أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عزيزي المتطرف، أنت مالك؟!














المزيد.....

عزيزي المتطرف، أنت مالك؟!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4716 - 2015 / 2 / 10 - 13:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صديقي المتطرِّف يظنُّ أن الفضيلة تسكن بيتَه وحده، وتأبى زيارة ما عدا بيته من بيوت. وأن كل من يسكن خارج بيته فاجرٌ وداعرٌ وكافرٌ وجاهل. البيت هنا هو "العقل"، وما يسكنه من أفكار. والتطرف هنا لا يخصُّ عقيدة دون أخرى. إنما هو مرضٌ يضرب أيَّ عضو من أعضاء الجسد، فنجده في كل دين وملّة ومذهب وطائفة ونظرية اجتماعية وسياسية وأدبية وفنية. صديقي مأسورٌ بـ "المظهر"، وبعيد كلَّ البعد عن "الجوهر". مُقولبٌ مُعلّبٌ جاهز التحضير. وصديقي كريمٌ في توزيع النعوت والأوصاف البذيئة على مَن حوله. هذا ملحدٌ وهذا صابئ وهذا كافرٌ وهذا داعر. يحمل في يده صَكًّا يُلوّح به في وجوهنا رافعًا سبّابة النذير والشرر يتطاير من عينيه. نسأله: ما المكتوبُ في هذا الصك يا عمّ؟ فيقول إنه تفويض من السماء بالتفتيش داخل ضمائر الناس؛ ومعاقبتهم على آرائهم وتوجهاتهم.
إن كان المتطرفُ مسلمًّا، سيسبُّ ويهين أبناء العقائد الأخرى. ولكي يفعل هذا؛ يشطب من ذاكرته قواعد إسلامية أساسية: “لكم دينكم ولي دين"، "ولو كنتَ فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك"، "لا يكون المؤمن لعّانًا" “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ثم يبدأ في اللعن والسباب والخوض في الأعراض.
وصديقي يكره القراءة والتعلّم. لا يُميز بين السماوي والوضعي. أحاول أن أقنعه أن كل الرسالات والفلسفات تحثُّ على العدل ومكارم الأخلاق، لكنه "مُبرمجٌ" على أن الفضيلة لا تسكن إلا بيته وحده! فتعالوا نتأمل معًا إلامَ تدعو الفلسفات الأخرى.
تدعو الزرادشتية إلى الإيمان بإله واحد متعالٍ هو "الخالق" الذي لا يُعزَى إليه شكلٌ أو لون أو مظهر، أحدٌ صمدٌ، لا تحيط به العقول، ولا يحدُّه مكان. العادلُ، الغفورُ، الرحيمُ، الواحدُ، الأحد. ويقول زرادشت في تعاليمه إن الاعتقاد بالخالق، لا يتمُّ إلا بـ"العقل الصالح"، والخلاصَ يأتي بتطوير أنبل منازع الإنسان. ويحذِّرُ أتباعَه من "روح الشر". وأكبر الشرور في زمانه تتمثل في مَيل العامة إلى عبادة المظهر دون الجوهر.
وتقول البوذيةُ إن السعادةَ لا تتمُّ إلا بالتخلص من الأنانية حتى نصل إلى حالة "نيرڤ-;---;--انا"، أي الصفاء الروحيّ. ومن أجل ذلك يتحتمُ على الإنسان إتّباعُ السُّبل النبيلة الأربعة: ’التفكيرُ السليم‘ الخالي من كل نزعة هوى، ’الفعلُ السليم‘ يسلكه الإنسانُ لأجل حياة مستقيمة تتكئُ على العلم والحق، ’الكلامُ السليم‘ بقول الصدق دون زور أو كذب، ’العيشُ السليم‘ القائمُ على هجر الملذّات الرخيصة. نيرڤ-;---;--انا هي حالة التيقُّظ أو الاستنارة التي تُخمد نيرانَ الدوافع المسببة للآلام: الشهوةُ، الحقدُ، الجهلُ. وهي بدايةُ طريق الخلاص. وتتلخص قواعدُ البوذية في الكفّ عن آثام خمسة: القتلُ، أخذُ ما ليس لك، الكلامُ السيء، السلوكاتُ الحِسيّة المُشينة، تعاطي المخدّرات. وباتباع تلك التعاليم يمكن القضاءُ على شرور الإنسان الثلاثة: الشهوانية، الحقد، الوهم.
وفي الحضارة الفرعونية الجميلة، التي صنعها أجدادُنا، ورد في كتاب "العبور إلى النهار"، الشهير بـ"كتاب الموتى"، أن شرط الانتقال إلى أبدية العالم الآخر، هو إقرار المتوفى بعدة اعترافات سلبية تؤكد أنه: لم يكذب، لم يسرق، لم يقتل، لم يتسبب في دموع إنسان، لم يلوِّث النهرَ المقدس.... ويشهد على صدق اعترافه ميزانٌ يوضع في إحدى كفتيه قلبُ الميت، الذي يمثّل ضميرَه، وفي الأخرى توضع ريشةُ "ماعت" التي تمثل الحقَّ والعدلَ والجمال.
ويقول المسيحيُّ في صلاته: "أغفرْ لنا ذنوبنا كما نغفرُ نحن أيضًا للمذنبين إلينا. ولا تُدخلنا في تجربة. لكن نجِّنا من الشرير." ويقول كتابُه: "أحبّوا أعداءكم. بارِكوا مُبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم." وفي القداسات يدعون لكل البشر قائلين: "نُصلّي من أجل إخواننا أصحاب الديانات الأخرى، ليحيوا عمقَ إيمانهم، حسبَ قصد الله. نصلّي من أجل كل مَن يمارس العنف باسم الدين، ليكتشفَ غِنا وعظمة حب الله."
وفي ثقافتنا الإسلامية يقول الإمام علي بن أبي طالب: " احصدِ الشرَّ من صدر غيرك، باقتلاعه من صدرك."
ولما سُئل دالاي لاما، زعيم التِبِت الروحي، عن أفضل العقائد قال: "هي تلك التي تجعلك: أكثرَ رحمةً، أكثرَ حساسيةً، أكثرَ محبةً، أكثر إنسانيةً، أكثر مسؤوليةً، أكثرَ جمالاً. العقيدةُ التي تفعل معك كل هذا تكون هي الأفضل."
وهكذا يا صديقي ترى أن الأديان والفلسفات كافةً تتوجه نحو هدف واحد: الجمال. وتنادي بمبدأ واحد هو: "الجوهر"، أما "المظهر/الصورة"، فشأن المتطرفين السطحيين. ولكلّ إنسان أن يختار، بملء إرادته، الطريق التي يسلكها للوصول إلى هذا الجمال، الذي هو الله.
قضيتنا يا صديقي هي المواطَنة، لا العقيدة. العقيدةُ شأنُ الله وحده، أما المواطَنة فشأني وشأنك وشأنُ كل مصري. وأذكّرك بجَد الرسول عليه الصلاة والسلام، عبد المطلب بن عبد مناف، حين ذهب لاسترداد إبله من أبرهة الأشرم هادم الكعبة، الذي قال له: "حسبتُك أتيتَ تتشفع للكعبة”. فردّ عبد المطلب: "أنا ربُّ الإبل، أما البيتُ فله ربٌّ يحميه." فاللهُ قادرٌ على حماية دينه، ليس هذا شأني أو شأنك. شأننا هو الوطن. فإن سألت عن عقيدة سواك، فسيرد عليك المجتمع كله، كما قال الرئيس السيسي قائلا: إنت مالك؟!!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بجماليون بين البغدادي ومورتون
- قلمي أمام سوطك
- ثوبُ عُرسٍ لا يكتمل
- إن كنتَ إنسانًا، اندهشْ
- لحيةُ الشيخ
- في انتظار رد الأزهر الشريف
- دواءٌ اسمُه القراءة
- في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015 | الجمهورُ هو البطل
- هل نتحدث إلى الله؟
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي
- تنّورة ميم
- مصرُ تُقبّل جبينَ السعودية
- الملك عبد الله، مصرُ تُطوّبك
- النملة أنس
- قطراتٌ من محبرتي في -الثورة الأم-
- مطلوب ألف مارتن لوثر
- محاكمتي في قضية رأي تتزامن مع معرض الكتاب والرأي
- رسالةُ حبٍّ ستخطئ طريقَها!
- رسالةُ حبٍّ ستخطئ طريقَها!
- فاتن حمامة، احملي هذه الرسالة


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عزيزي المتطرف، أنت مالك؟!