله يمضي هذا اليوم على خير ....
السياح الاجانب هؤلاء كانوا في معظمهم سوريين وسعوديين ,.
كنّا ننزل دائما إلى الحمة الاردنية للسباحة , وكالحلم البعيد أطوف الآن على أكتافٍ وذُرعان ٍوصدورٍ لاحمةٍ ناعمة , هي تلك التي كانت تتلاقفني في ماء الحمة فأكاد أسحل منها .كنت أسمع أبي وآخرين يقولون وهم يخرجون أيديهم من شباك السيارة ويشيرون غربا : هذه هي الحمة السورية . مرة طلبت أن نسبح فيها , فقيل : لا يمكن , إنها مع اليهود , لم أفهم : كيف اسمها الحمة السورية , وهي مع اليهود ..؟ المنطقي أن يكون اسمها الحمة اليهودية ..!!!.....ربما ضحك ابي , وربما بكى ..أو غضب ..لا اذكر ....!!!
كان التلفزيون ملهاة حقيقية لنا نحن الأطفال , وفيما بعد لنا نحن المراهقين وخاصة البنات , حيث تفرضه علينا ظروفُ الاقامة الجبرية في البيت بالتزامن مع استنفار علامات الانوثة الاولى , فيصبح التلفزيون حاجةً ملحة لا غنى لنا عنها , المحطات التي يلتقطها تلفزيوننا كانت محدودة , هناك عمان الاولى والثانية وهاتان تبثان بوضوح , وهناك اسرائيل و سورية ومصر , وهذه يعتمد وضوح الصوت والصورة على مكان السكن في البلدة , كان حظ حارتنا وضوح بث مصر واسرائيل , أما سورية فكانت مشوشة كثيرا ومن النادر أن يظهر الصوت والصورة صافيين بلا تشويش , كنت أحيانا أرى برامج التلفزيون السوري عند بعض جيراننا فلم أنسجم معها , كثير منها ثقافي أو سياسي أو اخباري بلغة عربية قويمة لم استسغها , والمسلسلات السورية كنتُ بطبيعة الحال أشاهدها على التلفزيون الاردني .
أما اسرائيل فقد كان موعد بث الفلم العربي مساء الجمعة بالنسبة لي موعدا مقدسا , تقريبا لم يفتني فلم من أفلام السبعينات او الثمانينات , وكانت كلها افلاما حديثة الانتاج غير مكرورة , على العكس من التلفزيون الأردني الذي بلغ عدد مرات بثه لفلم الأقوياء في شهر واحد ثلاث مرات ,
أما التلفزيون السوري فلم يكن أصلا يبث أفلاما مصرية حسب وصف من يشاهدونه , وفي مرة خفّ التشويش والتقط تلفزيوننا القناةَ السورية فشاهدت برنامجا عن النقد "السينمائي ",, سألتُ اخي الأكبر : كيف يقدمون نقدا للأفلام السينمائية , دون أن يعرضوا أفلاما سينمائية ؟
أجاب : لأن العلاقات السورية المصرية مقطوعة بسبب "كامب ديفيد ", طبعا لم افهم وقتها ما قال ..........!!
التلفزيون المصري كان بالنسبة لي فضاء اعلاميا وفنيا , محطات محلية متعددة : الخامسة والاولى والثانية , ومصر الاولى والثانية , أفلام ومسلسلات وأغان وحفلات وفوازير فطوطة وسمّورة , وشريهان وفساتينها المجنونة والملونة ,وشهرزاد تحكي وتحكي وأنا اسمع واسمع , وأنا أسمع سميرة سعيد تغني : وباحب باحب باحب ....وأنا "باحب " محمود عبدالعزيز .
أفلام ومسلسلات لا تسكت, ولا أملّها , أذكر منها الشهد والدموع وثلاثية نجيب محفوظ : , أذكر جيدا مبخرة " أمينة "تتصاعد منها خيوط الدخان فتملأ صدري بنشوة الحلم , وأذكر خطواتِها المتثاقلة على السّلّم التي تختلط الآن في ذاكرتي بخطواتِ أمي في الصباح , أذكر نهنة سي السيد الحشمة , وغنج "عيشة " والشريط الأحمر , وأذكر هرج " خديجة , ولا أنسى أبدا موسيقى البداية والنهاية بنكهة المشربية , إنه عالم جميل من المتعة اللذيذة , والخيال المصوّر , إنه عالمُ مِصْر ...
ولكنّ هذه المتعة كانت تمرّ بفترة كمون شتوي , ففي ذروة الشتاء يضعف البثّ المصري ,ويشتدّ التشويش , فيأتي البياتُ البصري , ويبدأ موسم "الكاسيتات " العربية والغربية , خوليو , فيروز , مارسيل , عبدالحليم , أنغام ......., وأنغام أخرى كثيرة وكثيرة تنثر أشجانها وأحلامها في الغرفة الصغيرة , وبلا تشويش يلتقطها صوتُ المطر الراكض على نافذتي ويهربان بي بخفة من سجن العائلة إلى حيث لا أعرف ........



#عندليب_الحسبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاهرة بدون -عمارة - أجمل..
- لا تحلموا ...
- جدل
- - جون - المجنون الخليفة الراشد
- ردا على عطوان : لماذا حرقا وليس ذبحا ؟
- الرجل الذي يقطع الرؤوس
- ماذا بين -المقاومة - وداعش ؟
- لو كنت طرزان ...
- الشقيقتان : سورية والسعودية
- فحيحُ أنثى
- همسة عن فلسطين , باذن صديقي الثورجي
- -أنا امرأة لا أقل ولا أكثر -
- فرنسا : من ثورة الحرية إلى جهاد ابن تيمية
- السيسي: -محتاجين ثورة دينية -
- إعدام بريء


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عندليب الحسبان - نُتَف من أنا وهناك / النُتفة الأولى : تشويش على البث