أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السادس















المزيد.....

أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السادس


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4714 - 2015 / 2 / 8 - 15:33
المحور: الادب والفن
    


لم يكن آميديه يعلم أنه عندما خرج من عند الأخت كلارا، كان الراهب دومينيك يكمن في الظلام وراء أحد الأعمدة. لم يلتق قيّم المكتبة سيئة الحظ عند منتصف الليل، وأخطر من هذا جاء بمعية رجال مركز الدراسات ليصطحبوها عنوة إلى محكمة تفتيش استثنائية.
لمحتُ الأخت كلارا من نافذتي قليلاً بعد عودتي من الحجرة المحرمة، وهي تقطع باحة الدير مع أربعة رجال يرتدون بدلات سوداء ويضعون على أعينهم نظارات سوداء، وعلى الرغم من المسافة الفاصلة بيننا، كان شعرهم المزيت الممشوط للخلف يلمع في الليل مع انعكاس المصابيح، تحت سماء مرصعة بالنجوم.
طرقت الباب على آميديه، كان يستعد لخلع ثيابه، وارتداء برنس الليل. حكيت له ما يقع لكلارا، فهب يغذ السير إلى القصر، قاطعًا الباحة، فالحديقة. كان المجمع الكهنوتي كله حاضرًا، راهبات ورهبان أصعدوا الأخت كلارا على منصة وسطهم، وهم يستجوبونها دون أن نسمع شيئًا.
قلت لآميديه:
- تعال، سندخل القصر من الطابق التحت الأرضي، فلن يفطنوا إلينا، بما أنهم منشغلون.
وبالفعل، لم يكن أحد هناك. دفعنا طاولة إلى جدار توجد في أعلاه نافذة مستطيلة، صعدنا عليها، ونظرنا، وإذا بالمشهد كله أمامنا، وأمام كل راهب بطاقة كتب عليها "القديس دومينيك". كان رجال مركز الدراسات كلهم هناك، ببدلاتهم السوداء ونظاراتهم السوداء وشعورهم المزيتة، وهم يجلسون في صفين تحت سجادة جدارية لجويا. مد آميديه يده، وضغط على قفل النافذة، فانفتحت إلى منتصفها، واستطعنا سماع كل ما يقال.
كانت الخيانة العظمى هي وجه الاتهام، ولم تتوصل كلارا إلى الدفاع عن نفسها أمام كل هذه الرؤوس الدميمة العصبية الشديدة القسوة. نفت كل شيء، ولكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ اعترفت، بعد ذلك، بفعل العشق مع آميديه، واعترفت كذلك بموافقتها على إعطائه كل المعلومات التي طلبها عن... الشعر المدنس.
تنفس آميديه الصُّعَداء، فقد نجحت كلارا في إخفاء حقيقة ما طلب من وثائق تتعلق بالإجراءات التي اتخذت ضد حركة الباسك، وأنقذته من مصير تراجيدي.
اتهمها بعضهم بالنكران، وبعضهم بالإلحاد. أشار الأب الأعلى إلى الأخ دومينيك، فذهب إلى باب داخلي، وصفق بيديه، فإذا بحفاري القبور الثلاثة المشوهي الخلقة يظهرون، وعلى أكتافهم صليب خشبيّ ثقيل. وضعوه على المنصة، ثم أمسكوا بكلارا كالفريسة. أخذت كلارا تبكي، وتزعق إنها بريئة. بصلابة، ردت محكمة التفتيش عليها بالترتيل. خنقت التراتيل صوتها، وطغت الصلوات على توسلاتها. في هذا الجو المحموم، شذ صوت الأخ دومينيك المنفعل، في الوقت الذي راح يعري فيه الأخت كلارا، ويرمي ثيابها هنا وهناك. حملها الحفارون الثلاثة على الصليب عارية، وقيدوها، بينما داومت على الزعيق: أنا بريئة! وهم على الترتيل: اغفر لها يا من أنت في السماء! على صدر المنكل بها، قَبَّلَ الأخ دومينيك صليبها الذهبيّ، وها هي، في الوقت الحاضر، مرفوعة وقوفًا على الصليب الخشبيّ.
طلب مني آميديه أن نفعل شيئًا لإنقاذها، فعبرت عن عجزنا التام، وإلا قطعونا إربًا. لمعت عيناه بالدمع، وبقي ساكتًا. ومن جديد، أشار الأب الأعلى إلى الراهب دومينيك، فتقدم من الصليب الخشبيّ، وبعون الحفارين الثلاثة، وضعوه أفقيًا. همس في أذن واحد منهم، وهذا يبتسم ببلاهة، ولعابه يسيل من زاوية فمه. وبسرعة، خلع أسماله، وأراد أن يلقي بجسده عليها تحت النظرات الداعرة لصاحبيه اللذين راحا يقهقهان، إلا أن الراهب دومينيك قد منعه. كان يريد أن يدنس أولاً هذا الجسد المقدس قبل أن يسلمه للقربان، كما تتطلب الطقوس. تناول أصابع القبار، وضغطها على بطن كلارا، فانشلت تمامًا، ثم على ثديها، ثم على ثغرها. طغت استثارة الأهبل على بلاهته، فانتصب عضوه. دفعه الراهب دومينيك من أمامه حتى حاذى الأب الأعلى الذي مد يده، ووجسه مباركًا، ثم دفعه حتى حاذى الأم العليا التي ترددت في فعل ما فعله الأب الأعلى، إلا أن نظرة رادعة واحدة منه كانت كافية لتعطي هي الأخرى بركتها. هذه الطرائق الخرقاء التي بدت تكتسي أهمية عظمى للمشاركين، عندما أُنجزت، سمحوا للمعتوه بإلقاء جسده بوحشية على الجسد الناعم للضحية ليلتهمه وليمزقه.
خلال فعل العشق البربري هذا، كان الترتيل يرتفع عاليًا أعلى من أجراس الكنيسة، ويتصادى تحت القبة السماوية. سالت الدموع من عيني آميديه، فلم يكن يستطيع أن يفعل شيئًا آخر غير البكاء. والغريب أن ذوي البدلات السوداء والنظارات السوداء لم يتحركوا، ظلوا يتابعون الطقوس، وهم جامدون في مقاعدهم كالتماثيل. ولم يتحركوا عندما أعاد الحفارون رفع الصليب عموديًا، والأخ دومينيك يبتر كلارا الغائبة عن الوعي، بقطع مشفرها وسرتها وحلمتيها. ترامت الراهبات والرهبان على قدمي المنكل بها لما فجأة، نهض الأب الأعلى تتبعه الأم العليا. تقدم من كلارا، وبأسنانه اقتلع شفتها السفلى، وقضمها كخبز الذبيحة، وراح يلوكها، ويلعق الدم السائب من فمه. لم تستطع الأم العليا أن تفعل كما فعل، بسبب سقوط أسنانها المستعارة، فتقدم الأخ دومينيك محمومًا، ومزق بأسنانه الشفة الأخرى، ومن فمه لفمها ألقم المتدينة العجوز إياها، وجسد كلارا، في كل مرة، يختلج من قمة الرأس إلى أخمص القدم. ألبسوها السان-بينيتو، ذاك الثوب الأصفر الذي كان يرتديه المحكوم عليهم في محاكم التفتيش، ثم دفعوها في جرن من أكسيد الكبريت المغلي.
لم أعد إلى الواقع إلا على آميديه، وهو يقع. لم يحتمل متابعة التحكيم الإلهي، فأصابه الغثيان. تقيأ، ووقع، فاقدًا الوعي. حملته إلى مغسلة، ووضعت وجهه تحت الماء. عاد إلى رشده، لكنه بقي جامدًا، تمامًا كرجال البدلات والنظارات السوداء. كلمته بهدوء، وشددت عزمه، وأنا خائف من انكشاف أمرنا. جعلته يرتكز على كتفي، وخرجت به في الممر. أشار برأسه إلى النافذة التي كنا ننظر منها، ففهمت أنه يريد إلقاء نظرة أخيرة. ساعدته على الصعود على الطاولة، وصعدت بدوري. لم يكن أحد هناك! كانت القاعة خالية تمامًا، كما لو لم يكن سوى كابوس رهيب!
ونحن نقطع أروقة الدير إلى غرفتينا، كان آميديه يجر نفسه جرًا إلى جانبي، وأرى أنه لم يزل تحت تأثير الصدمة. أمسكته من ذراعه، لكنه انشل تمامًا. حملق، وارتعد، وهمهم:
- لم تكن زارا معهم! علينا الذهاب لرؤيتها!
أعادت هذه الفكرة لآميديه قوة خادعة، فقادني بخفة إلى غرفة زارا التي لم نجدها فيها. انهار، وأخذ يصرخ:
- لقد فعلوا شيئًا لزارا!
بعد ما شاهدناه من شر شنيع، كل شيء ممكن. هدأته، وطلبت منه الابتعاد عن النافذة. وأنا أجذب الستارة، رأيت الراهب دومينيك، وهو يقطع الباحة إلى الكنيسة. سألت آميديه إن كان يستطيع العودة وحده إلى غرفته، فوقع في سرير زارا، وهو يرتعد. قلت له، وأنا أغطيه:
- سأعود حالاً.
ركضت في أروقة الجحيم المعتمة الصامتة، وأنا أفكر في الأدب المدنس بعد كل ما جرى هذه الليلة. من العبث البحث عن أي شيء كان، هذا الأدب بالفعل غير موجود. إذا استطاع أبناء اليوم ارتكاب جريمة بهذه الشناعة، فأبناء عهد التفتيش كانوا يفعلون الأسوأ. لقد دمروا الكتب الأدبية من كل الاتجاهات، وقضوا على الثقافة اللا مقدسة وكل من يعارضهم من مدنسين وغير مدنسين، بروتستانت ويهود ومسلمين. كان من العبث الاستمرار في البحث عن فكرة كاذبة، فيما يخصني. وفيما يخص آميديه، كان يتعلق بأوهامه معرضًا نفسه للخطر.
قبل أن ألج في رطوبة الكنيسة وأضوائها الضعيفة، عقدت العزم على مغادرة الإيسكوريال مع آميديه وزارا دون التأخر لحظة واحدة. كان عليّ أولاً أن ألتقي الأخ دومينيك، هذا الدموي الذي وجدته راكعًا يصلي، فأمسكته من خناقه، وهززته بعنف:
- أين زارا؟
تصنّع الدهشة:
- في غرفتها! أليست في غرفتها؟
- أنا آت لتوي من غرفتها!
- وما يدريني؟ لا صرامة في عيشنا الرُّهباني كما لاحظت، والتشدد ليس قانونًا في حياتنا الرُّهبانية، ربما كانت في غرفة أخت، أو غادرت الدير لقضاء غرض ما.
- ألن تقول لي أين أجدها؟
ولكمته لكمة أطارت الدمع من عينيه.
- ألن تقول...
وإذا بمن يضربني خلف رأسي بصليب من الحديد، أو بكرسي من القش، ففقدت الوعي.
عندما فتحت عينيّ، وجدت نفسي في غرفتي، وشمس الصباح تداعب وجهي. تذكرت آميديه الذي تركته في غرفة زارا، فنهضت بسرعة، لكني وجدت بابي موصدًا. ضربت عليه بيدي، وطلبت فتحه. دار المفتاح في القفل، وانفتح الباب، فإذا بي مقابل أحد حفاري القبور. منعني من الخروج، وفي الوقت ذاته، غادر الكاردينال ريفيرا غرفة آميديه بصحبة شخص قدمه لي كطبيب للدير.
قال الكاردينال:
- اطمئن بالاً، يا أستاذ! لطالبك بعض الحمى، لا شيء يقلق البال.
أكد الطبيب ذلك. مد الوصفة لحفار القبور، وأمره بالذهاب لشراء الدواء.
قرأ الأب الأعلى الحيرة والقلق على وجهي، وأنا أنظر إلى المفتاح في القفل، وأفكر في الحرية التي عدت أنعم بها مع اختفاء رسول المنون في آخر الرواق.
- كن مطمئنًا، يا أستاذ! عاد الكاردينال إلى القول، لقد أنزلنا بالأخ دومينيك العقاب الذي استحقه، لما سببه لك من أضرار، فأقلناه من وظائفه، وغادر الإيسكوريال منذ ساعات الصباح الأولى، ولن يعود إليه. يمكنك العودة إلى نشاطك في المكتبة كما كان عهدك، وقد أمرت كل من هم في بيت الرب هذا بمد يد العون والمساعدة لك.
شكرته.
- مهمتي انتهت، قلت له، حصلت على كل ما يلزمني، وأنوي المغادرة مع آميديه في أقرب وقت ممكن.
في الوقت الذي لفظت فيه هذه الكلمات، أيقنت أني ارتكبت هفوة كبيرة: كيف حصلت على كل ما يلزمني دون أن يعرفوا ما حصلت عليه؟ تدخل الطبيب، وأبدى تحفظه بخصوص الوضع الصحي لآميديه، وأمام إلحاحي على المغادرة، تبادل والكاردينال نظرة مرتبكة.
- من واجبي كطبيب، قال، أن أُبقي السنيور آميديه تحت مراقبتي حتى يبرأ تمامًا.
- وكم من الوقت يحتاج؟
- الله وحده من يعلم! غريب أمر الحمى التي تلتهمه، فكن صبورًا!
همهم الكاردينال ريفيرا قبل أن يذهب مع الطبيب:
- نعم، كن صبورًا، بروفسور! وسيتعافى عما قريب بفضل الله!


يتبع الفصل السابع من القسم الأول



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الخامس
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث
- رماد لا يشتعل ردًا على ليندا كبرييل
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثاني
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الأول
- علاء الأسواني ومرحلة المرآة
- منيف وجبرا وعقدة الدونية
- تساؤلات حول شارلي هيبدو
- مظفر النواب والنمط الأولي
- سعدي يوسف وعقدة أوديب
- توفيق زَيَّاد وعقدة الخِصاء
- فدوى طوقان وعقدة القضيب
- ملاحظات بلا غضب حول أدب العرب
- افنان القاسم - المفكر والأديب والناقد - في حوار مفتوح مع الق ...
- الدين السياسي سرطان الشعوب
- لم يخلق الله الكون
- الإسلام دراسة سيميولوجية
- ضد الدين وليس ضد الإسلام أو المسيحية أو اليهودية
- سامي الذيب إسهال ثقافي وإفلاس فكري


المزيد.....




- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السادس