أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - آجيث – صورة لبقايا الماضي















المزيد.....



آجيث – صورة لبقايا الماضي


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 22:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إلى ذكرى كلايد يونغ (2) الذى خاض فى عديد المسائل التى واجهها المؤلّفان فى كتابة هذا المقال .
------------------
" كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية ".
بوب أفاكيان (1)

فهرس المقال
I - تمهيد : طليعة المستقبل أم بقايا الماضي
II - الثورة الشيوعية و الشيوعية كعلم و مهمّة البروليتاريا ولماذا الحقيقة هي الحقيقة :
- رفض آجيث للشيوعية كعلم
- الماديّة التاريخية : نقطة محوريّة فى الماركسية
- المنهج العلمي فى كلّ من العلوم الطبيعية و الإجتماعية
- آجيث يرفض المنهج العلمي فى العلوم الإجتماعية
- آجيث وكارل بوبر
III - الموقع الطبقي و الوعي الشيوعي :
- " مجرّد المشاعر الطبقية " و الوعي الشيوعي
- دفاع آجيث عن تجسيد البروليتاريا
- مساهمة لينين الحيوية فى الوعي الشيوعي
- البروليتاريا وكنس التاريخ
- القومية أم الأممية ؟
- التبعات السلبيّة للتجسيد فى الثورات الإشتراكية السابقة
IV - هل للحقيقة طابع طبقي ؟
- " الحقيقة الطبقية " كنزعة ثانوية فى الثورة الثقافية
- آجيث و التحزّب الطبقي
V - إستهانة آجيث بالنظريّة :
- نظرة ضيّقة للممارسة و الواقع الإجتماعي
- " الممارسة المباشرة " لماركس و إنجلز لم تكن مصدر تطوّر الماركسية
- يجب على التحزّب أن يقوم على العلم
- الدروس المكلفة ل" الحقيقة السياسيّة "
VI - بعض النقاط عن الفلسفة و العلم :
- مكانة الفلسفة فى الماركسية
- آجيث يفصل بين الفلسفة و العلم
- مقاربة آجيث شبه الدينيّة للمبادئ الأساسية للماركسية
- الحقيقة المطلقة و الحقيقة النسبيّة و تقدّم المعرفة
- إلى أي مدى يمكن أن نكون متأكّدين من معرفتنا ؟
VII - الثورة الشيوعية ضرورية و ممكنة لكنّها ليست حتميّة ... ويجب إنجازها بوعي :
- ماركس و أفاكيان بصدد " الترابط المنطقي " فى التاريخ الإنساني
- الديناميكية الحقيقية للتاريخ و النظرات الخاطئة صلب الحركة الشيوعية
- الحرّية و الضرورة و تغيير الضرورة
- فهم آجيث الخاطئ للحرّية و الضرورة
- قفزة لكن ليس إلى حرّية مطلقة
- لا جبريّة فى الثورة
- كيف نفهم القوانين التاريخية ؟
VIII - آجيث يجد نفسه بصحبة ما بعد الحداثة و الدين :
- تقييم أفاكيان الجدلي للتنوير
- هجوم آجيث على التنوير و تشويهه لوجهات نظر أفاكيان
- عن موقف ماركس تجاه الحكم البريطاني فى الهند
- معارضة آجيث ل " الوعي العلمي "
- العلم و المعرفة التقليدية
- آجيث يسقط فى أحضان ما بعد الحداثة
- تعويض الحقيقة ب " رواية شخصية "
- نقد غير علمي للرأسمالية
- معانقة آجيث لمدرسة فرانكفورت
- آجيث و التقليد الكانطي
IX – آجيث يدافع دفاعا بشعا و معذّبا عن الدين و سلاسل التقاليد :
- وضع حجاب على إضطهاد النساء
- التذيّل للقومية و تجميل الأصولية
- أفاكيان بشأن الشريحتين اللتين " ولّى عهدهما " و الصراع الإيديولوجي مع الدين
- الإختيار بين الشريحتين اللتين " ولّى عهدهما " أم التقدّم بطريقة أخرى ؟
X - الخاتمة
(+) إيشاك باران مناصر للخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان و مساهم منذ زمن بعيد فى الحركة الماوية فى تركيا . و ك. ج. أ مساهم منتظم فى " تمايزات " – مجلّة النظريّة و الجدال الشيوعيين .
======================================================



محور هذا الجدال هو الفلسفة – خاصة الأبستيمولوجيا ، الفرع الفلسفي الذى يُعنى بقضايا المعرفة و الحقيقة و كيف نحصل على المعرفة و نقيّمها .
قد يبدو هذا الموضوع لمن ينظر إليه نظرة حجولة مجرّدا ، بعيدا ومنفصلا عن عالم الحروب الإمبريالية التى لا تنتهى و أوبئة الإيبولا و التغيّر المناخي على كوكبنا و تعنيف النساء و إخضاعهنّ المستشريين . بيد أنّه للقضايا الفلسفية التى نتناولها بالبحث فى هذا الجدال و للصراع الإيديولوجي الأوسع نطاقا الذى نخوض أهمّية كبرى و ملحّة . إنّها وثيقة الصلة بوضع نهاية لجنون زمننا و فظاعاته . فمع تمكّن الإنسانية المضطهَدَة و كلّ الذين يتطلّعون إلى عالم تستحقّه إنسانيّتنا من فهم العالم ( نعم ، تلك المسألة الأبستيمولوجية ) – تحديدا لأجل تغييره ... تأتى قضيّة الثورة .
لقد حدثت ثورات فى القرن العشرين . و بالفعل ، شهدت الموجة الأولى من الثورة الشيوعية مئات الملايين على كوكبنا ينهضون فى ظلّ قيادة طليعية ذات رؤية ثاقبة و يطيحوا بالنظامالقديم – أوّلا فى روسيا فى 1917 و ثمّ فى الصين فى 1949 . فكان ثلث الإنسانية جزءا من سيرورة بناء مجتمعات تحرّرية حقّا . و مثّل ذلك أوّل قطيعة مع ظلام المجتمع الطبقي . (3)
لكن المرحلة الأولى من الثورة إنتهت عندما حصل إنقلاب رجعي فى الصين فى 1976 بُعيد وفاة ماو تسى تونغ . و جاءت هذه الهزيمة بعد فقط حوالي عشرين سنة من إستيلاء القوى الرأسمالية الجديدة على السلطة فى الإتحاد السوفياتي .
و اليوم لا توجد أية دولة إشتراكية . وقد جدّت تغيّرات كبرى فى الإقتصاد الرأسمالى العالمي و مدن جنوب كوكبنا قد إنتشرت بفعل نزوح الناس القسري عن الأراضي و غدت الأزمة البيئيّة كارثيّة. و يتعذّب بلايين الناس بلا موجب . و غالبية الإنسانية المضطهَدة أسيرة ديناميكية قاتلة حيث الخيارات الوحيدة أمامها تبدو الأصولية الدينية الرجعية أو الديمقراطية من النمط الأمريكي ، و كلّ هذا فى إطار النظام الرأسمالي –الإمبريالي العالمي . و فى نفس الوقت وقع التشنيع على الشيوعية وتشويهها ، و إعتبرتها القوى السائدة رسميّا " فشلت " ، و يقصف الناس بقنابل رسالتها و مفادها أنّه لا وجود لأي بديل .
و يطرح السؤال موضوعيّا : هل من مخرج من هذا الجنون ؟
ضد هذا التراجع كان بوب أفاكيان يشتغل طوال العقود الثلاث الأخيرة على المشكل الكبير : تلخيص دروس الموجة الأولى من الثورة الشيوعية ، و مكاسبها الإيجابية الطاغية و كذلك مشاكلها و نقائصها و لصياغة طريق للمضيّ قدما . و من هذه الدراسة و مستفيدا من تيّارات واسعة من الفكر و الجهود الفكريّة و الفنّية ، تقدّم أفاكيان بخلاصة جديدة للشيوعية . و هي تشمل الفلسفة و الأممية و دكتاتورية البروليتاريا و ممارسة السلطة فى المجتمع الإشتراكي و الإستراتيجيا .
و الخلاصة الجديدة بديل تحرّري و نظرة و إستراتيجيا فعّالتين من أجل عالم مختلف و أفضل راديكاليّا – و من أجل إطلاق العنان لمرحلة جديدة من الثورة الشيوعية يمكن و يجب أن تبلغ جيلا جديدا من النشطاء الشبّان و المثقفين و الفنّانين و الجماهير القاعدية .

I- تمهيد : طليعة المستقبل أم بقايا الماضي :
لقد كانت الخلاصة الجديدة للشيوعية موضوع صراع حاد فى صفوف الشيوعيين . ففى ماي 2012 ، أصدر الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية رسالة إلى الأحزاب و المنظّمات المنخرطة فى الحركة الأممية الثورية (4) شارحا فهمه لمضمون صراع الخطّين الذى كان يتطوّر داخل الحركة الشيوعية العالمية و جذوره و تاريخه . و قد أشارت تلك الرسالة إلى أنّ : " الفهم الذى قامت عليه الحركة - ما كنّا نسميه الماركسية – اللينينية - الماوية - " ينقسم إلى إثنين" : جوهره الثوري الصحيح و العلمي ثبتت صحته وهو يتقدّم إلى مستويات جديدة ، بينما الأخطاء الثانوية و إن كانت حقيقية و ضارة فى السياسة و النظرية وقع تحديدها و يمكن و من الضروري الصراع ضدّها كجزء من إنجاز القفزة اللازمة. هذه هي المقاربة التى إعتمدها بوب آفاكيان و حزبنا يدعو الآخرين للإلتحاق بها لتلبية هذه الحاجة الملحة. "(5)
و سنتان بعد رواج تلك الرسالة ، إشتدّ أكثر الصراع داخل الحركة الشيوعية العالمية . فمن جهة ، هناك الكثيرون الذين ، على أساس الخوض فى الخلاصة الجديدة للشيوعية و تبنّيها ، أخذوا يكسبون فهما أعمق لهدف الشيوعية و ثقة جديدة فى فعالية الثورة البروليتارية لبلوغه ، و تقييما أدقّ لما يجب القيام به – و هم بالتالى أقدر على النهوض بالنشاط الثوري الشامل . و من الجهة الأخرى ، مع ذلك ، هناك من يصرخون فزعا من الخطوات المتقدّمة التى خطاها أفاكيان و يحاولون توجيه الحركة فى الإتجاه المعاكس ، بعيدا عن أساسها العلمي .
فى جويلية 2013 ، نُشر مقال يعدّ حوالي 80 صفحة فى المجلّة الهندية " نكسلباري " و كان يحمل عنوان " ضد الأفاكيانية " .
كاتبه ، آجيث ، يختم مقاله بقول : " الأفاكيانية لا هي جديدة و لا هي بأي شكل من الأشكال تلخيصا . إنّها ذات التحريفية و التصفوية القديمة . و علينا أن ننبذ إدعاءاتها و نقف بصلابة على أساس الماوية ." (7) . و بالفعل ، ما يقوم به آجيث هو هجوم شامل على الشيوعية الثورية ، ليس كما تقدّمت بها الخلاصة الجديدة لأفاكيان و حسب و إنما أيضا ضد أعمدة البناء الجوهرية للماركسية عينها . مقاله هو الجهد الأخير و إلى الآن الأكثر طموحا لتقديم عرض منسجم للمواقف الأساسية و النظرة العالمية و المنهج لدى قطاع من الحركة الماوية التى ترفض مزيد التقدّم بالنظريّة الشيوعية وعوض ذلك تعيد بعث وتزيل الغبار عن الكثير من الفهم الخاطئ الذى عرقل الحركة الماوية منذ بداياتها الأولى .
وفى هجومه المسعور ضد أفاكيان ، يرمى آجيث بكلّ عنصر بحوزته إلى الحلبة : إنّه يقدّم عرضا لاعلميّا للإقتصاد السياسي الماركسي (8) ، و يبذل وسعه ليلصق زورا و بهتانا قوميّته الخاصة الفالتة من عقالها بماو تسى تونغ ، و يصوغ رواية خيالية عن تاريخ الحركة الأممية الثورية مليئا بأحداث مصطنعة يعلم أنّه ليس بوسع غالبيّة قرّائه أن يتأكّدوا من صحّتها ، ويقترف الخطأ تلو الخطإ فى مجالات لا تحصى و لا تعدّ . و قد عالج بعض الرفاق شيئا من أهمّ تلك الأخطاء (9) و لا شكّ فى أنّ الكثير يمكن كتابته لتوضيح أيّ عدد من النقاط التى تكلّم عنها آجيث على طريقة الأساقفة .
مقال آجيث يكثف بصفة واضحة تجميع الأخطاء الثانوية لكن مع ذلك الحقيقية والمدمّرة لدى الحركة الماوية ، و منهجتها و رفعها إلى مستوى خطّ سياسي و إيديولوجي عام .(10)
و المهمة التى حدّدناها لأنفسنا فى هذا المقال هي محاولة كشف ما الذى يكمن وراء هجوم آجيث المسعور على الخلاصة الجديدة لأنّه كما قال شكسبير ، هناك منهج فى جنونه . إن إستطعنا أن نكشف مضمون ما يكمن وراء منهجه و مقاربته ، يمكن أن نستفيد شيئا من مقال يزخر بالتشويه و التعتيم و الإفتراء ، بما يساهم حينئذ فى فهم أفضل لصراع الخطّين الدائر رحاه فى صفوف الحركة الشيوعية العالمية .
و لنبدأ بالإشارة إلى عدد من المواقف الأكثر محوريّة التى يتقدم بها آجيث فى هجومه على المقاربة و المنهج الذين ما إنفكّ أفاكيان يقاتل من أجلهما :
- كفلسفة أو إيديولوجيا ، حسب آجيث ، لا يجب على الماركسية و لا يمكن أن ترتقي... إلى المعايير العلمية ( ما يشوّهه على أنّه " علماوية " ) . و فى إرتباط بذلك ، يعارض آجيث المقاربة المختلفة تماما فى أعمال أفاكيان و القائمة على إختراقات فى النظرة الشيوعية للعالم و للأبستيمولوجيا .
- فى نظر آجيث ، أفاكيان مخطئ فى قوله إنّ الماركسية لا تخفق أمام معيار" قابلية الخطإ " ؛ و بكلمات أخرى ، يخطئ أفاكيان خطأ جدّيا عند تأكيده على أنّ المواقف النظريّة للماركسية تسمح بشروط تأكيد إن كانت صحيحة أم خاطئة .
- و يعتقد آجيث أنّ "" الحقيقة الماركسية " يمكن أن تكون الأقرب للواقع الموضوعي بسبب التحزّب الطبقي " [ التسطير من آجيث ] . و يرفق آجيث هذا بالدفاع عن مفهوم " الحقيقة الطبقية " ، عن أنّ الحقيقة يمكن أن تحدّد ليس بتناسبها مع الواقع بل بالموقف الطبقي للذين يتقدّمون بموقف معطى .
- بنظر آجيث يجب أو تعطى مكانة خاصة فى الحركة الشيوعية إلى البروليتاريين كأفراد و غيرهم من الفئات المضطهَدَة من الجماهير بموجب موقعهم الطبقي . و يزعم آجيث أنّ الحزب الشيوعي الثوري يلغى دور المشاعر الطبقية . و يرفض آجيث أن يعترف بالمشاكل المتّصلة بتجسيد البروليتاريا .
- ويرى آجيث أنّ أفاكيان يتبنّى بلا نقد نظرة تنوير القرن الثامن عشر و مبادئه . و حسب رأيه ، أفاكيان غارق فى الوضعية و التجريبية و الإختزالية الميكانيكيّة و يخفق فى التعلّم من مساهمات الآخرين كأصحاب ما بعد المعاصرة و مدرسة فرانكفورت .
- و يتّهم آجيث أفاكيان بالتنظير ل " بروليتاريا مثاليّة " على حساب البروليتاريا الملموسة فى الإطار القومي الخاص .
- و يتّهم آجيث أفاكيان بإنكار الدور الجوهري للممارسة فى تطوير النظريّة الثوريّة .
- دون مفهوم " الحتمية " ( على غرار ما يوجد فى " حتمية إنتصار الشيوعية " ) الذى نقده أفاكيان ، فى نظر آجيث ، " لا يبقى شيء للتأريخ الماركسي ".
- ويحاجج آجيث أنّ أفاكيان مخطئ فى تشحيص و نقد العناصر الثانوية التى تنزع نحو التيولوجيا ( فكرة أنّه ثمّة هدف أو نتيجة مرسومة مسبّقا فى الطبيعة ) فى كتابات ماركس و إنجلز وكذلك فى كتابات مؤلّفين و قادة شيوعيين آخرين .
- أفاكيان مخطئ فى تركيز الإنتباه على نقد ( " دقّ " ) الدين . " بالعلماوية [ هكذا ] كميزة بارزة ، لا نستغرب رؤية الأفاكيانية تغرق فى عقلانية غليظة عند تعاطيها مع الدين "
و من القائمة الجزئية أعلاه لهجمات آجيث على أفاكيان يبرز جليّا أنّ الصراع داخل الحركة الشيوعية العالمية لا يحدث فى غرفة مغلقة . فالعديد من هذه المسائل نفسها توجد ( أحيانا بأشكال مغايرة نوعا ما) ضمن صفوف آخرين من المنخرطين فى النضال ضد المجتمع المعاصر و فى نقده . و أيضا يتداخل هذا مع صراع إيديولوجي أوسع نطاقا – مثلا ، الفكرة المنتشرة القائلة بأنّه لا وجود لحقيقة واقعية ، حقيقة موضوعية ، و بدلا من ذلك هناك فقط روايات متنافسة تمثّل مجموعات مصالح إجتماعية مختلفة .
يمثّل آجيث نوعا من " الحزمة " إن شئتم . إنّه مزيج من مقاربة شبه دينية للشيوعية ، نظرة أنّ التاريخ " سيسير " لصالحنا ، مع براغماتيّة ، مفهوم أنّ ما ينجح و يخدم أهدافا معيّنة صحيح . إنّ آجيث يدافع عن نوع من التفكير متجذّر عميقا فى الحركة الشيوعية ، يمكن أن يخدم أحيانا التحفيز المؤقّت لشجاعة المرء لكن فحسب بغضّ النظر عن جزء الواقع الذى يزعجه .
و نظرا لهذا التفكير شبه الديني ، بصعوبة قد يفاجئنا أن يشعر آجيث و آخرون أمثاله بأكثر من مجرّد تهديد بالخطوات المتقدّمة التى قطعها أفاكيان . وفى حين أنّ أي علم حقيقي ، بما فيه نهائيّا الماركسية ، يضع نفسه موضع المساءلة و هوعرضة للتصحيح و مزيد التطوير ، فإنّ الدين يسير وفق ديناميكية معاكسة : مجالات بأكملها يُعلن مسبّقا أنّها محميّات خاصة حيث الإيمان وحده يمكن أن يهيمن كأعلى سلطة وعلى القساوسة أن يحافظوا بغيرة على نقاط ضعف نظام الإعتقاد حتّى لا تؤدّى ثقبة فى هذا النظام المائي المضغوط إلى نزيف كبير .
فى آخر المطاف ، الرهان فى هذا النقاش حول كيفيّة فهم العالم هو نوع المجتمع الذى نحاول أن نوجده. هل يمكن أن نتخطّى نقطة ستتحدّد فيها الحقيقة أو تُفرض بالقوّة ( الإقتصادية و السياسية و العسكريّة ) ، أم أنّ العالم لن ينجو من منطق أنّ " القوّة تصنع الصواب " .
فى مفترق الطرق هذا داخل الحركة الشيوعية العالمية ، تطرح مسألة : هل سيكون الشيوعيّون طليعة للمستقبل أم بقايا الماضي ؟










II- الثورة الشيوعية و الشيوعية كعلم و مهمّة البروليتاريا و لماذا الحقيقة حقيقة :
ما هي الشيوعية ؟ كيف هي مختلفة عن مفاهيم و برامج التغيير الأخرى ؟ لماذا هي أكثر الثورات راديكاليّة . لنستمع إلى ماركس :
" هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ". (11)
تحيل هذه الفقرة المعروفة شعبيّا خلال الثورة الثقافيّة الصينية بين 1966 و 1976 على أنّها " الكلّ الأربعة " على أنّ الثورة الشيوعية ثورة شاملة . إنّها تهدف إلى إجتثاث ليس بعض الإضطهاد و بعض اللامساواة بل كلّ الإقتصاد والسياسة و العلاقات الإجتماعية الإضطهاديّة - من إهانة النساء و إخضاعهنّ و اللامساواة و الإضطهاد العنيفين الذين تعانى منهما الأقلّيات القومية ، إلى تخطّى حقبة مديدة من التاريخ الإنساني فيها تشتغل مجموعة صغيرة جدّا بمجال الأفكار و تسيير المجتمع . و الثورة الشيوعية لا تشمل فقط إجتثاث كلّ أنماط الإنتاج التى تقوم على الإستغلال والمؤسسات السياسية و الإجتماعية و العلاقات التى تناسبها و تسندهاو حسب بل إنّها كذلك و حيويّا تشمل تغيير كلّ القيم و الأفكار و طرق التفكير التى تعكس الإستغلال و الإضطهاد و اللامساواة و تعزّزهم .
و مجدّدا ، إنّها ثورة شاملة : سيرورة ثوريّة تقود إلى تجاوز تقسيم المجتمع ذاته إلى طبقات و إيجاد مجتمع إنساني عالمي دون إستغلال وإضطهاد أين يغيّر الناس العالم و أنفسهم بوعي أكبر أبدا .
لقد شدّد شانغ تشن- شياو و قادة آخرون للثورة الثقافية تحت إشراف ماو تسى تونغ بصفة متكرّرة على مركزيّة هذا الفهم لكافة سيرورة الثورة الشيوعية . (12) وهذا مختلف جدّا عن مفاهيم الإشتراكية كمجرّد نوع من دولة الرفاه المعتمدة على ملكيّة الدولة التى" تعتنى " بالناس .لا ، ملكية الدولة لوحدها لا تقود إلى إلغاء الطبقات والتناقضات الطبقية العدائية دون الصراع و السيرورة الواسعين لتجاوز " الكلّ الأربعة " .
لقد أعاد ماو إكتشاف هدف الشيوعية و عمّقه ، وهو هدف غاب بصورة متصاعدة عن أنظار الحركة الشيوعية . وكان توجّه ماو نحو الهدف الشيوعي محوريّا فى كيفيّة رأيته للثورة الثقافية و قيادتها فى الصين ، ما مضى بسيرورة الثورة البروليتارية برمّتها إلى قمم جديدة – ليس فقط بإلحاق الهزمة طوال عشر سنوات بالقادة فى الحزب و الدولة الذين أرادوا العودة إلى " الطريق الرأسمالي " (13) ، و إنّما أيضا بإيجاد تغيير غير مسبوق فى تفكير الناس و فى العلاقات بين الناس و فى تنظيم الإقتصاد و التعليم الإشتراكيين و فى غيرهما من المجالات .
و كانت هذه المعركة الهائلة فى مجال السياسة مرتبطة عميق الإرتباط بتطوير ماو لكامل علم الشيوعية تطويرا شمل نقدا و قطيعة من جانب ماو مع عناصر هامّة فى تفكير الحركة الشيوعية الماضية المنسوبة بصورة خاصة إلى قيادة جوزيف ستالين الذى كان عموما قائدا ثوريا حقيقيّا .
و إرتبط مزيد تطوير ماو للشيوعية ، لا سيما نظريته و ممارسته لمواصلة الثورة فى ظلّ الإشتراكية ، كذلك وثيق الإرتباط بصراعه العظيم ضد ما بات يسمّى ب " التحريفية المعاصرة ". و التحريفية برنامج ونظرة تستعمل المفردات الماركسية ( " الصراع الطبقي " و " الطبقة الحاكمة " و " حكم البروليتاريا " إلخ ) لتغطّي و تعقلن سياسات و إقتصاد و ذهنيّة رأسماليين – برجوازيين . ففى أواسط خمسينات القرن الماضي فى الإتحاد السوفياتي ، صعدت إلى الحكم طبقة برجوازية تحريفية جديدة إثر وفاة ستالين و عزّزت صنفا جديدا من نظام الدولة الرأسمالية فيه ما يسمّى بالحزب الشيوعي يمسك بالسلطة لكن النظام الإقتصادي – الإجتماعي الفعلي يقوم على الإستغلال الرأسمالي . و حصل الشيئ نفسه فى الصين عقب وفاة ماو تسى تونغ فى 1976 حيث صارت تحكم طبقة رأسمالية جديدة غير أنّها تطلق على نفسها نعت " شيوعية " .
و طوال الأربعين سنة الماضية ، قام أفاكيان بعمل عميق فى تفحّص تجربة الثورات البروليتارية للقرن العشرين و إستخلاص الدروس و العبر . و قد إنتهى ليس إلى البناء على وجهات نظر ماو الثاقبة و المضي قدما بقطيعة ماو مع الفهم و المقاربات الخاطئين وسط الحركة الشيوعية و حسب بل أيضا ، فى بعض الحقول الهامة، إلى القطيعة مع ماو نفسه و القيادات الشيوعية السابقة. وعلى وجه الخصوص، حاجج أفاكيان أنّه لن يكون ممكنا بلوغ التغييرات الثوريّة إلاّ بدعم هذه السيرورة ، بإيجاد منهج ومقاربة أكثر علمية تماما حتّى لفهم العالم و تغييره ، و بتشخيص أعمق و نبذ أعمق لتلك العناصر من التفكير التى تذهب عمليّا ضد إلغاء " الكلّ الأربعة " .
لقد وجدت نزعات قويّة خاطئة ضمن الشيوعيين بإتجاه رؤية الثورة الشيوعية جوهريّا كمسألة " قلب الطاولات " – العمّال سيحكمون بدلا من الرأسماليين – مع عدم فهم أنّ هذه تعنى ثورة شاملة لإجتثاث كلّ ما هو إضطهادي وبلوغ عالم مختلف و أفضل راديكاليّا . و هذا الفهم الخاطئ غالبا ما ينظر إلى الأشياء بمعنى الثأر ( يمكن للمضطهَدين أن " يحاسبوا " ) و برؤية بسيطة للثورة على أنّها " طبقة ضد طبقة " (14)- مجرّد العمّال ضد الرأسماليين ، فى تعارض مع تحرير الإنسانيّة جمعاء .
و ترافقت هذه النظرات الخاطئة لمضمون الثورة الشيوعية بمفهوم ميتافيزيقي ( شبه ديني ) لسيرورة الثورة الشيوعية . و هذه هي الفكرة الغالطة لكون للبروليتاريا مهمّة نجاحها حتميّ تاريخيّا ، حتى نابع من ذات قوانين الطبيعة والتاريخ .
و قد تعايش هذان الفهمان لمضمون الثورة الشيوعية و سيرورتها داخل الحركة الشيوعية منذ نشأتها . و كذلك وجدت صدامات إيديولوجية متكرّرة حول هذه النقاط بالذات منذ زمن ماركس وإنجلز فصاعدا .
وآجيث مثال لأولئك الذين من الحركة الماوية لم يكونوا أبدا قادرين على أن يستوعبوا بصلابة الإختراقات التى كان يقوم بها و أقلّ منها لم يكونوا يقبلوا بأنّ الرؤى الثاقبة لماو قد فتحت طرقا جديدة للبحث و تستدعى المزيد من تطوير الشيوعية . يدخر آجيث و آخرون ماو مختلف ، فهو يبحث عن عناصر أقلّ علمية و أقلّ ماديّة فى تفكير ماو و فى النهاية يقلّص ماو إلى ديمقراطي راديكالي و قومي ثوري (15). لقد جنّ جنون آجيث أمام تقدّم أفاكيان أكثر بالماركسية . وهو الآن يريد أن يستخدم ماو الذى قام بتشويهه لمهاجمة أفاكيان و كامل علم الشيوعية الذى وضعته اليوم الخلاصة الجديدة لأفاكيان على أسس أكثر علمية و تحرّريّة من أي زمن مضى .
و مثلما وضعه أفاكيان على مستوى جديد تماما ، النضال من أجل الشيوعية مرتبط وثيق الإرتباط بالبحث عن الحقيقة وتجاوز عراقيل بلوغ الحقيقة فى هيكلة المجتمع و فى تفكير الناس . لقد طوّر أفاكيان أكثر وشدّد على فهم ماركس الأصلي لكون البروليتاريين و غيرهم يجب أن يتقدّموا ويطوّروا أنفسهم ليصبحوا محرّري الإنسانيّة .(16)
و يعتقد آخرون ، أمثال آجيث ، أنّ البروليتاريا و فئات أخرى من المضطهَدين يتمتّعون بميزة خاصة نابعة من موقعهم الطبقي و أنّهم على نوع من الأهبة الآليّة للقيام بالثورة . و هذان الفهمان المتعارضان للسيرورة الثوريّة مرتبطان جدّا بالنظرتين و المنهجين المتعارضين : كان أفاكيان و لا يزال يقاتل من أجل فهم الماركسية كعلم للثورة الشيوعية بينما يراها آجيث بشكل مغاير : فهمه للثورة محفوف بنظرة مبتورة و نفعيّة للعلم .
لن يكون المجتمع الإشتراكية نوعا تحرّريّا و مرحلة إنتقالية حيويّة إلى الشيوعية كما يجب أن يكون – يعجّ بالمعارضة و الصراعات ومتميّزا بسيرورة غنيّة من التغيير و الإكتشاف والتجريب – إلاّ إذا كان الحزب الطليعي يقود بمنهج ومقاربة صحيحين ، مستندا إلى أبستيمولوجيا ماديّة تماما ، و ناشرا شعبيّا ذلك و مناضلا من أجله عبر المجتمع .
يمثّل آجيث بقايا ماضي الحركة الشيوعية . فهمه فهم خاطئ يتعامى عن التحدّيات و التعقيدات و السبل الحقيقية للثورة الشيوعية فى القرن 21 . لا يمكن أن يلهم و ينظّم قوى لإنجاز مرحلة تامة جديدة من الثورة البروليتارية العالمية . ما يمثله آجيث لا يمكن أن يقود إلى تجاوز " الكلّ الأربعة " .
رفض آجيث للشيوعية كعلم :
فى " ضد الأفاكيانيّة " ، يطلق آجيث سلسلة كاملة من التهم و التشويهات التاريخية المتهوّرة و يعرض عددا كبيرا من المواقف السياسيّة الخاطئة بحيث أنّ الردّ عليها جميعها يتجاوز إطار هذا المقال . و هنا نركّز بالأساس على تلك النقاط التى تعالج بصفة مباشرة أكثر الفلسفة و بالأخصّ الأبستيمولوجيا ، أي ، كيف يبلغ البشر فهما حقيقة و كيف يتمّ تقييم دقّة تلك المعرفة .
بشكل عام ، يمكن قول إنّه حيثما يشير أفاكيان إلى طريق إلى الأمام ، باحثا عن تخليص الأساس و الجوهر العلميين للماركسية من العوائق الخارجية و الخاطئة وتعميق ذلك الأساس ، يصرخ آجيث بقف و يدفع بكلّ ما أوتي من جهد فى الإتجاه المعاكس لكي يعرض و يشفّر عددا كبيرا من المفاهيم الخاطئة و الضارة و غير العلمية التى عاشت إلى جانب الماركسية . و بقيامه بذلك ، يعارض آجيث أكثر فأكثر بصوت عالى التوضيحات و التطويرات ذاتها ، و الخلاصة الجديدة التى تقدّم بها أفاكيان والتى تضع الماركسية على أساس أكثر علمية و تحريرا .
و فى مركز هجمات آجيث على الخلاصة الجديدة نجد نبذه للتشديد الكبير الذى يضعه أفاكيان على الشيوعية كعلم و كذلك كحركة و هدف سياسيين . و يحاجج آجيث أنّ " يخلط أفاكيان بين المنهج العلمي لعلوم الطبيعة و يفرغ الفرق بين الفلسفة والإيديولوجيا. و هذا تمظهر للعلماوية ، وهو لون من ألوان التجريبية . " (17 ) .
ولننطلق مع أساسيّات . ما هو العلم ؟
" العلم ... يهدف إلى معرفة أسباب الظواهر ، لماذا تحدث الأشياء و كيف تتطوّر – ويبحث عن هذه الأسباب فى العالم المادي الذى يشمل المجتمع الإنساني . و المقاربة العلمية لا تبحث فى " التفسيرات " الماورائيّة و لا تقبل أيّة تفسيرات لا يمكن التدليل عليها و التثبّت من صحّتها من عدمها ، فى العالم المادي الواقعي ، وإنّما بدلا من ذلك تطوّر نظريّة أوّليّة تنهض على الدليل من العالم ، وتتثبّت من صحّة النظريّة فى الممارسة العمليّة و ضد النتائج المتحصّل عليها ، و من خلال هذه السيرورة تتوصّل إلى فهم معمّق لما هو حقيقة . وعندها يجب تطبيق ذلك الفهم أكثر على الواقع ." (18)
الشيوعية قطيعة راديكالية مع كلّ النظرات الدينية و الأشكال الأخرى من المثالية و الميتافيزيقا .
فى موقع المحور ذاته من الصراع المحتدم حول الخلاصة الجديدة توجد مسألة جوهريّة للتوجّه فى ما يتّصل بما إذا كنّا قادرين و ننوى مواجهة و معالجة التناقضات العالمية الواقعية فى النضال من أجل الشيوعية . إنّ القدرة على تغيير الواقع و الحرّية فى القيام بذلك و فى القيام بالثورة مرتبط وثيق الإرتباط بإستيعاب الظروف المادية و الإجتماعية و الضرورة التى تنبع من ذلك و التى تتناسب عمليّا مع الواقع إلى أعلى درجة ممكنة . يجب على الطليعة الشيوعية أن تقود الجماهير الواسعة من الشعب فى سيرورة رسم طريق للمستقبل على أساس الإمكانيات و العوائق الواقعيّة ، و ليس على أساس الأوهام و التفكير الحالم أو التعويل على " الإنتصار الحتمي للشيوعية " .
و الحجّة الأساسيّة لآجيث هي أنّ النقد السابق لأعماله من طرف الحزب الشيوعي الثوري ، قام كاتب النقد ب " تسويته الميكانيكية بين مجالات العلوم الطبيعية و العلوم الإجتماعية " (19) " و تعود جذور هذا إلى إخفاقه فى أن يستوعب كما يجب الفرق النوعي بين العلوم الطبيعية و العلوم الإجتماعية "(20). و هذه الحجّة الأساسيّة تعادل قول إنّ الماركسية ليست علما ، أو على الأقلّ ليس بشكل يمكن التعرّف عليه ، و إنّما إيديولوجيا خاصة و فلسفة للتاريخ .
و مرّة أخرى ، نحتاج إلى توضيح مصطلح و فى هذه الحال ، " إيديولوجيا " . ففى الإستعمال الشائع و حتّى فى صفوف العديد من الذين يعتبرون أنفسهم ماركسيين ، تحدّد الإيديولوجيا كفكر " زائف " أو " وعي زائف " كيف يتمّ التدريب والقيادة إلى عدم فهم العالم إعتمادا على مصالح الطبقة الحاكمة و مجموعة خاصة . لكنّ هذا ليس تحديدا صحيحا للإيديولوجيا . نعم ، الإيديولوجيا هي نمط فهم للعالم و العمل على أساس ذلك الفهم ، و نمط لكيف ننظر لأنفسنا فى علاقة بالعالم . لكن ليست كلّ الإيديولوجيّات خاطئة . فالإيديولوجيا الشيوعية تحيل على نظرة شاملة ومنهج علمي و جسم نظري يمكن و يجب أن يطبّق فى كافة مجالات الحياة و الواقع و فى السيرورة يمكن و يجب أن يتمّ مزيد تطويره .
لنعد إلى تهمة آجيث ب " العلماوية " المقتطفة أعلاه بأكثر تفاصيل .
أوّلا ، يدّعى آجيث أنّ " معادلة واحد لواحد بين علوم الطبيعة و العلوم الإجتماعية كما يراها الحزب الشيوعي الثوري تنبع بالضبط من مثل هذه الأخطاء فى التفكير و بدورها تدعمه " (21) . لا يفقه آجيث شيئا من العلم و منهجيّته . إنّه يزعم أنّه يعارض التجريبية ( النظرة القائلة بأنّ التجربة المباشرة ، خاصة ، للأحاسيس ، هي المصدر الوحيد للمعرفة ) و الوضعيّة (22) ( التى تستبعد من العلم أيّ شيئ لا يمكن ملاحظه مباشرة و تنكر المستويات الأعمق من السببيّة ) . لكن فى الواقع مفهوم آجيث عن العلم يتشكّل على أساس التجريبية و الوضعيّة .
بكلمات أخرى ، يبدو أنّ آجيث يعتقد أنّ التجريبيّة صحيحة فى العلوم الطبيعيّة ، أو على الأقلّ ليست ذات بال . ثمّ يلصق فهمه الخاص الخاطئ للعلم و للمنهج العلمي بأفاكيان الذى يقع إتّهامه بتطبيق الوضعيّة فى مجالات أبعد من مدى العلم . و يمحى العلاقة بين العلم و الفلسفة . أو كما ورد بكلمات الإنجيل المسيحي : " أعطى لقيصر ما لقيصر ، و أعطى للإلاه ما للإلاه " (23) .
فى الواقع ، يرتكب آجيث خطأ مزدوجا . إنّه على خطئ أوّلا حين يمنح العلوم الطبيعية والمناهج و النظرات الخاطئة مثل الوضعية و التجريبيّة و البراغماتية ( أنّ معنى أو حقيقة فكرة أو إقتراح تنبع من تطبيقها المباشر و الملاحظ و التبعات العملية ) . و هو على خطإ مرّة أخرى حين يتّصل الأمر بالمجتمع والتاريخ اللذين يعتقد أنّه لا يمكن مقاربتهما وإستيعابهما بفهم مادي ومنهج علمي. و مثلما سنرى لاحقا ، هذه الثنائية (24) لدى آجيث ( العلم من جهة و الفلسفة و الإيديولوجيا المطلّقة عن العلم من الجهة الأخرى ) لا تأثّر لا محالة فى معالجة آجيث للمواضيع الهامة جدّا مثل دور الدين فى المجتمع ( الذى يجمّله آجيث ) و العلاقة بين الأفكار و الوعي ، و الواقع المادي .
بينما يرمى آجيث أفاكيان بنعوت مثل الوضعيّة و التجريبيّة كجزء من إتهامه بالعلماوية ، ما سنعود إليه بعد قليل ، لا فى مقاله المتطرّق إليه هنا و لا فى أي من كتاباته الأخرى التى نتابعها يبرز آجيث أي إهتمام بالمناهج الضارة و الخاطئة للتجريبية و الوضعيّة ( فى العلم أو الفلسفة ) . فى الواقع ، لا يخفق آجيث فى نقد مدارس التجريبية و الوضعيّة و البراغماتية المؤثّرة و حسب بل إنّه كذلك يدمج الكثير من تفكيرها و إستنتاجاتها و منهجها الذين يقوّضون معرفة وجود الحقيقة الموضوعية و قدرة الناس على بلوغها . و فى أثناء هذا المقال سنناقش تبنّى آجيث نفسه لأبستيمولوجيا التجريبيّة و البراغماتية .
يلتحق آجيث بمجموعة من المنظّرين الإجتماعيين و فلاسفة العلم مثل كارل بوبر الذى يبحث عن رسم خطّ تمايز ، فى الواقع جدار صيني، بواسطة إنكار شمولية العقلانيّة العلمية والمنهج العلمي؛ وبالأخصّ، أنّ العقلانية الصارمة و المناهج القائمة على الدليل فى العلوم الطبيعية لا تنطبق عندما يتعلّق الأمر بدراسة المجتمع و التاريخ .
المادية التاريخية : نقطة محورية فى الماركسية :
لئن قبل المرء بإنكار آجيث ( و آخرين ) لمدى إمكانية تطبيق العلم ، سيتبخّر إختراق ماركس فى وضع دراسة المجتمع الإنساني على أساس علمي . و ما هو ذلك الإختراق ؟
تبيّن المادية التاريخية أنّ الواقع الجوهري ، الكامن للوجود الإنساني هو التالى : لأجل البقاء على قيد الحياة و التواصل من جيل إلى آخر، يجب على البشر أن ينتجوا و يعيدوا إنتاج المتطلّبات الماديّة للحياة. و لكي يحصل هذا ، ينبغى على الناس أن يجتمعوا و يدخلوا فى علاقات إجتماعية معيّنة ، خاصة علاقات إنجاز الإنتاج ؛ و ليس مجرّد علاقات إنتاج فى المطلق أو علاقات إنتاج يختارها الناس عبثيّا – بل علاقات إنتاج خاصّة تتحدّد بمستوى قوى الإنتاج المتوفّرة و طابعها فى زمن معيّن فى المجتمع الإنساني . ( و قوى الإنتاج هي أدوات و وسائل و أرض و مواد أوليّة إلخ تستخدم فى الإنتاج ، إلى جانب الناس أنفسهم بمعارفهم و قدراتهم على إستعمال وسائل الإنتاج هذه ). و على أساس هذه القاعدة الإقتصادية تنهض مؤسسات سياسيّة معيّنة و قوانين و عادات و ما شابه و كذلك بعض طرق التفكير و الثقافة و ما إلى ذلك .
فى المجتمع الطبقي ، الطبقة التى تهيمن على سيرورة الإنتاج قد أجبرت بقيّة المجتمع على العمل تحت إمرتها و لمصلحتها . و الطبقة التى تهيمن فى أي وقت معطى على الحياة الإقتصادية على هذا النحو قد هيمنت كذلك على بقيّة المجتمع . إنّها تسيطر على أجهزة السلطة السياسيّة ، و بأكثر تحديد القوى العسكريّة ، و على هذا الأساس تستطيع أن تحافظ على الظروف العامة التى فى ظلّها تستغلّ العمل و تتحكّم فى فائض الإنتاج المنتج – و بالقوّة تبقى جماهير الشعب الكادح فى وضع إضطهاد . و يستمرّ هذا إلى أن يدخل مزيد تطوير قوى الإنتاج فى المجتمع فى نزاع جوهري مع علاقات الإنتاج . ثمّ ينبغى أن تحدث ثورة فى البنية الفوقيّة للمجتمع لأجل تركيز و تعزيز علاقات إنتاج جديدو تتناسب مع قوى الإنتاج الجديدة – و تأتى إلى الحكم طبقة جديدة مهيمنة إقتصاديّا يمكنها أن تنظّم المجتمع ليتمّ إستعمال قوى الإنتاج الإستعمال الأكثر عقلانية .
و بيّن ماركس ، و سنعود إلى هذا ، أساس و عبّد الطريق لنوع جديد تماما من الثورة : الثورة الشيوعية المعتمدة على طبقة ، البروليتاريا ، التى يتطلّب تحرّرها كنس ليس مجرّد شكل خاص من الإستغلال بل كلّ العلاقات الإستغلالية و الإضطهادية و التقسيم الإجتماعي للعمل نفسه إلى طبقات .
و بناءا على إختراق ماركس ، يمكن فهم تغيّر المجتمع الإنساني و تطوّر فهما علميّا . و بالفعل ، لا يمكن إستبعاد أي جانب من الحياة من البحث العلمي بما فى ذلك ، بكلمات أرديا سكابراك " حتّى الدور الذى تنهض به المعتقدات و التقاليد و الممارسات الدينيّة و الأهداف التى تخدمها " و تسترسل لتقول : " أليس للعلم ما يقوله بهذا الشأن ؟ ألا تستطيع المناهج العلمية أن تطبّق لتكشف من أين تأتى مثل هذه الأفكار ... وكيف أعطاها البشر تعبيرا ماديّا ... و ماذا عن تاريخ كيف أنّ المعتقدات الدينية قد تغيّرت عبر الزمن ( ما الذى حصل أبدا ، مثلا ، لآلهة مصر القديمة و اليونان القديمة أو روما التى إعتاد الناس على الإيمان بها على نحو صارم كما يؤمن الناس المعاصرون الآن بإلاه الكتب اليهودية و المسيحية و الإسلامية ؟ " ( 25) .
و بالنسبة لآجيث التأكيد على الدور الشامل للعلم و المنهج العلمي فى البحث عن المعرفة يعنى السقوط فى العلماويّة . و فعلا ، العلم سيرورة فهم للواقع كما هو موضوعيّا معتمدة على الدليل ، عبر إكتشاف هيكلة الواقع و ديناميكيّته ( تطوّره و حركته ) التى توجد فى إستقلال عن الفكر أو الملاحظ ( الذات العارفة ) . و هذا المستلزم صالح كذلك فى كافة مجالات البحث الإنساني ، فى كلّ من العلوم الطبيعية و العلوم الإجتماعية . إنّه مبدأ وقاعدة صلبة بالنسبة للشيوعيين ، مثلما شدّد عليه إنجلز فى ذات عنوان و أيضا فى نصّ مقدّمته للنظريّة الشيوعية للثورة " الإشتراكية الطوباوية و الإشتراكية العلمية " (26).
ليست الماركسية نوعا من الخلاص اللائكي ، مثالية ماكرة ، أو نصيحة أخلاقيّة . مثلها مثل أيّ علم حقيقي آخر ، هي تنقد نفسها و هي حيوية و متطوّرة . من خلال تطويرها و التغييرات الإجتماعية المتخذة على أساسها ، عرفت الشيوعية ، أو الماركسية ، مراحلا و قفزات لبلوغ مستوى أرقى حتّى من التناسب مع الواقع الإجتماعي الذى تبحث عن تغييره .
المنهج العلمي فى كلّ من العلوم الطبيعية و الإجتماعية :
فى حين أنّ المظاهر الأساسية للمنهج و المقاربة العلميين مشتركة بين العلوم الطبيعية و العلوم الإجتماعية ، فإنّ وسائل بلوغ الهدف العلمي لمزيد من الفهم أبدا الحقيقي ( أي الصحيح ) للواقع متوفّرة عبر مناهج و إطارات و مستويات تجريد متنوّعة . و هذه المناهج و أطر العمل تختلف بعديد الطرق الهامة من موضع قيد البحث إلى آخر . و الموضوع قيد البحث نفسه يتطلّب و يستدعى إجراءات و مناهجا مناسبة .
مثلا ، لنأخذ مجالين أساسيين للعلوم الطبيعية : البيولوجيا والفيزياء . إنّ الفيزياء ، خاصة على المستوى العام يشار إليها أحيانا على أنّها فيزياء نيوتنيّة أو كلاسيكيّة ، تهتمّ بدرجة عالية بوصف الحركة و التوجّه و السرعة و الحجم إلخ الفيزيائيين ، من خلال لغة رياضيّة . مثلا ، معادلة القوّة : أف = (أم) (أ ) تصف الطلقات و الكواكب و الصواريخ إلخ ومن الممكن أن نقوم بتوقّعات عالية الدقّة و نتثبّت منها .
و البيولوجيا ، التى ليست أقّل علما من الفيزياء ، تختلف بطرق هامة. مثلا ، فى إختراق داروين ، نظريّته للتطوّر ، التى دونها لا معنى لأيّ شيء فى البيولوجيا ، لم يقع التعبير عن الإطار المفاهيمي لسيرورة الإنتقاء الطبيعي بمنطق رياضي شكلي . و يستعمل البيولوجيون الرياضيّات لأنواع من تشكيل و تصوير سيرورات بيولوجية معيّنة لكن ، عموما ، لم تكن الرياضيّات حيوية للبيولوجيا مثلما كانت لبعض فروع العلوم الأخرى كالفيزياء . (27)
ألا يحقّ لنا قول إنّه بمعنى ما هناك إختلاف بين البيولوجيا و الفيزياء نوعي فى إطارهما المفهومي و مقدّماتهما و و سائلهما و إجراءات تدليلهما إلخ ، ؟ نعم ، هذه الإختلافات هامة وتحتاج أن نقرّ بها و نحترمها . لكن سيكون من الحماقة أن نحاجج بأنّ البيولوجيا أقلّ علميّة من الفيزياء . يتناسب منهجهما و منهج العلوم الأخرى مع الموضوع قيد البحث ذاته . ليس غريبا عنه أي لا يأتى من خارج الموضوع قيد البحث .
هناك مستويات إختلاف فى الواقع المادي و هذه الإختلافات يتمّ التعبير عنها بين مختلف العلوم و حتى صلب العلم نفسه . ما يتمّ الحصول عليه على مستوى على أنّه مظاهره أو ديناميكية المادة لا يمكن أن يشرح ببساطة بهذه المظاهر و الديناميكية التى توجد على مستوى أدنى ، حتى و إن كان المستوى مبني على المستويات الكامنة تحته . (28) بكلمات أخرى ، علينا أن نحترم خصوصيّة مستوى معيّن من البحث و لا نبحث عن تقليص كلّ الشرح فى أصغر عنصر مكوّن فى أدنى المستويات . تظهر أشكال جديدة من الحركة و الديناميكية و السلوك و قوانين جديدة ، على مستوى أعلى لا يمكن تفسيرها بإختزال الظاهرة فى الحركات على مستوى أدنى أو بالتعويل على القوانين التى تحكم أصغر عناصر النظام – مقاربة تسمّى الإختزالية .
ومع ذلك ، بالرغم من الإختلافات الهامة فى شتّى فروع العلم ، ثمّة طلبات أساسيّة شاملة فى كلّ مجال للوقائع و الأدلّة و البراهين ؛ و للصرامة و العقلانية ؛ و للموضوعية – كلّ هذا كجزء من بلوغ التناسب الأقرب مع الواقع . و فى المجتمع الإنساني كما فى الطبيعة ، توجد هياكل و مستويات للواقع يمكن ملاحظتها و تشخيصها ودراستها موضوعيّا . إنّ عدم فهم آجيث للعلوم يغذّى عموما إتهامه غير المبرّر بلاعلماويّة للصرامة العلمية للمحاسبة وفق الواقع الإجتماعي التى شدّدت عليها الخلاصة الجديدة.
و عندما يتّصل الأمر بالعلوم الإجتماعية ، كالتاريخ ، وتطوّر المجتمع و الإقتصاد إلخ ، هناك بداهة إختلافات هامة مع العلوم الطبيعية ككلّ ومع علوم طبيعية خاصة على وجه الخصوص . الموضوع قيد البحث هو دراسة الإنسان ومختلف مظاهر النشاط الإنساني و الملاحظون القائمون بهذا البحث هم أيضا بشر . فى المجتمع الطبقي ، المجتمع الإنساني منقسم إلى طبقات ذات مصالح متناقضة عدائيّا و يخلق هذا الواقع المزيد من التعقيدات و الصعوبات فى الحصول على معرفة صحيحة و حقيقية للمجتمع الإنساني .
آجيث يرفض إستخدام المنهج العلمي فى العلوم الإجتماعية :
جميع هذه الخصوصيّات قادت آجيث إلى رفض إمكانية تطبيق المنهج العلمي فى ما يسمّى عادة بالعلوم الإجتماعية .
عبر التاريخ بما فى ذلك الحقبة المعاصرة ، حاجج الكثيرون بأنّ معرفة المجتمع لا يمكن أن تكون علمية حقّا أو، على الأقلّ، لا يمكن أن يكون لنا نفس مستوى الصرامة العلمية والموضوعيّة كالعلوم الطبيعية ، و من هنا الإختلاف المثار دائما بين العلوم الصلبة و العلوم الليّنة . و آجيث يوجد ضمن هذا التقليد حتى و إن قدّم فى مناسبات تملّق ولاء كلامي كاذب لكلمة " العلم " .
تتناقض جهود آجيث فى إقامة حاجز بين العلوم الطبيعيّة و العلوم الإجتماعية بإستخدامه تهمة العلماوية مع واقع أنّ كلاّ من الطبيعة و المجتمع متكوّنان من مادة فى حركة – و الجدلية تمسك بديناميكية ذلك . (29) و حقيقة هذا تكمن فى ملاحظة ماو المصقلة بأنّ " الماركسية تشمل و لا تعوّض العلوم الطبيعيّة "، نقطة لطالما شدّد عليها أفاكيان و عمّقها . (30 )
و زيادة على ذلك ، مجمل جهود آجيث فى الفصل بين العلوم الطبيعية و العلوم الإجتماعية ( العلم و المجتمع ) تكتم نزعة إبقاء الماركسية خارج نطاق العلوم ( الطبيعية ) و التعاطى مع هذين المجالين على أنّهما مجالان مستقلاّن لا تداخل بينهما . و عندما يرفض المرء أن يعترف بأنّ الواقع برمّته ( الإجتماعي والتاريخي و الطبيعي ) يمكن أن يفهم على أساس مادي بإستعمال المنهج و المقاربة العلميين ، يفتح الباب واسعا لكافة أنواع التفسيرات الخاطئة للواقع القائم ، مثل الدين و الأشكال الأخرى من المثالية ، إلخ .
و ليست قوانين التطوّر المدروسة فى العلوم الإنسانية نهائيّا مماثلة لقوانين العلوم الطبيعية . إنّ رؤية آجيث للعلم متوقّفة عند مفاهيم القرن التاسع عشر التى تميّزت إلى درجة كبيرة بالمادية الميكانيكية ( التى ترى الطبيعة تسير كالآلة ، بإنتظام يمكن توقّعه و دون تناقضات ) ، و بالحتمية ( الظروف المعنية بحصول شيء على نحو يجعل أنّ لا شيء آخر كان يمكن أن يحصل ) ، وبالتجريبية . و بالفعل فى تطوّر العلوم الإجتماعية وجدت نزعات إلى التشجيع على مقاربات ومناهج خاطئة كانت تعمّ العلوم الطبيعية .
فمثلا ، وضعيّو القرن التاسع عشر مثل أميل دركهايم و مدرسة التجريبيين المرتبطة به مثل جون ستوارد ميل حاججوا بأنّ الظواهر الإجتماعية يمكن أن تعتبر أشياءا و تدرس كمواضيع على نفس النحو الذى تدرس به الأشياء في العلوم الطبيعية . فوجهة النظر الوضعيّة ترى العلم على أنّه متكوّن من و محدّد فى الملاحظة و التصنيف و تشخيص الأنماط و توقّع الحوادث المستقبليّة و تحاجج بأنّ نفس هذه المقاربة و نفس هذا المنهج يجب أن يتّبع أيضا فى العلوم الإجتماعية .
وتعتمد هذه المقاربة الوضعيّة على الظواهر القابلة للملاحظة فحسب و تنكر الهياكل الأعمق الكامنة و ديناميكيّات الواقع . لا يقبل الوضعيّون إلاّ بالقوانين الكامنة و العلاقات المتبادلة كوسيلة شرح ( " مساعدة على الكشف " )، " رواية مفيدة " ملائمة للبحث . و يدّعى الوضعيّون أنّ فى القيام بذلك كانوا يبعدون الميتافيزيقا و الدين من العلم ، و لا يقبلون كأشياء قابلة للتبرير تلك التى يمكن أن تدرك تجريبيّا .
لفهم الديناميكية الداخلية الأساسية للنجوم على سبيل المثال ، وسائل و تقنيات كالتلسكوب اللاسلكي و التحليل الطيفي والتصوير بالأمواج الطويلة ضرورية لكنّها ليست كافية . على المرء أن يطوّر المفاهيم و التجريدات العلمية التى تضع مفاهيما لهيكلتها الأعمق وعلاقاتها الأعمق التى يتحصّل عليها بفضل هذه الآلات . و هذه التجريدات ، إلى درجة كونها بالفعل صحيحة وعلمية ، عمليّا تتناسب مع الواقع والهياكل الموضوعية و العلاقات الكامنة للواقع المادي .
يخوّل لنا العلم أن نعرف بصفة مؤكّدة وجود عديد الظواهر ، أو جوهر الظواهر التى لا يمكن أن تلاحظ عند أيّة نقطة معيّنة ، او التى هي عمليّا بديهية التضاد مع الأحاسيس الخمسة ، مثلا ، الحركة الحقيقيّة للأرض حول الشمس مقارنة بالحركة الظاهرية للشمس مثلما تلاحظ من الأرض .
و لنضرب مثالا آخر ، طوال زهاء المائة سنة الماضية عرف فهم الذرّة عددا من التصورات بما فيها إعادة تصوّر ثورية و إعادة الصياغة أو نبذ أنماط مختلفة . لكن كما يقول عديد العلماء إن لم يكن أغلبهم فى معارضة الحجّة الوضعيّة ، هذا ليس عبثيّا أو لا شيء أكثر من نمط مفيد لتوقّع وجعل النتائج الممكنة الملاحظة متماسكة . عبر هذه السيرورة صار فهمنا أقرب إلى التناسب مع الواقع .
و بطبيعة الحال ، هذه ليست سيرورة تسير فى خطّ مستقيم : بوسع العلم و غالبا ما تراجع عن مواقف صحيحة ، و غالبا بعد صراع معتبر و مزيد من مراكمة المعرفة غدت بعض الحقائق مقبولة عموما أو، فى بعض الحالات ، أعيد إكتشافها . و حال مناسبة هي كيف أنّ الرؤى الثاقبة لبعض المفكرين فى اليونان القديم حول طبيعة مركزية الشمس فى النظام الشمسي ضاعت و بالفعل وقع محوها لأكثر من ألف سنة فى جزء كبير بسبب الدور الرجعي وقوّة الكنيسة الكاثوليكية . لقد وقع حرق جيوردانو برونو على عامود فى روما من قبل محاكم التفتيش فى 1600 لدفاعه عن النظام الكوبرنيكي و إقتراحه أنّ الشمس لم تكن سوى نجم و أنّ نجوما أخرى تدور حولها كواكب كذلك .
والوضعية التى هي بعدُ خاطئة فى العلوم الطبيعية ، هي بالتأكيد ضارة و كارثيّة عندما تطبّق على العلوم الإجتماعية . و إلى درجة أنّ أي نقد للعلماوية صالح أو مفيد ، فإنّه يصحّ على نقد تطبيق هذه المناهج ذاتها ، الخاطئة على الدراسات الإجتماعية . و مثال لما يمكن أن ينقد نقدا صحيحا على أنّه علماوية هو محاولة تفسير الجريمة بالمكوّنات الجينيّة للأشخاص ، أو تفسير الموقع الدوني للنساء بالنظريّات المدّعاة علمية للبيولوجيا الإجتماعية أو الإختلافات ( أو الإختلافات المدعاة ) فى هيكلة المخّ بين الرجل و المرأة .
و إن سعى العلم إلى أن يتجاوز مداه ، إلى أن يمتدّ إلى مجالات مثل الجماليّات و الأخلاق يمكن أن يُنقد ذلك بحقّ على أنّه علماوية . و بالطبع ، الجماليّات و الأخلاق متجذّرة فى النهاية فى الواقع المادي و خاصة ، فى عصرنا ، فى واقع المجتمع الطبقي ؛ و مع ذلك ، لا يمكن تقليص هذه المجالات أو التعاطى معها كإنعكاس ميكانيكي للواقع الكامن . و مثال للعلماوية هو البحث عن تفسير المجتمع الإنساني بللإستقراء الخطّي من السلوك الحيواني ، كما حاجج بعض علماء الإجتماع . ومثال معاصر آخر للعلماوية ، أو ببساطة العلم السيء ، يمكن أن يلاحظ فى عمل بعض البيولوجيين التطوّريين الذين يقومون بإدعاء مشكوك فى أمره بأنّ التطوّر أوجد حاجة للدين لدى الإنسان (31) .
و ما قد يبدو مفاجئا للبعض هو أنّ آجيث ، الذى يقدّم نفسه على أنّه مناهض العلماوية ، يذكر هو نفسه هذا الفهم العلمي الزائف بالذات فى مديحه للدين ما سنحلّله فى حدّ ذاته لاحقا : " و الفهم العلمي للدور الذى لعبه الدين قد تعمّق مذّاك بفضل البحوث فى المجالات المتنوّعة . و دوره التاريخي فى إيجاد و تطوير الأخلاق و العلاقات الإجتماعية و أثرها فى العقل الإنساني هي الآن معروفة بشكل أفضل . " ( 32) .( التشديد مضاف ).
آجيث و كارل بوبر
فى هجومه على الماركسية كعلم ، يجد آجيث نفسه فى صحبة غريبة مع كارل بوبر فيلسوف العلم ذو التأثير الكبير و المعارض الفلسفي السياسي للماركسية .
حاجج بوبر أنّ أيّة نظريّة تدّعى أنّها علمية يجب أن تكون موضعا ل " قابلية الخطإ " ، أي ، يمكن أن يتمّ تبيان أنّها خاطئة و أنّ الماركسية لا يمكن أن تتجاوز هذا الإمتحان و من ثمّة إدّعاؤه بأن يكون المرء علميّا يعنى أنّه كاذب .
و أعمل أفاكيان الفكر فى هذا مثبتا أنّ الماركسية ليست موضوعا لمعيار قائم على التدليل على الخطإ فحسب بل كذلك أنّ المفاهيم الأساسية للماركسية ( مثل كون الطبيعة كلّها متشكّلة من مادة فى حركة ، أو فهم أنّ نظام الإنتاج و علاقاته هي قاعدة المجتمع ) لم يقع إثبات أنّها خاطئة ، لم يدلّل على أنّها خاطئة. (33)
و فى حين ينقد آجيث أفاكيان لإثباته أنّ الماركسية يمكن أن تخضع لمعيار قابليّة الخطإ ، يتجنّب المشكل الجوهري المطروح فى نظرة بوبر للنظرية العلمية التى لا تبحث عن أو تدعى التناسب بين نظرية معيّنة و العالم المادي . فبوبر يحاجج بأنّه غير ممكن حقّا أن تحدّد الحقيقة ؛ المسألة فقط مسألة نظرية يمكن أن تقف أمام النقد و تعوّض أخرى . و يرفض بوبر رفضا باتا مفهوم الحقيقة بإعتبارها التناسب مع الواقع الموضوعي .
الشغل الشاغل الحقيقي لآجيث هو رفع الفلسفة و الإيديولوجيا و الموقف الطبقيين فوق البحث و المعرفة الماديين و العلميين . و هنا يتّفق مع عديد التيّارات الفكريّة التى تهتمّ بمعارضة و تشويه إعتبار الماركسية علما . و بينما ينقد آجيث أفاكيان لدفاعه عن الماركسية ضد تهمة بوبر بأنّ الماركسية علم زائف لا يقبل المعايير و الدقّة العلمية ، و فى نهاية المطاف ، إجابة آجيث على تهمة بوبر تساوى إعترافه بأنّه مذنب ، أي ، القبول بتهمة بوبر بأنّ الماركسية لا يمكن أن تدّعي أنّها علم .






III - الموقع الطبقي و الوعي الشيوعي :
يندفع آجيث إلى التنديد ب " كيف أنّ الأفاكيانية تسعى إلى إلغاء الطبقة من سيرورة فهم الواقع الإجتماعي وتخلط بين المجالات الطبيعية و الإجتماعية ." (34).
لنكون منصفين ، آجيث يتعثّر ،على طريقته الإنتقائية النموذجية ، أمام الحقيقة ( الجزئيّة ) القائلة بأنّ " الطبقة التى تمثّلها [ الماركسية ] البروليتاريا هي الوحيدة [ من ضمن الطبقات الموجودة ]التى لها مصلحة أساسية فى فهم الواقع إلى أتمّ و أبعد مدى ممكن " (35). و ليس إكتشافا كبيرا أنّه إذا كانت البروليتاريا لتلعب دورا محرّكا فى تحرير الإنسانيّة قاطبة من كلّ الإنقسامات الطبقيّة و كلّ العلاقات الإجتماعية العدائية العالمية المرتبطة بتلك الإنقسامات ، فإنّه بالتأكيد لديها مصلحة أساسيّة – فى الواقع أكثر من مجرّد أساسيّة – فى فهم الواقع على أتمّ درجة ممكنة .
هذه هي النقطة بالذات : تحتاج البروليتاريا مثل هذا الفهم لأنّها لا تملك هذا الفهم جينيّا و لا بشكل وراثي . ليس متوفّرا للبروليتاريا ببساطة بفضل كونها بروليتاريا . و هذا الفهم للواقع لا تفرزه ليس نوعا ما الظروف المادية . ليست البروليتاريا نوعا من الموضوع التاريخي المتمتّع بفطرة و موهبة تاريخية خاصة تمكّنانها من إستيعاب الحقيقة لمجرّد موقعها الطبقي .
و لهذا صلة وثقى بلماذا تحتاج السيرورة الثورية الشاملة حاجة أكيدة لحزب شيوعي طليعي . ليس ببساطة أنّه من البديهي فى الواقع أن نضالا ثوريّا ضد عدوّ قويّ و جيّد التنظيم يملك جهاز دولة و جيش إلخ ، يقتضى درجة عالية من التنظيم لتكون هناك فرصة للنجاح . فعلى مستوى أعمق حزب طليعي ضروري بالضبط لأنّ التجربة العفويّة للبروليتاريا لا و لا يمكن أنتؤدّى إلى الوعي الشيوعي ، مثلما أكّد على ذلك لينين أيّما تأكيد ( سنعود إلى التطرّق للمسألة من عدّة زوايا ) . (36)
و يشير آجيث إلى عمليّا " مصلحة فى فهم الواقع " لكنّه يعنى أنّ المصلحة أو الحاجة لوحدها ستضمن بالضرورة الحصول على الفهم كما لو أنّ البروليتاريا بطريق الحتم ستحصل على الفهم لمجرّد موقعها الطبقي . و من هنا المسألة التاريخية بأكملها ، مسألة تطوير النظرية الثورية و الحصول عليها و الوعي الشيوعي الثوري الذى لا يظهر أنّه يطرح مشكلا كبيرا بالنسبة لآجيث . إنّ الهيكلة الإجتماعية و السياسيّة ، مجرّد موقع طبقي فى المجتمع ، بنظره ، ستمضى بعيدا – إن لم تمضى إلى النهاية – فى معالجة التحدّيات التاريخية .
لقد كانت كامل تجربة الحركة الشيوعية برهنة طويلة لواقع أنّ المعرفة النظرية و الوعي الإيديولوجي و السياسي اللازمين لحركة تهدف إلى بلوغ الإنتقال العالمي – التاريخي إلى الشيوعية ليسا متوفّرين بعدُ و بالتأكيد لن يتوفّرا دون جهود فكريّة رائدة و مجدّدة ذات دلالة عظيمة . و حتى ذات مفهوم " المصلحة الطبقية للبروليتاريا " لم يأتى إلى مجال البروليتاريا بنفسه دون النشاطات النظرية للمثقّفين مثل ماركس.
" مجرّد المشاعر الطبقية " و الوعي الشيوعي :
يقول آجيث إنّ " بالتقليل من دور " مجرّد المشاعر الطبقية " ، يعرض الحزب الشيوعي الثوري موقفا غضّ النظر عن الدلالة الجوهرية للموقع الطبقي ، الموقع المادي للطبقة . " (37 ) و جاءت ملاحظة آجيث ردّا على نقد الحزب الشيوعي الثوري لسنة 2006 لتشديده على " الموقع الطبقي ". ذكر مقال الحزب الشيوعي الثوري ملاحظة لشانغ تشن – تشياو أن " النظريّة هي العامل الأكثر حيويّة فى الإيديولوجيا " (38) . و بإنتقائيّته المتحذلقة ، لا ينقد آجيث مباشرة شانغ بل بدلا من ذلك يريد أن يشوّش النقطة بالمحاججة بأنّ " لقد حوّل منطق الحزب الشيوعي الثوري تحديد تشانغ تشن – تشياو الصحيح للنظرية على أنّها العامل الأكثر ديناميكية فى الإيديولوجيا ، إلى موقف وحيد الجانب يجعلها العامل الديناميكي الوحيد . " (39) و فى الواقع ، لا شيء من هذا القبيل صحيح – لا وجود لمثل هذا الموقف الإحادي الجانب . فقد تحدّث أفاكيان عادة عن العلاقة الجدلية بين المشاعر العفويّة للجماهير و الوعي الشيوعي .
ما يخفق آجيث فى فهمه هو الإختلاف النوعي بين المشاعر الطبقية العفويّة ، من جهة ، و الإدراك العلمي للمجتمع و الثورة البروليتارية من الجهة الأخرى . و هذا ليس مجرّد مسألة مشاعر عفويّة يقع تكثيفها و جعلها أكثر تماسكا . هناك أيضا إختلاف نوعي فى المضمون الفعلي . البروليتاريون و غيرهم الذين يمكن كسبهم إلى جانب الثورة الشيوعية يجب أن يحصلوا على العلم و يغيّروا أنفسهم من خلال سيرورة التحويل الإيديولوجي ليصبحوا محرّري الإنسانية .
و لنعالج هذا عن كثب أكثر .
تفرز التجربة اليومية ، إستغلال و إهانة المجتمع الطبقي ، بإستمرار كرها للإستغلال و الإضطهاد ، و رغبة فى القضاء على ذلك و مشاعر عامة مشابهة . و قد شدّد أفاكيان على الدوام على هذا الواقع و ناقش كيفيّة إدماجه فى إستراتيجيا و تكتيك ثوريين صحيحين .
فى مقال سابق ، ناقش أفكار الثوري الأمريكي الأسود و المعلن أنّه شيوعي ، جورج جاكسن ، الذى كتب " بالنسبة للعبيد الثورة أمر واجب ، عمل يائس يلهمه الحبّ و الوعي . إنّه عدائي . ليس " منعشا " أو حذرا . إنّه عمل جريئ و شجاع و عنيف و تعبير عن كراهية متكبّرة جليدية ! " و يردّ أفاكيان بقول :
" نعم و لا . نهائيّا يجب أن تتضمّن – و كلّ ثورة حقيقيّة ستتضمّن – عنصرا من الكراهية المتكبّرة الجليدية ، لكن لا يمكن أن تكون رئيسيّا كذلك . يجب أيضا أن تكون أكثر من ذلك – وهو نفسه يقول ذلك عند الحديث عن كيف أنّها " ملهمة للحب " . لكن زيادة على ذلك ، ينبغى أن تسترشد و جوهريّا أن تتشرّب بأهداف أرقى من مجرّد الثأر . لا يمكن للثورة أن تكون ، فى مضمونها الإيديولوجي الأساسي ، " كراهية متكبّرة جليدية " حتّى و هي لا تستطيع أن تحدث دون كراهية متكبّرة جليدية . و إذن هذه وحدة أضداد أخرى . " (40)
لقد أكّد أفاكيان على العلاقة بين الفهم النظري و ما سمّاه ما ينبع من الأحشاء . لقد أكّد على أهمّية أن يعبّر الشيوعيون عن الكراهية النابعة من الأحشاء تجاه النظام الرجعي و كلّ إعتداءاته . ( فى المقال الذى شرح فيه أوّلا أفاكيان العلاقة بين ما ينبع من الأحشاء و ما هو نظري ، يشدّد بوجه خاص على الحاجة إلى ردّ نابع من الأحشاء على إضطهاد النساء ).
" لكن ّالطاقة الديناميكية بين ما ينبع من الأحشاء و ما هو نظري و الفهم والمعالجة الصحيحين لهذه العلاقة الجدليّة ، غاية فى الأهمّية فى ما يتصل بإضطهاد النساء و تحريرهنّ ، مثلما هم عامة فى تطوّر النضال الثوري بإتجاه عالم جديد بأكمله . بالضبط كما فى أبعاد أخرى لهذا ، من غير الممكن أن نرتئي فهما صحيحا و نخوض النضال الضروري دون عنصر الكره النابع من الأحشاء للإضطهاد و دون المقاربة الصحيحة له – الإستيعاب و الخلاصة العلميين الصحيحين – لما تقدّم عبر التعبير النابع من الأحشاء للغضب تجاه هذا الإضطهاد . " ( 41) [ التشديد مضاف ]
وحده إستيعاب و خلاصة صحيحين علميين للكراهية النابعة من الأحشاء للإضطهاد و المشاعر الطبقية و التوق ، أو بكلمات أعمّ ، للفهم الحسّي للواقع يمكن أن يعبّر بعمق أكبر عن جوهر الواقع الإجتماعي و يسمح لنا بالنضال و بتغييره . و بالفعل ، يمكن لتحليل علمي صحيح و يجب عليه أن يجعل ما ينبع من الأحشاء أحدّ لأنّه يبيّن أنّ الإستغلال و الإضطهاد ما من ضرورة لهما كلّيا فى هذه المرحلة من تاريخ الإنسانية .
لكن دون النظريّة الشيوعية التى يمكن أن تستوعب إستيعابا صحيحا الكراهية النابعة من الأحشاء للإضطهاد ، لن يمكن إيجاد حركة قادرة على إجتثاث الظروف الإجتماعية الموجودة و عاجلا أم آجلا ستصبح الكراهية النابعة من الأحشاء للإضطهاد مشوّشة التوجّه و يمكن حتّى أن تتحوّل إلى نقيضها ( القبول بالنظام القائم إلخ ).
لهذا نقطة شانغ تشن – تشياو أنّ النظرية هي العامل الأكثر ديناميكية فى غاية الأهميّة .
و بقدر ما نفهم فهما علميّا و عميقا المصنع المادي للمجتمع الطبقي ، بقدر ما سنستطيع و نكون واثقين من نداء البروليتاريا و الجماهير و قيادتهما لتخليص الإنسانية من الطبقات . و تحت البساطة الظاهرة لشعارات أفاكيان عن أن نكون " محرّري الإنسانية " يكمن فهم معقّد و شامل و علمي و عميق للمجتمع الإنساني المعاصر و تطوّره التاريخي و لوجود التناقضات الطبقية العدائية و قاعدتها المادية و الإنعكاسات الإيديولوجية و السياسية و الإمكانية و الحاجة إلى تخطّى الإنقسامات الطبقية بواسطة الثورة الشيوعية . ( قارنوا البساطة الصحيحة و العلمية فى " أن نكون محرّري الإنسانية " بفكرة جورج جاكسون غير العلمية عن مجرّد الكراهية الطبقيّة لدى البروليتاريين فى عبارته" كراهية متكبّرة جليدية " المشار إليها أعلاه ) . هذا ما لا يستطيع آجيث فهمه و يقلّصه إلى تحقير " غضّ النظر عن الدلالة الجوهرية للموقع الطبقي " (42)
و إضافة إلى ذلك ، المشاعر العفوية و أفكار الجماهير متناقضة على الدوام . إفتراض أنّ هذه الأفكار و المشاعر ( الناشئة من ، بكلمات آجيث ، " الدلالة الجوهرية للموقع الطبقي ، الموقع المادي " ) تنزع إلى جعل المرء ميّلا للوعي الشيوعي خاطئ و خطير . فكلّ هذا يؤكّد أهمّية النقاط الأساسية التى ناقشها لينين فى كتابه المَعلم " ما العمل ؟ " حول حدود الوعي الذى يتطوّر عفويّا فى صفوف العمّال .
توفّر الطبيعة المتناقضة للمجتمع البرجوازي قاعدة مادّية للعمّال ( و غيرهم ) للحصول على الوعي الشيوعي لكن كذلك للحصول على أشكال متنوّعة من النظرات البرجوازية و الرجعية الأخرى – مثلا ، النظرات البطرياركية و الشوفينية القومية و الوعي النقابي إلخ . لقد شدّد أفاكيان على الحاجة إلى " أن نفهم فهما أتمّ و أعمق ... صياغة لينين عند الحديث عن نضالات الجماهير حينما يحيل على " النزوع العفوى إلى كنف البرجوازيّة " (43). ليس فقط تيّار بل نزوع. و يبرز هذا لماذا يذهب قدر كبير من الغضب و المعارضة فى المجتمع ، فى معظم الوقت ، فى إتجاه و إطار إصلاحيين .
للفهم الخاطئ للعلاقة بين الموقع الطبقي و الوعي الشيوعي ، للفهم الذى يدافع عنه آجيث جذور عميقة فى الحركة الشيوعية العالمية ، تعود إلى فترة ماركس نفسه . و قد إستخدم الكثيرون بعض النصوص الأولى التى كتبها ماركس لماّ كان يشتغل بعدُ على فهمه المادي الجدلي للتاريخ . عند تلك النقطة ، كان ماركس ينزع إلى نظرة أنّ النضال العفوي للطبقة العاملة ذاتها يفرز " وعيا شيوعيّا على نطاق جماهيري " (44) فمثلا ، كتب ماركس أنّه " لا حاجة هنا إلى تفسير أن قسما كبيرا من البروليتاريا الأنجليزية و الفرنسية بعدُ واعيا بمهمّته التاريخية و يعمل بإستمرار لتطوير ذلك الوعي إلى الوضوح التام " (45).
و توظّف مثل هذه المواقف لدعم نظرات خاطئة وغير علمية حول كيفيّة تطوّر الوعي الشيوعي و كذلك لإستعمال ماركس ، لا سيما فى بداياته ، ضد لينين و مزيد تطويره للماركسية ، خاصة كما وقع التعبير عن ذلك فى " ما العمل ؟ " . و تمثّل روزا لكسمبورغ منبعا خاصا لا يقدّر بثمن لدى الذين يصوغون مثل هذه الحجج ضد اللينينية . و آجيث غارق جدّا فى نفس هذا التقليد .
دفاع آجيث عن تجسيد البروليتاريا :
كتب آجيث :
" كافة أعضاء حزب ماوي ، بغض النظر عن جذورهم الطبقية ، ينبغى عليهم أن يصارعوا للحصول على نظرة بروليتارية عالمية . لكن هناك إختلاف نوعي فى المسألة بين المنحدرين من الطبقة العاملة و الآخرين. فى حال الآخرين ، لا سيما الذين ينحدرون من الطبقات الحاكمة أو الطبقات الوسطى ،إنتقال الموقع الطبقي حيوي . و دروس البلدان الإشتراكية السابقة تدلّل جيّدا على أنّ هذا ليس مجرّد مسألة تعلّم النظرية الماركسية . يحاول الخطّ الطبقي لحزب ماوي المبني أوليّا ضمن الطبقات القاعدية أن يشيّد على نقاط القوّة التى يوفّرها الموقع الطبقي . " (46)
لنفكّك هذه الحزمة . يقول المقتطف إنّ مهمّة كافة عناصر الحزب أن تكسب نظرة بروليتارية للعالم . و هذا صحيح إن كان المقصود حقيقة ب" نظرة بروليتارية للعالم " نظرة شيوعية . لكنّه يطرح أنّ هناك " إختلاف نوعي " فى وضع عناصر / منتدبي الحزب من البروليتاريا و الذين ينحدرون من الطبقات أو الفئات الأخرى فى " هذا الموضوع " المتصل بكسب نظرة بروليتارية للعالم ( وعي شيوعي ). هنا يسقط آجيث فى الخطإ . هناك إختلاف نوعي فى الموقع الطبقي الموضوعي للناس المنحدرين من البروليتاريا و الناس المنحدرين من الطبقات الأخرى . بمعنى أنّهم يقفون فى علاقة مختلفة إزاء وسائل الإنتاج وسيرورة الإنتاج . و الأفراد من طبقات و فئات مختلفة سيختلفون فى سيرورة تطوير الوعي الشيوعي . لكن لا وجود لإختلاف نوعي فى الحاجة إلى التحوّل ، إلى تطوير الوعي الشيوعي و إلى الإستيعاب المتنامى أبدا لعلم الشيوعية .
تسود الإيديولوجيا البرجوازية المجتمع الطبقي الرأسمالي بأكمله و تشكّل تفكير كافة الفئات الإجتماعية بمن فيها المضطهَدين و المستغَلين وتأثّر عليه . قد يحصل مثلا أنّ شخصا من خلفيّة طبقية ذات إمتيازات يمكن أن يحمل مفاهيما فئوية و ينظر بإزدراء إلى العمل اليدوي و الذين يشتغلون بالأعمال اليدوية . لكن الذين من قاع المجتمع و يلتحقون بالنضال الثوري يمكن أن تكون لديهم مشاعر نبذ و ثأر تجاه الأخصّائيين و ذوى التعليم العالي أو بالتناوب مشاعر دونيّة و خضوع لسلطة ذوى الخلفية التعليمية العالية . و هل تخلّص البروليتاريون الذكور من الشوفينية الذكوريّة و التمييز الجنسي ؟
المسألة هي أنّ كلّ فرد ، و الجماهير القاعديّة ليس أقلّ من المنحدرين من الطبقات الوسطى و الفئات ذات الإمتيازات ، يجب أن ينجزوا قفزات وتغييرات إيديولوجية تجاه الوعي الشيوعي . (47) لكن آجيث يقترح أنّ للبروليتاريين شراء خاص فى علاقة بالوعي الشيوعي إعتبارا لموقعهم الإجتماعي – المادي ؛ إنّه " يتأتى لهم " على نحو لا يتأتّى للأخرين الذين عليهم أوّلا أن " يخرجوا من طبقتهم " .
و فى نفس الوقت ، يشدّد آجيث ، كما رأينا ، على أنّ الماركسية ليست علما . لكن دون علم لا يمكن للناس أن يتعلّموا السير الكامن للمجتمع و الهيكلة الإجتماعية للمجتمع ، و قاعدة الثورة الشيوعية و إمكانيتها و سبُلها – و كذلك ليس يمكن لهم أن ينجزوا القفزات و التغييرات الإيديولوجية الضرورية مبتعدين عن الإيديولوجيا البرجوازية ، و فكر" الثأر "، و ذهنيّة " أنا أوّلا " و أنماط التفكير الدينية إلخ .
لذا ، إجمالا ، نظرة آجيث أنّ للعمّال قدرة خاصة على كسب الوعي الشيوعي و إنكاره للماركسية كعلم لا يمكن إلاّ أن تعني أنّ الوعي الطبقي ينبع آليا من الظروف و التجربة المباشرتين. و بطبيعة الحال قد ينكر آجيث هذا . لكن هذه هي عصارة موقفه . العلم أمر زائد إن كانت الظروف الماديّة تجعل البروليتاريين ميّالين إلى الوعي الطبقي . و مثلما سيصبح جليّا أثناء هذا الجدال ، الوعي الذى يراه آجيث على أنّه وعي شيوعي هو فى الحقيقة شيئا آخر غير الشيوعية المعتمدة على تجاوز " الكلّ الأربعة " .
ويؤدّى هذا الإطار من التفكير بآجيث إلى معانقة نوع تجسيد البروليتاريا الذى كان يمثّل مشكلا منذ زمن طويل فى صفوف الحركة الشيوعية و الذى فكّكه أفاكيان و نقده .
مصطلح " تجسيد البروليتاريا " يحيل على تيّار تفكير أنّ النظرة العامة المناسبة للثورة البروليتارية العالمية ضروريّة للإنتقال إلى الشيوعية تتجسّم و تتجسّد فى الأفراد الخاصين الذين يشكّلون البروليتاريا – عند نقطة زمنيّة و فى بلاد معّينين . و يمكن أن تعني جعل البروليتاريين ، أو لنقل " الناس الملوّنون " فى مجتمع تفوّق البيض كالولايات المتحدة الأمريكية ، كأفراد ملموسين ، التجسيد المثالي للثورة الشيوعية . و بالطريقة نفسها ، النساء كنساء يمكن أن يجسّدوا الأهداف أو المبادئ التحرّريّة .
يحتجّ آجيث قائلا : " إنّهم [أتباع أفاكيان ] يتصوّرون بروليتاريا عالمية " مثالية " ثم يجعلون من ذلك أساسا لتحاليلهم "(48) لكن ما يصوّره آجيث كاريكاتوريّا ك" بروليتاريا مثالية " هو فعليّا تجريد علمي صحيح للدلالة التاريخية للبروليتاريا و لمهمّتها التاريخية . نعم ، توجد البروليتاريا كطبقة مادية حقيقية و كقاعدة إجتماعية للثورة و تجريدها العلمي ، بكلمات لينين " ليعكس الطبيعة بصورة أعمق و أصدق و أكمل . " (49)
و يعيدنا هذا إلى نقاشنا السابق لإختراق ماركس العلمي الذى يضع فهم المجتمع الإنساني على أساس علمي – بما يشبه ما فعله داروين فى مجال العلوم الطبيعيّة .
مساهمة لينين الحيوية فى الوعي الشيوعي :
إنّ التعويل على الظروف الماديّة للطبقة لن يسمح لأي كان بما فى ذلك البروليتاريين أنفسهم ببلوغ فهم صحيح لمجمل الديناميكية الإجتماعية ، و لا لفهم دورهم التاريخي الخاص كمحرّري الإنسانية . و خلافا لما يدّعيه آجيث ، ليس للبروليتاريا شراء خاص حول الحقيقة إعتبارا لظروفها المادية . و يوصلنا هذا إلى مساهمة من المساهمات الحيويّة للينين فى [ تطوير ] الماركسية .
لقد حاجج لينين بأنّ الوعي الطبقي البروليتاري لم يستطع أن يتطوّر عفويّا أو ببساطة من التناقضات بين البروليتاريا و الطبقة الرأسمالية . و شدّد على أنّ الوعي البروليتاري أو الشيوعي يتطلّب تعلّم كيف و لماذا كلّ طبقة و فئة تتفاعل مع الأحداث الكبرى و القضايا الإجتماعية الكبرى .
و نقد لينين المقاربة التجريبيّة التى تعتبر الفهم العفوي و الحسّى أهمّ مصدر للوعي :
" عادة ما يقال : تنجذب الطبقة العاملة عفويّا نحو الإشتراكية . هذا صحيح تماما بمعنى أنّ النظرية الإشتراكية تحدّد أسباب بؤس الطبقة العاملة بصورة أعمق و أصحّ من أيّة نظريّة أخرى . و لهذا السبب العمّال قادرون على إستيعابها بسهولة كبيرة ، شرط أن لا تدافع هذه النظريّة ذاتها عن العفويّة ، شرط أن تجعل العفويّة تابعة لها ... الطبقة العاملة تنجذب عفويّا نحو الإشتراكية لكن بقدر ما هي متنشرة ( و يعاد إحياؤها بإستمرار بتأكثر الأشكال تنوّعا ) الإيديولوجيا البرجوازية مع ذلك ، عقويّا تفرض نفسها على الطبقة العاملة حتّى أكثر ." [ التشديد مضاف ] (50 )
دور البروليتاريا فى الإنتاج و الظروف الموضوعيّة لحياة المضطهَدين هي أساس إنجذاب هذه الجماهير إلى المبادئ الشيوعية ، إلاّ أنّه كما أوضح لينين فى الإستشهاد أعلاه ، تفرض الإيديولودجيا البرجوازية نفسها حتّى أكثر ، و من ثمّة تشديده على الحاجة إلى جلب الفهم الشيوعي من خارج التجربة المباشرة للعمّال . و كان على لينين أن يخوض صراعا هائلا كي يجلي مسؤوليّات الشيوعيين فى نقاشه الرائد حول دور النظريّة و إكتساب الوعي الشيوعي ، الذى صاغ فيه نقدا مدمّرا ل " تقديس العفوية " و الحاجة إلى الصراع من أجل تحويل وجهة المسار العفوي لنضال العمّال .
البروليتاريا و كنس التاريخ :
ونتيجة لتطوّر قوى الإنتاج و تطوّر المجتمع الإنساني ، ظهرت طبقة ، البروليتاريا ، تتناسب مع وهي القوّة المحوريّة فى نوع جديد تماما من الثورة فى تاريخ الإنسانية : الثورة البروليتارية – الشيوعية .
لا تملك هذه الطبقة شيئا عدا قدرتها على العمل . و تستخدم معا فى شبكات الإنتاج ، أكثر وسائل الإنتاج إتساعا وتقدّما و عولمة متنامية التى أوجدتها الرأسمالية . إنّها طبقة عالميّة إنتُزعت منها كلّ ملكيّة لوسائل الإنتاج .
و البروليتاريا و هذا الإنتاج ذى الطبيعة الإجتماعية فى نزاع جوهري مع التملّك الخاص الرأسمالي للثروة المنتجة إجتماعيّا – فى شكل رأسمال خاص طبيعته الداخلية هي الإستغلال و التنافس الشرس على نطاق متّسع ، بتبعات مدمّرة على الإنسانية و الطبيعة .
البروليتاريا هي الطبقة الأوسع و المتمركزة إستراتيجيّا فى المجتمع المعاصر . لكن أهمّ من ذلك ، تمثّل هذه الطبقة إمكانية علاقات إجتماعيّة جديدة : طريقة ممشركة جديدة لإستعمال قوى الإنتاج إستعمالا جماعيّا ، كملكية مشتركة للإنسانية – دون إستغلال . إنّها طبقة عالميّة بمعنى أنّه ليس لديها أيّة مصلحة خاصة ضيّقة تدافع عنها . و ليس بوسعها كطبقة أن تحرّر نفسها دون تحرير الإنسانية بأكملها و تجاوز التقسيم الإجتماعي للطبقات ذاته .
قد بلغ المجتمع الإنساني ، فى تطوير القوى المنتجة عالميّا ، بما فى ذلك التقنية والمعرفة العلمية التى راكمتها الإنسانية ، قد بلغ عتبة تاريخية . و الآن من الممكن للإنسانية أن تنجز قفزة غير مسبوقة : تتخطّى الفاقة المادية ، تتخطّى الإستغلال ، و تتخطّى الإنقسام الإجتماعي إلى طبقات . تجسّد البروليتاريا إمكانيّة الذهاب بالإنسانية إلى مكان خاص ، إلى عالم مغاير تماما . هذا ما أشار إليه أفاكيان بسخرية على أنّه " موقع البروليتاريا الشبيه بموقع الإلاه " (51) .
و من هم الشيوعيّون ؟ بالمعنى الأساسي ، يمثّل الشيوعيون المعالجة التاريخية – العالمية للتناقض بين الإنتاج الإجتماعي الطابع و التملّك الخاص . إنّهم ، مستعملين كلمات لماركس ، " الممثّلون السياسيّون و الأدبيّون " للطبقة الفريدة من نوعها فى التاريخ ، البروليتاريا : أوّل طبقة فى التاريخ تتطلّب ثورة للتخلّص ليس من بعض بل من كلّ العلاقات الإستغلاليّة و الإضطهادية و الهياكل السياسية و طُرق التفكير التى تنجم عن هذه العلاقات و تعزّزها . الشيوعيون هم الممثّلون السياسيّون و الأدبيّون لهذه الثورة وهذا النضال الثوري الذى يجسّد المصالح الجوهريّة و العليا لهذه الطبقة فى هذه المرحلة من التاريخ الإنساني .
القومية أم الأممية ؟
يلحّ آجيث على رؤية البروليتاريا كبروليتاريين فى " أطر قومية متباينة " كما " و يتأتى هذا من خصوصية وجودها الطبقي " (52) .
و صحيح أنّ هذه الخصوصيّات فى الظروف الإقتصادية – الإجتماعية للعمّال فى بلدان مختلفة ، و كذلك العوامل الثقافية – التاريخية الخاصة ، تمارس تأثيرا حقيقيّا على الصراع و الوعي . لكن هناك واقع أهمّ و أكثر تحديدا . و هذا الواقع هو مثلما أوضحنا فى النقاش السابق بصدد الإنتاج المتداخل و المعولم و ذى الطبيعة الإجتماعية ، البروليتاريا طبقة عالمية و مصالحها الأساسية تكمن فى ثورة عالمية هدفها إيجاد مجتمع عالمي للإنسانية دون طبقات و دون تناقضات إجتماعية عدائية .
هناك هذه القاعدة الماديّة للأممية – و وجهة نظر البروليتاريا ليست وجهة نظر " القومية " . و لوضع آجيث لسطر تحت " الإطار القومي المتباين " صلة بقوميّته و هو يفتح المجال للتذيّل الخاطئ و الخطير للقوى الرجعية فى بلدان معيّنة . ومقاربة آجيث للبروليتاريا مثال للتجريبيّة فهو يظلّ عالقا فى المظهر الخارجي للظواهر و يخفق فى التوصّل إلى طبيعتها و هيكلتها الأساسية الحقيقيّة .
و نفس هذا النوع من الغمامات التجريبية و البراغماتية متّصل بما يسمّى ب " الإقتصادوية " ، وهو مفهوم أنّ الشيوعيين يجب أن يعتمدوا على النضالات " المباشرة " التى يخوضها العمّال اليوم . مثلا ، لقد قاد ذلك غالبا جدّا الشيوعيين فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية المتقدّمة (وغيرها من البلدان أيضا!) إلى تبنّى الشوفينية لأنّهم إنطلقوا من مشاعر العمّال و مصالحهم المباشرة فى تلك البلدان عوض أن يقودوهم سياسيّا و إيديولوجيّا . و مثل هذه الأنواع من مشاكل التذيّل قد وُجدت فى كافة أنواع البلدان .
يجب على الشيوعيين بمن فيهم أولئك ضمن البروليتاريا والفئات المضطَهَدة الأخرى أن يقوموا بقفزة فى وعيهم ، " قطيعة راديكالية " فى مجال الأفكار ، و أن يتوصّلوا إلى فهم دورهم ، ليس كمقاتلين من أجل مصلحة " ملموسة " ( و قومية ) لمجموعة ما و إنّما بالأحرى ك " محرّري الإنسانية " من الإنقسامات و التناقضات الطبقية العدائية .
التبعات السلبية للتجسيد فى التجارب الإشتراكية السابقة :
لقد حلّل أفاكيان كيف أنّ تجسيد البروليتاريا مثّل مشكلا فى الموجة الأولى من الثورة الشيوعية .
ففى الإتحاد السوفياتي طوال المدّة التى كان فيها بلدا إشتراكيّا حقّا ، وُجد إعتقاد بأنّ الطابع البروليتاري للدولة و الحزب سيكون مضمونا ، مثلما يضع ذلك آجيث ، بالتشييد " على نقاط القوّة التى يوفّرها الموقع الطبقي " . بمعنى أنّه إن تمّ إختيار التقنيين و الإداريين و المتدرّبين من صفوف العمّال و الفلاّحين ، ستجرى معالجة مشكل تجاوزالإنقسام التاريخي – العالمي بين العمل الفكري و العمل اليدوى المرتبط بظهور المجتمع الطبقي – و سيتقلّص بصفة كبيرة خطرالثورة المضادة . (53) و قد أثبت التاريخ أنّ الحال ليس كذلك .
و إلى جانب هذا الفهم الخاطئ – بأنّ الخلفية الطبقية البروليتارية ستكون متراسا ضد التحريفية – وُجد أثناء فترة ستالين مفهوم أنّه حالما يتم تركيز حكم البروليتاريا وإستقراره ، فإنّ التفكير العفوي للجماهير سيكون بالضرورة لفائدة مواصلة الثورة . و يعكس هذا نقاط ضعف فى فهم أنّ المجتمع الإشتراكي يمثّل مرحلة إنتقاليّة تتميّز بتناقضات حادة و معقّدة – و أنّ العمّال و الفلاّحين هم أنفسهم متأثّرين فى تفكيرهم و نظرتهم ببقايا الرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي . و فضلا عن ذلك ، فإنّ إنتصار الإشراكية ذاته و إنشاء نظام إشتراكي جديد يوفّر منافعا ماديّة للذين كانوا سابقا مستغَلين و مضطهَدين يمكن و قد كانت له فى تاريخ الثورة الإشتراكية تأثيرا محافظا على قطاعات من العمّال . وهناك نوع من " حطّ الرحال " و" لا نرمى قارب المجتمع الجديد بالحجارة " وهو مرتبط بواقع أنّ المجتمعات الإشتراكية فى الماضي و على الأرجح فى المستقبل تعيّن و سيتعيّن عليها أن تسير ضد هيمنة الإمبريالية على العالم .
كان ماو تسى تونغ يخوض فى المشكل عينه فى المراحل الأولى من الثورة الثقافية . لم تكن طبقة رأسمالية جديدة بصدد الظهور فى صفوف الهياكل القيادية للحزب الشيوعي و حسب بل أضحت قطاعات واسعة من الجماهير راضية عن نفسها و " مغتبطة جدّا " إن شئتم ، بالمنافع المادية للإشتراكية . و كان ذلك من دواعي بحثه عن الشباب الراديكالي لإعطاء دفع لهذه " الثورة الثانية " .
و مع ذلك ، فى الصين خلال الحقبة الإشتراكية ، وُجدت مشاكل تجسيد للبروليتاريا تمظهرت بطرق شتّى . ففى المراحل الأولى من الثورة الثقافية وُضع عن غير حقّ تشديد على الجذور الطبقية لكوادر الدولة و المنظّمات الجماهيرية و الحزب . و رفضت بعض منظّمات الحرس الأحمر الكبرى عضويّة شباب ينحدرون من " جذور طبقية سيّئة " .
و فى علاقة بهذا تمّ دفع شعار فى تلك الفترة مفادة أنّ " التيّار السائد لحركة الجماهير صحيح دائما " فى حين أنّه فى الواقع ، يزخر التاريخ عبر العالم و فى الصين الإشتراكية عينها بأمثلة حيث كان الحال عكس ذلك . و لنضرب مثلا يدمى له القلب : " التيّار السائد لحركة الجماهير " الذى أطاح قبلا بمبارك فى مصر إنتهى إلى مساندة الإنقلاب العسكري الدموي ضد الإخوان المسلمين فى 2013 . توجّه أنّ " التيّار السائد لحركة الجماهير صحيح دائما " غير صحيح .
وسيؤدّى التفكير المشابه لتفكير آجيث عمليّا إلى الإبتعاد عن التقييم التام للمفاهيم الرائدة و التغييرات الثورية التى جلبتها الثورة الثقافيّة . إنّ " الدلالة الجوهرية للموقع الطبقي ، الموقع المادي للطبقة " التى يدعو إليها لن يقود عفويّا إلى فهم صحيح للتناقضات و الديناميكيّات الأساسية للمرحلة الإنتقالية التاريخية - العالمية إلى الشيوعية - مثلا ، التناقضات بين المدن و الأرياف أو بين العمل الفكري و العمل اليدوي .
ومن المهمّ أن نلاحظ كيف أنّ التحرفيين الصينيين إستعملوا " الفكر العمّالي " و التفكير المشابه لتفكير آجيث كجزء من تقديم صورة تضليليّة عن الإنقلاب الرجعي الذى نفّذوه بعيد وفاة ماو تسى تونغ . فقد إّتهم منظّمو الإنقلاب الثوريين الحقييين الذين أطلقوا عليهم نعت " مجموعة الأربعة " [ أو" عصابة الأربعة " ]، بأنّهم " ليّنون ، منحلّون و كسالى ". و أراد القادة التحريفيون هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ حرف أنظار الناس عن المسائل المركزية للخطّ الإيديولوجي و السياسي ، و واقع صراع الحياة أو الموت بين الطريق الرأسمالي ( الذى كانوا يمثّلونه ) و الطريق الإشتراكي فأطلقوا دعوات إقتصادوية و عمّالية للجماهير .
و الواقع هو أنّه ضمن فئات معتبرة من الجماهير الصينيّة ، وُجد الكثير من السخط العفوي تجاه صعوبات القيام بالثورة الإشتراكية ما يسّر الإنقلاب التحريفي . لم تجعل مصلحة " العمّال " المرتآة عفويّا ، بديهيّا لماذا كان البرنامج التحرفي ل " التعصيرات الأربعة " فى الحقيقة برنامج إعادة تركيز الرأسمالية .
إنتهت معظم القوى الماوية سابقا فى العالم إلى مساندة الإنقلاب التحريفي لهواو أو أصابها اليأس و شلّ حركتها . و سبب من الأسباب هو أنّه كان يبدو أنّ قطاعات هامة من الجماهير فى الصين كانت بالفعل تقبل بالإنقلاب إن لم تكن تسانده بصورة واضحة . لا يمكن لملايين الصينيين أن يكونوا على خطإ ، إعتقد العديد من الشيوعيين . لكن نعم يمكن أن يكونوا مخطئين و فى هذه الحال كانوا مخطئين و صار هذا جزءا من الصعوبة التى تواجه الملايين الذين أرادوا فعلا مواصلة المضي بالثورة إلى الأمام .














IV – هل للحقيقة طابع طبقي ؟
لا يخدم نقد جيث لأفاكيان على أنّه " ألغى الطبقة " فقط كتعلّة للترويج للتذيّل و السياسات الإقتصادويّة و التنصّل من دور الشيوعيين فى أن يجلبوا للجماهير فهما علميّا شاملا لطبيعة الثورة الشيوعية و أهدافها بل تتجاوز أخطاء آجيث هذا لتبلغ عميقا مسألة كيف نفهم العالم ، أبستمولوجيته .
الكثير من الإختلاف بين تقدّم أفاكيان بالماركسية ودفاع آجيث الناظر إلى الوراء و تعميقه لتيّارات خاطئة فى تاريخ الحركة الشيوعية ، يتركّز فى مسألة إن كان أم لا للحقيقة طابع طبقي .
و بما أنّ هذه نقطة جدال حيويّة و نقطة حيوية فى النقاش التالى ، لنوضّح ما الذى نقصده بالمفهوم الخاطئ القائل إنّ للحقيقة طابع طبقي . و مظهر من هذا هو فكرة أنّه إذا كان شيئا صحيحا أم لا يرتهن أو هو مشروط بعمق بالطبقة أو الخلفية الإجتماعية أو الموقف السياسي للشخص ( أو المجموعة الإجتماعية ) الذين يدافعون عن وجهات نظر أو يتقدّمون بها أو يحاججون من أجلها . و على سبيل المثال ، واقع أن تكون لتقني خلفيّة ذات إمتيازات ، وفق نظرية للحقيقة طابع طبقي ، يضع حدودا لفهمه؛ أو إن كان عالِم يدافع عن أفكار سياسية رجعية ، فإنّ هذا بالضرورة يضع موضع سؤال حقيقة عمله أو إكتشافاته العلمية . ومظهر آخر من هذا المفهوم " للحقيقة طابع طبقي " هو أنّ الحقيقة مشروطة بالإستعمالات الإجتماعية – السياسية التى توضع من أجلها الأفكار . مثلا ، فى الإتحاد السوفياتي فى ظلّ ستالين ، كانت بارزة نظرة فى الفلاحة و علم الجينات تقدّم بها ليزنكو ، عالم ذو خلفية بروليتارية ، كانت خاطئة تماما عمليّا لكن وقع الدفاع عنها على أنّها حقيقة فى جزء لخلفية هذا العالم و لأنّه كان مناصرا كبيرا للثورة يستخدم عمله العلمي للمساعدة على معالجة المشاكل الحقيقيّة للفلاحة الإشتراكية.(54)
و يحاجج آجيث من أجل ما يشار إليه عادة ب " أبستمولوجيا الموقع " أو " البرسبكتفيزم " التى حسبها كلّ موقع أو مجموعة مصلحة لها نظرتها الخاصّة أو معرفتها الخاصة للأشياء ، و هكذا الحقيقة الموضوعية" إشكالية " ( كما يضع ذلك العديد من الدافعين عن وجهة النظر هذه ) و مرفوضة.
لقد تفحّص أفاكيان بصورة متكرّرة و نقد هذه الصيغة ل " الحقيقة الطبقية " و مقدّماتها الكامنة . و يدّعى آجيث أنّ " يعكس النقد الذى صدرعن أفاكيان ل " الحقيقة الطبقية " خللا عميقا فى فهمه للواقع المادي و سيرورة إستيعابه ... الأفاكيانية تسعى إلى إلغاء الطبقة من سيرورة فهم الواقع الإجتماعي وتخلط بين المجالات الطبيعية و الإجتماعية . " (55)
ومرّة أخرى ، يتفادى آجيث جوهر الموضوع و الذى هو الإعتراف من عدمه بأنّ حقيقة إقتراح لا ترتهن بأية شكل من الأشكال بالشخص أو بالطبقة التى تتقدّم بها . و يدّعى آجيث أنّ " " الحقيقة الماركسية " يمكن أن تكون الأقرب للواقع الموضوعي بسبب التحزّب الطبقي . ميزتها العلمية الصريحة للإنطلاق من الواقع الموضوعي وجعل هذا الواقع محكّا لفهمه ، مرتبطة وثيق الإرتباط بتحزّبها . " ( التشديد مضاف ) (56) . و يضغط آجيث بثقله ليبني تبعيّة لا تنفصم للحقيقة و المعرفة العلمية للتحزّب الطبقي .
فى جداله ، يوهم آجيث بالإعتراف بهذا المشكل فى الحركة الشيوعية العالمية . لكنّه يرى ذلك كشيء تمّ تجاوزه فى الأساس . و بينما يقرّ بأنّ " نزعة رؤية الواقع أو تفسيره على نحو ينسجم مع رؤية المرء أو الحاجيات السياسية و التنظيمية ..." صارت " بارزة بصورة خاصة خلال فترة الكومنترن " فإنّ هذا قد أعيد تنظيمه ، حسب آجيث ، منذ أن " قطع ماو مع ذلك " . (57)
و فى حين أنّ ستالين تتركّز فيه أحيانا تيّارات خاطئة داخل الحركة الشيوعية ، من الخطإ فصله عن هذه الحركة كما لو كان إنحرافا . و يستعمل آجيث ستالين فى آن معا ككبش فداء و صمّام أمان لتجنّب تشريح علمي لمشاكل الحركة الشيوعية . فبشأن هذه المسألة من الحقيقة الطبقية ، كانت قطيعة ماو تسى تونغ مع ستالين بعيدة عن أن تكون تامّة و رغم ذلك يريد آجيث أن يختفي وراء ماو ليتفادى الخوض فى أخطاء الحركة بهذا المضمار .

" الحقيقة الطبقية " كنزعة ثانوية فى الثورة الثقافية :
يركّز آجيث حجّته من أجل الحقيقة الطبقية فى الدفاع عن إخطار ال16 من ماي الذى أطلق العنان للثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى فى الصين . وقد نقد أفاكيان صياغة فى ذلك الإخطار . و آجيث يذكر موقفا فى ذلك الإخطار و يدافع عنه :
" عندما بدأنا بالردّ على الهجوم المسعور الذى شنته البرجوازية رفع واضعو التقرير الموجز شعار " كلّ الناس سواسية أمام الحقّ ". إنّ هذا الشعار شعار برجوازي . لقد إستخدموا هذا الشعارلحماية البرجوازية و مكافحة البروليتاريا و مكافحة الماركسية – اللينينية و مكافحة أفكار ماو تسي تونغ ، منكرين طبقية الحقّ إنكارا تاما. و فى النضال بين البروليتاريا و البرجوازية و كذلك بين حقيقة الماركسية و أباطيل البرجوازية و سائر الطبقات المستغلة ، فإما أن تتغلّب الرياح الشرقية على الرياح الغربية و أمّا أن تتغلّب الرياح الغربية على الرياح الشرقية ، و لا يوجد هناك أية مساواة على الإطلاق." ( التشديد فى النصّ الأصلي ) (58)
المسألة التى نريد تناولها هنا ليست عرض تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و مختلف الطرق التى رفعت بها القوى البرجوازية شعارات من مثل " الجميع متساوون أمام الحقيقة " و كذلك لا يغيّر هذا من تقييمنا للثورة الثقافية على أنّها تمثّل إلى اليوم تجربة الثورة البروليتارية الأكثر تقدّما و التى يجب رفع رايتها و الترويج لها بحماس و التعلّم منها . لكن الواقع هو أنّ الدفاع عن " الطبيعة الطبقيّة للحقيقة " كان خاطئا . لا يمكن للمرء أن يقرّر إن كانت أيّة حجّة أو نظريّة أو فرضيّة خاصة صحيحة أم خاطئة إلاّ بتناسبها مع الواقع الموضوعي ، و ليس بالموقع الطبقي أو نظرة عارضها للعالم . ( 59 )
و فى إضطرابه ، يريد آجيث أن يتجنّب الموضوع بتأويل إستعمال كلمة " الحقيقة " فى إخطار ال16 من ماي على أنّها لا تحيل على الواقع الموضوعي بل على " الإيديولوجيات ، التفكير " .(60) و مع ذلك الحقيقة كمفهوم هي دائما متصلة بالتفكير و ما إذا كان التفكير أم لا مناسبا للواقع الموضوعي ، لا مهرب من الموضوع . حينما يتناسب التفكير مع الواقع ، نسمّى ذلك حقيقة . هناك واقع مادي موضوعي مستقلّ عن الذهن . و تعتبر الماديّة الجدلية أنّ هذا الواقع قابل للمعرفة .
منذ أن تطوّر الإنسان المفكّر العاقل / الواعي ، بقدراته المعرفيّة المتباينة ، وُجد نقاش مستمرّ حول صلوحيّة التفكير الإنساني حول الواقع و دقّته و التعويل عليه . و هذا خطّ فاصل فى الأبستيمولوجيا و فلسفة العلم ، يشار إليه على أنّه النظريّة التناسبيّة للحقيقة ، وهو ما سنعود إليه بعد قليل .
و يتواصل خوض النقاش حول معايير الحقيقة و تحديدها : تأكّد الوضعية و البراغماتية و التجريبية و مدارس أخرى معارضة للمادية الجدلية على مفاهيم أخرى للحقيقة أو أحيانا ، تحاجج أنّه لا غرض نخدمه بمحاولة حتّى تحديد ما إذا علينا أو يمكننا أن نبلغ الحقيقة ( و مثال ذلك ، البراغماتيّون الجدد يقدّمون هكذا حجج ) .
و لننظر فى ما يعتبر النظرية التوافقيّة للحقيقة . وفق هذه النظرة الخاطئة ، كلّ ما يقبل بالتوافق يعامل كحقيقة ، و كلّ محاولة لتحديد الحقيقة بطريقة صارمة أكثر غير ممكن و غير ذى جدوى و له نتائج عكسيّة . ما يدافع عنه آجيث كحقيقة طبقيّة هو نسخة من النظريّة التوافقيّة للحقيقة مشابهة تماما لما يعرضه البراغماتيّون و غيرهم . (61) .
آجيث و التحزّب الطبقي :
يضع آجيث المسألة على النحو التالي :
" ليست فقط " أباطيل البرجوازية " ، " حقيقة الماركسية " أيضا ليست واقعا موضوعيا فى حدّ ذاتها . عبر السيرورة القائمة ل " البحث عن الحقيقة إنطلاقا من الوقائع " بإمكان الماركسية أن تستوعب هذا الواقع بطريقة أعمق و أشمل نوعيّا مقارنة بالبرجوازية والطبقات الأخرى . " الحقيقة الماركسية " يمكن أن تكون الأقرب للواقع الموضوعي بسبب التحزّب الطبقي . ميزتها العلمية الصريحة للإنطلاق من الواقع الموضوعي وجعل هذا الواقع محكّا لفهمه ، مرتبطة وثيق الإرتباط بتحزّبها . و ذلك كذلك لأنّ الطبقة التى تمثّلها البروليتاريا هي الوحيدة التى لها مصلحة أساسية فى فهم الواقع إلى أتمّ و أبعد مدى ممكن . و يتأتى هذا من كونها الطبقة الوحيدة التى يمكن أن تأخذ الثورة إلى النهاية ، إلى تحرير الإنسانية جمعاء لبلوغ تحرّرها الخاص . " (62)
تتكوّن هذه الفقرة من عدّة مواقف صحيحة جزئيا ممزوجة مع بعض الأخطاء الأبستمولوجية و الفلسفية الأساسية تجعل البنية برمّتها خاطئة . ومجدّدا ، لنوضّح الأمور ، و فى هذه الحال ، " التحزّب " . يحيل المصطلح على الموقف السياسي و الإيديولوجي للشخص : مع من تقف ، مع المضطهَدين و المستغَلين أم مع القوى التى تأبّد الوضع الإضطهادي السائد ؛ هل تقف مع الثورة أم ضدّها . الماركسية فى آن معا صحيحة – تتناسب مع الواقع – و متحزّبة ، تخدم قضيّة الثورة ، الثورة الشيوعية ( أو البروليتارية ) للتخلّص من كلّ الإستغلال و الإضطهاد .
لكن آجيث يقلب العلاقة بين الحقيقة العلمية للماركسية و تحزّبها الطبقي ؛ و يشدّد على الدفاع على الموقف الخاطئ القائل بأنّ " الماركسية صحيحة لأنّها متحزّبة " . و يسترسل آجيث :
" يسلّط الأفاكيانيون الضوء على تطبيق ماركس و إنجلز للمبادئ العلمية و المنهج العلمي بعيدا عن التحزّب الطبقي الذى يقودهما . ثمّ يخلطون المسألة بالغوص فى مسألة " بناء الحقيقة " فى تعارض مع " إكتشافها ". بالتأكيد يجب أن نكتشف الحقيقة لا أن نبنيها . و مع ذلك ، نقطة النقاش هنا هي دور المصالح الطبقية و التحزّب فى تمكين المرء من إنجاز مهمّته . و الماركسية تصرّح بهذه العلاقة و تشدّد عليها والأفاكيانيون ينكرونها . " (63)
تدين الماركسية بقدرتها على إستيعاب الواقع على نحو نوعيّا أعمق وأشمل ليس لتحزّبها و إنّما لمنهجها العلمي بما فيه مواجهة الواقع كما هو عمليّا . و على خلاف ما يدعيه آجيث ، توفّر الماركسية القاعدة العلمية للتحزّب بكشف الطبيعة الموضوعية للإستغلال و الإضطهاد الطبقيين ، و خصوصيّتهما و تطوّرهما التاريخيين و " عدم ضرورتهما " . و يساعف هذا الطابع كذلك على شرح لماذا يمكن كسب المثقّفين و غيرهم من الطبقات غير البروليتارية إلى فهم الحاجة للثورة البروليتارية و تبنّى القضيّة .






















V - إستهانة آجيث بالنظريّة :
الرؤية و التجربة وحدهما لا يكشفان الديناميكية و القوانين الداخلية ( الضرورة الداخلية ) التى تحكم الأسباب الكامنة للتطوّر الإجتماعي و تيّاراته . و كما وضع ذلك ماوتسى تونغ ، " المظاهر الخارجية يمكن رؤيتها . إنّها تجذب الحواس . و الجوهر لا يمكن رؤيته و لا لمسه ؛ إنّه مختفى وراء المظهر الخارجي . لا يمكن إكتشاف الجوهر إلاّ عبر البحث و الدراسة . إن كنّا نلمس و نرى الجوهر فلن توجد حاجة إلى العلوم . " (64)
لكن منهج آجيث لا يسمح له بأن يمضي أبعد من مستوى الظاهر. وكان ماركس أيضا واضحا جدّا بشأن هذه النقطة : " يتبيّن ما يستند إليه طابع تصوّرات التافه الضيق الأفق و الإقتصادي النبتذل و نعنى بذلك أنّه لا يتعكس دائما فى دماغنا إلاّ الشكل المباشر لتجلّى العلاقات ، و ليس صلتها الداخليّة . و لكن ، لو حدثت الحالة الأخيرة فما الحاجة آنذاك على العموم إلى العلم ؟ " ( 65)
ثمّة وحدة جدليّة بين الظاهر و الباطن غير أنّهما ليسا الشيء نفسه . يوبّخ آجيث أفاكيان لتنازلات للوضعيّة لكن آجيث هو الذى يخفق فى إستيعاب القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة العقلية و يترافق هذا بتقديس تجريبي للمعرفة المتوفّرة ( المتوفّرة عبر الموقع الطقي ) . و بالقيام بذلك ، يجد آجيث نفسه برفقة الوضعيين الذين جعلوا علامة تجارية لهم رفض التمييز بين الظاهر و الباطن .
ثمّة قفزة و قطيعة يجب أن تحدث من أجل ايجاد المفاهيم النظريّة بعد مراكمة التجربة والمعرفة الحسّية. و هذه السيرورة تستدعى و تقتضى معا مساهمات من مجالات أوسع من الممارسة الإنسانية و الفكر الإنساني . و لا يوجد بأيّ شكل من الأشكال تناسب آلي واحد لواحد و فى الواقع ، هناك بلا إستثناء تصوّرات مختلفة و متعارضة تشمل نفس ، أو الكثير من نفس ، المعلومات و الملاحظات التجريبية إلخ.
و أيضا يقلّص آجيث السيرورة المعقّدة للبحث و الإكتشاف العلميين برمّتها إلى مجرّد " البحث عن الحقيقة فى الوقائع " ، فى إحالة إلى مقولة لماو ختم بها آجيث مقاله . و مرّة أخرى يمسك آجيث بنزعة ثانوية لدى ماو و يخرجها من الإطار العام للتوجّه الصحيح و هكذا يحجب تجريبيته هو الخاصة . و مثلما رأينا صاغ ماو مواقفا أخرى أصحّ على غرار هذا الموقف : " إنّ السبب فىإختلاف المعرفة المنطقيّة عن المعرفة الحسّية يعود إلى أنّ المعرفة الحسّية تتعلّق بجزئيّات الأشياء وظواهرها و روابطها الخارجيّة ، فى حين أنّ المعرفة المنطقيّة تتقدّم بالمعرفة الحسّية خطوة كبيرة إلى الأمام فتتوصّل إلى إدراك كلّيات الأشياء و جوهرها و روابطها الداخلية و تكتشف التناقضات الكامنة فى العالم الخارجي فى مجموعه و فى الروابط الداخلية بين جميع جوانبه ." ( 66)
و يحبّ الوضعيون و التجريبيون الحديث عن الوقائع الخام لكن كلّ الوقائع يجب أن تمرّ من خلال النظريّة حتّى لتركيز ما هي هذه الوقائع و الأهمّ لتفسير ترابطها و كشف ديناميكيتها الكامنة . و علاوة على ذلك ، سيرورة إكتشاف الحقيقة و التحقّق منها وتركيزها ليست سيرورة خطّية . ليس الحال ببساطة إستخلاص الإستنتاجات من مجموعة خاصة من الوقائع ، و بلوغ الحقيقة يشمل كذلك تأييد و تلاقح من المجالات الأخرى من النشاط و البحث الإنسانيين . و حتى التحقّق نفسه سيرورة معقّدة و لا يجب أن يبتذل بطريقة إحادية الجانب ليقال إنّ معنى نظريّة ومضمونها يمكن تقليصه إلى منهج التحقّق كما تتقدّم بذلك مدارس التجريبية و الوضعية . أحيانا ما يحدث هو التدليل على ليس نظرية مباشرة بل على نظريّة تابعة أو فرعيّة أبعدها جيل أو جيلان عن النظريّة الأصليّة . و آجيث لا يفهم من هذه السيرورة إلاّ النزر القليل .
يفتخر التجريبيون والبراغماتيون بأنّهم قريبون من الواقع نظرا لكونهم يحاججون بأنّ الملاحظة التجريبية للحواس الخمس وحدها هي مصدر المعرفة . بالنسبة لهم ، الممارسة المباشرة وحدها فى ميدان معيّن يمكن أن تبيّن النجاح أو الفشل الضروريين لتأكيد صحّة أم خطإ أي إدعاء معرفة خاصة.
نظرة ضيّقة للممارسة و الواقع الإجتماعي :
و طبعا تفرز هذه النظرة للواقع والمنهج الأبستيمولوجي بالضرورة رؤية و توجّها يضيّق الآفاق و الإنتظارات . و كجزء من هذا ، تؤدى إلى منطق يرتئى و يحدّد بشكل ضيّق ما يشار إليه على أنّه " ممارسة " . أي شيء ، بكلمات البراغماتيين ، " ينهى البحث " ( فى الزمن المعطى ) و ينتج نوعا من الإتفاق على هذه النهاية ، إعتمادا على نجاح محسوس فى النتائج المباشرة المعيّنة فى إطار خاص ، يحدّد هكذا كحقيقة ( أو كما سيعبّر عن ذلك البراغماتيّون ، سيحلّ محلّ الحقيقة ).
هذا النوع من الفهم التجريبي و البراغماتي لل" ممارسة " ليس الإنخراط المادي الصريح فى معرفة العالم المادي و تغييره . كيف يتعيّن علينا أن نفهم بطريقة صحيحة الممارسة بالمعنى الأكثر عالميّة للكلمة ؟ إنّها تعنى كلّ النشاط الإنساني ، كلّ من التفاعلات مع الطبيعة الخارجية و تفاعلات المجتمع الإنساني العالمي الذين صارا بصفة متنامية متداخلين مع تطوّر الرأسمالية و بصفة خاصّة الإمبريالية . و حتى و إن كان هذه المجتمع العالمي يعتصره الإنقسام و التناقضات الطبقية العدائية و الإنقسام بين الأمم خاصة إلى أمم مضطهَدَة و أمم مضطهِدة ، وإضطهاد نصف الإنسانية ، النساء ، تظلّ هناك " كلّ" للإنسانية .
لكن آجيث يدير ظهره و يبتر الواقع الإجتماعي عالميّا بإسم " التعقيد الملموس لظهور البروليتاريا و وجودها فى بلدان مختلفة . تظهر بروليتاريا أي بلد و تتشكّل فى سيرورة تاريخية ، سيرورة خاصة بذلك البلد " و بهذه الطريقة يتجاهل ( مثل الكثيرين قبله ، و فى كافة البلدان !) ويستهين بالمدى الحقيقي للنشاط الإنساني و الممارسة الإجتماعية الذين يمثّلان أساس النظرية الصحيحة .
هنا نرى المرساة الفلسفية لقومية آجيث و هجومه على فهم أفاكيان للإمبريالية والثورة البروليتارية العالمية على أنّها " سيرورة عالمية واحدة " (67). ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ . غمامات آجيث الأبستمولوجية تحول بينه و حصوله على إستيعاب شامل لكلّ من السيرورة العالمية ككلّ أو السيرورات المعقّدة التى تحدّد أي مجتمع . إنّ الإقتصادوية و الفكرالعمّالي و التذيّل للعفويّة ، ومقاربة الثورة على أنها قطعة – وجبة و إفتكاك السلطة هي تمظهرات لهذا الصنف من التفكير .
لقد شدّد أفاكيان على أهمّية النظر إلى طبيعة الواقع الإجتماعي المتعدّد المستويات ، لا سيما عند القتال ضد كلّ ألوان الإختزالية التى ستتجاهل أو تنكر التمظهرات الهامة السياسية منها والفنّية و الثقافية و الإيديولوجية للواقع الإجتماعي . (68) و فقط بفهم الواقع على هذا النحو يمكن للممارسة ، كلّ من الممارسة الثورية المباشرة و الممارسة الإجتماعية الأوسع فى العالم و فى كلّ بلد خاص ، أن تكسب معناها و مكانتها التامين و تخدم كقاعدة سليمة لتطوير نظرية ثوريّة صحيحة . عمليّا ، نوع تجريبية آجيث و براغماتيّته ، بكلماته هو " فى العالم الحقيقي و لأجل مهام حقيقية للثورة ، له تبعات مدمّرة " (69).
" الممارسة المباشرة " لماركس و إنجلز لم تكن مصدر تطوّر الماركسية :
يشوّه آجيث الطريقة التى ظهرت بها الماركسية و تطوّرت ." الأفاكيانية مغرمة تماما بتقديم مثال مؤسّسي الماركسية . إنّها تدّعى أنّ ماركسو إنجلز توصّلا إلى خلاصة الماركسية إنطلاقا من النظرية الموجودة و ليس من الممارسة المباشرة . و مثلما لاحظنا سابقا هذا غير صحيح . إنخرط ماركس و إنجلز فى الصراعات الطبقيّة فى تلك الأيّام ،و أحيانا مباشرة " (70).
يساوى قول إنّ " الممارسة المباشرة " كانت محورية فى العمل النظري لماركس و إنجلز ، إعادة كتابة التاريخ ( تذكّروا السنوات التى قضّاها ماركس على نفس المكتب فى المتحف البريطاني ؟ ) ؟ و الأهمّ من ذلك هو أنّ ماركس و إنجلز طوّرا نظريّتهما فى سياق خوض صراع نظري مع ممثلين قياديين خاصة فى الميادين الحاسمة للفلسفة و الإقتصاد السياسي و الإشتراكية العلمية . هناك دائما تجريدات نظرية مختلفة ( نظريّات ) تظهر من نفس التجربة و الظروف الإجتماعية ( سواء كانت " تجربة مباشرة " أم تجربة واسعة غير مباشرة ، بالمناسبة ) و هناك صراع لتحديد أيّة تجريد صحيح أي أي تجريد يتناسب بصورة أقرب إلى الواقع . ما ينقصفى رواية آجيث هو واقع هذا الصراع حول الأفكار .
لقد بلغ ماركس خلاصة و أعاد صياغة فهم و وجهات نظر ثاقبة امفكّرين مثل ريكاردو و داروين و هيغل إلخ ، و تحليله و ملاحظته الثاقبة للتطوّرات السياسيّة و للصراع الطبقي إلى جانب ، بشكل ثانوي للغاية " تجربته المباشرة الخاصة فى بناء الأممية الأولى ( أوّل محاولة لتجيمع منظّمات مختلف البلدان التى كانت تقاتلمنأجل العمّال و المضطهَدين و من أجل الإشتراكية ) وما إلى ذلك . لا ينبغى على آجيث أن يستهدف أفاكيان بل لينين الذى فى مقاله الشهير " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " ، لم يكتب كلمة واحدة عن التجربة المباشرة لبماركس بل شدّد على الترابط بين ماركس ومدارس القرن التاسع عشر فى الفلسفة و فى الإقتصاد السياسي و فى الإشتراكية (71). وصف آجيث المقلوب رأسا على عقب لعمل ماركس ليس سوى إعتراف محتشم بتجريبيته و براغماتيته الخاصين .
يقول آجيث :
" دون أدنى إستنقاص من العمل الفكري الباهر لماركس و إنجلز ، يجب التشديد على أنّهما حثّا على التحزّب و ليس على شيء من النزعة البطولية الخارقة ليكونا علماء. لقد بلغا هذا من خلال سيرورة وعي عدم قدرة النظريات الموجودة على الإستيعاب الصحيح للواقع و التعلّم من الصراع الطبقي الدائر." (72)
عمليّا ، هذا الوصف لاتاريخي ويجعل من " التحزّب " صنفا ميتافيزيقيّا . لقد طوّر ماركس و إنجلز تحزّبهما بالأساس من خلال إكتشاف أنّ القاعدة العلمية لإلغاء التناقضات الطبقية العدائيّة والإستغلال و الإضطهاد تمرّ عبر الثورة البروليتارية . وُجد الكثير من أصحاب الأمانى المثاليّة ، بعضهم فهم ظروف الجماهير و تعاطف معها تعاطف لا يقلّ عن تعاطف ماركس وإنجلز . و قاتل البعض قتالا بطوليّا و قدّموا حياتهم فى القتال من أجل كمونة باريس فى 1871 لكنّهم لم يطوّروا نظريّة علميّة للتحرّر و لهذا لم يكن فهمهم ( أي خطّهم و نظريّتهم ) متحزّبا للبروليتاريا ( و من هنا وصف مثل هذه القوى فى " بيان الحزب الشيوعي " على أنّها تدافع عن " الإشتراكية الإقطاعية " و " الإشتراكية البرجوازية الصغيرة " إلخ ) . (73)
نعم ، آجيث على صواب أنّه ثمّة علاقة بين التحزّب و الحقيقة ، لكن هذه العلاقة هي عكس ما يحاجج من أجله . إنّه علم الماركسية ، تناسبها مع الواقع هو الذى يؤسّس فى النهاية إلى تحزّبها .
و زيادة على ذلك ، إلصاق آجيث دور التحزّب بالبروليتاريا لا يعالج المشكل – ففى الواقع ، هذا لغو أو حجّة دائريّة تفترض ما يفترض أن تشرحه . يتعيّن علينا أن نسأل آجيث ، متحزب من أجل ماذا ؟ هل كان ماركس متحزّبا للبروليتاريا أم هل كان برودون الإصلاحي ؟ أم سان سيمون المثالي ؟ التحزّب للبروليتاريا ليس شيئا بديهيّا بذاته . يفترض آجيث أنّ الإعتراف بهذا التحزّب لا يتطلّب " النزعة البطولية الخارقة ليكونا علماء " ( مثلما يشوّه جهود ماركس و إنجلز الفكريّة ) .
و مرّة أخرى ، نرى لماذا شدّد ماو على " صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء " . (74) حتى الذين يلتزمون بالتحزّب و الولاء لطبقة و حتى الذين يعتقدون صراحة فى ذلك و يقدّمون عادة تضحيات ، سيواجهون مسألة ما إذا كان فهمهم يشرح علميا ( بدقّة) الواقع و ما الذى يتطلّبه تغييره بإتجاه الشيوعية . هذا فى النهاية ما سيحدّد أيّة طبقة يمثّله عمليّا أي قائد أو خطّ سياسي .
لقد تحدّث ماو فى هذا الشأن على طريقته الخاصة التى لا يمكن محاكاتها :
" كان ماركس أيضا واحد منقسم إلى إثنين . تعلّم ماركس فلسفته من هيجل و فيورباخ و إقتصاده من ريكاردو الأنجليزي و آخرين و درس الإشتراكية الفرنسية . كلّ هذا كان برجوازيّا . و منه إنقسم الواحد إلى إثنين و أفرز الماركسية . دعونى أسألكم ، عندما كان شابا هل قرأ أبدا كتابات ماركس " ( 75)
لقد إضطلع ماركس بدور قيادي فى تطوير هلم الشيوعية عبر التفاعل بين إنجازاته النظريّة الخاصّة و أحداث وضع طبقي معقّد و صراعات سياسية و إجتماعية و إيديولوجية جدّت بأوروبا أواسط القرن التاسع عشر فى خضمّ نموّوتعزيز نمط إنتاج جديد ، الرأسمالية ، و بنيتها الفوقيّة . ( 76) و بالفعل ، عندما شرع ماركس و إنجلز فى نشاطاتهما السياسية ، إيديولوجيتهما يمكن وصفها بما نسمّيه الآن ب " الديمقراطية البرجوازية " ، ممثلين قوّة كانت وقتها فى التاريخ ، أواسط القرن 19 لا تزال فى مقدّمة النضال الثوري . و إلتزام ماركس و إنجلز بالتغيير الشامل للمجتمع شجّعهما بالتأكيد على الصرامة النظريّة ونقد النظريّات الموجودة ؛ و مع ذلك ، لكي يصبحا ماركسيين كان عليهما أن ينجزا قطيعة راديكاليّة ، بكلماتهم ، ل " تصفية الحسابات مع وعينا الفلسفي السابق " . (77)
يجب أن يقوم التحزّب على العلم :
لا ينكر أنصار الخلاصة الجديد لبوب أفاكيان العلاقة بين التحزّب الماركسي و قدرته على إكتشاف الحقيقة حول المجتمع . لكن مجدّدا ، يمضى آجيث بهذه العلاقة إلى الوراء . التحزّب للثورة البروليتارية يجب أن يقوم على فهم حقيقي ( أي علمي ) لواقع المجتمع الطبقي . دافع القيام بالثورة يمكن و يتعيّن أن يشجّع و يحثّ الأفراد على الحصول و المثابرة على الحصول على هذه المعرفة الضروريّة . و فى نفس الوقت ، بقدر ما يكون عدد الناس الذين يفهمون نظريّا أن العالم لا يحتاج أن يبقى كما هو أكبر ، بقدر ما يمكن أن يندفعوا نحو النضال من أجل إيجاد عالم مختلف .
ينبغى أن يساعد على تمكين و تشجيع الممارسين لهذا العلم ، الشيوعيين ، على مواجهة الواقع بما فى ذلك كما وضع ذلك أفاكيان " الحقائق المزعجة " (78). يمكن أن نرى أنّ التحزّب ليس كافيا . لا يجب أن يرغب حقّا أي شيوعي فى المحاججة بأنّ ستالين لم يكن متحزّبا لقضيّة البروليتاريا . و بالرغم من ذلك فإنّه سقط فى الكثير من التفكير الخاطئ . و تحتاج أخطاؤه أنننظر فيها فى مجالات المنهج و المقاربة و التصوّر العلمي ، فى ما أسماه ماو " ميتافيزيقا ستالين " (79)أي فلسفته و مقاربته نو ليس فى إخفاق مدّعى فى التحزّب .
و فعلا ، بقدر ما تكثر معارفنا الخاصة بالعالم فى كلّ مظاهره ، بقدر ما تكون أفضل و أعمق قدرتنا على تغييره . و كما يضع ذلك أفاكيان :
" بطبيعة الحال ، لم يحصل أنّ عمل الشيوعيون وفقا لهذه الحقيقة الجوهريّة إذ وجدت تيّارات بارزة فى تاريخ الحركة الشيوعية نحو السقوط فى تبنّى أشكال مختلفة من " الحقائق السياسية " – بعبارات أخرى إعتبار حقيقّة أشياء ليست فى الواقع حقيقية لكن كانت تبدو حينها مناسبة لهم ( وهي مقاربة شخّصها لينين فلسفيّا و نقدها على أنّها " الحقيقة كمبدأ منظّم " أو " تجربة منظّمة " ) لكن الواقع يبقى أنّه كمسألة مبدأ أساسي ، الشيوعية كنظرة للعالم و منهج ترفض هذه المقاربات الأداتية و تعترف بالمبدأ الأبستيمولوجي الجوهري القائل بأنّ ، مثلما وضعت ذلك فى نقاش آخر ، " كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية ". (80)
و من جديد : كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية. و الآن قارنوا هذا الذى يبدو مشابها بيد أنّه مختلف بعمق معه و خاطئ بعمق أيضا : كلّ ما هو جيّد للبروليتاريا صحيح . هذه " حقيقة سياسيّة " .
الدروس المكلفة ل " الحقيقة السياسية " :
لسوء الحظّ ، يمكن لما يسمّى بالتحزّب غير العلمي وغالبا جدا قد تداخل مع تفحّص الواقع تفحّصا صحيحا . و ينطبق هذا على حال تعمّد عديد الشيوعيين أن لا يواجهوا مواجهة مباشرة واقع ما حدث فى البيرو فى 1991 أين كانت تخاض حرب الشعب بقيادة ماوية . و حقّقت مكاسبا كبرى ثمّ واجهت تحدّيا غير مسبوق مع إيقاف لبّ قيادتها بمن فيها غنزالو ، رئيس الحزب الشيوعي البيروفي . و بينما كانوا فى السجن ، صدرت مواقف نُسبت إلى غنزالو تدعو إلى" إتفاقية سلام " و إيقاف النضال المسلّح .
و صرّح الحزب الشيوعي البيروفي و عديد مسانديه أنّ ذلك " خدعة " . و قَبِل عديد الشيوعيين بمن فيهم آجيث " نظرية الخدعة " دون أدلّة – و فى الواقع ضد أدلّة قويّة تثبت العكس . (81) ما كان يعتبر مفيدا سياسيّا أو ما كان يدافع عن هذه المدعاة " حقيقة سياسية " كان مفترضا أن يعرقل البحث فى الوقائع – ما أطلق عليه بعض المتحالفين الآن مع جيث " حقيقة الجرائد ". و لنستعمل صيغة لنا من الفقرة السابقة : إعتبر الإبقاء على آمال البروليتاريا العالمية فى إنتصار للثورة البيروفية جيّدا ، كما إعتبر جيّدا تزوير الحقيقة الفعلية لما كان يكشف عنه البحث و تكشف عنه الأدلّة بصدد موقف غنزالو .
و التبعات المأساويّة فى البيرو لهذا النوع من التفكير – تسبّب فى إضطراب و يأس حقيقي عندما لم يستطع أن يصمد أكثر أمام أدلّة أنّ غنزالو كان يدافع عن إتفاقيّة سلام و إيقاف حرب الشعب – تأكّد أنّ الثورة كان يمكن أن تكون فى وضع أفضل لو قادت الحقيقة التحزّب عوض العكس . و يبيّن هذا كذلك ، مفارقة ، أنّ التجريبيين و البراغماتيين مثل آجيث الذين يرفعون راية " البحث عن الحقيقة من الوقائع " فى تعارض مع البحث عن الصلات الباطنية و القفزة العقلية فى المعرفة بسهولة ينتهون إلى غضّ النظر عن الأحداث التى لا يجدونها مناسبة لهم .
تستهين مقاربة آجيث بالتحدّيات التى تنبع من السيرورة الصعبة و المعقّدة للثورة الشيوعية و التى تستدعى نظرية شيوعية متقدّمة . و بدلا من ذلك ، تفترض أنّ النظريّة و الوعي الثوريّين سيصبحان فى المتناول من خلال الرابط الذى لا ينفصم بالطبقة . قناعة آجيث العميقة الجذور بحتمية و "الدلالة الجوهرية للموقع الطبقي ، الموقع المادي للطبقة " تمضى مباشرة ضد إستيعاب الحاجة إلى بلوغ فهم شامل و علمي لسيرورة الثورة البروليتارية . و الحاجة الحيوية للنضال و الوضوح فى مجال الأفكار و النظرية و الفلسفة و الفنّ و العلم و فى النهاية للنضال فى البنية الفوقيّة ، لا تبدو متمتّعة بمكانة كبيرة فى تصوّر آجيث للإعداد للثورة البروليتارية و القيام بها ، أي ، لبلوغ التقدّم التاريخي – العالمي نحو الشيوعية .
تمقت الماركسية صناعة المجموعة الخاصة من الحقائق و المبادئ . فعلى الشيوعيين أن يبذلوا قصاري الجهود لبلوغ حقيقة الأشياء ، و ليس حقيقتهم هم عن الأشياء . الأفكار الخاطئة هي خاطئة ببساطة لأنّها لا تتناسب مع الأشياء التى تدّعى تصويرها أوعكسها فى التفكير ، و ليس فقط لأنّه وقع تشكيلها لأجل غايات غير بروليتارية / غير شيوعية .
و نفس الشيء ، ينبغى أن نواجه مواجهة مباشرة تلك " الحقائق المزعجة " من تاريخ الحركة الشيوعية، أي ، تلك الممارسات و المقاربات فى التجربة الشيوعية التى تذهب ضد الدفع الشامل الإيجابي و التحرّري لتاريخ الثورة البروليتارية إلى يومنا . فحالما يقبل الناس بمفهوم الحقيقة الطبقية ، يغدو الخوض عمليّا فى التجارب السلبيّة للثورة البروليتارية أصعب بكثير ، و أقلّ ضرورة ظاهريّا و أقلّ إحتمالا . لما لا نتجاهل ببساطة الأخطاء ، حتى المزعجة منها ؟ أو نبرّرها بالعودة إلى نوايا أو إلى نتائج على المدى القريب ؟ بالفعل ، التفكير المشابه لتفكير آجيث سيعزّز على وجه الضبط هذه الأصناف من التيّارات التى وجدت بلا شكّ و تسبّبت فى الكثير من الضرر فى الماضي و إلى يومنا هذا .
تمكّننا مواجهة الواقع وإستيعابه كما هو من خلال المعرفة و المنهج العلميين من فهم كيفيّة تغيير الظروف العبودية المادية و الإيديولوجية للإنسانية كي نضع حدّا للإنقسام الطبقي و التناقضات الطبقية العدائية و كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال و اللامساواة و نتجاوزها . و تنبع الحاجة إلى الثورة الشيوعية من هذا الواقع . و يعتمد التحزّب للثورة البروليتارية العالمية على و ينهض على فهم علمي للظروف المادية و التاريخية القائمة . و ليس مخطّطا مثاليّا أو وصيّة أخلاقية فائقة ، و لا هو خطّة للبروليتاريا و المضطهَدين ليثأروا و يغتنموا فرصة تغيير ليصبحوا فى الأعلى .



VI - بعض النقاط عن الفلسفة و العلم :
و ينقد آجيث أفاكيان على أنّه فقّر الفلسفة لأنّ أفاكيان يؤكّد على المرساة العلمية للمادية الجدلية . و كما سنرى ، يبحث آجيث عن فلسفة تقف " أعلى " من العلم ، لا تحاسب فى علاقة بالواقع و ليست موضوع صرامة و عقلانيّة .
يحاجج آجيث :
" الفلسفة بلا شكّ لا تنفصل عن الواقع المادي و العلوم التى تحلّله لكن العلوم التجريبية ليست سوى مصدر من مصادر الفلسفة . فهي تنبع من كافة مجالات الوجود الإنساني بما فى ذلك الفنّ و الثقافة ، و تستقى منها قوام حياتها . جذورها تمتدّ ليس فى تفاعل الإنسان مع الطبيعة و حسب بل كذلك فى ذات المرء مع وجوده الخاص المادي والروحي . إنّ عظمة الفلسفة الماركسية تكمن فى قدرتها اللامتناهية على شمول و معالجة هذه الكلّية فى كافة خصوصياتها الباهرة . "( 82)
و نشجّع القرّاء على التفكير مليّا فى الفقرة أعلاه بكلّ " خصوصيّاتها الباهرة " . أوّلا ، يقدّم آجيث فصلا غير جدلي و غير مادي بين مختلف مجالات النشاطات الإنسانية . وهو من جديد يضيّق بلا مبرّر مدى العلم إلى فقط " العلوم التجريبية " ثمّ يعلن كافة المظاهر الأخرى للوجود الإنساني فوق إختصاص البحث العلمي . ونزعة جوهرية فى حجّة آجيث هي تقليص العلم إلى فقط كشف الواقع المادي فى " التفاعل بين الإنسان و الطبيعة " . لا يمكن لآجيث أن يرى أنّه بينما " مجالات أخرى من الوجود الإنساني ، و منها الفنّ و الثقافة " هي فعلا مصادر للفلسفة ، هي أيضا متجذّرة فى و جزء من الواقع المادي المفهوم فهما جيّدا و لا يجب إستبعادها إلى مجال يطرد منه العلم.
آجيث يعلى الفلسفة فوق العلم ، و يحاجج بالفعل أنّ للفلسفة قوّة تفسيرية أعلى و أشمل . (83) نظرة آجيث فى تناقض حاد مع العلاقة الصحيحة التى عبّر عنها ماو ( والتى شدّد عليها تكرارا أفاكيان ) ألا وهي " الماركسية تشمل و لا تعوّض " العلوم الطبيعية و المجلات الفكرية و الثقافية المختلفة الأخرى . (84) ولننظر إلى كيف يعرض أفاكيان هذا :
"" يقول ماو ( على ما أعتقد فى " فى الممارسة العملية " ) إنّ المادية الجدلية شمولية لأنّه من غير الممكن لأي شخص أن يعرب من مجالها فى الممارسة العملية . و الآن يخطرلى أن أفكرّ بأنذ هذا موقف صحيح وموقف هام لكن أي شخص سيقول " إنتهى النقاش " عوض بمعنى ما الشروع فى المزيد من النقاش و المزيد من العمل ، يخفق فى فهم المسألة ، برأيى ... مجرّد أن تكون ماديّا جدليّا لا يجعلك تعرف نظرية إنشتاين حول الجاذبية أو ميكانيكا الكانتوم أو أي شيء كان . لا يزال عليك أن تلج هذه المجالات و تفهمها و سيظلّ هناك الكثير للتعلّم دائما . أعتقد أنّه بقدر ما تكون قادرا على تطبيق المادية الجدلية بقدر ما تكون قادرل تماما على فهم الأشياء. لنقل إنّى أحاول أن أطبّق المادية الجدليّة لكنّى لا أعرف شيءا عن الفيزياء و الفيزيائيين الذين لا يتبنّون الماديةالجدلية و ربّما هم معارضون لها بشدة ... من المهمّ عدم الخلط بين الأمرين . هذه هي نقطة " تشمل لكن لا تعوّض " كما أفهمها . و أيضا إنّها تعنى لى أنّه ، فى أيّ مجال ، بما فى ذلك مجال الفلسفة ، الناس الذين لا يطبّقون المادية الجدلية و كثيرا ما يعارضونها ، يمكن أن يضعوا أصابعهم على مظاهر هامة من الواقع ... الشيوعيون مناّ لم يفهمومها فى زمن معيّن . " (85)
إلى الدرجة التى يقبل فيها آجيث بالعلاقة بين الماركسية و العلوم الأخرى ، يراها علاقة تراتبية تمثّل فيها الماركسية " مستوى أرقى من التجريد ". و مع ذلك ، " تشمل و لا تعوّض " تعنى الإنطلاق من المعرفة المتحصّل عليها من كافة مجالات العالم الواقعي بكلّ من مكوّناته الطبيعية و الإجتماعيّة و تلخيصها . الماركسية لا تستطيع أن تملى أشياء على العلوم الأخرى مثلما يريد ذلك آجيث من خلال تشديده على ما يسمّى بالمبادئ الجوهرية التى لا تقبل مساسا بها ( وسنعود إلى النقطة ) . و إنّما يمكن للماركسية و يجب عليها أن تستوعب ما يقع إكتشافه فى المجالات الأخرى و بالقيام بذلك يجب عليها أن تتطوّر .
مكانة الفلسفة فى الماركسيّة :
لنخطو خطوة إلى الوراء و نرسم تطوّر الفهم الماركسي لمكانة الفلسفة و دورها فى تطوّر المعرفة الإنسانية مع العلم الذى أصبح أكثر تقدّما بكثير .
فى سيرورة تصفية الحسابات مع فهمه السابق الذى كان لا يزال يركب جذوره الهيغليّة ، كتب ماركس :
" عندما يلتقط الواقع [ أي يشرح موضوعيّا و علميّا ] تفقد الفلسفة كفرع مستقلّ من المعرفة وسيلة وجودها . و فى أحسن الأحوال يمكن لمكانتها أن توجد بتلخيص النتائج و التجريدات الأعمّ التى تبرز من ملاحظات التطوّر التاريخي للبشر ".(86)
و كتب إنجلز فى " ضد دوهرينغ " التالى فى السياق عينه :
" تعتبر الماديةالمعاصرة ديالكتيكية فى الجوهر و لا تحتاج مذ ذاك إلى أي فلسفة تقف فوق العلوم الأخرى . و ما أن يضع كلّ علم على حدة أمامه مهمّة إيضاح مكانه فى الترابط العام للأشياء و المعلومات عن الأشياء ، تزول الحاجة إلى وجود علم خاص حول ذلك الترابط العام . و حينئذ يتبقّى من مجموع الفلسفة السابقة الوجود المستقل للتعاليم الخاصة بالتفكير و قوانينه أي المنطق الشكلي و الديالكتيك . و يدخل الباقي كلّه فى العلم الإيجابي عن الطبيعة و التاريخ ". (87)
يشير ماركس و إنجلز إلى واقع أنّ المشاكل الجدّية التى كانت فى السابق تعتبر مسائلا فلسفية و لاهوتية ( مثلا أصل الكون ، أصل الحياة ، تطوّر الوعي الإنساني إلخ ) باتت تبحث فيها أكثر فأكثر العلوم الطبيعية .
و مع ذلك ، فى الإستشهادات أعلاه ، كان ماركس و إنجلز إحاديي الجانب فى معالجتهم للفلسفة . فمن الخاطئ الإيحاء بأنّه لن يظلّ هناك دور للفلسفة فى البحث العام عن المعرفة . إذ للفلسفة دور لا بدّ منه فى صياغة الأفكار والمفاهيم و توضيحها وتنظيمها . و على سبيل المثال ، هناك دور وحاجة شرعيين لفلسفة الرياضيّات و اللغة و الأخلاق . و تلاحظ المادية التاريخية و تصف و تحلّل الظواهر و الأحداث و العصور الإجتماعية التاريخية . إنّها تشمل كلّ من الملاحظة التجريبية للمعطيات و التصوّر المناسب لإطارها والتنظير إليها وهي تستند إلى الفلسفة المادية الجدلية .
وقدلاحظ أفاكيان أنّ له " بعض الإختلافات الهامة مع حجّة إنجلز تلك " (88):
" أودّ أن أقسم ذلك إلى إثنين . فمن جهة ، أعتقد أنّ جوهر ما يرمى إليه إنجلز أنّه من الآن فصاعدا ، حالما تكون لدينا نظرة و منهج ماديين جدليين ، هو مسألة البحث عن الروابط بين الأشياء فى العالم الواقعي و ليس فى خيالات أذهان الناس . بهذا المعنى ، لا أتّفق معه و حسب ، بل أعتبر ذلك هاما . ومن الجهة الأخرى ، إن كان ب " نهاية الفلسفة " يعنى مظهرا يمكن أن يؤوّل على أنّه لم تعد ثمّة حاجة للتفكير فى الفلسفة ، عندئذ لن أوافق على ذلك " (89)
ومع ذلك ، مهما كانت الأخطاء التى إقترفها ماركس و إنجلز فى تقييمهما للدور المستقبلي للفلسفة ، فإنّ خطأ آجيث أكثر جوهريّة و أكثر ضررا . فبالنسبة له " عظمة الفلسفة الماركسية " (90) التى يرغب فى بعثها من جديد هي تحديدا الدور الخاطئ للفلسفة الذى ندّد به و بشدّة ماركس وإنجلز ذلك أنّ آجيث يرغب فى أن تتحكّم الفلسفة فى بقايا " مجموع العلوم "، مثلما وضع ذلك إنجلز ، بينما الفلسفة نفسها تحجب بإنتباه عن الصرامة و العقلانية . إنّ آجيث يعيد تركيز الفلسفة فى دور " الوقوف فوق العلوم الأخرى " الذى سخر منه إنجلز فى الإستشهاد أعلاه .(91)
وينقد آجيث موقف أفاكيان القائل إنّ:
" يمكن أن نقول ببساطة إنّ الشيوعية علم ، بمعنى أنها تشتمل على عناصر أخرى بما فى ذلك الأخلاق التى هي ، متحدّثين بدقّة ، خارج دائرة العلم . لكن كلّ هذا لا يمكن فصله عن العلم ؛ وهو فى النهاية و جوهريّا يقوم عليه ، شأنه فى ذلك شأن إعادة ترسيخه بإستمرار على ما هو صحيح كما تحدّده مقاربة و منهج علميين و لا شيء آخر" (92)
و بالنسبة لآجيث :
" مدهش كفاية ، يقال هذا بينما يدعى أنّه يقدّم فهما صحيحا للعلاقة بين العلم و الفلسفة . إلى جانب " الأخلاق" و " عناصر أخرى " أشار إليها أفاكيان على أنّها تشكّل الفلسفة الشيوعية هي " النظرة و المنهج " . و ضمنها ليس بوسع " المنهج " " أن يظلّ بدقّة خارج دائرة العلم . ما هو فلسفي بجلاء يقلّص بالتالي إلى " الأخلاق و النظرة " . و هكذا ما يقدّم على أنّه دفاع عن المنهج العلمي فى الفلسفة ينتهى إلى إفقار الفلسفة . " (93)
آجيث يفصل بين الفلسفة و العلم :
ما يزعم آجيث أنّه " تفقير للفلسفة " هو تشديد على أنّ الفلسفة فى نهاية المطاف " ليست منفصلة عن العلم " . إنّ أفاكيان يؤكّد على أنّ فهمنا يجب أن يعتمد جوهريّا على إستيعاب دقيق للعالم المادي . لا شيء يمكنه أن ينفصل عن هذا أو يستخدم كورقة رابحة .
كلّ البحث و النقاشات الفلسفية تتطرّق بطريقة صحيحة أو غير صحيحة إلى نفس الواقع المادي . و بالتأكيد يمكن للنقاش و الجدال الفلسفيين أن يساهما و هما يساهمان فى البحث الفكري الشامل و البحث الإنساني و فى السيرورة العامة للتلخيص و التنظير . و الفلسفة شكل شرعي و ضروري من الوعي و البحث . ليست هي العلم ذاته . و مع ذلك ، فى النهاية صلوحية أي إقتراح أو نظريّة ، بما فى ذلك الفلسفة نفسها ، ستتحدّد بمدى حسن خوضها فى الواقع المادي و تناسبها معه . و بالفعل ، عموما الدين و المثاليّة هما اللذان يشدّدان بصوت عالي على أن لا تكون النظرة للعالم موضع إختبار التناسب مع الواقع المادي . و من المؤسف أن نجد من يعتبرون أنفسهم ماويين مثل آجيث ويشعرون بضرورة المطالبة بالإستثناء ذاته .
مثلا ، هل أنّ عدم وجود إلاه مسألة فلسفيّة فحسب مثلما سيحاجج منطق آجيث و مثلما يقرّ بذلك حتى عديد اللاأدريين و التشكيكيين؟ لا. كان الفلاسفة يحاججون بشأن وجود إلاه لآلاف السنين ، لكن فى النهاية هذه مسألة علمية : يمكن للعلم أن يرسي وهو يرسي عدم وجود إلاه . و المشكل هو أنّ آجيث يسمح بوجود مجال آخر وبالفعل أعلى من المعرفة يتجاوز العلم و يتخطّاه . هذا هو اللبّ الحقيقي لتهمته بالعلماوية – يرغب آجيث فى الحصول على إيديولوجيا لا تحتاج لأن تكون موضع إختبار التناسب مع الواقع . و على ضوء هذا علينا أن نلاحظ أنّ آجيث هو الذى يفقّر الفلسفة الماركسية المادية الجدلية بفصلها عن العلم و أساس تواصل إغنائها بالتغذّى من الحقائق التى تكتشف بإستمرار فى كلّ العلوم الإجتماعية والطبيعية ، و الصراع الطبقي والرؤى الثاقبة الأخرى من الحقول الأخرى للنشاط الإنساني .
أمّا بالنسبة لما يدّعى أنّه إستهانة أفاكيان بالفلسفة ، يمكن لآجيث أن يأمل فحسب أنّ قرّاءه ليسوا متعوّدين على الكتابات المطوّلة لأفاكيان بصدد الفلسفة الماركسية والمواضيع الفلسفيّة . و من ذلك مثلا :
" والآن ما أتحدّث عنه هنا يشمل مسألة الدين و " الروحانيّات" ( أو " الروح " كما يشار إليها أحيانا ) و علاقتها بالماديّة الجدلية ، ما يمثّل مقاربة شاملة و منهجيّة للواقع والقوى المحرّكة للواقع ... الإنسان ( أو الناس ) " ليس بوسعهم الحياة بالخبز فقط " . الشيوعية تعترف بهذا و تعانقه ... لا تتركنا الشيوعية و نظرتها و منهجها الماديين الجدليين بلا شيء عدا " القوانين المادية الباردة " ... عندما نتحدّث عن البحث عن " الروحانيّات " أوّل ما يجب أن نقوله هو إنّ هذا لا يمكن أن ُيفهم أو يُقارب بتجرّد من أو بتجاهل العلاقات الإجتماعية التى فيها يقع هذا عمليّا ... الشيوعية لن تضع حدّا – و لا أحد يعنى إلغاء – الرهبة و العجب و الخيال و " الحاجة إلى الإنبهار " ... كجزء من – نظرة ومنهج علميين منهجيين وشاملين لفهم الواقع و تغييره. ينبغى علينا أن نفهم أنّه ثمّة هنا وحدة . نعم ، هي وحدة أضداد ." (94)
قارنوا ما ورد أعلاه بالموقف السابق عليه لآجيث بأنّ الفلسفة " جذورها تمتدّ ليس فى تفاعل الإنسان مع الطبيعة و حسب بل كذلك فى ذات المرء مع وجوده الخاص المادي والروحي " . بديهيّ أنّ أفاكيان ليس ينكر أهمّية أو دور الأخلاق و القيم أو حصرا دورها فى الفلسفة و بالعكس هو يعيد الحيوية لنقاش هذه المواضيع . و مع ذلك ، آجيث يطالب بأن توجد العناصر الروحية للوجود الإنساني فى مجال مختلف تماما خارج الهيكلة الماديّة للمجتمع . و هذا تعبير واضح آخر من قبل آجيث عن الثنائيّة ،" نقاش" المادتين " فى الفلسفة الروح والمادة الذى هو فى آن معا نتاج للدين والمثالية ومظهر لهما.
و على سبيل المثال ، فى نقاش التمييز بين التفسيرات غير المادية لمصادر المعنى ، يقول أفاكيان : " أجد نفسي مرّة أخرى مضطرّا لقول كلمة من أجل العلم والماديّة . ليس لإستبعاد مسألة المعنى ، لكن لمعالجة هذه المسألة " (95). ولاحقا فى العمل ذاته يشير أفاكيان إلى :
" ما أعنيه هو الناس يواجهون الطبيعة و يخوضون فيها و يتعلّمون بشأنها و يغيّرونها ويغيّرون أنفسهم و علاقاتهم و تفاعلاتهم و تفكيرهم ، بأنفسهم و بمبادرتهم الخاصّة ، دون تدخّل وسائل وهميّة وخياليّة لمحاولة القيام بذلك ... و يتضمّن هذا إعطاء الناس بأنفسهم معنى و هدفا للوجود الإنساني إنطلاقا من الظروف الإجتماعية المنغمسين فيها و التى يغيّرونها فى أي زمن معطى... " (96)
و يرى آجيث المادية كتهديد لإيلاء مكانة ل" مظاهر أخرى من الوجود الإنساني ". فى أفضل الأحوال، يريد أن يترك " العلوم التجريبية " تعالج الظروف المادية للحياة و الطبيعة بينما يخصّ الفلسفة ب " المجالات الأخرى للوجود الإنساني " . و من هنا تنبع خشيته بالعلماوية المدعاة لأفاكيان و تنديده بها ، العلماوية التى يعنى بها حقّا أنّ المسائل الجوهرية للإيديولوجيا يجب أن يقع إبعادها عن العلم و المادية .
و يبرز جيّدا النقاش دلالة العمل النظري لأفاكيان وتأكيده للموقف الفلسفي لماو حول العلاقة الجدلية بين المادة و الوعي و تداخلهما و تحوّل الواحد إلى الآخر ، ودفاعه عنه و مزيد تطويره . فالمادية لا تعرقل دور الجانب الروحي للناس و لا تجعله غير ذى جدوى ، بل بالأحرى توفّر الأساس الحقيقي للفهم الصحيح لهذه المظاهر من الإنسانية و تعترف بالدور القويّ الذى يمكن و يجب أن ينهض به الوعي الإنساني فى تغيير الظروف المادية والإجتماعية ، بما فيها الناس أنفسهم .
مقاربة آجيث شبه الدينيّة للمبادئ الأساسية للماركسية :
فى هذا الجزء من نقاشنا سنردّ على إدعاء آجيث بأنّ " الأفاكيانيين " يتعاطون مع " الممارسة على أنّها عرضيّة فى تطوّر الإيديولوجيا " (97). و يرتبط هذا بفهم غالط للتحقّق من الحقيقة و كيف أنّ النظرية يمكن و يجب أن تسبق الممارسة لأجل قيادة العمل الثوري و بأي معنى من الصحيح الحديث عن المبادئ العالمية و الجوهرية لعلم ، بما فى ذلك الماركسية .
نعم ، يتمّ بالفعل إختبار النظرية و فى النهاية التثبّت منها فى الممارسة العملية و سنضيف بصفة متكرّرة. غير أنّ آجيث مرّة أخرى يشوّه هذه السيرورة – و هنا سننظر فى مظهر من مظاهر هذا التشويه . فحسب آجيث فى الحركة الشيوعية ستظهر " أفكار و ممارسات جديدة " لكنّ " رفعها إلى مستوى إيديولوجي يحتاج إلى إختبارها لفترة طويلة " (98)
و مثلما رأينا آنفا ، يقصد آجيث ب" الإيديولوجيا " صنفا خاصا من الحقائق ، من " التجريدات الأخرى" التى هي أعلى من العلم . و هنا نراه يشرح أنّه حالما يتمّ تركيز هذه الفرضيّات تصبح نوعا من مواد الإيمان لا تجب بعدئذ مساءلتها .
هنا نودّ أن نعود إلى نقد الحزب الشيوعي الثوري سنة 2007 المذكور قبلا ، نقد مقال خطّه آجيث و جاء فيه : " رغم أنّ مثل هذا التقدّم الجديد فى الماركسية يتأتّى من التطبيق العملي و التثبّت من الصحّة عبر الممارسة فى بلد معيّن ، فإنّه يتضمّن بُعدَ العالمية بالتحديد لأنّ الأسس تقوده . " و فى الردّ على ذلك ، أشار الحزب الشيوعي الثوري إلى أنّ آجيث : " لا يحاجج بأنّها عالمية لأنّها صحيحة عالميّا ، بل بالأحرى لأنّها تتناسب مع أو لأنّها تقوم على ،" مبادئ " الماركسية . لقد غيّب المعيار الموضوعي للحقيقة ، أنّها تعكس الواقع المادي ، و يترتب عنها معيار آخر مناقض حيث حقيقة بعض الأفكار أو النظرية ( " عالميتها " ) يحدّدها إنسجامها مع الأسس التى أقيمت عليها ." (99)
و يضع آجيث المسألة على النحو التالى :
" خطّ حزب ماوي فى بلد ما يتطوّر بالتطبيق الخلاّق لشمولية الماركسية – اللينينية – الماوية على الظروف الملموسة الموجودة هناك . و هذه الشمولية تتناسب بعدُ ، بالمعنى العام ، مع الواقع المادي هناك. و ذلك كذلك لأنّ تجارب التطبيقات الخاصّة التى منها نبعت ( إلى درجة كبيرة ) قد قدمنا وقع إختبارها فى الواقع الموضوعي . .. بعد ُ يتضمّن التطبيق الخلاّق للماركسية – اللينينية –الماوية شمولية على وجه الضبط لأنّها مرشد و إختبارها عبر الممارسة فى واقع مادي معيّن ، ظروف البلاد الملموسة، يثرى بالعكس شمولية الماركسية . " (100)
هناك خطأ عميق فى كيف أنّ آجيث يرى العلاقة بين " المعرفة الحسّية " و النظرية و خاصة العلاقة بين تقدّم الماركسية العام و تجربة تطبيقها فى بلد معيّن . و تعبير من تعبيرات ضيق نظرة آجيث التجريبية و القومية لهذا هو إخفاقه فى إيلاء أية عناية ملموسة لدروس الثورات فى الإتحاد السوفياتي و الصين . إعتمادا على تلك التجربة غدت " المعرفة الحسّية " و كذلك غدت الخلاصات النظرية المطوّرة لثورات القرن العشرين أوسع و أغنى و أعمق أضعافا مقارنة بتجربة الشيوعيين فى القيام بالثورة فى فترة ما بعد وفاة ماو المهمّة لكن للأسف المحدودة للغاية . وفق آجيث ، تقريبا بعد أربعين سنة منذ وفاة ماو ، يجب على الحركة الشيوعية أن تفهم أنّها فى سيرورة " لا يمكن للتطوّر الكمّي فى إطار التطوّر الإيديولوجي إلاّ أن يفهم كمراكمة ل " المعرفة الحسّية " فى مسار الثورة . " (101)
ببساطة من غير الصحيح ما ذهب إليه بعض الرفاق من أنّه أوّلا ينبغى أن توجد المزيد من إفتكاكات السلطة السياسية الناجحة من قبل البروليتاريا ، متبوعة بفترة مديدة من البناء الإشتراكي والثورة الإشتراكية و فقط حينها ، بعد ( بكلمات آجيث ) " إختبارها لفترة طويلة " يمكن أن تحصل قفزة أخرى فى النظريّة الشيوعية .
بالعكس ، تجربة الثورة البروليتارية فى القرن العشرين فى منتهى العمق والثراء وهي المصدر الرئيسي الذى منه إستطاع أفاكيان أن يطوّر المزيد من النظرية الصحيحة ( على أنّها لم تكن الوحيدة – فقد إستفاد أفاكيان من تجارب صراعات ثوريّة أخرى و التطوّرات فى المجتمع و الفنون و العلوم ) حول طبيعة المرحلة الإشتراكية الإنتقالية إلى الشيوعية و الصراع الثوري بصفة أعمّ .
و فى حين أنّ كلّ القوانين العلمية موضوع تحقّق فى الممارسة العملية ، فإنّ مثل هذا التحقّق ليس بالضرورة تحقّق " واحد لواحد " و مباشرة . فالفهم العلمي يتقدّم كذلك عندما يقع إيجاد تفسير للظواهر الملاحظة بعدُ و ليس فقط الظواهر التى ليست بعدُ ملاحظة ، و بالفعل ينهض الصراع حول أفضل نظرية تشرح مجموعة من الظواهر الملاحظة بعدُ بدور مهمّ عموما سابقا التحقّق الأخير منه فى الممارسة العمليّة . وهنا مجدّدا تكمن أهمّية تفحّص المفاهيم المختلفة للثورة الشيوعية على ضوء تاريخ الثورات التى جدّت عمليّا و ما نعرفه عن المجتمعات الإشتراكية التى وجدت فى السابق.
و علاوة على ذلك ، عندما يحدث تقدّم فى الفهم ، حقيقته لا تتأكّد بالضرورة بالتحقّق المباشر ، أو خلال ايّة فترة زمنية معيّنة . فالخطوات المتقدّمة التى خطاها لينين فى فهم دكتاتورية البروليتاريا كما يتكثّف ذلك فى عمله الحيوي " الدولة و الثورة " تطوّرت قبل ثورة أكتوبر ؛ و بالفعل ، كان سقالة نظريّة هامة دونها لم تكن ثورة أكتوبر لتقع .
لحسن الحظّ ، جرى التجريب السريع لنظريّة لينين و التحقّق منها غير أنّ نظريّته لم تكن لتكون أقلّ صحّة لو أنّ ثورة أكتوبر أخفقت ، وهو أمر كان محتملا ، لأسباب ليست ناجمة عن أخطاء فى نظريّته . و العكس صحيح أيضا : مكاسب ستالين فى بناء الإشتراكية تداخلت مع سلسلة من الأخطاء النظريّة و كذلك أخطاء سياسية هامة . و بإستعمال نوع منطق آجيث ، كان غالبية شيوعيي تلك الحقبة يقبلون عامة بأنّ نظريّات ستالين قد " وقع إختبارها لفترة طويلة " و بالنسبة لمعظم الحركة الشيوعية العالمية، هكذا " رفعت إلى إيديولوجيا " .
إنّ " الإختبار " التجريبي الضيّق لآجيث فى النهاية يعنى أنّ " كلّ ما يعمل صحيح " و فى الواقع سيقود إلى مفهوم الحقيقة " القوّة تخلق الحقّ ".
فى مقال " ضد الأفاكيانية " يقرّ آجيث بحدود كيف كان يقارب ما أسماه التمييز بين " الأساسيات و النماذج " . لكنه يريد أن يتمسّك بنموذج خاص من الحقائق الأعلى :
" حاولت تحديد هذه المبادئ بإقتراح أنّ مثل هذه المبادئ يجب أن تتميّز عن النماذج التى وقعت الإطاحة بها عند تطبيقها . و هذه المقاربة مفيدة فى بعض الظروف . لنأخذ مسألة هامة موضوع حديث دائر حاليّا ، دكتاتورية البروليتاريا . ضرورتها الحيوية طوال المرحلة الإنتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية مبدأ ماركسي أساسي لا يقبل المساس به . و الآن الطريقة الخاصة التى جرى بها تطبيقه فى الإتحاد السوفياتي كانت تعتبر فى نقطة معينة على التطبيق وجرى تقديسها على أنّها جوهرية . و مع ذلك ، لاحقا وقع نقد أخطائها و طوّر ماو تطبيقا مختلفا نوعيّا . التمييز بين " الأساسيات / النماذج " يمكن أن يساعدنا على فهم هذا . بيد أنّه حتى حينها ، كانت له قيمة محدودة . و أمثلة المبادئ التى عرضها الحزب الشيوعي الثوري التى إعتبرت أساسية فى لحظة ما و لاحقا وقع التخلّى عنها بإعتبارها خاطئة أو عفا عليها الزمن تبيّنان بالتأكيد هذا . و بالرغم من ذلك ، يظلّ أمرا واقعا أنّ حلاّ مرضيا لما يمثّل أهمّ المبادئ الأساسية للماركسية لم يُدرك بعدُ. موقفها ، وجهة نظرها و منهجها لا شكّ أنهم يكمنون فى اللبّ. لكن هذا ليس كلّ شيء . المواقف الإيديولوجية كذلك جزء منها . " (102)
و يستخدم آجيث تارة مصطلح مبدأ و طورا الحقيقة العالمية ، لكن من الواضح من الإطار أنّها بالنسبة إليه تعنى الشيء نفسه . و المشكل الخاص الذى حدّده لنفسه هو البحث عن صيغة تخوّل له أن يحدّد جملة من المبادئ و الحقائق العالمية التى لا يجب أن تنتهك حرمتها والتى لن تعود موضع الإنقسام إلى إثنين ، كما شدّد على ذلك ماو .
الحقيقة المطلقة و الحقيقة النسبية وتقدّم المعرفة :
من المبادئ الأساسية فى المادية الجدلية مبدأ كيف نفهم العلاقة يبن الحقيقة المطلقة ( التى تدلّ على مجمل المعرفة الممكنة للواقع المادي ) و الحقيقة النسبيّة و الطبيعة التقريبية لمعرفتنا الفعلية الموجودة للواقع . و هذه النقطة طوّرها مطوّلا إنجلز فى " ضد دوهرينغ " و لينين فى " المادية و مذهب النقد التجريبي " (103). و يضع أفاكيان المسألة على النحو التالي : " لقد أنجزت الشيوعية إختراقا فى فهم العالم – إختراقا مع المادية الجدلية . بيد أنّ هذا لا يعنى أنّنا نفهم كلّ شيء عن المادية الجدلية فى كلّ وقت معطى – أو أنّنا سنفعل أبدا – و كتفكير أعمق ، لا يعنى أنّنا نفهم كلّ شيء عن الواقع و الكون ، أو سنفهم كلّ شيء عنهما "(104).
ولنعد إلى مثال آجيث حول دكتاتورية البروليتاريا . إنّه مبدأ من مبادئ الماركسية صالح وقع إرساؤه علميّا و عالميّا . إلاّ أنّ فهمنا الراهن لدكتاتورية البروليتاريا ليس نفسه حقيقة مطلقة تتحدّى التغيير و لا يمكن الإختلاف إلاّ فى تطبيقها ، كما يحاجج آجيث فى المقتبس أعلاه .
نظرية دكتاتورية البروليتاريا ليست مفهوما أفلاطونيّا و مثاليّا و خالصا كان ينتظر أن يقع إكتشافه – إنّها تجريد علمي أنجزه أوّلا ماركس و إنجلز على أساس تلخيص قدر كبير من التطوّر التاريخي و السيرورة الثوريّة و ما إلى ذلك . و وُجد الكثير ممّا لم يكن كاملا كما وُجدت حتّى عناصر كانت خاطئة فى الصياغة الأولى لنظرية دكتاتورية البروليتاريا من قبل ماركس .
و كذلك ، رأينا أنّ فهم لينين و ماو و أفاكيان لدكتاتورية البروليتاريا قد تطوّر عبر مراحل و مظاهر هامة من الفهم السابق جرى النظر إليها على أنّها غير تامة أو خاطئة جزئيّا ، بينما أضحى تصوّر دكتاتورية البروليتاريا أغنى . و كلمتي دكتاتورية البروليتاريا يمكن أن تستعملا و إستعملتا لتعكسا برامجا سياسية ونظرات للعالم مختلفة ومتعارضة تماما .
مثلا ، تمّ الإنقلاب المعادي للثورة فى الصين فى 1976 إثر وفاة ماو تسى تونغ تحت يافطة حماية دكتاتورية البروليتاريا من أتباع ماو . لذا بوضوح من غير الكافى القبول بالمبدأ العالمي لدكتاتورية البروليتاريا ك" موقف إيديولوجي " ، مثلما يحاجج آجيث ، و مجرّد نقاش تطبيقه ؛ كان لا بدّ من مزيد تعميق الأسباب التاريخية و المادية لدكتاتورية البروليتاريا و مضمونها . وبالفعل ، نقاش من هذا القبيل كان إلى درجة كبيرة فى موقع القلب من صراع الخطّين فى الصين الذى خيض فى السنوات التى سبقت الإنقلاب (105). و مجرّد معرفة الموقف الإيديولوجي حول دكتاتورية البروليتاريا لم يكن كافيا لتمكين العديدين فى الصين أو فى الحركة الماوية عالميّا من التمييز بين الماركسية و التحريفية ، بالضبط مثلما أنّ معرفة مبدأ دكتاتورية البروليتاريا لم يتكشّف أنه قد ساعد فى أي شيء آجيث على فهم التخلّى التحريفي عن الثورة فى النيبال ، التخلّى الذى كان هو من مدّاحيه (106).
فى أيّ مجال علمي توجد جملة من الأعمال المركّزة التى بيّنت تناسبها مع الواقع الموضوعي و تخدم كأساس لمزيد التقدّم . غير أنّ هذه السيرورة ستشمل بالضرورة إعادة تفحّص المبادئ و المقدّمات و المفاهيم ، لا سيما عند نقاط تطوّر علم معيّن حيث يستدعى الأمر قفزة فى الفهم لشرح أصحّ لظواهر متباينة .
و يذكر آجيث أفاكيان فى هامش من هوامش مقاله يشرح فيه هذا الأخير طريقة هامة وفقها يتقدّم العلم الأصيل : " طبعا من الممكن أنّ نظرية علمية صحيحة – تعكس الواقع بطريقة صحيحة – فى مظاهرها الأساسية لكن يتبيّن أنّها خاطئة فى بعض مظاهرها الثانوية – و فى إنسجام مع ذلك ، يتبيّن أنّ بعض توقعاتها الخاّصة ليست صحيحة . و حين يكون الأمر كذلك ، يؤدّى تطبيق المنهج العلمي إلى مزيد تطوير النظريّة – عبر إستبعاد أو تحوير بعض المظاهر و إضافة عناصر جديدة إلى النظرية " (107). ثمّ يمضى آجيث إلى إضافة : " يقوم هذا على فرضيّة أنّ مفهوم بوبر لقابلية الخطإ ينطبق تماما على الماركسية " . و علاوة على تشويه آجيث الواضح لما قاله أفاكيان بإضافة عبارة " تماما " بعد " قابلية الخطإ " ، فإنّ هذا الدحض المفترض لأفاكيان هو فى الواقع فضح آخر لآجيث نفسه .
أفاكيان على صواب حينما يشدّد على أنّ الماركسية ، شأنها شأن أي علم ، يمكن ويجب أن تستبعد وتحوّر مظاهرا من فهمها السابق و تضيف عناصرا جديدة عندما يتبيّن أنّ مظاهرا ثانوية ليست صحيحة. أين الخطأ فى هذا ؟ تؤدّى حجّة آجيث يصورة لا مفرّ منها إلى إستنتاج أنّ هذه النظرة للماركسية لا تحتاج أن تستبعد المظاهر التى تبيّن أنّها غير صحيحة .
لقد راينا قبلا إستبعاد آجيث للمنهج العلمي فى رفضه القبول بأنّ الماركسية يمكن أن تكون موضع معيار قابليّة الخطإ . كتب آجيث :
" لنتذكّر ملاحظة ماو بأنّه بالرغم من إمتلاك [ قوى ] افكارا صحيحة تمثّل الطبقة المتقدّمة فإنّه من الممكن أن تمنى بهزيمة نظرا لضعفها النسبي . بمنطقه ذاته ، معيار إمكانية الخطإ لا تستطيع أبدا أن تشمل هذا التناقض الظاهري . بالنسبة له ، الإخفاق مجرّد إخفاق و دليل قاطع على عدم العلمية . و هكذا دفاع أفاكيان عن الماركسية بائس بشكل مميت ." (108)
عمليّا مثال آجيث لا يفعل أيّ شيء ليدلّل على نقطته و يبيّن حقّا فقط مدى خطإ فهمه للماركسية .
لا يدحض " الفشل " فى أي نشاط ماركسي خاص ، مثل محاولات الثورة فى أي بلد معطى فى أي زمن معطى المبادئ الجوهرية للماركسية ، من مثل الحاجة إلى الثورة و دكتاتورية البروليتاريا . هذه المبادئ الجوهرية ، كما ناقشنا آنفا حول دحض أفاكيان لبوبر ، هي موضع قابليّة الخطإ ... لكنّه لم يقع إثبات خطئها .
يتقاسم آجيث نفس الفهم الخاطئ للعلم مع الوضعيين و بوبر ، فهم أنّ جوهر النشاط العلمي هو القيام بتوقّعات دقيقة يمكن تاليا إختبارها . و مرّة أخرى ، هذه نظرة خاطئة للعلم عامة بما فيه علم الماركسية . و مع ذلك ، الماركسية تنظّر للقوانين و النزعات و الديناميكيات فى التاريخ و المجتمع التى يمكن إختبارها و ليست نظريّات ميتافيزيقية و بالعكس يجب أن تكون و هي بإستمرار " تختبرها " التطوّرات العملية .
ما من شيء فى الماركسية يستبعد الفشل أو يتوقّع أن ثورة معيّنة يجب أن تنجح . لكن الأسباب الموضوعية للهزيمة ( قوّة القوى المتصارعة بالتأكيد و لكن أيضا تأثير الصدفة و الحواد غير المتوقّعة و الطوارئ ) و كذلك الأسباب الذاتيّة ( أخطاء أو حدود فى تفكير الشيوعيين أنفسهم ) يمكن أن تكون ساهمت فى الهزيمة تحتاج و يمكن أن تفهمها وتشرحها معالجة علمية . عندما تكشف هزيمة ( أو بالمناسبة إنتصار !) عن أخطاء فى تفكير الماركسيين ، يجب تصحيح تلك الأخطاء .
و يدافع آجيث عن نفسه قائلا :
" أسس الماركسية لا تعرض على أنّها شيء فوق الفحص النقدي . يجرى الإقرار بضرورة تطويرها بالقطع مع النظرات التى تتناسب مع الواقع الإجتماعي المعاصر ." (109)
هنا يتراجع آجيث عن خلقه صنفا خاصا من " المبادئ الأساسية " فوق التفحّص ما نقده سابقا الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية . لكن تفسير آجيث صحيح جزئيّا و حسب . ليس الأمر أنّ نظريّة يمكن ألاّ تعود متناسبة مع " الواقع الإجتماعي المعاصر " . يحدث أحيانا أيضا أن الناس يمكن أن يكتشفوا أخطاءا فى نظرية ما يعنى أنّ مثل هذه النظرية لم تتناسب أو لم تتناسب تماما مع الواقع الإجتماعي التاريخي السابق ، فضلا عن ذلك قوانين العلم الطبيعية هي الأخرى تتطوّر مع إكتشاف أشياء جديدة و تطوّر نظريّات جديدة . و يواصل آجيث : " لكن إن لم يتمّ ذلك بالوقوف بصلابة على الحقيقة العالمية للماركسية فإنّ إنحرافا سيحصل " (110) . مجدّدا ، الحشو - يمكن للمرء أن يتفحّص المبادئ الأساسية طالما لا ينحرف عن " الحقيقة العالمية للماركسية " .
يعلن آجيث أنّه لم يحصل بعدُ تحديد مرضي ل" ما يمثّل " المبادئ الأساسية " ويسترسل : " و بالتالي تطوّر الماركسية ليس ببساطة مسألة وضع المبادئ الأساسية لإعادة التفحّص بالمعنى العام ." وهو شيء بالطبع لا أفاكيان و لا نقد الحزب الشيوعي الثوري لآجيث قد حاججا به أبدا – فى كلّ علم هناك مبادئ جوهرية بينما هي موضع إعادة التفحّص ، تستخدم كركائز بناء لمزيد التطوّر . و فى النهاية ، يختم آجيث هذا المقطع بإعلان رنّان و باعث على التضليل بأنّ إنّه يتطلّب تطبيق الحقيقة العالمية للماركسية على الأوضاع الملموسة التى تشكل مجال الممارسة النظرية أيضا " (111).
سنترك لغيرنا محاولة فكّ ما يعنيه آجيث بالدعوة إلى" مجال الممارسة النظرية " و" الوضع الملموس ". فما يعنينا هنا هو أنّه لا يزال يدافع عن إدعائه السابق الخاطئ بأنّ هناك صنف خاص من " المواقف الإيديولوجية " أو " الحقيقة العالمية للماركسية " يمكن عندها أن تحكم على الحجج الأخرى .
إلى أي مدى يمكن أن نكون متأكّدين من معرفتنا ؟
لقد شرح أفاكيان بوضوح و بشكل صحيح العلاقة بين المعرفة الموجودة و مزيد التقدّم بها ، و بيّن قدرتنا على التأكّد من بعض الأشياء حتى و نحن واعون بالطبيعة النسبية غير المطلقة لمعرفتنا . و هنا سنشجّع مرّة أخرى القارئ على دراسة كتاب أفاكيان " لنتخلّص من كافة الآلهة ! " أين توجد معالجة مطوّلة لهذه المسألة التى تبنى على مقاربة إنجلز و لينين . و هنا سنقتبس فقرة واحدة من ذلك المقتطف الغني . ( و سنرى أيضا أنّ هذا المقتطف ، من جديد ، يكذّب تهمة آجيث بأنّ أفاكيان يجهل المظهر الفلسفي الحصري للماركسية ) :
" ويقودنى هذا إلى المسألة الأعمّ ، مسألة التأكّد ، التأكد الأخلاقي و العلمي – فى الذى يتشابهون فيه و فى الذى يختلفون فيه... لنستحضر ما يبدو ربّما مثل الإرداف الخلفي ، يمكن أن نصل إلى تأكّد ، نسبيّا ... إنّه لمن الممكن أن نكون متأكّدين على أساس صحيح من أشياء معيّنة ... يمكن أن نقول بالتأكيد أنّ التطوّر أمر راسخ علميّا . أو بكلمات بسيطة و أساسية : إنه صحيح ..." (112)
و قد شرحت هذا أكثر أرديا سكايبراك فى كتابها " علم التطوّر و أسطوريّة فكر الخلق : معرفة ما هو واقعي و لماذا يهمّنا " :
" لن نحصل أبدا على حقيقة مطلقة – بمعنى أنّنا لن نعرف أبدا كلّ شيء قابل للمعرفة حول كلّ شيء – لكن لدينا بعض الوسائل و المناهج لبلوغ نقطة حيث يمكن لنا أن نقول ، بدرجة كبيرة من الثقة ، أنّ شيئا صحيحا – يعنى أنّه عمليا يتناسب مع بعض مظهر الواقع المادي كما هو حقّا .
المسألة هي أنّه من الجيّد و الهام مساءلة كلّ شيء ، لكن من الجيّد و الهام أيضا أن نعترف بأنّ كلّ شيء إلى ما لا نهاية له يحتاج أن نمسك به - أحيانا يمكن أن نعرف ما يكفى عن شيء للقبول به كحقيقة . " (113)
تتطلّب المقاربة العلمية أن نعتمد فيها على ما نعرف أنّه صحيح فى زمن معطى و يتفاعل مع العالم المادي و الإجتماعي – و نتعلّم ونكتشف أشياء جديدة . لكن ، مجدّدا ، مثلما تشدّد على ذلك سكايبراك ، لا يعنى هذا أنّه لا يمكننا أبدا التوصّل إلى إستنتاج وقول إنّ شيئا صحيحا .
لا صلوحية لإدعاء آجيث بأنّ أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري "يضعان المبادئالأساسية للشيوعية لإعادة التفحّص بالمعنى العام " إلاّ أن " تأكّد " أفاكيان قائم على العلم و ليس " قائما على الإيمان ".
ما نحتاج إلى فهمه هو أنّه حالما ينحرف آجيث إنحرافا جوهريّا عن المنهج و المقاربة العلميين ، و بقدر ما يكون ذلك بما أنّ آجيث مصمّم على الإستمرار فى عناده و الدفاع عن أخطائه الأبستيمولوجية ، يسقط فى أخطاء مختلفة و غالبا على ما يبدو متعارضة .
فمن جهة يستبعد تشديد أفاكيان على الأساس العلمي للماركسية على أنّه " علماوية " و ينتقد أفاكيان لتأكيده على المقاربة و المنهجية العلميتين . و من الجهة الأخرى ، يعتمد آجيث أسوأ المناهج التى يعانى منها العلم والتى ترفعها بعض المدارس إلى مرتبة مبدأ ، مثل الوضعية و التجريبية ، ليصف كيف يعتقد أنّ الماركسية تتطوّر ( هذا أساس نقده أنّ أفاكيان ينكر دور " الممارسة فى تطوير النظرية " ) .
من جهة ، لا يرى آجيث الماركسية كعلم . إذ تغدو الماركسية نوعا من الأداة التقنية لحلّ المشاكل – يجب أن تعالج حاجيات خاصة جدّا – و بهذا الصدد مقاربة تجريبية و براغماتية ل" ما يعمل " كافية تماما لتحديد الحقيقة . و من الجهة الأخرى ، ماركسية آجيث ، إن كان ليكون لها مدى نظريا ، يجب أن ينظر إليها كنوع من نظام إيماني هو بطبيعته منفصل عن العلم و فوق مداه . يؤيّد آجيث وجهتي نظر خاطئتين ما يوحّدهما هو رفض العلم فى تفسير حركة المجتمع الإنساني و تطوّره .
فى عدّة نقاط فى مقال " ضد الأفاكيانية " ، يهاجم آجيث أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري قائلا إنّ " المبادئ الأساسية " للماركسية يقع تقليصها إلى " منهج و مقاربة " . إنّ فصل آجيث الكثير التكرّر بين المبادئ و المنهج محوري فى تأكيد آجيث على أنّ الماركسية يجب أن تنهض على مبادئ بديهيّة كأساس لمزيد الحكم ( حتى و إن كان مضطرّا للإعتراف بأنّه لم يقدر بعدُ على تصنيفها ).












VII - الثورة الشيوعية ضرورية و ممكنة لكنّها ليست حتميّة ... ويجب إنجازها بوعي :
لقد نقد آجيث النزعات فى الماركسية نحو الفكر اللاهوتي ، أي ، النظرة إلى الطبيعة و التاريخ على أنّهما وُهبا هدفا و أنّ غاية أو هدفا مستبقين يقودانهما - والنزعة المتصلة بذلك ، النزعة نحو " الحتمية " أي الإعتقاد بأنّ مخرجا معطى فى الطبيعة أو المجتمع ، و فى الإنتصار الخاص النهائي للشيوعية ، حتمي . و الفهم الذى قاتل من أجله أفاكيان هو المنهج المادي و العلمي للخلاصة الجديدة .
يتفاعل آجيث مع نقد أفاكيان تفاعلا عنيفا و يفرد عددا من الصفحات لمحاولة دحض ما قاله أفاكيان بهذا المضمار . لكن آجيث يتردّد بين الدفاع عن مفهوم الحتمية و إنكار أنّ الماركسية قد عرفت أبدا مثل هذه النزعات – يريد أن " يحصل على كعكته و أن يأكلها أيضا " بإعادة تحديد مصطلحات راسخة جيّدا و تجاهل أو محاولة إخفاء أدلّة بارزة من تاريخ الحركة الشيوعية .
إنّه يدّعى أن ماركس عارض الفكر اللاهوتي من البداية ، بينما يحاجج بأنّ الحتمية لا تعنى ما يفهم بشكل شائع من هذا المصطلح: يفترض أنّ " لا وجود لحدود ضيّقة تأكّد بأنّ الإنسانية ستبلغ الشيوعية. " ثمّ يأخذه إلى الوراء فورا بإضافة " لكن هل أنّ هذه الإمكانيات ستلغى الحتمية جميعها من التطوّر التاريخي ؟ (245) لا. لن تفعل." (114).
إنّ مساعى آجيث للتمييز بين " التاكّد " و " الحتمية " هي حقّا مجرّد محاولة بائسة للتلاعب بالكلمات و تجنّب مواجهة الواقع . و لنأخذ على سبيل المثال ، كيف أنّ شانغ تشن – تشياو ، ممثّل بارز للقيادات الثوريّة فى الحزب الشيوعي الصيني ، وضع :" إضمحلال البرجوازية و كلّ الطبقات المستغِلّة و إنتصار الشيوعية أمر حتمي و أكيد و مستقلّ عن إرادة الإنسان " (115). لا يستعمل شانغ " حتمي " و " أكيد " كمترادفين فقط ، لكن بإضافة " مستقلّة عن إرادة الإنسان " ينحو هو الآخر نحو تفسير تيولوجي للسيرورة التاريخية كذلك .
يعارض آجيث مساعى أفاكيان لنقد تيّارات الفكر اللاهوتي فى الماركسية بقول : " بالنسبة لمسألة فهم التقدّم التاريخي بمعنى علم أصول الدين ، فإنّ مؤسسي الماركسية نبذوا هذا منذ البدايات الأولى لكتاباتهم . " (116) . أوّلا ، لم يحاجج أفاكيان بتاتا بأنّ مفهوم ماركس للتاريخ كان فى جوهره تيولوجيّا . بالعكس ، فتح ماركس أفقا علميّا جديدا فى دراسة التاريخ لا يعتمد على البحث الميتافيزيقي و المضاربة فى التاريخ ، و أحيانا نقد ماركس و إنجلز نقدا حادا الفكر التيولوجي . (117) كان ماركس ماديّا و كان قادرا على فهم التناقضات الماديّة الحقيقيّة ، خاصة التناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج ، الذى يشكّل المجتمع الإنساني و تطوّره .
و قد شدّد أفاكيان تشديدا كبيرا على إختراقه العلمي وجوهر مفهوم ماركس فى ما يتصل ب " الترابط المنطقي" فى التاريخ الإنساني . بكلمات أخرى ، ليس التاريخ مجرّد أحداث و وقائع غير مترابطة ، و لا هو نتاج جوهريّا لأفكار رجال ونساء أو أبطال عظام . و ليس التاريخ كذلك نتاج تطوّر و تحقّق ذاتي لفكرة مطلقة ، كما تتمثّل خاصة فى المثالية من الصنف الهيغلي . و مع ذلك ، ضمن مجمل أعمال الماركسية ، بما فيها أعمال أعظم معلّميها ، وُجدت نزعات غير متناغمة مع المنهج و المقاربة العلميين العامين للماركسية ، و من ذلك نزعات تيولوجية .
أنظروا إلى مفهوم " نفي النفي " [ أو " إنكار الإنكار " ] الذى أخذه ماركس و إنجلز عن هيغل الذى صاغه ك" قانون " [ من قوانين الجدلية ] . نهائيّا كانت لهذا تبعات تيولوجية . فالمقاربة العلمية لماركس و إنجلز تداخلت مع نقائص فى مادية العلوم الطبيعية لزمنهم . (118) لكن ثمّة حتّى أمثلة معاصرة من الفهم التيولوجي أبرز و أكثر ضررا و آجيث يتجاهلها .
و نسخة متطرّفة من هذا من التجربة الأكثر معاصرة هي موقف غنزالو رئيس الحزب الشيوعي البيروفي ، الذى صرّح : " لنتذكّر ما صغناه فى 1979 : خمس عشر بليون سنة من المادة فى حركة – الجزء الذى نعرفه من السيرورة – أفرزت مسيرة لا تقاوم نحو الشيوعية " (119) . و هذا الموقف ، أقلّ ما يقال فيه ، تعبير حاد عن فهم تيولوجي – أنّ هناك هدف للطبيعة و التاريخ . و فى حين أنّه بديهي بصفة خاصة فى كتابات غنزالو ، فهو بصعوبة يقف عنده هو .
ليس التاريخ الطبيعي للكون نهائيّا " يسير" إلى أي مكان بطريقة مسبّقة التحديد بما فى ذلك إنتصار الثورة الشيوعية فى هذه النقطة من المادية فى هذا الجزء من الكون . (120) و لا يستطيع هذا الفهم التيولوجي أن يشرح تطوّر كوننا أو التطوّر و التغيّر فى أشكال الحياة على الأرض ، بما فيها ظهور الهومو سابينس و المجتمع الإنساني ، و لا تطوّر الطبقات و ظهور كلّ من القاعدة المادية و الحاجة إلى ثورة شيوعية .
و يشترك هذا النوع من التفكير فى الكثير مع لون معيّن من النظرة التيولوجية للعالم – يُنكر وجود قوّة إلاهيّة فائقة تتدخّل فى شؤون الأرض لكن لا يزال هناك إلاه " ملازم " يشارك الطبيعة نفسها و موهوب بهدف و غاية ومحكوم ، لنستعير كلمات آجيث ، على نحو لا يمكن إنكاره ، من قبل إطار آخر لكن مرتبط به ، فى " الترابط المنطقي و المنظّم و الصريح " (121) ومثل هذه النظرة للعالم ستعرقل فى النهاية قدرتنا على فهم العالم فهما صحيحا و على تغييره .
لقد أتى أفاكيان بفهم صحيح أكثر علمية لهذا الموضوع :
" لا ظهور النوع الإنساني و لا تطوّر المجتمع الإنساني إلى الوقت الحاضر كانا محدّدين مسبّقا أو إتبعا مسارات محدّدة مسبّقا . لا وجود لإرادة أو عامل فائقين قد صوّرا و شكّلا كلّ مثل هذا التطوّر ، و الطبيعة و التاريخ لا يجب أن يعاملا على هذا النحو – كطبيعة و تاريخ . بالأحرى يحدث مثل هذا التطوّر من خلال التفاعل الجدلي بين الضرورة و الصدفة و فى حال التاريخ الإنساني بين القوى المادية الكامنة و النشاط و صراع الناس الواعيين ."( 122)
إنّ أفاكيان يستخلص دروسا من العلم تعزّز الفلسفة المادية . لقد وُجدت نزعات بإتجاه رؤية سيرورات " غائيّة " و باحثة عن هدف فى الطبيعة و ذلك فى العلوم و الفلسفة و قد أثّرت كذلك على الحركة الشيوعية . (123)
ماركس و أفاكيان بصدد " الترابط المنطقي " فى التاريخ الإنساني :
فى بحث نظري كبير ، " من أجل حصاد التنانين " كتاب ألّفه فى 1983 بمناسبة مائوية وفاة ماركس ، يناقش أفاكيان " لماذا تنطبق مبادئ المادية الجدلية على المجتمع الإنساني و تطوّره التاريخي " (124) و يستشهد برؤية ثاقبة لدى ماركس :
" إعتبارا لمجرّد واقع أنّ كلّ جيل تالى يجد بحوزته قوى إنتاج حصّلها الجيل السابق و أنّها تخدمه كمادة خام للإنتاج الجديد ، يظهر ترابط منطقي فى التاريخ الإنساني ، يتشكّل تاريخ الإنسانية الذى يصبح أكثر تاريخ الإنسانية بقدر ما تتطوّر قوى إنتاج الناس و بالتالى علاقاتهم الإجتماعية . " (125)
فى عمل أحدث ، يواصل أفاكيان هذا القتال من أجل المادية التاريخيّة :
مثلما شدّد ماركس كذلك بشكل مهمّ جدّا ، علاقات الإنتاج هذه قد تركّزت وهي بالفعل مستقلّة على نحو واسع عن إرادة الأفراد . بكلمات أخرى ، علاقات الإنتاج ليست محدّدة تعسّفيّا بإرادة الأفراد ، بمن فيهم الأفراد الذين ينتمون إلى الطبقة الحاكمة للمجتمع و الذين يسيطرون على ملكيّة وسائل الإنتاج ... هنا مرّة أخرى ، توجد مقارنة بين التغيّرات فى المجتمع الإنساني و التغيّرات – التطوّرات – فى العالم الطبيعي على نطاق أوسع .
كانت هذه رؤية ماركس عندما شدّد على أنّ هناك نوعا من " الترابط المنطقي " فى تاريخ الإنسانية . لقد شدّدنا على أنّه ليست هناك حتميّة بشأن الشيوعية ، و لا توجّها حتميّا للمجتمع الإنساني . و إنّما هناك نوعا من الترابط المنطقي . لذا كلّ شخص ، بمن فيهم أعضاء الطبقة الحاكمة لأيّ مجتمع ، عليه أن يتعاطى مع ما يحصل عليه من قوى إنتاج – و علاقات إنتاج – من الأجيال السابقة ، رغم أنّه فى ظروف حيوية معيّنة تحدث قفزات فى تغيير علاقات الإنتاج عبر ثورة فى البناء الفوقي ...(126)".
و ينقد آجيث تأويل أفاكيان لجمل ماركس التى مرّ بنا الإستشهاد بها سابقا . عوض إستيعاب المادية الكامنة ، يرى آجيث الدليل على الحتمية . لنقرأ كامل مقطعه :
" يشمل الفهم المادي للتاريخ تحديدات الضرورة و الحتمية و عدّة مستويات من الوجود و التطوّر الإنسانيين . حينما يتحدّث ماركس عن إنسجام فى تطوّر التاريخ فهو يشير إلى الترابط المنطقي و المنظّم و الصريح و المتسق مع مظاهر متنوّعة من الحياة الإجتماعية . و لا حاجة إلى قول إنّ هذا الترابط يشمل بلا إستثناء الضرورة . و هو ينطوي على عنصر حتمية . (247) . هذا ما يولّد إتجاها فى حركة التاريخ ، إمكانية التقدّم التاريخي . أن تتحقّق أم لا ، أن تعرقل عوامل أخرى أم لا تعرقل فعل هذه التناقضات مسألة مغايرة . إستعمال ماركس لمصطلح " إنسجام " متسق مع فهم دور " الحتمية " فى التاريخ . و تأويل أفاكيان يلغى القاعدة المادية لدراسة التاريخ ماركسيّا . "(127).
و لننظر فى ما يقوم به آجيث . يمسك بالرؤية الثاقبة الصحيحة و الحيوية لماركس حول " الترابط المنطقي " فى التاريخ الإنساني – و يد الساحر أسرع من العين – و يسرّب إليها " عنصر " أو " دور " الحتمية " " . يمسك بحقيقة أنّه هناك بعض الترابطات الضرورية فى المجتمع الإنساني مثلا ، بين القاعدة الإقتصادية للمجتمع و الهياكل السياسية و الأفكار المهيمنة فى المجتمع ، و يحوّلها إلى عقيدة حتمية .
و الحتمية تعنى " لا يمكن تفادى شيء " . و تشير إلى مسار قار للتطوّر مع عدم وجود أي مخرج آخر . و الضرورة شيء آخر ، تحدّد الضرورة و تهيكل و تعيّن الإمكانيات و المسارات لكنّها لا تفرز دائما نتيجة وحيدة . و يشمل مفهوم الضرورة القوانين السببيّة ، أنّ هناك علاقات " سبب و نتيجة " لكنها ليست خطّية و لا محدّدة مسبّقا – إنّها سيرورة ديناميكية .
لنوضّح هذا أكثر ، نضرب مثالا . الرأسمالية كنظام إقتصادي يحرّكه الربح ، ليس بوسعها العمل إن كانت القوانين و الثقافة و القيم الإجتماعية السائدة ترفع راية و تفرض و تعيد فرض أوامر بعدم إمكانية تسريح المؤسسات للعمّال ... وأنّ لكلّ شخص الحقّ فى الأكل ... و أنّ المجتمع يضمن إزدهار الفرد إزدهارا غنيّا و شاملا . و إن وُجد هذا النوع من البنية الفوقيّة القانونية - السياسية - الأخلاقية ، ببساطة سيتداعى الإقتصاد الرأسمالي ( أو ستقلب الطبقة الرأسمالية تلك البنية الفوقيّة ). و هذه طريقة أخرى لقول إنّ هناك ضرورة فى مظاهر المجتمع الرأسمالي و علاقاته – يجب أن يوجد تناسب معيّن ( ضروري ) بين القاعدة الإقتصادية و الهياكل السياسيّة و الأفكار و القيم المهيمنة . لكن لم يكن من الحتمي أن تظهر الرأسمالية فى التاريخ الإنساني أو أن تتّخذ أشكالا محدّدة إتخذتها .
لا يقوم آجيث فقط بتهوين المعنى الفعلي للحتمية بل هو يحاول أيضا تحويل " الترابط المنطقي " لماركس إلى رسم حتمي للتطوّر " المنطقي و المنظّم و الصريح ".
و بالقيام بذلك ، ينكر دور الأحداث غير المتوقّعة و الصدفة فى التاريخ . و يدفع هذا بإتجاه قول إنّ كلّ ما حدث كان ينبغى أن يحدث ، و بخطوة مقفلة حتمية . سيكون من الأفضل لآجيث " الماوي " أن يتعلّم الرؤية الثورية الديناميكية للواقع المتناقض و المتموّج بإستمرار لدى ماو تسى تونغ ( مثلا ، " الكوارث ظواهر إجتماعية ، ظواهر طبيعية . و التغيّرات الفجئيّة هي القانون الأكثر جوهريّة للكون " (128).
قبول آجيث ب " الحتمية " ليس بالأمر الهيّن . ذلك أنّه إضافة إلى إنكار دور الأحداث غير المتوقّعة ، و الديناميكية الفعليّة للتطوّر ، هناك مشكل أكبر حتّى . آجيث غير قادر على فهم ، على سبر غور الدور الديناميكي لوعي البشر ، المتجذّر فى العلاقة بين الحرّية و الضرورية ( نقطة سنعود إليها بعد قليل ). نظرته للحتميّة تشبه كثيرا جدّا نظرته للبروليتاريا و ظروفها الماديّة : السير الحتمي للنظام سيجعل البروليتاريين يتحوّلون إلى عوامل واعية للثورة الشيوعية .
الديناميكية الحقيقية للتاريخ و النظرات الخاطئة صلب الحركة الشيوعية :
و بالرغم من أنّ آجيث يعارض بشدّة حجّة أنّ التيولوجيا قد أثّرت فى حجج ماركس و قادة آخرون ، يدّعى أنّه دون حتميّة " ماذا يبقى من المادية التاريخية ؟ "
لقد ساهم التفكير الحتمي و الميكانيكي بأشكال مختلفة ، وهو يبحث عن " حركة نموذجية " ، فى أخطاء ذات دلالة فى الحركة الشيوعية عند تحليل الأحداث و تيّارات التطوّر . (129)
فى الصين ، كانت هذه النزعات ممثّلة خاصة بحجّة لين بياو أنّ " فكر ماو تسى تونغ هو ماركسية – لينينية العصر الذى تتجه فيه الإمبريالية إلى إنهيارها التام و تتقدّم فيه الإشتراكية نحو الإنتصار عبر العالم " (130). كانت هذه نظرة مشوّهة للديناميكية التى يعمل وفقها النظام الإمبريالي العالمي . و صارت التيّارات الجزئيّة لتلك الفترة مطلقة و تحوّلت إلى السير الحتمي لتاريخ العالم .
و كانت لهذه النظريّات تبعات ضارة على الحركة الماويّة عالميّا . و لم يكن ماو ذاته بمنأى تماما من هذه النزعات ، لكنه بصورة متصاعدة قد واجه التناقضات المعنيّة فى التقدّم بالثورة فى ظلّ الإشتراكية ، و كان توجّهه هو التعويل أكثر على الماديّة و مساءلة بعض " الأحكام الموروثة " عن الحركة الشيوعية . أمّا آجيث فمضى فى الإتجاه المعاكس حيث لا يعيد إحياء الكثير من المضمون الخاص للتفكير القومي و الخادم للذات و الآمل للين بياو فحسب و إنّما يشدّد أيضا على " الحتمية " المرتبطة بنظرة لين بياو .
لقد أنجزأفاكيان حفريّات و بناء على الإختراق العلمي لماركس بتشخيص التيّارات الثانوية التى يمكن أن توجد كذلك فى كتابات ماركس و لينين و ماو و النضال ضدّها . وفى حين أنّ هذه الأخطاء ثانوية فى تفكير القادة العظام للبروليتاريا العالمية و كتاباتهم ، فإنّ هذه النزعات الثانوية فى صفوف الحركة الشيوعية تاريخيّا تضخّمت أهمّيتها و تضخّم مداها بما يهدّد بتعويض الأساس المادي العلمي للماركسية ذاتها .
وحده القدّيس يرفض تفحّص " المبادئ الأساسيّة " لعقيدته و لا يفاجأ و لا يصدم أو يشعر بإهانة مطبّق لعلم حقيقي و حيوي لمّا يتمّ لاحقا إستبعاد خطإ ( حتّى خطإ هام ). عمليّا ، بمفاهيم مثل " ملايين السنوات من حركة المادة " تقود إلى الشيوعية و الميل اليائس لآجيث نحو الحتمية ، " لن يبقى الكثير من المادية التاريخية ".
لا يعير آجيث إنتباها للأمثلة البارزة من التيولوجية فى الحركة الشيوعية المعاصرة لأنّه ، فى الواقع ، يشاطرها قدرا كبيرا من تصوّره هو. مشكلته الحقيقيّة ليست أنّ أفاكيان قد نسب خطأ بعض" التيولوجيا " إلى ماركس و إنجلز ، بل أنّ نظرته الخاصة للعالم تعتمد بقوّة على الإيمان ب " الحتمية " .
فى التاريخ ، ثمّة قوانين نزعات كامنة . و من أعظم المكاسب التى حقّقها ماركس تشخيص التناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج بإعتباره المحرّك للتطوّر الإجتماعي . و يفعل هذا التناقض فعله بواسطة مظاهر و تناقضات مختلفة فى المجتمع و صراعات طبقيّة و قضايا إيديولوجية و أزمات و حروب إلخ ، ما يتداخل و يمكن أن يسرّع أو يعرقل السير العام للتناقض الجوهري للعصر البرجوازي : بين الإنتاج الإجتماعي و التملّك الخاص .
عوض النظر فى السيرورات و الهياكل الماديّة التى تعطى للتاريخ الترابط المنطقي الذى تحدّث عنه ماركس ، يبحث " عنصر الحتمية " لدى آجيث عن فرض هدف و معنى للسيرورة التاريخية ( التعريف نفسه للتيولوجيا الذى ينكره آجيث ) و يرى البروليتاريا كنتاج و عامل حتمي له .
بالإمكان تشخيص إمكانية الثورة تشخيصا علميّا و يجب التعرّف على التيّارات و على هذا الأساس يحتاج النضال الثوري لأن يتطوّر و يقاد . و مع ذلك ، لا يمكن لأحد أن يقول بشكل مؤكّد كيف و حتى إذا ما ستكون أية إمكانية خاصة محيّنة فى مجتمع معيّن أو حتّى على النطاق العالمي . و لاحظوا أنّ ماركس وإنجلز نفسهما كتبا عن كيف أنّ الصراع الطبقي قد أفرز أحيانا التدمير المتبادل للطبقات المتنازعة . (131)
الحرّية و الضرورة و تغيير الضرورة :
و قد طوّر أفاكيان أكثر الفهم الماركسي للعلاقة بين الحرّية و الضرورة . فالحرّية تمكن ليس فى غياب الضرورة بل فى الإعتراف بالضرورة و فهمها و تغييرها من خلال النشاط الإنساني الواعي ، عبر النضال .
و تحيل الضرورة على الظروف و القيود الكامنة فى كلّ من الطبيعة و المجتمع ، و التى تضع حدودا فى زمن معطى لما يقدر الناس على فعله و كيف . و الناس مضطرّون للردّ على الضرورة . فى المجتمع الرأسمالي ، مثلا ، بالنسبة للغالبيّة الغالبة من الناس ، لأجل الحياة عليهم أن يعملوا – و عليهم أن يعملوا و يجدوا العمل فى إقتصاد يسير على أساس الملكيّة الخاصة و وفق ما يمليه الربح . و الإلتزامات التى توجد بين الناس تجاه بعضهم البعض و تجاه أطفالهم و المجتمع هي شكل آخر من الضرورة . و الأنظمة البيئيّة (و الأزمات البيئيّة ) للكوكب تملى حدودا معيّنة على كيف يمكن أن يحيا الناس و يعيلوا أنفسهم .
و تحيل الحرّية رئيسيّا على قدرة الناس ومداهم ، كأفراد و أيضا و أكثر حيويّة إجتماعيا و جماعيّا ، على الفعل و إدخال تغيير على المجتمع و الطبيعة . هذه هي الحرّية الإيجابية . و هناك أيضا الحرّية السلبيّة للقدرة على إتباع الميولات الفرديّة دون التداخل مع المؤسسات الإجتماعية ، شرط أن لا يضرّ إتباع هذه الميولات بأشخاص آخرين أو بالمجتمع بصفة أعمّ .
لقد شدّد أفاكيان على أنّه بفهم الواقع المادي الكامن و تشخيص قنوات و مسارات التغيير الممكنة ، يمكن تحويل الضرورة إلى حرّية . القيود و الإمكانيات يشكّلان تناقضا ، وحدة أضداد ، و يوفّران أساسا لواقع يجب تغييره . و علاوة على ذلك ، أكّد أفاكيان على أنّ هذه السيرورة سيرورة مستمرّة فى حركة تشبه اللولب حيث تخلق ضرورة جديدة يجب أيضا ، بدورها ، أن يتمّ تحويلها عبر النضال إلى حرّية . وهناك شيء آخر ذى أهمّية حيويّة يبيّنه أفاكيان فى عمله " الشيوعية و ديمقراطية جيفرسون " :
" فى الوقت الحاضر لا زلنا فى عصر تاريخ إنساني أين أيّ فرد أو أيّة مجموعة يحاولان الردّ على الضرورة عليهما ليس مواجهة الضرورة بالمعنى العام ، لكن فى محاولتهم القيام بذلك ، أن يواجهوا عراقيلا تفرضها الإنقسامات الإجتماعية و الطبقية و الأفكار و النظرات المتناسبة معها .
الإختلاف الأساسي مقارنة بالمجتمع الشيوعي ليس أنّه لن يكون علينا مواجهة الضرورة ، أو أنّه لن يحدّد أي إطار – ليس من قبل الطبيعة فقط بل أيضا من قبل المجتمع – و إنّما سيقدر البشر أفرادا و خاصة جماعيّا ، على مواجهة و مقاربة تغيير هذه الضرورة دون عراقيل الإنقسامات الطبقية و العلاقات الإجتماعية الإضطهادية الأخرى و الأفكار المناسبة لها ، بما فيها الطرق التى يشوّه بها فهم الواقع من خلال موشور هذه العلاقات الإجتماعية و الطبقية العدائية ، و الأفكار و النظرات التى تتناسب معها ...
الشيوعية ترتئى و ستجسّد بُعدا جديدا تماما من الحرّية الإيجابية : مساعى الناس و فعلهم فرديّا و لكن فوق كلّ شيء بصفة مشتركة و عبر تفاعلهم المتبادل – بما فى ذلك من خلال الصراع غير العدائي – فى التغيير الجاري للمجتمع و الطبيعة ( و العلاقة بينهما ) لمتابعة الحياة المادية و الفكريّة و الثقافيّة للمجتمع ككلّ و كذلك للأفراد الذين يشكّلون المجتمع ." (132) [ التشديد فى النصّ الأصلي ]
فهم آجيث الخاطئ للحرّية و الضرورية :
آجيث غير قادر على فهم الحرّية و الضرورة بهذا النوع من الطريقة الديناميكية والجدلية و الثورية . ففهمه المختلف و الخاطئ للعلاقة بين الحرّية و الضرورة ينبع من تعليقاته على موقف شهير لإنجلز أين يشير إلى " قفزة الإنسانية من مجال الضرورة إلى مجال الحرّية " . و بينما سنرى أنّ آجيث يسجّل إتهام ماركس وإنجلز بكونهما غارقين فى تقاليد التنوير ، فإنه يعتبر أنّ أي نقد للموقف الإحادي الجانب لإنجلز حول علاقة الحرّية والضرورة ، حاملا تأثير هيغل ، بمثابة دعوة لرفع السلاح : " التهمة المنسوبة إلى ماركس و إنجلز هي أنّهما كانا ينزعان إلى تجاهل دور الضرورة فى ظلّ الشيوعية أو الإستخفاف به . و يبدو أنّ هذا المنشود وقع البتّ فيه بتفاهات عن كيف أنّ الضرورة ستتواصل فى ظلّ الشيوعية. " (133)
و يشرح آجيث قائلا :
" لمفهوم " مجال الضرورة " معنى خاص فى الماركسية . ليست الضرورة عامة ، بل هي مجال الحاجيات المادية للوجود الإنساني . عندما كتب ماركس عن المرور من مجال الضرورة إلى مجال الحرّية ، كان صريحا بشأن أنّ هذا لن يعني نهاية مجال الضرورة . المسألة هي أنّ الإنسانية لن تتحكّم فيها الضرورة بل ستتمكّن من السيطرة عليها . و بالتالي حاجيات وجودها المادية سيجرى بلوغها بأقلّ بذل للطاقة و فى ظروف مناسبة أكثر و لازمة أكثر لطبيعتها الإنسانية . و هذا بدوره سيسمح لها بتطوير قدراتها الإنسانية إلى أقصى مدى ممكن فى الظروف المعيّنة . بديهيّا ، لا وجود هنا لشيء حتى إيحاء بعيد للتحرّر من الضرورة . "
و لدعم حجّته ، يذكر آجيث المجلّد الثالث من " رأس المال " الذى كتب فيه ماركس :
" بالضبط مثلما على المتوحّش أن يصارع الطبيعة لتلبية حاجياته و للحفاظ على الحياة و التوالد ، على الإنسان المتحضذر أن يفعل الشيء نفسه ، ويجب عليه فعل ذلك فى كافة التشكيلات الإجتماعية و فى ظلّ كافة أنماط الإنتاج الممكنة . ومع التطوّر يتّسع مجال الحاجة الجسدية نتيجة لرغباته ، لكن فى نفس الوقت تنمو كذلك قوى الإنتاج التى تلبّى تلك الرغبات . الحرّية فى هذا المجال يمكن أن تتمثّل فقط فى الإنسان الإجتماعي و المنتجين المتعاونين و التعديل العقلاني للتعاطى مع الطبيعة ، جاعلين تحت سيطرتهم المشتركة عوض الوقوع تحت حكمها كما القوى العمياء للطبيعة ؛ و بالغين هذا بأقلّ التكاليف الطاقة البشرية و فى ظلّ الظروف الأكثر مواتاة و التى تستحقّها طبيعتهم الإنسانية . لكن مع ذلك سيظلّ هناك مجال للضرورة . و أبعد منه يبدأ تطوّر الطاقة الإنسانية كغاية فى حدّ ذاتها ، مجال الحرّية الحقيقيّة ، الذى لا يمكن له مع ذلك أن يزدهر إلاّ و مجال الضرورة أساس له ." (134) [ التشديد مضاف من آجيث ] .
هنا يعكس ماركس فهمه المادي التاريخي العلمي للحرّية و الضرورة الذين تواجههما الإنسانية . و مع ذلك ، لا يزال هناك تداخل ، كما يشاهد فى جملة " مجال الحرّية الحقيقية " و " جعلها [ الطبيعة ] تحت السيطرة المشتركة [ للإنسانية ] ". و هذا المشكل هو ما يمثّل ربّما لا أكثر من ظلّ خطإ تفكير ماركس صار أخطر و تعزّز بفهم خاطئ ضمن الشيوعيين . و يبيّن آجيث أنّه هو نفسه ليس حرّا من هذا التفكير و ، بالفعل ، يريد أن يحتفظ بخطإ .
إنّه يعيد بلا مبالاة جملة ماركس حول الحاجة إلى " جعل الطبيعة تحت السيطرة " على ما يبدو دون أن يلاحظ التبعات الخاطئة و الضارة للتفكير و العمل كما لو أنّ الإنسانية تستطيع أبدا أن تجعل الطبيعة تحت سيطرتها . قبل كلّ شيء ، الإنسانية جزء من الطبيعة ( بالفعل ، فى مواضع أخرى يبيّن ماركس توقّعا بارزا فى نقاش العلاقة بين الإنسانية و الطبيعة ، وعرض حتّى رؤية ثاقبة بارزة لبعض المشاكل البيئيّة التى غدت بديهيّة فقط بعد عدّة أجيال ). لكن آجيث ، رغم التجربة المعاصرة و رغم نقاش واسع النطاق لتدهورالبيئة والأنظمة البيئيّة ، سعيد لتكرار الفهم الماركسي الذى كان ينزع نحو رؤية الإنسانية تتحرّك من وضع تبعيّة للطبيعة إلى وضع سيطرة عليها وإستعمالها .
الفهم الأصحّ هو أنّ الإنسانية يجب دائما أن تعدّل بأكثر وعي أبدا الترابط بين المجتمع الإنساني و الطبيعة ، و أن تستوعب بشكل أعمق قوانين العالم الطبيعي و حركته – ليس أقلّه أزمة الأنظمة البيئيّة للكوكب . و قد شدّد أفاكيان على الحاجة لأن يكون محرّرو الإنسانية أيضا محافظين على الكوكب .
و هذه الرؤية الخاطئة نفسها نراها كذلك عندما يقول آجيث إنّ " لمجال الضرورة معنى خاص لدى الماركسيين " ، ما يحيل فقط على " مجال الحاجيات المادية للوجود الإنساني ". و هذا فلسفيّا غير ثابت فالحاجيات المادية هي فقط مجموعة فرعيّة ضمن النطاق الكامل للضرورة فى الطبيعة و المجتمع . و إضافة إلى ذلك ، يغذّى هذا التعريف الغالط للضرورة النظرات البراغماتية و الإقتصادوية التى عانت منها الحركة الشيوعية . و فى الواقع ، دراسة تجربة المجتمعات الإشتراكية الأولى تكشف أهمّية الحاجة إلى توسيع آفاق الجماهير ( و قيادتها ) لأبعد من مجرّد تلبية الحاجيات المادية للإنسانية ، على أنّ ذلك يبقى مهمّا .
و نظرة عن كثب لمختلف فقرات ماركس وإنجلز و خاصة الفقرة المقتبسة من " ضد دوهرينغ " التى لطالما إعتبرت عرضا له نفوذه بالنسبة للنظرة الماركسية بشأن الحرّية و الضرورة ، يبيّن أنّ آجيث يخطئ فى عرضه لتفكير ماركس و إنجلز .
كتب إنجلز فى " ضد دوهرينغ " :
" إنّ ظروف الحياة المحيطة بالناس و المسيطرة عليهم حتى الآن تقع حاليّا تحت سلطة و رقابة الناس الذين يصبحون لأول مرّة سادة فعليين ، و واعين ، للطبيعة لأنهم يصبحون أسيادا لتوحيدهم الذاتى فى المجتمع . إنّ قوانين أفعال الناس الإجتماعية التى كانت تواجههم حتى الآن بوصفها قوانين للطبيعة غريبة و مسيطرة عليهم سوف تطبق من قبلهم بمعرفة كاملة بالأمور ، و بالتالى فهي ستخضع لسيطرتهم . " (135) ( التشديد مضاف )
ليس إنجلز بصدد حديث عن " الحاجيات المادية للوجود الإنساني " المباشرة ، مثلما يؤكّد على ذلك آجيث ، و إنّما هو صاغ موقفا أوسع و أعمّ حول الضرورة . و هذا جلي ، مثلا ، فى إحالة إنجلز على " قوانين أفعال الناس الإجتماعية " و يحاجج إنجلز :
" إنّ توحيد الناس فى المجتمع والذى كان حتّى الآن يواجههم بوصفه توحيدا مفروضا من الأعلى ، من قبل الطبيعة و التاريخ ، يغدو الآن قضيّة حرّة خاصة بهم . وتخضع لرقابة الناس أنفسهم القوى الموضوعية الغريبة التى كانت تسيطر على التاريخ من قبل . و منذ هذه اللحظة فقط يبدأ الناس بخلق تاريخهم بأنفسهم و بوعي تام ، و آنذاك فقط فإنّ الأسباب الإجتماعية التى يحركونها ستسفر بالقدرالغالب و المتزايد دوما عن النتائج التى ينشدونها . و تلك هي طفرة البشريّة من ملكوت الضرورة إلى ملكوت الحرية " . ( 136 ) ( التشديد مضاف )

قفزة لكن ليس إلى حرّية مطلقة :
هذه الفقرة لإنجلز لطالما كانت مستحسنة لوصفها الشامل للتغيير الهائل الذى ستبلغه الإنسانية بإلغاء الإنقسامات الطبقيّة و التناقضات العدائية و التنظيم الواعي للذات عن وعي لتغيير الظروف الخاصة للوجود و علاقتها ببقيّة الطبيعة . و سيعنى هذا ، كما أكّد إنجلز ، قفزة للإنسانية إلى حرّية أكبر نوعيّا ممّا هو الحال فى ظلّ المجتمع المنقسم طبقيّا .
و مع ذلك ، ليست هذه القفزة قفزة مطلقة إلى الحرّية كما يمكن أن يعني المقتطف الشهير لإنجلز . و لا يمكن أن يكون هناك تصالح و حلّ لكافة تناقضات التاريخ . سيتواصل وجود الضرورة – الضرورة نفسها ستتغيّر بإستمرار ، و بالنسبة للإنسانية ستوجد على الدوام تحدّيات و قيود جديدة ، و كذلك إمكانيّات و مسارات جديدة .
و لن تكون الإنسانية أبدا قادرة على أن تصنع تاريخها الخاص " بوعي تام " . ستتخلف المعرفة دائما وراء الواقع . ستأتى التناقضات بين الضرورة و الصدفة بتدخّل عناصر غير متوقّعة جديدة .ستوجد على الدوام عناصر اللاحتميّة فى هيكلة الواقع إلى جانب عناصر حتمية تعمل من خلال القوانين السببيّة . إن لم يقع فهم القفزة إلى الشيوعية على هذا النحو ، هناك تيّار قويّ لرؤية الشيوعية على أنّها " نهاية التاريخ " .
وكتب إنجلز كذلك أنّ ماركس " لم يركّز مطالبه الشيوعية أبدا على [ هذا المبدأ الأخلاقي ] بل على التداعي الحتمي لنمط الإنتاج الرأسمالي ، الذى يحدث يوميّا امام أعيننا إلى درجة أكبر فأكبر " (137). و آجيث يتعامى عن ضعف نقاش إنجلز للحرّية و الضرورة لأنّه يوفّر رفاها لمفهوم ثابت للحتمية التى يعشقها آجيث لأنّه يبحث على " سيطرة تامة " على الطبيعة هي فى الواقع غير ممكنة أبدا ، و لأنّه لا يفهم دور التغيير فى ولادة الحرّية من الضرورة ما يؤدّى على الدوام ، فى ما يشبه اللولب ، إلى ضرورة جديدة . يقول آجيث إنّ نقاش أفاكيان لهذه النقاط لا يمثّل شيئا سوى " تفاهات عن تواصل وجود الضرورة فى الشيوعية " لكن عدم الإقرار بما يسخر منه آجيث على أنّه " تفاهات " تواصلة وجود التناقضات فى ظلّ الشيوعية ، كان بالفعل مشكلا كبيرا وسط الحركة الشيوعية . لقد وُجدت لمدّة زمنيّة طويلة نظرة شبه دينيّة للشيوعية على أنّها جنّة بلا تناقضات ، التوافق النهائي فى تناقضات التاريخ الإنساني ( أو حتّى ، كما رأينا فى الإستشهاد السابق بغنزالو ، نهاية " 15 بليون سنة من المادة فى حركة " ).
آجيث " الماوي " ( أحيانا ) يجهل واقع أنّ ماو نفسه هو الذى شرع فى نقد صيغة إنجلز حول الحرّية و الضرورة ( و قد أشار ماو إلى أنّها " تعبّر فقط عن النصف و تصمت عن الباقى " ، مشدّدا على أنّ الحرّية تكمن ليس فحسب فى " فهم " الضرورة بل أيضا فى " تغييرها " .(138) و أدرك أفاكيان أهمّية ملاحظة ماو النقدية التى إختار الكثيرون تجاهلها ( بمن فيهم كما نلمس حتّى آجيث إلى اليوم ) و قد طوّر هذا الفهم المادي الجدلي للعلاقة بين الحرّية و الضرورة و تغيير الضرورة . (139)
و فعلا هذا الفهم للحرّية و الضرورة متّصل بتشديد الخلاصة الجديدة لأفاكيان على الأساس العلمي للدور الديناميكي للناس . و هذا الدور الثوري الواعي للناس لا يصدر عن الإرادوية ، إنحراف مع السلطة أو عن موهبة ربّانية من الموقع الطبقي ، أو " الحتميّة التاريخية " ، بل عن الإقرار التام بأنّ المسار الممكن و المواتى للتطوّر ( بلوغ الشيوعية ) متجذّر فى الظروف الماديّة ، لكن لا وجود لمسار وحيد حتمي : لنستعمل كلمات أفاكيان مجدّدا : " يجب إختراقه " (140)
لا جبريّة فى الثورة :
كتب آجيث :
" يتضمّن حلّ التناقضات الإجتماعية حتمية . مثلا ، ثورة إشتراكية ( أو ديمقراطية جديدة ) حتمية لحلّ التناقض بين البروليتارايا والبرجوازية . و إذا تواصل وجود الإنسانية ، فإنّ التناقضات الأساسية للإمبريالية سيتواصل حتما إحتدادها و تولد تمرّدات و أحزاب شيوعية و ثورات تقودها . " (141)
هنا يقوم آجيث بكلّ من إعادة تعريف المفهوم الواضح بالأحرى ل " حتمية " و مرّة أخرى يخلط بين الضرورة و الحتمية . الثورة الشيوعية ضروريّة لمعالجة تناقضات الرأسمالية لكنّها ليست حتمية . هناك تناقضات موضوعيّة و ماديّة و علاقات يوفّر حلّها بشكل خاص و بالضرورة أساسا و يستدعى ثورة شيوعية . لكن لا وجود لقوّة فلسفيّة حتمية أو سيرورة تعنى أنّ الثورة ستحدث حتما . لا وجود ل" جبريّة " فى الثورة .
تدفهع تناقضات الواقع المادي الموضوعي العوامل و الطبقات الإجتماعية إلى الحركة . وسيواصل الرأسماليّون الإستغلال على نطاق أوسع أبدا ، و ستضطرّ البروليتاريا إلى بيع قوّة عملها و إلى أن يتمّ إستغلالها ، و ستخلق هذه السيرورة و تعزّز جملة من الأمراض الإجتماعية الأخرى ، وكلّ هذا سيؤدى إلى صعوبات كبرى و مقاومة و صراع و تمرّد . ومع ذلك النقطة هي أنّ هذه الظروف تشكّل قاعدة للثورة الشيوعية كمسار ممكن لمعالجة التناقضات الإجتماعية المعقّدة . هذا بالتأكيد المخرج الأقصى المرغوب فيه و الذى تحتاجه جدّا الإنسانية ، لكن هناك مسارات أخرى مرغوبة أقلّ مثل ما حدث فى جنوب أفريقيا أين إنتهى نظام الأبرتايد [ الميز العنصريّ ] لكن مجتمعا تحرّريّا لم يحلّ محلّه ؛ أو حتّى مسارات فظيعة على غرار ما حدث إثر ثورة 1979 فى إيران التى أطاحت بالشاه المقيت و عزّزت نظاما إسلاميّا شبيه بالقرون الوسطى . يعزّز هذا الفهم المادي قدرتنا على القتال للتقدّم بالثورة الشيوعية كمخرج ضروري و مرغوب فيه و ممكن .
و على أساس نفس الظروف الموضوعيّة ، أي ، الضرورة ، ستتصادم الطبقات و ستتطوّر عوامل متنوّعة و فهوم متنافسة و برامج وتنظيمات و حلول سياسيّة . و مع ذلك ، للردّ على المثال المضطرب لآجيث ، ليس قطعا من الحتمي أن يتشكّل حزب شيوعي ، و ليس قطعا من الحتمي أن تساهم ثورة معيّنة عمليّا فى معالجة هذه الظروف ( أنظروا إيران سنة 1979 ) و نهائيّا ليس من الحتمي أن تبلغ الإنسانية ككلّ الشيوعية و بالتأكيد أكثر ليس فى إستقلال عن الوعي والنشاط الثوريين الذين يقودهما حزب طليعي يستند إلى فهم علمي لكيف هو العالم و كيف يمكن أن يكون .
كيف نفهم القوانين التاريخية ؟
كشف آخر لنقص فهم آجيث للمادية التاريخية التى لا يراها كعلم بل كنظام بديهي مغلق يتمثّل فى معالجته لقوانين التاريخ . ينقد أفاكيان بسبب " إلغائه لمقدّمات المادية التاريخية قد تركّز بعد فى حديثه عن " نزعة " عوض عن " قوانين " التشكيلات الإجتماعية و غيّرها التاريخي ." بالنسبة لآجيث ، تتطلّب المادية التاريخية الحتمية ، و قوانينا مصفّحة ، دونها بالفعل " لا يبقى شيء " من المادية التاريخية . " القوانين " حسب آجيث حتمية تماما و خطّية .
ومع ذلك ، لا تقيم الماركسية جدارا بين " النزعة " و " القانون " فمثلا ، كان ماركس واضحا تماما فى تصويره لسقوط نسبة الربح على أنّها " قانون نزعة " ، بكلمات أخرى ، موضع تعديلات و تيّارات معارضة . و يتوقّع آجيث هذا الإعتراض ويحاول أن يستبق النقد بهامش : " يمكن أن يحاجج بأنّه [ أفاكيان ] له مبّرراته فى إستعمال هذا المصطلح بما أنّه القوانين نزعة . لكن هذا صحيح بشأن كافة القوانين ، وهو صحيح حتى أكثر فى حال القوانين الإجتماعية " .
المشكل ليس إذا كان أفاكيان يستعمل كلمة " نزعة " أو " قانون " ، المشكل هو كيف يفهم آجيث مفهوم القانون ذاته ، فى كلّ من العلوم الطبيعية و كذلك فى العلوم الإجتماعية و خاصة الماركسية . لقد عانت طويلا الفلسفة و العلوم من مفهوم ميتافيزيقي للقانون يشمل علاقات سببيّة صارمة ، ما يشبه فهم آجيث " النظامي و الصريح و المنطقي " للعالم .
و تاريخيّا، هذا الفهم للقانون عادة ما إرتبط بالفهم الديني لكمال الإلاه كمصدر للمعرفة والغاية و الهدف . هذا إفتراض كامن فى التفكير المثالي . حتّى حين رفض العلماء ميتافيزيقا التيولوجيا ، ظلّ الكثيرون أسرى نظام يرتأى على أنّه كامل فى الطبيعة و أسرى فكرة أنّ كلّ شيء محدّد بعلاقات سببيّة صارمة . لقد إعتقد الماديّون الميكانيكيّون أنّه إن كانت لديك معرفة مناسبة و دقيقة للظروف الأوّلية ، سيكون من الممكن توقّع الأحداث المستقبليّة بمنتهى الدقّة . طبعا ، كانوا على علم بأنّ ذلك سيكون مستحيلا فى الممارسة العمليّة جراء حدود المعرفة الإنسانية – لكن فى هذه الرؤية الصدفة و العشوائية و اللاحتمية والأحداث غير المتوقّعة إلخ تعزى فقط إلى عدم كفاية فى المعرفة و ليست جزءا من طبيعة الواقع نفسه. (142) و كانت الحركة الشيوعية إلى درجة هامة متأثّرة تأثّرا كبيرا بهذا الفهم .
و علاوة على ذلك ، عند النظر لكيفيّة وضع آجيث " القانون " إلى جانب " النزعة " ، نحتاج إلى أن نلاحظ أنّ القوانين تعنى تناقضات . فحتّى القوانين الأكثر تحديدا تعنى ( و يمكن حتّى أن تفرز ) عدم القدرة على التوقّع . و العكس صحيح أيضا : " عدم التأكّد " يمكن أن يستخدم لوصف سلوك " قانوني " جدّا . فمثلا ، مبدا عدم التأكّد لدى أيزنبارغ فى الفيزياء يمكن أن يقود إلى توقّعات وحسابات دقيقة . و نظرة آجيث للقانون تفترض أنّه يسير فى سلسلة محكمة من علاقات السبب - النتيجة ما تنتج عنه حركة و حتمية . بهذا التفكير ، سيخطأ المرء إن بحث عن تفسير لظاهرة معقّدة بسلسلة لا تنفصل من الأسباب على أساس المستوى الأكثر أساسية و / أو مكوّنات الواقع . إنّ حتمية آجيث لا يمكن أن تخفي واقع أنّه لا يفعل سوى تكرار تأكيد غنزالو الأكثر مباشرة بأنّ " 15 بليون سنة من المادة فى حركة ... قد أفرزت المسيرة التى لا تقاوم نحو الشيوعية " .
فى الواقع ، فى الفروع الكبرى من العلم الأحداث غير المتوقّعة والصدفة معا مع القانون المحدّد لها دور تام - مبدأ عدم التأكّد فى الفيزياء ، الإحتمالات و الموجات الحتمية و الخلاصة المعاصرة لنظريّة التطوّر الداروينية يعترفون بدور المسارات و القيود الممكنة و دور الطوارئ . إنّ الإعتراف ب " الطوارئ و الأحداث غير المتوقّعة " لا ينكر تماسك هذه الفروع من العلم و صرامتها و قدرتها التفسيرية .
لنأخذ حدثا ضخما مثل الحرب العالمية الأولى . فقد نجمت عن تناقضات عميقة فى النظام الإمبريالي . لكن كيف و متى إندلعت – و الحدث الخاص القادح ، إغتيال الأرشيدوق فرديناند سربيا فى أوت 1914 – كان مرتبطا بعدّة عوامل طارئة و حوادث غير متوقّعة .
إنّ وجود إمكانية مسارات سيرورة تاريخية و النتيجة الفعلية لهذه السيرورة كنتاج مسار خاص هو حصيلة تفاعل بين الصدفة و الضرورة – و الدور الديناميكي لعامل الوعي الإنساني و التفاعل بين مختلف القوى الطبقية .
ما لا يمكن أن يراه آجيث هو أنّ المادية الجدلية و التاريخية " تظلّ " فى حين أنّ التيولوجيا و الحتمية تستبعد عن حقّ من الماركسية . يريد آجيث تعزية الحتمية . يريد من الماركسية أن تكون دينا .

















VIII - آجيث يجد نفسه بصحبة ما بعد الحداثة و الدين :
لقد ناقشنا ما هو العلم و ماذا تعنى المقاربة العلمية : التعلّم من أسباب ظاهرة ، لماذا تحدث الأشياء و كيف تتطوّر ، و البحث عن هذه الأسباب فى العالم المادي – و تقديم شروح ترتهن صلوحيتها بالإختبار ، و التحقّق و الدليل / و الدحض .
و مهاجمة آجيث لأفاكيان بسبب العلماويّة والعقلانية مرتبط بتقييم آجيث السلبي الإحادي الجانب للتنوير . و بالفعل ، مجمل جهود آجيث لتشييد "ماوية " منفصلة عن أسسها العلمية تؤدّى به إلى إستهداف التنوير.
تقييم أفاكيان الجدلي للتنوير :
لقد شخّص أفاكيان أهمّية تقييم تنوير القرن الثان عشر و الجدال الدائر حوله . و يمثّل التنوير ظهور و تعزيز الإيديولوجيا و التفكير المتناسبين مع الحقبة المعاصرة و نمط الإنتاج الرأسمالي كما ظهر فى أوروربا خاصة فى القرن الثامن عشر . فى العقود الأخيرة وُجد نقاش شديد حول طبيعة التنوير و نقائصه . و بوجه خاص ، وُجدت تحدّيات شديدة ل" إيديولوجيا التنوير " صادرة عن كلّ من هجمات نامية متنوّعة و رجعية دينية على العقل و العلم ، و عن تيّار متنوّع و واسع عموما يشار إليه ب " ما بعد الحداثة " – و سنجد أنّ آجيث مرتاح بصحبتهما معا .
فى بحث هام ،" الماركسية و التنوير " ، كتب أفاكيان :
" هناك تيّارات متنوّعة من التفكير الإمبريالي و الرجعي المتّصل بالتنوير . هناك نوعا ما من الهجوم الشامل على التنوير ، من الأصوليين الدينيين و الظلاميين ، بمن فيهم " اليمين الديني " فى الولايات المتحدة ، الذين يعتبرون التنوير – و بوجه خاص مفهوم التعويل على العلم و العقل بدلا من المفاهيم الدينية الظلامية ، كأساس للإيديولوجيا والسياسة – على أنّه بزوغ عصر الشيطان ، إن أمكن القول . هذا من جهة ... و من الجهة الأخرى ، هناك تيّار محدّد فى التفكير البرجوازي الليبرالي لرؤية التنوير ( و ما تعدّ نتائجا له ) كأداة " إيجابية " للإستعمار و للهيمنة الإمبريالية تبحث عن إعادة صياغة العالم بأسره على صورة الديمقراطية البرجوازية ...
توافق الماركسية على أنّ مظهر التنوير الذى يقول إنّ العالم قابل للمعرفة و إنّ الناس ينبغى أن يبحثوا عن فهم العالم ( أو الواقع عامة ) فى كلّ تعقيداته ، وعلى أنّه يتعيّن عليهم أن يفعلوا ذلك بواسطة مناهج علمية ... إنّه عقيدة و مقدّمة من المقدّمات الأساسية للتنوير أنّه يتعيّن على الناس أن يبحثوا عن فهم العالم بواسطة مناهج علمية و هذا سبب رئيسي للهجوم الذى كان يتعرّض له التنوير – و اليوم أيضا يتعرّض للهجوم – من قبل الظلاميين و التيّارات الرجعيّة الأخرى . هذا مظهر التنوير الذى تتّفق معه الماركسية بالمعنى العام .
و ما لا تتّفق معه قبل كلّ شيء هو مفهوم ( للتذكير بنوع من السخرية بالإستشهاد بالإنجيل ) " يجب أن تعلم الحقيقة و الحقيقة ستجعلك حرّا ". هذا غير صحيح ، فى آخر التحليل . بادئ ذى بدء ، ما يوجد فى الإنجيل ليس صحيحا . ولكن حتّى إن كان صحيحا ، فإنّ مجرّد معرفة ما هو صحيح و التفكير فى أنّه بحدّ ذاته " سيجعلك حرّا " هو شكل من العقلانية ( من المثالية ) ؛ إنّه يمضى مع فكرة أنّ العلم سيعيد تشكيل العالم بمجرّد قوّة " حقائقه " ...
لذا هذه طريقة هامة ، فلسفيّا ، تختلف بها الماركسيّة عن لبّ تفكير التنوير . و فى نفس الوقت ، طبعا ، سياسيّا ، تعارض البروليتاريا الثوريّة و تمثّل قطيعة راديكاليّة مع نظام الحكم السياسي البرجوازي الذى يتناسب أساسا مع التنوير. و بصفة أخصّ ، نعارض إستعمال التنوير و التقدّم العلمي و التكنولوجي المرتبط به ، كوسيلة لتبرير الإستعمار و الهيمنة الإمبريالية ، بإسم " عبء الرجل الأبيض " أو المدّعى " المهمّة التحضيريّة " للنظام الإمبريالي " الأكثر تنويرا و تقدّما " و ما إلى ذلك . هذه طريقة أخرى نختلف فيها ، بعمق ، فى على الأقلّ أهمّ مظاهر كيف وقع تطبيق التنوير( و الأشياء المرتبطة به). (143)
مقاربة أفاكيان للتنوير و هذا المقال الأساسي بوجه خاص ، يجعل آجيث يجنّ فينكر ما يحاجج أفاكيان من أجله فعلا و يشوّهه و ، الأهمّ ، يكشف نظرته هو و موقفه هو فى النقاش حول التنوير فهو يجد نفسه بصحبة باعثة على الإضطراب ، صحبة المتزمّتين الدينيين الرجعيين و تيّارات ما بعد الحداثة .
هجوم آجيث على التنوير و تشويهه لوجهات نظر أفاكيان :
لننظر فى تلخيص آجيث الأكثر إقتضابا لوجهات نظره التى يردّ فيها مباشرة على مقتطف من فقرات أفاكيان التى مر بنا للتوّ ذكرها :
" اليوم ، مقارنة حتى بزمن ماو ، بتنا أغنى بوعي جديد للجوهر المتناقض للتنوير و وعيه العلمي . و قدّمت التيارات ما بعد – المعاصرة مساهمات هامة فى هذا الصدد . و لو أنّ نسبيتها قادتها إلى نبذ غير تاريخي للتنوير و العصرنة ، فإنّ الأفكار الثاقبة النقدية التى تتقدّم بها يجب على الماركسية أن تلخصها . و مساهمات منظّري مدرسة فرانكفورت هي كذلك يجب أن يعترف بها . و ضرورة تمييز المظهر التحرّري للتنوير عن إنحنائه البرجوازي ، و طبيعة الدفعة الشديدة الإستعمارية درس هام علينا إستخلاصه . و فضلا عن هذا فإنّ الوعي العلمي ذاته يجب أن ينقد لأجل فصل مضمونه العقلاني عن تأثير قيم التنوير التى نراها فيه ...
بعيدا عن معالجة التفكير الجديد الذى يوجه الإنتباه إلى المشاكل الكامنة فى التنوير و الوعي العلمي المعاصر ، كلّ ما يتحدّث عنه هو كيفية " إعتبارها " و " إستعمالها " من قبل الإمبريالية . و ينمّ هذا عن أنّ المشكل مع عدم الفهم و سوء الإستعمال . و مثل هذا التفكير خطوة إلى الوراء نسبة للتقدّم النظري الحاصل فى هذا الموضوع . (144)
مراعاة لتقييم آجيث المصرّح به أعلاه بصدد ما بعد الحداثة ، لنحاول أن " نفكّك " قليلا تفكيره المتشابك.
إنّه لواضح تماما عندما نقرأ كامل مقطع أفاكيان أعلاه ( الذى يحاول آجيث تشويهه ) أنّ أفاكيان يلفت النظر عمليّا إلى التناقضات الحادة فى إرث التنوير . و يشير بوجه خاص إلى بعض الطرق التى بها " تختلف الماركسية عن لبّ تفكير التنوير " . و فى نقده للعقلانيّة أعلاه ، يجلب أفاكيان النظر إلى واقع أنّ الصراع ليس منحصرا فى مجال ما هو صحيح و ما هو خاطئ فى جملة أفكار معيّنة . لا يمكن للتناقضات الطبقية و الحكم الطبقي أن يتمّ إخفاؤهما بإسم الحقيقة العلمية و التقدّم العلمي ، مثلما يحاجج مدّاحو الإمبريالية و الرأسمالية و الديمقراطية البرجوازية .
خطر أخطاء آجيث فى علاقة بالتنوير يزن بثقله على الصراع السياسي والطبقي ، مثلما صار بديهيّا فى الصراع اليوم فى عديد أنحاء العالم ضد فكر الخلق و هجوم الأصوليّة الدينية على العلم – و يتداخل مع صراعات أخرى ن خاصة ضد إستعباد النساء .
فى أعمال أخرى عالج أفاكيان هذه المواضيع بالتفصيل ، بما فيها كتابه المجدّد المنشور سنة 1984) " الديمقراطية : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " الذى عالج مطوّلا الحجج و المقدّمات الفلسفيّة و السياسيّة لأهمّ مفكّري التنوير مثل لوك و روسو و ميل . و بعيدا عن أن يبرّر " قيم التنوير " كما يتّهمه آجيث ، يبيّن أفاكيان كيف أنّ الكثير من المقدّمات الأكثر تقديسا اليوم ، بما فيها " الديمقراطية " ذاتها ، غير منفصلة عن المجتمع المنقسم طبقيّا بأشكاله المعاصرة من الإضطهاد والإستغلال فى أوروربا و عبر العالم .
فى كتابه و فى مؤلّفاته عموما ، يجلب أفاكيان الإنتباه إلى و يتقدّم على أساس القطيعة الجوهرية و القفزة التى أنجزها ماركس مع الآفاق المحدودة للتنوير ، التى كانت وثيقة الإرتباط بظهور نمط الإنتاج الرأسمالي . (145)
و يتجرّأ آجيث على إتّهام أفاكيان بالإخفاق فى " التمييز بين المظهر التحرّري للتنوير و طبيعته البارزة البرجوازية الإستعمارية " فى الواقع ، عبر كتاباته لعدّة عقود ، أكّد أفاكيان على إمكانية معرفة العالم ( وهو وثيق الإرتباط بإمكانية تغيير العالم بواسطة الثورة ) من خلال تطبيق المقاربة العلمية التى كسبت الغلبة مع صعود نمط الإنتاج الرأسمالي و تعزيزه . لكن المسألة لم تكن أبدا القبول بهيمنة البلدان الرأسمالية – الإمبريالية التى نشأ فيها نمط الإنتاج هذا . فمثلا فى مقال فى 2000 ، كتب أفاكيان :
" و يؤكّد هذا مرّة أخرى حاجتنا إلى إمتلاك مقاربة صحيحة للتنوير – أن نقسم بشكل صحيح إلى إثنين التنوير و القيم و التقاليد المرتبطة به – للإتحاد مع ذلك المظهر من التنوير الذى يقول إنّ العالم قابل المعرفة ، و إنّ الناس يجب أن يبحثوا عن فهم العالم ( و الواقع عامة ) فى كلّ تعقيداته و إنّه يجب أن يقوموا بذلك بمناهج علمية ، بينما يعارضوا المفهوم المثالي بأنّ مجرّد إتخاذ مقاربة عقلية ( أو عقلانية ) للعالم سيؤدّى هو نفسه إلى مجتمع عادل ، و يعارضوا بصرامة إعلان تفوّق المجتمع البرجوازي الليبرالي لتبرير الهيمنة و النهب الإمبرياليين عبر العالم ، و عبر العالم الثالث على وجه الخصوص .
يحاجج هذا " الخطّ العالمي " ل" الليبرالية " الإمبريالية هذه الأيّام ( و الذى يمكن شرعيّا و على نحو عادل وصفه بأنّه تحديث ل " عبء الرجل الأبيض " ) من أجل " حقوق الإنسان " فوق حتّى " الحقوق القومية " – إنّه يعلن " حقوق الإنسان " على انّها ذات صلوحيّة " عالمية تتجاوز و " تتخطى" ( كما يرغبون فى القول ) حتى السيادة القومية والمبادئ المرتبطة بها . إنّه نوع من " كونيّة الإمبريالية " ... ( 146).
عن موقف ماركس تجاه الحكم البريطاني فى الهند :
كان من الضروري دحض تشويهات آجيث السخيفة لأفاكيان على أنّه مدّاح من مدّاحي الإمبريالية . لكنّ آجيث يضغط كذلك فى هجومه على التنوير وعلى الماركسية كعلم بتحويل نقده فى مقال" ضد الأفاكيانية" إلى ماركس و معالجته للإستعمار البريطاني و الهند:
" بعض كتابات ماركس و إنجلز قد عرضت تأثير تنوير المركزية الأوروبية[ هكذا ] . و هذا لا يمكن أن يعزى بالتمام إلى قلّة المعلومات التى كانت لديهم عن هذه المجتمعات . يمكن مثلا تلمّس ذلك فى كتاباتهم عن الهند . "( 147)
يحاجج آجيث بأنّ هناك نظرة مركزية أوروبيّة فى كتابات ماركس وإنجلز قادتهم إلى الإستهانة ، إن لم يكن إنكار ، التأثيرات القاسية و التدميريّة للحكم البريطاني فى الهند ؛ أي ، إلى رؤية التحرّر الوطني كشيء يقف فى طريق تطوير قوى الإنتاج ، مثل بناء سكك الحديد ، التى سيدفع إليها توسّع الأسواق ، و كسر الأنظمة التقليدية للفلاحة إلخ ، مترافقا مع الحكم البريطاني و التوغّل الإقتصادي فى المجتمع الهندي . هذا تأويل منتشر لماركس ، و بعض مفكّري ما بعد الحداثة وما بعد الإستعمار مضوا بعيدا إلى حدّ وصف ماركس بمدّاح النظرة المركزيّة الأوروبية للإستعمار البريطاني .
فى كتاب " الماركسية و نداء المستقبل " ، يبدى أفاكيان بعض الملاحظات اللامعة توفّر إطارا منهجيّا هاما لفهم مقاربة ماركس وتطوّر فكره و تطوّر أي علم بما فيه المادية التاريخية .
النقطة الأولى هي أنّ ماركس كان يحلّل التطوّرات الجارية فى الهند زمنها . وكان يسعى إلى رؤية ما يدفع الإستعمار البريطاني إلى غزو الأسواق و تداعيات ذلك و نتائجه الممكنة من وجهة نظر التقدّم بالثورة البروليتارية عبر العالم . و يحيل أفاكيان إلى بعض كتابات ماو حول تأثيرات الإمبريالية على الصين حيث يشير إلى كافة الأشياء التى قامت بها ، لكن ماو يبيّن أيضا ، من الجهة الأخرى ، أنّها أوجدت أو سرّعت فى تطوير البروليتاريا ما جعل من الممكن قيام نوع مختلف من الثورة فى الصين .
و يخطو أفاكيان خطوة إلى الوراء ليضع المسألة على النحو التالي : قول إنّ شيئا " قد حصل " ( التوغّل العنيف و المدمّر فى الهند ) ليس قول" هذه هي الطريقة الوحيدة التى يمكن بها للشيء أن يحصل ، و بالتالى هذا جيّد ". المسألة هي " هذا حدث و إنقسم إلى إثنين : من ناحية قام بكلّ هذا – أوجد كلّ هذا النهب و العذاب – و من الناحية الأخرى ، أوجد بعض الظروف و الآن يمكن أن نفعل شيئا بما أوجده " (148).
و النقطة الثانية هي أنّ تفكير ماركس عمليّا تطوّر :
" ما قاله [ ماركس ] حول القضيّة الإرلندية ، ينطبق فى رأيى على الهند – أنّه إعتقد لعدّة سنوات أنّ القضيّة الإرلندية ستحلّها الثورة البروليتارية فى أنجلترا ، ثمّ توصّل إلى الإعتراف بأنّه لن توجد أبدا ثورة بروليتارية فى أنجلترا دون تولّى القضيّة الإرلندية أي قضية تحرير إرلندا من أنجلترا ...
أعتقد أنّه بإمكانكم عقد مقارنة مع داروين ، مثلا . لقد أنجز داروين إختراقا تاريخيّا – عالميّا ... إلاّ أنّه وُجدت أشياء عن التطوّر لم يفهمها و وُجدت أشياء كانت تحتاج إلى أن " يتمّ الإشغال عليها " ... لكنّنا نحن الذين ندافع عن هذا و نريد مواصلة التعلّم نعمل ، بالمعنى العام ، ضمن التقليد و الإطار الذين أرساهما داروين ، حتى و إن كنّا لا نتّفق معه فى كلّ شيء ... و أنظر إلى ماركس النظرة ذاتها . لقد رأى ماركس الثورة خارجة من أوروبا – رآها قادمة بالمعنى الآني أكثر ممّا كانت عليه ، لسوء الحظّ ... تتوقّعون حصولها بسرعة فى أوروبا ، و نظرتكم أنّ هذا سيعتنى بالأشياء بمعنى أنّ هذه هي البلدان المتقدّمة حيث ستنجح اوّلا الثورة البروليتارية ، و حالما تصبح هذه البلدان إشتراكية ، ستتغيّر بقيّة العالم و مشاكل التاريخ ستتوضّح ..."
[ لكن ] حالما تشرع فى تطوير نظرة للأشياء على مدى بعيد ، يواجهك شيئان إثنان .أوّلا ، الثورة البروليتارية ليست قادمة ، فى هذه المرحلة على الأقلّ ، أساسا فى أوروربا ... و ثانيا ، طوّرنا نظرة أشمل للتاريخ و نفهم اكثر تعقّد التاريخ و طبيعته و تنوّعه فى الماضي ، لكنّنا نرى أيضا انّ هذه الحقبة التى نعيشها أطول بكثير ممّا توقّعه ماركس ".(149)
و النقطة الثالثة هي أنّه من العبثيّ أن نقترح أنّ ماركس كان غافلا أو قاسي القلب أو بأي شكل من الأشكال يبرّر الإستعمار . كان ماركس وإنجلز شديدي الوضوح حول الطبيعة العنيفة و النهّابة للنظام الرأسمالي الصاعد عبر العالم . و درس إنجلز الظروف القاسية للبروليتاريين فى أنجلترا ، و وصف ماركس على نحو نابض بالحياة السيرورة العالمية التى من خلالها يشرب هذا النظام الدم عبر العالم قاطبة :
" ان اكتشاف مناجم الذهب والفضة في أمريكا، واقتلاع سكانها الأصليين من مواطنهم واستعبادهم ودفنهم أحياء في المناجم، وبدايات غزو ونهب الهند الشرقية، وتحويل إفريقيا إلى ساحة محمية لصيد ذوي البشرة السوداء، ان ذلك كله يميز فجر عهد الإنتاج الرأسمالي. ان هذه العمليات الرغيدة هي العناصر الرئيسية للتراكم الأولي. ثم جاءت في أعقابها، الحرب التجارية التي خاضتها الأمم الأوروبية جاعلة الكرة الأرضية ساحتها. فقد اندلعت بانفصال هولندا عن أسبانيا، واتخذت أبعاداً هائلة في حرب إنكلترا ضد اليعاقبة، وما تزال مستعرة في حروب "الأفيون" ضد الصين، وهلم جراً.
… ان رأس المال يولد وهو ينزف دماً وقذارة، من جميع مسامه، من رأسه وحتى أخمص قدميه." (150)
معارضة آجيث ل" الوعي العلمي" :
قال آجيث :
" و فضلا عن هذا فإنّ الوعي العلمي ذاته يجب أن ينقد لأجل فصل مضمونه العقلاني عن تأثير قيم التنوير التى نراها فيه . و قد تمظهرت هذه بصورة خاصة فى إدعاء بشأن العلم المعاصر على أنّه الكلمة الفصل المهيمنة على الفكر و الممارسات ما قبل – المعاصرة على ذلك الأساس و مقاربة نفعية فى علاقة الإنسان بالطبيعة . فى البلدان المضطهَدة ، لا زالت الإستهانة بالمعرفة التقليدية مظهرا سائدا للعصرنة ، والدروس الثرية للمحاولات التى جرت فى الصين الثورية لتلخيص المعرفة التقليدية إلى جانب العلوم المعاصرة و ممارستها الجماهيرية خلال الثورة الثقافية توفّر منطلقا متينا لخلاصة ماركسية. " (151)
نلقى بنظرة على خليط آجيث . إنّه يقذف بعبارة " الوعي العلمي " لكنّه لا يعرّفها بأيّة طريقة أخرى سوى قول إنّها تقاسم " قيم " التنوير . ما الذى يعنيه ؟ يكشف آجيث نظرة للعلم و الفهم العلمي باعثة على الإضطراب . أليست الماركسية نفسها " وعيا علميّا " ؟ ربّما ما يقصده آجيث ب " الوعي العلمي " هو المقاربة و الفهم المستعملين فى العلوم الطبيعية كما وقع تعميمها خلال التنوير و كما تمارس فى يومنا الحاضر فى العالم الذى تهيمن عليه الإمبريالية . لكن حتّى و إن كان يقصد ذلك فإنّ آجيث يظلّ مخطأ .
من الصحيح أنّ ممارسة العلم نشاط إجتماعي : إكتشاف الحقائق حول الواقع و نقاشها يقعان ضمن إطار مجتمع منقسم إلى طبقات و يطبعان بعمق بالنظام الإجتماعي والإيديولوجيا المهيمنين. فعلى سبيل المثال، كان العلم يُمارَس بطريقة مختلفة جدا فى الإتحاد السوفياتي عندما كان إشتراكيّا و فى الصين الماويّة ، و حتّى أكثر كذلك مع تعمّق الثورة أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . لكن المعرفة العلمية ذاتها ليست مساوية لممارسة أو " صناعة " العلم فى أي نظام إجتماعي خاص .
ولنترك جانبا " الوعي العلمي " لآجيث للحظة و لننظر فى ما حدث عمليّا فى العلوم خلال تقريبا فترة التنوير . كانت مقاربة جديدة لمعرفة الواقع تتعزّز فى تعارض مع تحديد الأشياء أو معرفتها بالتعريفات النوعية ( الأرض و الماء و الهواء و النار لدى أرسطو ) . و كانت المقاربة العلمية الصاعدة تعوّل على إستشارة الواقع و الحسابات الكمّية و التجارب المتكرّرة و تركّز المنهج التجريبي .
ودور التفكير العقلي ( الإستنتاج المنطقي و المنطق الشكلي و اللغات العلمية مثل حساب التفاضل و التكامل و تطوّر أرقى للرياضيّات بصورة أعمّ ) تطوّر على قدم و ساق . و جرى تحدّى التعويل على البحث العلمي الماقبلي ( الحقائق معطات مسبّقا كبنيان ذهني أو من قبل الإلاه ) و تعويضه بتقّدم جديد فى مختلف العلوم . و فى الواقع ، لأوّل مرّة ، كان العلم يشهد سيرورة التحرّر أي تمييز نفسه عن الفلسفة ( لقد وقعت تسمية العلم قبلا " فلسفة الطبيعة " ) . و مثّل تركيز المنهج العلمي و تعميمه و تأثيره على المجالات الأخرى من التفكير ثورة فى التفكير الإنساني .
و طبعا وُجدت حدود جدّية و أخطاء فى كيف أنّ العلم كان يمارس فى ظلّ الرأسمالية قبلا و كيف تتواصل ممارسته اليوم . بعض هذه الأخطاء ناجم عن نقص فى المعرفة ، عن حدود فى الوسائل المتوفّرة للملاحظة و الإختبار و هلمجرّا . و مع ذلك ، النظام الإجتماعي و البنية الإيديولوجية و السياسيّة يلعبان كذلك دورا فى ممارسة العلم و يمكن سواء أن يدفعوا إلى الأمام أو يضلّلوا و يعرقلوا البحث و الإكتشاف العلميين أو القيام بالإثنين إلى مدى ما .
فمثلا ، كان على داروين و أتباعه أن يقاتلوا بشراسة لإرساء حقيقة نظريّة الإنتقاء الطبيعي تحديدا لأنّ تلك النظريّة كانت تمضي مباشرة ليس ضد تعاليم الكنيسة ( التى ظلّت قويّة حتّى فى عصر الثورة الرأسمالية ( بل كذلك ضد النظرة للعالم المهيمنة لزمنها بأنّ التغيير لم يكن ممكنا دون مصمّم . فى نظريّة داروين ، مكانة البشر فى الكون خفّضت راديكاليّا من تمثيل " صورة الإلاه " إلى بوجه خاص أحد الثدييّات الناجحة أو المذهلة .
ما لا يستطيع آجيث فهمه هو أنّ حدود العلماء و أخطاءه و بصفة أعمّ المقاربة الإجتماعية برمّتها للعلم لا يمكن أن تنسب إلى " الوعي العلمي " عامة . بالعكس ، حيث وُجدت هنات و حدود فى مقاربة العلم ، فإنّها تمثّل تحديدا تلك المناهج و الإستنتاجات و الحجج التى هي بالفعل تخذل أو تذهب ضد المنهج العلمي الفعلي .
العلم و المعرفة التقليدية :
يحاجج آجيث ضد رؤية " العلم المعاصر على أنّه الكلمة الفصل المهيمنة على الفكر و الممارسات ما قبل – المعاصرة على ذلك الأساس و مقاربة نفعية فى علاقة الإنسان بالطبيعة . فى البلدان المضطهَدة ، لا زالت الإستهانة بالمعرفة التقليدية مظهرا سائدا للعصرنة " و سنضيف ، ليس فقط الفكر " ماقبل الحداثة " فى المجتمعات التقليدية بل حتّى أشكال معرفة " غير علمية " مثل الفنون و البحث غير العلمي و المضاربة يجب كذلك ألاّ تكون مستهانة "
و المسألة هي أنّ النظرة الشيوعية الصحيحة للعالم التى تشدّد على التطبيق الصارم للمقاربة و المنهج العلميين ، رغم تهمة آجيث ، لا تستخفّ بمصادر أخرى من المعرفة و حقول البحث . بهذا المعنى، الأطر " غير العلمية " ل " الفكر ماقبل الحداثي " هي ما يمكن و يجب بصفة أكثر نهائيّة أن تضعها موضع تساؤل معايير المعرفة العلمية الأكثر تقدّما . و هذه المساءلة لا تعنى كذلك أن الماركسية تعتبر المدارس الأخرى للتفكير و البحث دون قيمة أو ببساطة إرث من الماضي .
ومثلما علّقنا على ذلك آنفا ، أوضح أفاكيان مسألة أنّه ستوجد على الدوام " رهبة و عجب " إزاء حجم الكون و تعقّده المذهل . و سيكون الفنّ و الخيال دائما جزءا من كيف قارب البشر هذا ( مثلا ، تساءل أفاكيان " هل يمكن أن نحيا دون أسطورة ؟ " و طفق يبيّن كيف أنّه علينا أن نحيا دون أسطورة بالمعنى الديني لكنّ الأسطورة ستشكّل دائما جزءا من الوعي الإنساني ). (152)
لا تبحث المقاربة العلمية الحقيقية ، المادية الجدلية ، عن مسح أو إستبعاد كافة النظرات الأخرى للعالم ، بل بالأحرى توفّر أرضيّة لنقد ما يجب نقده و تقدير مساهماتها بشكل أفضل ، و لإدماج نظراتها الثاقبة . لكن المسألة ليست تبنّى بديل عن العلم ، بالأحرى علينا أن نستعمل كلّ العناصر المساهمة و أن نفهم السيرورات الجارية فى إطار علمي شامل كي نعالج الحاجيات الآنية و أيضا لإدماج هذه الأجزاء من المعرفة فى القفص العام لثروة الفهم الإنساني للعالم . كلّ هذا يصحّ على كلّ من البلدان الرأسمالية الأكثر تطوّرا و كذلك على البلدان الأكثر " تقليديّة " . و كذلك من الصحيح أنّه حين يتعلّق الأمر بالمجتمع التقليدي ، نحتاج أن نولي عناية خاصة لإرث الإضطهاد و الإدماج القسري و الإنحطاط الثقافي و الكثير منه أنجز بإسم " التعصير " أو حتّى " العلم ".
إنّه لتشويه أن يدّعى ، مثلما يفعل آجيث ، أنّ أفاكيان غافل عن هذه المواضيع المعقّدة و الصعبة . بالعكس ، لاحظوا بأيّة عناية و أيّة جدلية يتناول أفاكيان هذه المشاكل الشائكة :
" كيف تحتضنون تاريخ الإنسانية ؟ ماذا عن السكّان الأصليين و دينهم الذى هو حيويّ للغاية فى معنى هويّتهم ؟ أمر صعب – لكن لن نتوصّل إلى شيء دون هذا النوع من النظرة و المنهج اللذين أحاجج من أجلهما . دون هذا ستتذيّلون بلا نقد إلى هذا أو تقمعونه بعنف عندما يقف فى طريقكم ." (153)
آجيث يسقط فى أحضان ما بعد الحداثة :
فهم آجيث و خلطه بشأن العلم و منهجه و مقاربته تضعه بالضرورة بصحبة التيّارات الفكريّة التى تتقاسم مشاغلا مشابهة حول توفّر الحقيقة الموضوعيّة ، و قابلية تطبيق العلم على المجتمع الإنساني و إعتبار الماركسية علما .
يصرّح آجيث بأنّ " قدّمت التيارات ما بعد – المعاصرة مساهمات هامة فى هذا الصدد " ( فى رأينا ، " الصدد " الذى يحيل عليه هو" صدد " معارضة الماديّة ) . و يسترسل ، " و لو أنّ نسبيتها قادتها إلى نبذ غير تاريخي للتنوير و العصرنة ، فإنّ الأفكار الثاقبة النقدية التى تتقدّم بها يجب على الماركسية أن تلخصها . و مساهمات منظّري مدرسة فرانكفورت هي كذلك يجب أن يعترف بها . " (154) على وجه التحديد موقف من شخص كان يحاجج أنّه لم يوجد أي تقدّم نوعي فى النظريّة الشيوعية منذ وفاة ماو !
خلافنا مع آجيث ليس أنّه يتفحّص المدارس غير الماركسية من أجل رؤى ثاقبة ممكنة ، و إنّما أنّه يتقاسم معها أجزاء هامة من مقدّماتها و مفاهيمها و هكذا هو غير قادر على تمييز ما هو صحيح عن ما هوغير صحيح فى تفكير هذه المدارس و إعادة صياغة أية رؤى ثاقبة فى إطار المادية الجدلية .
لا يمكن تجاهل إحالات آجيث القصيرة لكن المعبّرة على " الخطى النظرية المتقدّمة " لما بعد الحداثيين و لمدرسة فرانكفورت ، و المرور عليها مرور الكرام أو تبريرها على أنّها خطأ هيّن . إنّها تعكس الولاء العميق الجذور و الواعي لدى آجيث لبعض التيّارات الفكريّة المفاتيح سواء منها المعادية للماركسية و المعادية للشيوعية صراحة أم بتستّر ، كما تقدّم نفسها اليوم و كذلك كما تطوّرت تاريخيّا .
المشكل هو أنّ ما يراه آجيث " خطوات نظرية متقدّمة " ليس كذلك . إذ هي جزء من تيّار ضمن عديد المثقّفين يبتعد عن نقد النظام الرأسمالي كنظام و عوض ذلك يهاجم العلم و العقل اللذان أعلنا سلطة فى التنوير ضد الأنظمة الإيديولوجية التيولوجية السابقة التى إستخدمتها القوى الإجتماعية الرجعية ( خاصة تلك القوى المرتبطة بالنظام الإقطاعي و الكنيسة ) ، التى تعرّضت للهجوم أثناء الثورة البرجوازية .
سبق و أن رأينا إنشغال آجيث برسم خطّ تمايز رفيع بين المنهج العلمي المستعمل لدراسة العالم الطبيعي و دراسة المجتمع الإنساني . و رأينا أنّه يقبل ب " الحقيقة الطبقية " وهو شيء يذهب ضد نظرية التناسب للمعرفة التى تقع موقع القلب من الأبستيمولوجيا المادية . هتان الدعامتان فى رؤية آجيث للعالم تضعان موضع السؤال القدرة على معرفة العالم . وهنا نلمس اللقاء الكبير بين آجيث و أحد التيّارات الرئيسيّة فى يومنا الحاضر المعارضة للماركسية ، فى المجال الأكاديمي و الفنون و حتّى الحركات السياسيّة التقدّمية ، ما بعد الحداثة .
و بالرغم من أنّ ما بعد الحداثة كتلة غير متبلورة من تيّارات الفكرية المترابطة و العديد من مطبقيها يرفضون نعت ما بعد الحداثة ، فإنّه من الممكن أن نشير إلى بعض المواضيع المشتركة . و إحدى العقائد هي أنّ الحقيقة الموضوعية لا يمكن الحصول عليها . و زيادة على ذلك ، يحاجج بعض الما بعد الحداثيون أنّ " المبالغات " أو" مبالغات العقل " مسؤولة عن ما يصفونه ب " التراجيديا المزدوجة " للقرن العشرين : ألمانيا النازية بمحرقتها و الإتحاد السوفياتي لستالين و الغولاك ( أحيانا يوضع كهتلر و ستالين ). و أية محاولة لتأكيد القول بالحقيقة الموضوعية هو فى تفكير الما بعد حداثيين ، لعب بالنار و يؤدّى إلى الشموليّة .(155)
إنزعاج آجيث من المنهج العلمي و توسيعه ليشمل المجتمع الإنساني يتقاسم رفض الما بعد حداثيين لوجود إمكانية الحقيقة الموضوعية .
تعويض الحقيقة ب " رواية شخصيّة " :
و فضلا عن هذا ، يشترك دفاع آجيث عن" الحقيقة الطبقية " فى الكثير جدّا مع الفهم الما بعد حداثي ل " الرواية الشخصيّة " . و يعنى الما بعد حداثيّون ب " الرويات الشخصيّة " أنّ هناك عديد التأويلات للواقع ، و أنّ الحقيقة نسبيّة لكلّ رواية ( " لديك روايتك و لديّ روايتى " ) ، و أنّه لا يمكن لأية رواية منها أن تدّعي شرعيّا أنّها تمثّل الواقع الموضوعي . ونظرا لكونه لا وجود لمعيار موضوعي ، ما هي إذن قاعدة تحديد أي من الرويات الشخصية أو التأكيدات المتنافسة ستعتبر حقيقة ؟ وفقا لكثير من التفكير ما بعد الحداثي ، إنّها " السلطة " ، أي ، القوى الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية المهيمنة فى مجتمع معطى هي التى تحدّد صلوحيّة تأكيد معيّن أو حقيقته .
و بالفعل ، أمر واقع أنّ الطبقات الحاكمة فى المجتمع المنقسم طبقيّا تفرض مصالحها و أخلاقها و قيمها و نظرتها للعالم و عديد الأفكار و التأويلات الخاصة على المجتمع برمّته . فمثلما وضع ذلك ماركس و إنجلز : " الأفكار و الآراء السائدة فى عهد من العهود لم تكن سوى أفكار الطبقة السائدة و آرائها " (156) و واقعية تصريح ماركس الدقيق يشرح سببا من أسباب لماذا الكثير من الناس التقدّميين ينجذبون إلى مثقّفي هذا التيّار ، مثل ميشال فوكو ، الذين تبيّن أنّهم إحتفظوا بفرضيّات و مراسيم المجتمع البرجوازي المعاصر .
أخطاء ما بعد الحداثيين هي أنّهم يردّون على الهيمنة الفكريّة للطبقات الحاكمة بإستنتاج أنّه ليست هناك أيّة حقيقة موضوعية مهما كانت . " المعرفة " حسب فوكو " تتأثّر بالسلطة " (157) و الصراع هكذا يمسى ليس ما إذا كانت مجموعة من الأفكار تتناسب أم لا مع العالم المادي بل بالأحرى " حقيقة من " ستتركّز فى المجتمع . و بالعكس ، مهما كانت مجموعة الأفكار التى تساعد المضطهَدين على بلوغ غاياتهم ( مثلا ، الوصول إلى السلطة ) هكذا تغدو مساوية للحقيقة ، حقيقة بديلة .
و فعلا ، فى الحركة الشيوعية كذلك وجد إنجذاب نحو هذه الطريقة من التفكير فى شكل إستعمال المعيار الإجتماعي و السياسي لتحديد ما هي الحقيقة و من ثمّة " الحقيقة السياسية " و" الحقيقة الطبقية " التى ، مثلما تطرّقنا إلى ذلك آنفا ، يدافع عنها آجيث بعناد . و فى النهاية من يمسك بالسلطة يحدّد ما هي الحقيقة و سينسحب هذا المنطق بشكل متساوي على كلّ من الطبقة المستغِلّة و البروليتاريا الثوريّة . و إليكم ما كتبه أفاكيان بشأن مثل هذه " الأبستيمولوجيا المثالية " :
" هذه أبستيمولوجيا مثالية ذاتية صريحة ( مفهوم أن يكون أو لا يكون الشيء حقيقة مسألة تتحدّد بالذاتي، بالفرد المعيّن ، دون النظر فى ما إذا كان الشيء يتناسب مع الواقع الموضوعي الأوسع أم لا ). لكن هذه المثالية الذاتية فى خدمة المثالية الموضوعية – أي الدين و الإيمان فى ما وراء الطبيعة على أنّه حقيقة ( أو وظيفيّا نفس الحقيقة الموضوعية ). و نعلم إلى أين وجهة النظر القائلة بأنّه لا يهمّ إن كان الشيء واقعيّا صحيحا أم لا – يمكن أن يكون وهما فى علاقة بالواقع ، لكن إن كان يؤدّى وظيفة كما حدّدها أحدهم فى مكان ما ، مسبّقا ، عندئذ يكون ذلك جيّدا مثلما هي جيّدة الحقيقة ، إن لم يكن تماما الحقيقة – نعلم إلى أين يمكن لنوع وجهة النظر هذه أن تقود ، إلى أين قادت و إلى أين ستقود . لن تقود فقط إلى كافة ألوان الأخطاء ، بل أيضا إلى كافة ألوان الفظائع . إن كان كلّ شخص حرّا فى إختيار ما هوالصالح و ما هو الحقيقي حسب ما يناسبه ، نعود إلى الوراء إلى كلّ المشاكل مع النسبيّة – بما فيها فى نهاية المطاف ، و خاصة عندما تتنازع الأساطير مع بعضها البعض ، إختزال الأشياء فى نزاع علاقات سلطة لرؤية أية أسطورة يمكن أن تفرض على الأساطير الأخرى . بإختصار ، " القوّة تخلق الحقّ " – إلى هذا يمكن أن تمضي الأشياء ، و عادة ما مضت ، عندما لا يوجد معيار موضوعي لتحديد إن كان شيء ما صحيحا و صالحا أم لا ." (158)
لقد رأينا بعدُ أنّ آجيث بتهمته " العلماوية " يبحث عن إقصاء أفاكيان (و فى الواقع الماركسية بأسرها ). هنا كذلك ، يروّج آجيث لمحور مركزي لدى ما بعد الحداثة . مثلا ، بعض أهمّ ما بعد الحداثيين قد حاججوا بأنّ العلم ليس سوى رواية نفعية صناعة- تقنية أو " بناء إجتماعي " .(159)
و عقيدة أخرى لدى ما بعد الحداثة هي معارضة " تسلّط " العلم ، بمعنى ، رفع راية المنهج العلمي كمبدأ فى المجتمع الذى يعيدونه خلفا إلى ، بكلمات آجيث ، " تأثير قيم التنوير " . و المناهج العلمية مثل الإختبار و التحقّق و الدحض إلخ ، تعتبر علامات مميّزة للوضعية و ما بعد الحداثة تعارضها . و بالنسبة لآجيث أيضا ، إستعمال المناهج العلمية فى دراسة المجتمع ( تذكّروا دعوته إلى وضع المقولات النظرية الماركسية أمام إختبار " قابلية الخطإ " ) دليل على " العلماوية " .
و هذه التيّارات القارة فى تفكير آجيث تعدّ رجع صدى قريب للإلتزامات الفكريّة للتنظير ما بعد الحداثي فى الغرب حول آفاق التغيير الإجتماعي و قواه . مناصرو هذه المدارس ، و العديد منهم " يساريّون" ، يشكّوا وينقدوا ( و أحيانا يستعملوا كلمة " الميل للشكّ " ) فى " الروايات الكبرى " ، بما فيها الماركسية ما يعالجونه كمواصلة للتقليد التنويري .
نقد غير علمي للرأسمالية :
تحاجج ما بعد الحداثة بأنّ التفكير العقلي المرتبط بالتنوير و البحث عن الحقيقة الموضوعية بطبيعته إضطهادي و مضلّل و لا يمتلك الصلوحية العالمية التى يدّعيها . سطوة العالم الغربي قد أتت بسطوة الفلسفة الغربية وتناولها للعلم. و كما لاحظنا قبلا ، ينبّه أفاكيان إلى كيف أنّ العلم وقيم التنوير" تستعمل " فى خدمة الرأسمالية و الإمبريالية . إلاّ أنّ مشكل آجيث هو إخفاق أفاكيان فى ملاحظة أنّ " الوعي العلمي " " بطبيعته " له قيم و طابع طبقي مطبوعة بالتنوير . جوهريّا ، يعالج آجيث " الوعي العلمي " للتنوير كما لو أنّه " حقيقة طبقية " للبرجوازية . هكذا مزيد تطوير الماركسية وتشديد أفاكيان على التعاطى مع الماركسية كما هي يعدّ بالنسبة لآجيث لعنة .
نموّ الرأسمالية و العذاب والإستغلال اللذان تسبّبت فيهما للجماهير و تقليص كلّ العلاقات الإنسانية والقيم السابقة و روح الشعب إلى ما سمّاه ماركس " علاقة نقدية " (160) ، قادا إلى موجات من التخلّص من الأوهام و النقد الموجّهين ضد ظهور " العالم الحديث " ( أي ، النظام الرأسمالي العالمي ). قاتل النقّاد الذين أصابتهم خيبة أمل ، من الفنّانين و المثقّفين و الوجوه السياسيّة " روح الشعب " و دعاوى التنوير بأن العالم يمكن أن يفهم و يغيّر من أجل تحسين الإنسانية بإستعمال العلم و التفكير العقلي .
وكانت هذه الموضة النقديّة و تظلّ فى منتهى التناتقض . إنّها تشمل بوضوح البرامج السياسيّة والإيديولوجيات الرجعية ، مثلا ، تلك التى دافعت عن النظام الملكي أو الدوغما الديني . لكن وُجد أيضا نقد ذى رؤية ثاقبة للإستعمال غير الملجّم للتكنولوجيا ، مثل القصّة الشهيرة لغول فرانكشتاين الذى خلقه العلم و قد صار جامحا ، على أيدى ماري شالي التى كانت هي نفسها مشاركة فى التقليد الرومنطيقي الذى ظهر ردّا على الرأسمالية . و فى الفلسفة ، شارك فريدريك نيتشة هو الآخر فى هذا التيّار الرافض للأخلاق و القيم الحديثة التى يدافع عنها المجتمع البرجوازي . لكنّ نظراته " المناهضة للسائد " لم تكن علميّة ، و قد " تجاهل عمليّا " الماركسية التى كانت تصبح مؤثّرة فى ألمانيا و غيرها من البلدان حينها .
وفى القرن العشرين ، هذا النوع من النقد غير العلمي للرأسمالية نفسه عاود الظهور و إشتدّ بشكل كبير جراء فظائع الحربين العالميتين . وبخث مارتن هايدغر الذى كانت أعماله الأساسية قبل الحرب العالمية الثانية و أثناءها و بعدها تمثّل تيّارا فلسفيّا مؤثّرا إنعكس على الما بعد حداثيين ، بحث عن " الأصالة " فى عالم خاب أمله يهيمن عليه منطق الإنتاج الصناعي و التكنولوجيا . و كان هايدغر " يحنّ " إلى كلّ ما خُسر بفعل المجتمع المعاصر . (161)
لقد وضع ما بعد الحداثيّين أنفسهم تماما ضمن تقليد هذا النقد غير الماركسي و فى النهاية غير المادي للرأسمالية ( و الذى عرف إندفاعا كبير بعد هزيمة الإشتراكية فى الصين سنة 1976 وإنهيار كتلة السوفيات الإشتراكي – الإمبريالي فى 1989-1991 ، إلى جانب التشويهات البرجوازية المتصاعدة ضد الشيوعية ) . و يجد آجيث دعما فى هذا الصنف من النقد لأجل ما يسمّيه " ماوية " بها يقاتل المركزيّة الأوروبية المدّعاة للماركسية المنعوتة ب " العلماوية " .
ما بعد الحداثيين مصدر لبعض الرؤى الثاقبة ، نظرا ل" تساؤلهم" ، مثلما يضعون ذلك ، لفرضيّات كامنة فى شرائع الثقافة الغربية . مثلا ، فى ما يتّصل ب " تشكيل الذات " ، ناقش فوكو وآخرون كيف أنّ عواملا متنوعة مثل السلطة والمعرفة و الخطاب قد ساعدت على إنتاج ( " بناء " ) " الذات " . و مثال ذلك يمكن أن يكون كيف أنّ نظام العبودية فى الولايات المتحدة قد بنى ذات الأبيض و مفاهيم الحقوق و الحرّيات التى صيغت فى ذلك المجتمع . (162) و قد بيّن ما بعد الحداثيين بعض الطرق التى من خلالها تداخلت المعرفة و سيطرة القوى الإستعمارية الغربية . (163) و قد عرّف الإستعماريّون واقع العالم الإستعماري إلى درجة أنّ الناس المستعمَرين قبلوا بهذه التعريفات .
إنّ مساءلة هذه الأنواع من الفرضيّات قد ساعد على توسيع و تعميق مسارات معرفة العالم . لكن هذه الرؤى الثاقبة يجب أن لا يتمّ تفحّصها بصفة إنتقائيّة فى إطار ماركسي مزعوم كما يسعى آجيث إلى القيام بذلك . بالعكس ، مثلما شدّد على ذلك أفاكيان ، تحتاج هذه الرؤى الثاقبة أن تتمّ غربلتها و تحتاج الحجج الخاطئة أن تنبذ ، وحتى الكثير ممّا هو رؤية ثاقبة و صحيحة جزئيّا يحتاج إلى إعادة الصياغة فى إطار علمي .
معانقة آجيث لمدرسة فرانكفورت :
ليس من المفاجئ أنّ يقرّ آجيث أيضا بوضوح بصلة القرابة التى تربطه بمدرسة فرانكفورت و دينه تجاهها . لقد سبقت مدرسة فرانكفورت ما بعد الحداثيين فى بعض فرضيّاتهم ، و خاصة منها جهودهم لنكران الأساس العلمي للماركسية و المادية التاريخية و هجومهم على التنوير .
ظهرت مدرسة فرانكفورت التى يودّ آجيث أن يعترف ب " مساهماتها " فى ألمانيا جمهورية وايمار التى كانت تهزّها الأزمة و فى أجواء ناجمة عن هزائم الثورة الألمانية فى 1919 و 1921. لقد دافع فلاسفة هذه المدرسة عن " ماركسية غير دغمائيّة " و كانوا يعنون بذلك ، خاصة ، معارضة نموذج الثورة البلشفيّة ومثال الإتحاد السوفياتي فى ظلّ قيادة لينين و ستالين . و أهمّ موقف نظريّ لهذه المدرسة هو " جدلية التنوير " لماكس هوركهايمر و تيودور آدورنو . (164) . و فى هذا الكتاب يندّدون بالتقليد التنويري ل " عقله الأداتي " الذى يعتبرونه ، نظرة للعالم و مشروع جافين ، ماديين و " إنتاجويين " . و المجتمع الغربي كما خرج من التنوير كان صقل فى نموذج التحكّم فى الطبيعة و الهيمنة عليها ، و بدوره ، جلب كافة مظاهر الحياة الإجتماعية التى تهيمن عليها و " يسيّرها كلّيا " هذا المنطق .
تحاجج مدرسة فرانكفورت بأنّ التنوير قد فتح الباب لكافة الفظائع التى شاهدناها فى ظلّ الرأسمالية . (165) . و إعتقد فلاسفة مدرسة فرانكفورت انّ الماركسية و المادية التاريخية لن يقدروا على إنجاز ما يقولونه من تحرير الإنسانية لأنّها تشكو من نقائص المادية و المنهج العلمي . نرى صلة القرابة مع تنديد آجيث ب " الوعي العلمي " للتنوير . و إلى جانب صلات قرابة أخرى بين خطّ آجيث للتفكير و العناصر الكبرى لنظريّة نقد مدرسة فراتكفورت ، و على وجه الخصوص مواقف جورجان هبرماس ، يتقاسمون نقدا مشتركا بشكل مخيف ل " العلماوية " وموقف متردّد إزاء دور الدين فى مجتمع اليوم . (166)
بيّنت الماركسية ، بنظر مدرسة فرانكفورت ، قصورا فى شمول التفكير الفلسفي : لقد فقدت نفسها فى مكان ما بين العلم و الفلسفة . و بهذا يقصدون أنّ الماركسية قيّدت نفسها بإدّعاءاتها العلمية و أنّ هذا " النقص " يحتاج أن يعوّض بإعطاء المكانة اللازمة للفلسفة لا سيما المثاليّة الألمانية و إيمانويل كانط . (167)
ما المشترك بين آجيث و ما بعد الحداثيين و مدرسة فرانكفورت ؟ لجميعهم ، أو على الأقلّ ينطلق جميعهم من ، نقد أمراض الرأسمالية و المجتمع الحديث و مع ذلك يرفضون أو هم غير قادرين على تحليل مادي و علمي تماما للطبيعة الجوهرية للمجتمع الرأسمالي . فى النقاش الفلسفي و السياسي إمّا يتهرّبون من أو يعارضون بوضوح وجود الحقيقة الموضوعية و نظريّة التناسب للحقيقة و المنهج و المقاربة العلميين لفهم الواقع و العالم .
آجيث قادر على مزج التقوى – مفاهيم مثل الإنتصار الحتمي للثورة البروليتارية – و عناصر مفاتيح من ما بعد الحداثة .
آجيث و التقليد الكانطي :
كما شاهدنا قبلا ، يؤكّد آجيث على " الدلالة الجوهرية للموقع الطبقي ، الموقع المادي للطبقة . جميع المكوّنات الثلاثة للنظرة البروليتارية للعالم – الموقف و وجهة النظر و المنهج – تنبع من هذا الواقع المادي و تتحدّد فى النهاية به . " وقد أخضعنا ذلك إلى قدر هام من النقد . و ما هو مفيد مباشرة فى نقاشنا هنا هو أنّ لنظرة أنّ البروليتاريا ، بسبب موقفها ، شراء خاص على الحقيقة – هذه النظرة تؤدّى بنا إلى إتجاه أنّ الآخرين الذين لا يحتلّون هذا الموقع الطبقي ( غير البروليتاريين ) ليس بوسعهم بلوغ ، أو نفس مستوى بلوغ ، هذه المعرفة . و بالتالى ، المعرفة فى نهاية المطاف " مرتهنة بالمُلاحظ " .
و فى الأخير ، وفق منطق آجيث ، لا يمكن أن توجد معرفة موضوعية للواقع و خاصة للمجتمع الإنساني كما هو يمكن التعويل عليها و ما يتوفّر كمعرفة هو كيف يظهر العالم لملاحظين خاصين ، و فى هذه الحال البروليتاريا . هذا نقاش إمتدّ طويلا فى الفلسفة و العلم : هل يمكن معرفة العالم بإستقلال عن الذهن ؟
كانط معشوق مدرسة فرانكفورت ، مشهور بثنائيته ، محاولته أن يصلح و يوفّق بين المثاليّة و المادية . لقد حاجج أنّه يوجد عنصر ذاتي فى بناء المعرفة و أنّ المرء لا يمكن أن يعرف " الشيء فى حدّ ذاته " ( 168). بالأحرى ، زعم كانط ، لا يمكننا معرفة الظواهر إلاّ كما تبدو " لنا " . و فى حال آجيث " لنا " تصبح " للطبقة " . و بكلمات أخرى ، يقع تخصيص الحقيقة و هيكلتها و تحديدها وفق خطوط طبقيّة . على أساس هذا النوع من الأبستمولوجيا يدافع آجيث على موقف أنّ " للحقيقة طبيعة طبقيّة " و أنّ " الماركسية صحيحة لأنّها متحزّبة " .
التشابه المذهل بين تفكير آجيث و مظاهر النظرة الكانطيّة لا تنتهى هنا . فخلال نفس الفترة عندما كانت العلوم المعاصرة تتطوّر و تنفصل عن الفلسفة و الميتافيزيقا ، وُجدت مقاومة لتوسّع مدى العلم ليشمل المجال الإجتماعي . و قد رأينا آجيث يحاجج على نفس الأرضية مع كانط فى الأيّام الخوالي و مع الكانطيين الجدد للقرن العشرين ( بما فى ذلك بعض الحجج التى تناولها لينين بالبحث فى كتابه " المادية و مذهب النقد التجريبي " ).
هذه مسيرة بإتجاه النسبيّة و اللاأدريّة و " عدم قابلية المعرفة " للعالم الموضوعي و فى نهاية المطاف ما يسمّيه ما بعد الحداثيين " الميل للشكّ " إزاء دعاوى العلم .
















IX – آجيث يدافع دفاعا بشعا و معذّبا عن الدين و سلاسل التقاليد :
قلق آجيث بشأن" الوعي العلمي" و وقوفه مع إستثناء قابلية تطبيق العلم عالميّا على المجتمع و التاريخ ، و إنشغاله ب " الفكر التنويري " و " بعدم الإستهانة بفكر و ممارسات ما قبل الحداثة " – كلّ هذا يتكثّف فى كيفيّة معالجته لمسألة الدين و الأخلاق التقليدية فى المجتمع الإنساني .
و هذه كذلك نقطة إلتقاء أخرى بين آجيث و ما بعد الحداثة . ( 169) لننظر فى موقف آجيث بشأن كيفيّة مقاربة دور الدين و تقييمه بطريقة صحيحة : " الفهم العلمي للدور الذى لعبه الدين قد تعمّق مذّاك بفضل البحوث فى المجالات المتنوّعة . و دوره التاريخي فى إيجاد و تطوير الأخلاق و العلاقات الإجتماعية و أثرها فى العقل الإنساني هي الآن معروفة بشكل أفضل . " ( 170).
لقد رأينا أنّ آجيث غير قادر على الفهم الصحيح للعلاقة بين الأفكار و الوعي و الظروف المادية و الإجتماعية التى تشكّل قاعدة هذه الأفكار . و يضع رفض آجيث للمنهج العلمي لفهم الواقع الإجتماعي بما فيه الأفكار و الإيديولوجيّات ، و قوميته ، يضعانه فى إضطراب جدّي و فى أوهام قاتلة بصدد طبيعة الأصولية الدينية و دورها – و فى توافق تام معها .
يعتبر آجيث من الخطإ تسمية مجموعات مثل طالبان والقوى الأصولية الإسلامية الرجعية " أعداء " . وفق نظرته هذه ، " إقتصادوية إمبريالية " . " ما نحتاج إليه هو الدفاع الصارم و اللامشروط عن حقّ الناس المضطهَدين أو قطاع مضطهَد من المجتمع فى المقاومة المسلّحة . و معارضة الإيديولوجيا أو البرنامج الإجتماعي الذى يكرّسونه لا يمكن أن نسمح لها بأن تعوّم ذلك " (171).
و يواصل عقلنته المعذّبة :
" المشكل الأساسي مع المقاومة الأساسيّة فى العراق أو أفغانستان ليس مونها إسلامية أو ، لنضع ذلك بصيغة أعمّ ، كون إيديولوجيا دينية تقودها . لقد نهضت الإيديولوجيات الدينية بدورتقدّمي فى الماضي ... و لا يزال بوسعها أن تكون وسيلة للتعبير عن المضمون الوطني و الديمقراطي لأنّ فى ظروف البلدان المضطهَدة شبه المستعمرة شبه الإقطاعية ليس الدين مسألة روحية و حسب بل كذلك نمط حياة مترابط وثيق الترابط مع الثقافة القومية . و فى موضوع الحال الذى نناقش ، يكمن المشكل الأساسي فى التحليل الخصوصي لهذه الإيديولوجيا ، و البرمج الإجتماعية الرجعية التى تقدّمها المقاومة الإسلامية الأكثر تصميما – أصوليتها . " (172)
وهذا مذهل بقدر ما هو أمر مزرى . هنا من يصف نفسه بالماوي ، ومن يفترض أنّه شيوعي ، ينظر خارج العالم حيث يتمّ تطبيق كلّ أشكال الفظائع القروسطية و كلّ أشكال الظلامية يعزّزها الأصوليون الإسلاميون و غيرهم من الأصوليين . إنّه عالم تعرّضت فيه الماركسية بلا هوادة إلى الهجوم ... فيه توجد العلمانية و العلم و التفكير العلمي تحت الحصار الشديد فى أجزءا واسعة من الكوكب ...و فيه يتمّ إنكار إنسانيّة المرأة و إهانتها و تدميرها بالنظام الأبوي [ البطرياركية ] و التقاليد الدينية .
لكن آجيث يلتمس منّا أن لا ننشغل كثيرا بالدورالقيادي للإيديولوجيا الدينية كما هي – ببساطة المسألة هي أنّه لا وجود كافى لإيديولوجيا دينية تقدّمية فى مقعد قيادة المقاومة الوطنية . و يقدّم آجيث دفاعا بشعا عن الدين و توفيقا غير ممكن مع الأصولية .
هذا هو آجيث فى أوج عظمته يبيّن لنا أين يقود إحتفاؤه بالمشاعر الطبقية العفويّة و رفضه للماركسية كعلم و تشديده على تقييم الخصوصية القومية و الإطار القومي . و هذا مجافى للثورة الشيوعية التى كثّفها ماركس فى أنّها تنجز " القطيعتين الأكثر راديكالية : مع " علاقات الملكية التقليدية " و مع " الأفكار التقليدية " .
وضع حجاب على إضطهاد النساء :
فكّروا فى الأمر . آجيث يقفز على التخلّف ليضفي مصداقية على الدين ل " تمفصله و إنتشاره و إستيعابه كخطاب وطني " و دوره فى المقاومة الوطنية . و فى حين أنّه يغفل تمام الإغفال إهانة نصف الإنسانية و إخضاعها ، فإنّ آجيث يمدمديحا فاحشا الدين و يجمّل الوزن العملاق للدين فى المجتمع ، إيديولوجيّا و كذلك سياسيّا ، و خاصة ، كتبرير لإضطهاد النساء و تعزيزه. و هذا ليس مجرّد نسيان عابر يشوب حكمه . بالأحرى صمته المدوّى (173) بصدد مثل هذه المسألة الجوهرية ، هذ العمى اللامع ، هو من المؤكّد جدّا نتاج لنظرة آجيث للعالم و منسجم معها .
هذا التشديد على البروليتاريا المجسّدة و " القومية " ، و الإيمان بأنّ الوعي الشيوعي الثوري ينبع من الظروف الماديّة و مشاعر البروليتاريا ، و رفض الإعتراف بالدوراللازم للصراع الإيديولوجي الضروري و مداه الحقيقي لتغيير نظرة الناس للعالم لإعداد أنفسهم و الأرضيّة للثورة – يؤدّى بآجيث إلى فكرة " تحرير " ضيّقة و مقيّدة و باهتة وفاترة منها بعد وقع إقصاء نصف الإنسانيّة .
و مرّة أخرى ، التضارب فى البرنامج و التعارض فى النظرة إلى العالم بين بقايا الماضي و الخلاصة الجديدة لا يمكن أن يكون أصفى . كتب أفاكيان :
" لذا فى هذا الإطار، وكذلك فى إطار أوسع ، إطار التاريخي – العالمي للحركة الشيوعية ، هناك حاجة عميقة وملحّة للذين يمثّلون الأهداف التحرّريّة للثورة الشيوعية ، بهدفها النهائي إلغاء كل الإنقسامات الطبقية و كلّ علاقات الإستغلال و الإضطهاد وإنجاز مزيد القفزات والقطائع فهمنا و مقاربتنا لقضيّة المرأة ، نظريّا وعمليّا – فى مجال الخطّ الإيديولوجي و السياسي و تعبئة الجماهير فى الصراع القائم على ذلك الخطّ – فى إنسجام مع الدور المحوري و الحيوي الذى تحتلّه موضوعيّا هذه المسألة ، وليس بمعنى إنهاء ملايين السنوات من إخضاع نصف البشريّة و إهانتها وحسب ، و لكن أيضا الطريقة التى يرتبط بها هذا تماما و ضرورة بتحرير الإنسانية ككلّ و التقدّم إلى عصر جديد كلّيا فى تاريخ الإنسان مع بلوغ الشيوعية عبر العالم . " (174)
التذيّل للقومية و تجميل الأصولية :
و لنعد إلى نظرة آجيث إلى الدين . كما يرى المسألة ، تنطوى البنية الفوقيّة الإيديولوجية للبلدان المضطَهَدة ، مثل العراق ، على مظهر مقاومة وطنية ، و تعبّر عن " الأصالة المدرَكة ". فى نقاشه ، يقدم آجيث عزّة خاصة لموقع الدين ، الذى يعدّه " ليس مسألة روحية و حسب بل كذلك نمط حياة مترابط وثيق الترابط مع الثقافة القومية ." وهو أمر صحيح طبعا لكن من الصعب أن يكون سببا يبرّر الدين أو التذيّل للدين .
بالنسبة لآجيث ، يخفّف التناقض مع الإمبريالية كلّ التناقضات صلب الأمّة و فى تفكير الناس . الدين و التخلّف والتقاليد و الفكر الرجعيين يقع عموما تبريرهم لأنّ هذه الإيديولوجيا ، فى رأي آجيث ، مشبعة بمضمون وطنى حقيقي ( وأحيانا حتّى " ديمقراطي" ! ) نلفيه فى مقاومة الإمبريالية والإضطهاد القومي. لكن هناك مشاكل فى طريقة التفكير هذه فمثل هذه الأفكار لا تعكس مباشرة أو بطريقة غير ذات واسطة التناقضات الإجتماعية العدائيّة الكامنة أو الواقع الإجتماعي لأيّة طبقة أو فئة خاصة ، فما بالك أمّة بأسرها ، المتضمّنة لتناقضات طبقية عدائية .
فى أيّة ثقافة قومية هناك غالبا العديد من العناصر الحادة التناقض . و بعض هذه العناصر تعكس ، إلى درجات مختلفة ، تاريخيّا ، المشاعر والطموحات التقدّميّة . و عديد هذه العناصر صدى لمظاهر مشابهة ثوريّة أو تقدّمية موجودة فى ثقافات أخرى أيضا . هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، جوهريّا و بصورة عامة الدين قيد و عائق أمام فهم العالم و تغييره راديكاليّا .
و غالبا ما تستعمل الجماهير الشعبية الدين للتعبير عن آمالها فى إيجاد العزاء و " الخلاص " من ما تعانى منه . و مع ذلك ، لا يغيّر هذا واقع أنّ الدين يساعد على الحفاظ على علاقات عبودية فى المجتمع و ، عامة ، يبرّر إخضاع الجماهير للسلط الحاكمة. صحيح أنّ تاريخيّا كانت التيّارات أو الحركات التقدّمية و الثوريّة ، خاصة قبل ظهور النظرة العلمية و المادية ، تتغلّف عادة بغلاف ديني .
و اليوم ، النظرة و التحليل العلميين و بالأخصّ الشيوعية الثورية ، متوفّران و ضروريّان لفهم العالم وتغييره للمضيّ به فى الإتجاه اللازم . و الثقافة القومية و الدين ، مثل أيّ شيء ، يجب أن لا نستثنيهما من التحليل العلمي الصارم فيما يريد آجيث أن يطلق العنان للثقافة القومية المتوفّرة عفويّا و لدور الدين فيها .
و بالفعل ، ما يحاجج آجيث من أجله حقّا يساوى قول إنّه على الشيوعيين أن يصبحوا التعبير الأفضل عن كلّ العناصر فى الثقافة القومية ، بما فيها الدين . ما الذى يعنيه غير ذلك عندما يقول :
" تخفق حجج أفاكيان فى تحديد و تشخيص الدور الكبير الذى تنهض به المشاعر و الثقافة الوطنيين فى نموّ أصولية العالم الثالث... تمفصلها و إنتشارها و إستيعابها كخطاب وطني لا يُعترف بهم فى أي مكان ... فهم إدعاء الأصوليين " الوطنية " يساعدنا على تحديد مكمن إخفاق الماويين فى رفع راية الوطنية فى البلدان المضطهَدة " (175)
و ينبغى أن نعرّج بسرعة على أنّه إن أخفق الماويّون فى " رفع راية القومية " ، بما يرضى آجيث ، ومن ذلك بعض المظاهر الخاصة البشعة ، فإنّ ذلك لا يعود إلى أي نقص فى المحاولة : لسوء الحظّ ، شكّل التذيّل للقومية و الدين والتفكير البطرياركي ، مشكلا تاريخيّا .
إلى أي مدى أخذ هذا المنهج فى التحليل آجيث بعيدا عن الواقع يمكن رؤيته فى مقارناته بين " القوى الإسلامية " اليوم و النضال البطولي الذى خاضه الشعب الفتنامي .
" لا يمكن مقارنة العراق و أفغانستان مقارنة صارمة بالفتنام . فهناك كانت قوّة ثوريّة تقود حرب التحرير الوطني . و هنا الحرب الوطنية تنظّمها وتقودها أساسا قوى إسلامية . لكن بمعنى الوضع الذى تجد فيه الولايات المتحدة نفسها ، أوجه الشبه تستوقف الأتظار. و تعزى جذورهذا إلى مصدرها النهائي، سير التناقض بين الإمبريالية و الأمم و الشعوب المضطهَدَة الذى يفرض الإطار ويحدّد الديناميكية " . ( 176)
ويبلغ آجيث هذا الإستنتاج باللجوء إلى بعض ذات نوع التفكير الميتافيزيقي الذى لاحظناه سابقا فى نقاشه ل " المبادئ الأساسية "مقابل " التطبيق " . فقد بدأ المقتطف أعلاه بالتصريح بأنّ " التناقض الرئيسي بين الإمبريالية و الشعوب و الأمم المضطهَدَة " (177) مقدّمة معطاة وغير قابلة للمساءلة . وفضلا عن ذلك ، فى تنظيم آجيث الميتافيزيقي للأشياء " فى أية فترة خاصة ، سيحدّد التناقض الرئيسي ، و ليس التناقض الأساسي فى حدّ ذاته ، أو سيؤثّر على وجود التناقضات الأخرى و على تطوّرها " . وفى النهاية ، يستخلص من نظامه المنطقي نعوتا خاطئة حول العوامل المختلفة و يتوصّل إلى إستنتاجات غالطة حول الأدوار التى ينهضون بها و المهام الثورية فى تلك البلدان . و بالرغم من أنّ آجيث حذر بما فيه الكفاية لكي لا يسوّى بين القوى الإسلامية و القيادة الفتنامية تحديدا – أو " حصريّا " ، بكلماته ، ينتهى إلى إيلاء نفس الدور لكليهما فى " سير التناقض الرئيسي بين الإمبريالية و الشعوب و الأمم المضطهَدَة " .
و على عكس رأي آجيث ، ليست " أوجه الشبه " بين أفغانستان و الفتنام ، بل بالعكس أوجه الإختلاف هي " المذهلة " . و إسألوا تنظيم الدولة الإسلامية فى خلافتهم الجديدة كيف يشعرون أمام جعلهم " وسائل التعبير عن المضمون الوطني و الديمقراطي " .
أفاكيان بشأن الشريحتين اللتين " ولّى عهدهما " و الصراع الإيديولوجي مع الدين :
ويتهّم آجيث أفاكيان بكونه " بعيد عن الواقع المزرى" . فى الواقع ، تقدّم أفاكيان بتحليل مركزي يجلى ديناميكية مفتاح فى الوضع العالمي الراهن . و إليكم أفاكيان بصدد ما أطلق عليه الشريحتين اللتين " ولّى عهدهما " :
" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولي عهدها تاريخيا ضمن النظام الإمبريالي . و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . و فى حين أنّ هذه صيغة مهمّة جدّا و حيويّة فى فهم الكثير من الديناميكية التى تحرّك الأشياء فى العالم فى هذه المرحلة ، فى نفس الوقت ، يجب أن نكون واضحين حوا أي من " هذين النموذجين الذين عفا عليهما الزمن " قد ألحق أكبر الضرر و يمثّل أكبر تهديد للإنسانيّة : إنّه الطبقة الحاكمة للنظام الإمبريالي التى عفا عليه الزمن تاريخيّا ، و بوجه خاص إمبرياليّو الولايات المتحدة . " (178 )
لهذا التحليل تبعات حيويّة ليس فقط لفهم طابع الأحداث فى العالم إذ هو كذلك يتحدث عن الموقف الضروري الذى يجب أن يتخذه الشيوعيون فى كلّ من البلدان المضطهَدَة و المضطهِدة و نوع العمل السياسي و الإيديولوجي الشامل اللازم – و ليس أقلّه لأنّ عديد الجماهير القاعدية فى البلدان المضطهَدَة قد إنجذبت إلى الأصولية الرجعية .
و على العكس من ذلك ، الضرر السياسي و الإيديولوجي لما يحاجج آجيث من أجله ينبغى أن يكون واضحا : لن تؤدّي جبهته المتّحدة التى لا يتجرّأ على ذكر إسمها ، و التى هي فعلا إستراتيجيا آجيث و توجّهه لمواجهة النظام الإمبريالي ، الى التحرير . بالأحرى ، هي وصفة للتذيّل للقوى الرجعية أو تبرير محاولة التوحّد معها تحت يافطة معالجة " هذا الواقع الفوضوي " .
بدلا من التعويل على هذا النوع من الخليط من الفكر المثالي الآمل الذى يعتنقه آجيث ، ما نحتاجه هو المقاربة التى يصفها أفاكيان لفهم ظروف الثورة الشيوعية فى عالم اليوم المعقّد :
" الأمر شبيه بالإنطلاق من شجيرات ملتفّة لنبلغ عمليّا فهم التناقض الأساسي للرأسمالية و كيف يتحرّك و يتطوّر عمليّا ، و مختلف أشكال حركة كلّ هذا و كيف تتداخل . و هذا ليس معطى ظاهرا حتّى للشيوعيين الذين يبحثون عن التطبيق المنهجي للنظرة و المنهج العلميين للشيوعية على العالم و التاريخ و المجتمع و الطبيعة ... تقع على عاتقنا مسؤوليّة النضال من أجل فهم صحيح و تطبيق النظرة و المنهج الشيوعيين ، لنشاهد فيه ليس فقط أنّ ذلك ليس ضائعا بل أنّه يتحوّل ، على مستوى أرقى نوعيّا ، إلى قوّة ماديّة حقيقيّة ، تحتضنها صفوف نامية من الجماهير الشعبيّة ، من البروليتاريين و فئات أخرى." (179)
ما هو الموقف الفعلي لأفاكيان تجاه جماهير الشعب التى تؤمن بالدين ؟ على عكس تهمة آجيث ب " العقلانية الغليظة " ، أنظروا كيف أنّ أفاكيان عمليّا ينادى الشيوعيين إلى التعاطى مع التفكير الديني السائد فى صفوف الجماهير . يندّد أفاكيان ب " التكبّر المعجب بذاته لدى التنويريين " المتفضّل(180) الذين يتغافلوا عمليّا أو بصفة طاغية عن قبضة الدين على قطاعات هامة من الجماهير . هنا من الجلي تماما أنّ قطاعات عريضة من الجماهير ستؤمن بالدين ، ليس الآن و حسب بل حتّى فى المجتمع الإشتراكي المستقبلي .
يقول أفاكيان بجلاء :
" بشأن أسس الوحدة فى الصراع السياسي ، الخطّ الفاصل لا يتعيّن أن يكون إن كان الناس يؤمنون أم لا بإلاه و إن كانوا متديّنين أم لا ، و إنّما بما إذا كانوا مستعدّين أم لا للوحدة و يمكن أن يُكسبوا للوحدة ، بطرق هي موضوعيّا فى مصلحةالجماهير الشعبية . إلى الدرجة التى يقومون بها بذلك ، من الضروري بناء وحدة معهم ، و الصراع معهم للقيام بذلك بشكل أتمّ و اكثر صراحة ، حتى بينما يتمّ كذلك خوض الصراع معهم فى المجال الإيديولوجي حول مسألة أيّة نظرة للعالم تتناسب عمليّا مع الواقع و ستقود إلى التحرّر ." (181)
يرى أفاكيان هذا الصراع الإيديولوجي فى صفوف الشعب كجزء من الديناميكية التى يمكن أن تساعد المجتمع بأسره على السير قدما حتى فى مرحلة التغيير الإشتراكي .
و يسخر آجيث من أفاكيان على أنّه يشدّد على أن " يطرق " الدين فى المجال الإيديولوجي " ما يذكره على أنّه مثال ل" العقلانية الغليظة " . عمليّا ، أفاكيان واضح تمام الوضوح بصدد أنّ المعني هنا ليس مجرّد صراع للأفكار العلمية مقابل الأفكار الدينية ؛ إنّه يشير إلى انّ " فى ظروف هزّات إجتماعية و صراعات كبرى ضد النظام القائم ، يعرف الناس تغيّرات كبرى فى تفكيرهم وفى كطريقة إرتباطهم ببعضهم البعض . إن لم يكن الأمر كذلك ، لم تكن الثورات لتحدث و لم يكن من الممكن أبدا تغيير الناس للعلاقات الإجتماعية تغييرا واعيا بالفعل فيها والتأثير عليها ". (182)
لكن الدين هو جزء من البنية الفوقيّة الإيديولوجية و يجب أن يعامل ( أي " يطرق " ) فى ذلك المجال ، بحدّ ذاته .
و يؤكّد أفاكيان أيضا :
" لا بدّ من النضال بجرأة وحيويّة ضد الدين بكلّ أشكاله ، و خاصة ضد الظلامية و الإطلاقية الدينية الأصولية و تعبيرتها السياسية المسيحية الفاشيّة فى الولايات المتحدة . و من الحيوي ألاّ نستهين بأية طريقة بأهمّية النضال فى مجال الفكر ، مجال الإيديولوجيا ، و خاصةالنضال ضدالنظرة الدينية للعالم بكلّ تمظهراتها ، وذلك لتداخلها و توجيهها الناس بعيدا عن فهمالواقع الحقيقي ،و بالتالى القدرة على مواجهته و تغييره وفق مصالحهم الأساسية الخاصة ". (183)
فكرة أنّه يمكن تجاهل هذه الأنواع من المسائل الدينية بينما يتم إستنهاض الجماهير فى مجالات أخرى كالصراعات الإقتصادية أو السياسيّة ، و العمل كما لو أنّ هذه المسائل الإيديولوجية يمكن التعاطى معها على أنّها توابع ثانويّة لهذه الصراعات الأخرى – هذه الفكرة وهم خطير . إنّه مرتبط وثيق الإرتباط بتبنّى آجيث لما يساوى " أبستمولوجيا الموقف " : أنّ الطبقات ستخوض الصراع وفق مصالحها ، و النظرة التى تنشأ ستتركّز عبر هذا الصراع . و على هذا النحو ، لا حاجة لخوض الصراع فى مجال الأفكار . كلّ هذا متناغم مع وجهة نظر آجيث .
وفى نفس الوقت الذى نادى فيه أفاكيان بصراع إيديولوجي جريء و شديد ضد الدين ، فإنّه قد مدّ يديه كذلك و شجّع على مقاربة وحدة – صراع – وحدة مع الناس الذين يحفّزهم الإيمان و القناعة الدينيين للوقوف مع المضطهَدين وضد اللامساواة . ومثال بارز لهذا كان حوار نوفمبر 2014 رفيع المستوى حول الثورة والدين بين أفاكيان وكرنال واست ، المفكّر البارز شعبيّا و الثوري المسيحي .
تحتاج الجماهير لأن تصبح ، كما قال ماركس ، " مأهّلة للحكم" ، و جزء من هذا يعنى أنّنا نحتاج إلى كسب فئة حيوية من الجماهير إلى النظرة العلمية للعالم . و على عكس أطروحات آجيث ، قد أثبت التاريخ أنّه عندما لا يواجه الشيوعيون بجرأة و شموليّة المسائل الإيديولوجية من أفق مادي و شيوعي ، ينتهون إلى سحب الأرضية من تحت أقدامهم و تقديمها إلى القوى الرجعية التى تدافع عن هذه الإيديولوجيّات الرجعية . من يحتاج إلى دفاع آجيث بنصف قلب و الإنتقائي عن التقاليد و الأخلاق و الدين حينما يمكن أن يكون لدينا طالبان و الشوفينيون الهندوس لحزب بهاراتيا جاناتا !
الإختيار بين " الشريحتين التين " ولّى عهدهما " أم التقدّم بطريقة أخرى ؟
يقول آجيث :
يحدث الكثير من المخاض الإيديولوجي فى صفوف المسلمين و هذا صحيح بالنسبة إلى المجال الديني أيضا . . . الموقف السياسي الموالي للغرب لدى بعض التيارات الإصلاحية الإسلامية يسهّل تملّك الأصولية لمناهضة الإمبريالية . و بالعكس يدعم إدعاءاتها بأنّها تترجم حقيقة الإسلام و تساعده على صدّ دمقرطة المعتقد الإسلامي . على تدخّل الإيديولوجيا الماوية أن يعالج كافة هذه المظاهر إن رام قطع أشواط إلى الأمام . " (184)
لاحظوا أنّ آجيث ليس يناقش إطارات سياسية ممكنة فيها يمكن تحليل علاقات مع بعض القوى الإسلامية تحليلا ملموسا ، بالعكس هو يناقش " التدخّل الإيديولوجي الماوي " ما يعنى التأقلم مع الرجعية والإيديولوجيا التى ولّى عهدها تحت قناع وصف هذا التيّار أو ذاك ب " الديمقراطي " أو " المناهض للإمبريالية " .
حين يقول آجيث " يكمن المشكل الأساسي فى الصياغة الخاصة لهذه الإيديولوجيا " و ليس فى الإيديولوجيا ذاتها ، يبدو مبحرا فى البحث عن إسلام يكون إيديولوجيّا تقدّميّا يحتاج أن نميّزه عن سياسة صحيحة للبحث عن نشاطات سياسيّة مشتركة مع المؤمنين أين يكون المزج المناسب مع الصراع الإيديولوجي الحيوي ضد الدين . بالفعل ، يقصد آجيث بقوّة أنّه على الشيوعيين أن يتولّوا مهمّة المساعدة على " دمقرطة العقيدة الإسلامية " .
و فى مكان آخر ، يحذّر آجيث من أنّ " إن كان التحليل يقوده الإشتمزاء الأخلاقي ، فإنّ المجموع برمّته [ القوى الأصولية ] سيُنظر إليه ببساطة كشرائح رجعيّة ولى عهدها و إنتهى الأمر ..." (185) لا إعتذار لدينا عن " الإشمئزاز الأخلاقي " تجاه إيديولوجيا و ممارسات القوى الرجعية الإسلامية ( و الأصوليين الدينيين الرجعيين الآخرين ). و زيادة على ذلك ، من الحيوي أن تتمّ معارضة هؤلاء الأصوليين الدينيين معارضة تامة فى المجال السياسي بسبب رؤيتهم و برنامجهم الإجتماعيين الرجعيين . إنّها رؤية فظيعة و عبودية قروسطيّة لها بعض التناقضات مع الإمبريالية . لكن ، مثلما يشير أفاكيان ، إنّ مساندة أي من الشريحتين اللتين " ولّى عهدهما " يعزّز الأخرى : المهمّة هي التقدّم بطريقة أخرى .
يريد آجيث أن يوحّد يحشرنا معا فى جبهة " مناهضة للإمبريالية " مع الأصوليين كما يمكن رؤية ذلك من تهمته بأنّ " الأفاكيانيين " يخفقون فى رؤية انّ " تمفصلها و إنتشارها و إستيعابها كخطاب وطني لا يُعترف بهم فى أي مكان " فى الواقع ، الأصولية ليست برنامجا للتحرّر الوطني – إنّها تركيز لمصالح و برنامج رجعي لفئة ولّى عهدها ضمن الأمم المضطهَدَة . (186)
و خلافا لأمل آجيث فى بناء جبهة مناهضة للإمبريالية مع مثل تلك القوى ، فإنّ الأحداث الراهنة تكشف صحّة تحليل أفاكيان للديناميكية الرجعية للشريحتين اللتين " ولّى عهدهما " و خاصة أنّ الوحدة مع أي منهما تنتهى إلى تعزيز الأخرى .(187)
و يدعى آجيث أنّ أفاكيان لم يعالج أسباب التأثير المتنامى للدين على فئات هامة من الجماهير فى عديد البلدان عبر العالم . و هذا صراحة سخيف فأي نظرة جدّية على أعمال أفاكيان تبيّن قدرا كبيرا من التفحّص الخاص التفصيلي و الصارم لما يعتمل من عوامل مادية و إجتماعية و إيديولوجية .(188)
ما يعارضه آجيث هو أنّ أفاكيان أنجز تحليلا شاملا للدين( ومن ثمّة تنديد آجيث ب" العقلانية الغليظة ") بينما يريد آجيث أن يبقي على عشّ أو مخبإ منه يطرد العلم . العلم ذاته يجب أن يقرّ ، حسب آجيث ، بدور الدين فى " دوره التاريخي فى إيجاد و تطوير الأخلاق و العلاقات الإجتماعية و أثرها فى العقل الإنساني ". و جزء من موقف السخط على التنوير و تهمة " العلماوية " هو الإيمان بأنّ المجال الهام من الواقع الإنساني يتعرّض لسوء المعاملة من قبل النظرة المادية و العلمية للعالم ، و من هنا الخلط بين ما هو عمليّا علم و " المؤسسات العلمية " التى تهيمن عليها الرأسمالية . هذا الشعور بالتخلّص من وهم العالم القائم و سوء إستعمال العلم يؤدّى بالبعض إلى إستقاء القيم و الأخلاق و تركيزها فى مجال علوى فائق .
بالنسبة لآجيث ، مع ذلك ، الأخلاق التقليدية و العديد من " القيود التقليدية " الأخرى يجب أن لا تعيقنا ( لنستعمل كلمات نشيد الأمميّة )، و ذلك لأنّ فى نظره هذا جزء هام من إرث أمّة تقاتل الإمبريالية .




















X – الخاتمة :
الآن نأمل أن يكون القرّاء قد لمسوا كيف أنّ طريقتين مختلفتين تماما للنظر إلى العالم فى نزاع حاد . كيف ننظر إلى العالم و كيف نغيّره ؟
مثلما أشرنا فى بداية هذا المقال ، فهم ما أسميناه الماركسية – اللينينية – الماوية قد إنقسم إلى إثنين . وصار الآن من الممكن – و من الضروري – أن نفصل بأكثر وضوح القمح عن القشرة. و يخدم آجيث كمرآة تشويه كالذين نراهم فى الكرنفالات حيث يتمّ المبالغة فى كبر كلّ جانب غير كامل إلى أبعاد غريبة . كلّ من شارك فى الحركة الشيوعية يمكن أن يستفيد من نظرة عبر موشور آجيث ، على وجه الضبط ليشخّص بشكل أفضل مناطق الظلّ ذاتها فى التفكير الجماعي للحركة الشيوعية ، و التى تمثّل عراقيلا و وزرا قاتلا فى طريق المشروع الشيوعي التحرّري الطامح إلى قمم جديدة .
العالم يصرخ من أجل الثورة . ليس فقط لإنجاز الإختراقات الأولى و العظيمة للثورة الشيوعية فى القرن الماضي و إنّما أيضا لمزيد الثورة ، بمزيد التشخيص الدقيق لكلّ ما يستعبد الإنسان و إجتثاثه ؛ لثورة قادرة أكثر على إستيعاب كلّ ما هو نضر و باعث للحياة و ثوري من كلّ مظهر من مظاهر الوجود الإنساني ، لثورة تنسجم حتّى أكثر مع أعمق طموحات الناس ؛ لثورة تهدف حقّا إلى بلوغ " القطيعتين الأكثر راديكالية " مع " علاقات الملكية التقليدية " و مع " الأفكار التقليدية " .
هذه هي الثورة الشيوعية التى نحتاج و التى يجب أن ننجز . ولكي تتحقّق هذه الثورة ، لكي تترسّخ و تتجذّر ضمن الجماهير الشعبية القاعدية ، و الشباب و الفنّانين و المثقّفين و غيرهم من ذوى التفكير الراديكالي ، و لكي تنهض الملايين و تنتصب واقفة ، يجب على حركتنا أن تنفض الغبار عن نفسها و تنبعث من جديد بعد التراجع الفظيع الذى طال الآن لعقود أربعة . هذه الحاجة الكبرى – إنقاذ الشيوعية و إعادة الحيوية لها و مزيد تطويرها – هي التى تولّى أفاكيان تلبيتها على نحو شامل . و الآن قد نظّر لكيف من ذات العلاقات المادية و التناقضات الإجتماعية الحقيقية جدّا ، من الممكن بناء الحركة الشيوعية التى يمكن أن تنجز حتّى ما أفضل وتمضي حتّى أبعد من المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية. نحن فى حاجة إلى نظرة للعالم لا تعوّل على المميزات المبهمة مثل الحتمية أو ما يفترض أنّه ميزات خاصّة بالبروليتاريين و الجماهير المضطهَدَة . بالعكس ، من الحيوي أن نكنس هذه الأخطاء التى أغرقت الفهم الأكثر ثورية و علمية للمجتمع ، الماركسية . لكن هنا يقف آجيث ممسكا الركائز الميتافيزيقيّة بالذات . وهكذا يمكن أن نقدّر بعمق أكبر القطيعة الأبستمولوجية الرائدة لأفاكيان و إختراقاته فى المنهج والمقاربة الشيوعيين .
صحيح أنّ آجيث أفلح عادة فى إخفاء جوهر سياساته و نظرته إلى العالم التى تقف وراء مزيج من كلمات تمزج عناصرا فى خليط . لطالما تميزت كتابات آجيث بالإنتقائيّة . ينبغى أن نتذكّر ملاحظة لينين " إنّ إظهار الإختياريّة [ الإنتقائيّة – المترجم ] بمظهر الديالكتيك فى حال تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ." (189) . و مقال آجيث " ضد الأفاكيانية " ليس إستثناءا ، و نرى مرارا و تكرارا أنّه يحتجّ على أنّ آخرين قد إقتطفوا بصفة غير عادلة ملاحظاته ولم يعيروا إنتباها كافيا إلى نقل كلّ ورقة التين .
شدّة إحتجاجه مردّها الكثير من الجهد الواعي لحجب أخطائه فى ما يتعلّق بكون الإنتقائية ليست مجرّد خلط " من جهة هذا ، ومن الجهة الأخرى ذاك " بل خلط يحجب ما هو التناقض الرئيسي . بالنسبة إلى آجيث ، العلم شيء حسن طالما يبقى على فضاء للدين أيضا – و من ثمّة لا يمكن أن يسائل العلمُ تمام المساءلة الدينَ . و بالرغم من الأخطاء التى وُجدت فى الحركة الشيوعية العالمية فى ما يتصل بالبحث عن " الحقيقة السياسية " ، يشدّد آجيث على صلوحيّة هذه " الحقيقة الطبقية " – و بالتالى يرمي الحقيقة الموضوعيّة خارجا . و يعارض آجيث التيولوجيا فى الكلام لكنّه يعتبر " عنصر الحتمية " أساسيّا فى التأريخ الماركسي– وهكذا لم تعد الماديّة التاريخية مادية أو تاريخية بل صارت تتمتّع بهدف مسبّق شبيه بالدين .
المصدر الأساسي لإنتقائية آجيث ينبع من جهوده السابقة للتوفيق بين الماركسية – اللينينية – الماوية و تيّارات التفكير و السياسة المختلفة معها و المعارضة لها موضوعيّا التى وُجدت لفترة طويلة داخل الحركة الشيوعية . لسنوات عدّة سعى آجيث إلى المصالحة و التوفيق بين فهمين للماوية متعارضين و متباينين موضوعيّا . بيد أنّ مثل هذا الموقف بات تدريجيّا غير قابل للحفاظ عليه . " الماوية " التى ترفض التقدّم ، التى تنحرف عن أسسها العلمية و التحريريّة و التى تخفق فى المسك بالتوجّه الذى بادر به ماو نفسه و تخفق فى إتباعه – هذا النوع من الماوية ، ماويّة آجيث ، " يتحوّل إلى ضدّه " .
هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى ، تقدّم بوب أفاكيان بخلاصة جديدة للشيوعية طوّرت أكثر الإطار النظري للمضيّ قدما بالثورة الشيوعية فى ذات الوقت الذى أعلن أعداؤها أنّها ماتت و دفنت . الخلاصة الجديدة تكشف و تدافع و تشيّد على العلم التام للثورة الشيوعية كما أسّسه أوّلا ماركس و رفعه إلى قمم جديدة لينين ثمّ ماو . إنّها تستخلص رؤى ثاقبة من نطاق واسع من التفكير و النشاط الإنسانيين . و تقطع الخلاصة الجديدة قطائعا حيويّة مع الفهم الخاطئ السابق . إنّها تتجاوز ماو – و تمضي بالماركسية إلى مكان جديد . إنّها إطار المضي أبعد و إنجاز ما أفضل فى القيام بالثورة و تحرير الإنسانية .
لم يعد من الممكن لآجيث أن يبقي ساقا على الرصيف و ساقا على الزورق المغادر . لقد واجه هو والذين يفكّرون مثله الحاجة إلى إنجاز قفزة فى الفهم الذى يتطلّبه حدوث القفزة الجديدة فى الممارسة الثوريّة . لكن عوض القيام باللازم سقطوا و هم غارقون إلى العنق فى بقايا الماضي .
مزيد التقدّم يمكن أن يأتي و قد أتى بالطريقة الوحيدة التى يأتى بها التقدّم أبدا – كجدليّة بين تحطيم الخاطئ و بناء الجديد إعتمادا على الدفاع المستميت على المكاسب الماضية المرفوق بتفحّص للنقائص ، تأكّد كبير من الحاجة للثورة البروليتارية وإمكانيتها إلى جانب تشديد شديد كذلك على الإستيعاب النقدي لكلّ ما ينبع من آلاف المسام .
إنّ نظرة آجيث نفسه للعالم تجعله على الأرجح يعتقد ، مثلما يتهم ، أنّ الخلاصة الجديدة لأفاكيان لا يمكن أن تقود إلاّ إلى مزيد الإنعزال عن الجماهير . و فى الواقع ، الأمر بعيد عن أن يكون كذلك . رؤية آجيث و برنامجه هما الإنعزاليان و ضيقا الأفق بشكل ميؤوس منه و تافهان وغير قادرين على إلهام جيل جديد من الشيوعيين . يأمل آجيث أن يقدر الشيوعيون بشكل ما على الإبحار على الصراع العفوي للجماهير ثمّ يمكن أن يفرضوا "حقيقتهم الطبقية " ( كما يأوّلها آجيث و أمثاله فى العالم) . و لكن هذا بعيد عن أن يكون تحرّريا و جذابا .
جهود آجيث لتصوير نفسه كبطل ل( تأويل معيّن من ) الماوية يساعد كذلك فى شرح تشويهه العنيف للتاريخ الفعلي للحركة الماوية عقب إنقلاب 1976 فى الصين ، و خاصّة النضال من أجل إعادة تجميع القوى الماويّة عالميّا من خلال الحركة الأممية الثورية . يشعر بأنّه مضطرّ للحطّ من قيمة محوريّة مساهمات بوب أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ( التى ينعتها ب " كذب فظيع " ) المعلومة فى تلك السيرورة ، بينما يجمّل دوره الخاص المتناقض جدّا . (190) فى وقت آخر سيصبح من الضروري أن نفكّك و ندحض " تاريخ " هذه السيرورة المشوّه و الخادم للذات الذى صاغه آجيث . غير أنّ المعركة الإيديولوجية مع آجيث اليوم بينما هي متجذّرة ومرتبطة بسلسلة من الصراعات الماضية ، طبيعتها مختلفة نوعيّا. هناك كلّ من الأساس و الحاجة إلى حدوث مرحلة جديدة كلّيا من الثورة الشيوعية .
فى الفلسفة التى كانت محور تركيزنا هنا ، :
"، تعيد هذه الخلاصة الجديدة فى معناه الأساسي ، إرساء الماركسية على أكمل وجه على جذورها العلمية. إنها تعنى أيضا التعلّم من التجربة التاريخية الغنية منذ زمن ماركس ، مدافعة عن الأهداف و المبادئ الجوهرية للشيوعية ، التى ثبت أنها صحيحة أساسا ، وناقدة ونابذة المظاهر التى ثبت أنها خاطئة أو لم تعد قابلة للتطبيق ومؤسسة شيوعية على أساس علمي أتمّ وأصلب. " (191)
إلى درجة وجود أخطاء فى الحركة الشيوعية ، بما فيها أخطاء فى تفكير أعظم قادتها ، لا ينبغى أن يجعل ذلك الشيوعيين يتقلّصون فى حالة رعب و لا أن يتبنّوا دفاعا شبيها بدفاع النعامة عن النقائص الثانويّة . إلاّ أنّ ما كانت تعدّ أخطاءا فى إطار تاريخي ، عندما يتمّ الدفاع عنها و تنظيمها و تطويرها كما يفعل آجيث ، تتحوّل إلى مشروع إجتماعي مختلف نوعيّا .
الخلاصة الجديدة " تعيد أدلجة " الشيوعية و تضعها على أساس أصلب و أرسخ علميّا . أكثر إعتمادا على الواقع ، أكثر جدلية ، أكثر إمكان حدوث و أكثر مرغوبيّة . و هذه ليست " عقلانيّة " .و ليست " علماوية " . إنّها الشيوعية . شيوعية قد ظهرت طوال عقود عدّة من الهجوم الشرس و تحدّيها الأعظم سياسيّا و إيديولوجيّا ، ليست " دون مساس " و إنّما هي معاد تلخيصها ، و مسلّحة بدروس الماضي ، ومستوعبة للفهم الذى كسبته الإنسانية فى شتّى الحقول ، و بإدراك أقوى للمهمّة و الأهمّ بمنهج و مقاربة أعمق و أكثر علمية لإنجاز الثورة بإتجاه المرحلة التالية .
تحتاج الإنسانية أن تتخطّى العصر الرأسمالي برمّته و تقسيم المجتمع إلى طبقات ذاته . هناك الملايين و الملايين يمكن أن يكسبوا إلى فهم الحقيقة و العمل على أساسها . و يحتاج الشيوعيون إلى التخلّص من كافة الأفكار و مناهج التفكير التى تقف فى طريق إنجاز هذا .
==============================================================================================================





الهوامش :
1- بو أفكيان ، " ملاحظات حول الفنّ والثقافة ، والعلم و الفلسفة " ، " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الإبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، إنسايت براس ،2005 ، ص 43 بالأنجليزية .
2- كلايد يونغ ( 1949- 2014 ) كان عضوا للجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة . للمزيد أنظروا
http://revcom.us/a/356/clyde-young-1949-2014-a-life-lived-for-the-people-andfull-emancipation-en.html
3- الموجة الأول من الثورة البروليتارية بدأت مع تركيز كمونة باريس فى 1871 لكنّها لم تعمّر طويلا: من 18 مارس إلى 28 ماي .
4- تشكلّت الحركة الأممية الثورية فى 1984 ك " مركز جنيني للقوى الماوية عالمية " التى توحّدت على قاعدة وثيقتها التأسيسية ، " بيان الحركة الأممية الثورية " . ولعبت دورا هاما فى قتال اليأس و الفوضى عقب الإنقلاب فى الصين سنة 1976 و حثّت على إعادة تنظيم القوى الشيوعية العالمية و تعميق نضالها الثوري و دعمتهما .
5- " تمايزات – مجلّة النظرية و الجدال الشيوعيين "
http://demarcationsjournal.org/issue03/letter_to_participating_parties_of_rim_revolutionary_communist_ party_usa.pdf
6- زمنها كانت " نكسلباري " مجلّة الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي – اللينيني ) (نكسلباري ) وكان آجيث أمينه العام . و فى غرّة ماي 2013 أعلن إندماج بين الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني ) (نكسلباري ) .
و لمساعدة القرّاء على العثور على المادة المستشهد بها ، وقع تضمين العناوين الفرعية و رقم الصفحات التى تبدأ بها فى هذا الهامش فقط : الإجتماع الخاص و رسالة الحزب الشيوعي الثوري ، ص 7؛ أخلاقيّات الجدال الأفاكيانيّة ، ص 9؛ المراحل التعسّفيّة للأفاكيانية ، ص 16؛ عرض مشوه لماو ، ص 19؛ تشويه الأممية ، ص22؛ المهمّة الوطنية فى الأمم المضطهَدة ، ص 24 ؛ المسألة الوطنية فى البلدان الإمبريالية ، ص 30 ؛ نقد طفولي لتكتيك الجبهة المتّحدة ، ص 34 ؛ تقويض الإقتصاد السياسي الماركسي ، ص 38 ؛ الوضع العالمي ، ص 4 ؛ الديمقراطية الإشتراكية ، ص45 ؛ الحقيقة و المصالح الطبقية و المنهج العلمي ، ص 56 ؛ نقدعقلاني للدين ، ص64 ؛ الصراع صلب الحركة الأممية الثورية، ص 73 ؛ أخبث و أخطر ، ص 75. يتناسب ترقيم الصفحات هذا مع ملفّ البى دى أف الذى نشر حسب الرابط التالي :
http://www.bannedthought.net/India/CPI-ML-Naxalbari/Naxalbari-Magazine/Naxalbari-04.pdf.
و من هنا فصاعدا الإستشهادات من مقال آجيث ستتمّ الإحالة عليها على أنّها من " ضد ".
7- " ضد " ، ص 78.
8- أنظروا ريموند لوتا " حول " القوّة المحرّكة للفوضى " و ديناميكية التغيير " ، مجلّة " تمايزات " http://demarcations-journal.org/issue03/driving_force_of_anarchy_and_dynamics_of_change_polemic.pdf
9-" الخلاصة الجديدة للشيوعية و بقايا الماضى " و " الشيوعية أم القومية ؟ " والمقالات للمنظّمة الشيوعية الثورية ، المكسيك .
http://demarcationsjournal. org/issue03/the_new_synthesis_of_communism_and_the_residues_of_the_past.pdf

http://demarcationsjournal.org/issue03/communism-or-nationalism.pdf
10- و يقدّم هذا الخليط على أنّه " ماوية " لكنّه طبل خاوى. لمضمونه صلة رثّة بما مثّله ماو تسى تونغ، القائد الشعي الثوري ، و دافع عنه . و تعكس حجج آجيث دعوة غلى الذين أخفقوا فى فهم أهمّ تطوير للماركسية منقبل ماو ، لا سيما تحليل ماو الرائد لتناقضات المجتمع الإشتراكي بما هو مرحلة إنتقاليّة نحو الشيوعية ، و خطر إعادة تركيز رأسمالية و ضرورة و وسائل مواصلةالثورة فى ظلّ الظروف الجديدة لدكتاتورية البروليتاريا . و بدلا من ذلك ، ركّز آجيث و معارضون آخرون للخلاصة الجديدة للشيوعية على ماو مختلف ، ماو له بضعة نقاط مشتركة مع ماو الشيوعي الثوري ، لكن منزوع القلب العلمي والماركسي ، مؤكّدين على الدفاع عن الأخطاء التى مثّلت لدى ماو نقاط ضعف ثانوية جدّا و جعلها مركزيّة بينما ينفخون قوميّتهم و براغماتيّتهم و إنحرافاتهم الأخرى فى ماو الخاطئ و المشوّه هذا .
11- كارل ماركس ، " الصراع الطبقي فى فرنسا ،1848 - 1850 " ، الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، منشورات باللغت الأجنبية ،موسكو ، المجلّد 1 ، ص 223 .
12- تشانغ تشن – تشياو ، " بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " ، منشورات باللغات الأجنبية، بيكين ، 1975 بالأنجليزية ؛ و بالعربية ضمن كتاب شادي الشماوي ( مكتبة الحوار المتمدّن ) " قيادات شيوعية ، رموز ماوية " .
13- من أجل عرض و تلخيص شاملين للثورة الثقافيّة ، أنظروا حوار مع ريموند لوتا " لا تعرفون ما تعتقدون انّكم" تعرفون " ... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها و مستقبلنا " ، " الثورة الثقافيّة : أعمق تقدّم فى السير نحو تحرير الإنسان إلى الآن ".
http://revcom.us/a/323/you-dont-know-what-you-think-you-know-en.html#chapter0408
14- " الأممية الشيوعية ، 1919 – 1943 " وثائق إختارها ونشرها جين دوكراس . المجلّد الثاني ، 1923-1928.
https://www.marxists.org/history/international/comintern/documents/volume2-1923-1928.pdf
15- ك.ج. أ ، " أفكار جدالية حول بحث دي مالو " ما هي الماوية ؟ " ، الفهم العلمي و الدفاع الصلب و تجاوز الماويّة من أجل مرحلة جديدة من الشيوعية " ، مجلّة " تمايزات "
http://demarcationsjournal.org/issue02/demarcations-polemical_reflections.pdf
16- فرديريك إنجلز ،" مقدّمة الطبعة الألمانية لسنة 1883 " بيان الحزب الشيوعي " ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1970، ص7-13. "و مع ذلك قد بلغ الآن هذا النضال مرحلة حيث الطبقة المستغَلّة و المضطهَدَة ( البروليتاريا ) لم يعد بوسعها أن تحرّر نفسها من الطبقة التى تستغلّها و تضطهِدها ( البرجوازية ) دون أن تحرّر فى نفس الوقت و إلى الأبد المجتمع برمّته من الإستغلال و الإضطهاد و الصراعات الطبقيّة – هذا التفكير الأساسي يعود إلى ماركس وحده و حصرا – و قد شدّدت على هذا عديد المرّات ؛ لكن تحديدا الآن من الضروري أن يوضع ذلك فى مقدّمة " بيان الحزب الشيوعي " ذاته ."
17- " ضد " ، ص64.
18- " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو ، 2008 ، ص 25.
http://revcom.us/Constitution/constitution.html
19- " ضد " ، ص 62 . أنظروا ردّ : " الجدال الراهن حول المجتمع الإشتراكي – ردّ للحزب الشيوعي الثوري " ، مجلّة " تمايزات "
http://demarcations-journal.org/issue02/demarcations-ajith_reply.pdf
20- المصدر السابق ، ص 63.
21- المصدر السابق ، ص 64.
22- الوضعية تيّار بارز فى القرنين التاسع عشر و العشرين . يتميّز بتحديده معاييرا ومقاييسا للمعرفة . و من أبرز مظاهره هو رفضه لأي فرق بين الظاهر و الباطن . و أيّة إدّعاء بالمعرفة غير المظاهر الممكن ملاحظتها تعتبر مميّزات خفيّة و بالتالى خارج نطاق المعرفة الشرعية و الصالحة . و تعتبر الوضعية أحيان مناهضة – للفلسفة .
23- متّى ، الفصل 22 ، الآية 21.
24- الثنائيّة مدرسة فلسفيّة قائمة منذ زمن بعيد ومرتبطة بديكارت و آخرين الذين يحاججون انّ هناك مادتان ، مجالات منفصلين تمام الإنفصال ، مجال يخصّ المادية و مجال آخر يخصّ الروح ، أو بصفة أعمّ ، مجال الأفكار و الوعي . أنظروا نقد الحزب الشيوعي الثوري لآجيث ، و فيه تمّت الإشارة إلى ثنائيّة آجيث ، " الجدال الراهن حول نظام الدولة الإشتراكيّة – ردّ من الحزب الشيوعي الثوري " ، مجلّة " تمايزات ".
25- ذكره بوب أفاكيان فى كتاب " لنتخلّص من كافة الآلهة ..." إنسايت براس ، شيكاغو ، 2008 ، ص 220-221. أرديا سكايبراك" علم التطوّر وأسطوريّة فكر الخلق- معرفة ما هو حقيقي و لماذا يهمّنا "،إنسايت براس ، شيكاغو 2006.
26- فرديريك إنجلز، " الإشتراكية الطوباوية و الإشتراكية العلمية " ،منشورات باللغات الأجنبيّة ، 1975، ص 72.
27- تلقى النظريّة الداروينية بالضوء على الدور الحيوي للتحوّل المرتبط بالصدفة وهو مثلا ، على خلاف طلقة ناريّة من بندقيّة ، ليس قابلا للتوقّع أو ممكن إعادة إنتاجه بنفس الطريقة . إنّ تطوّر أشكال الحياة الطبيعية يعمل عبر نجاح التوالد المختلف. بعض التحوّلات المرتبط بالصدفة ن و بالفعل غالبيّتها ، تخفق ،أي ، لا تؤدّى إلى ميزة تأقلم ، بينما يمكن لبعض التحوّلات المرتبطة كذلك بالصدفة أن تؤدّى إلى ميزة توالد كائنات حيّة فى ظروف خاصة و بيئيّة متغيّرة .
28- مثلا ، ، فى البيولوجيا ، البكتيريا يمكن أن تعرف شكلين مختلفين هندسيّا لخلايا السكّر (" الإنصاف " أو شيرليتي ) لكنّها ستتغذّى فقط على شكل واحد من الخلية ، ليس بسبب أنّ الشكلين المختلفين متكوّنين من عناصر مختلفة و إنّما لأنّ تاريخ تطوّر بكتيريا معطاة بدأت تتغذّى بشكل واحد من خليّة السكّر.
29- فرديريك إنجاز ، " ضد دوهرينغ " ، منشورات باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1976 ، ص 28 بالأنجليزية ؛ و العربية ص 28 من طبعة دار التقدّم ، موسكو: " و تعتبر الطبيعة محكّا للديالكتيك . و يجب أن نقول إنّ العلم الطبيعي الحديث قد أتاح لهذا المحكّ مادة غنيّة جدّا تتزايد كلّ يوم ."
ثمّ لاحقا فى الصفحة 180 بالأنجليزية و ؛ بالعربية ص 165 من طبعة دار التقدّم ، موسكو: " الديالكتيك ما هو إلاّ علم القوانين العامة للحركة و لتطوّر الطبيعة و المجتمع البشري والتفكير ."
30- " ملاحظات ..." ، ص 7 ، : " كلّ ما تحدّثت عنه إلى الآن له صلة وثيقة بالمبدأ الذى شدّد عليه ماو - انّ الماركسية تشمل لكنّها لا تعوّض كلّ هذه المجالات المختلفة من المجتمع و النشاط الإنساني " . و كما وضع ذلك ماو ، لكلّ مجال من مجالاتها ميزة تناقضه الخاص ".
31- أنظروا ف. أس راماشندران، " البحث العلمي "المقدّم فى وثيقته المعنونة " العصب الأساس للتجربة الدينية " المتقدّ فى الندوة السنوية لجمعية علم الأعصاب . أكتوبر . تجريد 529.1، المجلّد 23 ، جمعية علم الأعصاب . و قد حاجج بأنّ هناك أساس مادي فى خلايا المخّ وتشابك لسيرورة التحرّكات الروحية ، أساس مادي لوضع الذهن الديني .
32- " ضد " ، ص 64 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 63 – مكتبة الحوار المتمدّن.
33- أنظروا بوب أفاكيان ، " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية "، الجزء1 http://revcom.us/avakian/makingrevolution/ and part 2, http://revcom.us/avakian/makingrevolution2/
34- " ضد " ، ص 57 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 56 – مكتبة الحوار المتمدّن.
35- المصدر السابق ، ص 57 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 56 – مكتبة الحوار المتمدّن.
36- تقليص الحاجة إلى حزب طليعي إلى مظاهره التنظيميّة والعمليّة ، و تجاهل مسائل الرؤية الإيديولوجية والسياسي و القيادة والقطيعة مع العفويّة ، يؤدّى إلى نوع الحزب المميّز للتروتسكيين و الإصلاحيين الآخرين وهو منسجم مع الإقتصادوية و الديمقراطية الإشتراكية .
37- " ضد " ، ص 59 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 58 – مكتبة الحوار المتمدّن.
38- بوب أفاكيان ، " حاجة الشيوعيين لأن يكونوا شيوعيين " ، جريدة " الثورة " عدد 38 ، 12 مارس 2006 . " لوضع ذلك بطريقة أخرى ، " الموقف " لا يكفى . حتّى ضمن الشيوعيين هناك الكثير من الخلط حول هذا . أحيانا يقول الناس ، " لديه أو لديها خطّ إيديولوجي جيّد حقّا " ، و بهذا يقصدون أنّ للشخص موقف جيّد – يكرّس نفسه حقّا ، وهومليئ بالحقد على الإضطهاد وما إلى ذلك – لكنّ الموقف ليس كافيا . لقد كتب تشانغ تشن – تشاو عن هذا ( على الأقلّ يقال إنّه كتب شيئا عن هذ و أنوى الإعتقاد فى ذلك ، إعتبار ذلك واقعا و المضيّ معه ) . و إثر الإنقلاب فى الصين ، قال التحريفيّون فى هجوممن هجماتهم على " مجموعة الأربعة " إنّ تشانغ تشن – تشاو قد أكّد أنّ النظريّة هي العامل الأكثر ديناميكية فى الإيديولوجيا . و سبب حديث التحريفيين عن هذا اليوم هو " آه ، إنّه مجرّد دغمائي – كلّه نظريّة و لا تطبيق ، لا شرف الواقع المباشر " " .
http://revcom.us/a/038/avakian-need-for-communists.htm
39- " ضد " ، ص 59 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 59 – مكتبة الحوار المتمدّن.
40- قسم " إعادة قراءة جورج جاكسون " فى بحث " تجاوز العقبتين الكبيرتين : مزيدا من الأفكار حول كسب العالم " ، جريدة " العامل الثوري " عدد 968، 9 اوت ، 1998 .
http://revcom.us/avakian/ba-getting-overtwo-great-humps-en.html
41- بوب أفاكيان ، " التناقضات التى لم تحلّ ، قوى محرّكة للثورة " ،
http://www.revcom.us/avakian/driving/
و أنظروا أيضا " لنكسر كافة السلاسل ! بوب أفاكيان حول تحرير النساء و الثورة الشيوعية " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 2014 ، ص 24
http://revcom.us/avakian/Break-ALL-the-Chains/Break-ALL-the-Chains-FULLWORK.pdf.
و كذلك أنظروا إلى " الخلاصة الجديدة و قضيّة المرأة – تحرير النساء والثورةالشيوعية ، مزيد القفزات و القطائع الراديكالية " ، مجلّة " تمايزات "
http://demarcationsjournal.org/issue03/the-new-synthesis-and-the-woman-question.pdf
( التشديد مضاف ).
42- " ضد "، ص 59 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 58 – مكتبة الحوار المتمدّن.
43- بوب أفاكيان ، " وجهات نظر حول الإشتراكية والشيوعية : نوع دولة جديد راديكاليّا ، نظرة للحرّية مختلفة راديكاليّا و أعظم بكثير " ، خاصة القسم المعنون " فهم مادي للدولة و علاقتها بالقاعدة الإقتصادية الكامنة " ، الذى نشر فى جريدة " الثورة " عدد 42 ( 9 أفريل 2006)
http://www.revcom.us/a/037/avakian-views-socialism-communism.htm
44- كارل ماركس ، " الإيديولوجيا الألمانية " .
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1845/german-ideology/ch01d.htm
45- كارل ماركس ، " العائلة المقدسة " ، الفصل الرابع .
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1845/holy-family/ch04.htm
46- " ضد " ، ص 59 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 59 – مكتبة الحوار المتمدّن.
47- أنظروا نقاش تجربة الصين الماويّة ، بما فى ذلك نقاط القوّة و نقاط الضعف ، فى النضال من أجل إعادة صياغة النظرة إلى العالم فى الحوار مع ريموند لوتا ، " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون ". http://revcom.us/a/323/you-dont-know-what-you-think-you-know-en.html
48- بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 24 – مكتبة الحوار المتمدّن.
و يحاجج آجيث بوجه خاص بأنّ البروليتاريا العالمية يمكن أن توجد فقط كبروليتاريا قومية . و من أجل دحض هذه النظرة ، أنظروا مقال " الشيوعية أم القومية ؟ " للمنظّمة الشيوعية الثوريّة ، المكسيك، مجلّة " تمايزات " .
49- مثلما ذكره ماو تسى تونغ فى " فى الممارسة العملية " ، قال لينين " إنّ تجريدات المادة و أحد قوانين الطبيعة و القيمة ...إلخ ،و ب‘ختصار كلّ تجريد علمي ( صحيح و جدّي و ليس باطلا ) ، ليعكس الطبيعة بصورة أعمق و أصدق و أكمل . " ، ماو تسى تونغ ، " فى الممارسة العملية " ، مؤلفات ماوتسى تونغ المختارة ، منشورات باللغات الأجنبية، بيكين ، 1967، ص 299 بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص 437 .
50- ف.إ. لينين ، " ما العمل ؟ " ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين ، 1973 ، ص 111-114 بالأنجليزية .
51- " ملاحظات ..." ، ص 45.
52- " ضد " ، ص 24 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 24 – مكتبة الحوار المتمدّن.
53- أنظروا الحوار مع لوتا ، " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون" "، قسم " التعلمّ من الثورة الثقافية و المضيّ أبعد منها " .
54- " ملاحظات ..."، ص 3-5.
55- " ضد " ، ص 70 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 56 – مكتبة الحوار المتمدّن.
56- المصدر السابق ، ص 70 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 56 – مكتبة الحوار المتمدّن.
57- المصدر السابق ، ص 68 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 55 – مكتبة الحوار المتمدّن.
58- المصدر السابق ، ص 56 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 56 – مكتبة الحوار المتمدّن.
59- هناك حالات مشابهة كذلك حيث قدّم التحريفيّون موقفا حقيقيّا من مثل " الجميع متساوون أمام الحقيقة " لغايات معادية للثورة . ليو تشاوتشي قائد أتباع الطريق الرأسمالي فى الصين شدّد كذلك على أنّ " ماركس وإنجلز و لينين و ستالين و ماو جميعهم قاموا بأخطاء ." و هنا أيضا ، فى حين أنّه أمر أن ننقد الأهداف المعادية للثورة لليو فى رفع هذه السخافة لقتال ما أطلق عليه " عبادة الشخصيّة " ( فى الواقع لمعارضة خطّ ماو الثوري ) ، سيكون الأمر مخالفا تماما أيحاول إنكار حقيقة الكلمات الخاصة التى رفعها .
60- " ضد " ، ص 56 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 56 – مكتبة الحوار المتمدّن.
61- ريتشارد رورتى ، قائد براغماتي جديد ، قال شيئا صار شهيرا ألا وهو " إذا إعتنيتم بالحرّية ، الحقيقة ستعتنى بنفسها " . بالنسبة لرورتى " الحرّية " كانت تعنى ضمان الظروف السياسيّة ( الديمقراطية البرجوازية ) التى ستصاغ من خلالها الإتفاقيات و التسويات . و حالما يتمّ بلوغ تسوية ، " تعتنى الحقيقة نفسها " ، أي ن لا سبب للخصومات حول كيف يجب تعريف الحقيقة و فهمها ، ما إعتبره مشكل زائف . و آجيث يشاطره الكثير بمقاربته عندما يتنازل إلى الحقيقة الطبقيّة . ويعوّل آجيث على التجربة الطبقية و المشاعر المشتركة و النضال لإيجاد تسوية ، و فى هذه الحال تسوية طبقيّة ، يمكن أن تخدم كقاعدة لتحديد ما يعتبر صحيحا . و هذه رواية من نظرية التسوية للحقيقة ، التى ترفض نظرية التناسب للحقيقة ، كمظهر أساسي للمادية . إعتنوا بالظروف السياسيّة للبروليتاريا و مصالحها و الحقيقة ستعتنى بنفسها ، هذا هو الإستنتاج الذى لا يمكن تجنّبه إن أخفق المرء فى التأكيد على نظرية التناسب للحقيقة .
62- " ضد " ، ص 70 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 56 – مكتبة الحوار المتمدّن.
63- المصدر السابق ، ص 70 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 57 – مكتبة الحوار المتمدّن.
64- " الرئيس ماو يتحدّث إلى الشعب ، خطابات و رسائل ، 1956-1971 " ، بنتيون بوكس ، نيويورك ، 1974.نشر مع مقدّمة لستوارد شرام . ترجمة جون شنري و تييون ، ص 235-236.
65- كارل ماركس ، رسالة إلى إنجلز ، 27 جوان 1867، الرسائل المختارة ، ( التشديد فى النصّ الأصلي ).
https://marxists.anu.edu.au/archive/marx/works/1867/letters/67_06_27.htm
بالعربية ، ماركس إنجلس ، رسائل مختارة ، طبعة دار التقدّم ، موسكو ، ص 149.
66- ماو تسى تونغ " فى الممارسة العملية " ، مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الأوّل ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1967، ص 298 بالأنجليزية ؛ و بالعربية ، المجلّد الأوّل ص 436.
67- أنظروا مقال المنظّمة الشيوعية الثورية ، المكسيك " الشيوعية أم القومية ؟ " لأجل نقاش هجوم آجيث على فهم أفاكيان للثورة البروليتارية ك " سيرورة عالمية واحدة " ، مجلّة " تمايزات " .
68- فى " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الجزء 2 ، كتب أفاكيان " تنهض الثورة من تداخل معقّد للتناقضات ، ضمن البلد الخاص و عالميّا ، و التداخل بين هذه المستويات أو الأبعاد . نعم ، هناك بعض الأشياء و بعض الظواهر التى يمكن أن نشخّصها . نعم ، دور الفاشيين المسيحيين عنصر هام جدّا الآن فى " الخليط " الآن بالذات .و نعم ، يمكن أن يلعب دور " مسّير المرحلة ". نعم ، هناك شيء حقيقي جدّا فى المقارنة بين ما يحدث الآن و الفترة السابقة للحرب الأهليّة فى الولايات المتحدة ، أواسط القرن التاسع عشر . و متحدّثين بشكل عام ، هناك نقطة فى مقارنتها " الحرب الأهلية القادمة " . لكن يجب فهم هذا بمعانى جدليّة حيّة ، بمعانى ادية . و ليس بمقاربة دينية لا تلهم ودغمائيّة .
" المعنى حقّا هنا و ما يجب أن نستوعبه حقّا بصلابة و أن نطبّقه بصراحة ، هو فهم مادي و جدلي للعلاقة بين العوامل الموضوعية و الذاتية ، مع كلّ التعقّد المعني فى هذا ، مع كلّ تداخل مختلف مستويات ذلك الواقع " المتعدّد المواد " ."
http://revcom.us/avakian/makingrevolution2/
69- " ضد " ، ص 24 بالأنجليزية ؛ و بالعربية - كتاب شادي الشماوي ، " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، ص 24 – مكتبة الحوار المتمدّن.
70- المصدر السابق ، ص 77 بالأنجليزية .
71- ف. إ. لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " الأعمال الكاملة ، المجلّد 19 ، ص 3 . و إن ثمّة شيء يقال فهو أنّ لينين إستهان هنا بعنصر القطيعة الذى مثّله ماركس مع المفكّرين السابقين .
72- " ضد " ، ص 72.
73- ماركس و إنجلز ،" بيان الحزب الشيوعي " ، منشورات باللغات الأجنبيّة ، بيكين ، 1970 ، ص61 بالأنجليزيّة ؛ و بالعربية ماركس إنجلز مختارات فى أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ، ص 74 : " وهكذا نشأت الإشتراكية الإقطاعية مزيجا من الشكاوي و الأهاجي ، من ذكريات الماضي و أخطار المستقبل . و إذا كان إنتقادها المرّ اللاذع البارع يصيب البرجوازية أحيانا فى صميم قلبها ، فإنّ عجزها المطلق عن فهم سير التاريخ الحديث كا يسبل عليها دوما ثوبا من السخافة و السخرية .".
وفى الصفحة 64 بالأنجليزيّة ؛ و بالعربية ، ص 77: " كان من الطبيعي فى أقطار مثل فرنسا ، يؤلّف فيها الفلاحون أكثر بكثير من نصف السكّان أن يعمد بعض الكتّاب الذين يناصرون البروليتاريا ضد البرجوازية ، إلى إنتقاد النظام البرجوازي و الدفاع عن العمّال من وجهة نظر خاصة بصغار البرجوازيين و الفلاحين . و على هذه الصورة تشكّلت الإشتراكية البرجوازية الصغيرة . "
74- من تقرير المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني : " يعلّمنا الرئيس ماو أنّ "صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء " . إن كان خطّنا خاطئا ، فإنّ سقوطنا لا مناص منه ، حتى مع سيطرتنا على القيادة المركزية و المحلّية و الجيش " . https://www.marxists.org/subject/china/documents/cpc/10th_congress_report.htm
75- ماو تسى تونغ ، " ملاحظات خلال لقاء " ، مارس 1964، ضمن كتاب " عاش فكر ماو تسى تونغ " ، منشورات الحرس الأحمر
https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-9/mswv9_16.htm
76- لقد أنقذ ماركس النظرات الثاقبة لريكاردو من أتباعه الخاصين الذين كانوا على إستعداد إلى قبر هذه النظرات الثاقبة بالذات لأنّها لا تتماشى مع نظريّاتهم الإقتصادية المعادة الصياغة إيولوجيّا . و يبيّن هذا فى نفس الوقت أنّ الحقيقة التى إكتشفتها الطبقات الأخرى تحتاج إلى أن نقرّ بها و ندافع عنها و حيث يكون ضروريّا إعادة صياغتها من قبل المفكّرين الشيوعيين ، و أنّ هناك بالفعل نزعة من طرف الطبقات المستغِلّة إلى قبر الحقائق العلمية عندما يبدو أنّها تتعارض مع مخطّطاتها . أنظروا ماركس ، " نظريّات فائض القيمة " ، المجلّد 2، ص 164-214 و 373-425،و المجلّد 3 ، ص 87-90.
77- فرديريك إنجلز ، " فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكيّة الألمانية " ، منشورات باللغات الأجنبيّة ، بيكين ، 1976 ، ص1 : " لقد بيّن ماركس فى تصدير " مساهمة فى نقد الإقتصاد السياسي " ، برلين 1959، كيف شرعنا معا ، فى بركسال سنة 1845، فى " العمل المشترك من أجل إبراز التعارض بين تصوّرنا ( و يتعلّق الأمر بالمهوم المادي للتاريخ الذى أعدّه ماركس خاصة ) و المفهوم الإيديولوجي للفلسفة الألمانية : و فى الواقع ، شرعنا معا فى فضّ خلافاتنا مع وعينا الفلسفي السابق . و قد تحقّق هذا الغرض فى شكل نقد الفلسفة اللاحقة لهيغل ." و كذلك فى الصفحة 25 : " لأنّنا لا نعيش فى الطبيعة فحسب بل فى المجتمع الإنساني أيضا . و لهذا الأخير تطوّره وتاريخه و علمه أيضا مثلما هو الحال بالنسبة للطبيعة . و ينبغى بالتالى ، ربط علم المجتمع أي مجموع العلوم المسمّاة تاريخية و فلسفيّة بالأساس المادي و إعادة بنائها بالإعتماد عليه . " .
78- " ملاحظات ..." ، ص 54.
79- ماو تسى تونغ ، أعمال ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الخامس ، " خطابات فى ندوة الأمناء العامين للجان الحزب للمقاطعات و البلديّات و لمناطق الإستقلال الذاتي " جانفي 1957، ص 367-368. " لقد كان لدي ستالين قدر كبير من الميتافيزيقا و قد علّم عديد الناس إتباع الميتافيزيقا " .
80- بوب أفاكيان ، " التقدّم بطريقة أخرى " ، الجزء 15 ، الهامش 2.
http://www.revcom.us/avakian/anotherway/anotherway15-en.html
81-
http://demarcations-journal.org/issue03/letter_to_participating_parties_of_rim_revolutionary_communist_party_usa.pdf
82- " ضد " ، ص 63.
83- المصدر السابق ، ص 64 بالأنجليزية : " مقارنة مع التجريدات العلمية فى حقول خاصة ، تمثّل تجريدات الإيديولوجيا و الفلسفة بالتأكيد مستوى أرقى و ذلك لأنّ الأنواع الشمولية التى تقدمها هي ذاتها تنبع من جملة الشموليات المتضمنة فى القوانين التى تحكم حقولا خاصة من الحياة الإجتماعية و الظواهر الطبيعية . ستكون إيديولوجيا أو فلسفة خاطئة فى تجريداتها إن لم تكن هذه التجريدات مرتكزة على الواقع الطبيعي و الإجتماعي. لكن هذا لا يغيّر واقع أنّها تمثل مستوى أرقى من التجريد ." [ بالعربية الصفحة 63 من كتاب شادي الشماوي ، " مقارنة مع التجريدات العلمية فى حقول خاصة ، تمثّل تجريدات الإيديولوجيا و الفلسفة بالتأكيد مستوى أرقى و ذلك لأنّ الأنواع الشمولية التى تقدمها هي ذاتها تنبع من جملة الشموليات المتضمنة فى القوانين التى تحكم حقولا خاصة من الحياة الإجتماعية و الظواهر الطبيعية . ستكون إيديولوجيا أو فلسفة خاطئة فى تجريداتها إن لم تكن هذه التجريدات مرتكزة على الواقع الطبيعي و الإجتماعي . لكن هذا لا يغيّر واقع أنّها تمثل مستوى أرقى من التجريد . " – مكتبة الحوار المتمدّن ].
84- ماو تسى تونغ ، " أحاديث فى ندوة الأدب و الفنّ بيانآن " ، منشورات باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1967، ص 94 بالأنجليزية ؛ و بالعربية ، مؤلّفات ماو تسي تونغ المختارة ، المجلّد الثالث ، ص126-127:
" إنّ الماركسية يمكن أن تتضمّن الواقعيّة فى الإبداع الأدبي و الفنّي و لا يمكن أن تحلّ محلّها تـماما كما أنّها يمكن أن تتضمّن نظريّة الذرّة و نظريّة الألكترونات فى علم الفيزياء و لا يمكن أن تحلّ محلّها " . [ ملاحظة المترجم و نلفت نظر القرّاء أنّنا نعتمد فى كتباتنا ترجمتنا التى نرى أنّها تؤدّى المعنى بشكل أفضل :" ... الماركسية تشمل... و لا تعوّض ..."]
85- بوب أفاكيان و بيل مارتن ، " الماركسية و نداء المستقبل ، نقاشات حول الأخلاق و التاريخ و السياسة " ، منشورات أوبن كورت ، شيكاغو 2005، ص 162-164 .
86- كارل ماركس و فرديريك إنجلز " الإيديولوجيا الألمانية "
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1845/german-ideology/ch01a.htm
87- إنجلز ، " ضد دوهرينغ " ، ص 31 بالأنجليزية ؛ وب العربية ص ؟؟؟؟
88- بوب أفاكيان ، " لنتخلّص من كافة الآلهة ..." ، ص 214 فى الهامش .
89- " الماركسية و نداء المستقبل " ، ص 161-162 .
90- " ضد " ، ص 63.
91- بهذا المضمار ، يدافع آجيث عن وجهات نظر مشابهة لتلك التى لدى الآباء المؤسّسين للبراغماتية الأمريكية . يقول وليام جايمس : " كل دور الفلسفة ينبغى أن يكون إيجاد ما هو الإختلاف المحدّد الذى سينجم لك و لى ، فى لحظات محدّدة من حياتنا ، إن كانت هذه الصيغة العالمية أو تلك هي الصيغة الصحيحة " . من وليام جايمس ، " معنى الحقيقة " ، كامبردج ، ماساشوساتس ، منشورات هارفارد ، 1978 ، ص 30 . هل يمكن أن ترى أي شيء أقرب من هذا إلى " الحقيقة السياسية " ؟
92- " تأملات و جدالات : حول أهمّية المادية الماركسية و الشيوعية كعلم و العمل الثوري ذو الدلالة وحياة لها مغزى . " فى النصّ الأصلي كلمة " ببساطة " فقط هي التى وضع تحتها سطحا .
http://revcom.us/avakian/ruminations/BA-ruminations-en.html
93- " ضد " ، ص 63.
94- " ملاحظات ..." ، ص 43-42.
95- " الماركسية و نداء المستقبل " ، ص 199.
96- المصدر السابق ، ص 226.
97- " ضد " ، ص 77 بالأنجليزية و بالعربية .
98- المصدر السابق ، ص 77 بالأنجليزية و بالعربية .
99- " الجدال الراهن حول نظام الدولة الإشتراكيّة – ردّ من الحزب الشيوعي الثوري " ، مجلّة " تمايزات ".
و بالعربية ص 61 من كتاب شادي الشماوي : " مقال " ضد الأفكيانية " و الردود عليه " ، مكتبة الحوار المتمدّن.
100- " ضد " ، ص 61 بالأنجليزية و بالعربية .
101- المصدر السابق ، ص 77.
102- المصدر السابق ، ص 60 بالأنجليزية و بالعربية .
103- لينين ، " المادية و مذهب النقد التجريبي " ، منشورات باللغات الأجنبيّة ، 1972، ص 153 باللغة الأنجليزية ؛ و بالعربية ص 170 من الملّد الرابع من المختارات فى 10 مجلّدات ، دار التقدّم ، موسكو : " خلاصة القول إنّ كلّ إيديولوجيا شرطيّة تاريخيّا ،و لكنّه لا ريب فى انّ كلّ إيديولوجيا علمية ( خلافا ، مثلا ، للإيديولوجيا الدينية ) تناسبها حقيقة موضوعيّة ، طبيعة مطلقة . ستقولون : هذا التفريق بين الحقيقة النسبيّة و الحقيقة المطلقة غير واضح . و أنّا سأردّ عليكم : إنّه على وجه الدقّة " غير واضح " إلى حدّ أنّه يحول دون تحويل العلم إلى عقيدة بمعنى هذه الكلمة السيء ، إلى شيء ما ميت ، متحجّر ، متجمّد ، و لكنّه فى الوثقت نفسه و على وجه الدقّة ط واضح " إلى حدّ أنّه يتيح التنصّل بصورة حازمة و نهائيّة عن الإيمانية و عن اللاعرفانية ، عن المثاليّة الفلسفيّة و عن سفسطة أتباع هيوم و كانط . هنا يوجد حدّ لم تروه ؛ و بما أنّكم لم تروه ، فقد إنزلقتم إلى مستنقع الفلسفة الرجعيّة . و هذا هو الحدّ بين المادية الديالكتيكية و بين النسبيّة " .
104- " الماركسية و نداء المستقبل " ، ص 162.
105- أنظروا " وخامسهم ماو " ، بانر براس ، شيكاغو ،1978 ، النصّ عدد 17 ، " لندرس جيّدا نظريّة دكتاتورية البروليتاريا "، ص 192 . النصّ 19 ،" بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية"، ص 209.
106- أنظروا " الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد) و مفترق الطرق الذى تواجهه الحركة الشيوعية العالمية " لروبار بوربا، مجلّة " تمايزات " خاصة الصفحات 17-23 من أجل مراجعة مفصّلة لمديح آجيث للتحريفيّة .
http://demarcations-journal.org/issue03/the_new_communist_party_of_nepal_maoist_and_ thecrossroads.pdf

107- " ضد " ، ص 60 ، الهامش 214 .
108- المصدر السابق ، ص 62 بالأنجليزية و بالعربية.
109- المصدر السابق ، ص 60 بالأنجليزية و بالعربية .
110- وحتى مثال آجيث السياسي الملموس ل " الحقيقة العالمية " كاشف جدّا لدغمائيته العنيدة و ابستيمولوجيته الخاطئة . " لنضرب مثالا ، أشارت الأممية الشيوعية إلى أنّ الإمبريالية تحوّل الإقطاعية و تجعل منها قاعدتها الإجتماعية فى بلد مضطهَد. و قد إستخلص هذا الدرس من التحاليل الإجتماعية لعديد البلدان المستعمَرة وشبه المستعمرة . و من هنا يتضمّن حقيقة عالمية تساعد الشيوعيين فى إعداد برامجهم و ترشد ممارستهم." ، " ضد " ، ص 61 ، هامش جيث عدد 217.
من واجب الشيوعيين أن يواصلوا نقاش العلاقة بين الإمبريالية و الإقطاعية فى البلدان التى تضطهدها هذه الأخيرة ، و هذا المقال ليس المجال للدخول فى نقاش كبير لهذه المسألة الهامّة أو فى تاريخها . و مع ذلك ، الأمر الذى يجب أن يكون بديهيّا للجميع عدا أكثر الدغمائيين قلّة ذكاء بهذا الصدد هو أنّ هذه علاقة مرنة و ديناميكيّة و يبدو أنّ عالم القرن ال21 مختلف نوعا ما بهذا المضمار عن الفترة التى حلّلها الكومنترن أو عن الزمن الذى طوّر فيه ماو أطروحاته عن الثورة فى الصين. و إن إتّخذ المرء إقتراح أنّ الإمبريالية " تجعل من الإقطاعية قاعدتها " ك " حقيقة عالمية " أو إعتبرها " مبدأ إيديولوجيّا " بالتالى يختلف فقط فى " تطبيقه " من وضع إلى آخر ، من المشكوك فيه جدّا أن مثل هذا التفكير س " يساعد الشيوعيين فى إعداد برامجهم و يرشد ممارستهم ".
111- المصدر السابق ، ص 60 بالأنجليزية و بالعربية ( التشديد فى النصّ الأصلي ).
112- " لنتخلّص من كافة الآلهة " ، ص205-207 .
113- أرديا سكايبار ، " علم التطوّر و أسطوريّة فكر الخلق ، معرفة ما هو حقيقي ولماذا يهمّنا " ، إنسايت براس ، شيكاغو ، 2006 ، ص 214.
114- " ضد " ، ص 68 بالأنجليزية و بالعربية .
115- تشانغ تشن- تشياو ، " بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " ، منشورات باللغات الأجنبيّة، بيكين ، 1975، ص 24 .
116- " ضد " ، ص 71 بالأنجليزية و بالعربية ص 70 .
117- إنجلز ، " ضد دوهرينغ " ، ص83 بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص79 من طبعة دار التقدم ، موسكو: "على أي حال فحتّى تطبيق " الهدف الداخلي " الهيغلي أي ذلك الهدف ، الذى لم يحمله إلى الطبيعة عنصر جانبي يعمل بشكل عمدي ، مثل حكمة العماية الإلاهيّة ، و لكنّه موضوع فى حتمية الشيء نفسه ، حتى مثل هذا التطبيق لمفهوم الهدف يقود بإستمرار الناس الذين لم يحصلوا على ثقافة فلسفيّة كاملة ، إلى أن ينسبوا للطبيعة بكلّ تهوّر أعمالا واعية و عمدية ."
118- لاحظوا فى الإستشهاد أدناه المقتطف من " رأس المال " ، كيف أنّ تفسيرا ماديّا شاملا للسيرورة التاريخية للإطاحة بالرأسمالية يختلط ثانويّا بتطبيق " نفي النفي " وكذلك بنزعة نحو التأويل الميكانيكي و الحتمي لقانون علمي . " إلى جانب العدد المتقلّص بإستمرار من أقطاب رأس المال ، الذى يستولى على كلّ إمتيازات هذه السيرورة التحوّلية و يحتكرها، ينمو قدر كبير من البؤس و الإضطهاد و العبودية و الإهانة و الإستغلال ؛ لكن مع هذا أيضا ينمو تمرّد الطبقة العاملة ، طبقة عددها دائما فى إزدياد ، و منضبطة وموحّدة و منظّمة بفعل ذات آليّة سيروة إنتاج رأس المال ذاته . و يصب إحتكار رأس المال معرقلا لنمط الإنتاج الذى نما و ترعرع معه وفى ظلّه . و مركزة وسائل الإنتاج و جعل العمل إجتماعيّا يبلغ فى النهاية نقطة حيث يصبح غير منسجمين مع إهاب الرأسمالي . و هذا الإهاب قابل للإنفجار . و تدقّ ساعة الملكية الخاصة الرأسمالية . وتقع مصادرة مصادري الملكيّة...هذا أوّل نفي للملكية الخاصة الفردية ، بما هي مؤسّسة على عمل المالك . لكنّ الإنتاج الرأسمالي يولّد ، و هذا لا مفرّ منه ، قانون الطبيعة ، نفيه الخاص . إنّه نفي النفي ."
119- غنزالو ،" حول حملة التصحيح القائمة على وثيقة " لا للإنتخابات ! نعم لحرب الشعب !" ، مجلّة " عالم نربحه " عدد 19 ، 1993.
120- ضمن الفلاسفة المثاليين الفرضيّات الأساسية هي إتّخاذ العقل و / أو الوعي على أنّه " سابق " للواقع المادي ، و إن لم يكن ذلك زمنيّا فهو على الأقلّ منطقيّا " سابق" . و حتّى بعض " الماديين " كذلك يدافعون عن أنّ مميّزات المادة هي على نحو يوفّر خاصة و حتى يتطلّب ، ظهور أو وجود الذكاء أو الوعي من أجل التمعّن فى المادة .
منذ أواسط القرن العشرين نمت فى صفوف علماء الكونيّات و الفيزيائيين و علماء فيزياء الفلك و غيرهم مدرسة فكريّة تدافع عن ما يشار إليه عامة بمبدأ الأنثروبي. و يأوّل هذا المبدأ المعلومات المتحّصل عليها من الملاحظة التجريبية للعالم بتركيز علاقة ترابط بين وجود الذكاء و الوعي الممكن ملاحظتهما و هيكلة الكون و مظاهره المادية / لفيزيائية . وبالفعل ، يرتبط هذا بكثرة مفرطة من حجج " التصميم " بأنّ العالم مخطّط له . هكذا يلتحق مبدأ الأنثروبي بنوع من الحجّة التى يمكن أن تعود إلى الأزمان القديمة عندما كان العلم و الفلسفة غير متمايزين وكانا أيضا مختلطين بالميتافيزيقا لإعطاء معنى لنظام الأشياء و بالفعل ، لكافة الوجود .
121- " ضد " ، ص69.
122- ذُكر فى مقدّمة " الخطوات البدائية و القفزات المستقبليّة " لأرديا سكايبراك ، بانربراس ، شيكاغو ، 1984، ص 7.
123- هكذا يصف البيولوجي كافيد هانكا التأثيرات الضارة للتيولوجيا : " تراجع الإنتقاء الطبيعي إلى مكان الخالق ، المنتقى الطبيعي ، على أنّه الوجه الجديد للمصمّم الكبير ... و بين الفترة و الفترة هناك محاولات ذات معنى لتبرير إستعمال التفكير التيولوجي على أنّه إفتراضيّا غير ضار و مساعدا على التفكير ... التيولوجيا ، ركيزة البيولوجيا ، ليست سيّئة كثيرا لكونها كسولة و خاطئة ( وهي كذلك ) بل لأنّها تقيّد الذهن مقلّصة التفكير العلمي الخلاّق حقّا ...المشاعر تخدع ، الحقيقة ، بعضها مضاد للفطرة ، تقف هناك وهي تنتظر " . " التيولوجيا : التفسير الذى يربك البيولوجيا " ، ضمن " تفسيرات " ، نشره جون كرنال ، منشورات جامعة أكسفورد ، 2004، ص 143-155 .و يبيّن هانكى كيف أنّ النظرية العلمية لداروين يمكن أن تشوّه ، لنستعمل كلمة هانكى ، لتصبح ركيزة ضارة . بعض نقاط ضعف نظرية داروين ( مثلا التشديد على التدرّج ) أمسك بها البعض و طوّروها على نحو قاد إلى الأخطاء التى وصفها هانكى . و التشويه التيولوجي ذاته لنظريّة ماركس العلمية يمكن أيضا أن يحصل و قد قام البعض بذلك فعلا .
124- بوب أفاكيان ، " من أجل حصاد التنانين " منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو 1983، ص 27.
125- بوب أفاكيان ، " من أجل حصاد التنانين " ، ص 27 ، " من ماركس إلى ب. ف. أنكوف " ( 28 ديسمبر 1846 ) ، ماركس و إنجلز " الرسائل المختارة " ، منشرات باللغات الأجنبية ، بيكين، 1977 ، ص 3.
126- بوب أفاكيان، " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا ، لكن بوسع الإنسانية أن تتجاوز الأفق" http://revcom.us/avakian/birds/birds01-en.html
127-" ضد " ، ص 69 .
128- ماو تسى تونغ ، " خطابات فى الإجتماع الثاني للمؤتمر الثامن للحزب " ، 8-23 ماي 1958 ، " عاش فكر ماو تسى تونغ " ، من منشورات الحرس الأحمر
https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-8/mswv8_10.htm
129- لمزيد الدراسة نحيل القرّاء على وثيقة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية ، " ملاحظات حول الإقتصاد السياسي ، تحليلنا لثمانينات القرن العشرين ، قضايا المنهج و الوضع العالمي الراهن " ، 2000. و أنظروا خاصة قسم " المضيّ بالنقد الذاتي بعيدا ... ضد الحركة النموذجية و العتبات المطلقة " .
http://revcom.us/a/special_postings/poleco_e.htm
130- لين بياو ، " عاش إنتصار حرب الشعب " ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1969، الفصل السادس . لقد عُيّن لين بياو رسميّا خليفة لماو فى 1969. و لاحقا فى 1971 ، مات لين بياو إثر محاولة إنقلاب فاشلة ضد ماو .
131- " بيان الحزب الشيوعي " ، ص 31 بالأنجليزيّة ؛ و بالعربية ماركس إنجلز مختارات فى أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ، ص 48 : " فالحرّ و العبد ، و النبيل و العامي ، و السيد الإقطاعي و القنّ ، و المعلّم و الصانع ، أي بالإختصار المضطهِدون و المضطهَدون ، كانوا فى تعارض دائم ، وكانت بينهم حرب مستمرّة تارة ظاهرة و تارة مستترة ، حرب كانت تنتهى دائما إمّا بإقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره و إمّا بغنهيار الطبقتين المتناضلتين معا ".
132- بوب أفاكيان ، " الشيوعية و ديمقراطية جيفرسون " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو ، 2008 ، ص 61-62.
http://revcom.us/Comm_JeffDem/Jeffersonian_Democracy.html
133- " ضد " ، ص 67 بالأنجليزية و بالعربية .
134- " رأس المال " ، المجلّد الثالث .
http://marxists.org/archive/marx/works/1894-c3/ch48.htm
تحديدا – هامش " ضد الأفاكيانية " عدد 241.
135- إنجلز ، " ضد دوهرينغ " ، ص 366 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص 330.
136- المصدر السابق ، ص 367 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص 330 .
137- فرديريك إنجلز ، مقدّمة 1884 للطبعة الألمانية الأولى من " بؤس الفلسفة "، لكارل ماركس ، منشورات باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1966، ص 6 ، التشديد مضاف .
138- " الرئيس ماو يتحدّث إلى الشعب " ، ص 228. " تحدّث إنجلز عن المرورمن مجال الضرورة إلى مجال الحرّية ،و قال إنّ الحرّية هي وعي الضرورة . هذه الجملة غير تامّة ، إنّها تنطق فقط بنصف و تبقى النصف الآخر مسكوتا عنه . هل يحرّرنا مجرّد وعي الضرورة ؟ الحرّية هي وعي الضرورة و تغيير الضرورة . على المرء أن يقوم بشيء . "
139- حتّى ماو لم يكن بمنأى عنهذه التأثيرات مثلما يمكن لنا ملاحظة ذلك فى موقفه : " سلطة الدولة و الأحزاب السياسيّة سيضمحلاّن طبيعيّا جدّا و ستلج الإنسانية مجال اإنسجام الكبير "
https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-4/mswv4_65.htm
و على أساس تعميق ماو لدراسة المجتمع الإشتراكي و الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية و بلا شكّ مزيد التفكير الفلسفي أيضا ، طوّر نظرة أعمق و أصحّ بكثير للمرحلة الإنتقاليّة و للشيوعية ذاتها : " هل ستوجد ثورة بعدُ فى المستقبل ... ما رأيكم ؟ فى رأيى ، ستظلّ هناك الحاجة إلى الثورة " https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-5/mswv5_56.htm
المشكل هو أنّ عددا كبيرا من الناس فى الحركةالشيوعية إمّا لم يلاحظوا تطويرات ماو لهذه النقاط التى أتت خاصة أثناء الثورة الثقافية البروليتاريةالكبرى ، أو إستبعدتها على أنّها تفاهات مثلما فعل آجيث . و كما يحاجج آجيث ، إن لم يكن يوجد أي تداخل أوخطإ فى معالجة ماركس و إنجلز لهذه المواضيع ، لماذا شعر ماو بالحاجة إلى تصحيحها ؟ و إن لم يتطوّر فهم ماو ، لماذا لم تعد توجد أيّة إحالات ل " الإنسجام الكبير " خلال الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى فى ظلّ قيادة ماو أو فى عديد إحالاته على المجتمع الشيوعي فى كتاباته الأخيرة ؟
140- بوب أفاكيان ، " الأساس المادي للقيام بالثورة و منهجه " ، خطاب ألقي فى 2014.
http://revcom.us/avakian/material-basis/the-material-basis-and-the-method-for-making-revolution-en.html
141- " ضد " ، ص 68-69 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص 68.
142- هذا بديهي فى الماديّة الميكانيكية لديدرو و فلاسفة آخرين فى القرن 18 وفى المادية المطبّقة من قبل أعداد متنامية من العلماء فى القرن 18 و القرن 19. نجاح نظام نيوتن فى وصف ترتيب الطبيعة وسّعه بوبرتيوس و لاغرانج لبلوغ وصف تفصيلي أكثر و فهم أشمل لظواهر الطبيعة . لقد إعتقدت مادية تلك الحقبة أنّها إكتشفت نظاما كامنا " معطى إلاهيّا " للطبيعة . و الحتمية و الترتيب النهائيين للأشياء على هذه النظرة ( فى تشابه مع ما قاله آجيث من " الترابط المنطقي و المنظّم و الصريح لمظاهر الحياة الإجتماعية المتنوّعة " ).
143- بوب أفاكيان ، " الماركسية و التنوير " ، جريدة " العامل الثوري " عدد 1129 ، 2 ديسمبر 2001.
http://www.revcom.us/a/v23/1120-29/1129/bavakian_9.htm
144- " ضد " ، ص71- 72 ؛ بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص 71 .( التشديد فى النصّ الأصلي )
145- بوب أفاكيان ، " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ "، بانر براس، شيكاغو،1986 ، ص 28-30. وإصدار جديد فى 2014 ، فونيم ناشرون ، دلهي ، الهند .
146- بوب أفاكيان ، " الإمبريالية و " الأممية " – التحدّيات الرجعية و الثوريّة " ،" العامل الثوري " عدد 1130، 9 ديسمبر 2001 .
http://rwor.org http://revcom.us/a/v23/1130-39/1130/bavakian_challenges.htm
147- " ضد " ، ص 69 بالأنجليزية و بالعربية .
148- " الماركسية و نداء المستقبل " ، ص 114 .
149- المصدر السابق ، ص 144، 146- 147.
150- ماركس " رأس المال " ، المجلّد الأوّل ، الفصل 31 ،
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1867-c1/ch31.htm
151- " ضد " ، ص 66 بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص 71.
152- " ملاحظات " ، ص 28 . " مثلما يشير كتاب " الوعظ ..." يمثّل الدين كافة أنواع الأشياء الخياليّة لكنّه يؤكّد على أنّ هذه الأشياء ليست صحيحة فحسب بل هي جوهر الحقيقة ، و مبادئ الواقع العملية و المحدّدة . لذا ، ردّا على سؤال " هل يمكن أن نحيا دون أسطورة ؟ " الجواب هو أنّه يجب أن نحيا دون أسطورة بالمعنى الديني ، أو الأسطورة التى تقدّم نفسها على أنّها الحقيقة ، الأسطورة التى تقدّم نفسها على أنّها تجسّد مبادئ الواقع المحدّدة و المنظّمة .
لكن ليس بوسعنا أن نحيا دون – الإنسانية لن تستطيع أن تحيا دون و لا نريد أن نحيا دون – أسطورة بمعنى آخر . و لنضع ذلك بطريقة أخرى ، ، لا نستطيع و لا نريد أن نحيا دون إستعارة – فى الفنّ و فى الحياة بشكل أوسع . وهي طريقة أخرى لقول إنّنا لا نستطيع و لا نريد الحياة دون خيال " . و كذلك فى " المادية و الرومنطيقيّة : هل يمكن أن نحيا دون أسطورة ؟ " ، بوب أفاكيان ، " العامل الثوري " عدد 1211 ، 24 أوت 2003. و الإحالة على " الوعظ من منابر العظمة ، نحتاج إلى أخلاق لكن ليس إلى أخلاق تقليدية " لأفاكيان أيضا ، بانر براس ، نيويورك ، 1999،
http://revcom.us/a/1211/baonmyth.htm
153- " ملاحظات ..." ، " نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، ص 46 – 47 .
154- " ضد " ، ص 71.
155- هنا يجب أن نشير إلى أنّ مفهوم" الفكر الشموليّ فى الواقع غير علمي و بناء إيديولوجي مناهض للشيوعية وضعته موضع العمل قوى إمبريالية مع نهاية الحرب العالمية الثانية لترذيل الشيوعية و تشويهها ، و خاصة الإتحاد السوفياتي . و أي تفحص جدّي للطابع الفعلي للمجتمع السوفياتي حين كان إشتراكيّا من 1917 إلى أواسط خمسينات القرن الماضي ، و مكاسبه التحريريّة فى وجه التحدّيات التى لا تصدّق ، يبيّن أنّ التسوية بين ألمانيا النازية الرأسمالية- الإمبريالية والإتحاد السوفياتي فى ظلّ ستالين أمر فجّ و عبثي . أنظروا الفصل 6 من كتاب " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " ص 167-190، و موقع أنترنت " إعادة الأمور إلى نصابها "
http://revcom.us/movement-for-revolution/SRS/index.html
156- " بيان الحزب الشيوعي " ، ص 55 [ 2- البروليتاريّون و الشيوعيّون ].
157- ميشال فوكو ، " تاريخ الجنسانية " ، المجلّد 1 : مقدّمة ، بنتيون ، نيويورك ، 1978 . " ليست علاقات السلطة فى موقع خارجي فى ما يتعلّق بالأنواع الأخرى من العلاقات ( السيرورات الإقتصادية علاقات المعرفة ، العلاقات الجنسية ) لكنّها كامنة فى الأخير ، إنّها الإنعكاسات المباشرة للإنقسامات و اللامساواة و اللاتكافئ التى تحدث فى الأخير ، و بالعكس هي ظروف كامنة لهذه التمييزات " .
158- " لنتخلّص من كافة الآلهة " ، ص 204-205.
159- برونو لاتور و ستيف وولغار ، " مخبر الحياة : بناء الوقائع العلمية " ، منشورات جامعة برينستون ، 1979 . و أنظروا كذلك ، جون فرانسوا ليوتار ، " الوضع ما بعد الحداثي : تقرير عن المعرفة " ، منشورات جامعة منشيستر ، 1979 ، ص 23-32 و 64-65 ، فى إحالة على " براغماتية المعرفة العلمية " و " البراغماتية الإجتماعية " .
160- " بيان الحزب الشيوعي "، ص 33-34 بالأنجليزيّة ؛ و بالعربية ماركس إنجلز مختارات فى أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ، ص 50-51 . لقد حطّمت البرجوازية دون رأفة " الصلات المزخرفة التى كانت فى عهد الإقطاعية تربط الإنسان " بسادته الطبيعيين " و لم تبق على صلة بين الإنسان و الإنسان إلاّ صلة المصلحة الجافة و الدفع الجاف " نقدا و عدّا " . و أغرقت الحمية الدينية و حماسة الفرسان ورقة البرجوازية الصغيرة فى مياه الحساب الجليدية المشبعة بالأنانيّة ، وجعلت من الكرامة الشخصيّة مجرد قيمة تبادل لا أقلّ و لا أكثر ، و قضت على الحرّيات الجمّة ، المكتسبة و الممنوحة ، و أحلّت محلّها حرّية التجارة وحدها ، هذه الحرّية القاسة التى لا تشفق و لا ترحم . فهي ، بالإختصار ، إستعاضت عن الإستثمار المقنّع بالأوهام الدينية و السياسيّة بإستثمار مكشوف شائن مباشر فظيع . " "
161- قاد هذا التفكير ، بما فيه معاداته للسامية ، هايدغير إلى أن يصبح مساندا للنازيّة و إلى لعب دور نشيط فى " تطهير " الجامعات من العناصر " غير الآريّة " . و إثر الحرب ، أعادت السلط الألمانية و الإمبرياليون الأمريكان الإعتبار لهايدغير .
162- لما بعد الحداثيين نزعة لإنتزاع هذه الملاحظات المفيدة عامة من واقعها المادي الكامن . أنظروا كتاب أفاكيان " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " من أجل معالجة علمية لظهور " ديمقراطية جيفرسون " فى بداية تاريخ الولايات المتحدة .
163- إدوارد سعيد ، " الإستشراق " ، فنتاج بوكس ، نيويورك ، 1979 ، ص 108. كانت لإدوارد سعيد رؤى ثاقبة فى هذا المضمار ، رغم نقده الإحادي الجانب لماركس ل " مركزية أوروبية " .
164- ماكس هورخايمر و تيودور أدورنو ، " جدلية التنوير " ، منشورات جامعة ستانفورد ، 2002.
165- إثر الحرب ، بعض الأنوار القيادية لهذه المدرسة إنخفضت " معاداتهم للرأسمالية " . و واصل جورغان هابرماس مدرسة فرانكفورت ، فى كلّ من " تعميق " نقد " السبب الأداتي " و شنّ نقد تحوّل إلى هجوم شامل على المادية التاريخية كعلم . و إستنتج هابرماس أنّ المادية التاريخية كانت " مشروعا غير ممكن " لم يكن بالمستطاع " تصحيحه " و بدلا من ذلك تقدّم بنظريّة جديدة ، " العمل الإتصالي " . و هذه النظريّة الجديدة تمّت صياغتها عبر خلط كانط و فرويد و ماركس و ويبر . و هذه النظرة إلى العالم كان من المفترض أن تؤدّي إلى علاقات جديدة ضمن البشر ستخفّف و تحلّ النزاعات و التناقضات العدائية فى المجتمع . و فى النهاية ليست سوى محاولة لتجديد الديمقراطية البرجوازية . و إنتهى هابرناس إلى النبذ التام للماركسية فى حين أصبح مساندا متحمّسا للديمقراطية ( البرجوازية ) الشكلية الغربية . و النتيجة النهائية هي أنّ هابرناس صار معترفا به على انّه المفكّر العام رقم واحد ، القسّ الأكبر ، لألمانيا الإمبريالية .
166- جورغان هابرماس ، " بين الفكر الطبيعي و الدين " ، منشورات بوليتي ، كمبريدج ( المملكة المتّحدة ) ، 2008 ، ص 136 . " قد عرفت الثقافة الغربية تغييرا فى الوعي الديني منذ الإصلاح و التنوير . و يصف علماء الإجتماع هذه " التحديث " للوعي الديني بإجابة التقاليد الدينية على التحدّيات التى يطرحها واقع أنّ التعدّديّة الدينية ، و ظهور العلم الحديث ، و إنتشار القانون الوضعي و الأخلاق العلمانية . فى هذه المظاهر الثلاثة ، يجب على مجموعات الإيمان التقليدية أن تمرّ بسيرورة إختلاف معرفي لا يظهر للمواطتنين العلمانيين أو يظهر فقط بقدر ما يكونوا منخرطين فى العقائد الراسخة فى طرق دغمائيّة شبيهة " .
167- كتابات كانط عامة و مقاله المؤثّر خاصة : " ما هو التنوير ؟ " ( الذى فى آن معا يدافع عن التنوير لكنّه يحذّر من المضيّ به بعيدا جدّا ) ، كانت مصدر هاما للإلهام النظري و الفلسفي لفوكو ، و مدرسة فرانكفورت و عديد الآخيرن . و حريّ بنا أن نذكّر بأنّ كانط وهو يكتب أثناء التمرّد الفكري و الإضطراب الإجتماعي الذى كانا يعصفان بأوروربا فى الفترة ما قبل الثورة الفرنسية ، حاول أن يجيب على الجدالات المتّصلة بالطبيعة و مصادر المعرفة و إمكانيّاتها . و كان النقاش بوجه خاص بين التجريبيين والعقلانيين . و كان التجريبيون يدّعون بأنّ المعرفة يتمّ الحصول عليها من خلال التجربة وحدها و بالتالى هي بالضرورة مطبوعة و متميّزة بموقع و وضع من يقومبالتجربة ( الملاحظ ). و كان العقلانيّونمن الجهة الأخرى ، يحاججون بأنّ المعرفة تتأتّى من ممارسة العقل و أنّ التفكير الرنّان يوفّر المعرفة المطلقة للعالم لا تشوبها التشويهات و الحدود الذاتيّة للملاحظ القائم بالتجربة . وحاول كانط- فى تعبيره الخاص – أن " يشرّع " بين الكتلتين الأبستيميتين المتقاتلتين بشراسة ، لكن عينه كانت مركّزة على العاصفةالتى كانت تهزّ المجتمعات الأوروربيّة . بات إنشغاله بكيف يتمّ التشريع بيّنا جدّا فى نقده الثاني ل" العقل المحض " . و فى نقده الأوّل ، ناقش كانط ظروف إمكانيّة التجربة و المعرفة و حاول ان يحدّد " الطموحات الكبرى " للعقل ، محذّرا من المغامرة إلى أبعد من مجاله " الشرعي ". و العنصر الأساسي فى " مثاليّته الفائقة " هو إدعاؤه أنّ ما يجعل المعرفة ممكنة بالنسبة للبشر هو قدرات العقل الكامنة على الهيكلة الفائقة . و تشكّل هذه القدرات ، فى نظر كانط ، ما هو " معطى " من قبل العالم ك " ظواهر " ، كأشياء للتجربة ، تبدو هكذا للناس ممتدّة فى المكان و حادثة فى الزمان . فى رؤية كانط ، ليس المكان و الزمان موضوعيين بل بالأحرى مساهمة عقل الإنسان فى بناء ما تجرّبه على أنّه واقع . و الضرورة و الصدفة غير موجودين بالنسبة لكانط . و بدلا من ذلك ، إعتقد كانط أن فقط مخطّط هيكلة عقل الإنسان يسمح للناس ب " تجربة " حدث " تسبّب " فى حدث آخر .
168- أنظروا كتاب لينين ، " المادية و مذهب النقد التجريبي " ، ص 436-438 ، من أجل نقاش ثنائيّة كانط .
169- من اليسير رؤية علاقة قرابة بين موقف آجيث تجاه دور الإسلام السياسي و قوّته فى البلدان المضطهَدَة المعبّر عنه فى " ضد الأفاكيانية " ، و حماس ميشال فوكو من أجل " السياسة الروحية " للتيوقراطية الإسلامية لآيات الله كبديل لما كانت القوى الغربية و خاصة الولايات المتحدة تدعمه إلى الأزمة الثوريّة لسنة 1979 فى إيران . والمجال لا يسمح بمحاولة إنجاز تحليل كامل للإلتزامات المفاهيميمة و التبعات الفلسفية التى دفعت بفوكو إلى معانقة الدور و تصوّر آيات الأه إيران يقتحمون المسرح السياسي ، و مع ذلك من المفيد أن نشير إلى أنّ الإنقسامات كما عرضها منهج فوكو و تحاليله تجد صداها فى بعض التصريحات المميّزة لمقال آجيث " ضد الأفاكيانية " .
بالنسبة لفوكو ، " السلطة " و " المعرفة " مترابطتان ( " السلطة تحدّد المعرفة " ) بينما بالنبسة لآجيث " للحقيقة طبيعة طبقية " . يقيّم فوكو " إرادة المعرفة " و يفصل ذلك عن التملّك العلمي للمعرفة . و قد تجسّد هذا بالنسبة لفوكو فى الإسلام السياسي الذى يصفّق له على أنّه " يتجاوز حدود " ما يوجد بحماسه الديني . و نفس الشيء ، يعوّض آجيث الطريقة العلمية لفهم العالم بدفاعه عن " الفكر ما قبل الحداثي " و مثل فوكو و ما بعد حداثيين آخرين ، يرفع راية شكّ عميق الجذور فى التنوير و النظرة العلمية للعالم المرتبطة به و كما يرفع راية رفضهما .
170- " ضد " ، ص 64.
171- آجيث ، " المقاومة الإسلامية و التناقض الرئيسي و " الحرب على الإرهاب " " ، مجلّة " الموجة الجديدة " عدد 3 ، فيفري 2007 ، ص 24 .
http://www.bannedthought.net/India/CPI-ML-Naxalbari/TheNewWave/nw-3.pdf
172- المصدر السابق ، ص 26.
173- عمليّا يشير آجيث عرضا إلى " إغتصاب و قتل إمرأة شابة فى حافلة فى دلهى " وهي إحالته الوحيدة غير المباشرة على ظروف النساء فى بحثه الذى يعدّ 60 ألف كلمة ، " ضد الأفاكيانية " .
174- بوب أفاكيان ، " التناقضات التى لم تحلّ ، قوّة محرّكة للثورة " ، جريدة " الثورة " عدد 184.
http://www.revcom.us/avakian/driving/
175- " ضد " ، ص 66 بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص 65.
176 – " المقاومة الإسلامية و التناقض الرئيسي و " الحرب على الإرهاب " ."
177- " ضد " ، ص 3 .
178- أفاكيان ، " التقدّم بطريقة أخرى ، " جريدة " الثورة " عدد 213 ، 10 أكتوبر 2010 . http://revcom.us/avakian/anotherway/
179- أفاكيان ، " أسس الثورة الشيوعية و أهدافها و مناهجها " ، 8 مارس 2010
http://revcom.us/avakian/basis-goals-methods/
180- " لنتخلّص من كافة الآلهة " ، ص 113.
181- المصدر السابق ، ص 232 .
182- المصدر السابق ، ص 231.
183- المصدر السابق ، ص 231-232 .
184- " ضد " ، ص 66 بالأنجليزية ؛ و بالعربية ص 65.
185- " المقاومة الإسلامية و التناقض الرئيسي و " الحرب على الإرهاب" ."
186- فى الواقع ، يؤكّد الإسلاميّون على " مجموعة المؤمنين " و ليس على الإعتراف بما يعتبرونه مفاهيما علمانية مثل الأمّة . و برنامجهم الرجعي يقسّم الأمم المضطهَدة وفق خطوط المعتقدات الدينية .
187- أفاكيان ، " التقدّم بطريقة أخرى " . " كمسألة مبدئيّة عامة ، و خاصّة لوجودنا فى هذا البلد الإمبريالي ، تقع على عاتقنا مسؤوليّة خاصة فى معارضة الإمبريالية الأمريكية ، و طبقتنا الحاكمة " الخاصة " ، و ما تقوم بع عبر العالم. لكن ، فى نفس الوقت ، هذا لا يجعل من القوى الأصولية الإسلاميّة قوى لم يولّى عهدها تاريخيّا و ليست رجعيّة . إنّه لا يغيّر طابع معارضتها للإمبريالية و ما تقود إليه و الديناميكية التى هي جزء منها – واقع أنّ هتين الشريحتين اللتين " ولّى عهدها تاريخيّا " تعزّزبعضها البعض حتّى وهي تعرض بعضها البعض . و من المهمّ جدّا فهم ، و النضال مع الآخرين لفهم ، أنّه إن إنتهينا إلى دعم أي من هتين الشريحيتين اللتين " ولّى عهدها تاريخيّا " ، نساهم فى تعزيزهما معا . من الحيوي أن نكسر هذه الديناميكيّة – أن نتقدّم بطريقة أخرى "
188- لأفاكيان عديد الكتابات حول الدين وإليكم هنا بعضها : " لنتخلّص من كافة الآلهة " ، " التقدّم بطريقة أخرى " ، " الوعظ من منابر العظمة ..." ، بانر براس ، نيويورك 1999.
189- " يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري و هذا التصرّف حيال الماركسية هو الظاهرة الملألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي – الديمقراطي الرسمي فى أيّامنا . و هذه الإستعاضة ليست طبعا ببدعة مستحدثة ، فقد لوحظت حتى فى تاريخ الفلسفة اليونانية الكلاسيكية . إنّ إظهار الإختياريّة بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية ، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثّرات المتضادة إلخ ... و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثوريّة عن عمليّة تطوّر المجتمع . " ( لينين ، " الدولة و الثورة " ، الأعمال الكاملة ، المجلّد 25 ، ص 405). ذُكر فى " حول التطوّرات فى النيبال و رهانات الحركة الشيوعية : رسائل إلى الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) من الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية 2005-2008" فى رسالة مارس 2008 من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) .
http://revcom.us/a/160/Letters.pdf
و باللغة العربية ، لينين ، " الدولة و الثورة " ، طبعة دار التقدّم موسكو ، ص 23 .
190- يعارض آجيث الإعتراف بمحوريّة دور أفاكيان فى الصراع العالمي لفهم الإنقلاب فى الصين . و يشير آجيث إلى أشخاص لا يسمّيهم و لا ترجمة لأعمالهم قاموا بمساهمات هامّة فى كشف النقاب عن الإنقلاب فى الصين و النضال ضدّه . لا شكّ فى أنّ بعض النقد الهام قد وقع ، و بعضه نحن واعون به و غيره سنستفيد من العلم به ، لكن هذا لا يقلّل من ما لا يضاهى من العمق و المدى الذين عالج بهما أفاكيان الموضوع . أنظروا خاصة ، " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية ، شيكاغو 1979 ، و " خسارة الصين و الإرث الثوري لماو تسى تونغ " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو ، 1978 ، و كلاهما لبوب أفاكيان .
191- أنظروا " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة – بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية ." الفصل الرابع ،" التحدّيات الجديدة و الخلاصة الجديدة " ، ص 16. منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو ، 2009 .
http://www.revcom.us/Manifesto/Manifesto.html
بالعربية ؛ الصفحة 18 من كتاب شادي الشماوي ، " المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " – مكتبة الحوار المتمدّن .
=========================================================================================================================================================



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية - الفصل ال ...
- تحيةّ حمراء لتشانغ تشن- تشياو أحد أبرز قادة الثورة الثقافية ...
- شارو مازومدار أحد رموز الماوية و قائد إنطلاقة حرب الشعب فى ا ...
- الإستعمار من جديد بإسم التطبيع وراء إعادة إرساء العلاقات الد ...
- مقدّمة كتاب - قيادات شيوعية ، رموز ماوية - ( العدد 17 من - ا ...
- عشر سنوات من قيادة الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) لحرب الشع ...
- الشيوعيّة أم القومية ؟
- المسؤولية و القيادة الثوريتين - الفصل السادس من كتاب من كتاب ...
- الأخلاق و الثورة و الهدف الشيوعي -الفصل الخامس من كتاب من كت ...
- فهم العالم من وجهة نظر علم الشيوعية
- القيام بالثورة البروليتارية - الفصل الثالث من كتاب - الأساسي ...
- الشيوعية عالم جديد تماما و أفضل بكثير - الفصل الثاني من كتاب ...
- نظام إستغلال و إضطهاد عالمي - الفصل الأوّل من كتاب - الأساسي ...
- من الولايات المتحدة الأمريكية : تحليل لأوهام الديمقراطية
- مدخل لفهم حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان... - فصل مضاف إلى كتا ...
- إسرائيل ، غزّة ، العراق و الإمبريالية : المشكل الحقيقي والمص ...
- مقدّمة كتاب - الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته - / ال ...
- الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ ...
- الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ ...
- إعادة صياغة برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللين ...


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - آجيث – صورة لبقايا الماضي