أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فضيلة يوسف - إرهابيون أم مقاتلون من أجل الحرية ( جنّدتهم المخابرات الأمريكية)















المزيد.....



إرهابيون أم مقاتلون من أجل الحرية ( جنّدتهم المخابرات الأمريكية)


فضيلة يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4715 - 2015 / 2 / 9 - 17:24
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الظاهرة الوحشيّة التي شهدناها مؤخراً في فرنسا لها جذور تعود إلى عام 1979 على الأقل ، عندما ظهر المجاهدون في أفغانستان. كان جام غضبهم موجهاً في ذلك الوقت ضد حكومة تراكي اليسارية التي جاءت إلى السلطة في نيسان من عام 1978. وكان صعود هذه الحكومة إلى السلطة حدث مفاجئ للسكان الأصليين ،تماماً مع مفاجأة كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
في نيسان عام 1978 خلع الجيش الأفغاني حكومة البلاد بسبب التدابير القمعية، ومن ثم بنى حكومة جديدة برئاسة اليساري، نور محمد تراكي، الكاتب والشاعر وأستاذ الصحافة في جامعة كابول. كان لدى أفغانستان حكومة علمانية تقدمية في أعقاب ذلك ، لفترة وجيزة من الزمن، وبدعم شعبي واسع. ". . . أقرّت الحكومة إصلاحات تقدمية وأعطت حقوقاَ متساوية للنساء. وجرّت البلاد إلى القرن ال20، كما ذكر أستاذ العلوم السياسية البريطاني فريد هاليداي أيار 1979 ، ربما فاق التغيير الذي حدث في المناطق الريفية خلال عام واحد التغييرات التي حدثت في قرنين من الزمان في منذ تأسيس الدولة ".
أعلنت حكومة تراكي عدم الانحياز في الشؤون الخارجية وأكدت على الالتزام بالإسلام في دولة علمانية. ومن بين الإصلاحات الملّحة، مُنحت المرأة حقوقاً متساوية ، وسُمح للفتيات بالذهاب إلى المدارس المختلطة ، تم حظر زواج الأطفال ودفع المهور الإقطاعية. وأصبحت النقابات العمالية قانونية ، وأُطلق سراح 10000 شخص من السجون. وفي غضون فترة زمنية قصيرة تم بناء مئات المدارس والعيادات الطبية في الريف.
لم يتغير نظام حيازة الأراضي كثيراً منذ الفترة الإقطاعية، امتلك كبار الملاك وهم لا يزيدون عن 3 في المئة فقط من سكان الريف أكثر من ثلاثة أرباع الأراضي. بدأت الإصلاحات في 1 أيلول 1978 بإلغاء جميع الديون المستحقة على المزارعين من قبل – وزيادة الضرائب على كبار الملاك والمرابين لتصل إلى 45 في المئة. ووضع برنامج كبير لإصلاح الأراضي ، وكان من المتوقع أن جميع الأسر الزراعية (بما في ذلك الملاك) سيحصلون على حصص متساوية من الأرض. ماذا حدث لهذه الحكومة التقدمية؟ باختصار، تم تقويضها من قبل وكالة المخابرات المركزية والمجاهدين، وتسبب ذلك في سلسلة من الأحداث التي دمرت البلاد - وأدت ولسخرية الاقدار لكارثة 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وإلى الفوضى الحالية والمأساة في أفغانستان.
وقبل أن تتدخل وكالة الاستخبارات المركزية المعنية، كما هو متوقع، اعترض كبار الملاك الأغنياء والملالي ليس فقط على إصلاح الأراضي ولكن على جميع الإصلاحات. وكان معظم الملالي ال 250000 من أصحاب الأملاك ، الأغنياء الذين قالوا في خطبهم للناس أن الله فقط يمكنه منح الأرض، وأن الله يعترض على إعطاء المرأة حقوقا متساوية و ذهاب الفتيات إلى المدارس. لكن كان للإصلاحات شعبية، لذلك غادرت هذه العناصر الرجعية إلى باكستان، "كلاجئين". وبمساعدة من باكستان، شرعت في شن غارات على الريف الأفغاني حيث أحرقوا العيادات والمدارس، وقتلوا المعلمين الذين يعلّمون الفتيات، وغالباً تم قتل المعلمين في وجود الأطفال ، لغرس الخوف والذعر بين السكان.
ورغم أنه لا يحق لدولة التدخل في شؤون دولة اخرى، اعتبرت الولايات المتحدة الحكومة الجديدة حكومة ماركسية وصممت على قلب نظام الحكم ، بشكل غير رسمي في البداية ، وأصبح التدخل رسمياً بعد 3 تموز 1979 مع تفويض الرئيس كارتر، وكالة الاستخبارات المركزية، جنباً إلى جنب مع باكستان والمملكة العربية السعودية، بتقديم المساعدات العسكرية والتدريب للمتطرفين المسلمين، الذين عُرفوا فيما بعد باسم المجاهدين و"المقاتلون من أجل الحرية".
وبالإضافة إلى ذلك، جنّدت وكالة الاستخبارات المركزية حفيظ الله أمين، طالب دكتوراه أفغاني في الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون متشدداً ماركسياً . عمل أمين بنجاح في الحكومة الأفغانية وفي أيلول عام 1979 قاد انقلاباً، وتم قتل تراكي ، وأثناء حكمه سجن أمين الآلاف من الناس وقوّض الجيش وفقدت الحكومة مصداقيتها. ولدرء الآلاف من الغزاة المجاهدين المسلحين تسليحاً جيداً، وكثير منهم من المرتزقة الأجانب ، اضطر أمين وحكومته لدعوة بعض القوات السوفيتية. وبعد ذلك بقليل، قًتل أمين واستبدل بالرئيس بابراك كارمال، وهو عضو سابق في حكومة تراكي كان يعيش في المنفى في تشيكوسلوفاكيا. وفي ظلال سياسة الحرب الباردة ، دعا كارمال الاتحاد السوفياتي لإرسال قواته لمواجهة قوات المجاهدين. وما لم يُعرف على نطاق واسع أن الولايات المتحدة من خلال وكالة المخابرات المركزية شاركت بنشاط في الشؤون الأفغانية لمدة سنة على الأقل، ورداً على ذلك وصل السوفييت الى المكان.
وكما ذكرت قبل بضع سنوات: أدّى دخول القوات السوفيتية إلى الأراضي الأفغانية لتدمير مأساوي للبلاد في نهاية المطاف ، تفاخر زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر بعد ذلك أنه أقنع كارتر أن يأذن للمخابرات المركزية CIA لنصب فخ للدب الروسي ليذوق الاتحاد السوفياتي طعم حرب فيتنام. رأى بريجنسكي في ذلك فرصة ذهبية لإطلاق حميّة المتشددين المسلمين الأكثر رجعية - لإعلان الجهاد (الحرب المقدسة) على الكفار الملحدين الذين دنّسوا الأرض الأفغانية - وليس فقط طردهم ولكن ملاحقتهم و "تحرير" المناطق ذات الأغلبية المسلمة في الاتحاد السوفياتي. وعلى مدى السنوات العشر المقبلة، ومع إنفاق المليارات من الدولارات من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، ومع تجنيد الآلاف من المسلمين غير الأفغان للجهاد (بما في ذلك أسامة بن لادن)، جلب هذا الجيش من المتشددين الدينيين الخراب لأرض وشعب أفغانستان.
كان إرسال قوات إلى أفغانستان خطأً فادحاً من جانب الاتحاد السوفياتي. كان يمكن للسوفييت تقديم أسلحة للحكومة الأفغانية ببساطة ، وكانت أفغانستان ستنجو من "البرابرة على البوابات" - لأن الشعب الأفغاني العادي لم يكن من المتعصبين ومعظمهم أيدّوا الإصلاحات التقدمية للحكومة.
ولعدم قدرتها على جذب ما يكفي من الأفغان لهذه الحرب، جندت وكالة المخابرات المركزية، والمملكة العربية السعودية وباكستان حوالي 35000 من الأصوليين الإسلاميين ، من 40 دولة إسلامية لإدارة الحرب ضد الحكومة الأفغانية والقوات السوفيتية. وقامت كالة المخابرات المركزية سراً بتدريب ورعاية هؤلاء المحاربين الأجانب، وبالتالي فإن الأصولية التي ظهرت في أفغانستان من بناء المخابرات المركزية CIA. على الرغم من أن المجاهدين يُشار إليهم باسم "المقاتلون من أجل الحرية"، الا أنهم ارتكبوا فظائع مروعة وكانوا إرهابيين من الدرجة الأولى.
وكما ورد في تقرير في وسائل الإعلام الأمريكية، فإن "التكتيك المفضل" للمجاهدين كان تعذيب الضحايا [في كثير من الأحيان الروس] عن طريق قطع أنوفهم وآذانهم أولاً وقطع الأعضاء التناسلية، ثم إزالة شرائح من الجلد واحدة بعد أخرى"، مما يؤدي إلى الموت البطيء المؤلم ، "ويوضح التقرير وضع السجناء الروس في أقفاص مثل الحيوانات وعيشهم حياة رعب لا توصف ". وجاء في تقرير صحفي في مجلة الشرق الأقصى الاقتصادية ان" مجموعة من الجنود السوفييت قُتلت، وسُلخت جلودهم وتم تعليقهم في محل جزارة. وعلى الرغم من هذه التقارير ، واصل الرئيس ريغان الإشارة إلى المجاهدين باسم "المقاتلون من أجل الحرية" ، و في عام 1985 قام بدعوة مجموعة منهم إلى واشنطن واستقبلهم في البيت الأبيض، وبعد ذلك، وحين تم تعريفهم على وسائل الإعلام، قال: "هؤلاء السادة يساوون أخلاقياً الآباء المؤسسين للولايات المتحدة." بالتأكيد كان الجنود السوفييت بشر ، كما الجنود الأمريكيين - لنفترض أن الجنود الأمريكيين تم سلخ جلودهم وهم على قيد الحياة. هل كان الرئيس ريغان في مثل هذه الحالة يُشير إلى المجاهدين باسم "المقاتلون من أجل الحرية". . . أو ربما كان قد أشار إليهم بوصفهم إرهابيين، كما فعل السوفييت ؟ في الواقع، كيف يتم تصوير هذه الأعمال يعتمد على من نطحه الثور.
استسلم السوفييت في (فيتنامهم) وسحبوا قواتهم في شباط من عام 1989، ولكن الحرب استمرت، مع استمرار المساعدات العسكرية الأميركية، واستغرق الأمر حتى نيسان عام 1992 حين هُزمت الحكومة الماركسية الأفغانية أخيراً. وفي السنوات الأربع اللاحقة دمّر المجاهدون معظم كابول وقتلوا حوالي 50000 شخص أثناء خوضهم حروباً فيما بينهم واستمرت عمليات النهب والاغتصاب حتى هزمتهم حركة طالبان وسيطرت على كابول في أيلول من عام 1996. حررت طالبان التي درّبت المتشددين الاسلاميين في باكستان البلاد من المجاهدين، ولكن بعد ذلك أنشأت نظاماً رجعياً وحشياً. فرضت حركة طالبان في عهدها إرهاباً ، وخاصة على النساء. فرضت نسخة فائقة الطائفية من الإسلام، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوهابية، عقيدة الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية.
أيدّت الولايات المتحدة وجنّدت المتشددين الدينيين المتعصبين الأكثر رجعية على الأرض لتقويض الاتحاد السوفييتي ، واستخدمتهم كجيش بالوكالة لمحاربة الشيوعية والاتحاد السوفياتي - وفي سياق ذلك دمرت أفغانستان وشعبها. لكن الأمور لم تنتهي عند هذا الحد. انتشر المجاهدون في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي. ذهبوا لمحاربة الصرب في البوسنة وكوسوفو، بمعرفة ودعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن بعد ذلك، ومن المفارقات، وبعد هزيمة ما أسموه الإمبريالية السوفيتية، تحوّلت أنظار "المقاتلون من أجل الحرية" على الإمبريالية الأمريكية، وخاصة أنها تدعم إسرائيل واعتداءاتها على أراضي المسلمين.
وهكذا انقلب السحر على الساحر –غيّر سلالة الرائعين "المقاتلون من أجل الحرية" كما وصفهم ريغان اتجاههم وشهدت أمريكا 11 ايلول 2001. ولكن ما هي الدروس التي استفادتها حكومة الولايات المتحدة ومعظم الشعب الأمريكي من هذا؟ ما زالوا يضخمون أنفسهم من وجهة نظرهم باعتبارهم أمة "استثنائية" و"لا غنى عنها" في العالم، ويذكّر الرئيس أوباما ، بغطرسة ، العالم بذلك ، لم تقم الحكومة الأمريكية ولا شعبها بتوصيل النقاط. هل هناك أي شيء في تاريخهم الحديث يمكن أن يفسّر 9/11 لهم؟ وباختصار، فإنه لم يكن ليحدث لو تركت الولايات المتحدة الأمريكية حكومة تراكي الأفغانية التقدمية وحدها، ولن يكون هناك جيش من المجاهدين، ولا التدخل السوفياتي، ولا الحرب التي دمرت أفغانستان، ولا أسامة بن لادن، وبالتالي لم يحدث 11 أيلول المأساوي في الولايات المتحدة الأمريكية.
لجأت الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من التفكير في الأسباب المحتملة لما حدث، والتعلّم من هذا، فوراً إلى الحرب، التي تبعتها سلسلة من الحروب الإضافية، التي تُعيد إلى الأذهان مقولة ماركس التهكمية التي صحح بها مقولة هيغل أن التاريخ يُعيد نفسه المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة".
عرضت حكومة طالبان الأفغانية استجابة لطلب الولايات المتحدة الأمريكية تسليم أسامة بن لادن، شرط أن يتم تسليمه إلى محكمة دولية، لكنها تُريد أدلة تربطه ب 9/11. ولم يوجد لدى الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذا الدليل ونفى بن لادن وجود أي علاقة له ب 9/11. وتأكيداً لنفي بن لادن، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي لا يوجد في سجلاته مثل هذا الدليل حتى الوقت الحاضر ". . ومكتب التحقيقات الفيدرالي لم يغير قط موقفه في هذا الشأن.
كما عُرف لاحقاً، ان مؤامرة 9/11 نُظّمت في هامبورغ، ألمانيا من قبل خلية لتنظيم القاعدة لذلك كان الهجوم في 9/11 لا علاقة له مع أفغانستان في شيء. وعلى الرغم من حقيقة أن 15 من الخاطفين ال 19 كانوا من المملكة العربية السعودية وان الولايات المتحدة الأمريكية لا يوجد عندها أي دليل يربط أفغانستان أو بن لادن بهجوم 9/11، شنت الولايات المتحدة حرباً على أفغانستان، وبالطبع دون موافقة الامم المتحدة، لذلك كانت الحرب غير مشروعة.
وحتى لو أرادت الولايات المتحدة الأمريكية الإطاحة بحكومة طالبان، لم يكن هناك حاجة لحرب. في إجماع نادر، ناشدت جميع الجماعات المناهضة لحركة طالبان الأفغانية حكومة الولايات المتحدة بعدم قصف أو غزو البلاد. وأشاروا إلى أن كل ما على الولايات المتحدة القيام به لإزالة حكومة طالبان هو إجبار المملكة العربية السعودية وباكستان وقف تمويل حركة طالبان، وبعد فترة وجيزة ستنهار من تلقاء نفسها. كان يمكن تغيير النظام دون تدمير البلاد وقتل مئات الآلاف من الأفغان، فضلاً عن الآلاف من قواتها الخاصة، وبعدها استمرت الحرب من عام 2001 إلى عام 2015. . . أطول حروب أميركا. إذا لم تكن هذه مهزلة، فما هي؟
واستمرت المهزلة، وفي عام 2003 شنت الولايات المتحدة حرباً غير مشروعة أخرى، وهذه المرة على العراق، وهي حرب بُنيت على أكاذيب صريحة وخداع - وهي جريمة حرب من الدرجة الأولى. وكانت هذه الحرب أكثر مأساوية. قُتل أكثر من مليون عراقي، ودُمّرت العراق، تم تدمير مجتمع علماني، والاستعاضة عنه بجماعات دينية. وفي سياق هذه الحرب، انتقل تنظيم القاعدة إلى العراق وكان بمثابة نموذج للشباب العراقيين لمحاربة الغزاة الأمريكيين، على الرغم من أن القوات الأمريكية احتلت العراق بسرعة، فقد واجهت حرب عصابات لا هوادة فيها، والتي أدت في النهاية إلى رحيلهم في عام 2011. وخلال هذه السنوات سجن الأمريكان الآلاف من الشبان العراقيين، وعن غير قصد تحوّل معظمهم إلى الجهاديين. وكان للسجون مثل سجن أبو غريب وبوكا تأثير حارق على التمرد المستمر، ولكن الآن هؤلاء الجهاديون لا تسميهم الولايات المتحدة "المناضلون" – لقد فقدوا هذه التسمية المحببة في أفغانستان عندما حل الجنود الأمريكيون محل الجنود السوفييت.
كما لو كانت الحروب في أفغانستان والعراق لم تكن كافية، شنت الولايات المتحدة خلسة في ربيع عام 2011 بدايات حرب أخرى، مخطط لها منذ فترة طويلة ، وكان هذه المرة على سوريا. بطريقة أو بأخرى "عفوية" كان هناك انتفاضة "للمقاتلين من أجل الحرية" لإسقاط الحكومة السورية العلمانية، التي أزعجت الولايات المتحدة. يشتبه أن الولايات المتحدة كانت تقف وراء الانتفاضة، منذ وقت مبكر كما ورد عام 2007 في مقابلة مع ويسلي كلارك قال فيها : أنه في عام 2001، بعد أسابيع قليلة من 9/11، سمع من مسؤول أمريكي رفيع المستوى حول خطط "لإخراج سبع دول خلال خمس سنوات بدءاً من العراق، ثم سوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان، والاجهاز على إيران." أيضاً وفي عام 2007، ذكر سيمور هيرش، في مقال يتردد كثيراً، أن "الحكومة السعودية، وبموافقة واشنطن، ستوفر الأموال والمساعدات اللوجستية لإضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا ".
وكان ما يسمى ب "الجيش السوري الحر" من صنع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وكان هدفه استفزاز الشرطة والجيش السوري ومرة واحدة انتشرت الدبابات والعربات المدرعة وهذا يبرر التدخل العسكري الخارجي في إطار تفويض حلف الناتو ب"مسؤولية الحماية" - بهدف القيام في سوريا بما قاموا به ليبيا. ومع ذلك، مع الفيتو الروسي في الأمم المتحدة لم يسر هذا العمل كما هو مخطط له.
ولحل هذه النكسة ، شرعت وكالة الاستخبارات المركزية، جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية وقطر، في القيام بالضبط بما قاموا به في أفغانستان - تم جلب جحافل من السلفيين المسلمين "المقاتلون من أجل الحرية" الأجانب إلى سوريا لغرض صريح الإطاحة بحكومتها العلمانية. بأموال غير محدودة وأسلحة أمريكية، وللمفارقة كان تنظيم القاعدة العراقي، الذي حارب الجيش الأمريكي في العراق أول الداخلين إلى سوريا . ثم تبعته العشرات من جماعات القاعدة الأخرى، ولا سيما كتائب النصرة، مع مخططاتها لتغيير المجتمع العلماني متعدد الأعراق في سوريا الى دولة اسلامية سنية.
والحق يقال أن الولايات المتحدة كانت تقول للعالم أن " على الأسد أن يرحل" من بداية الانتفاضة في سوريا، وأنهم يتدخلون عن طريق مساعدة "المعتدلين" في الجيش السوري الحر لقلب النظام السوري وفجأة غمرت الجماعات السلفية الجيش السوري الحر المعتدل وشرعت في إطلاق سلسلة من الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء سوريا. حددت الحكومة السورية بشكل صحيح هذه الهجمات بأنها عمل الإرهابيين، ولكن تم رفض ذلك من خلال وسائل الإعلام بوصفها دعاية. تم ببساطة تجاهل حقيقة ان البلاد تعاني من التفجيرات الانتحارية وقطع رؤوس الجنود والمدنيين والصحفيين وعمال الإغاثة، والموظفين العموميين.
وعلى الرغم من هذه التقارير، أصرت الولايات المتحدة انها توفر فقط "المساعدة" لأولئك الذين عرّفوا أنفسهم بأنهم جزء من الجيش السوري الحر. كما ذُكر في حزيران 2012 في صحيفة نيويورك تايمز، "يعمل ضباط وكالة المخابرات المركزية سراً في جنوب تركيا، مما يساعد الحلفاء على تقرير أي من مقاتلي المعارضة السورية عبر الحدود سيحصل على السلاح لمحاربة الحكومة السورية ... والأسلحة، بما فيها البنادق الآلية، والصاروخية والقنابل اليدوية والذخائر وبعض الأسلحة المضادة للدبابات، والتي يجري ضخها في الغالب عبر الحدود التركية عن طريق شبكة غامضة من الوسطاء بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمون في سوريا وتدفع ثمنها تركيا والسعودية وقطر "
بالإضافة إلى ذلك، وبعد الإطاحة بحكومة القذافي في ليبيا في آب 2011 من قبل قوات تنظيم القاعدة، وبدعم من قصف حلف شمال الاطلسي، رتبت وكالة المخابرات المركزية نقل أسلحة ليبية إلى المتمردين السوريين. كما ذكرت صحيفة التايمز في المملكة المتحدة وسيمور هيرش من قبل، رست سفينة ليبية في تركيا محملة ب 400 طن من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ سام – 7 (أرض-جو) المضادة للطائرات وقذائف صاروخية، وغيرها من الذخائر. ثم نُقلت في أوائل عام 2013 شحنة أسلحة كبيرة أخرى، والمعروفة باسم الأسلحة الكرواتية العظمى ، وتتكون من 3000 طن من الأسلحة العسكرية من كرواتيا وبريطانيا وفرنسا، بتنسيق من وكالة المخابرات المركزية. وقد تم نقل هذه الأسلحة من زغرب، في 75 من طائرات النقل إلى تركيا لتوزيعها على من "يستحق من" المرتزقة" في سورية. وفي تقرير آخر، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز (24 آذار 2013) أن المملكة العربية السعودية دفعت ثمن هذه الأسلحة وأن هناك 160 رحلة جوية تمت لنقلها.
على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والمملكة العربية السعودية وقطر لدعم الجماعات المختلفة التي شكلت الجيش السوري الحر، واصلت قوات الحكومة السورية القضاء عليهم وإلحاق الهزيمة بهم. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من هذه القوى "المعتدلة" انشقت وانضمت إلى الجماعات الجهادية المتشددة. ثم في أوائل 2014 ظهرت قوة عسكرية لم تكن معروفة على الساحة ، "من العدم"، وبدأت في تحقيق مكاسب عسكرية مذهلة. وكان لها عدد من الأسماء، أحدها الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (ISIS) ولكن بعد ذلك أصبح ببساطة الدولة الإسلامية (IS) أو داعش باللغة العربية. وأثارت انتباه العالم عندما سيطرت في غضون أيام على أكثر من ربع العراق، بما في ذلك ثاني أكبر مدينة، الموصل – وأجبرت الجيش العراقي على الفرار والتفكك، وهددت بمهاجمة بغداد. قطعت رأس اثنين من الصحفيين الأمريكيين بعد فترة وجيزة ، فأرسلت الولايات المتحدة قواتها مجدداً الى العراق وبدأت حملة قصف على قوات الدولة في كل من العراق وسوريا.
كان للدولة الإسلامية بالفعل قاعدة قوية في سورية ، قبل هجومها على العراق، ومن ثم سيطرت على ما يقرب من ثلث سوريا بالدبابات والمدفعية التي استولت عليها من الجيش العراقي في الموصل، وبالتالي تغطي في الوقت الحاضر مساحة تساوي مساحة بريطانيا تقريباً ، ويبلغ عدد سكانها نحو ستة ملايين نسمة. لا تعترف الدولة الإسلامية بالحدود بين سوريا والعراق، وتعتبر المنطقة الواقعة تحت سيطرتها دولة الخلافة برؤية متشددة للإسلام. هذه هي النتيجة المباشرة لعاصفة الصحراء من الأموال السعودية التي صرفت على التبشير الوهابي العالمي والتحزّب، مما أدى للعودة إلى رجعية العصور الوسطى ، وهذا لا علاقة له مع الدين الإسلامي في شيء.

كانت "الدولة الإسلامية" في البداية، لا شيء سوى ذيل لتنظيم القاعدة – كان تنظيم القاعدة نفسه مسلحاً وممولاً بشكل مباشر، ومدعوماً من حلفاء الولايات المتحدة المخلصين، المملكة العربية السعودية وقطر، مع دعم تركي كامل. ووراء كل هذا كانت رغبة الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي لتقويض وتدمير الحكومة العلمانية في سوريا. كما ذكر Patrick Cockburn في مقاله المميز الأخير.
"إن آباء الدولة الإسلامية وغيرها من الحركات الجهادية السنية في العراق وسوريا هم المملكة العربية السعودية ودول الخليج وتركيا." ويستشهد بقول الرئيس السابق للمخابرات البريطانية أن "مثل هذه الأشياء لا تحدث من تلقاء نفسها." يذكر Cockburn كذلك أنه "من غير المرجح أن تصطف الطائفة السنية ككل في العراق وراء الدولة الإسلامية دون دعم المملكة العربية السعودية. . . . لقد كان دور تركيا مختلف ولكنه ليس أقل أهمية من المملكة العربية السعودية في مساعدة الدولة الإسلامية والجماعات الجهادية الأخرى. وكان عمل تركيا أهم حيث فتحت الحدود مع سوريا بطول 510 ميل . أعطى هذا الدولة الإسلامية ، وكتائب النصرة وجماعات المعارضة الأخرى قاعدة خلفية آمنة يمكن من خلالها جلب الرجال والأسلحة. . . .وقد تكون الاستخبارات العسكرية التركية متورطة بشكل كبير في مساعدة الدولة الإسلامية عندما كانت تُعيد تشكيل نفسها في عام 2011. "
لم تتردد الولايات المتحدة في محاولتها الهيمنة الكاملة على العالم، في دعم الجماعات الإرهابية عندما كان ذلك في مصلحتها، على سبيل المثال، أنشأت المجاهدين وتنظيم القاعدة في أفغانستان، لقتال السوفييت وكانوا "مقاتلين من أجل الحرية"، ولكن بعد ذلك جاء رد الفعل السلبي بعد 11 أيلول. . . وأصبحوا على الفور إرهابيين، فدخلت أمريكا في (الحرب على الإرهاب ) واعتدت على العراق واحتلته بالقوة العسكرية في حرب غير شرعية .
وخلق الاحتلال حركة مقاومة جديدة بديلة لتنظيم القاعدة، ويُنظر إليهم بالطبع كإرهابيين. ثم جاء "الهجوم" على حكومة الأسد في سوريا، الذي أطلقته الحكومة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والسعودية وقطر وتركيا. كان الجيش السوري الحر "المقاتلون من أجل الحرية" في البداية ، ولكن عندما تحقق تقدم إضافي ظهر "المقاتلون من أجل الحرية" على شكل تنظيم القاعدة، بكافة أنواعه، وبلغ ذروته في داعش. أصبح هؤلاء الإرهابين السابقين الآن حلفاء في حملة لعزل حكومة الأسد في سوريا. على الرغم من أن سوريا نظرت لهم بشكل صحيح كإرهابيين أجانب، تم تجاهل مطالبها إلى حد كبير. . . حتى تم قطع رأس اثنين من الصحفيين الأمريكيين.
وفي الوقت الذي قُطعت فيه رؤوس الصحفيين الأمريكيين كان هناك قتال عنيف يدور في سوريا وأينما تم القبض على الجنود السوريين يُعدمون دون محاكمة، وتُقطع رؤوس العديد منهم ، وكل هذا يجري تصويره بدقة. وهناك عدد كبير من المواقع تُظهر هذه الصور ولكن واحداً منها على وجه الخصوص، "Syrianfight: لتوثيق جرائم الحرب في سوريا" يُظهر العشرات من مشاهد الإعدام البشعة، بما في ذلك إعدام جماعي ل 220 من الجنود السوريين في شهر آب عام 2014 بالقرب من القاعدة الجوية (الطبقة) . ولكم أن تتخيلوا لو أُعدم 220 جندي أمريكي وقطعت رؤوسهم ما كم الغضب الذي يمكن أن يكون. وبدلاً من ذلك، ركزت وسائل الإعلام فقط على قطع رؤوس اثنين من الصحفيين ، والذي يُشكّل إهانة في الواقع ، ولكن أين الغضب لقطع رؤوس مئات الجنود السوريين ؟ لم يقل أحد شيئاً عما تفعله الدولة الإسلامية في سوريا.
على الرغم من الغضب في الولايات المتحدة حول ما فعلته الدولة الإسلامية باثنين من المواطنين الأميركيين، لم يكن هناك عملياً أي بحث عن سبب هذا التطرف الديني واحتمال أن يكون مجرد رد فعل سلبي على ما فعلته الولايات المتحدة في أفغانستان، العراق وليبيا وسوريا. أو الأعداء الإضافيين الذين تصنعهم الولايات المتحدة من خلال حملة الطائرات المسيرة ، وخاصة في اليمن وباكستان.
ولم يكن مستغرباً، رد الولايات المتحدة بالإعلان عن سلسلة من الغارات الجوية "لتدمير" قدرات الدولة الإسلامية ، ولكن لن يكون هناك جنود أمريكيون "على الأرض" ويترك ذلك الهزيمة العسكرية للدولة الإسلامية دون حل ، وربما عن قصد. وضعت القوة العسكرية المفاجئة للدولة الإسلامية القوى الغربية وحلفائها في المنطقة - المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا - في مأزق: السياسة الرسمية هي عزل الأسد، ولكن الدولة الإسلامية حالياً هي القوة العسكرية الوحيدة الفعالة في سوريا ، حتى لو تم عزل الحكومة السورية، ستملأ الدولة الإسلامية الفراغ. لذلك، أدّى غزو العراق في عام 2003 والهجوم على سوريا في عام 2011 إلى قيام دولة جهادية قوية تمتد في شمال العراق وسوريا، وبوجود هذا النظام الوهابي المتعصب، ماذا سيحدث للمجتمع متعدد الثقافات ومتعدد الأديان من سوريا؟
في مواجهة هذه الحقيقة الصارخة، لخص Patrick Cockburn الوضع كالآتي:

". . . كانت استجابة الولايات المتحدة وحلفائها لزيادة قوة الدولة الإسلامية خيالياً . دعوا إلى تعزيز "قوة ثالثة" من المقاومين السوريين المعتدلين لمحاربة كل من الأسد والدولة الإسلامية "، واعترف دبلوماسيون غربيون أن هذه القوة الثالثة لا وجود لها في الواقع خارج بضعة جيوب محاصرة.
وعلاوة على ذلك، بعد أن يتم تدريب أعداد كبيرة من هذه القوات وتجهيزها ينضمون إلى كتائب النصرة أو داعش ، وعلى سبيل المثال، حدث ذلك ل 3000 منهم في كانون الثاني الماضي.هل هناك منهج وراء هذا الوهم الواضح؟ هل حقاً تتلعثم الولايات المتحدة وحلفائها عن قصد ، وتسمح للدولة الإسلامية بالمضي قدماً لهزيمة الجيش السوري؟ وعندما يسيطر هذا النظام الوهابي السني المتعصب على سوريا، تكون المرحلة القادمة هجوم على إيران الشيعية، وهي البلد المسلم المقبل ليتم تدميره ؟ ان القوات (على الارض) في مثل هذا المشروع هم جنود الدولة الإسلامية.
لمواجهة هذا الاحتمال المكيافيلي ، كان هناك مؤخراً دليل أن مستوى ما ربما أدرك أن إنشاء دولة الخلافة المتعصبة برؤية متشددة للإسلام ليست فكرة جيدة. ويبدو أن المسألة أصبحت خارج نطاق الاحتمال، وهناك الآن أدلة على استعداد الولايات المتحدة للتعامل فعلاً مع الرئيس الأسد. وكما ورد في صحيفة نيويورك تايمز (15 يناير كانون الثاني و19 كانون ثاني 2015) حاول مبعوث الأمم المتحدة للأزمة في سوريا إقناع الحكومة السورية وداعش الى "تجميد" القتال على الأرض، في منطقة معينة ، ثم محاولة إنهاء الحرب بطريقة أو بأخرى. وتقبل الرئيس الأسد هذه الفكرة، ولكن داعش لم توافق . وأيضاً، وبمبادرة روسيا، سيعقد اجتماع في موسكو للتحضير لمؤتمر لمحاولة حل الأزمة السورية. والخبر السار هو أن الولايات المتحدة تدعم الآن كل مسارات العمل.
ومن العلامات المشجعة الأخرى ما نُشر في مجلة الشؤون الخارجية (27 كانون ثاني 2015) في مقابلة مطولة مع الرئيس الأسد. وهذا يهم الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي بشكل عام. وقد ذكر الأسد أنه مستعد للقاء أي شخص ولكن بشرط ان لا يكون "دمية في يد قطر أو المملكة العربية السعودية أو أي دولة غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة "، يُدفع لهم من الخارج. وينبغي أن يكون سورياً ". كما ذكر أن أي قرار يصدر عن المؤتمر يجب عرضه على الشعب من خلال استفتاء قبل أن يتم اعتماده. هل هناك ديمقراطية أكثر من هذا الإجراء؟ من خلال هذا المسار يمكن لسوريا أن تحتفظ بمكانتها العلمانية وتتطور إلى دولة ديمقراطية حقيقية.
وبالتالي وعلى الرغم من شراسة الحرب الجارية في سوريا، فإن هذه الأحداث تقدم بصيصاً من الأمل الذي قد يُنهي هذا الحريق الذي خلّف أكثر من 220000 قتيلاً، ومليون جريح وملايين المشردين. ولكن إذا اتضح أن داعش ترفض وضع حد للاعتداءات على سوريا ، فالشيء العقلاني الذي يجب أن تقوم به الولايات المتحدة وقف حملتها للإطاحة بالحكومة السورية وثم التعاون مع سوريا لهزيمة قوات داعش. ستهزم الضربات الجوية المنسقة من الولايات المتحدة وسورية وتقدم الجيش السوري على الارض هدية الوهابية السعودية في هذ البلاد . ولكن هذا ببساطة خارج نطاق الاحتمال؟
ولكن هل هذه جميع القصة ؟ قام رجال يبدو أنهم من تنظيم القاعدة بالهجوم الذي وقع مؤخراً في باريس على مجلة شارلي ابدو وخلّف 12 قتيلاً، من بينهم رئيس تحريرها ورسامي الكاريكاتير البارزين ، على أثر الرسوم المهينة عن النبي محمد. وأثار الهجوم غضباً واسعاً، في فرنسا وجميع أنحاء العالم وخرج الملايين إلى الشوارع لدعم حرية الصحافة يصرخون "أنا تشارلي".
ومن المفيد وضع هذه المسألة في سياقها التاريخي. كان في ألمانيا النازية ، صحيفة معادية للسامية اسمها Der Stürmer ،نشرت رسوماً كاريكاتورية معادية لليهود. ، حوكم رئيس تحريرها Julius Streicher في نورمبرغ وشنق بسبب قصصه ورسوماته الكاريكاتورية عن اليهود. وفي عام 1999 خلال حملة القصف على صربيا قصف حلف شمال الاطلسي عمداً محطة تلفزيون وراديو بلغراد، مما أسفر عن مقتل 16 صحفياً. قصفت الولايات المتحدة مقر قناة الجزيرة في كابول في عام 2001 وفي عام 2003 تم قصف قناة الجزيرة في بغداد مما أسفر عن مقتل صحفيين. وفي هجماتها على غزة، قتلت اسرائيل بتعمد عدداً كبيراً من الصحفيين.
لم تُثر قضية "حرية الصحافة" في الحالات المذكورة أعلاه - وبالتأكيد لم يكن هناك احتجاجات شاملة في الشوارع. كما في حالة تشارلي ابدو، لم يكن ما نشرته تشارلي ابدو نموذجاً لحرية التعبير. وفي الواقع، المواد الإباحية التي نشرتها تشارلي ابدو عن المسلمين تختلف عن الطريقة التي تم بها تصوير اليهود في Der Stürmer.
وشنت الولايات المتحدة وحلفاؤها مختلف الحروب والموت والدمار في العديد من البلدان الإسلامية - أفغانستان والعراق وليبيا وغزة واليمن وسوريا. إضافة إلى ذلك، أنفقت المملكة العربية السعودية أكثر من 100 مليار دولار في محاولة لنشر مذهبها الوهابي المتعصب ، وهي طائفة صغيرة نسبياً محتقرة في العالم الإسلامي بأسره، وشوّهت بأفعالها صورة المسلمين. وشجّع هذا بعض الناس في الغرب لتقبل إذلال، وإهانة المسلمين. وحفّز رسامي الكاريكاتير على السخرية من النبي محمد، تحت ستار حرية التعبير. يُذكر أن تشارلي ابدو أقالت مرة أحد الصحفيين بسبب سطر واحد كتبه وتعرّض لانتقادات من قبل اللوبي الصهيوني، ولكن هذا موسم مفتوح عندما يتعلّق الأمر بالمسلمين، وفي حكم صادر عن محكمة العدل العليا في الولايات المتحدة لا تعطي حرية التعبير أحد الحق في "الصراخ لوجود حريق في مسرح مزدحم". كما أن هناك نصاً في الدستور الأمريكي يحظر نشر "كلمات " يُمكن أن تؤدي إلى العنف. كل هذا تم تجاهله من قبل محرري وناشري مجلة شارلي ابدو. ولا يعني ذلك أن تكون عقوبتهم الإعدام إلا أنهم يتحملون مسؤولية كبيرة لما حدث.
للأسف، احتضن الغرب دون تمحيص رسوم تشارلي ابدو لأن الرسومات كانت موجهة وتسخر من المسلمين. لا يوجد شك أن "الشعوب اليائسة والمحتقرة " اليوم هي الشعوب الاسلامية .
عندما قطعت داعش رأس اثنين من الصحفيين الأمريكيين، ساد الغضب والاستنكار جميع أنحاء الغرب، ولكن عندما قطعت داعش رؤوس مئات من الجنود السوريين، وصوّرت جرائمها بدقة ، وبالكاد يُذكر هذا في أي مكان. وبالإضافة إلى ذلك، ومن بداية المأساة السورية تقريباً ، قامت جماعات القاعدة بقتل وتعذيب الجنود والشرطة والعاملين في الحكومة ومسؤولين وصحافيين ورجال الكنيسة المسيحية وعمال الإغاثة والنساء والأطفال، فضلاً عن الهجمات الانتحارية والتفجيرات في الأسواق . وتمت تغطية كل هذا في وسائل الإعلام الرئيسية، وعندما أسمت الحكومة السورية هذا ارهاباً، تم تجاهله أو تسميته ب "بروباجاندا الأسد".
فلماذا لم تُذكر هذه الفظائع في وسائل الإعلام الغربي؟ ألأنها تتعارض مع أجندة واشنطن المعلنة أن "الأسد يجب أن يرحل"، وهكذا تتبع وسائل الإعلام الرئيسة الخط الرسمي. لا شيء جديد في هذا. يُظهر التاريخ أن وسائل الإعلام دعمت كل الحروب الغربية ، وحركات التمرد والانقلاب - الحروب على فيتنام وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، والانقلابات في إيران، وغواتيمالا، وإندونيسيا، وتشيلي، ومؤخراً في أوكرانيا.
عندما يتم تنفيذ أعمال إرهابية ضد "أعدائنا" غالباً ما ينظر إليها باعتبارها سلوكات "المقاتلون من أجل الحرية"، ولكن عندما يتم توجيه نفس أنواع الأعمال "إلينا " نستنكرها ونعتبرها "إرهاباً". وهكذا يعتمد كل شيء على من نطحه الثور؟.
مترجم
Professor John Ryan



#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب الأمريكي ضد كوبا (موجز تاريخي)
- مأساة النساء في الهند
- القناص الأمريكي : يغذي المرض العميق في المجتمع الأمريكي
- غزة في أريزونا
- الطائرات المسيّرة وأخلاقيات جديدة للحروب
- القناص الأمريكي : يُطلق النار على الحقيقة
- طريقة جديدة ومُرعبة للحرب (2)
- طريقة جديدة ومُرعبة للحرب (1)
- الطائرات بدون طيار والاغتيالات : قضايا قانونية وأخلاقية
- رسالة من المعذبين في الأرض
- نعوم تشومسكي - شارلي ابدو : نحن جميعاً مستهدفون
- أنتم تُطلقون النار كالمعاقين : تسجيلات رفح وتطبيق توجيه هاني ...
- عام الطائرات بدون طيار القاتلة
- غزة : حرب واحدة ، عائلة واحدة ، 5 أطفال ،4 شهداء
- اليس في بلاد عجائب فيتو مجلس الأمن
- بالنسبة للفلسطينيين :الأمم المتحدة عديمة الفائدة
- العائلة التي تملك المناطق الحرة وتدعم الاستيطان في الضفة الغ ...
- تقرير التعذيب الأمريكي :(نعوم تشومسكي وديك - الجانب المظلم- ...
- آخر يوم في الخليل
- نهاية مميتة لديبلوماسية اوسلو .ماذا بعد؟


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فضيلة يوسف - إرهابيون أم مقاتلون من أجل الحرية ( جنّدتهم المخابرات الأمريكية)