أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع عشر















المزيد.....

أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع عشر


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4722 - 2015 / 2 / 16 - 13:56
المحور: الادب والفن
    


والسيارة تهبط مرتفعات البرنة، فتحتُ الزجاج لأستنشق الهواء العليل. كنت أجلس إلى جانب السائق، والظن يذهب بي إلى أن آميديه، بعد الغارة، سيبدل المكان الذي كان مخيمه فيه، وكذلك موقفه السياسي، والطريق التي سينتهجها لن تكون الحسنى، فالنادر لا حكم له. رأيت الأشجار كيف تنزف سائلاً أبيض، والأفكار كيف تنصل من السهام. بيد أن الكلمات الأخيرة للأميرة إيزابيل شغلت بالي، وأفرغت صبري. لم تكن تعلم قوة حب الفُضول لدى الأدباء، وبأس الخيال لما يذهب الخيال بأبي بكر الآشي حتى نهاية العالم، لو يلزم، ليجد الحكاية الموريسكية التي كان يريدها. التنافس، بينه وبين بلتاسار، تبارٍ لا يفهمه أحد غير أصحاب القلم، يدفع الواحد والآخر إلى الغوص بعيدًا في نوعية كتابتهما، فالبحر بحران، والأزرق لونان. يجب تجاوز النفس، تجاوز المنافس، المعادل، المراوغ للكلمات. يجب القدرة على التعبير عن الرقة والروح الجميلة، فالاختلافات بينهما ليست مهمة: كلاهما صوفي وفيلسوف عقلاني في آن واحد. الله لهما والطبيعة شيء واحد، الكون والإنسان ليسا سوى مظاهر للذات الإلهية. النجوم هي النجوم، كما قالت الأميرة إيزابيل، أي، كالله، باقية أبد الدهر، تتغير، ولا تغير مداراتها، ونحن حتمًا أشباهها، باقين ما بقيت، لا نتغير إلا في أفعالنا وسلوكاتنا. قصصنا، مهما اختلفت، كانت وتكون وستكون مادة كل خيال.
في كل الأحوال، كانت العبرة في كلمات الأميرة إيزابيل كبيرة: أن نحل مشاكل ناس اليوم حسبما تمليه علينا ظروف اليوم، وأعظم مشاكل اليوم التي تشغلنا مشكلتها وآميديه، التي تتصادف معطياتها مع ما يبحث عنه، أبو بكر الآشي، من متأول في الأدب الموريسكي، ما ضاع، وما أبحث عنه، أنا، من متمرد في الأدب الأندلسي، ما لم يضع. كانت قصة حب آميديه وإيزابيل هي التعبير المحسوس عما نحلم بالوقوع عليه: هذا الحب "المدنس"، الخارج على القانون، المخالف للاعتياد، الجاري مجرى النيازك في السموات، خارج كل مدار!
كان علينا إذن، أنا وأبو بكر الآشي، أن نحمي حبًا كهذا، وكان علينا أن نبحث عنه في صفحات الوجود، وليس في طي كتاب أو مخطوط، بعد أن رأت الكتابة فيه نفسها، واختُزلت فيه. لم يمنع ذلك التفكير في وخيم العواقب لفشلي في المهمة التي كُلفت بها، وكنت، في الوقت ذاته، راضيًا، لأن الأميرة إيزابيل لم تعد معي، بمحض إرادتها، بعيدًا عن كل مفهوم لاهوتي. كان حقها الجوهري بوصفها إنسانة، أن تحب، وإن أدى مثل هذا حب، إلى أشنع الأفعال: الحرب!
وجدتني أعود هنا إلى منطق أبي بكر، فلا هو السمو بالعقل ولا هو السمو بالشعور. في هذه الحال، من المحال ألا تقع الفاجعة. اقشعر بدني من الخوف، فأقفلت نافذة السيارة. بتنا على وشك الوصول إلى قدم البرنة، وبدلاً من عمل كل شيء على تأجيل هذا الحدث الجسيم، تمنيت، ويا للمفارقة، أن يتحقق في الحال، وأن أكون أولى ضحاياه. امتزج قدري، دون أن أشاء، بقدر العاشقَيْن. وفي كل الأحوال، كان "الصنم" بانتظاري في مدريد. تركته غاضبًا، وسأجده أكثر غضبًا.
توقف السائق، وطلب إليّ أن آخذ المِقْوّد.
- ستسير حتى الحاجز، بروفسور! وهم سيرتبون عودتك إلى بيلباو عندما يعرفون من أنت. مع السلامة!
غادر السيارة، وتسلق الصخور ليعود من حيث جاء، ثم اختفى. كما قال لي، أعادني رجال درك الحاجز إلى الفندق. كان أنطونيو على أحر من جمر الغضى، غيرَ مخفٍ ميله إلى المخاطرة. حمد الله على سلامتي، وأبلغني استشاطة جلالة الملك غضبًا على جنرال المنطقة بعد الغارة التي عرضت للخطر حياة صاحبة السمو الملكي وحياتي. رجاني أن أكتب تقريري ليفكسسه إلى أبي بكر بلا إبطاء، فالقصر يريد معرفة كل شيء قبل عودتنا إلى مدريد، الشيء الذي فعلته دون تأخر.
في القصر، لم تكن السجاجيد الحمراء أقل معمعة من المرة السابقة: وزراء، قادة، رجال أعمال، وكل رجالات الدولة الكبار كانوا يتدافعون. أدخلني أنطونيو مباشرة إلى مكتب الطبيب الذائع الصيت، فوجدت أن سحنته تزداد تجهمًا، وأن تعب الجسد وانشغال البال يقرآن على جبهته. أجلسني أمامه، وأعلن أن جلالة الملك سيستقبلني حالاً. إثر استلامه لتقريري، اتخذ الملك مع رئيس وزرائه قرارًا كان أبو بكر يجهله، فدعوت الله أن يكون في صالحي. مضت عدة دقائق، فقرع الهاتف. عجل أبو بكر برفعه، وهتف:
- بأمرك، يا صاحب الجلالة!
أغلق السماعة بقوة، ونهض، وهو يقول لي:
- هيا بنا!
ونحن على عتبة مكتب الملك، همس العالم العلامة في أذني:
- تماسك، يا صاح!
دخل أبو بكر على الملك وحده، وبعد لحظات قليلة، أدخلني أمامه. كان جلالته واقفًا لاستقبالي، وعلى مفاجأة مني، كان يبتسم لي. اطمأننت بالاً، وقلت لنفسي: لقد لطف تقريري الأجواء، وخفف من سخط الضامن للديمقراطية، فأنا، في الواقع، لم أذكر ما جرى بالفعل في البرنة الغربية، لم أنقل كلام آميديه وإيزابيل بحرفيته، جعلت الباب مفتوحًا على المفاوضات، وأضفت تحية إيزابيل الحارة إلى والديها الغاليين، قائلاً إنها ستبقى الابنة الوفية دومًا وولية عهد أبيها ومفخرته، حبها له شيء راسخ لا يتزحزح، وحبها لآميديه شيء آخر يخصها هي وحدها.
اعتذر جلالته عن حادث الهيلوكبتر، وسأل إن لم يصب سمو الأميرة إيزابيل أي سوء. قلت لم يصب أحد بسوء، وأخذت أعيد لجلالته ما جاء في تقريري متحاشيًا التكلم بإسهاب عما دعاه العاهل "بالحب المزعوم".
- أمر العواطف كأمر السيوف، تدخل أبو بكر، هذه تطيح بالقلوب وتلك تطيح بالرؤوس!
تمهل الملك وهو يقول:
- بعد عميق التفكير، وجدت ألا فائدة من استعمال العنف، لا للواحد ولا للآخر، العواطف التي تطيح بالقلوب شيء، والسيوف التي تطيح بالرؤوس شيء آخر! هذا هو موقفنا، على الأقل، خلال المفاوضات التي ستقودها، أنت، بروفسور، باسمنا وباسم الحكومة، مع دون آميديه وسمو ابنتنا. آه! كم هو حزني كبير عندما أفكر أني سأتفاوض مع ابنتي التي جعلت من قضية ضائعة قضيتها. تعرف أنت آميديه كما أعرف أنا ابنتي، لهذا أسألك: أمستعد للقيام بهذا الدور؟
شحنت صوتي بكل الحماس الضروري، وقلت:
- كل ما تشاء، يا صاحب الجلالة! يا حبذا لو أستطيع أن أفعل شيئًا في سبيل حل هذه المسألة العويصة اللامنتظرة، والتي أعتبرها مسألتي الشخصية للظروف اللامباشرة التي ربطتني بها.
- باتفاق مشترك بين شخصي وبين رئيس الوزراء، سأصدر مرسومًا بتعيينك حاكمًا لأرخذونة، هكذا تكون والدون آميديه، حين التفاوض، كالنِّدِ للنِّد، وترقى المفاوضات، التي أرجو أن تنتهي بسرعة، إلى أعلى المستويات. سيعينك طبيبنا أبو بكر، وكل الوزراء، وكل رجال القصر، ليكون النجاح حليفك.
عندما خرجت من عند الملك، لم أصدق أذنيّ. كنت قادمًا لأحمل سيف سخطه على عنقي، فإذا به يحمّلني سوط الحكم! أبدى أبو بكر الآشي استغرابه، وجلسنا في مكتبه ننتظر صدور الإرادة الملكية رسميًا. خلال ذلك، كلمته عن الحكاية الموريسكية، واحتراقها بنار جنرال بيلباو، فحزن أبو بكر حزنًا عميقًا، وأبدى تشاؤمه من المهمة التي كلفني الملك بها. رفع ستارًا عن راصدته الفلكية، واتجه بعدستها نحو السماء. نظر منها لبعض الوقت، ثم قال بنبرة حائرة إن كل النجوم سوداء. أعدت عليه ما طلبت إليّ الأميرة إيزابيل أن أقوله له، فوافقها، وقال إنها تلميذته قبل أن تكون أميرته، أخذت عنه الحكمة، إلا أن الفواجعَ اليوم أعظم من كل الحِكَم. النجوم سوداء في ليل أبيض! العالم ليس العالم! العالم وجه الله الآخر!
عاد يجلس مفكرًا صامتًا لا ينبس ببنت شفة.
جاء أنطونيو، وأدهشنا أن نسمع منه: بعد اجتماعه بقادة الجيش، أصدر جلالة الملك أمرًا بتعيين الفارس بوعمير حاكمًا لشذونة وأرخذونة، وخوله حق التفاوض مع آميديه!
- ألم أعبر لك عن تشاؤمي؟ همهم أبو بكر الآشي. هذه النجوم السوداء أخرى غير التي نعرف، هناك نجوم خارج مدارات الكون، مثلما هناك بشر خارج أفلاك الإنسان، والفارس بوعمير واحد منهم!


يتبع الفصل الخامس عشر من القسم الأول



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثاني عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الحادي عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل العاشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل التاسع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثامن
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السابع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السادس
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الخامس
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث
- رماد لا يشتعل ردًا على ليندا كبرييل
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثاني
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الأول
- علاء الأسواني ومرحلة المرآة
- منيف وجبرا وعقدة الدونية
- تساؤلات حول شارلي هيبدو
- مظفر النواب والنمط الأولي
- سعدي يوسف وعقدة أوديب
- توفيق زَيَّاد وعقدة الخِصاء


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع عشر