أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الحادي عشر















المزيد.....

أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الحادي عشر


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 17:18
المحور: الادب والفن
    


أخذت قصة حب آميديه وإيزابيل تكتب تحت أعيننا، وبدأت أعتقد أن مجيء أبي بكر الآشي إلى الإيسكوريال لم يكن له سبب غير هذا الحب، وليس تلك الحكاية الموريسكية التي ادعى البحث عنها. لم يكن آميديه أحدًا آخر غير حي بن يقظان، في حلته الجديدة، وحبه لإيزابيل لم يكن غير ذلك الحب المستحيل، الحب الميتافيزيقي الذي يريد أبو بكر أن يرى كيف يكون. لم أعد أهتم بالوقوع على شيء من الأدب المدنس، أصبح الحب المدنس بين آميديه وإيزابيل ما يشدني في الوقت الحاضر. مثل أبي بكر، أردت أن أشاهد نهايته التي يتنبأ بفاجعتها. رغم ذلك، كنت قلقًا على آميديه، ومستعدًا لإنقاذه.
أما الطبيب الشخصي للملك، فقد كان أقل مني قلقًا، فهو يعرف عن هذا الحب ما تخفيه النجوم، وهو أكثر مني تجربة، بالتجربة والاستسلام يواجه المأساة. لهذا، والأميرة إيزابيل كانت على أعتاب شبابها الأول، كان لها من الأحاسيس حب المعلم، والحال هذه أبو بكر، ككل مراهق يهيم على وجهه في مرايا الشخص المعجب به، فَأََفْهَمَ سموها أن ما تشعر به ليس غير الإعجاب، ووضع حدًا لهذا الحب البدريّ، ولكن الذي ترك أثارًا لمخالب في قلبه. لم يكن حب الأميرة إيزابيل لآميديه حبًا آخر غير حبه وقد غدا ناضجًا، فالفاجعة التي كانت تتهيأ إذن كانت فاجعته. كذلك، عندما رفع له رئيس مركز الدراسات، ميجيل هِرِّيرة، تقريرًا عن نشاطات آميديه مع الباسك من أجل التوصل إلى انفصال أرخذونة عن السلطة المركزية، طلب أبو بكر منه أن يترك هذا الأمر له، وكأنه أمره، وألا يخبر جلالة الملك بشيء، وسيعمل كل مال يلزم من أجل إرجاع الشاب المتحمس إلى طريق الصواب. تذرع بحاجته وحاجة الأميرة إيزابيل إلى عونه في فك كل هذه الأحاجي المكتوبة بالرومانثية، وما أسرع ما يمضي الوقت! تمضمض النعاس في عينيه، ووعد، لو يبقي آميديه على عناده، أن يترك لضابط المخابرات حرية التصرف معه كما يرغب في حديقة الليل أو حديقة النهار، فالنهار حديقة، والليل حديقة في عالم الأسرار. عندما ألمح هِرِّيرة إلى العلاقة الحميمة التي تربط الشاب بالأميرة، كان أبو بكر واضحًا: الأميرة حرة في إعطاء عواطفها كما ترغب، ولمن تشاء، هذا موضوع شخصي لا شأن له بذاك، السياسي، حتى ولو تعرض أمن الدولة للخطر، وعارض القوة بالقوة.
بقيت أبواب الإيسكوريال مغلقة للجمهور خلال كل إقامة صاحبة السمو الملكي والعالم الفيلسوف الذائع الصيت. تركنا آميديه وإيزابيل يعملان وحدهما في القصر على المخطوطات الرومانثية، و، كل يوم، أخذنا، أنا وأبو بكر، الطريق إلى الحجرة المحرمة. كنا نرمي إلى قطع الوقت بأية وسيلة، فَبَحَثْنَا، دون أن نرغب، في أهرامات الكتب والمخطوطات، عن مادة غير موجودة. كان ما يشغل بالنا ما يجري في القصر، فنتظاهر بالغرق في القراءة، ولكن، في الحقيقة، لا نفعل غير ترك الشؤون تجري في أعنتها، حتى اليوم الذي قال لي أبو بكر فيه:
- في الماضي، كان هناك أكثر من آميديه، مسلم أو مسيحي، ودائمًا النهاية الفاجعة للجميع واحدة.
وأخذ يقرأ في مخطوط قديم:
- "...وظهرت حركة غريبة بين جماعة من النصارى المتحمسين الغيورين في قرطبة، لصد حركة الاستعراب والإسلام التي أشرنا إليها، وقد أفضت الحركة إلى حوادث ضحى بأنفسهم فيها عدد من الرجال والنساء. وكان زعيم هذه الحركة أسقف قرطبة، أحد الكهنة الزهاد، واسمه يولوجيوس، وقد زوده بالمال صديقه المثري آلفارو. كان آلفارو هو الذي كتب سيرة الكاهن المذكور، وكان أن قُتل كاهنٌ بقرطبة، في رمضان سنة 850، اسمه بيرفيكتوس، اتهم بأنه شتم النبي، وطعن في الإسلام، فكان قتله من أعظم العوامل لتقوية هذه الحركة وإنمائها. ولم يلبث الشعب، وعلى رأسه أسقف قرطبة، أن نادى ببيرفيكتوس قديسًا، وأخذت تنسب له الكرامات، فقد ذكروا عنه أنه تنبأ، قبل أن يُقطع رأسه، بأن نصرًا المخصيّ، الجلاد الذي كان ينفذ حكم الإعدام في الضحايا، سيلاقي حتفه عن قريب. والظاهر أن نصرًا كان قد تآمر مع طروب على أن يسمم زوجها الأمير لكي يؤول المُلْك إلى ابنها عبد الله دون محمد المولود من امرأة أخرى، وكان محمد أكبر أنجال عبد الرحمن الخمسة والأربعين. ونُمي إلى عبد الرحمن الخبر، فلما دخل نصر عليه ومعه الدواء قال له: إن نفسي قد بشعته، فاشربه أنت، فوجم، فأقسم عليه، فلم يسعه خلافه، فشربه، وركب مسرعًا إلى داره، فهلك لحينه.
ولم يمض وقت طويل على حادثة بيرفيكتوس حتى مثل راهب اسمه إسحق أمام قاضٍ مدعيًا أنه يريد اعتناق الإسلام، وما لبث أن أطلق لسانه يشتم النبي، فقُطع رأسه كما قُطع رأس بيرفيكتوس، واعتبره أصحابه من القديسين. وهنا أخذ النصارى المتحمسون يتسابقون إلى الموت، وقد عمد أفراد من الكهنة إلى الطعن في الإسلام قصدًا وعمدًا، لكي يقتلوا، فيعتبروا شهداء. ولم يمض أكثر من شهرين حتى قضى نحو أحد عشر شخصًا على هذا النحو.
ولم يرق لعبد الرحمن هذا الأمر، فأشار على أحبار الكنيسة أن يعقدوا مجمعًا للنظر فيه، فعقدوا المجمع بعد تردد، وحظروا على النصارى –رغم اعتراض يولوجيوس- أن يستهويهم هذا الموت في سبيل إيمانهم، ولكن مساعيهم لم تجد نفعًا. وظهرت أخيرًا حسناء من أتباع يولوجيوس اسمها فلورا، وهي من أم مسيحية وأب مسلم، واشتركت في جريمة الشتم والطعن مع راهبة صبية اسمها ماري كان أخوها في عداد من أُعدموا من قبل، ومثلت فلورا أمام القاضي، فأشفق عليها، وعلى صاحبتها، وحكم عليهما بالسجن بدل الإعدام. غير أن السجن جمع فلورا مرة أخرى بيولوجيوس الذي كان يحبها، ويجلها، فشجعها بما أوتي من حجة وبيان على التضحية بنفسها هي ورفيقتها لتكونا في عداد الشهداء، ولم يكن بعد هذا مجال للتردد، فوطّنت الفتاة النفس هي وصاحبتها على سلوك السبيل الذي يوصلهما إلى الموت، فقُتلتا في 14 تشرين الثاني سنة 851، ولم ينته هذا الشوق الهستيري إلى التضحية بالنفس حتى أُعدم أسقف قرطبة يولوجيوس نفسه سنة 859 بأمر محمد الأول (852-886) الذي انتهج سياسة صارمة مع هؤلاء، وكان عدد الذين ضحوا بأنفسهم نحو أربعة وأربعين."
بقيت طوال قراءة أبي بكر مشدوهًا لا لما أسمع وإنما لما بين يديّ من مخطوط غريب، رميته أمام الطبيب الشخصي للملك، فقفز من المفاجأة، وبهيئة مهيبة، راح يقرأ ما هو مكتوب على الصفحة الأولى بالدم. "هذه هي حكاية الحب التي اهتزت لها شبه الجزيرة الإيبيرية اهتزازًا لا مثيل له بين القشتالية، إيزابيل العاشقة، والعربي، أحمد الأندلسي، اللذين أمر الكاردينال دوسيسنيروس بقطع رأسهما في حرم الكالا دوهيناريس بمجريط، بتهمة الهرطقة. بدم أحمد نكتب الجزء الأول من هذه الحكاية، في هذا المخطوط المودع في الإيسكوريال، أما الجزء الثاني، فسيجده كل من يهمه الأمر في مخطوطٍ ثانٍ مودعٍ في الكُتُبِيَّة، جامع الموحدين في مراكش، المدينة الحمراء."
قلّب أبو بكر الصفحات، فلم يجد أية كلمة بل بقعًا من الدم، من الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة. في تلك اللحظة، حضر أمامنا ميجيل هِرِّيرة على غير انتظار، كان يرتعد من قمة الرأس إلى أخمص القدم، لا يستطيع النطق، فحثه أبو بكر على الكلام.
- لقد اختفى آميديه وصاحبة السمو الملكي، نطق أخيرًا، وليس هناك أي أثر لهما في الإيسكوريال!
سقط الخبر على رأسنا كالصاعقة، قمنا مع رئيس مكتب الدراسات نركض إلى القصر، فلم نجد فيه لا الأميرة إيزابيل ولا آميديه. كانت تنام في سرير سموها القطة السوداء وصغيراتها الست، ففهمنا أنها ذهبت مع آميديه بمحض إرادتها، وأنها لم تُرغم على ذلك كما افترض، في البدء، ميجيل هِرِّيرة. جاء أحد معاونيه، وكشف أن ملف الباسك قد اختفى كذلك. أكد هِرِّيرة عندئذ، أن آميديه اختطف الأميرة إيزابيل ليحمي نفسه من نتائج الفعل الخطير هذا، فدخل أنطونيو، وأوضح أنه رافق الأميرة إيزابيل عدة مرات إلى قسم الوثائق، وأنها هي من أخذ الملف مساء البارحة، ووعدت بإعادته إلى مكانه قبل أن يكتشف أحد غيابه. أنطونيو الذي لا تفوته شاردة ولا واردة شرد به الفكر، وقال كمن يكتب رواية تشردية: قبل أن تتمنى لي ليلة سعيدة، طلبت إليّ أن أكتم السر. لم يكن أنطونيو صائغًا للكلام، فاستخلصنا أنها ذهبت مع آميديه عمدًا، بعد أن أحبته، واقترنت بقضيته.
تشاورنا، أنا وأبو بكر، بأعيننا: لقد وقعت الأفعال الأولى لهذا الحادث الخطير على غير ما نتوقع. فكرنا، بالطبع، في العواقب المفجعة لهذه القضية، فرأى الطبيب العالم العلامة المجرب أن من واجبه تحمل مسؤولية كل شيء. أمر أنطونيو بإعداد الحقائب، للعودة إلى مدريد حالاً: سيخبر بنفسه عاهل البلاد بما حدث، فأذعن رئيس مركز الدراسات. طلب مني أبو بكر الآشي أن أغادر الإيسكوريال، وأن أبقى في مدريد غير بعيد عنه، بانتظار أن يتصل بي. تركت المكان، بعد أن تركه بقليل، آخذًا معي ذلك المخطوط الغريب الملطخة صفحاته البيضاء بالدم، لا أدري لماذا. ربما لأكتب، أنا، القسم الأول من قصة حب أحمد وإيزابيل، بانتظار أن أقف على القسم الثاني المودع في الكُتُبِيَّة.


يتبع الفصل الثاني عشر من القسم الأول



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل العاشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل التاسع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثامن
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السابع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السادس
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الخامس
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث
- رماد لا يشتعل ردًا على ليندا كبرييل
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثاني
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الأول
- علاء الأسواني ومرحلة المرآة
- منيف وجبرا وعقدة الدونية
- تساؤلات حول شارلي هيبدو
- مظفر النواب والنمط الأولي
- سعدي يوسف وعقدة أوديب
- توفيق زَيَّاد وعقدة الخِصاء
- فدوى طوقان وعقدة القضيب
- ملاحظات بلا غضب حول أدب العرب
- افنان القاسم - المفكر والأديب والناقد - في حوار مفتوح مع الق ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الحادي عشر