معا لتحرير الاسلام من التنظيمات والاحزاب الدينية

أحمد أمرير

الحوار المتمدن-العدد: 4728 - 2015 / 2 / 22 - 11:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

من الخطابات الذائعة الصيت أن الاسلام دين رحمة وتعايش ووحدة ... لكن السؤال الذي يستشكل على الجميع لماذا هذا الحجم الشنيع من الاقتتال والتكفير باسم الدين في بلداننا ...

إذا ألقينا نظرة على مساجد الله ترى العبد يرتادها ويقف فيها أمام ربه بجانب الغني والفقير .. والصغير والكبير ..والمتخشع المتنبه والشارد التائه .. والسليم والسقيم .. والقوي والمتعب .. والعالم والجاهل .. والموظف والعاطل .. والواثق والمحبط .. والمنخرط في السياسة والعازف عنها .. والعسكري والمدني .. والذكر والأنثى ... كلهم يتجهون نحو إله واحد يرجون رحمته ويخافون عذابه ... يسعون إلى رضاه ومغفرته ومحبته ... كل بقدر استطاعته وفهمه وإيمانه ...وهو الشأن ذاته في مناسك الحج ... تجد الجميع يلهج لسانه بالدعاء والتراتيل ... لا يجمعهم سوى عبادة الله وحده ... ورغم اختلافهم في الشكل واللون والجنس والمذهب والمكانة ، فهم يعذرون بعضهم بعضا ...

لكن حين تحول الاسلام إلى حركات وتنظيمات سياسية لها أجهزة ومؤسسات وأدبيات الانخراط والموالاة والمعاداة ... انحرف مسار العبادة وأضحى وسيلة للاستدراج والانتماء والمُراءاة ... وارتدّ الاسلام شركا يجمع المنتمي لتلك التنظيمات في قلبه بين الله والحزب الاسلامي ... فبدأ التمييز بين العباد باسم الدين وتحول التعدد والاختلاف إلى معاداة ونفاق وتكفير واقتتال باسم الله .. ولا أدل على ذلك من مسيرة ما يُدعى زورا " بالصحوة الاسلامية" وما يمثلها من حركات إسلامية شتَّتت وفرقت المسلمين فيما بينهم ونشبت بسببها الحروب والتفجيرات والتكفير بين أبناء الدين الواحد .. واختُلقت الصراعات والافتاءات المغرضة ضد غير المسلمين ...

ولسنا في حاجة إلى كثير من الاستدلال في هذا الباب .. فمسيرة حركة الاخوان المسلمين ومنذ بدايتها إلى اليوم تمثل أكبر شهادة على أن تحول الدين إلى حزب أو تنظيم واستغلاله سياسيا يشكل أكبر عامل في التفرقة والشرك بالله و الاقتتال بحثا عن السلطة ... وما تفرّع عن هذه الحركات من تنظيمات جهادية دموية يؤكد خطورة تبني الاسلام والوصاية عليه سياسيا وتنظيميا ...

إن الاسلام ليس تنظيما أو حزبا أو تيارا ... يقول الله " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا " ... ويقول " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء " ويقول " ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون " ...

الاسلام وحدة إنسانية واجتماع للبناء والإعمار وعدم الفساد في الأرض .. الاسلام دعوة إلى التنوع والتعدد لا إلى الخلاف والتعصب .. يقول تعالى : " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك .. ولذلك خلقهم " ...
الاسلام بوصلة إيمانية نحو وحدانية الله .. وهو منارة تهتدي به الانسانية جمعاء بمختلف اتجاهاتها نحو بارئها ... الاسلام رسالة لنا جميعا لنعلم أننا مُلك لله ونعيش جميعا في مُلك الله وعلينا أن نستجلب رضى ومحبة الله في حسن التصرف في ملك الله و حسن التعامل مع مخلوقات وعباد الله ...
وكل حزب أو مذهب أو عالم يرى أنه الناطق باسم الله والعارف الوحيد بمُراد الله فاعلم أنه دجَّال أو نصّاب أو كذّاب ...

ويبدو لنا أننا في حاجة اليوم إلى أن يعود الدين ملكا للجميع مهما اختلفت مذاهبنا وتفاوتت درجات إيماننا وتباينت قدرتنا على أداء الشعائر المختلفة ... نحتاج اليوم أكثر من وقت مضى أن يعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه من عبادات ومعتقدات مادام الله وحده الكفيل بمحاسبتنا يوم اللقاء ...

وأعتقد أنه لا مناص لنا من أن يقبل بعضنا بعضا شئنا أم أبينا ، فلن يفلح أي طرف في إلغاء أو إبادة الطرف المخالف في الرأي والعقيدة والمذهب ... وعلاوة على ذلك سوف نصل حتما إلى قناعة أن المجال الديني يربط العبد بالله وحده ، ولا أثر لخلافاتنا العقدية في واقعنا مهما كانت خلافات حادة افتعلتها النقاشات الفقهية وتحولت إلى إفتاءات إقصائية واستئصالية . سندرك يوما أن هذه الأحداث والصراعات باسم الدين هي بسبب الوصاية عليه من قبل الجماعات الدينية التي حولت الاجتهادات الدينية الشاذة إلى ممارسة إرغامية صارمة مفرغة من مقاصد الدين الوحدوية والانسانية والروحية ..

ولعل الفيصل فيما بيننا اليوم هو أمر الدنيا وما يرتبط بها من إصلاح وعدل ومساواة وحسن أداء العمل واحترام الحقوق والحريات والالتزام بالواجبات ونحتكم للمؤسسات التي نتواضع ونتفق عليها ... ونسلك في الإصلاح مسالك العلم والعقل والسِّلم والتدافع الحضاري ... ولنا حينها أن نستقي من ديننا ومذاهبنا ما يعيننا على التعايش والبناء والتقدم والنماء ...

#أحمد_أمرير (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات