|
وليم باتلر ييتس: فصح 1916
أنطونيوس نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 4726 - 2015 / 2 / 20 - 09:09
المحور:
الادب والفن
1.
لقيتُهم فِي خاتمةِ النَّهار قادِمينَ بوجوهٍ وَضِيئة مِن وراءِ نُضدٍ أو طاولةٍ فِي حنايا منازِلَ من القرنِ الثَّامِن عشر. تجاوزتُهم بإيماءةٍ مِن الرَّأسِ أو بكلماتٍ مِن الهُراءِ الدَّمِث، أو تلبَّثتُ هُنيهةً ونبستُ بكلماتٍ مِن الهُراءِ الدَّمِث، وقبلما أنتهي فكَّرتُ فِي قصةٍ ساخِرة أو مُزحةٍ أُبهِجُ بها رفيقًا بجوارِ النارِ في النادي، جازمًا بأننا -أنا وهم- قد عِشْنَا حيثُ يُلتحفُ بأرديةِ المُهَرِّجين: كُلُّ شيءٍ تغيَّرَ، تغيَّرَ تمامًا: جمالٌ مُروِّع وُلدَ.
2.
تلك المرأةُ استهلكتْ نهاراتِها في مودةٍ جَهول، وأنهكتْ لياليها في جدالٍ إلى أن صارَ صوتُها صريرًا. أيُّ صوتٍ كان أعذبَ مِن صوتِها حين انطلقتْ راكبةً -وهي شابةٌ جميلة- صوبَ كلابِ الصيدِ الضَّارِية؟ وهذا الرجلُ كانَ يُديرُ مدرسةً ويمتطي صهوةَ جوادِنا المُجنَّح، وهذا الآخرُ -مساعدُه وصديقُه- كادَ يبلغُ أوْجَ قوتِهِ؛ كانَ حريًّا بصيتِهِ أن يذيع، إذ بدتْ فِطْرتُه رهيفةً وأفكارُه جريئةً وعذبة. وهذا الرجلُ الآخرُ ظننتُه سِكِّيرًا، ومتغطرسًا وأخرقَ. لقد ارتكبَ أشنعَ الكبائرِ المريرة في حَقِّ مَن يُلاصقون منِّي الشَّغاف، لكنني في هذه الأغنية أُقرُّ بِهِ؛ فهو أيضًا قد تنازلَ عَن دورِه في المَلهاةِ العارِضة؛ فهو أيضًا تغيَّرَ بدورِه تبدَّل تمامًا: جمالٌ مُروِّعٌ وُلدَ.
3.
قلوبٌ لها بُغيةٌ واحدةٌ وحيدة تبدو -عَبْرَ الصَّيفِ والشِّتاء- كأنما أنامِلُ السِّحْرِ أحالتها حجرًا يُقلقُ صفوَ التيار. الحِصانُ الآتي من الطَّريق، الراكِبُ، الطُّيورُ التي تتقافزُ من سحابةٍ إلى سحابةٍ منحدرة، كُلُّ هذي تتغيَّرُ دقيقةً في إثْرِ دقيقة؛ ظِلُّ سحابةٍ على التَّيار يتغيَّرُ دقيقةً في إثْرِ دقيقة؛ حافِرُ الحِصانِ ينزلقُ على الحَافةِ، والحِصانُ يغمرُه التيار؛ دجاجاتُ الماءِ ذوات السيقان الطويلة يَغُصْنَ، ويُفتِّشنَ مُنقنقاتٍ على دِيَّكتِهُن؛ دقيقةً في إثْرِ دقيقة يَعِشْنَ: والحجرُ بينَ الجَميع.
4.
التَّضحيةُ المُزمِنةُ بمقدورِها أن تُحيلَ القلبَ حجرًا. آه، متى تكفي؟ ذاك دورُ السَّماءِ، أمَّا دورُنا فأن نُغمغمَ اسمًا بعدَ اسم، كأُمٍّ تُهدهدُ طفلَها باسمِهِ بينا السُّبَاتُ يزحفُ أخيرًا إلى الأطرافِ التي أعياها الرَّكضُ. أهذا إلا ليلٌ؟ لا، لا، ليسَ ليلًا بل موتًا؛ ألم يكن -بعدَ كُلِّ هذا- موتًا مَجَّانِيًّا؟ فإنجلترا قد تفي بعهدِها جرَّاءَ كُلِّ ما حدثَ وكُلِّ ما قيلَ. نحنُ نعرفُ أحلامَهم؛ يكفينا أن نعرفَ أنهم حلموا وأنهم موتى؛ وماذا لو أن فَرْطَ العِشقِ كانَ قد أذهلهم حتى ماتوا؟ إنني أكتبهم شعرًا- ماكدونا وماكبرايد وكونولِّي وبيرس الآن وفي زمنٍ سيجيء، حيثما يُلتحفُ بالأخضر، قد تغيَّروا، تغيَّروا تمامًا: جمالٌ مُروِّعٌ وُلدَ.
* الترجمة إهداء إلى شهداء مذبحة الدفاع الجوي: هنالك فِي قفصٍ مِن حديدِ الضَّغينةِ المَسْعُور، هنالك فِي قبرٍ شائِكٍ صنعَهُ كلابُ القنصِ خِلسةً؛ كي يغتالوا قلوبًا مُطهَّرةً مريضةً بـ "فَرْطِ العشقِ" ثمَّ يقولون قضوا نحبهم "فَرْطَ تدافع"، هنالك فِي بوابةِ الفَخِّ الخَسيس "وُلدَ جمالٌ مُروِّعٌ" ستظلُّ عيونُ أرواحِنا تُحدِّقُ راجِفةً في مرايا بهائِهِ القُدسيّ ؛ كيلا ننسى مذاقَ الحُلمِ ورائحةَ الغِناءِ ومجدَ الفشلِ المقدس، هنالك فِي قفصِ الغَدرِ صارتْ حشرجاتُكم الأخيرة نوافذَنا على الفِرْدَوسِ: حيثُ فَرْطُ العشقِ أقوى من الأقفاصِ الحديديَّة، بل أقوى من المَوتِ.
#أنطونيوس_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابتهال رومانسي
-
هاملت يرثي رهاف الأغا
-
وليم باتلر ييتس: الطفل المسروق
-
باي جويي: الحلم القاتل
-
شاعر مجهول: خمر ومقبرة
-
أندرو مارفل: كفاحنا المسلح بالقبلات
-
شاعر مجهول: برج الظمأ
-
إميلي ديكنسون: خمر وجبل
-
لعثمة هذيانية
-
فيليب لاركن: وصية لاذعة
-
رشحات على نصل الفناء
-
حدقات السجائر والسيف المكسور
-
داماسو آلونسو: هرطقة الأرق
-
ميسولوجوس
-
سانحة على المقهي
-
اللسان المبتور
-
ديوجين وأنفاس رهاف
-
خصية على مذبح الانتظار
-
المسيح يقرر الانتحار
-
وجهان للصمت
المزيد.....
-
-يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا
...
-
“أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن
...
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
-
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|