أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الكتاب الذي لم يعرفه سعيد















المزيد.....

الكتاب الذي لم يعرفه سعيد


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 24 - 22:07
المحور: الادب والفن
    


الكتاب الذي لم يعرفه سعيد
نبيل عودة

الصمت حول سرير سعيد كان ثقيلا. يدخلون ويخرجون بصمت.. "هس.. هس ، سعيد وضعه صعب" . من المتوقع ان يلفظ انفاسه الأخيرة . لم يعد له علاج ملائم في المستشقى، فقط الأدوية لتسكين الأوجاع حتى قرار الله بعبده سعيد.
لم يكن سعيد من الذين أسعدهم الله بحياة زوجية هادئة. تزوج وطلق ثلاث مرات، رزق باربعة صبيان من الزوجات الثلاث .. حتى اولاده لم يتحملوا فجوره وغادروا الى غير رجعة. بعد طلاق الزوجة الأخيرة وقع في حفرة تعد للصرف الصحي، فاصيب اصابات بالغة برأسه وأعضائه الداخلية ويقال انه كان يلاحق احدى نساء القرية قريبا من حرش للزيتون في اطراف القرية.
سكان البلدة يتحاشون الاختلاط به، سيرته سيئة، شراسته أخرست الألسن ،ليس سرا ان سعيدا منذ شبابه لم يترك فتاة تفر من شره في القرية، فضائحه الأخلاقية تجاوزت الى البلدات المجاورة وعلى ذمة الرواة ان بعض حوادث قتل النساء بحجة شرف العائلة كانت بسبب ما ارتكبه سعيد بحقهن.
- هل أسلم الروح؟
- هس.. هس .. ما زال يتحرك.
الأقرباء بهمس وبشعور من الضيق يترقبون انتهاء ساعاته الأخيرة، وكانهم ينتظرون الفرج.
- لم يحضر احد من اولاده..؟
- هربوا من سوء تعامله... اين نجدهم ؟
ليسامحه الله. -
- ربما هناك ضرورة إستدعاء ابانا الخوري ليناوله قبل موته.
- هل ذلك سيكون سببا لخلاصه من عذابه؟
- قال الطبيب لن يصمد حتى العصر ..
- قرار الموت بيد الرب وليس بيد الأطباء ..
- قدم قهوة يا بني.. وأحضر الماء البارد.. وأخفضوا اصواتكم يا جماعة.
- لماذا لم يحضر الخوري ليناوله ، لعل ذلك يختصر عذابه؟
فهم الأهل ان ذلك هو خلاصهم هم من الترقب الذي يبدو انه قد طال. اضاف أحدهم:
- لا بد ان يناوله الخوري لعل ذلك ينقذ روحه من عذاب جهنم .
رد عليه أحدهم:
- والله لو تضافرت جهود بابا روما وبطاركة اليونان وروسيا، لما انقذوا ظفرا منه لما ارتكبه بحق الناس من موبقات.
القصد من ذلك فضائحه الأخلاقية مع نساء القرية وشراسته التي جعلت العباد يتجنبونه ويقاطعونه في المناسبات.
- لم يترك امرأة من شره، حتى نساء عائلتنا عانين كثيرا من شره
- هس..هس .. بلاش فضائح. كفوا عن هذا الحديث الآن، عقابه لدى خالقه ، اعطونا شربة ماء.
- اذهب با بني الى خوري القرية ، قل له ان سعيدا بحالة حرجة وقد يغمض عينيه للمرة الأخيرة خلال الساعات القادمة ، نرجو حضورك لتناوله وتصلي عليه من اجل خلاص روحه.
- هل سيحضر الخوري حقا ؟
- على مهلك... واجب الخوري ان يخدم ابناء كنيسته.
خلال نصف ساعة وصل خوري القرية بصحبة انجيل ضخم على غير عادته، وقد اثار انجيله الضخم نظرات الحضور، يبدو ان أبانا الخوري قد فهم ما تتساءل عنه العيون حيث قال:
- قررت ان أحمل هذا الكتاب لأظهر لسعيد كم كانت خسارته عظيمة لأنه لم يعرفه ولم يؤمن به ولم يعمل بتعاليم الرب ليسير على هدى الأخلاق المسيحية التي تأمر بالمحبة والعمل الصالح.
- شكرا يا ابانا ماذا سيفيده ذلك والموت يقاسمه السرير؟
- ابنائي ان طرق الله لا يعلمها البشر، واجبنا القيام بما يفرح القلوب ويرضي الخالق ونسلم أمرنا لله وابنه المخلص يسوع المسيح.
- هل تنفع توبته وهو في ساعاته الأخيرة؟
- هذا ليس من شاننا ان نحكم عليه، الملك الوثني العظيم قسطنطين عُمد مسيحيا وهو على فراش الموت ومات مسيحيا. نحن ننفذ تعاليم الله بايصال بشارة الخلاص للبشر، من يقبلها فله ملكوت الله، كما يعلمنا الانجيل المقدس ونحن لا نضع شروطا على الله لغفرانه او عدم غفرانه لبعض الناس.
دخل الخوري غرفة سعيد حيث كان وجهه شاحبا، ونظراته توحي ان ساعته لم تحن بعد.
القى الخوري التحية، فرد سعيد بصوت واهن:
اهلا ابونا... -
- بني..هل تسمح لي بالصلاة من أجل خلاص روحك؟
لم ينتظر جوابا من سعيد حيث بدأ بصلاة "ابانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك..." شاركه فيها كل المتواجدين في الغرفة الا سعيد حيث جال بنظره على من حوله وتعابير وجهه لا تعبر عن أي شيء.
وضع الخوري انجيله الضخم قرب رأس سعيد وهو يقول: "ليصفح الله لك عن خطاياك، كما صفح لنا عن خطايانا جميعا وهو الذي ارسل ابنه المسيح من اجل انقاذ البشر من خطاياهم".
فوجئ الجميع لاهتمام سعيد بالإنجيل.. وتساءل:
- ما هذا الكتاب الضخم يا ابانا؟
- انه الانجيل المقدس.
ونظر الخوري بعيون الأهل المتجمعين حول السرير، كانه يقول لهم هل رأيتم فائدة احضار انجيل ضخم؟ تساءل سعيد:
- لماذا هو هكذا كبير؟!
- مضمونه أكبر يا سعيد، انه يحمل تعاليم المسيح.
يا للخسارة ، لأنني لم اعرف هذا الكتاب الكبير من قبل؟-
- انه كبير بنصوصه وتعاليمه.
- يبدو انه كتاب عظيم.. لم اعرفه من قبل...
- كنت ضالا يا بني، حان الوقت لتطلب الغفران من الله ولتلقى وجهه بروح تائبة ونفس خاشعة.
- يا لخسارتي العظيمة...
- لا تتعب روحك يا بني، قبل هذا الكتاب ، ضع علامة الصليب على صدرك واطلب من الله وابنه المسيح الصفح والغفران.
قام الخوري بوضع علامة الصليب ثلاثة مرات فوق سعيد الممدد على السرير وهو يقول:"لتصفح له يا ابانا الذي في السماء عن خطاياه ، كان ضالا وتاب ، كان تائها ووجد الطريق".
قال سعيد:
- اني أموت وحسرتي في نفسي... كنت بحاجة لهذا الكتاب.
استطرد الخوري:
- ليغفر الله لك آثامك مهما كانت .
أجاب سعيد:
. كان يجب ان اعرف هذا الكتاب الضخم من قبل-
- انها مشيئة الله ان تعود من ضلالك قبل موتك ...الحجم لا اهميه له، المضمون له قيمة عظمى وهو ما نريدك ان تؤمن به.
كم هي عظيمة خسارتي.. ساموت وحسرتي في قلبي.-
احتار الخوري من كلام سعيد ولم يجد ما يضيفه الا تكرار ما قاله سابقا.
واصل سعيد:
- كنت بحاجة لهذا الكتاب الضخم .. آه من المي وحسرتي
?ما هي حكايتك يا بني، لم اعد افهمك.. أفصح لنفهم ماذا تقصد -
اشتد الألم على سعيد،التقط انفاسه، نظر في عيون المحيطين به، وقال:
اني الومكم لعدم معرفتي بهذا الكتاب حين كنت بحاجة اليه. -
قال كبير العائلة:
- وهل كنت تسمع نصائحنا يا سعيد، حيث جلبت لنا الفضيحة تلو الأخرى لحماقتك ولسوء أعمالك؟
- نصائحكم لم تكن تنفعني، لو استمعت لكم لعشت ميتا في الحياة ولكن هذا الكتاب كانت له ضرورته.
تبادل الأهل والخوري النظرات. التقط سعيد انفاسه وقال:
- اريد ان اروي لكم سبب حاجتي لهذا الكتاب حتى لا اموت وانتم على غير علم بما أقول، كنت عائدا من حقل والدي أقود عربة مليئة بالقش لإطعام القطيع وفي الطريق صادفت فتاة من اهل القرية عائدة مشيا في الظهيرة، أشفقت عليها ودعوتها لتصعد الى عربتي، فأنا أيضا أحمل قلبا رقيقا شفوقا... صعدت وجلست قربي خجلة. نظرت الى وجهها واعجبت بجمال عينيها، تناسق قسمات وجهها، شعرت برغبة مجنونة لاضمها الى صدري واقبل عينيها ، تمنعت وقاومت، تغلبت عليها والقيتها وسط العربة فوق القش، كانت امامي ضعيفة وبكت. حاولت طمأنتها باني لن اسبب لها الألم فانا احب النساء واعشق دلالهن.. وعندما ألقيتها فوق القش وانبطحت فوقها هبط القش أكثر، كلما ضغطت أكثر هبط جسمها عميقا أكثر في القش .. حاولت رفعها لاعلو فوقها فانغرزت في القش اكثر.. محاولاتي باءت بالفشل.. وقد اقتربنا من القرية فاضطررت للتوقف عن محاولتي هذه حتى لا أورطها بمشكلة لا يعلم احد مداها. لكن يا ابانا الخوري، لو كان بحوزتي هذا الكتاب الضخم، لأضعه فوق القش، لكان لي عونا وما عانيت من فشل وموت وحسرتي في قلبي حتى اليوم...
[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر سياسية: ما الذي يخفيه -استفزاز- نتنياهو للإدارة الأمري ...
- الشرق والغرب لا ينفصلان...!
- فلسفة مبسطة: الفلسفة العملية
- ليس بالصلاة فقط..!!
- نتنياهو قوميسار سياسي جديد- جدانوف إسرائيلي
- فلسفة مبسطة: حتمية اجتماعية أم إرادة حرة؟
- ضمان لشرفها...!!
- يوميات نصراوي: ماركسية أفيون الشعوب!!
- زيت مريم العذراء المقدس
- الغريب
- نصوص قصصية متمردة
- فلسفة مبسطة: مفهوم العقلانية
- فلسفة مبسطة: المضمون والشكل
- واقع جديد: مغامرات نتنياهو لا تمر بدون ثمن
- فلسفة مبسطة: الأبدية (اللانهاية) ما هي؟
- السقوط المتواصل للسياسة العربية في إسرائيل
- عجيبةعربية: قائمة مشتركة
- هل من شخص آخر ..؟!
- يوميات نصراوي: ما تبقى من التاريخ
- ما قل ودل عن مغامرة نتنياهو الأخيرة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الكتاب الذي لم يعرفه سعيد