أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الاعرج بوجمعة - فلسفة الضحك؛ أو كوميديا المدرس.















المزيد.....

فلسفة الضحك؛ أو كوميديا المدرس.


الاعرج بوجمعة

الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 24 - 23:37
المحور: كتابات ساخرة
    


إن واقع المُدرس اليوم يعجُّ بالمفارقات، تنعكس في ثنائية التنظير والممارسة؛ فالمدرس لديه نظرية حول التدريس أو فن التدريس، لكن هذه النظرية قابلة للتكذيب والتفنيد حسب كارل بوبر، لذلك يتوّجب عليه إخضاعها للفحص والنقد والمُساءلة.. فالمنظومة التعليمية في المغرب تقوم على فرضية أن كل طالب فهو مشروع مدرس، لذا منذ أن يكون هذا "المدرس بالقوة" (طالب) وهو لديه تصور حول التدريس، مرورا وهو أستاذ متدرب بالمراكز الجهوية، إلى أن يصبح "أستاذا بالفعل"؛ أي أستاذا يتسلم مهامه، ويصبح لديه رقم تأجير، ينتقل من واقع التنظير إلى واقع الممارسة، فنها يطرح سؤال المنهج، والطريقة الأنجع، لفض بكرة القسم، هنا لاشعوريا يعتقد المدرس بأن من سبقه في المهنة هو أدرى منه، فتنقل أفكار "مسمومة" من صاحب التجربة إلى من هو مبتدأ، فتكون سلبية على المردودية والنتائج، ومن بين هذه الأفكار التي نعتقد أنها أساس بناء الكاريزما، نذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ "النهار الأول يموت المش.."، "تبكي مو قبل ما تبكي مي.."، "حاول متبينش سنانك.." فهذه الكاريزما الهشة كانت سلبية على واقع التعليم، ذلك أن ألأستاذ قوى نفسه كاريزميا في حين نسي نفسه معرفيا، وهذا كان له أثر سلبي على المنظومة التربوية متناسين بأن فعل التربية فعل كوميدي، مسرحي في أساسه.
فالمدرس هو فنان يجب أن تتوفر فيه علامات التمثيل والمسرحة، يجب عليه أن يلعب أدواراً متعددة أمام جمهور مختلف المستويات (المتعلمين)، لذا نجد هيبير هانون في كتابه "مفارقات حول المدرس" يقول "إن المدرس الناجح هو ذلك الممثل الذي يتوفق في إخفاء شخصيته الحقيقية، بكل ما تحمله من انتماء ثقافي وعرقي، وكل ما تعيشه من صراع نفساني وطبقي، وما يؤمن به من قناعات سياسية.." إذن يصور لنا هانون القسم بكونه مسرح يمتلك خشبة تدور فصول المسرحية داخل الفضاء التربوي، وبطلها المدرس باعتباره ممثلا، يحاول نقل رسالة إلى المتعلمين من خلال كوميديا يشتغل فيها على نص (فلسفي مثلا)، يستغل مهاراته وفنياته بما فيها الجسد، فلهذا الأخير دور أساسي في نقل رسالة معرفية إلى المتعلمين، في حين المدرس يهتم بتناسق الأفكار منطقيا في حين يتناسى دور الجسد. إذن، فالعملية التعلمية التعلمية قبل أن تكون مؤسسة تربوية لها قوانين فهي كوميديا. فالمسرح يقوم على نقل رسالة لها مضامين متعددة؛ منها مضامين معرفية وأخلاقية وتربوية.. لذا فالمدرس الناجح هو الذي يضع هذه المضامين في هاجسه الأولي، فيخفي قناعاته الشخصية، على اعتبار الشخص هو ذلك القناع الذي يرتديه الممثل لكي يتلاءم مع الدور الذي يؤديه داخل المسرحية، (درس الشخص في الثانية باكالوريا).
إذن، فالكوميديا تقوم على فعل أساسي هو فعل الضحك، فالفعل التعليمي هو فعل كوميدي، لذا نجد حتى في تراثنا من يؤكد على أهمية ووظائف الضحك، في "كتاب البخلاء" نجد الجاحظ يذكر بأن الضحك يقوم بثلاثة وظائف:
أ‌. الأولى منطقية: الضحك هو البرهنة على حجة.
ب‌. الثانية أخلاقة: إذ ينتج الضحك الفعالية وهو قانون اقتصاد الحياة.
ت‌. الثالثة شبقية: فالضحك يريح الجسم.
إذن، فالضحك أمر إلهي "الابتسامة في وجه أخيك صدقة"، فمدرس اليوم خارج البيداغوجيات النشطة، أسسَّ بيداغوجية قائمة على الأفكار المسبقة، لا تراعي المشاعر والعواطف، يجعل من نفسه آلة تنقل المعارف، ولا يمكن أن يكون آلة لأن الحاسوب أو الهواتف الذكية أذكى منه، إذن فما ينبغي أن نقيم مصالحة معه اليوم، هو مصالحة أنفسنا أولاً، ثم مصالحة متعلمينا من خلال الابتسامة في وجههم. إذن، فمسألة موضوعية المدرس كما يقول هيبير هانون هي موضوعية صعبة، لأن الذاتية حاضرة بقوة. فالأستاذ لا يقوّم المتعلم فقط من خلال عطائه الفصلي، وإنما كذلك من خلال انتمائه الاجتماعي والثقافي، ومظهره الخارجي، وجنسه وقوامه الجسدي، وعبر سلوكه في الشارع، وفي ساحة المدرسة، ونشاطه في الفصل، وغالبا ما يخاطب المدرس التلاميذ المتفوقين، أو الذين يشاركون ويتكلمون .
فالفعل التعليمي اليوم في حاجة ماسة إلى تفكيك عقلية المُدرس من خلال إعادة النظر في قناعاته المكتسبة من خلال التجارب والأحكام المسبقة، التي كان لها وقع سلبي على المنظومة التعليمية، فالمعرفة كممارسة؛ جزء لا يتجزأ من فعل المسرحة وفعل التهييج لهذه العملية، فالمدرس اليوم عليه أن يعيد ويؤهل ذاته في الجانب التمثيلي والمعرفي، فهما أساس الكاريزما الحقيقية. يقول الخطيبي من خلال حديثه عن الضحك، نفهم بوضوح أكثر جورج باطاي عندما يتأمل الحكمة النيتشوية ويحول المعرفة إلى مجرد تهييج يتم عبر الضحك، يقول باطاي "أضحك بعفوية ألوهية، لا أضحك عندما أكون حزيناً، وعندما أضحك ألهو جيداً" . إذن، فعملية المسرحة تنقل بشكل واعي أو لاواعي إلى المتعلمين، فنتحدث عن كوميديا التلميذ، فهو الآخر يلعب كوميديا الرغبة في المعرفة، بينما في الحقيقة يهدف إلى إرضاء الأستاذ عبر عملية التحويل transfert. فاهتمام التلميذ بالمعرفة هو بمثابة إعلاء للانجذاب الذي يحسه إزاء الأستاذ جراء الإغراء الممارس عليه. الأستاذ يعي هذه الخدعة ويلعب دور الطعم، فهو يقدم نفسه هدفا، في حين أنه مجرد وسيلة .
ختاما، يمكن القول إن الفعل التعليمي في المغرب، أصبحت جوانبه غير متكافئة، فهو من جهة أساس التقدم والإصلاح، بينما من جهة ثانية سبب تعثر المنظومة هو المدرس؟ إذن، هذه المفارقات يجب التفكير فيها لإخراج المنظومة من هذا التعثر والنكوص، وذلك من خلال تكوين المدرس الممثل أو الكوميدي أو المسرحي، الذي يؤمن بدور فلسفة الضحك في تبليغ المعرفة، وهو شرط ضروري لتطور المدرسة، وإنجاب المتعلم النشيط، المتعلم الكوميدي المندمج في المجتمع. لكن من جهة ثانية، فمسألة المسرحة تتطلب قرارات جريئة من طرف المؤسسة، بانفتاحها على شركاء آخرين، ومنحها هامش للمدرس لكي يمارس طاقته دون أي تحريض مجتمعي على المدرس، لأننا نلاحظ اليوم هجوم شرس من طرف الوزارة على المدرس بخصوص مكتسباته، وتحرض المجتمع المدني من جهة ثانية.
الهوامش:
- هيبيرت هانون، "مفارقات حول المدرس"، ترجمة الأستاذ عبد المجيد باعكريم، دفاتر التربية والتكوين، العدد 8و9، يناير 2013.
- عبد الكبير الخطيبي، "الاسم العربي الجريح" ترجمة محمد بنيس، منشورات عكاظ، سنة 2011.



#الاعرج_بوجمعة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك الخطيبي لخصوصية الجسم العربي عبر الثقافة الشعبية.
- مفهوم الشهادة كتجاوز للكوجيطو الديكارتي.
- المرأة وسلطة القضيب عبر التاريخ.
- حوار على القمم بين طالب فلسفة وطالب متديّن : حول قضايا علمية ...
- مجتمع ما بعد التحرش.
- الموٌكّار (الموسم) في بلاد سوس وثقافة الاختلاف.
- قراءة في كتاب -السلفية والإصلاح-، لدكتور عبد الجليل بدو.
- التأصيل لمفهوم الفضاء العمومي ودوره في استنبات فكر حر وديمقر ...
- حضور الأسطورة في الكتاب المدرسي ودورها في تبليغ الدرس الفلسف ...
- جنس الإنترنيت ووهم اللذة.
- نهاية التاريخ فكرة قابلة للتكذيب.
- فكرة العدالة عند أفلاطون.
- الاهتمام بالتراث مسألة أصول أم ردة فكرية.
- رجل بدون قضيب n homme sans phallus
- في الجنس ينعدم الوعيي.
- مرض الاكتئاب وأنواعه.
- لماذا صحبة الحيوان؟؟
- التديّن اللامشروع .
- لماذا الفلسفة؟؟
- مهاجرون إلى بلاد الحرية.


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الاعرج بوجمعة - فلسفة الضحك؛ أو كوميديا المدرس.