هادي بن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 17:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يتناول الإعلام الأمريكي والغربي قضية مقتل ثلاثة من المسلمين بالزخم الذي تناول به قضية صحيفة "شارلي" لسبب موضوعي وهو أن الحادثة وقعت لأسباب شخصية لا عقائدية . أيضا لم يقع التعتيم على القضية كما يروج وكل والصحف ووكالات الأنباء عرضت الحادثة ولم تطلق عليها وصف "الإرهاب" لأنه لا سبب عقائدي لعملية القتل . القاتل بسبب ما نشره في صفحته الشخصية من عداء للدين صور وكأنه مارس القتل كرها في الإسلام والمسلمين ! كل من مارسوا الإرهاب العقائدي في التاريخ لم يخجلوا من ذلك , لا الإرهاب الديني ولا اليساري ولا العرقي . الإخوة "كواشي" إعترفوا بالقتل لأسباب دينية في حوارهم مع الشرطة وكذلك الأمر مع "كوليبالي" وأيضا سبق للكثير من قادة الهجمات الإرهابية المسيحية واليسارية الإعتراف بدوافع الجريمة . عائلة الضحايا تعترف بالشجار القديم بين المجرم وضحاياه وأيضا أنه كان دائما يحمل مسدسه الى جانبه ... لا أعلم سبب إصرار العائلة في نفس الوقت على وجود دافع ديني للقتل , ربما أملا في أن يكونوا من الشهداء !!
قبل أسابيع من حادثة صحيفة "شارلي" قام أحد "المسلمين" بفرنسا بدهس المارة بسيارته وهو يهتف "الله أكبر" ومر الأمر مرور الكرام بلا إتهامات للإسلام ولا المسلمين بالعنف والإرهاب بعد أن تبين أنه كان مختلا عقليا . ولو كان في كامل مداركه العقلية وكان فعله مدفوعا بأسباب عقائدية لحشدت فرنسا نفسها كما فعلت مع "شارلي" .
أتفهم أن الأمة المسؤولة عن 99% من الإرهاب الديني في العالم تبحث عن التشبث بأبسط شيئ قد ينفي عنها تهمة إحتكار للإرهاب ... لو كان الضحايا قد قتلوا بسبب إنتمائهم الديني لنزل الالاف للشوارع ضد العنصرية والإرهاب .. لكن لا يعقل أن يعلن ملايين الناس عن تضامنهم مع ضحايا شجار كهذا , الالاف يسقطون يوميا حول العالم لأسباب كالسرقة والسكر والشجار ولا يسمع بهم الجميع ... على عكس الإرهاب العقائدي الذي يهدد طوائف وشعوبا بأكملها ويبشرها بالإبادة ويهدد الصحافة وحرية التعبير ويعولم الإرهاب .
للأسف لأن الإرهاب الديني يحتكره المسلمون منذ أكثر من عقد جعل التعاطف مع ضحايا الإرهاب كأنه إعلان للحرب ضد الإسلام والمسلمين ... ولهذا السبب لا يتعاطف المسلمون مع ضحايا الجماعات الإرهابية من مسلمين ومسيحيين وغيرهم مادام القاتل مسلما حتى وإن كان المقتول مسلما ... أما أن يكون القاتل من غير المسلمين فذلك يستحضر صورة العداء بين العالم الإسلامي والعالم الاخر . كل المسيرات المناهضة للإرهاب أصبح يتخيلها المسلمون أنها مسيرات ضد الإسلام والمسلمين بينما هي في الحقيقة مسيرات ضد الإرهاب لذاته , لكونه تهديدا للأمن والسلام .
مثال : في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة سقط قرابة الألفين من الفلسطينيين .. في نفس ذلك الشهر سقط أربعة الاف قتيل على يدي داعش والقاعدة وطالبان وبوكو حرام ... موجة استنكار هائلة كانت ضد إسرائيل مقابل لا شيئ يذكر ضد الجماعات الإسلامية المسلحة . العالم الإسلامي عامة لا يتعاطف مع ضحايا القتل إلا اذا كان القاتل لا يدين بالإسلام ... أما أن يكون القاتل مسلما أو أن يكون القاتل والمقتول من المسلمين فذلك أمر إعتيادي لا يوجب الشجب والإستنكار .
حادثة "شارلي" لا تقارن أبدا بحادثة أمريكا ... والقتل لأسباب عقائدية لا يقارن بالقتل لأسباب أخرى . القتل الأول يملك منظومة متكاملة مرعبة من النصوص التي تجعل القتل عملا نبيلا ويمتلك حواضن شعبية وإمتلك "هاشتاغ" إحتفل فيه مئات الالاف من المسلمين بما سموه ب "غزوة باريس" ناهيك عن الالاف الذين نزلوا الى الشوارع فرحا بالعملية والملايين الاخرين الذين يرون بشرعيتها .. القتل الثاني لا أحد تعاطف مع القاتل ولا نصوص مطلقة القدسية تقف خلف القتل ولا حواضن شعبية ولا مسيرات داعمة ولا تنظيمات مسلحة لها إمتدادها التاريخي والجغرافي .
من ينسب كل شيئ سيئ الى مؤامرة غربية لا شك في رفضه لنتائج تحقيق الشرطة ... ومن ينسب كل الشرور الى مؤامرات خرافية كالعلاقة بين ابن سبأ والشيعة أو داعش والموساد أو ناسا والقمر أو النازية والهولوكست بلا شك سيدعي المظلومية دائما .
يسقط المسلمون يوميا في سوريا والعراق على يدي مسلمين اخرين ولا أحد يتعاطف مع هؤلاء مادام "الأجنبي" ليس من قام بالقتل ... فهو مجرد خلاف داخلي لا يخرج عن إطار الحضارة العربية الاسلامية وخلافاتها منذ قرون ... أما أن يكون المقتول أجنبيا فحينها يكون الرد على المتعاطفين " أين كنتم عندما قتل المسلمون في ... وستالين وهتلر أيضا قتلوا ... " أما اذا كان القاتل أجنبيا فالجواب " انظروا الى الغربيين كيف يقتلوننا .. لو كان القاتل مسلما لوصفوه بالإرهابي ... " هذه الأجوبة نتيجة مباشرة للإحتكار الشبه المطلق للإرهاب العقائدي وهي محاولة لتقديم صورتين :
- "أن كل الحضارات والمعتقدات قد مارست القتل فلا تتهمونا بالهمجية عندما نقتل" حتى وان كانت الحضارات والمعتقدات الاخرى قد تخلصت من تاريخها المظلم وهذه الصورة التي يقدمها الأصوليون في محاولة لنفي الشبهات عن القتل الطائفي وتحويله إلى سلوك طبيعي .
- "أن المسلمين ليسوا من يحتكر الإرهاب .. والأمم الأخرى تمارس القتل أيضا ..." وهي صورة يقدمها "الامتطرفون" من عجزوا عن إجتثاث ومقارعة الفكر الديني الأصولي ووجدوا أنفسهم مجبرين على الوقوف في نفس الزاوية/العقيدة التي تكال إليها تهم الإرهاب .. فحاولوا تصوير الإرهاب العقائدي كفعل ممارس من قبل كل المعتقدات والشعوب في كل العصور للتملص من تهمة الإرهاب التي نسبت إليهم مباشرة بمجرد إنتمائهم للإسلام .
القتل بإطلاق النار من الأمور الشائعة بأمريكا .. بشكل دوري يقتل تلاميذ زملائهم وأساتذتهم داخل المدرسة .. وبشكل يومي يقتل العشرات لأسباب كالسرقة والشجار والسكر والمخدرات وخلافات عاطفية ... من بين كل هذه العمليات يصادف أن يكون الضحايا من جماعة عرقية أو دينية تمثل أقلية ترى نفسها مضطهدة كالمسلمين والسود والمثليين و الملحدين واليهود بأمريكا . وكل المنتمين لهذه الأقليات يرون أي فعل عدواني/قانوني من قبل الدولة أو فردي من قبل الأشخاص هو تهديد مباشر لهم جميعا . وذلك لا يستثني طبعا وجود أفعال ضد هؤلاء مدفوعة بطابع الكراهية .
في تونس من عادة مدمني شرب الخمر بالهواء الطلق السكر داخل المقابر رغم قدسيتها لدى المسلمين ... لا يرى المسلمون هنا ذلك الفعل من باب الكراهية .. أما يهود تونس فقارورة خمر واحدة ملقاة داخل مقبرة يهودية تعتبر معاداة للسامية .
#هادي_بن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟