أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - المجد للشيطان















المزيد.....

المجد للشيطان


سيد القمني

الحوار المتمدن-العدد: 7154 - 2022 / 2 / 6 - 20:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التأملات الثانية في الفلسفة الأولى

12


المجد للشيطان خدعة الأديان

أمل دنقل في قصيدته : المجد للشيطان
المجد للشيطان
من قال لا في وجه من قالوا نعم
من علم الإنسان تمزيق العدم
من قال لا
فلم يمت
وظل روحا أبدية الألم
شرح فلسفة هذا البيان الشعري العبقري ( سبقنا الكثير من الكتاب لشرح مشكلة الشيطان وكان لنا قراءة تاريخية مجتمعية في كتابنا الأسطورة والتراث مخالفة لما سبقنا ، وهنا قراءة شارحة جديدة تماماً غير هذا وذاك ، تتأمل وتستظل بعبارة أمل دنقل وحدها : المجد للشيطان ) .
إذا كان الله خيراً مطلقاً فمن أين جاء الشر في العالم ؟ وصل كل شعب إلى إجابة مختلفة عن السؤال ، وفي منطقة الشرق الأوسط اتفقت شعوبها في الديانات الإبراهيمية الثلاث على إجابة واحدة لخصها دين الإسلام ، هي أن ملاكا مقربا من الله اسمه إبليس أبى الانصياع للأمر الإلهي بالسجود للمخلوق الجديد آدم مستكبراً ، فأمهله الله العقوبة إلى يوم الدين ، فأقسم بعزة الله وجلاله ليغوينهم أجمعين ، فأصبح إبليس مصدراً للشر وحمل اسم الشيطان ككائن مستقل عن الله والإنسان يملك إرادة مستقلة مهمته زرع الشر في الأرض ، وتفسيراً لوجود الشرفي مملكة الخير .
لماذا خلق الله إبليس ورتب له جريمة العصيان حتى يكون مصدراً للشر في الأرض ؟ هل كان هناك ضرورة لوجود الشر في العالم ؟ يبدو من مجمل الروايات الدينية أن وجود الشر في العالم كان إرادة إلهية لضرورة احتاجها التكوين الذي أراده الخالق في عملية الخلق ، فبدون الشر لن تكون هناك ذنوب ولا عقوبات ولا جنة ولا نار ، ولا حاجة للاستغفار والتوبة ولا حاجة لطقوس العبادة كلها بل ولا حاجة لإله نسترحمه ونستجديه ليغفر الذنوب ويقبل التوبة ، لذلك كان وجود الشر ضرورة لوجود الله فبدونه لا وجود لآلهة وغيابه غياب للربوبية .
وعليه يكون في الكون كيانات ثلاث وإرادات ثلاث : الله والشيطان والإنسان ، ويلح السؤال : هل تم خلق الشيطان ليكون ملاكا عابداً عارفا بقدرة الله الكلية ؟ أم خلق ليكون شريراً موجداً للشر ؟ وهل كان الخالق عندما خلق ملاكه المقرب إبليس يعلم أنه سوف يتبدل ليكون أعظم مصدر للشر ؟ وأيهما كان الهدف الرئيسي من خلق إبليس ؟ من يصنع اليوم بندقية يعلم يقينا أنه يخلق أداة للقتل فهل كان صانع الشيطان يعلم بالنتيجة النهائية لخلقه أم لا ؟ هل صنعه للخير فانقلب للشر ؟ ألا يعني ذلك أن الخالق لم يكن يعلم بما ستفعل إرادة المخلوق ! هل صنع أداة للخير فانقلبت رغم إرادته لتكون أداة للشر ؟ ألا يعيب ذلك الخالق وينقص من قدرته وأن صنعته قد شابتها عيوب جسيمة ؟
مهمة الشيطان هي الوسوسة التي تؤدي لفعل الشر ، ونعلم أن كل الكائنات من الشجر إلى الحجر إلى الحيوان تسبح الله وتسجد له ، فلماذا لا يوسوس الشيطان للشمس فتغير اتجاهاتها ولماذا لا يوسوس للحمار والقرد والبقر ؟ الواضح من التراث الديني الإبراهيمي كله أن الشيطان لا يوسوس إلا للإنسان ، وهو ما يعني أن فعل الشر يستلزم وجود الإنسان أولا والشيطان ثانيا وأن بدون أحدهما لا يتم إنجاز فعل الشر ، وهو ما يشككنا في فكرة وجود كائن مستقل بذاته يفعل الشر اسمه الشيطان ، لأنه لو كان ذلك صادقاً لزم أن يكون للشيطان معارفه الخاصة كشخصية مستقلة وأن يعلم الإنسان هذه المعارف وهو ما لم يحدث أبداً ، فم يحدث أن تعلم إنساناً معلومات من الشيطان لم يسبق للإنسان معرفتها ، وإذا كان آدم قد عصى ربه بوسوسة الشيطان فمن وسوس للشيطان في عالم كان كله خير لم يخلق فيه شر بعد .
لو كان هناك كائن مستقل بذاته اسمه الشيطان لكان له معارفه الخاصة ووسوس لنا بها ليستثمرها في فعل الشر ، ولو كان ذلك المستقل موجوداً فلا شك أنه يوسوس للصيني بلغة الصين وللعربي بلغة العربي وبهذه المعرفة كان لابد له أن يعلم العربي لغة الصيني حتي يحرضه على شرور صينية لايعرفها العربي ، أو يكون لكل منا شيطانه المرتبط به فيوسوس لي بالعربية ويوسوس للصيني بالصينية ، ويكون شيطان الغبي غبيا مثله وشيطان الطفل طفلا مثله ويكون التطابق تاماً بين الشيطان ورفيقه البشري ، ويكون شيطاني غير شيطانك ، شيطانك يتكلم لغتك فقط ومعلوماته بقدر معلوماتك ويعرف من دينك بقدر ما تعرف دون زيادة ولا نقصان والشيطان الذي كان يوسوس لأجدادنا يعجز عن الوسوسة لنا لأنه لا يعرف شيئا عن زماننا ، والشيطان في بلاد ثقافة التداوي ببول الجمل يعجز عن الوسوسة لمن يعيش في بلاد ثقافة الذرة والكوانتم .
اذن ليس لدى الشيطان معلومات خاصة تميز ذاته المستقلة عن الإنسان ، فالله لم يمده بمعلومات تساعده على إنجاز الشر ، فهو لا يعلم أكثر مما يعلم قرينه البشري ، ومعارف وعلوم قرينه البشري بدوره ليست من عند الله ولو كانت معلومات البشر معلومة لله لأمر نوح بصنع غواصة نووية و لدمر عاد وثمود وقوم لوط بقنبلة هيروشيما أو بغاز الكيمتريل ، ولأنقذ من شاء بإصعادهم للقمر ثم أعادهم للأرض ، الله إذن لم يكن لديه معرفة بكيفية الصعود للقمر وبالضرورة لم تكن تلك معلومات يعرفها الشيطان قبل أن يعرفها الإنسان . فلو كان الشيطان ذاتا مستقلة فلم تكن له معارف أخذها عن الله يفعل بها مثلما فعل الإنسان ، فلا هو أنشأ دولا ولا أقام المعمار ولا المعابد ، وبدا زاهداً في الدنيا فلم يطلب مالا جزية وخراجا وقرابين كما تطلب الآلهة ، ولم يباه بقدراته ولم يقل أنا الجبار والقهار ،ولا حتى قال أنا المكار الخبيث ، ولا قال أنا من يمكنه أن يدمر ويبيد ويمحو ، ولا قال أنا عندي 99 اسما ولم يطلب أن نجاهد بالدم ولم يطلب دماء الاستشهاد في سبيله لذلك كرهته جميع الآلهة وقبحته وجرمته واعتبرته مصدراً للشر .
وفق مبدأ أن خالق الشيئ أسبق في الوجود من المخلوق فإن الشيطان لم يكن له وجود قبل خلق الإنسان ، إبليس دينيا كان موجوداً قبل وجود الإنسان كملاك عابد متبتل لكنه لم يتحول إلى شيطان شرير إلا بعد خلق آدم ، الوسوسة لم تبدأ قبل آدم ولم توجه لغير الإنسان ، والوسوسة فكرة تنتقل بالكلمة وهو ما يحتاج من يفكر ويتكلم ويفهم الوسوسة والفكرة والكلمة ، فغياب الإنسان يعني غياب الشيطان وغياب الشيطان يعني غياب الله . فالشيطان يرتبط بوجود الإنسان أولا ويتطور بتطور الإنسان فشيطانك وأنت طفل غير شيطانك وانت مراهق غير شيطانك وأنت عجوز ، وشيطان جدك الأمي غير شيطان ابنك الصبي العارف بأجهزة ووسائل الاتصال الجديدة وتكنولوجياتها . وما يوجد هو سبعة مليار شيطان لسبعة مليار إنسان ، فشيطان المهندس مهندس ، وشيطان المحارب محارب ، وشيطان رجل الدين عارف بما لدى صاحبه من أمور الدين ، وشيطان أبي بكر الذي كان يعتريه كما قال للناس ، كانت معارفه محدودة بمعارف أبي بكر ، فما كان لهذا الشيطان أن يكون عارفا بسماعة الطبيب ولا بالسيارة ولا بنظرية النسبية ، بينما يعرف شيطاني كل هذا ، لأن معلومته مني وعقله هو عقلي
نصل إذن إلى كشف الخدعة التاريخية الكبرى التي صنعتها الأديان واستخدمتها في إخضاع الإنسانية كلها لسلطان كهنتها باختراعها شيطانا هو مصدر الشر وجعلت لفعل الشر إرادتين متلازمتين واحدة للإنسان والثانية للشيطان بينما الحقيقة الساطعة أنه بين الإرادات الثلاثة الله والشيطان والإنسان لا توجد غير إرادة واحدة هي إرادة الإنسان بعقل الإنسان .
في عقل الإنسان جزء يقوم بالفحص والمراقبة والشك والمراجعة والاعتراض ليوافق على القرار أو يرفضه ، وهذا الجزء الفاحص الناقد هو الذي أطلقت عليه الأديان اسم الشيطان الوسواس الخناس ، الذي يقف فاحصا ناقدا معارضا للأوامر والنواهي التي تصدر للإنسان من الكاهن أو الملك أو الله متصديا لها رافضا الخضوع والاستكانة دون فحص وموافقة أو رفض ، هو قدرتنا على رفض الخنوع والاستسلام لأوامر تسلبنا إنسانيتنا ، وإنسان بلا شيطان هو إنسان بلا عقل ، لذلك عملت كل الأديان على تحقير العقل البشري والاستهانة به وتنقيصه وأنه لا علم له أمام المعارف المقدسة التي تطلب التصديق بها لذاتها المقدسة ، أما العقل فهو بشري يعتريه نقصان البشر وضعفهم .
تمكنت الأديان من استعباد الإنسان عندما أقنعته بعدم جدوى استخدام عقله وحولت قدرته الفاحصة الناقدة إلى وسوسة شيطان مريد ، وسحق العقل احتاج إلى اللاعقل ، احتاج إلى سيادة الخرافة كحلول إعجازية ليست في استطاعة العقل ، فهل يستطيع العقل تحويل العصا إلى حية ؟ هل يستطيع العقل أن يجعل الصخرة تلد ناقة ؟ إذن هو قاصر وبليد وعليه التسليم لمن يستطيع . وتم اعتماد الخرافة كحلول إعجازية لكل المشاكل التي تواجه البشرية من الكوارث إلى الأمراض المستعصية التي يفسرها مس الشيطان وأفاعيله العجيبة ، ويكون وجود الله هو الحل الإعجازي لكل المشاكل بتلاوات وأدعية وطقوس وبخور وذبائح للترضية ورقية شرعية تهدئ حالة القلق وتؤدي للراحة النفسية ، فإن لم تجد نفعا تكون تلك إرادة الله وحكمته التي يجب التسليم بها وحمده عليها فرب ضارة نافعة واللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .
الشيطان إذن هو أجمل ما في الإنسان ، هو الأرقى والأروع ، هو الخيال المكتشف ، هو الفنان والأديب والمفكر والناقد وصانع الحرية ، هو الجزء الذي لا يخاف من عقل الإنسان ، هو الثائر المتمرد ، هو من قال لا في وجه من قالوا نعم ، وعلم الإنسان تمزيق العدم ، هولا يفعل بنفسه شيئا فهو لا يسرق ولا يملك بيتا ولا مزرعة ولا دولة لأنه لا حاجة له بها لأنه يسكن عقل صاحبه ، الشيطان هو النصف الأرقى في عقل الإنسان
إذن : المجد للشيطان حقا وصدقاً
2015 / 2 / 9



#سيد_القمني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان تاريخنا ماضيا سعيدا؟؟
- إرهابيونا في الخارج
- نظرية أن كل مسلم إرهابي
- نظرية أن كل مسلم إرهابي !
- كل يوم كلمتين قلتهم زمان
- العلة والمعلول
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 7 - الوجود والعدم 2
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى ( 7 )
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى(6).. الإله الحقيقي
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى (5).. ويسألونك عن الروح؟ ...
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى ( 5 ) ويسألونك عن الروح؟! ...
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى -4-.. هو الأول وهو الآخر
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى.. من التعدد إلى التوحيد - ...
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 2
- التأملات الثانية في الفلسفة الأولى.. البحث عن المنهج -1-
- لحية برهامي
- عبور البرزخ
- اللاعنف والخراب العاجل (5)
- اللا عنف والخراب العاجل (4)
- اللاعنف ..... والخراب العاجل (3)


المزيد.....




- بشرط واحد.. طريقة التسجيل في اعتكاف المسجد الحرام 2024-1445 ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- -تصريحات ترامب- عن اليهود تثير عاصفة من الجدل
- أصول المصارف الإسلامية بالإمارات تتجاوز 700 مليار درهم
- 54 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - المجد للشيطان