أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الحزب الشيوعي السوري - المقابلة التي اجرتها مجلة - العاصي العربي - الكندية مع السيد رياض الترك















المزيد.....



المقابلة التي اجرتها مجلة - العاصي العربي - الكندية مع السيد رياض الترك


الحزب الشيوعي السوري

الحوار المتمدن-العدد: 348 - 2002 / 12 / 25 - 13:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


المقابلة التي اجرتها مجلة " العاصي العربي " الكندية مع السيد رياض الترك - الأمين الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - في اوائل كانون الأول 2002
 
 
 
 
رياض الترك، الذي لم يكذب على شعبه أبداً، لأنه لم يكذب على نفسه. فالحياة بالنسبة إليه موقف، ولم يكن الثمن الذي يتطلبه هذا  الموقف، حائلاً دون الجهر به في يوم من الأيام .

رياض الترك، ابن السبعين عاماً ونيف، يقف صامدا كالطود الشامخ رغم قضائه  ثمانية عشر عاماً متواصلة في زنزانة انفرادية لم يزرها ضوء الشمس ولو بالصدفة .  لم يكن صموده فعلاً انتحاريا ً، لا طائل من وراءه، بل فعلاً نضالياً ضرورياً لبناء الأوطان وترسيخ دعائم الحرية.

ما قام به رياض الترك وغيره من المناضلين، ولا يزالون، هو فعل في التاريخ سيتسع ويتسع حتى يصبح بحجم الوطن  وتدخل الشمس إلى تلك الزنزانات المعتمة التي اغتيل فيها الوطن والمواطن. وأي متابع منصف، لما جرى في محكمة أمن الدولة العليا، المشكلة بموجب قانون الطوارئ المفروض على البلاد منذ العام 1963، يعرف أن الحكم الذي صدر بحق المناضل رياض الترك، هو رد فعل "الرؤوس الحامية" التي تخشى تصدع  وانهيار جدران الخوف المحيطة بالمواطن.. رد فعل على هذا الصوت الصارخ في سوريا : "أعدوا طريق الحرية"  كي لا تبقى مملكة للصمت.

 

إذا كان تحقيق  العدالة هو الهدف النبيل  لكل قاض ، فان الظلم هو ما كان ينتظر رياض الترك  أمام قوس المحكمة. لم يكن هدف تلك المحاكمة تحقيق العدل في هذا المكان والزمان، ولو أنها  فعلت لحكمت على "الجناة" أن يردوا  لرياض الترك  سنواته الثمانية عشر التي سرقوها من عمره  دون تهمة أو محاكمة،  انما هدفت الاستخفاف بعقول الناس والغاء الآخر واغتيال الحرية .. وكانت محاولة  بائسة لكتم صوت هذا المناضل حين دعا إلى  مصالحة وطنية ضرورية لبناء بلد يستحيل نهوضه إن لم ينعم  مواطنوه بالأمان وبالحرية .

"العاصي" ، بشخص رئيس تحريرها الزميل عيسى بريك، كان لها شرف اللقاء مع "منديللا العرب" رياض الترك في أول حديث صحفي طويل يدلي به بعد خروجه من السجن في تشرين 2/ نوفمبر الماضي.

عيسى بريك:

في البداية لا بد ان انقل لك تحياتي وتحيات الكثيرين من عرب وسوريين بمناسبة الافراج عنك ويسألون عن صحتك ويتمنون لك العمر المديد.

 

رياض الترك:

 لا بد ان اسجل شكري لجميع  من سال عني في الوطن  وفي المهاجر  واحب  هنا التأكيد ان الانسان لا يترك وطنه واهله واحبابه وارضه الا مكرها. ومعظم من غادر وطنه فقد فعل ذلك نتيجة قهر من نوع ما قد يكون قهرا سياسيا وقد يكون ثقافيا وقد يكون اجتماعيا وقد يكون كل هذا وذاك. ولكن الجميع لا زالوا  يحملون الوطن في داخلهم ويتمنون ان يتعافى .  ويحترم الانسان ويحترم عقله ورايه ومعتقده ،  وتصان حريته ويشعر بالامان على نفسه وعلى اسرته وعلى امواله ويتوقف القهر والفساد.

كذلك لا بد لي من القول أنني حتى هذه اللحظة لا اشعر انني مؤهل للدخول  في تفصيلات كثيرة، فلا زلت اشعر انني مسجون، اي انتقلت من سجن "عدرا"  الى سجن البيت ، ومعظم الوقت خلال الاسابيع الماضية  قضيته في  استقبال المهنئين رفاق واصدقاء وحلفاء من محافظات القطر،  ولم يتوفر لدي الوقت لاستجمع ما فاتني من احداث خلال فترة اعتقالي حتى استطيع ان ارسم بذهني وبدقة ملامح الوضع السياسي..  لذلك فانا اسجل اعتذاري المسبق فيما اذا صدر عني شيء غير دقيق، فانا بحاجة ان اقرأ اكثر وان اسمع من الاخرين اراءهم.

اما عن صحتي فليست على ما يرام... لا يوجد شيء مقلق لكنها كانت افضل عندما كنت في المعتقل، (ضحك )  لأنه  بعد الخروج من السجن حدث عدم انتظام في طريقة حياتي وطعامي فارتفع السكري قليلا ولكن بشكل عام صحتي عموما مقبولة وليس هناك سوى القليل من التعب والقليل من الفوضى ..   الناس عندما تزورني او تقابلني تسأل عن صحتي كثيرا يبدو ان السبب هو ما اشاعته السلطة عن سبب الافراج عني، وعللته باسباب انسانية، هذا ليس صحيحا على الاطلاق لم اكن بحالة صحية سيئة، القضية ان السلطة لا تريد ان تعترف باخطائها وفي نفس الوقت لا بد ان تستجيب ولو جزئيا للطلبات والضغوطات التي كانت تتسع دائرتها سوريا وعربيا ودوليا.

ان ما يجب ان لا يغيب عن اذهان الناس ان اعتقالي كان سياسيا والافراج عني كان لاسباب سياسية أيضا.

 

_ عيسى بريك :

حاولت وسائل الاعلام السورية ان  تخرج  موضوع محاكمتك وكأن المحاكمة جرت حسب القوانين النافذة لتعطي للأمر صورة حضارية  . والسؤال هل كان حقا كذلك ؟

 

_ رياض الترك:

بصرف النظر عن كل ما قيل ويقال عن سبب الاعتقال وبما فيها المحاكمات التي حاولت السلطة ان تظهر نفسها بشكل حضاري على اساس ان المعتقلين خالفوا القانون، وبالتالي صدرت احكام بحقهم ..  فيا "ابن العم"  إن الناس في سوريا والعالم لم يصدقوا هذا الاخراج لا لعملية الاعتقال ولا لعملية الافراج.

ان الحرس القديم او الفئات "ذات الرأس الحامي"  التي تريد ان تستمر في سلوكها القديم  بارهاب الناس   ومنعهم  من  العمل  السياسي  والاهتمام

بالشأن العام..  هذه الاجهزة وهذه الفئات في الامن والحزب والجيش قامت بالاعتقالات على امل  قطع   الطريق  على  كل تحرك ديمقراطي

يطالب بمرحلة جديدة يتمكن فيها الناس من التعبير عن ارائهم وممارسة حرياتهم . هذا هو جوهر الموضوع.  وباعتقادي انهم فشلوا فسلوك الاجهزة الآن مقبول كما كان قبل الاعتقالات الاخيرة التي أظهرت عودتهم إلى السلوك القديم . الاجهزة تراقب عن بعد وتسجل المعلومات (حتى حديثنا هذا  يقومون بتسجيله الآن ... "ضحك"  )  وتراكم  هذه المعلومات لحين تتاح لها فرصة اخرى فتستخدمها  للقيام بضربة توقف فيها اي تحرك ديمقراطي يطالب بالحد الادنى من الحريات . هذه الاجهزة تريد اعادة عجلة التاريخ الى الوراء، فالكثير من الحرس القديم لا زال محتفظ بمواقعه ونفوذه في أجهزة السلطة  ولا يمكن اصلاحهم، لانه من غير المعقول ان تتوقع الاصلاح من اناس فاسدين اعتادوا على التسلط وارهاب الناس.

حتى الان لا استطيع ان اقول ان الاصلاح والتغيير الجديد قد شق طريقه في سوريا ، وفي نفس الوقت لا نستطيع القول ان هذه القوى الفاسدة وبعض القوى المحافظة قادرة ان تستمر بالاساليب السابقة .. بهذا المعنى نستطيع ان نقول اننا نشعر بشيء من التفاؤل وان علينا التمسك  اكثر بمطالبنا  والتحلي  بشيء من الصبر والعمل على النفس الطويل وطرح مطالبنا بشكل تستجيب للواقع الراهن وليس لما نرغب ان يكون عليه.

 

_ عيسى بريك:

إن كان  لما يسمى بـ"تيار الاصلاح"  وجود  داخل السلطة ، فما هو حجمه برأيك ؟.. وهل  يمكن له أن يستمر ويقوى ؟

 

_ رياض الترك:

اذا اردنا ان نقيم السنتين الماضيتين نرى ان الرموز الحقيقية للفساد السياسي والمالي لا زالت في مواقعها وهي السائدة تقريبا وهذا يدفعني للسؤال: اين هو تيار الاصلاح في السلطة؟ وهل من الممكن ان يقوم الفاسد بعملية اصلاح؟

 

نحن نتمنى ان يجري الاصلاح على يدي السلطة ولكن يبدو ان هذا الموضوع هو صعب جدا ولا يمكن حدوث اي تغير او اصلاح الا اذا استمرت دائرة المطالبة الشعبية بالاتساع والضغط من اجل التغير الديمقراطي السلمي. وشيء آخر؛ ان الكلام والضجيج الاعلامي  في سوريا حول الاصلاح لا يزال مستمرا اليوم .. ولكن هذا الوضع ينطبق على القول " اسمح جعجعة ولا ارى طحنا"  . إن المقياس الذي يقنعني بوجود  اصلاح ما  هو ان تتخذ السلطة تدابير ملوسة تقونن مسألة حماية المواطن في التعبير  عن رأيه اولا وقبل كل شيء وفي ان توضع حدود رادعة لكل الذين  اساؤوا  او يريدون  ان يسيئوا  لسوريا، ولا يزالون حتى  اليوم  في مواقعهم  المتنفذة  في  هرم  السلطة،  من خلال ارهاب الناس وسلب حرياتهم. هذه الامور تسير احيانا خطوة الى الامام وخطوتين الى الوراء.. لذلك  فانا ارى انه من المبكر الحديث عن تيار اصلاحي يفرض نفسه من فوق او ان تحدث ثورة من فوق على طريقة ماركس في ان الاصلاح قد يأتي من السلطات العليا، هذه السلطات يا "ابن العم"  عالم قديم انتهى.. والسلطة لا تريد ان تعترف بهذا ، ولذلك  فهم لا  يفكرون بالتجديد الا باوساط ضيقة ومحدودة في داخلهم . إن الاصلاح يجب ان يفرض نفسه على السلطة اي ان تكون هناك قوة تفرضه وتحميه، وهذه القوة هي الناس/المجتمع . إن هذه الحالة لا زالت "طرية"  في سوريا. وعودة إلى السؤال أقول  إنني  اتمنى بروز تيار اصلاحي داخل السلطة ، فإن وجد فهو برأيي لا زال بشكل جنيني، امل ان يتسع ويتقوى  ولا يمكن لذلك  أن يحدث ، ويتقوى،  بمعزل عن "تحت" ..  فتحرك الناس يعزز هذا التيار او يزيد من فرص وجوده.

ان ما ينقص الوضع الحالي هو برنامج تستطيع ان تلتف حوله اوسع دائرة سواء داخل السلطة او خارج السلطة، برنامج واقعي يتلمسه الناس باحساسهم برغباتهم.

 

_ عيسى بريك:

ما هو تقيمك لما جرى خلال السنة الماضية ؟

 

_ رياض الترك:

تجربة السنة الماضية كانت تجربة غنية، التراكم القديم خصوصا ما يتعلق داخل المعارضة فرض نفسه كقفزة (ولو كانت نسبيا صغيرة) في مواجهة اصحاب "الرؤس الحامية" التي حاولت ان تعيد الماضي من جديد.  هناك شعور تزايد لدى الناس انهم يستطيعوا ان يحطموا او يكسروا شيئا في جدار الخوف.. وتقيمي للعام الماضي ان الحركة الديمقراطية في سوريا لم تهزم ويجب ان تستفيد من تجربة  هذا العام  في تنظيم  نفسها كما يجب.  فكرة توحيد المعارضة على اسس سليمة وعاقلة تستطيع ان تقدم برنامج تجمع حوله اطياف المجتمع السوري..  هذا هو هاجسي الان ويجب ان يكون هاجس المعارضة الديمقراطية بكل تلوناتها... لقد حركت محاضرتي ما قبل الاعتقال وسطا  واسعا  في الشارع وفي المعارضة وحتى داخل السلطة. يجب ان لا نبني اوهام او امال كبيرة على تيار اصلاحي داخل السلطة حتى لا تفاجأ الناس فتكون الحالة اسوأ.

 

_ عيسى بريك:

هل تستطيع ان تلخص لنا وبشكل سريع اهم ملاحظاتك على الوضع العربي؟

 

_ رياض الترك:

حالة الانظمة العربية تشبه حالة النظام السوري، حالة قائمة على الاستبداد  انتجت نوعا  من التفتت الكبير مما اعطى الولايات المتحدة القدرة في ان تضغط لنقل المنطقة الى وضع جديد تستطيع السيطرة عليه ..  وامريكا تضع الان في تصورها ان ضرب العراق قد يسهل عليها تصفية القضية الفلسطينية.

الامور متشابكة، في الداخل الانظمة الاستبدادية في حالة عجز حتى عن حماية نفسها وفي الوقت نفسه الولايات المتحدة تحاول ان تخدع الناس بالقول انها تريد ان تجلب لهم الديمقراطية.

كانت الانظمة الامنية محمية او شبه محمية او مغضوض النظر عنها..  والان يتحول الامريكان

الى دعاة للديمقراطية في المنطقة.. هذه مهزلة!

لذلك، في ظل انظمة من هذا النوع،  من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، مواجهة المخاطر الكبرى المحدقة بالمنطقة .  وعلى العقلاء ان يفكروا باساليب جديدة وطرق جديدة لمواجهة هذه الاخطار. ان الوضع الان صعب ومعقد للقضية الفلسطينية ولقضايا التحرر في العالم.

الوضع العام صعب معقد بظل وجود القطب الواحد وبظل وجود انظمة استبدادية في المنطقة. لذلك شاهدت حالات يأس عند عدد من المواطنين وسمعت احيانا اقوال مثل دعوا اسرائيل تأتي..  دعوا امريكا تأتي  كي نخلص من هذا الوضع. هذه السلبية بنظري هي سلبية خاطئة .. وهذه الحالات هي حصيلة احتكار السلطة للسياسة وابعاد المجتمع عن المشاركة في  توجيه سياسة البلد.

إن حالة القمع المستمرة منذ عشرات السنين انتجت  هذه الحالة السلبية عند البعض .. حالة ضياع البوصلة والقرف  من الأحوال المزرية  التي يعيشها المواطن. السؤال المؤلم هو : من وضع هؤلاء الناس في هذا الموضع؟..  ومن دفع هؤلاء الناس الى هذا المكان؟..  اعود واوأكد انه يجب ان لا تصل الامور عند البعض الى هذا الحد .

إن الامر خطير ونحن ندق ناقوس الخطر المحدق بالوطن. ماذا يفعل  المواطن اذا لم يجد نفسه محميا بقانون؟..  محمي بدستور؟... بقوانين ودستور محمية من قبل نظام يحترم الناس ولا يستعبدهم او يسرقهم؟..ماذا يستطيع هذا المواطن  الذي يشاهد بام عينه الهجمة الامريكية والوحشية الاسرائيلية وهو مكبل بهذه الانظمة المستبدة ؟..

اعود للقول انني شخصيا لست متشائما بالنسبة للنضالات الديمقراطية في سوريا، بمعنى ان هذه المعارك الصغيرة من اجل الديمقراطية تتوسع وباستمرار وتضم الى صفوفها اناسا جدد وكثر. نضالاتنا لم تبقى كالسابق مرتبطة بافراد . ورغم توسعها لكنها غير كافية من اجل النجاح في مواجهة الاستبداد وفي نفس الوقت مواجهة الهجمة الامريكية. بالنسبة لاجهزة الامن في سوريا تراجعت الان وتتظاهر بالتهذيب يبدو ان هناك تعليمات بان لا يحتكوا مع الناس.  ان يلطفوا قليلا من اسلوبهم... هذا ليس كافيا يجب على الاجهزة ان تلتزم بالقانون وتكف يدها كلية عن الناس.

_ عيسى بريك:

هناك احاديث عن صدور قانون جديد للاحزاب وعن احتمال مشاركة المعارضة في انتخابات مجلس الشعب القادم بعد ثلاث شهور، فما هو تعليقكم على هذه التوقعات؟

 

_ رياض الترك:

لا شيء جديد حقيقي لدى  السلطة . هذا الحديث الذي نسمعه من  البعض اليوم عن قانون الاحزاب  ليس جديدا.  كان هناك وعد قديم منذ سنتين وكان السيد خدام " يناور" ويقول للناس انتظروا سوف يصدر قانون للاحزاب قريبا، وكان المطلوب بالنسبة لخدام هو مواجهة ما سمي بالتحرك المدني. الان دورة مجلس الشعب تنتهي في 8 من هذا الشهر وسوف يعلن عن انتخابات جديدة، وحسب القانون  فإن الانتخابات القادمة سوف تكون بعد ثلاث اشهر ولن تختلف كثيرا عن سابقاتها. قانون الاحزاب  ليس له مؤشر حقيقي على الارض حتى الان،  والتطبيل لهذا القانون قبل صدوره ومعرفة مضمونه يخدم اهداف السلطة في بلبلة الناس وتفرقة الصفوف امام قضية قد لا تحدث اصلا.

في الماضي قاطعنا الانتخابات لاسباب عديدة منها ان النظام السياسي يحرمنا من حقوقنا في ان نمارس حقنا في السياسة وفي ان نضع برامجنا ونعلن عنها للناس لنقاشها ضمن القانون، والنظام حتى الان يحرمنا ويحرم الناس من الحق في التنظيم والتعبير وحرية الترشيح وحرية الدعاية الانتخابية.  وحتى الان لا جديد وكل هذه الامور مقيد وبرسم الاجهزة الامنية والنواب خلال اغلب مراحل الانتخابات هم  صناعة مخابراتية...  ربما وسعوا هامش المستقلين وربما تركوا احزاب جبهتهم خارج قوائم البعث، ولكن حتى لو أنهم وسعوا  دائرة المستقلين فاننا نرى  أن الكثيرين منهم متهم باخلاقه وبالفساد والرشوة والتهريب اكثر بكثير من المتهمين بالفساد في دائرة البعث او احزاب الجبهة. المسألة اذا سياسية ولا استطيع ان احدد موقفي من الانتخابات بشكل ايجابي اذ لم تتمتع المعارضة الديمقراطية والناس اجمعين بالحرية والقيام بحملاتهم الانتخابية بكل حرية.. انتخابات تشرف عليها لجان غير مشكوك بنزاهتها ولا تسمح  بتزوير نتائج الاقتراع، واسلوب السلطة حتى الان لا زال هو نفسه.  ففترة الدعاية الانتخابية تضيع وانت بانتظار الاجراءات الامنية من اجل الموافقة على قبول الترشيح،  ويدخلونك في نفق له بداية وليس له نهاية.  ملخص الحالة ان اجهزة الامن ومراكز القوى التي ترسم قوانين الانتخابات تعين  قوائم الناجحين حتى قبل فرز الاصوات.  واذا حدث شيء جيد وكان هناك هيئة نطمئن لنزاهتها  تضع قوانين للانتخابات وتشرف عليها وتملك  القدرة على حمايتها  من التزوير ويطمئن  المواطن بان صوته سيؤثر في نتيجة الانتخابات،  عند ذلك سنشارك في الانتخابات ونحن واثقين من مواقعنا بين الناس ومحتكمين  لصناديق الاقتراع.

 

_ عيسى بريك:

هل يمكنك أن تعطي قراء "العاصي" فكرة عن  الاعتقال الاخير من حيث المعاملة والمكان والفرق بينه وبين الاعتقالات السابقة.

 

_ رياض الترك:

يا ابن العم الفرق كبير كالفرق بين السماء والارض  كما يقال . الاعتقال السابق جرى في فترة محمومة بالعنف  والعنف المضاد ارتكبت فيها جرائم ضد الانسانية.. نعم جرائم ضد الانسانية . ان اصعب تعذيب تعرضت له هو ايام الوحدة السورية المصرية ويأتي بالدرجة الثانية ما تعرضت له من سوء معاملة وتعذيب ايام الرئيس حافظ. .  ظروف الحياة خلال سبعة عشر عاما وثمانية اشهر من الاعتقال دون اتهام او محاكمة تجعلك تموت موتا بطيئا.. إن ما تعرضت له ايام حافظ الاسد ، من الم جسدي ونفسي من جراء التعذيب ومن جراء وضعي في زنزانة  منفردة  خلال كل فترة اعتقالي في مكان

لا تعيش فيه غير الفئران،  هي أمور يعجز اللسان عن وصفها . لقد قرروا ان ينسوني بعد ان تعبوا  من تعذيبي المستمر وانا بدوري اتخذت قراري وقررت ان انسى الزمن.  لم انهَر.. لم ارضخ.. لم اساوم.. برغم كل الاوضاع غير الانسانية التي وضعوني فيها  والضرب والتعليق بالسلالم لدرجة الاغماء .. إن هناك فقرات في ظهري تعرضت للسحق وحتى الان لا استطيع الجلوس كما يجلس الانسان الطبيعي.. وضعوني في ظروف لا يستطيع الانسان ان يعيش فيها واذا عاش فكم سيصمد صحيا وعقليا ؟.. ظلم يقهر الجبال ولكن الانسان لديه طاقة وارادة اقوى من الجبال واقوى من الالم، الرغبة في العيش بحرية التي بدونها لا يكون الانسان انسانا فالحياة هي الحرية اولا.

تمكنت ان اقاوم وانظم حياتي وخرجت على الاقل وانا سليم عقليا.. ( وهناك تفاصيل لسجنه  وتعذيبه اوردها فيلم اسمه "ابن العم"  الذي  أخرجه محمد علي الأتاسي وعرض في بيروت اثناء اعتقاله الاخير)   .. يمكن القول بالنسبة  للاعتقال الاخير ان السجن كان  اقرب الى السجون القضائية..  اما اعتقالي ايام الرئيس حافظ الاسد مثلا فلم ار  الشمس او ضوء النهار  على الاطلاق لمدة تزيد عن عشر سنوات وكانت اول مرة شاهدت ضوء الشمس بعد عشر سنوات عندما نقلوني الى المستشفى للعلاج من اثار التعذيب، في تلك الفترة   بقيت انام على بطانية واحدة فوق ارض الزنزانة  مدة ثلاثة عشر عاما ..  واول زيارة واخر زيارة كانت لزوجتي التي اعتقلوها بدورها،  تاركين أطفالنا دون اب او ام ،  ثم افرجوا عنها   ...كانت الزيارة بعد 13 عاما ونصف..  ولم تتكرر .

 

_ عيسى بريك (مقاطعا) :

القوانين في كندا تحمي الكلاب  من ظلم قد يقع عليها  !..

 

_ رياض الترك:

القوانين عندنا لا تحمي الانسان وهذا هو جوهر الموضوع. جوهر نضالنا هو احترام الانسان وحقه في الحياة الحرة،  والوقوف امام اي عنف او ظلم تمارسه اجهزة الامن او سلطات الاستبداد.

 ثمانية عشر عاما عشتها بزنزانة بقبو  في فرع التحقيق العسكري ... قبو رطب جدا وخانق جدا   يقل فيه الاكسجين  .  بينما لاعتقال الاخير كان  في طابق علوي لا رطوبة فيه  بل نوافذ تدخل منها الشمس ..  وعندي سرير.  صحيح ان مكان ينقصه الكثير ولكن كان عندي ماء ساخن وحتى تدفئة هل تتصور ذلك!..   ونظام الغذاء كان افضل بما لا يقاس من الاعتقال السابق المقتصر على القليل من الشوربة او بعض البرغل وقد سرق  منه  اللحم...  واحيانا ملعقة واحدة من اللبن...  لذلك قلت  ان الاعتقال الاخير كان سجن خمسة نجوم.

 

_ عيسى بريك:

طرحت في محاضرتك التي سبقت اعتقالك الاخير موضوع المصالحة الوطنية التي تبدأ بالغاء الاحكام العرقية  واغلاق ملف الاعتقال السياسي وعودة المنفيين.. فهل ستضيف شيئا بعد هذا الاعتقال ؟ 

 

_ رياض الترك:

يجب اعادة الثقة للشعب ..  وإعادتها تجعلني اشعر ان النظام جاد في الاصلاح.  اريد تدابير عملية  فالاقوال والوعود لم تعد تجدي..  ومواقفنا سترتبط بما ينفذ وليس بما يقال. يجب ان يكون لسان حالنا كما يقول المثل الدارج (قبيض بقبيض) اما "الحكي"  فلست مستعدا ان اقابله بـ"حكي"  .

حين تتقدم السلطة باصلاح  فسندعمه بكل طاقتنا ،  والا سنبقى معارضة.  نحن المظلومين لن نقبل بوعود لا تنفذ..  يقولون ان لدى السيد رئيس الجمهورية  بشار برنامجا  للاصلاح.. حسنا !.. أين هو  هذا البرنامج ؟..   نريد ان نراه.

 

لقد وعدنا بخطاب القسم ان يحترم الرأي الاخر..  انا اقول انه لم يتم احترام هذا  الرأي الاخر على ارض الواقع وإلا لما اعتقلنا ..  ربما فرضوا عليه او اقنعوه كذبا وافتراءا اننا  مجموعة سيئة فوافق على اعتقالنا... هذا الاعتقال كان برسم الاجهزة الامنية واصحاب "الرؤوس الحامية"  من الاجهزة والبعث والجيش اكثر مما كان برسم بشار.

ها قد تم الافراج عني .. وأنا اعتقد ان هذا الافراج ليس  فشلا  لبشار بل هو  فشل للاجهزة الامنية ولغيرهم من  النافذين الذين يريدون اعادة البلاد الى العهد السابق... اعرف ان الاصلاح لن يتم دفعة واحدة ولكن على الاقل يجب ان يبدأ على ارض الواقع ولو بشكل متدرج.

 

لقد قدمت مشروعا  للمصالحة الوطنية فكان ردهم هو اعتقالي مع غيري الذين لا يزالون في السجن ..  وهنا  اريد ان اوضح  نقطة قد تغيب عن الاذهان: أشاعت السلطة  ان ما وصفت به  العهد السابق بانه عهد ديكتاتوري كان السبب في الاعتقال .. وهذا كلام غير صحيح لأن ما قلته ليس اهانة وانما توصيف سياسي للعهد السابق..  واذا سألنا  اصحاب "الرؤوس الحامية"  فهل يستطيعون وصف العهد السابق بالعهد الديمقراطي مثلا. إن ما قلته هو وفق المنطق الدستوري ووفق المنطق القانوني ولا زال وصفي صحيحا ولا يشكل اساءة شخصية بقدر ما هو تقيم سياسي لنظام السياسي.

 

اردت ان اقول اننا امام مرحلتين مرحلة سابقة هذا وصفها ومرحلة جدية يجب ان نعالجها بعقل جديد وفكر جديد.  ولقد كانت محاضرتي لصالح بشار لو قرئت  تلك المحاضرة قراءة متأنية .

اريد ان اسجل ملاحظة اخيرة في نهاية هذا الحديث :  اتأمل ان تفرج السلطة عن بقية المعتقلين الجدد والقدامى وان يغلق ملف الاعتقال السياسي وان تعمل السلطة ضمن الدستور. الدستور اعطانا حق التظاهر..  ونحن الان محرومون من حق الكلام .

 



#الحزب_الشيوعي_السوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطوة يجب أن تكتمل!
- رياض الترك إلى الحرية...... مرّةً أخرى
- التقرير الأول للتنمية الإنسانية العربية لعام 2002
- رسالة الطبقة من زيزون إلى قناة البليخ ومابينهما
- بعد عامين استمرارية التعويق وهدر الوقت
- مطالعة قانونية في محاكمة سياسية أقوال غير مؤثمة
- حول أزمة العمل السياسي في سورية
- أوضاع الحركة الديمقراطية في سورية
- بيان إلى الرأي العام حول الحكم على رياض الترك
- من مداخلات المؤتمر التداولي للحزب-آذار 2001
- سورية ممكنة بلا معتقلين سياسيين!
- سوريا إلى أين؟
- عود على بدء


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الحزب الشيوعي السوري - المقابلة التي اجرتها مجلة - العاصي العربي - الكندية مع السيد رياض الترك