أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - بورخيس كاتب على الحافة 2: مدخل لمؤلفة الكتاب















المزيد.....

بورخيس كاتب على الحافة 2: مدخل لمؤلفة الكتاب


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 4715 - 2015 / 2 / 9 - 13:31
المحور: الادب والفن
    


بورخيس كاتب على الحافة 2: مدخل لمؤلفة الكتاب
(فى فصول)
تأليف: بياتريث سارلو
ترجمة: خليل كلفت
بياتريث سارلو (1942-) ناقدة أدبية وثقافية أرجنتينية. ومنذ 1978 أدارت المجلة الثقافية وجهة نظر، أثناء فترة استمرارها على مدى ثلاثة عقود، وكانت أهم مجلة للنظرية الاشتراكية في الأرجنتين وقد أُغلقت بعد تسعين عددا طوال ثلاثين عاما. تفتح مقالات سارلو الكثيرة في مجلة وجهة نظر ومجموعة كتبها إمكانيات جديدة للقراءات، أكثر مما تقدم المزيد من القوالب النظرية أو النماذج النقدية.

2: مدخل لمؤلفة الكتاب

هذا الكتاب ثمرة أربع محاضرات ألقيتها بجامعة كامبردج في فبراير 1992 كأستاذة لكرسي سيمون بوليڤ-;-ار Simó-;-n Bolí-;-varللدراسات الأمريكية اللاتينية. وعند إلقاء هذه المحاضرات عن بورخيس كنت أحس بشعور غريب. في جامعة بريطانية، كانت امرأة أرجنتينية أستاذة تتحدث عن كاتب أرجنتيني يعتبر اليوم "عالميا" والواقع أنه منذ تلك الأيام البعيدة في الخمسينات عندما ظهرت ترجمات لبعض إنتاجه في الأزمنة الحديثة، انضم بورخيس إلى المجموعة الصغيرة من الكتاب المعروفين في مختلف أنحاء العالم (المعروفين على نطاق واسع أكثر منهم مقروئين، وهذه هي الطريقة التي تتحقق بها الشهرة في هذا العصر). وبعيدا عن المناخ الذي يمثل شرط قراءة إنتاجه في الأرجنتين، وبعد أن توطد برسوخ داخل الأدب الغربي، فقد بورخيس جنسيته(قوميته) تقريبا: إنه أقوى من الأدب الأرجنتيني ذاته، وأوسع تأثيرا من التراث الثقافي الذي ينتمي إليه. وإذا بدا لنا أن بلزاك Balzac و بودلير Baudelaire أو ديكنز Dickens أو چين أوستن Jane Austen غير قابلين للفصل عن شيء يمكن أن نسميه "الأدب الفرنسي" أو "الأدب الإنجليزي"، فإن بورخيس، على العكس ، يتحرك في عالم نادرا ما يُسمع فيه تعبير "الأدب الأرجنتيني".
ولهذا أسباب كثيرة، غير أنني أود هنا أن أتناول ما أعتبره أهم تلك الأسباب: في المناخ الأوروپي الراهن، نجد صورة بورخيس أقوى من صورة الأدب الأرجنتيني. والحقيقة أنه يمكن في أوروپا قراءة بورخيس دون الإشارة إلى المنطقة الطرفية marginal التي كتب فيها هذا الإنتاج. وبهذه الطريقة يكون لدينا بورخيس الذي تفسره الثقافة الغربية (ويفسرها في الوقت نفسه) وكذلك التفاسير التي تقدمها هذه الثقافة أيضا للشرق، وليس أيضا بورخيس الذي تفسره الثقافة الأرجنتينية (ويفسرها)، وبصورة خاصة ثقافة بوينوس آيرس. والحقيقة أن صيت بورخيس في العالم جرده من الجنسية(القومية). ويتمثل عامل مساهم آخر دون شك في الكمال النادر الذي تحققه كتابة بورخيس في لغة مثل الإنجليزية. ويمكن أن نؤكد أن هذه اللغة، الإنجليزية، هي لغة جذوره الثقافية، أو- إذا بدا هذا القول أقوى مما ينبغي- أن نؤكد أنها تمثل بطبيعة الحال أحد أقوى المؤثرات عليه. ومهما يكن من شيء فإن المحاضرات في كامبردج جلبت إليّ في وطني هذه الصورة عن بورخيس- وهذا شيء كان ينبغي أن أعرفه من قبل- وتلقيت مزيدا من الإثبات عندما وجدتُ طبعات بورخيس الشعبية، جنبا إلى جنب مع الكلاسيكيات القديمة والحديثة، في كل مكتبة زرتُها في بريطانيا. وما أقوله ليس بالشيء الجديد ويمكن أن يُنسب إلى دهشة ريفي ساذج. غير أنني أحسست في الوقت نفسه أن شيئا في بورخيس (على الأقل بورخيس الذي نقرأه في المدينة التي أحبها، في بوينوس آيرس) تم فقدانه في هذه السيرورة من التحول المزهو إلى العالمية. والحقيقة أن قراءة بورخيس ككاتب بلا جنسية (بلا قومية)، كعظيم بين العظماء، مبررة تماما من الناحية الجمالية: يخاطب إنتاجه الاهتمامات والأسئلة والأساطير التي نعتبرها في الغرب عالمية. غير أن مثل هذه القراءة مهما تكن مبررة تماما، تتضمن الاعتراف والخسارة، لأن بورخيس كسب ما اعتبره دائما ملكا له- حق الأمريكيين اللاتينيين في أن يعملوا من داخل كل تراث. وقد خسر أيضا، وإنْ جزئيا، شيئا اعتبره جزءًا أساسيا من عالمه: علاقاته بالتراث الثقافي لنهر پلاتي وبأرجنتين القرن التاسع عشر.
إنها ليست مسألة استعادة بورخيس إلى عالم رائع وفولكلوري كان يرفضه دائما، بل المطلوب بالأحرى السماح له بأن يتحدث مع النصوص التي دخل معها ومع المؤلفين في مساجلات أدبية واستعادته إلى السياق الذي قام فيه بقطيعاته الجمالية. ولا ينتمي هؤلاء المؤلفون جميعا إلى المبدأ العظيم الخاص بتراث عالمي. إنهم في الغالب غير معروفين جيدا، غير أنهم كانوا مهمين في المجال الثقافي الذي شارك فيه بورخيس من عشرينات القرن العشرين فصاعدا.
وتستكشف الفصول الأولى من هذا الكتاب ما صنعه بورخيس بالواقع الذي لا مفر منه والمتمثل في واقع مولده وكتابته في الأرجنتين. ومن المأمول أن يكون ممكنا بهذه الوسيلة أن نرى بشيء من الصفاء الطرق التي واصل بورخيس من خلالها حوارا مع الثقافة الغربية. وفي غضون عقود قليلة، قدم بورخيس للأرجنتين طريقة جديدة ومختلفة للارتباط بالأدب. وقد أعاد بالكامل تنظيم النسق، واضعا على طرف منه ما تبقَّى من التراث الجاوتشي وعلى الطرف الآخر إضفاء الطابع القصصي على نظرية التناصّ intertext، قبل أن تنشرها كتب النقد الأدبي بسنين. ولهذا فإن بورخيس "مألوف" بالنسبة لقراء وكتاب الأرجنتين، ويمكن أن نرى تأثيره في نوع من اللغة المشتركة lingua franca، في لغة مشتركة koine أدبية تمتزج فيها التفافات قصصه مع الحكايات التي لفقها بنفسه بشقاوة من أجل وسائل الإعلام الجماهيرية ورددها في مئات المقابلات الصحفية من الستينات فصاعدا. ومن السهل اليوم في الأرجنتين إثبات أن مسألة الأدب الأرجنتيني محورية في إنتاجه، الآن بعد أن تم، بصورة نهائية، إضعاف قوى القومية الثقافية الضيقة، التي أدانت بورخيس في الأربعينات والخمسينات.
وباختصار، لا يوجد في الأدب الأرجنتيني كاتب أكثر أرجنتينية من بورخيس. وفي إنتاجه لا يتم التعبير عن هذه السمة الثقافية القومية في عرض الأشياء، بل يحدث هذا بالأحرى في استكشافه للطريقة التي يمكن بها كتابة الأدب العظيم في بلد طرَفي (هامشي) ثقافيا. ويتناول إنتاج بورخيس دوما هذه القضية، وهي إحدى أهم المسائل بالنسبة لبلد فتيّ نسبيا، لا يملك تراثات ثقافية قوية، ويقع في أقصى جنوب الممتلكات الإسپانية السابقة في أمريكا اللاتينية؛ وأيضا في أقصى جنوب المستعمرة الإسپانية الأكثر فقرا ثقافيا، فهي لم تملك أية ثقافات محلية قبل كولومبية عظيمة خاصة بها.
وهناك أسباب كثيرة للنظر إلى بورخيس على أنه كاتب عالمي كوزموپوليتاني. فهو كذلك بطبيعة الحال، ويسمح إنتاجه بمثل هذه القراءة. ويمكن أن يقرأ المرء بورخيس دون رجوع إلى مارتن فييرو Martí-;-n Fierro(viii)، أو [د. دومينجو] سارميينتو Sarmiento [D. Domingo]، أو لوجونيس. ويمكن أن تستكشف قراءة كهذه شواغله الفلسفية الكبرى، وصلته المتوترة ولكنْ الدائمة بالأدب الإنجليزي، ونسقه في الاستشهادات، ومعرفته الواسعة المستمدة من التفاصيل الثانوية الدقيقة للموسوعات، وانشغاله ككاتب بمجموع الأدب الأوروپي، وما صاغه هذا الأدب باعتباره "الشرق". ويمكن أن يستكشف مجموعته من الرموز، والمرايا، والمتاهات، ومن أنواع القرين doubles، أو وَلعَهُ بميثولوجيا شمال أوروپا والقبالة cabbala. غير أن قراءة محصورة ضمن هذه الحدود لن تلتقط التوتر الذي يسري عبر إنتاج بورخيس، تلك الحركة غير الملحوظة تقريبا التي تصيب التراثات العظيمة بعدم الاستقرار بمجرد أن تتقاطع مع بُعْد يتعلق بنهر پلاتي (بالمعنى الذي تتقاطع به الطرق- ولكنْ أيضا بالمعنى الذي تمتزج به الأعراق).
وقد كتب بورخيس عند هذا الملتقى بين الطرق. والحقيقة أن إنتاجه ليس سلسا، كما أنه لا يرتكز على أساس ثقافي متجانس. وبالأحرى فإنه ينطوي على توتر يؤدي إليه الامتزاج مع، والإحساس بالحنين نحو، ثقافة أوروپية لا يمكن أبدا أن تقدم بالكامل أساسا ثقافيا بديلا. وفي صميم إنتاج بورخيس يكمن صراع، وسوف يحاول هذا الكتاب أن يقرأ إنتاجه على أنه استجابة لذلك الصراع بدلا من النظر إليه على أنه كتابة غير إشكالية بطريقة منمقة. وقد سعيتُ إلى إبراز هذا التوتر الذي يسري، في رأيي، عبر كل إنتاج بورخيس، ويحدده: لُعْبَة على حافة ثقافات متباينة، تتاخم الحدود، في مكان يُطلق عليه بورخيس الحوافّ las orillas. وبهذه الطريقة، يبرز كاتب له جانبان، هو في آن واحد عالمي (كوزموپوليتاني) وقومي.
وكان بورخيس الكوزموپوليتاني (الذي تعلّم في سويسرا أثناء الحرب العالمية الأولى وتربَّى مبكرا على الكتب الإنجليزية في مكتبة أبيه) قد عاد إلى الأرجنتين في أوائل العشرينات ليبقى هناك إلى ما قبل موته بسنين قليلة جدا. وفي الحال بدأ يطرح أسئلة أساسية. كيف يمكن كتابة الأدب في الأرجنتين، في بلد طرَفيّ marginal ذي سكان من المهاجرين، يعيشون في مدينة ميناء/ مرفأ، بوينوس آيرس؟ وكانت هذه المدينة في سبيلها إلى التحول إلى عاصمة، غير أنها كانت لا تزال محاطة بصورة بالغة بالريف- ذلك المدى الواسع من الطبيعة الذي كان لا يزال من الممكن فيه سماع أصداء ثقافة ريفية كريولية (criollo(ix)، حتى عندما كان التحديث يقضي عليها: قبل كل شيء كأسطورة: في مواجهة ماضيه الكريولي، سأل بورخيس عن الطريقة التي كان يمكن بها تفادي مزالق الطابع المحلي، الذي لا يمكن إلا أن ينتج أدبا إقليميا ومحليا بصورة ضيقة، بدون التخلي عن كثافة الثقافة تلك التي تأتي من الماضي وتشكل جزءًا من تاريخنا الخاص. ويفترض هذا السؤال بصورة مسبقة سؤالا آخر،- يتعلق بالتراث الثقافي. وكان لا يزال ماثلا، قريبا جدا من بورخيس، الأدب الجاوتشي للقرن التاسع عشر في نهر پلاتي، وكتابات سارميينتو، وسلسلة البطولات العائلية تقريبا للحروب الأهلية التي سبقت تنظيم الدولة القومية، والمعارك بين الهنود والبيض طوال عقود ضارية دموية جائرة. ولم تختف قط هذه الآثار للماضي الأرجنتيني من إنتاج بورخيس. وبالأحرى فقد تمثل أحد أهدافه في أن يقوم بتجميع الشظايا المبعثرة لهذا التراث وفي أن يقوم داخل نطاق كتابته ذاتها بإعادة ربط كتابة الأرجنتينيين الآخرين الذين كانوا قد اختفوا في ذلك الحين.
وأول شيء يقوم به بورخيس هو أن يعيد تشكيل تراث ثقافي من أجل المكان الغريب النادر المتمثل في بلاده. ويمكن أن نرى هذا الهدف الجمالي والأيديولوجي في إنتاجه من العشرينات وحتى نشر مجموعة تاريخ عالمي للعار Historia universal de la infamia في 1935، هذه المجموعة التي نشر فيها قصته الأولى عن الكومپادريتو compadritos، أو المقاتلين بالسكاكين. غير أن مهمته لا تنتهي عند ذلك الحد: تُعاود مشكلة الثقافة الأرجنتينية الظهور في قصص بورخيس حتى كتبه الأخيرة، وخاصة في قصص تقرير برودي [تقرير الدكتور برودي] El informe de Brodie المنشورة في منتصف الستينات. ويعيد بورخيس اختراع ماض ثقافي ويعيد تشكيل تراث أدبي أرجنتيني في نفس الوقت الذي كان يقرأ فيه آدابا أجنبية. وعلاوة على هذا فإنه يستطيع أن يقرأ الآداب الأجنبية بالطريقة التي يفعل بها هذا، على وجه التحديد لأنه يقرأ، أو قرأ، الأدب الأرجنتيني. وفي نزعة بورخيس العالمية الكوزموپوليتانية شرط يتيح له أن يخترع إستراتيجية للأدب الأرجنتيني. وعلى العكس فإن إعادة تصنيف التراثات الثقافية القومية تجعل بإمكان بورخيس أن يختصر الآداب الأجنبية وأن يختارها وأن يعيد تصنيفها بدون تصورات مسبقة، مؤكدا حق أولئك الذين غدوا طرَفيين في أن يقوموا باستخدام حر لكل الثقافات، كما يقدم بورخيس للثقافة الأرجنتينية، عن طريق إعادة اختيار ثقافة قومية، قراءة ملتوية للآداب الغربية. ومن حافة الغرب، ينجز بورخيس أدبا يرتبط بالأدب الأجنبي غير أنه ليس تابعا له بحال من الأحوال.
وفي هذا تكمن أصالة بورخيس: ككاتب- ناقد، ككاتب قصة- قصيرة- فيلسوف، يناقش بورخيس في نصوصه، بصورة ملتوية، الموضوعات الرئيسية للنظرية الأدبية المعاصرة. وقد حوّله هذا إلى كاتب معبودa cult writer بالنسبة للنقاد الأدبيين المعاصرين الذين يكتشفون عنده صُوَرا أفلاطونية لاهتماماتهم: نظرية التناص، حدود وهم المرجعية، العلاقة بين المعرفة واللغة، معضلات العرض والسرد. وتُحوّل آلة بورخيس الأدبية هذه الأسئلة إلى قصص، فتنتج تكوينات mise en forme من المشكلات النظرية والفلسفية دون السماح أبدا لتطور الحكاية بأن يفقد تماما ألمعية المسافة التهكمية أو الموقف الحذر وضد السلطوي للاأدرية. وضد كل صور التعصب، يقدم إنتاج بورخيس المثل الأعلى للتسامح. ولم يتحقق قط تمييز هذه السمة بالتأكيد الكافي، ربما لأننا نحن مثقفي أمريكا اللاتينية اليساريين كنا أبطأ من أن نتعرف عليها في القصص التي تتناول أسئلة عن النظام في العالم. وتقدم ثيمات بورخيس الفانتازية، التي علق عليها النقاد بلا استثناء، فنا معماريا رمزيا allegorical لاهتمامات فلسفية وأيديولوجية. وإذا كان الدفاع عن استقلال الفن والإجراءات الشكلية يمثل أحد عموديْ جماليات بورخيس، فإن العمود الثاني، الأكثر تناقضا، يتمثل في المشكلة الفلسفية والأخلاقية لمصير الكائنات البشرية وعلاقاتهم بالمجتمع. كما يتم طوال هذه الصفحات إلقاء الضوء على هذه الاهتمامات، التي تتعايش مع شواغل ميتافيزيقية عن تنظيم الواقع في كون.
ولم يكن هدفي الإصرار على قراءة واحدة لبورخيس (وهذا بطبيعة الحال طموح أحمق بالأحرى)، بل كان هدفي أن أقدم طرقا مختلفة لقراءته تأخذ في الحسبان الطبيعة المزدوجة والمتناقضة دوما لإنتاجه الأدبي. وأنا لا أريد أن أقدم تفسيرا لبورخيس يقوم على إيثار الكاتب "الكوزموپوليتاني" على حساب الكاتب "الأرجنتيني"، أو أن أختار بين كاتب القصص الفانتازية والكاتب الذي تستحوذ عليه مسائل فلسفية. والحقيقة أن أصالة بورخيس- صورة من الصور الكثيرة لأصالته- تكمن في مقاومته لأن يكون موجودا في المكان الذي نبحث فيه عنه. ويبقى شيء ما من الكاتب الطليعي القديم في هذه المقاومة للرد على ما يجري السؤال عنه أو لسؤال نفسه عما يُراد سماعه منه.
وإذا كانت توجد في أدب بورخيس سمة بالغة الخصوصية ولا يمكن إنكارها، فلا مناص من البحث عنها في الصراع الذي يُوقِع الاضطراب في التنظيم الدقيق لحُججه والمظهر المحكم لكتابته. ومتخذا مكانه على الحدود بين الثقافات، بين الأنواع الأدبية، بين اللغات، صار بورخيس كاتب الحوافّ، طرَفيا في المركز، كوزموپوليتانيا في الحافة. إنه كاتب يزوِّد العمليات الأدبية والإجراءات الشكلية بالقدرة على استكشاف المسألة الفلسفية والأخلاقية التي لا تنتهي أبدا لحياتنا. وهو كاتب يبني أصالته عبر الاستشهادات، والنُّسَخ، وإعادات كتابة نصوص أخرى، لأنه من البداية يتصور الكتابة على أنها قراءة، ومن البداية يرتاب في أية إمكانية للتصوير الأدبي للواقع. وقد حاولتْ هذه الصفحات أن تكون وفية لكل هذه التوترات في قراءتها لبورخيس اليوم، في وقت يبدو فيه أن إنتاجه تغطيه الشهرة التي صاحبت سنواته الأخيرة، وبالشبح الذي لا يتزحزح لمجد بعد الموت.
شكر وتقدير
تمتعتُ في كامبردج بالمساندة الدافئة والقوية فكريا من زملائي في مركز دراسات أمريكا اللاتينية والضيافة الأكاديمية والمادية السخية من الكلية الملكية. وقد وفرت لي هذه المؤسسات والصداقات التي جلبتها شروطا مُثلى لمواصلة هذا العمل. وقد اقترح جيمس دنكرلي James Dunkerley وبصورة خاصة دونالد نيكولسون- سميث Donald Nicholson- Smith طرقا عديدة لتصحيح نصوصي الإنجليزية الأصلية. كما أعبر عن جزيل شكري وامتناني لسخاء صديق قديم لي ولبلادي، جون كينج John King، الذي كان تأليف هذا الكتاب فكرته.

إشارات أسفل الصفحات

* مدخل
viii: القصيدة الملحمية التي تحمل الاسم نفسه وهو النموذج الأصلي البطولي للجاوتشو، وهي من تأليف خوسيه إيرنانديث- المترجم.
ix: في كل مواضع هذا الكتاب، تشير كلمة "كريولو"/ "كريولي" Criollo [كريويّو] إلى سكان ذوي، وثقافة ذات، أصول إيسپانية Hispanic أو استعمارية أو من القرن التاسع عشر. وال Criollos هم المتحدرون من الإسپان Spaniards، ويمكن أن يكونوا قد اكتسبوا فيما بعد قطرات قليلة من الدم الهندي. والصفة والاسم criollo يشيران إلى ملاك الأرض والعمال والجاوتشو gaucho. كما تشير لفظة criollo إلى الثقافة الرفيعة للقرن التاسع عشر، وإلى نظام إنتاجها، وعاداتها، وقوانينها، وقيمها. غير أن هذه اللفظة تُستخدم أيضا لوصف التكوينات الحضرية الاستعمارية. وفي العقود الأولى من القرن العشرين، استُخدمت لفظة criollo لتحديد تمييز قاطع عن الأجانب المتحدرين من المهاجرين إلى الأرجنتين.



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورخيس كاتب على الحافة 1: مقدمة چون كينج
- أحلام مُحالة إلى التقاعد
- المثقف والسلطة بين التناقض والتحالف
- الرسوم المسيئة وتأجيج الإسلاموفوپيا
- الثورة الشعبية بين سياقين تاريخييْن مختلفين
- نحو نظرية علمية للثورات الشعبية
- زيارة جديدة إلى ثورة يناير
- العيد الرابع لثورة يناير
- الطابع القانونى للثورات
- تسييس محاكمة مبارك؟
- الثورات الشعبية عفوية بالضرورة
- انظر أمامك فى غضب
- مفهوم جديد للثورة الشعبية
- تسييس محاكمة مبارك وعصابته
- تهجير رفح المثير للجدل
- مصير الثورات الإسلامية الراهنة
- تاريخ وتحليل الثورات الشعبية فى مصر عند لويس عوض
- المسألة الفلولية
- العنف .. فى جوهر الإسلام؟
- الثقافة ومستقبل مصر


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - بورخيس كاتب على الحافة 2: مدخل لمؤلفة الكتاب