أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيرينى سمير حكيم - الجوكر على طريقة الفنان طارق لطفى فى جبل الحلال















المزيد.....

الجوكر على طريقة الفنان طارق لطفى فى جبل الحلال


إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)


الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 00:08
المحور: الادب والفن
    


لقد قدم الفنان ذو الموهبة المتميزة والمصقولة بمثابرة طارق لطفى، شخصية مركبة فى العدوانية وجموح الطمع والشر بقالب ادائى يحمل بصمته الخاصة فى التعبير، والتى تركها على جوانب تجسيدها، ولقد كان الدور الذى أداه فى مسلسل جبل الحلال لشخصية الغجرى كين "جدعون" هو شبيه بإحدى جوانب الشخصية الشريرة ذات الصيت العالمى، والتى تعتبر من أشهر الشخصيات الشريرة دراميا وهى شخصية الجوكر، لما تحمله من بُعد سايكوباتى يمتزج بجانب فكاهى مع عدوانية غير متوقعة أحيانا، وقد كان لملامح وجه كين المُحَددة بتعابير قوية بحدة، بديل لاستخدام الجوكر الألوان على وجهه لإضفاء جانب من التأثير السيكوباتى الشرير.

وكان الجوكر بن الشر الذى قدمه طارق لطفى هنا، يمتاز بملامحه الشيطانية التى تمتلك ابتسامة مسمومة بالغدر، وقد كان لتعريفه بنفسه فى الحلقة الأولى بجمل مكتوبة بحرفية عالية فى التعبير عن تركيبته الخاصة، مع أداؤه الصوتى الذى يفرز بين جمل وأخرى لعب فى نبرات الصوت كفحيح الأفعى، انعكاس حقيقي لحالة مشاعر هذا الغجرى الناقم، الذى يتحدث عن تاريخه وأفكار مشاعره بجمل مختصرة ومعبرة بقوة، كما أتت تلك الجمل وغيرها المُقالة بلسان كين بأكثر ايجابية يتميز بها النص، وهى البلاغة فى التعبير والجمل المُلَخِصة لمعانى عميقة.

كما زخرت مواقف هذا ال "كين" بإظهاره متنعما بحالة من السكر بالذات تجعله، صاخبا بالضحك الشخصى فى انتصارته بل ومصائبه احيانا، فهو يحيا فى عالمه الخاص، وكأنه خلف حاجز زجاجى يلعب مع أعدائه من خلال جهاز، ويسكن فى ذهنه يحاربهم منفردا غير آبها بالإنذارات والمعايير الخارجية، وينعم بمشاعره الخاصة التى تهيئ له الهدوء الصاخب الذى يدبر فيه المكائد، والغباء الحاقد الذى يوفر له فرص الخسارة المستمرة.
حتى فى نهايته كان كالشيطان الذى ينتظر جحيمه برضىً.

رموز وإشارات

لقد طاف النص بصبغ قصة العمل بطيف الرموز والإشارات، بداية من أسماء الشخصيات ومعانيها وأصولها إلى تكوينها النفسي والتاريخى، وكلتا الرموز والإشارات قد مزجتا مع الحِكَم والأمثال اللاتى صبغت أقوال الأبطال، منها على سبيل المثال لا الحصر ما أراه أحيانا من إشارات إلى ارض مصر فى دور غنيمة زوجة هيبة، بإخلاصها وسلبيتها، وفساد واستغلال من حولها لها وسلبيتهم فى تقديرها وحمايتها، حتى أن من كان له دور الحب والحماية لها ما كان منه أيضا سوى الطمع والتهميش فى وقت.

أما كين "جدعون" فقد بدا لى هذا الغجرى أشبه باليهودى التائه فى الأرض، الذى بحث عن عنف وفساد الصهيونية لتؤهله بقوة، تضمن له سلطان فى تنقلاته بين أرجاء الأرض.

وهذا ما قد غُذى بتعبيرات فى أداء الدور عن حالة من الشر الممتزجة بهوس الطمع، لتعرض الأمر مقربا لحالة مرضية بداء السلطة والاستحواذ السادى والغشيم فى نفس الوقت، والتى تجسدت فى الملامح المركبة الإشارات بين غضب وضحك، والنظرات الفاجرة والخبيثة، وفحيح النبرات بين الكلمات، وحركة اليد الاستعراضية بمبالغة هوجاء.

إبداع امتزاج أداء الموهبة مع موسيقى ونص

جاء النص للكاتب المتميز ناصر عبد الرحمن بشكل عام مُحمَّل بحالة من الصياغة الأدبية التى يمكن أن يُفصص منها أشعارا وخواطر وحِكَم وعِبَر، فهو يغوص فى تفاصيل المعانى والتعابير النفسية خاصة فى تلك المشاهد، التى يتحدث فيها كل شخص مع مرآة ذاته، حتى أن تأملى فى النص جعلنى اتسائل فى نفسي، هل من الممكن لشخصيات كتلك المطروحة فى المسلسل، والتى تتنوع بين شر خامل ونشط وسلبية اقرب إلى الشر، أن تمتلك تلك الحكمة واللباقة الشديدة فى التعبير عن النفس؟!!

وقد ساعدت تلك الايجابية فى الكتابة أن تعطى فرصة جيدة لموهبة الفنان طارق لطفى، لأن تفرش لها مساحة أوسع من الأداء غير التقليدى بجمل غير تقليدية، كحكمة كئيبة وأقوال من أمثال مظلمة، مفاجئة للمشاهد الذى تعود عند تجسيد شخصية كهذه، على انتظار ألفاظ وجمل أكثر اعتيادية من تلك.

وقد ساعدت الجملة الموسيقية ذات الطابع الغجرى والتى قدمت بتوزيعات مختلفة، وأتت ضمن الموسيقى التصويرية للمسلسل من تنفيذ الفنان التونسي أمين بوحافة، أن تلتف تأثيرا حول انطباع المشاهد، سواء التى كانت بتوزيع يعبر عن الشهوة أو الغضب أو الحزن، خاصة فى المشاهد الخاصة بالغجرى كين، والتى دعمت تعبير الفنان طارق لطفى عن تجسيد ابن الشر، فقد أعطت الموسيقى تأثيرا صاخبا بالمشاعر، حيث أثرت وكأن الأحداث تدور فوق جمرة من النار، أو أنها تتأرجح على خصر غجرية قابعة فى الليل، حيث يُضاء وجهها بنار وهى ترقص تارة وتشعوذ بسحرها تارة أخرى، حيث جاءت كتعابير عن تخطيط كين تارة وعن تنفيذه لشروره تارة أخرى، وكتنفيس للخبث حينا وتنفيس للغضب فى مشاهد أخرى.

فقد كان لهذا المزيج الرائع من أداء موهبة ونص وموسيقى مغلف بعمل اخراجى للمخرج عادل أديب، حيث يستوعب هذا الكم من الإبداع والثراء الفنى، له تأثير أشبه بسكيب من السحر الدرامى، الذى تجلى فى عدد ليس بقليل من المشاهد، وهذا أصعب ما يمكن تجسيده فى دراما تلفزيونية، حيث يتحقق فيها عدد كبير من المشاهد المتميزة بالإثارة والجذب، حيث كان يغلفها حالة من الشعوذة الفنية أشبه بألوان حارة متجمعة فى لوحة تحاصر لونا باردا، يعكس فتور مشاهد يبحث بين القنوات على عمل يأسره، والذى كان من نصيبه عند عثوره بالصدفة على احدها، فإنه قطعا لا يَعبر عنها حتى يتشبث بمتابعتها حتى النهاية.

إنما فقط أخشى أن يكون انطباع المشاهد عن هذا الإبداع، هو أن يكون قد اُختزل لديه صورة الغجر فى الوحشية والنصب!.

القدرة على تجسيد فارق

كان من أهم المراحل الدرامية فى شخصية كين هو ما تعرض له من فقأ للعين، وقد كان منه قبل تلك المرحلة أداءاً قويا فى استخدام تعبيرات العين، وخطواتها من نظرات وقحة أو مواراة، باستخدامها جيدا كأداة هامة لفنان يتحدث من خلالها عن شخصية معقدة، وقد استطاع تجسيد فارق حقيقي بعد مرحلة فقأ العين، وذلك بتجسيد انعكاس ما مرت به عينيه من حادث، فجاءت حركة العين وكأنها مُصمتة من التأثر العصبي وتواصلها مع الأعصاب، صامتة عن الحركة العضلية، إنما تحوى إرسال إشارات واضحة عن تلك الشخصية القوية الحادة بشرٍ، وذاك بالتحكم فى عضلات العين والعضلات المتحكمة فى حركة الحاجبين، ومدى ارتفاعهما وحدة حركتهما كانعكاس للحدة والغضب الذى تحمله الحالة المزاجية لهذا الشخص.

ومن الجدير بالذكر هنا الإشارة إلى نقطة هامة، وهى حرصه على التقليل الشديد والأقرب إلى انعدام حركة الرموش العادية، فالأعين الصناعية المركبة لا تحتاج إلى حركة لا إرادية من الرموش لحمايتها، كما يكون فى حالة الأعين الطبيعية، وهى تفصيلة هامة يُحترم المجهود الذى بُذل أدائيا فيها لتجسيد الحالة بهذه المصداقية الشديدة، وكان ينبغى أن يتم التوقف عندها والتحدث عنها.

فقد تميزت نظرات كين قبل العمى بتعبيرات أعين حالمة مُحلِّقة كغراب ناقم، يصحبها ابتسامة ساخرة من بشرٍ وقدر، وفى التحدى تحمل نظراته عناد طفل أهوج وضحكة مجذوبة، تتناسق مع السواد المفروش تحت عينيه، وعلى جنبات وجهه وشعره المتناثر كالهالة السوداء حول رأسه.

أما بعد أن فقئت عيناه فتميزت نظرته المصطنعة ثبوتا، بنظرة ثابتة بحزم شرير، كالسكين المتأهب للطعن.

سقوط درامى مُتعَمد

لم يكن من المنطقى دراميا إسقاط ظهور كين من بضع حلقات، واختصار ظهوره فى مشاهد بأحداث قليلة متناثرة على مجرى الامور فى المسلسل، وخطوات بالنسبة لموقفه تعتبر فاترة، فقد كُسر "الرتم" تماما فى مرحلة صاخبة بالمواقف العنيفة بينه وبين أبو هيبة، وذاك للتفرغ لنقل أحداث زواج أبو هيبة من الممرضة، وكأن المخرج أراد نقل الأحداث بكاميرا واحدة، أو التركيز على بطلة جديدة دخلت الأحداث من منتصف الحلقات، وأصبح المشاهد يرى الأحداث بعين واحدة، حيث توارى ظهوره فى الحلقات الأخيرة، فلقد كان الأكثر منطقية هو أن تنقل الكاميرات دوائر الصراع بين كين وأبو هيبة، والذى هو من المفترض أو كما يبدو من الحلقة الأولى انه الخط الدرامى الرئيسي للأحداث، بل كان من المتوقع أن يستمر رصد هذا الصراع والذى كان من المفترض أن يزداد توهجا بلا توقف ولا خمول، بعد ما تسبب فيه أبو هيبة من فقدان نظر ل "كين"، لكنه انجرف النص فى اللا واقعية بعد أن قام بفتح طاقة جديدة لصراع اعنف تركه ملئ بالثغرات، لذا يعتبر هذا سقطة درامية فى نقل وتجسيد هذا الطور من الأحداث.

واعتقد انه إن كان هناك فرصة حقيقية لتمكن أداء الفنان طارق لطفى لتقديم مثل هذا الدور فى مساحة أوسع، سيكون هناك انطلاقة اكبر فى التعبير عن مكنونات شخصية هذا المجنون السادى بحس من الفكاهة، ولكن للأسف جاء هذا العمل بتقليم أظافر ذاك الدور الذى تفرض القصة والحبكة توازنا فى الصراع بينه وبين شخصية أبو هيبة، إنما اختير تحجيم الدور، وإخفاؤه بعض الشئ حتى ولو على حساب المنطقية الفنية والتوازن الدرامى.

انصح بالمشاهدة كورشة للتمثيل

لقد كان دور كين الشرير فى جبل الحلال، وجها أخر لموهبة طارق لطفى التى قدمت بحرية أبداعية فى نفس العام، لدور الضابط "حمزة" الطيب فى مسلسل عد تنازلى، ولقد كانا العملان فرصة حقيقة لإظهار ثقل موهبته المصقولة جيدا، فكما ذكرت قبلا أن تقمصه للدور وتجسيده له أشبه بتجسد مستر هايد من الدكتور جيكل، فقد كان كلتا الدورين بتناقض طبيعتهما من شر وخير، أشبه بتواجد جيكل وهايد، فى ساحة استعراضه لما يستطيع أن يجود به فنيا.

وانصح المهتمون بفن التمثيل والباحثون على ورش للتدريب على الأداء، أن يراجعوا كلا العملين ويشاهدوا أداؤه بملاحظة، كنوع من التعلم والتوعية على التركيز.

فليس أفضل من التعلم بدقة من فنان يسلك إبداعيا بتدقيق، ويحافظ على التفاصيل بقدر عالى من الحرص والأمانة الفنية والمهنية.

ونتمنى أن نرى أعمالا قادمة للفنان طارق لطفى كتلك، بانتقاء الاختيار، ويمتعنا فيها بقدراته الفنية فى التجسيد والتدقيق.



#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)       Ereiny_Samir_Hakim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قاوموا داعش التى بداخلكم أو حرروها واظهروا على حقيقتكم
- هل كان الشهداء أقباط ليبيا مخدرون أمام داعش الموت؟
- لا تحسبنَّك هابيل وأنتَ قايين
- اختار ألوان حياتك
- حواء وخطيئة التفاح
- أسئلة التاريخ
- دراكولا 2014 يفتح الملفات الوحشية لتاريخ الأتراك فى فيلم Dra ...
- أرقص الطبيعة
- صراخ الماء
- ميلاد الألوان من النار
- فيلم دراكولا 2014 *Dracula ntold* يفتح الملفات الوحشية لتاري ...
- وإن طال صمت السماء على النيران
- خذوا السياسة من أفواه الراقصات
- مرتزقة البطولات
- عند أعتاب المزود يقف الصليب متخفيا
- لما تبحثون عن الطفل يسوع فى قصور الملوك؟!
- ملائكة فى إعداد الأرض لميلاد يسوع
- لقد أعلنت التمرد فيا ويل شرنقتى ويا وجع القيود
- ألا تخجل من دمائى؟!
- رحيل شمس الإيمان حتى عودتها بالنور


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيرينى سمير حكيم - الجوكر على طريقة الفنان طارق لطفى فى جبل الحلال