أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 49














المزيد.....

سيرَة حارَة 49


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 14:54
المحور: الادب والفن
    


1
عند مدخل الزقاق، المعروف بكنيتنا العتيدة، كان هناك عددٌ من الدكاكين، لعلّ أشهرها ذاك المرتبط باسم صاحبه؛ " أبو حمو ".
ما زلت أتذكّر والدَ هذا الرجل، " أبو علي حمادة "، وكان عجوزاً طاعناً في السن. لقد كان آنذاك هو مؤذن مسجد سعيد باشا، يتميّز صوته بالصفاء والعذوبة. كما ووصلتْ إلى أسماع جيلنا، لاحقاً، حكايته الطريفة مع الوجيه " بديع ديركي ". هذا الأخير، كان عازباً وقتئذٍ ومعتاداً على العودة إلى منزله متأخراً وهوَ متعتع من السّكر. فما أن ينزل من سيارته، حتى يرتفع صوت مؤذن ذلك المسجد داعياً الناس إلى صلاة الفجر. آنذاك، كان المؤذن يصعد الى حجرة المنارة لكي يُعلن عن مواعيد الصلاة.
في إحدى الليالي، كان وجيهنا بديع خارجاً من سهرته المعتادة لدى صديق له. عندما صارَ تحت مئذنة المسجد، انبعث صوت الآذان فجأةً، مما أوحى إليه أن المؤذن يفعل ذلك متعمداً لكي يخرّب مزاجه. فما كان منه سوى اشهار مسدسه والشروع باطلاق النار في اتجاه المئذنة، وما لبث الأهالي، بدَورهم، أن خرجوا على صوت الرصاص وصراخ المؤذن واستغاثته..

2
العزاء، كان طقساً مميزاً في حارتنا، يحرص الأهالي على المشاركة فيه. وعادةً ما يكون بيت المتوفي هو مكان التعزية، أما الوقت، فبعد صلاة المغرب. فإذا كان منزل الميت ضيقاً، فإنّ الأقارب أو الجيران يتعهدون بتأمين مكان التعزية لدى أحدهم.
عندما كنت على أبواب عمر المراهقة، توفيت زوجة ابن عمي وهيَ شابّة. الحضور في أول أيام التعزية الثلاثة، كان ملفتاً في منزل العمّ الأكبر، الكائن في زقاق آله رشي. ثمّة، في الحوش الفسيح المظلل بالأشجار المثمرة، كان المعزون ينصتون لتلاوة من الذكر الحكيم بصوت الشيخ عبد الجليل البوطي؛ خطيب مسجد سعيد باشا.
بعد قليل، حضرت مجموعة من الشباب، الذين بمارسون نشاطاً سياسياً. " جمّو "، حفيد عمّتي، كان يعتبر آنذاك من أبرزهم. علاوة على ذلك، فقد كان معروفاً بطبعه المرح وضحكته الرنانة. وإذاً وعلى حين فجأة، توقف الشيخ عبد الجليل عن التلاوة بعدما استعصى عليه تذكّر بداية إحدى الآيات. وجه شيخنا، النحيف والمجلل باللحية المسترسلة، صارَ عندئذٍ ينضح بالعرق. وإذا بضحكة جمّو المكتومة تنفجر عالية في جوّ العزاء، الهاديء. ثم لم يلبث بقية رهطه أن شارك بالقهقهة دونما إرادتهم، وعلى الرغم من النظرات الصارمة الموجهة نحوهم من بقية الحاضرين. حينما عاد الشيخ للقراءة مستعيناً هذه المرة بكتاب الله، كان أولئك الشبان قد كروا مثل حبّات المسبحة إلى خارج مكان العزاء..

3
التضييق على المرأة، كان ولا ريب من أبرز ما يتميّز به المجتمع الدمشقي عموماً. وإذاً، حينما انتشرت عادة التدخين بين الرجال، من سجائر ونرجيلة، فقد استبعد منها النساء بطبيعة الحال باعتبارها مسلكاً مستهجناً.
في زمن طفولتنا، كان يتمّ غض النظر عن النساء الكبيرات في السن، حينما تشرع احداهن سيجارتها بحضور الرجال في سهرة على التلفزيون أو في جلسة صباحية بالحديقة. في احدى المرات، حينما مزح والدي مع جارتنا المسنة، " دلال "، تعليقاً على شروعها بالتدخين أمامه، فإنها فاجأته لما قالت ببساطة: " أمرأتك تدخن، أيضاً! ".
الأم، كانت آنذاك تدخن سراً، سواءً لوحدها أو خلال وجودها في دار هذه أو تلك من القريبات والصديقات. هذا على الرغم من عقلية والدي، المتطورة والمتسامحة. غير أن العمّ، العتيّ، ما كان ليتساهل أبداً في هذه الأمور.
ذات مساء، كانت قريبة لنا تزور امرأة العم، فأبدت رغبتها بالتدخين طالما أنه غائب عن المنزل. وفيما هيَ مسترسلة في الحديث، إذا بالعم يدخل فجأة للغرفة. فما كان من قريبتنا، المأخوذة على غرة، سوى محاولة التخلص من السيجارة وقد دبّ فيها الرعب. فإذا بها من شدة اللهوجة ترمي السيجارة باتجاه العمّ رأساً، فتصيبه بصدره. هزّ رأسه تعبيراً عن السخرية أو السخط، ثم استدارَ ليغادر الغرفة وهو يتمتم: " ما شاء الله!! "..

4
قلنا، أنّ " قربينة الصغير " كان ولداً بسيط التفكير وطريفَ الطبع، عُرفَ عنه شغفه بمساعدة الآخرين مقابل اكرامياتٍ يمنحونها له.
لاحقاً، عندما صار صاحبنا أكثر نضوجاً، فإنه تعرّفَ على الفنان الكبير ناجي جبر ( أبو عنتر )، خلال جنازة شقيق المخرج بسام الملا. فما عتمَ ناجي جبر أن قبل قربينة الصغير في فرقته، فأعطاه أدواراً ككومبارس في مسرحياته الكوميدية.
قربينة الصغير، كان في طفولته قد احترف مهنة غريبة؛ وهيَ السعي في الجنازات ( المؤاجرة ) بغية تحصيل بعض النقود من أهل الميت. كان يمرّ كل مساء على قريبه الحلاق، في دكانه بمدخل الزقاق، فيجيب عن سؤاله بخصوص حصيلة اليوم: " آجرتُ بجنازتين؛ ظهراً في الصالحية وعصراً في القنوات! ". ذات مساء، كنتُ حاضراً عند الحلاق حينما دلف صاحبنا ( المؤاجر ) من الباب. كان يحمل بيده ورقة نعوة، سبق وانتزعها من أحد جدران المدينة القديمة. وبما أن المسكين لم ينل حظاً من التعليم، فقد اعتاد ان يطلب معونة الآخرين لقراءة ورقة النعوة. هذه الورقة، كانت في ذلك اليوم تخصّ أحد مسيحيي حيّ " باب توما "، إلا أنها خالية من اشارة الصليب. هنا، شاء بعضهم تدبير مقلب للفتى. أعطوه عنوان الشارع، المحتوي على بيت الميت، وبدون تنبيهه بكونه نصرانياً. في اليوم التالي، وبالوقت المحدد لخروج الميت، كان قربينة الصغير هناك مرتدياً طقماً أسود اللون. حاول دفع الناس للوصول إلى داخل منزل الميت، ولكن دون جدوى. وبما أن المسكين أحوَل العينين، فلم يميّز في زحمة الخلق ما يمكن ان يوحي بأنه في مكان لا علاقة له بمهنته. وإذاً، ما أن خرج تابوت المرحوم ، حتى رمى قربينة الصغير نفسه باتجاهه وهو يردد: " مؤاجرة يا شباب! "، فتمّ دفعه مجدداً. عندما بدأت الجنازة بالتحرك، صاح الفتى هذه المرة بصوت حاد وممطوط: " الفاااااااتحة!! ". وإذا به يباغت بعشرات الأيدي والأرجل، تنهال فيه صفعاً وركلاً..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أربع حكايات
- سيرَة حارَة 48
- سيرَة حارَة 47
- سيرَة حارَة 46
- سيرَة حارَة 45
- سيرَة حارَة 44
- سيرَة حارَة 43
- سيرَة حارَة 42
- سيرَة حارَة 41
- سيرَة حارَة 40
- سيرَة حارَة 39
- سيرَة حارَة 38
- سيرَة حارَة 37
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 49