أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - زهير كاظم عبود - قراءة في كتاب تضاريس الايام ليوسف ابو الفوز















المزيد.....

قراءة في كتاب تضاريس الايام ليوسف ابو الفوز


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1318 - 2005 / 9 / 15 - 11:00
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تضاريس الايام التي لم تزل في الذاكرة
كنا نتدفأ تحت أشعة الشمس في بيوتنا ، وهم كانوا يتدفأون على مواقد الترقب والسهر والتعب .
كنا ننعم بنومة الفجر فوق السطوح في ليالي الصيف ، وهم يتدثرون في لحف الجبال ووسط الكهوف المظلمة والمكتظة بخفافيش الجبال ورطوبة الصخر ودبيب العقارب .
كنا ننعم بليالينا التي يضيئها قمر آذار وندى الغبش الطري ، وهم كانوا يكتبون تضاريس ايامهم بعرقهم ودمائهم العبقة .
أولئك من نزعوا هواجسهم وخواطرهم وسحبوا ارواحهم من بيننا ، ليسجلوا هواجسهم وذكرياتهم بنفس اليد التي تحمل السلاح تعلن مقاومتها الدكتاتور .
اولئك من كتبوا قصائدهم وأرخوا أعمارهم على صخور كردستان ، أولئك من رسموا بأشعارهم ولوحاتهم معاني الرجولة ، ماتركوه من أيامهم شهادات لم تزل تتوهج ، مافقدوه من اعمارهم لم يزل ثرى كردستان أميناً على أجسادهم .
يقول الكاتب يوسف ابو الفـــوز في تضاريسه هل ستوفق هذه الدفاتر لأن تؤرخ لحياة الانصار ؟
مثقلة اجسادهم ببرد كردستان وبثلوج الجبال التي يتجمد فيها الصخر ، وتبقى قلوبهم لاتنام ، اضلعهم صارت مكامن للبنادق ، وأحلامهم لم تكن تتعدى موقداً للدفء ورغيف حار من الخبز وعصافير لاتفر خائفة مرعوبة ، وخطوة لاتقع في كمين ينصبه الأعداء ، وشباب لم يمر بمرحلة الشباب ، وجميلات خبأن اعمارهن وزينتهن وتوسدن الكلاشنكوف .
ليس بينهم من يحمل رتبة الجنرال ، غير انهم وزعوا الأدوار والرتب والمهمات دون نياشين ، مثلما وزعوا الأزهارالبرية والمحبة والمودة ولفائف التبغ ، ليس فقط الفكر ما يجمعهم ، انما أنسانية النصير المقاتل ورمزية الدور الذي يؤديه ، هو يعرف انه لن يستطيع أن يغير العالم ببندقيته ، لكنه يؤمن حقا ًانه يشير برمزية خالدة الى من يقول للطاغية نقاتل كل آلتك الحربية بأرواحنا وعقولنا ، فأن سقط أحدنا سيحمله الاخر ليحل محله ولن ننتهي أبداً .
ينامون جميعا دون نوم ، ويتحلقون حول موقد النار وعقولهم في عفك والعشار وشارع الحبوبي وكورنيش العمارة وسوق الحلة ومدخل سدة الهندية وقطاع 54 في مدينة الثورة والسوق الكبير في السماوة وقلعة كركوك ورمان شهربان وليالي بغداد وقباب كربلاء وقبور النجف ، وسدة الكوت ، تصطك اسنانهم من البرد متراقصة مع ( سر الليل ) ، غير ان الليل أمين والصباح جميل دون أسرار ، لكنه يفضح أغانيهم ومسيرهم ، انهم يكتشفون للطبيعة ازهارها البرية ، وقمرها الذي ينير الطرق السينمية ، والحشائش التي تداوي الامراض ونزلات البرد والاخشاب التي تصلح للمواقد والطيور التي تقع في الشباك والذاكرة المتوقدة التي تستعيد كل الأيام الحلوة ، وقطع النايلون التي تبرقع الكبرة الهزيلة .
حين تصير ارواحهم واحدة فلا يعرفون اسماؤهم ، غير ان لهم لغة يتفاهمون بها ، لغة لاتتحرك فيها الشفاه ، انهم يقرأون ماوراء الجبال والجباه ، الربايا والكمائن والتوتر والحذر والطلقات الفقيرة والشمس التي يذوب معها الثلج ، والصخور التي ترتوي من منابع ملونة ، فيصير نداها أزاهير برية ملونة مرة اخرى .
يد على زناد البندقية وأخرى على ماتجيش من الذكريات في مركز القلب ، وقصائد مكتوبة فوق أكياس متروكة ومهملة ، وحقائب لاتحتوي على كسرة خبز وأوراق أصفرت من قرائتها ونشرات حزبية تمزقت حواشيها وأنتظار لغد يأتي أو لايأتي .
لكنهم يضعون الوطن بين أضلعهم ينشرون أرواحهم تحت أشعة الشمس ، ونحن لم نزل فاغري الأفواه عمن تركوا أيامهم وتضاريسها بيننا ، وأعلنوا لم يعد بينهم من يهادن ، وصارت لغتهم مع السلطة الغاشمة أحرفاً من رصاص ، ونحن لم نزل تحت شمس الربيع نشاهد التلفاز ونستمع لبيانات الحرب يوميا ونشاهد صوراً من المعركة .
يحلمون بمرق الأمهات وطعم خبز التنور ، غيرانهم يلوكون خبزاً يابساً تكلس حتى صار كالحجر ، مع ان أيامهم كالصخر .
أن أجمل ألأزهار تلك التي تموت في عنفوان جمالها ، ومابين ارتشافات شاي النومي بصرة وعلب صفيح فارغة تحولت الى أقداح للشاي ، وحكايات وأساطير ، وأشجار تهزم الريح لم تزل واقفة في العراء ، تصفر أوراقها غير انها تؤرقها مرة أخرى رغم الام المخاض كل موسم ، أنهم يكتبون أشعارهم فوق ورق الأشجار اليانعة ، ويدسون دفاترهم فوق صدورهم الدافئة ، انهم فتية أمنوا بشعبهم ، لكنها النجوم تتساقط ترسم لحظتها الأزلية وتومض ومضتها الأخيرة ثم تغفو .
انها أيامنا وهم يملؤنها وجوه تأتي من كل مرافيء المدن جنوباً وشرقاً وغربا وشمالاً ، بعضهم يتذكر وثبة وبهيجة وجنان واحلام ومنور وسكون الروح ، بعضهم يتذكر دفء الامهات اللواتي تحملن الفراق وعذاب مر وشهقة شوق لن يفهمها أكبر العاشقين .
انها تضاريس الأمكنة ، هه رزنه ، مه راني ، دولكان ، كه ر كير ، بيرموس ، روستي ، باراو ، شيرة مه ر ، جبل مه تين ، به رواري بالا ، باشتاشان ، غير ان حركات ارواحهم كانت تترقب قدوم الهليكوبترات والجحوش ، وهم ينتشرون بين الأشجار والصخور ، احيانا يتدثرون بالثلج ، واحيانا يضللون رؤوسهم بأغصان من شجر اخضر ، غير انهم لايرون سحنات وجوههم في المرايا ، ولايمشطون شعرهم مثلنا ، فقد نزعوا عنهم التأنق وباتوا يرسمون ايامهم بتقشف عال لما يستحقه منهم السيد العراق .
قذائف ورصاص وثلج ودماء دافئة تلون الثلج بألوان قوس قزح ، و ضمادات بدائية ممتلئة بالمحبة والرغبة في التواصل عبر وديان وصخور ، وهلاهل تختلط مع الصراخ ، الوطن .. الأنصار .. الحزب .. الضحكات .. الرفاق .. الضباب ، والشمس التي تفضح الجميع .
لم تكن مذكرات يكتبها ابو الفوز بلغته السهلة والبسيطة ، ولم تكن بيانات يكتبها نصير في منتصف الليل على ضوء فانوس ، لم تكن اشعار غبش كتبها شاعر عند اول خيوط الفجر والعيون ممتلئة بالملح والنعاس ، ولم تكن تخيلات وأحلام ، انه يستلها من بين وجوه الأنصار ولحظة الموت التي تراوغهم ، من بين ضحكاتهم وحزنهم وأغانيهم الخافتة ، أنه يستلها من بين مواجهة جيوش مثل النمل تتسلح بكل الأسلحة ماعدا المحبة .
(( البنادق
والبنات
يتشابهن في استدارة العيون
ودقة التسديد ))
شهادة الكاتب يوسف ابو الفوز التي أستلها من تضاريس أيام الشيوعيين العراقيين الملتحفين بجبال كردستان ، صرخة في فضاء العراق ، وأستعادة لأسماء رحلت تحلق فوق سماوات الوطن ، وأخرى لم تزل تتباهى بما أعطت من عمرها وأرواحها ، لكل واحد منهم شارة من ضياء يستمد بريقها من نبض الفقراء وعروق الفلاحين وتباشير الفجر الذي يؤذن به المؤذن لصلاة الفجر دون دكتاتور وطاغية ، شهادة ابو الفوز التي تتجدد أزهاراً من لوز تبرعم ذكراها ، أذ يتوزع الأنصار بيننا دون ضجيج ، لم تزل عيونهم ترقب المستقبل ، يريدونه فجراً طاهراً وحلما لذيذاً ، يريدونه خبزاً لكل الفقراء ودمى لأطفالنا وشمس لكل الناس .
لنتذكر ماقدمه الفتية الذين آمنوا بشعبهم ، ولنتذكر الأرواح الطاهرة التي سكنت كردستان وهي تحتضن السلاح ، ولنتذكر لون الدماء الذي أمتزج بثلج كردستان يلونه كما لون القزح العراقي فيزيده بهاء اً ، ونتذكر انهم بيننا يريدون ان يرصوا حجارة العراق الجديد .
تضاريس الأيام في دفاتر نصير للكاتب يوسف ابو الفوز اصدار دار المدى للثقافة والنشر 2002 دمشق .



#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشيناها خطى كتبت علينا
- العقم البعثي في العراق
- متى يتم انصاف الشرفاء من ابناء القوات المسلحة ؟؟
- وجهة نظر في بعض نصوص مسودة الدستور العراقي
- ملفات التحقيق الغافية
- رسالة الى خالد مشعل مع التحيات العراقية
- فضيحة الدبلوماسية العراقية
- القواسم المشتركة للدستور القادم
- هل ستخطو اوربا على خطى لندن في محاربة الأرهاب ؟
- نداء الى الامم المتحدة والى المنظمات الدولية والانسانية كافة
- قتل المخطوفين
- فارسية الكرد الفيلية
- هل تكفي ثلاثة دقائق للصمت ؟
- حرب الأرهاب ضد الأنسانية
- صدام أخذنا بقانون القوة فلنأخذه وأعوانه بقوة القانون
- ياسالم البدراني
- نداء الى الأخوة في الجمعية الوطنية العراقية
- رسالة الى الوطن
- فيلق العراق الاعلامي
- مرثية الى العامل احمد عبد الأمير


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - زهير كاظم عبود - قراءة في كتاب تضاريس الايام ليوسف ابو الفوز