أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية - الفصل الخامس : من كتاب - قيادات شيوعية ، رموز ماوية -















المزيد.....



تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية - الفصل الخامس : من كتاب - قيادات شيوعية ، رموز ماوية -


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4714 - 2015 / 2 / 8 - 12:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية
الفصل الخامس : من كتاب " قيادات شيوعية ، رموز ماوية "
يمكن تنزيل الكتاب بنسخة بى دى أف من مكتبة الحوار المتمدّن ))
مقدّمة الكتاب :
للماويين ، للماركسيين – اللينينيين – الماويين ، جذور ممتدّة فى أرض الواقع ولهم رؤوس شامخة فى السماء مليئة بأحلام تحرير الإنسانية ، أحلام ثوريّة ممكنة التحقيق ومرغوب فيها . لهم أقدام راسخة فى الأرض و عيون متطلّعة إلى أبعد من سحب السماء . لهم ماضى مضيئ و تليد و لهم مستقبل يصنعونه فى أتون الصراع الطبقي الذى يخوضونه مسترشدين بعلم الشيوعية على كافة الجبهات بتضحيات جسام ونضال مصمّم و عنيد .
لقد نشأت الماركسية كمرحلة أولى من علم الشيوعية المتطوّر أبدا إعتمادا ، كما سجّل لينين ، على الإيديولوجيا الألمانية والإقتصاد السياسي الأنجليزي و الإشتراكية الفرنسية بإعتبارهم المصادر أو المكوّنات الثلاثة لأرقى ما بلغه الفكر الإنساني فى القرن الثامن عشر . و بفضل النضال النظري و الممارسة العملية الثوريين للبروليتاريا العالمية وتجاربها وثوراتها الناجحة منها والفاشلة وفى خضم الصراع من أجل الثورة فى روسيا و فى العالم قاطبة و الصراع ضد التحريفية والدغمائية فى صفوف الحركة الشوعية العالمية ، طوّر لينين علم الشيوعية إلى المرحلة الثانية ، الماركسية – اللينينية . و تاليا، إستنادا إلى تطوّرات الصراع الطبقي والثورة الديمقراطية الجديدة فالإشتراكية فى الصين وخلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين الماوية و فى صراع بلا هوادة أيضا ضد الدغمائية و التحريفية المعاصرة السوفياتية ، بعد وفاة ستالين و الإنقلاب المعادي للثورة و إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي ، و أضرابها اليوغسلافية و الإيطالية والفرنسية والأمريكية إلخ ، تطوّر علم الشيوعية على أيدى ماوتسى تونغ إلى ماركسية - لينينية - ماوية .
ومنذ وفاة ماو تسى تونغ والإنقلاب التحريفي فى الصين التى غدت رأسمالية بعدما كانت فى عهد ماو إشتراكية ، و لأنّ الماويين أدركوا أنّ الماركسية إن كفّت عن التطوّر ماتت كما أعرب عن ذلك ماو تسى تونغ ذاته ، و لمعالجة المشاكل الجديد وتقييم التجارب القديمة تقييما علميّا من منظور بروليتاري ، ما فتأ الماويّون ، رافعو راية إرث ماو تسى تونغ و البروليتاريا العالمية ، يطوّرون علم الشيوعية فى جوانب عدّة منه . و صراع الخطّين فى صفوف الماوية التى إنقسمت إلى إثنين ( أنظروا كتابنا " الماوية تنقسم إلى إثنين " ) على أشدّه عالميّا فى الوقت الحاضر حول هذه التطويرات و أهمّيتها من عدمها بالنسبة لمستقبل الحركة الشيوعية العالمية و القيام بالثورة البروليتارية العالمية و التقدّم نحو الشيوعيّة عالميّا .
و للماويين المتصارعين اليوم إرث مشترك ، جذع مشترك حاولت وتحاول القوى الإمبريالية و الرجعية و التحريفية تشويهه و إهالة التراب عليه . ومن أوكد واجباتنا كشيوعيين أن ننفض الغبار الذى تراكمه الرجعية بأصنافها على قياداتنا الشيوعية و رموزنا الماوية و ليس للدفاع عنهم و الإطلاع على ما قدّموه سيرة و مؤلّفات فقط و إنّما كذلك لدراسة هذا الإرث والتعلّم منه قدر الطاقة خدمة للحاضر و المستقبل . فنطبّق بذلك ما علّمنا إيّاه ماو تسى تونغ من جعل الماضي يخدم الحاضر و المستقبل .
و قد بذلنا الجهد الجهيد بسرعة قصوى لإتمام الإشتغال على هذا الكتاب فى هذا الوقت بالذات تلبية لحاجة لمسنا إلحاحيّتها على المستوى الإيديولوجي والسياسي عربيّا . ونحن لا نلقى باللائمة على الماويين قليلي الإطلاع على علم الشيوعية لإلتحاقهم بالماوية حديثا ولا نلوم كذلك من لم تتوفّر لهم فرص دراسة التراث الماركسي - اللينيني - الماوي دراسة ظافية ، كافية وشافية ؛ و إنمّا نحثّهم جميعا على إيلاء المسألة العناية التى تستحقّ . وفى نفس الوقت ، ننبّه إلى أنّ من الماويين - أو أحيانا أشباه الماويين وليسوا بالماويين – من يتجاهلوا عمدا عامدين هذا الإرث البروليتاري وبإسم التكتيك و الجبهة و ما شابه من تعلاّت ، و بإسم ماويّة أغرب ما تكون عن الماوية الحقيقية ، من طفقوا يروّجون للإرث القومي وحتى الإسلامي و يخلطون بين الماوية و أصناف شتّى من الغيفاريّة و اللين بياوية و الديمقراطية البرجوازية . هؤلاء على وجه الضبط يترتّب على الشيوعيين حقّا أن يتصدّوا لهم كما يجب بروح عالية من المسؤولية الثورية لأنّهم ببساطة يحرّفون ماضى البروليتاريا العالمية و نضالاتها الثورية الحاليّة و يطمسون مستقبلها .
و فى سياق هذه المعركة المحتدمة للربط بين الدراسة والتقييم النقديين لإرثنا البروليتاري العالمي من جهة و النضالات الراهنة لأجل ترسيخ الماوية الحقيقية ، الماوية الثورية عربيّا و بأفق المساهمة فى دفع عجلة الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الشيوعية العالمية ، نضع زبدة جهدنا المتواضع بين أيدى الماويين و غيرهم من الشيوعيين خاصة و الباحثين عن الحقيقة و القرّاء عامة .
و ينهض عملنا هذا( العدد 17 من " الماوية : نظرية وممارسة ")على فصول خمسة هي على التوالي :
الفصل الأوّل : تشانغ تشنغ : الطموحات الثورية لقائدة شيوعيّة
1- مقدّمة
2- ثائرة على العادات
3- يانان : طالبة لدى ماو و رفيقة دربه
4- الإصلاح الزراعي و البحث الإجتماعي
5- التجرّأ على الذهاب ضد التيّار
6- الهجوم على البناء الفوقي ...و حرّاسه
7- ثورة فى أوبيرا بيكين
8- قائدة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى
9- إفتكاك السلطة
10- الطريق المتعرّج للثورة
11- القطع مع الأفكار القديمة
12- صراع الخطين يتخطّى مرحلة جديدة
13- المعركة الكبرى الأخيرة
14- موت ماو و الإنقلاب الرأسمالي
15- المحاكمة الأشهر فى القرن العشرين : " أنا مسرورة لأنّنى أدفع دين الرئيس ماو ! " .
16- زوجة ماو و رفيقة دربه طوال 39 سنة
17- قُتلت حتى يثبت العكس
18- لنتجرّا على أن كون مثل تشانغ تشنغ
الفصل الثاني : تحيّة حمراء لتشانغ تشن – تشياو أحد أبرز قادة الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى الماويين

1- التجرّأ على صعود الجبال من أجل تحرير الإنسانية ( جريدة " الثورة ")

2- عاصفة جانفي بشنغاي (جريدة " الثورة " )

3- بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية (تشانغ تشن- تشياو)

4- على رأس الجماهير و فى أقبية سجون العدوّ : مدافع لا يلين عن الشيوعية.( أخبار "عالم نربحه ".)

الفصل الثالث : إبراهيم كايباكايا قائد بروليتاري شيوعي ماوي
1- لن ننسى الرفيق إبراهيم كايباكايا
2- موقف حازم إلى جانب حقّ الأمّة الكردية التى تعاني من الإضطهاد القومي الوحشي فى تركيا ، فى تقرير مصيرها
3- خطّ كايباكايا هوطليعتنا – مقتطف من الماوية تحيى و تناضل ، تكسب و تواصل الكسب
4- بصدد الكمالية ( مقتطف )
5- المسألة القومية فى تركيا
الفصل الرابع : شارو مازومدار أحد رموز الماوية و قائد إنطلاقة حرب الشعب فى الهند
1- خوض الصراع ضد التحريفية المعاصرة
2- لننجز الثورة الديمقراطية الشعبية بالنضال ضد التحريفية
3- ما هو مصدر التمرّد الثوري العفوي فى الهند؟
4- لنستغلّ الفرصة
5- مهامنا فى الوضع الراهن
6- لنقاتل التحريفية
7- المهمّة المركزيّة اليوم هي النضال من أجل بناء حزب ثوري حقيقي عبر النضال بلا مساومة ضد التحريفية
8- حان وقت بناء حزب ثوري
9- الثورة الديمقراطية الشعبية الهندية
10- الجبهة المتحدة و الحزب الثوري
11- " لنقاطع الإنتخابات" ! المغزى العالمي لهذا الشعار
12- لننبذ الوسطية و نفضحها و نسحقها

الفصل الخامس : تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية
1- حول وفاة الرفيق سنموغتسان / لجنة الحركة الأممية الثورية
2- الرفيق شان : شيوعي إلى النهاية / الحزب الشيوعي السيلاني ( الماوي )
3- مساهمة ماو تسى تونغ فى تطوير الماركسية – اللينينية / سنموغتشان
4- دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ / سنموغتسان
5- دحض أنور خوجا / سنموغتسان
==========================================
و ملحق : فهارس كتب شادي الشماوي ( 16 كتابا ).
======================================



تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية
الفصل الخامس : من كتاب " قيادات شيوعية ، رموز ماوية "

1- حول وفاة الرفيق سانموغتسان
بيان من لجنة الحركة الأممية الثورية – 15 فيفري 1993
( مجلّة " عالم نربحه " عدد 19 / 1993 )
ببالغ الأسى والحسرة علمت لجنة الحركة الأممية الثورية بوفاة الرفيق ن. سنموغتسان ، الأمين العام للحزب الشيوعي السيلاني ( الماوي ) فى 8 فيفري ، عن عمر 74 سنة ، لأسباب طبيعية .
لقد كرّس الرفيق سنموغتسان حياته لخدمة هدف بلوغ الشيوعية . و قد كان شخصيّة عامة محترمة جدّا فى سيري لانكا و كانت قطاعات عريضة من العمّال و الفلاحين و المثقّفين الثوريين والتقدميين يكنّون له الحبّ . و قد تداخلت حياته مع تاريخ الحركة الثورية فى سيرى لانكا و تاريخ الحركة الشيوعية العالميّة . و مثلما أعرب عن ذلك هو نفسه : " صرت شيوعيا فى 1939 و لم أنظر إلى الوراء أبدا ".
شارك الرفيق سنموغتسان فى الصراع من أجل تركيز حزب شيوعي حقيقي فى ما كنت تعرف بسيلان المستعمرة . وقاتل تروتسكيين الذين هيمنوا على الحركة اليسارية فى بلاده . و كان مدافعا لا يلين عن مكاسب البروليتاريا فى الإتحاد السوفياتي فى ظلّ قيادة جوزيف ستالين .
و كان أحد أوّل القادة الشيوعيين الذين إلتفّوا حول ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني فى الجدال الكبير ضد التحريفية الخروتشوفية . ودافع عن الحاجة إلى العنف الثوري الجماهيري و دكتاتورية البروليتاريا .
و كان مدافعا شرسا عن الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين . و على أساس نقاشاته مع ماو تسى تونغ ، أعدّ كتيّبا عنوانه " الراية الحمراء اللامعة لفكر ماو تسى تونغ " لقي رواجا على نطاق واسع عبر العالم وساعد فى النشر الشعبي وبثّ بعض أهمّ تعاليم ماو تسى تونغ .
فى 1971 ، سجن النظام الرجعي فى سيريلانكا الرفيق سنموغتاسان لمدّة سنة .
و فى 1976 ، عقب الإنقلاب فى الصين إثر وفاة ماو ، برز الرفيق سنموغتاسان ضمن الأوائل الذين عارضوا الحكّام التحريفيين الجدد . وعندما هاجم أنور خوجا فكر ماو تسى تونغ ، وقف الرفيق بصلابة منافحا عنه فيما تردّد آخرون .
وشارك الرفيق سنموغتسان فى كلا الندوتين العالميتين الأولى والثانية للأحزاب والمنظمات الماركسية – اللينينية اللتان أفرزتا تأسيس الحركة الأممية الثورية. و لعب الرفيق دورا هاما فى هذه السيرورة من خلال خوضه للصراع المبدئي من أجل المواقف التى كان يتبنّاها بصلابة و كذلك من أجل الوحدة مع الآخرين .
وكان من الروابط القليلة بين الثوريين الذين تقدموا بفعل تأثير الثورة الثقافية فى الصين و الذين تقدّموا فى المعارك الكبرى السابقة . وكان نضجه و ثبوته على العهد ميزتين هامتين ساهمتا فى دفع تشكيل الحركة الأممية الثورية التى إعتبر تأسيسها " علامة فارقة فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ".
وكن معارضا شرسا لحرب الحكومة السيريلانكية ضد شعب التاميل فى شمال و شرق الجزيرة .
و فى 1991 ، دعا شخصيّا إلى ندوة هامة للحزب الشيوعي السيلاني ( الماوي ) و قادها . و هكذا ، حتى و صحّته فى تدهور ، واضعا قضّة البروليتاريا و الثورة فوق مصلحته الخاصة ، شارك الرفيق سنموغتسان بنشاط فى السعي إلى إيجاد جيل جديد من القادة و ضمان مستقبل الحزب .
و كان الرفيق سنموغتسان مساندا متحمّسا لحرب الشعب فى البيرو . وآخر نشاط عام له كان الحديث فى أوّل ندوة صحفية عقدتها فى لندن اللجنة الإستعجالية العالمية للدفاع عن حياة أبيماييل غوزمان التى كان من مؤسّسيها .
وطوال حياته فى خدمة الثورة البروليتارية والشعب ، لم يفقد الرفيق سنموغتسان أبدا الثقة فى الإنتصار النهائي لقضيّة الشيوعية . و رغم أنّ المشاكل الحيوية للثورة فى سيريلانكا لم تعالج زمن حياته ، فإنّ الرفيق قد أرسى أسس بناء حيوية ليستخدمها الشيوعيون و البروليتاريا و الشعب فى سيرى لانكا للتقدّم نحو تحرّرهم .
تعبّر لجنة الحركة الأممية الثورية عن أحرّ تعازيها للحزب الشيوعي السيلاني ( الماوي ) ولعائلة الرفيق و أصدقائه . و نحن على ثقة من أنّ الحزب الشيوعي السيلاني ( الماوي ) سيكرّم ذكرى الرفيق سنموغتاسان بالمواصلة العملية للنضال فى سبيل القضيّة التى كرّس لها حياته .
حول وفاة الرفيق ناغالنغام ساموغاتاسان.
2 - الرفيق شان : شيوعي إلى النهاية .
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السيلاني (الماوي)
تعدّ وفاة الرفيق ناغالنغام ساموغاتاسان المعروف بالرفيق " شان" و قائد الحزب الشيوعي السيلاني (الماوي) ، فى 7 فيفري 1993 ، بأنجلترا من أكبر الخسائر الفادحة التى منيت بها الحركة الشيوعية العالمية و الحركة الماركسية - اللينينية فى سريلانكا. فى قلوب الناس ستحيى ذكراه إلى الأبد.
لقد إلتحق الرفيق بالحركة البروليتارية الثورية الماركسية - اللينينية عندما كان بعدُ طالبا فى جامعة كولمبو. و مثلما أشار إلى ذلك فى سيرته الذاتية ، " مذكّرات شيوعي إلى النهاية" : " سنتى الثانية فى الجامعة ( 1939-1940 ) هي التى غيّرت مجرى حياتي بأسرها. فى تلك السنة صرت شيوعيّا. و لم أنظر على الخلف مذّاك ".
كقائد لفدرالية نقابات سيلان CTUT...
قاد الرفيق " شان" العمّال فى عديد الإضرابات المناضلة بما فيها الإضراب العام لسنة 1949، و الإضراب العام لسنة 1953، و إضراب النقل سنة 1955.
... و أصبح الرفيق" شان" عضوا محترفا بالحزب الشيوعي السيلاني حينما تأسّس فى 1943.
و إضطلع الحزب الشيوعي السيلاني فى ذلك الوقت بدور طليعي حيوي فى النهوض للدفاع عن الرفيق ستالين.
فمنذ البداية ، حمل الحزب الشيوعي السيلاني ثقل قيادة سياسية إنتهازية و تعاون طبقي و برلمانية و إقتصادوية . و تحوّلت هذه الإنتهازية إلى تحريفية مفتوحة لمّا وقفت هذه القيادة إلى جانب خروتشاف فى الصراع الإيديولوجي العالمي بين التحريفية المعاصرة و المتمثّلة فى الطبقة الجديدة من رأسماليي الدولة الإحتكاريين و قيادتهم العامة فى موسكو، من جهة، و الماركسية - اللينينية و ممثلها ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ، من جهة أخرى.
... فى ظلّ قيادته ، إنعقد المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي السيلاني سنة 1969 ، و رفع راية الماركسية – اللينينية - فكر ماو تسى تونغ و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. و ركّز الثورة الديمقراطية الجديدة و خطّ حرب الشعب الطويلة الأمد و إستراتيجيتها و برنامجها كطريق تاريخي عبره يجب أن تمرّ الثورة فى سيريلاكا دون إنقطاع نحو الثورة الإشتراكية. و كذلك أرسى أسس السياسات الأساسية و خطّة إعادة تنظيم الحزب إنطلاقا من العمل فى صفوف الفلاحين فى الريف كنشاط رئيسي و العمل السرّي كقاعدة لنشاطات الحزب. و قد مثّل المؤتمر التاسع المنعقد فى ظلّ القيادة الشخصية الرفيق " شان" ركيزة أساسية ومكسبا تاريخيّا فى تطوّر الماركسية - اللينينية و الحركة البروليتارية الثورية فى سيريلانكا.
و كان للرفيق " شان " شرف لقاء الرفيق ماو تسى تونغ و النقاش معه فى زيارة من زيارتين قاما بهما إلى الصين أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. وكان له شرف التوجّه بخطاب لآلاف الحرس الأحمر خلال الثورة إيّاها. و هذا تعبير عن السمعة و القيمة اللتان تمتّع بهما صلب الحركة الشيوعية العالمية.
و إثر وفاة الرئيس ماو ، عندما إستولى التحريفيون بقيادة دنك سياو بينغ على سلطة الدولة فى الصين و أعادوا تركيز الرأسمالية و شرعوا فى تشويه و خيانة المبادئ الثورية للماركسية - اللينينية - الماوية ، نهض الرفيق " شان" بدور هام فى فضح التحريفية الصينية إلى جانب أنور خوجا و حزب العمل الألباني . و نهض بدور حيوي فى توحيد الأحزاب و التنظيمات الماوية الحقيقية عبر العالم بغاية إنجاز المهمّة الحيوية لإعادة بناء الحركة الشيوعية العالمية على قاعدة الدفاع عن الماركسية- اللينينية- الماوية و تطبيقها. و تكلّلت مساعيه بأن كان للحزب الشيوعي السيلاني (الماوي) شرف عضو مؤسس للحركة الأممية الثورية التى تشكّلت سنة 1984.
...و لا غرابة فى أن يتوفّى الرفيق " شان" و عمره 74 سنة ، وهو يساهم فى الدفاع عن حياة الرفيق غنزالو، بما أنّ وفاته ، بشكل ما ، تمثّل نهاية جيل من الماركسيين- اللينينيين الذين رفعوا مشعل الثورة البروليتارية منذ زمن ستالين ، بينما يمثّل الرفيق غنزالو الجيل الجديد من الماويين الذى سيأخذ الثورة البروليتارية إلى قرن جديد ، القرن 21 ، مواجها تحديات غير مسبوقة و فرصا تاريخية حقيقية لم تتصوّر للتقدّم بالثورة الإشتراكية البروليتارية العالمية نحو الهدف النهائي ، الشيوعية.
فى ظلّ قيادة الرفيق " شان" فى أواخر الستينات، صار الحرب الشيوعي السيلاني أقوى أحزاب الطبقة العاملة و أكثرها نضالية فى سيريلانكا . و إمتدّ تأثيره و تعمّق. و أشعّت الراية الحمراء للماركسية- اللينينية - الماوية عبر المواجهات المسلّحة لأعضاء الكاست المضطهَدَة فى جفنا الذين قاتلوا هيمنة الكاست العليا من الإقطاعيين عليهم. لقد تأجّج النضال إنطلاقا من خضرة قمم الجبال و السهول الخضراء للمزارع حيث إستنهض إتحاد الراية الحمراء آلاف العمّال لدفع النضال ضد مستغلّيهم فى معارك إقتصادية شرسة...
... و قبل مغادرته لأنجلترا قصد العلاج و الحصول على الرعاية الصحّية نظرا للمرض الذى ألمّ به و أوهنه ، عقد مؤتمرا إستثنائيّا للحزب الشيوعي السيلاني و فيه ركّز مبادئا جديدة و جيلا جديدا من القيادة إنجاز مهمّة إعادة بناء الحزب . و إلى النهاية ، كرّس الرفيق " شان" كلّ جهوده الواعية لقضيّة التقدّم بالثورة البروليتارية العالمية . لقد كان بالفعل " شيوعيّا إلى النهاية".
تقاسم الجنة المركزية للحزب الشيوعي السيلاني (الماوي) حزنها الشديد جراء خسارة قائدنا و معلّمنا ، مع البروليتاريا العالمية و الشعب المضطهَد فى العالم و تتعهّد بأن ترفع إسمه و مساهماته و مكاسبه ، و أن تحقّق أمانيه فى الإنتصار النهائي للشيوعية على أنقاض الإمبريالية. لنا ثقة لا تتزعزع فى انّ التمسّك بصلابة بالمبادئ التى ركّزها و الإنتصارات المحقّقة فى ظلّ قيادة الرفيق " شان" ، سنتجاوز كافة الصعوبات و ننهض بواجباتنا و إلتزاماتنا تجاه الثورة العالمية.















3 - مساهمة ماو تسى تونغ فى تطوير الماركسية - اللينينية
ن. سنموغتسان، السكرتير العام للحزب الشيوعي السيلاني.
نشر كتاب " الراية الحمراء اللامعة لفكر ماو تسى تونغ " فى جوان 1969. و قد تلقى تشجيعا من الحزب الشيوعي الصيني الذى ساعد فى نشره على نطاق واسع. و المقتطف أدناه من الفصل الرابع يلفت النظر إلى تطوير ماو للفهم الصحيح للجدلية .[ " عالم نربحه " ].
---------------------------------------
لنأخذ أهمّ مقال فلسفي هام للرفيق ماو تسى تونغ ، " فى التناقض" و ندرسه عن كثب. لقد كتب قبل ثلاثين سنة وفيه من البديهي أن الرفيق ماو قدّم عرضا خلاّقا للجدلية الماركسية – اللينينية.
لنتناول الجملة الأولى من هذا المقال :" إنّ قانون التناقض فى الأشياء ، أي قانون وحدة الضدين هو القانون الأساسي الأوّل فى الديالكتيك". هذه صيغة غاية فى العمق. إنّها جملة قصيرة غير أنّه شرحها يمكن أن يستغرق يوما كاملا.
ببساطة ، يعنى هذا القانون أنّ الحركة كامنة فى كافة أشكال المادة و أنّ الحركة ، أي التطوّر ، تحدث نتيجة لتطوّر التناقضات الموجودة دائما و صراعها ، أبعد من ذلك ، يعنى أنّه بين مختلف مظاهر كلّ تناقض هناك فى آن معا وحدة و صراع، خلال سيرورة تطوّر تناقضات الشيء أو الظاهرة يتحوّلان كلّ إلى نقيضه.
و هكذا فى جملة واحدة يشرح الرفيق ماو تسى تونغ القانون الأساسي للمادية الجدلية.
ونجد العرض الأكثر منهجية للجدلية الماركسية ، من قبل أحد مؤسّسي الإشتراكية العلمية ، إنجلز ، فى أحد كتبه الأشهر، " ضد دوهرينغ ". وهو كتاب غاية فى الأهمّية لأنّه يدحض كافة أنواع الأكاذيب التى نشرها بدأب دوهرينغ. و كان الخطأ الأهمّ لدوهرينغ هو إنكار قانون التناقض. فقد دافع عن أنّ التناقضات شكلية.و أجرى إنجلز نقدا شاملا لدوهرينغ و دحض نظريّاته الخاطئة و رسّخ واقع أنّ قانون التناقض قانون مادي موضوعي. و أكّد أنّ الحركة تناقض، أي أنّ الأشياء تتحرّك و تتطوّر جراء التناقضات الكامنة فيها ، و أنّ المقصود بقانون التناقض هو وحدة الأضداد.
لهذا وصف الرفيق ماو تسى تونغ قانون التناقض بكونه ليس فحسب قانونا آخر للمادية الجدلية ، و إنّما هو القانون الأساسي الأوّل . و فى الجملة الثانية من مقاله إستشهد الرفيق ماو تسى تونغ بمقول لينين: " إنّ الديالكتيك ، بمعناه الأصلي ، هو دراسة التناقض فى صميم جوهر الأشياء ". و بالتالى من المهمّ جدّا بالنسبة لنا أن نفهم أنّ قانون التناقض ، أي ، قانون وحدة الأضداد، هو القانون الأكثر جوهرية للمادية الجدلية.
فى مؤلفه " علم المنطق" ، أكّد الفيلسوف هيغل انّ هناك ثلاثة قوانين أساسية للجدلية. هناك 1- قانون التغيرات الكمّية و النوعية التى تولّد الواحدة الأخرى؛ 2- قانون وحدة الأضداد ؛ و3- قانون إنكار الإنكار / نفي النفي.
تلك هي القوانين الثلاثة الأساسية للجدلية التى قدّمها هيغل.و ماركس و إنجلز أقرّا بهذه القوانين الأساسية الثلاثة لهيغل لكنّهما وضعاها فى ترتيب عكسي.
وقد عرض هيغل هذه القوانين الثلاثة ليس كقوانين جدلية موضوعية و إنّما كقوانين جدلية ذاتية. أي ، لم يعتبر هذه القوانين كامنة فى الأشياء الموضوعية بل فقط كقوانين تحكم تفكير الإنسان بمعنى منطق تفكير الإنسان. بكلمات أخرى ، أوّل هيغل الجدلية من وجهة نظر مثالية.
و مع ذلك ، حسب ماركس و إنجلز ، قانون التناقض ، قانون وحدة الأضداد، كامن فى الأشياء الموضوعية بينما معرفة التناقض إنعكاس للقانون الموضوعي فى فكر الإنسان . و من ثمّة ، نقد ماركس و إنجلز هيغل و أشارا إلى أنّه قد أوقف الحقيقة على رأسها.
و قلب ماركس و إنجلز هذا الموقف و أشارا إلى أنّ هذه القوانين الجدلية كامنة فى الأشياء الموضوعية. و قد أوضح ذلك إنجلز فى " ضد دوهرينغ " و " ديالكتيك الطبيعة " .
و حصل تطوّر جديد زمن لينين حيث أثيرت مسألة أي القوانين الجدلية الثلاثة هو القانون الأكثر جوهرية . فى الجملة الثالثة من مقاله أحال الرفيق ماو تسى تونغ إلى مقال لينين " حول الديالكتيك " و أشار إلى أنّ " كثيرا ما أسمى لينين هذا القانون جوهر الديالكتيك ، كما أسماه لبّ الديالكتيك"
و رغم أن لينين أشار إلى هذا القانون على أنّه جوهر الجدلية ، فإنّه لم يعش ليشرح العلاقة بين الجوهر و القانونين الجدليين الآخرين.
لاحقا، حينما تطرّقت الأوساط الفلسفية فى الإتحاد السوفياتي إلى هذه المسائل ، أشارت إلى القوانين الثلاثة إلاّ أنّها وضعتها فى ترتيب مغاير. وضعتها حسب الترتيب التالي: 1- قانون وحدة الأضداد ؛ 2- قانون التغييرات الكمية و النوعية ؛ و 3- قانون نفي النفي/ إنكار الإنكار. و كانت هذه الصيغة هي الصيغة المستعملة لوقت طويل فى الإتحاد السوفياتي.
وفى 1938، ضمن " تاريخ الحزب الشيوعي ( البلشفي) للإتحاد السوفياتي"، تطرّق ستالين لأربعة مظاهر للمنهج الجدلي:1- ترابط كافة الظواهر؛ 2- المادة كلّهل فى سيرورة حركة و تطوّر؛3 - يمكن للتغيرات الكمية أنتؤدي على تغيرات نوعية و ؛ 4- كلّ شيء يتطوّرعلى أساس صراع الأضداد.
و هكذا ،وضع ستالين قانون وحدة و صراع الأضداد كآخر قانون عوض وضعه فى المصاف الأوّل. و عندما تطرّقت الأوساط الفلسفية فى الإتحاد السوفياتي للقوانين الجدلية الثلاثة أو عندما كتب ستالين عن المظاهر الأربعة للمنهج الجدلي ، وضعا قانون التناقض ، قانون وحدة الأضداد، على نفس مستوى القوانين الأخرى، عوض التعاطى معه كقانون جوهري للمادية الجدلية.
لقد درس الرفيق ماو دراسة منهجية قوانين الجدلية الماركسية – اللينينية و طوّر أطروحة لينين المتضمّنة فى عمله " حول الديالكتيك ". و لا ينكر الرفيق ماو تسى تونغ قانون التغيرات الكمية و النوعية و قانون نفي النفي (+) . و قد عالج إنجلز هذه الأمور جميعها فى " ضد دوهرينغ" . لكن ما أعرب عنه الرفيق ماو و بوضوح هو أنّ من بين هذه القوانين ، القانون الأكثر جوهرية هو قانون التناقض، قانون وحدة الأضداد. و بهذه الطريقة ، وضع المسألة بشكل توحيدي. ودحض نظرية وضع القوانين الأساسية الثلاثة فى نفس المستوى.
مثلا ، يقول ستالين إنّ المظهر الثاني للمنهج الجدلي هو قانون الحركة و التطوّر. و فى الواقع ، الحركة و التطوّر كامنان فى التناقض و قد أشار إلى ذلك إنجلز فى " ضد دوهرينغ" لمّا قال " إنّ الحركة نفسها هي التناقض". إذا أدركنا أنّ قانون التناقض ، أي قانون وحدة الأضداد، هو القانون الأكثر جوهرية للمادية الجدلية ، عندئذ يمكن أن نفهم أنّ جميع قوانين الجدلية تنبع منه.
و هكذا ، من الواضح أنّه بالتأكيد على جوهرية و أولية قانون التناقض ، قانون وحدة الأضداد ، طوّر الرفيق ماو تسى تونغ تطويرا خلاّقا الفلسفة و الجدلية الماركسية – اللينينية.
و بالرغم من أنّ مقال ماو تسى تونغ " فى التناقض" هو أهمّ مساهماته فى الفلسفة الماركسية، فإنّه طوّر الفلسفة الماركسية فى عدد من المسائل الأخرى.
و يعدّ " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صفوف الشعب " من أهمّ أعمال ماو الفلسفية الأخرى. فى هذا العمل يتفحّص كيفية معالجة التناقضات بيننا و بين العدوّ. و يتفحّص أيضا نظرية كيف أنّ التناقضات ذات الطبيعة المختلفة يمكن أن تتحوّل كلّ منها إلى الآخر. و يستعمل قانون التناقض ليشرح كيفية معالجة الصراع بين مختلف النظرات و الأفكار صلب الحزب.
بعدُ ، فى مقاله " فى التناقض" أشار الرفيق ماو تسى تونغ إلى أنّ " تضاد الأفكار المختلفة و الصراع بينها فى صفوف الحزب ينشأ على الدوام ،وهو إنعكاس داخل الحزب للتناقضات بين الطبقات و التناقضات بين القديم و الجديد فى المجتمع. و لا شكّ أنّ حياة الحزب ستتوقف إذا خلا من التناقضات و من الصراع الإيديولوجي من أجل حلّ هذه التناقضات". إنّها المرّة الأولى التى يستعمل فيها الرفيق ماو تسى تونغ قانون التناقض ، قانون وحدة الأضداد ، لشرح مسألة التضاد و الصراع بين الأفكار المختلفة داخل الحزب. و هذا تطوير خلاّق للماركسية - اللينينية.
فى الماضى، فى تاريخ الحزب الشيوعي الصيني ولدي بعض الرفاق فى أحزاب أخرى كذلك، سادت أفكار خاطئة عن الموقف من التضاد و الصراع بين الأفكار المتناقضة داخل الحزب الشيوعي. لقد أقرّ بعض الرفاق بقانون التناقض عند معالجة المظاهر خارج الحزب. و مع ذلك ، عندما تعلّق الأمر بمواجهة الرؤى المختلفة داخل الحزب، أخفقوا فى إستعمال المنهج الجدلي و عوض ذلك ، إستعملوا المقاربة الميتافيزيقية. بكلمات أخرى ، أخفقوا فى فهم عمومية / شمولية التناقضات و أنّها توجد أيضا داخل الحزب كإنعكاس للتناقضات خارجه. و من هنا ، عندما تناول هؤلاء الرفاق التناقضات و الصراعات داخل الحزب ، إعتبروا أنّ ذلك أمرا رهيبا و سيّئا.
ردّا على مثل هذه المقاربة الميتافيزيقية ، أشار ماو تسى تونغ إلى شمولية التناقض ،و من ثمّة، لتضاد و صراع الأفكار المختلفة الذى يحدث بإستمرار داخل الحزب أيضا. لم يكن هذا أمرا غريبا لأنّه إنعكاس للتناقضات الطبقية خارجه و للصراع بين القديم و الجديد فى صلبه. و لئن كفّت هذه التناقضات و الصراعات الإيديولوجية الناجمة عنها ،عن الوجود داخل الحزب ، فإنّ حياة الحزب ستتوقف.
فقط إذا فهمنا هذا المظهر من الصراع داخل الحزب و حتميته الكامنة فى أي حزب حيّ متطوّر ، سنتمكّن من فهم الصراع الذى تطوّر صلب الحزب الشيوعي الصيني ضد ليوتشاوتشى و زمرته.
عندما رأى الإمبرياليون الثورة الثقافية فى الصين و فضح ليوتشاوتشى وعصابته السوداء ، إعتقدوا أنّه سيقع القضاء على الحزب الشيوعي الصيني و عندما رأى التحريفيون السوفيات الظاهرة نفسها إعتقدوا أنّ الحزب الشيوعي الصيني سيتداعى و أنّ قيادة ماو تسى تونغ ستتمّ الإطاحة بها.
و حتى بعض الأصدقاء لم يفهموا هذه المسألة فهما سليما و شعروا بالأسى و إعتقدوا أنّ كلّ شيء داخل الحزب الشيوعي غير جيّد. لم يدركوا أنّه إذا لم تحدث مثل هذه التناقضات و الصراعات الإيديولوجية لحلّها فإنّ حياة الحزب ستتوقّف.
و تعزى أفكار الرفاق الخاطئة هذه إلى أنّهم لا ينظرون إلى هذه الصراعات الإيديولوجية من وجهة نظر جدلية . لهذا، فى مستهلّ الثورة الثقافية ، قال الرفيق ماو إنّ الثورة الثقافية علامة على التطوّر العميق للحزب الصيني. و من ثمّة ، ينبغى على الرفاق و الأصدقاء أن ينظروا إلى ظاهرة الثورة الثقافية الصينية إنطلاقا من هذا الموقف الجدلي الماركسي- اللينيني. عندئذ سيدركون أنّ ذلك أمر جيد و ليس بتاتا بالأمر السيّئ. و عندئذ سيدركون المغزى العظيم للصراع ضد ليوتشاوتشى و أفكاره الخاطئة. و سيفهمون أيضا أنّه إن لم يُخض هذا الصراع ، فإنّ التحريفية كانت ستنتصرفى الصين و كان سيعاد تركيز الرأسمالية...
=====================












- دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ
سانموغتسان ، الأمين العام للحزب الشيوعي السيلاني

صار من الضروري للماركسيين - اللينينيين أن يعيدوا تقييم فكر ماو تسى تونغ لأنّه فى المدّة الأخيرة أخذ يتعرّض إلى هجوم من كلّ من اليمين و اليسار. و ليس من الصعب فهم سبب مهاجمة اليمين لماو . فللقيادة التحريفية الصينية الحالية ، و على رأسها دنك سياو بينغ ، و للإمبرياليين من كلّ رهط الدوافع كلّها فى العالم لمهاجمة ماو لأنّهم يكرهون كلّ ما وقف هو من أجله. و فى الوقت الراهن ، ينغمس دنك سياو بينغ فى سيرورة نزع الماوية من الصين، و الإرتداد على جميع سياسات ماو ، و الإرتداد على الأحكام الصحيحة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. لكن الأصعب على الفهم هو سبب إختيار اليسار مجسّدا فى حزب العمل الألباني و بعض الأحزاب الأخرى المسمّاة ماركسية - لينينية ، بالضبط هذه اللحظة التاريخية، ليقدّموا الدعم لدنك بالخروج بتنديد شامل و نبذ كامل لفكر ماو تسى تونغ.
إنّ نشاطات دنك سياو بينغ الراهنة المعادية لماو تسى تونغ لا يمكن مقارنتها إلاّ بتنديد خروتشاف بستالين سنة 1956. و لا حاجة إلى كبير ذكاء لإدراك هذا التشبيه . كان ستالين ماركسيّا – لينينيّا كبيرا ساهم مع لينين فى تأسيس الدولة السوفياتية ؛ و بعد وفاة لينين ، قاد بناء الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي ثم الدفاع عنها بنجاح ضد الهجوم الوحشي الهتلري. و إرتدّ خروتشاف عن كلّ هذا و أعاد تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي ،و تعاون مع الإمبريالية الأمريكية و شتّت صفوف الحركة الشيوعية العالمية و الوحدة التى شيدها ستالين.
و ماو تسى تونغ كذلك كان ماركسيا- لينينيّا عظيما حرّر ربع سكّان العالم من الإمبريالية و الإقطاعية ، ثمّ بعد ذلك ، بنى الإشتراكية فى الصين و بواسطة الثورة الثقافية بيّن كيف يخاض الصراع الطبقي فى ظلّ ظروف دكتاتورية البروليتاريا و منع الصين من إتباع طريق التحريفية فى الإتحاد السوفياتي.
و إرتدّ دنك سياو بينغ على هذه السيرورة برمّتها وهو منغمس الآن فى إعادة تركيز الرأسمالية. و إنّه لإستهزاء بذكائنا أن يقترح ، كما فعل الرفاق الألبانيون، أن يقارن ماو بخروتشاف و ليس بستالين و أن دنك هو بريجناف الصين.
و فى الحال يثار سؤال : لماذا ظلّ الرفاق الألبانيون صاميتن طوال كلّ هذا الوقت؟ بل لماذا إعتبروا ماو تسى تونغ ماركسيّا- لينينيّا كبيرا حتى مؤخّرا فى 1977 أثناء المؤتمر السابع لحزب العمل الألباني؟ لا يقدّمون أي سبب مقنع. و السبب الوحيد الذى يخرجون به علينا هو أنّ الحزب الصيني كان كتابا مغلقا بالنسبة لهم و أنّهم لم يكونوا على علم بما كان يحدث هناك فعلا. ولئن كان الأمر كذلك حقّا ، رغم أنّ الحزبين كانا عضوين فى الكومنفورم فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، من فتح لهم الآن هذا الكتاب المغلق؟ بالتأكيد ليس دنك سياو بينغ؟
فى المدّة الأخيرة ن قيل لبعثة حزبنا التى زارت مصانع الفولاذ و المعادن فى ألباسان بألبانيا ، و التى بنيت بمساعدة صينية، إنّ التخريب الإقتصادي الصيني قد بدأ حتى خلال حياة ماو أي قبل سبتمبر 1976. عندئذ لماذا أشار انور خوجا فى تقريره للمؤتمر السابع ، إلى ماو تسى تونغ ليس كماركسي-لينيني عظيم فحسب بل أيضا كصديق كبير للشعب الألباني؟ بالتأكيد ،كان أنور خوجا على علم بالتخريب ! و ما كان فى حاجة إلى المغالطة. لكن هل كان سيمدح ماو إن كانت التهمة ثابتة؟
حتى قبل التناول المفصّل للمسائل التى سنحلّل لاحقا، دعونا نجيب على سؤال مركزي. ما هو فكر ماو تسى تونغ؟ فكر ماو تسى تونغ هو الماركسية- اللينينية مطبّقة فى الممارسة العملية الخاصة و الملموسة فى الصين و فى عصرنا. و مثلما صاغ ذلك الرفاق الصينيون ذاتهم " تعتبر الماركسية- اللينينية أن ّ المسألة الجوهرية للثورة هي السلطة السياسية و أنّ إفتكاك السلطة بواسطة القوّة المسلّحة هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى. هذه هي الحقيقة العالمية للماركسية-اللينينية. و كلّ من يتنكّر لهذا أو يتبنّاه فى الكلام لكن ينكره فى الأفعال ليس ماركسيّا- لينينيّا حقيقيّا. غير أنّ الظروف الخاّصة تختلف فى البلدان المختلفة. و ما هي الطريقة التى سيجرى بها إنجاز هذه المهمّة فى الصين ؟ على أساس الممارسة العظيمة ،عقب ثورة أكتوبر ، فى خطابه فى المؤتمر الثاني لعامة روسيا للمنظّمات الشيوعية لشعوب الشرق فى نوفمبر 1919 ، قال لينين لشيوعييى شعوب الشرق إنّه عليهم النظر لخصوصيات مناطقهم الخاصّة و إنّه بالتعويل على النظرية و الممارسة العامتين للشيوعية ، ينبغى أن يأقلموا أنفسهم مع الظروف الخاصّة التى لا توجد فى البلدان الأوروبية. و شدّد لينين على أنّ هذه " مهمّة لو يواجهها الشيوعيون فى أي مكان من العالم" و بديهيّا أنّ إفتكاك السلطة السياسية و إنتصار الثورة لن يحصلا إذا لم يتمّ صهر الحقيقة العامّة للماركسية- اللينينية و الممارسة الثورية لبلد معيّن".
و قد نهض الرفيق ماو تسى تونغ بصهر حقيقة الماركسية - اللينينية بالممارسة الثورية الملموسة فى الصين . و الإستراتيجيا و التكتيك اللذان إستعملهما لبلوغ هذا الهدف صارا الآن معروفين بفكر ماو تسى تونغ. و للأسف فإنّ بعض " الماركسيين - اللينينيين " الأوروبيين لا يرون مثلما رأي لينين ، أنّ خصوصيّات بلد مثل الصين وريث حضارة عريقة جدّا وفيه كان يعيش ربع سكّان العالم و كان مضطهَدا من كلّ من الإقطاعية و الإمبريالية الأجنبية.يرون فقط الدوغما و يتهمون ماو تسى تونغ زورا بأنّه قد إنحرف عنه. إنّهم لا يتمعنون فى المسألة و لا يدرسون خصوصيّات الوضع الثوري الملموس.
ما يبدو أنّه إسترعى إنتباه الرفاق الألبانيين لأخطاء ماو تسى تونغ هو الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى يصفها أنور خوجا بأنّها ليست ثورة و لا هي كبرى و لا ثقافية و بصورة خاصة ليست بروليتارية بتاتا.إنّه يعتبرها إنقلاب قصر على نطاق الصين كافة لتصفية حفنة من الرجعيين الذين إستولوا على السلطة.
هذا وصف سخيف و طفولي لما هو ربّما أعظم الأحداث الثورية فى عصرنا. إعتبار ثورة هزّت المجتمع الصيني بأسره هزّا و شارك فيها النشاط النضالي لملايين و ملايين الصينيين إنقلاب قصر يتجاوز فهم المرء.
لنحاول فهم مغزى الثورة الثقافية.
فى 1965 ، غداة الثورة الثقافية ، كانت الصين تتحفّز للسير على طريق إعادة تركيز الرأسمالية، طريق قد سلكه بعدُ الإتحاد السوفياتي.و كان ليوتشاوتشى الذى نعت بحقّ بخروتشاف الصين ، على رأس الدولة. و كان دنك سياو بينغ السكرتير العام للحزب . و فى واقع الأمر حوصر ماو فصار أقلّيا فى اللجنة المركزية . ووجد ظروف العمل فى بيكين لا تطاق و كان عليه التوجه لشنغاي ليطلق أوّل رصاصة مضادة.
و لئن تعيّن على ماو أن ينادى الشعب من خارج قيادة الحزب ليوجه سهام النقد لقيادات الحزب و بالتالى أن يقدّم قيادته الشخصية للثورة الثقافية ، فمردّ ذلك أنّ قيادة الحزب كانت تعجّ بالتحريفيين و أتباع الطريق الرأسمالي. لم يكن لدى ماو خيار آخر إن أراد أن يصون حزبه و يمنع تغيير لون الصين.
و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى مثال لكيفية خوض الصراع الطبقي فى ظلّ ظروف دكتاتورية البروليتاريا فى الصين، لمنع تغيير لون الصين و سلوك طريق إعادة تركيز الرأسمالية ، و للحفاظ على الصين كقاعدة للثورة العالمية.
و يطرح سؤال: لماذا سُمّيت ثورة ثقافية؟ سمّيت كذلك لأنّه على الجبهة الثقافية أطلق التحريفيون و الثوريون طلقاتهم الأولى. مثل دور نادي بيتوفى فى الثورة المضادة المجرية فى 1956 ، لعبت النشاطات الثقافية دورا كبيرا فى محاولة التحريفيين فى الصين إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
إضافة إلى ذلك ، كان محور الثورة مسألة كسب عقول الناس و التأثير فيها ، و إيجاد نوع جديد من الإنسان الإشتراكي ، متخلّص من الأنانية و ولع السلطة الفردية و العظمة. لهذا سُمّيت ثقافية . و قد كانت بالتأكيد كبيرة لأنّها غير مسبوقة تاريخيّا. نكرّر أنّها كانت أحد أعظم أحداث زمننا. لم تكن بالتأكيد خدعة مثلما يدّعى أنور خوجا. و لم تقضى على الحزب الشيوعي الصيني . فقط حطّمت مراكز قياداته البرجوازية ، ذلك الجزء من القيادة الذى أضحى تحريفيّا. و بدلا عنه، ضخّت دما جديدا. و بطبيعة الحال ، وجدت فوضى . وكلّ ثورة تنتج شيئا من الفوضى. هذا حتمي . و مثلما أشار ماو ، ليست الثورة مأدبة عشاء . عادة ما يسبق التحطيم البناء. و قول إنّ الثورة قادتها عناصر غير ماركسية ببساطة قول عبثيّ. لقد قادها أحد أعظم الماركسيين- اللينينيين، ماو تسى تونغ ذاته.
وكون ماو تسى تونغ و الثوريين لم يبلغوا جميع الأهداف المرسومة بواسطة الثورة الثقافية صحيح. و مردّ ذلك أنّه ، فى منتصف طريق الثورة، مدّعين أنّ الثورة قد مضت بعيدا أكثر من اللازم يسارا، نجح بعض القادة مثل شو آن لاي فى إعادة الإعتبار لأناس أطاحت بهم الثورة الثقافية. وتأتى عدم القدرة على الحيلولة دون هذا إنعكاسا لضعف الطبقات الإجتماعية التى كان يمثّلها ماو و الثوريّون.
و يتساءل آخرون: لماذا دعا ماو الشباب لأن يتمرّد أثناء الثورة الثقافية ؟ هذا السؤال أثاره حزب العمل الألباني. و يراود المرء أن يردّ: ألم يدع الحزب الألباني الشباب لبناء السكك الحديدية و تسوية جوانب الجبال. الشباب ليس طبقة فى حدّ ذاتها. إنّه ينحدر من طبقات مختلفة. لكن له ميزة مشتركة ، لا سيما فى ظلّ الإشتراكية ،ميزة أن يحمل مُثلا عليا و أن يضحّي بالنفس و أن يرغب فى تغيير المجتمع. و بالتالى ، يمكنه أن ينهض بدور طليعي – ما يعنى موقع الريادة فى المضيّ فى الصفوف الأمامية.لهذا دعا ماو الشباب للتمرّد.
لكن هذا لا يفيد أنّ شباب الطبقة العاملة لم يكن فى طليعة الثورة الثقافية. لقد شكّل شباب الطبقة العاملة والفلاحين معظم الحرس الأحمر رغم وجود قطاعات صغيرة من العمّال عارضت الثورة .
و ينبغى أن لا ننسى أنّ القوّة الريادية فى عاصفة جانفي فى شنغاي - أحد أبرز أحداث الثورة الثقافية- كانت منظمات العمال الثوريين فى شنغاي ، بقيادة شانغ تشن – تشياوو ياو وان يوان ووانغ هنغ وان. بيد أنّ هذا قطعا لا يفيد التنكّر للدور القيادي للبروليتاريا فى الثورة .
و فيما يتعلّق بماو فإنّه بالذات من خلال كتاباته النظرية و من خلال تدخلاته العملية ،قد أكّد على الدور القيادي للبروليتاريا و أشار إلى الفلاحين كقوّة أساسية. لم ينحرف أبدا. ففى مقاله الأوّل فى المجلّد الأوّل من "مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " ، مجيبا على سؤال :من هم أعداؤنا؟ و من هم أصدقاؤنا؟ أعلن فى " تحليل لطبقات المجتمع الصيني" أنّ " القوّة القائدة لثورتنا هي البروليتاريا الصناعية " [ م1،ص 24 ]. و فى مقاله حول حركة 4 مايو ، أعرب عن أنّه :" لا يمكن إنجاز الثورة الديمقراطية ضد الإمبريالية و الإقطاعية بدون هذه القوى الثورية الأساسية ،و بدون قيادة الطبقة العاملة. " [ م2 ، ص 328- 329] .و قد تعمّق فى تحليل هذه المسألة فى مقاله " الثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني" و فيه أشار إلى كون البروليتاريا " أصبحت القوة المحرّكة الأساسية الأولى للثورة الصينية. و بدون قيادة البروليتاريا لن تتمكّن الثورة الصينية بالتأكيد من الظفر".[م 2، ص 449] و كرّر هذا الموقف عديد المرّات فى كتباته.و عمليّا أيضا ، شدّد على تنظيم العمّال و من ذلك عمّال مناجم الفحم الحجري بأنيوان.
إلاّ أنّ أنور خوجا كتب أنّ ماو قال إنّ كافة الأحزاب و القوى السياسية يجب أن تخضع للفلاحين و نظرتهم. و لدعم إدعائه يستشهد بالجملتين التاليتين من مقال ماو " تقرير عن تحقيقات فى حركة الفلاحين فى خونان": و لن تنقضي إّلا فترة قصيرة حتى يهبّ فى هذه النهضة مئات ملايين من الفلاحين فى مقاطعات الصين الوسطى و الجنوبية و الشمالية بسرعة خارقة و قوة جارفة كالعاصفة العاتية، لا تستطيع أية قوة أخرى ،مهما تكن عظيمة ، أن تقف فى وجهها. " و " أمّا الأحزاب الثورية و الرفاق الثوريون فإنهم سيجدون أنفسهم جميعا أمام إختبار الفلاحين الذين سيقرّرون قبولهم أم رفضهم " [ م1، ص 30].
ليس هذا من خوجا سوى تزييف بغيض. لقد كتب ماو هذا المقال ليس بقصد دفع الدور الهيمني للفلاحين فى الثورة الصينية ،و إنّما بقصد دفع قيادة الحزب الشيوعي الصيني حينها إلى الإنتباه لحركة الفلاحين الناهضة بعدُ فى الريف. و تجدر الإشارة إلى أنّ قيادة الحزب الشيوعي الصيني آنذاك لم تكن مهتمّة إلاّ بالتحالف مع البرجوازية الوطنية و إستهانت بمهمّة إنشاء تحالف بين العمّال و الفلاحين. و عن صواب أراد ماو تغيير هذه السياسة الخاطئة غير أنّه لم يحاجج أبدا من أجل الدور الهيمني للفلاحين فى الثورة. على الدوام نوصف الفلاحين الذين كانوا يشكّلون فى الصين 80 إلى 90 بالمائة من السكّان ، كقوّة أساسية فى الثورة و صرّح أنّه " دون الفلاحين الفقراء لم توجد ثورة ".
و يواصل أنور خوجا ليذكر أطروحة " القرى الثورية" و أنّ " الريف يجب أن يحاصر المدينة " كدليل على أنّ ماو قد رفع الفلاحين إلى موقع قيادي. لكن ما الذى قصده ماو ؟ حسب فهمنا ،كان ماو يشير إلى أنّ فى البلدان شبه المستعمرة حينها ، قوى العدوّ أشدّ بأسا من القوى الأولى الأدنى الشعبية و أنّ قوى العدوّ مرتكزة فى المدن مثل مراكز قيادة الحكومة و الجيش و الشرطة و الإذاعة و السكك الحديدة و البريد إلخ موجودة جميعها فى المدن.
فى هكذا وضع ، كانت لقوى العدوّ ، فى البداية، الأفضلية نسبة لقوى الشعب الضعيفة فى البداية . و فى مثل هذا الوضع ، إقترح ماو أنّه سيكون من الجنون أن ننطح برؤوسنا الجدار الصخري لقوّة العدوّ الأعتى. و بدلا من ذلك ، إقترح أن يتمّ الإبتعاد قدر الإمكان عن مراكز قوّة العدوّ . و فى بلدان مثل الصين أين كانت غالبية الناس يعيشون خارج المدن ،كان هذا سيعنى الذهاب إلى صفوف الشعب و تنظيمه و بناء قواعد ثورية حيث يمكن بناء جيش شعبي و تدريبه . و هذا سيحوّل شيئا غير مناسب إلى شيء مناسب و سيضطرّ العدوّ إلى إرسال قواته بحثا عن القوى الشعبية . و فى هكذا حال ، ينبغى جلب العدوّ عميقا صلب الشعب و تحطيمه بإستعمال تكتيك ضرب عشرة لواحد. و سيتعلّم الجيش الشعبي و ينمو فى القتال الفعلي مع العدوّ إلى أن يتمكّ التوصّل إلى تغيير نوعي عندما ستصبح القوى الشعبية أقوى من قوى العدوّ . و هذه النظرية معروفة بنظرية حرب الأنصار الطويلة الأمد. و لمّا تغدو القوى الشعبية أقوى من قوى العدوّ سيكون حينها ممكنا محاصرة المدن و فى النهاية تحريرها. كانت هذه إستراتيجيا و تكتيك عسكريين لا معين صاغهما ما وفى خضمّ قيادة الثورة الصينية. و قطعا لا ينكر الدور القيادي للبروليتاريا أو يولى هكذا دور لفلاحين . فالدور القيادي للبروليتاريا يتحقّق عبر الإيديولوجيا البروليتارية للماركسية- اللينينية كما يتمّ التعبير عنها عبر الحزب الشيوعي. و لا يعنى أنّه يجب على البروليتاريا أن تكون أكثر عديّا أو أن كافة النشاطات يجب أن تتبع أو تتمّ فى المدن. و الأمر هكذا لأنّه فى بلد متخلّف و كبير مثل الصين ، البروليتاريا ضعيفة عدديّا ، بينما يُوفّر الريف الممتدّ مجالا واسعا لمناورات القوى الشعبية. و كذلك لا تعنى هذه التكتيكات عدم النشاط أو تقليل النشاط فى المدن . فى ظروف اللاقانونية التى سادت ما قبل الثورة ، قال ماو إنّ مناطق العدوّ التى يتحكّم بها الكيومنتانغ يجب أن تكون سياسة الشيوعيين فيها الإختيار الجيد للكوادر التى تعمل سرّيا لزمن طويل من أجل مراكمة القوّة و ترصّد الفرصة .
و فضلا عن ذلك ، عندما نتناول بالبحث ممارسة الثورة الصينية ، نجد أنّ العدد الأكبر من القوى التى شكّلت الجيش الأحمر للعمّال و الفلاحين الذى قاده ماو إلى جبال تشين كانغ فى 1927 كانت متكوّنة من عمّال مناجم الفحم الحجري من آيوان الذين عمل ضمنهم ما وفى وقت سابق.
و مع ذلك ، لم يقدّم ماو هذا التكتيك كحلّ عالمي صالح لكلّ البلدان. ففى 25 سبتمبر 1956 ، فى حديث مع ممثّلي بعض الأحزاب الشيوعية لأمريكا اللاتينية ، قال إنّ التجربة الصينية بهذا المضمار يمكن أن لا تكون صالحة للتطبيق فى العديد من بلدانهم و لو أنّها يمكن أن تستخدم كمرجع. و نصحهم بألاّ ينقلوا التجربة الصينية نقلا ميكانيكيّا.
و ينقد أنور خوجا الرفيق ماو تسى تونغ أيضا مدّعيا أنذ مفاهيمه غير ماركسية بصدد مرحلتي الثورة الديمقراطية و الثورة الإشتراكية. ليس هناك أعمى من الذى يملك عينين و لا ينظر بهما. فقد شرح الرفيق ماوتسى تونغ نظرته فى العديد من كتاباته. وأهمّ هذه الكتابات مقاله " حول الديمقراطية الجديدة " . وفيه أكّد أنّ الثورة الصينية مواصلة لثورة أكتوبر" و جزء من الثورة البروليتارية الإشتراكية العالمية" وفى " الثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني " كتب " إنّ الحركة الثورية الصينية التى يقودها الحزب الشيوعي الصيني هي فى مجموعها حركة ثورية كاملة تشتمل على مرحلتين: الثورة الديمقراطية و الثورة الإشتراكية، و هما عمليّتان ثوريّتان مختلفتان من حيث طبيعتهما، و لا يمكن إنجاز العملية الثانية إلاّ بعد إتمام الأولى .فالثورة الديمقراطية هي التمهيد اللازم للثورة الإشتراكية، و الثورة الإشتراكية هي النتيجة الحتمية للثورة الديمقراطية". [ "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ"، صفحة 26 ].
و هكذا من الواضح تماما أنّه لم تكن لدى ماو أي مفاهيم خاطئة عن وجود سور صيني بين الثورتين الديمقراطية و الإشتراكية . لقد شدّد على هذا عندما قال :" إنّه لصحيح و متفق مع النظرية الماركسية حول تطوّر الثورة أن نقول عن المرحلتين الثوريتين: إنّ أولاهما توفر الشروط اللازمة للثانية ، و إنه لا بدّ أن تكونا متتابعتين دون السماح بأن تتخللهما مرحلة دكتاتورية البرجوازية. أمّا الإدعاء بأن الثورة الديمقراطية ليست لها مهمّتها المحددة و لا مرحلتها الخاصة ، و أنّه من الممكن ،فى الوقت الذى تتحقّق فيه مهمّة الثورة الديمقراطية ، تحقيق مهمّة أخرى لا يمكن القيام بها إلاّ فى فترة أخرى مثل مهمّة الثورة الإشتراكية ، فذلك يترجم فكرة " تحقيق الثورتين بضربة واحدة " ،وهي لفكرة طوباوية يرفضها الثوريون الحقيقيون."[ م2، ص 502].
و إذن صدح الرفيق ماو بوضوح بأنّ الثورة الديمقراطية هي الإعداد الضروري للثورة الإشتراكية و الثورة الإشتراكية هي التتمة الحتمية للثورة الديمقراطية . و هذا يعنى بالطبع أنّه خلال المرحلتين المتباينتين من الثورة سيكون للطبقة العاملة حلفاء مختلفون. و بوجه خاص، قال الرفيق ماو إنّه أثناء المرحلة الديمقراطية من الثورة ، سيكون من الممكن الوحدة مع البرجوازية الوطنية ذات الطابع المزدوج و كذلك الصراع معها. فمن جهة لها تناقضات مع الإمبريالية الأجنبية و مع الرأسمالية البيروقراطية المحلّية. و من جهة ثانية ، لها تناقضات مع الطبقة العاملة و الفلاحين. و بالنتيجة لها طابع مزدوج فى الثورة الديمقراطية الشعبية الصينية.و قد أشار ماو إلى أنّه :" و ينتج عن هذا الطابع المزدوج للبرجوازية الوطنية أنّه يمكنها أن تسهم ، فى فترات معينة و إلى حدّ معيّن ، فى الثورة المناوئة للإمبريالية و حكومات البيروقراطيين و أمراء الحرب،و أن تصبح قوّة ثورية. و لكن يكمن هناك خطر فى أنّها قد تجرى ، فى فترات أخرى، وراء البرجوازية الكبيرة الكومبرادورية و تلعب دور المساعد فى مناهضة الثورة."[ م 2، ص 443 ].
و هذه النظرة بشأن التحالف بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية قد سبق و أكّد عليه كلّ من لينين و ستالين . فى " مسودّة أوّلية لموضوعات فى المسألة القومية و مسألة المستعمرات " ، قال لينين : " ينبغى للأممية الشيوعية أن تقدم على تحالف مؤقت مع الديمقراطية البرجوازية فى المستعمرات و البلدان المتأخّرة ن على أن لا تمتزج بها و على أن تصون بصورة قاطعة إستقلال الحركة البروليتارية حتى بشكلها البدائي." [ لينين ؛ " حركة شعوب الشرق الوطنية التحرّرية " ، مجموعة من المقالات و الخطب، ص 288 ، دار التقدّم ، موسكو ].
و فى "الثورة الصينية و مهام الأممية الشيوعية " ، إستخلص ستالين انه يمكن التحالف مع البرجوازية الوطنية.
و كان ماو واعيا للحاجة إلى اليقظة و للحاجة إلى كلّ من الوحدة و الصراع مع البرجوازية الوطنية. و قال : يملك الشعب جهاز دولة قويّ و لا يخشى تمرّد البرجوازية الوطنية ". و هذا نوعا ما مشابه للموقف الذى صرّح به ليني عندما قدّم السياسة الإقتصادية الجديدة حيث قال :" لا خطر فى هذا على دولة البروليتاريا طالما أنّها تبقى ممسكة بصلابة بالسلطة السياسية بين أيديها ، طالما أنّها تبقى النقل و الصناعات الكبرى بصلابة بين أيديها."
و ينفى أنور خوجا أنّ مثل هذا الوضع وُجد فى الصين عقب الثورة الديمقراطية لكن ، بمنأى عن القيام بتصريح جذري فإنّه لم يرفق هذا التصريح بأيّة وقائع تعلّله. بيد أنّه جدّ معروف أنّه حتى فى السنوات الأولى من الصين الشعبية كانت البنوك الكبرى و المؤسسات الصناعية و التجارية الكبرى مملوكة للدولة و أنّ مثل هذه المؤسسات كالبنوك ، و سكك الحديد و الخطوط الجوّية كانت تسيّرها الدولة.و إضافة إلى ذلك ، أهمّ سلاح للآلة الدولة ،جيش التحرير الشعبي، كان حصريّا تحت قيادة الحزب الشيوعي.
و لم يكن ماو كذلك غافلا عن ضرورة الصراع الطبقي حتى بعد الثورة. ففى 1957، قال :
" بالرغم من أنّ التحويل الإشتراكي فى بلادنا ، فيما يتعلّق بالملكية، قد أنجز من حيث الأساس، و أنّ الصراع الطبقي الجماهيري العنيف الشبيه بالعاصفة و الواسع النطاق فى المراحل الثورية قد إنتهى الآن من حيث الأساس، إلاّ أنّه ما تزال هناك بقايا من طبقتي ملاك الأراضي و الكمبرادوريين اللتين أطيح بهما ، و ما تزال البرجوازية موجودة ،و البرجوازية الصغيرة فى بداية إعادة تكوين نفسها. إذن فالصراع الطبقي لم ينته بعدُ " [ حول المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صفوف الشعب" 27 فبراير-شباط 1957، الصفحة 18-19 من "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ"]
و قبل ذلك فى 1952، قال :" بعد الإطاحة بطبقة الإقطاعيين و طبقة الرأسماليين-البيروقراطيين ، صار التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية التناقض الرئيسي فى الصين، و بالتالى من الآن فصاعدا لا ينبغى أن نصفها بالطبقة الوسطى".
دامت مرحلة الثورة الديمقراطية فى الصين حوالي سبع سنوات. و مع 1956 ، جرى تحويل المؤسسات الصناعية والتجارية إلى مؤسسات مشتركة الملكية بين الدولة و الخواص و تمّ التحويل التعاوني للفلاحة و الصناعات التقليدية . و غدت قطاعات من البرجوازية ضمن الإداريين للمؤسسات المشتركة الملكية بين الدولة و الخواص. و كانت هذه القطاعات بصدد التحويل من مستغلّين إلى شعب كادح يعيش من عمله الخاص إلاّ أنّهم ظلّوا بعدُ يتمتّعون بربح محدّد من فوائد رأسمالهم فى الشركات المشتركة.أي ، لم يقطعوا بعدُ مع جذور الإستغلال. و بوضوح لم يقع حلّ التناقض الطبقي حلاّ كاملا و لم يكن ليحلّ لسنوات تالية أخرى. و فقط خلال الثورة الثقافية ، فرض الحرس الأحمر إيقاف دفع الفوائد للبرجوازية الوطنية. كانت هذه طريقة الصين الخاصّة فى محاصرة البرجوازية الوطنية و تحديدها و تحويلها.
و على كلّ حزب فى البلدان المختلفة أن يطبّق طرقا مختلفة فى تجاوز التناقضات التى تظهر على الدوام مع تقدّم المجتمع أكثر فأكثر على الطريق الإشتراكي. و ستتباين الطرق التى تستعملها الأحزاب من بلد إلى آخر. و درجة المقاومة التى واجهها البلاشفة فى روسيا عند الإطاحة بالطبقات الإقطاعية و الرأسمالية كانت كبيرة جدّا. و كان عليهم إتخاذ إجراءات صارمة للقضاء على هكذا مقاومة. و لهم الحقّ فى القيام بذلك. و فى الصين أيضا نوقع القضاء على المعادين للثورة . بيد أنّه فى الصين ، دعا ماو إلى إستعمال طريقتين مختلفتين فى ظلّ الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية، طريقة دكتاتورية و أخرى ديمقراطية ، لمعالجة التناقضين المختلفين فى الطابع- التناقضات بيننا و بين العدوّ ، و التناقضات صلب الشعب. و فى مقاله " حول الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " المكتوب سنة 1949 و المنشور فى مجلّة الكومنترن ، شرح ماو أنّ : " من جهة ، ديمقراطية للشعب ، و من جهة أخرى، دكتاتورية على الرجعيين، و يكوّن هذان الوجهان بترابطهما الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية ".[ م4، ص 528].
هذه الطريقة فى إستعمال الإقناع و ليس الإكراه لمعالجة التناقضات صلب الشعب يمكن أن تبدو غير ماركسية لبعض الناس . لكن مبدأ جوهري فى الماركسية هو أنّه عندما ينشط الشيوعيون فى صفوف الجماهير ، عليهم أن يستعملوا الطريقة الديمقراطية للإقناع و التربية و ألاّ يلجأوا أبدا إلى الآمرية و القوّة. كانت هذه الطريقة ناجحة بوجه خاص فى تطبيقها فى الصين كما يُثبت ذلك واقع أنّه ، خلال الحرب الكورية ، لمّا بلغ الأمريكيون ضفاف نهر يالو ، لم يجدوا و لا خائن صيني واحد. و هذا يتضارب مع الوضع فى المجرّ زمن الثورة المضادة فى 1956.
ويعتبر أنور خوجا خاطئة أيضا نظرية التناقضات مثلما عرضها ماو الذى يؤكّد أنّ قانون التناقض ، أي قانون وحدة الأضداد، هو القانون الأكثر جوهرية فى المادية الجدلية و أنّ جميع القوانين الأخرى تنبع منه. سيحتاج الردّ على كلّ هذا النقد مجالا أكبر و زمنا أطول ممّا لدينا.
لذلك سنقتصر على التأكيد على ما نعتقد أنّها المبادئ الجوهرية لقانون التناقض فى الأشياء مثلما عبّر عنها ماو. التناقض شامل ، و التناقضات تعبّر عن ذاتها بشكل خاص و من ضمن كافة التناقضات هناك دائما تناقض رئيسي و كذلك طرف رئيسي للتناقض الذى ينهض بدور قيادي فى معالجة التناقض ؛ و لكلّ مظاهر التناقض وحدة و كذلك صراع و فى ظلّ بعض الظروف يمكن أن تتبادل المواقع ( الوحدة مؤقتة و نسبية بينما الصراع مطلق) ؛ و فى الأخير ،ضمن التناقضات هناك تناقضات عدائية و تناقضات غير عدائية و يجب معالجتها معالجة صحيحة دون السماح للتناقضات غير العدائية بأن تتحوّل إلى تناقضات عدائية .
و نفس الإخفاق الجوهري فى فهم نظرية التناقض فى الأشياء هو الذى يجعل أنور خوجا ينقد وجهة نظر ماو حول نظرية صراع الخطّين. ووفق خوجا ، يمكن أن يكون للحزب خطّ واحد و بالتالى من غير الماركسي أن نفكّر فى وجود الخطّين داخل الحزب. لكن ما يحيل عليه ماو هو شمولية التناقض ، أي ، أنّ التناقضات توجد فى كلّ شيء ؛ حتى فى الفكر ،و فى الأحزاب و داخل الأشخاص. من الصحيح أنّ فى وقت معيّن ، يمكن للشخص و يجب عليه أن يتحدّث بصوت واحد فقط. بيد أنّ صياغة ذلك الصوت عادة ما تكون نتيجة الصراع المرير بين وجهتي النظر المتناقضة.إنّه الصراع بين الأضداد ، حتى فى الفكر ، هو الذى يدفع الأشياء إلى التقدّم. بهذا المعنى ، وُجد على الدوام خطّان داخل الحزب و حتى الشخص. و على أساس التناقض بين الخطّين، بين الصحيح و الخاطئ ، يحصل التطوّر و التقدّم . و التنكّر لهذا تنكّر للجدلية الماركسية.
و يمكن قول الشيء ذاته ؛ هناك إخفاق فى فهم المبدأ الجدلي لوحدة الأضداد بين الطرفين المتناقضين لتناقض و أن ، فى بعض الظروف، يمكن للضدّين أن يتبادلا المواقع. فى ظلّ الرأسمالية ، الطبقة العاملة و البرجوازية طرفي ذات التناقض. و هما متضادان و هذا التضاد مطلق . لكن هناك أيضا مظهر وحدة بين الإثنتين ، أي ، لا يمكن أن توجد الواحدة دون الأخرى.و فى ظلّ ظروف معيّنة ، أي نتيجة ثورة يمكن للطبقة العاملة و البرجوازية أن يتبادلا المواقع.و هكذا بمستطاع الطبقة العاملة أن تتحوّل من طبقة مسيطَر عليها إلى طبقة حاكمة، بينما تتحوّل البرجوازية من طبقة حاكمة إلى طبقة مسيطًر عليها.
و فضلا عن ذلك، ينقد أنور خوجا الطريقة التى إستعملها ماو تسى تونغ فى التعاطي مع المعادين للثورة و القوى المتناقضة صلب الشعب.و فى حين يقرّ بأنّه ليس للبروليتاريا خيار سوى القضاء على البرجوازية فى روسيا التى كانت طبقة معادية للثورة ن فإنّ ماو أشار إلى أنّه هناك وضع مختلف نوعا ما فى الصين. و مع 1956، معظم المعادين للثورة جرى كنسهم. و من ثمّة، بينما لم يكفّ عن الدعوة للمعاملة الصارمة للمعادين للثورة و الأعداء الآخرين للشعب ، فإنّه دعا إلى طريقة مختلفة للإقناع و إعادة التشكيل الديمقراطي من خلال العمل بالنسبة للأعداء الآخرين. قال إنّه لا ينبغى قتل عدد كبير جدّا من الناس و إنّه ينبغى أو توجد حدود حتى فى عدد الناس الذين يجرى إيقافهم. و إنّه مهما كانت الأخطاء المكتشفة يجب إصلاحها. لقد إتُّبعت هذه السياسة بسبب العدد الكبير من البرجوازيين الصغار فى الصين و إستجابة لضرورة كسب كافة فئات الطبقات غير الكادحة من الشعب ( غير الإقطاعيين و البرجوازية الكبيرة) إلى جانب الطبقة العاملة. و أيضا ،نظرية " لتتفتّح مائة زهرة، ولتتنافس مائة مدرسة فكرية" صيغت لأجل تشجيع الصراع بين المدارس الفكرية المتنافسة ضمن الشعب ، لكن فى ظلّ مراقبة الحزب الشيوعي . لقد دافع ماو عن أنّه سيكون من الخطإ محو الأفكار الخاطئة فى صفوف الشعب بقرارات إدارية . و عوض ذلك ، دافع عن أنّ مثل هذه الأفكار الخاطئة يجب أن يسمح لها بالتعبير عن نفسها و أنّ تواجه التنافس و الصراع. لم يكن لديه شكّ فى أنّ الأفكار الصحيحة ستنتصر لأنّ الإشتراكية كانت فى موقع أفضلي فى الصراع الإيديولوجي. أساس سلطة الدولة بحوزة الشعب الكادح بقيادة البروليتاريا. و كان الحزب قويّا و يتمتّع بسمعة كبيرة. لذلك الطريقة الوحيدة للصراع الإيديولوجي ينبغى أن تكون بذل الجهد و الإقناع و ليس مجرّد الإكراه.
و مثّلت حملة " لتتفتّح مائة زهرة " هذه صراعا إيديولوجيّا ضد " الأعشاب السامة" و من أجل تفوّق الماركسية فى المجال الثقافي. و قد إستغلّ اليمينيون الفرصة للمطالبة بالديمقراطية من النمط الغربي. ونشبت حتى أحداث منكرة، على غرار ضرب البعض. و مثلما قال ماو :" فقط حينما يسمح للأعشاب السامة بالخروج من الأرض يمكن إجتثاثها". و شنّ هجوما مضادا شرسا ضد اليمينيين البرجوازيين الذين قفزوا و فضحوا أنفسهم و إضطرّوا إلى التراجع. و جرى عقاب من نعتوا باليمينيين وهم مجموعة من الخمس مجموعات المعتبرة مجموعات سوداء فى المجتمع الصيني.
و لم يقع الإرتداد على هذا القرار إلاّ إثر عودة دنك سياو بينغ إلى السلطة. و ينسحب الأمر عينه فى علاقة بسياسة ماو للسماح لكلّ الطبقات التى شاركت فى الثورة الديمقراطية بأن تتقاسم الحكم بعد الثورة. فقد كان ذلك مظهرا خاصا جاء نتيجة لكون قطاع من البرجوازية المدينية و البرجوازية الوطنية تحالفا مع العمّال فى الثورة ضد الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية. هذا واقع تاريخي. غير أنّ هذه السياسة كرّست على أساس قيادة الحزب الشيوعي و قبول الأحزاب الأخرى للإنتقال إلى الإشتراكية. إلاّ أنّ هذا " التعايش و المراقبة المتبادلة الطويلة الأمد " بين الحزب الشيوعي و الأحزاب الديمقراطية لا يروق لأنور خوجا.
إنّه ينسى أنّه حتى بعد ثورة أكتوبر فى روسيا ،وجد حزبان فى الحكومة- البلاشفة و الثوريون الإشتراكيون اليساريون. و لم يُكسر التحالف مع هؤلاء إلاّ بعدما تمرّدوا ضد البلاشفة . و حتى فى ألبانيا ، إلى اليوم ثمة الجبهة الديمقراطية.
و من المهمّ بهذا المضمار أن نلاحظ انّ فكرة إعادة تشكيل و إعادة تربية الطبقات الأخرى تعود إلى لينين : فقد كتب فى " مرض " اليسارية" الطفولي فى الشيوعية " :
" لقد بقيت الطبقات وهي ستبقى فى كل مكان طوال سنوات بعد ظفر البروليتاريا بالسلطة...إنّ القضاء على الطبقات لا يعنى فقط طرد الملاكين العقاريين و الرأسماليين ، فهذا ما قمنا به نحن بسهولة نسبيّا ، إنّه يعنى كذلك القضاء على منتجي البضائع الصغار، و هؤلاء لا يمكن طردهم ،و لا يمكن قمعهم ، إنّما يلزم أن نتعايش معهم ، فمن الممكن ( و الواجب) إصلاحهم و تربيتهم على نمط جديد،و ذلك فقط بواسطة عمل تنظيمي مديد يحقّق ببطئ و إحتراس.".[ لينين، "المختارات فى 10 مجلدات ، المجلّد 9، صفحة460، دار التقدّم ،موسكو]
و ليست سياسة ماو هذه تعبيرا عن الليبرالية بتاتا. و يلمح أنور خوجا إلى نقد ستالين و الكومنترن لقيادة الحزب الشيوعي الصيني و ماو تسى تونغ. و على ما يبدو يُوحي هذا النقد بأنّ ماو فشل فى تطبيق مبادئ الماركسية- اللينينية بشكل صريح بشأن دور البروليتاريا القيادي فى الثورة و بشأن الأممية البروليتارية و إستراتيجيا و تكتيك النضال الثوري إلخ. و قد سبق و أن تطرّقنا لبعض هذه النقاط .
صحيح أنّه وُجدت خلافات بين الكومنترن و الحزب الشيوعي الصيني. لكن يجب أن نقرّ بأنّ فى غالبية القضايا ، تأكّد أنّ ماو كان على حقّ و أنذ ستالين ،و هذا يضاف إلى مصداقيته، كان من الأوائل فى الإعتراف بذلك. و بالطبع لم توجد خلافات بين الجانبين حول طبيعة الثورة التى إعتبرها الإثنان ديمقراطية برجوازية ، و حول الدور المفتاح للفلاحين و الورة الزراعية ،و حول أنّ الكفاح المسلّح هو الحلّ الوحيد للثورة فى الصين . و من جهته إعتبر ماو الإتحاد السوفياتي وطنا للبروليتاريا العالمية و أدرك جيّدا الأهمّية التاريخية لثورة أكتوبر و إنعكاساتها العالمية. و مع ذلك وُجدت خلافات بصدد إستراتيجيا و تكتيك الثورة الصينية.
بين 1927 و 1935 ، من خلال على التوالي خطّي لي لي سان ووانغ مينغ ، كان تأثير الكومنترن واضحا فى مسائل مثل الإفتكاك المتزامن للسلطة فى المدن، و ضرورة اللجوء إلى حرب المواقع عوض حرب الأنصار، و رفض بناء القواعد الثورية فى الريف. و بالفعل ، كان لا بدّ من إطلاق المسيرة الكبرى كوسيلة لتفادي حملة التطويق الخامسة لتشان كاي تشاك. و اليوم ، أخذ الرفاق الألبانيون ( فى نقاش مع بعثة لحزبنا زارت ألبانيا فى أفريل 1979) يستهجنون المسيرة الكبرى و يؤكّدون أنّه كان من الأفضل لو أنّ الجيش الأحمر أقام معركة حيث كان و تجنّب مثل تلك الخسائر الفادحة و بصعوبة يحتاج المرء إلى إضافة أنّه لو تمّ تبنّى هكذا سياسة ما كانت لتوجد ثورة و لا حزب و لا ماو.
و كذلك يستهين الألبانيون بندوة تسونيى التى إنتخبت ماو على رأس الحزب فى 1935 على أنّها ندوة غير ممثّلة . و يتساءل المرء هل أنّهم كانوا يتوقعون أن يعقد مؤتمر تام الشروط و قانونيّا و ممثّلا فى أتون أحد أكبر الحروب الأهلية ضراوة فى العالم ؟!
و فى نهاية الحرب العالمية الثانية ، كذلك ، كانت لستالين خلافات مع الشيوعيين الصينيين. فقد شكّ فى قدرتهم على كسب الحرب الأهلية الشاملة ضد تشان كاي تشاك ( الذى كان مسنودا من قبل الإمبريالية الأمريكية ؛ و حافظ على علاقات مع تشان كاي تشاك حتى خلال الحرب الأهلية) لكن ستالين كان لطيفا بما فيه الكفاية ليقول إنّه كان مسرورا لثبوت خطئه.
و بالرغم من هذه الأخطاء ، لا شكّ فى أنّ ماو إعتبر ستالين ماركسيا- لينينيّا عظيما و أنّه كان جوهريّا صحيحا. و فضلا عن ذلك، لم يوبّخ ماو الكومنترن و ممثّليه فى الصين بسبب أخطاء الحزب الشيوعي الصيني . بل وبّخ أولئك الشيوعيين الصينيين الذين حاولوا أن يتبعوا عن عمى الطريق السوفياتي دون إعارة الإنتباه اللازم لخصوصيّات الوضع الوطني فى الصين .
و فى حركة غاية فى الغلظة ، يقترح أنور خوجا أنّ موقف الشيوعيين الصينيين ضد التحريفية السوفياتية لم تكن تمليه مواقف ماركسية - لينينية صحيحة و مبدئية. و ليس هذا غليظا فقط بل هو كذلك خاطئ تماما. فماو تسى تونغ لم يكن قد أدرك تحريفية خروتشاف منذ 1956 فحسب ، و لكن أيضا فى ظلّ قيادته ، أطلق الحزب الشيوعي الصيني الجدال الكبير مع نشر " عاشت اللينينية " 1960. و هذا الجدال الذى كانت قوامه سبع رسائل بعثت إلى الحزب الشيوعي السوفياتي و لبعض الأحزاب التحريفية الأخرى غرب أوروبا ، كان لامعا بوضوح فكره و عمق حججه.وقد مثّل مدرسة لجيل كامل من الماركسيين – اللينينيين عبر العالم بأسره تربّى على المبادئ و أساليب العمل الثوريين. و التنكّر لهذا اليوم تنكّر للوقائع التاريخية.
و يريدنا الألبانيون فى الوقت الحاضر أن نعتقد بأنّ ماو كان على الدوام مواليا للأمريكان ، أو أنّه بإستمرار كان يغيّر مواقفه. فقد قالوا لبعثتنا هذه السنة إنّه خلال الحرب العالمية الثانية ، وُجد فى أمريكا لوبي تشان كاي تشاك و لوبي ماو. صحيح أنّه وجدت خلافات فى الرأي ضمن الطبقة الحاكمة الأمريكية بشأن من يجب دعمه فى القتال ضد الفاشية اليابانية. تشان أم ماو؟ وُجد أمريكيون شرفاء أرادوا تقديم الدعم للشيوعيين الصينيين لأنّهم كانوا يمثّلون القوى الوحيدة التى كانت تقاتل حقّا اليابانيين، و ليس الكومنتانغ فى ظلّ تشان. و هذا لا يعنى أنّ ماو كان مواليا لأمريكا. موقفه من الإمبريالية الأمريكية لم يكن تشوبه شائبة و كان صريحا. فخلال الحرب العالمية الثانية ، حينما صارت الفاشية اليابانية العدوّ الأساسي للصين، إستغلّ التناقضات بين الفاشية اليابانية و الإمبريالية الأمريكية. ووقف من أجل تحالف مع هذه الأخيرة إلاّ أنّه عقب نهاية الحرب ضد الفاشية بالضبط و تحوّل الإمبريالية الأمريكية عوض الفاشية اليابانية إلى العدو الأساسي للصين بمساعدتها لتشان كاي تشاك فى حربه الأهلية ضد الشيوعيين نعت ماو الإمبريالية بالعدوّ الأساسي الذى يجب إلحاق الهزيمة به قبل أن تتمكّن الصين من التحرّر. وقد ألحق به الهزيمة !
و فى السنوات التالية، لا أحد يمكن أن يشكّ فى حسن نيّة ماو المعادية للإمبريالية عندما أرسل المتطوّعين الصينيين إلى كوريا للتصدّي للغزو الأمريكي لذلك البلد، و عندما قدّم دعما لا يوصف لشعوب الهند الصينية المقاتلة للإمبريالية الأمريكية و بالفعل ، لكافة الشعوب المقاتلة من أجل إستقلالها. و موقفه الشهير سنة 1970 ، المنادي بوحدة جميع القوى المناهضة للإمبريالية الأمريكية و كلابها السائبة ، مازال صداه يتردّد فى آذاننا.
لكن ، فى ذلك الوقت ، دخل عنصر جديد فى الوضع العالمي. بإحتلاله الوحشي لتشيكوزلوفاكيا سنة 1968 ، أشارت التحريفية السوفياتية إلى تطوّرها إلى قوّة إمبريالية إشتراكية. وُلدت إمبريالية جديدة و سجّل ماو التغيّر فى ميزان القوى . و تاليا، وضع الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية جنبا إلى جنب مع الإمبريالية الأمريكية على أنّهما توأم أعداء الإنسانية. و كان هذا هو الموقف الذى تمسّك به إلى الآخر حينما ، لآخر مرّة ترأس المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني الذى إلتأم من 24 إلى 28 أوت سنة 1973.
ويتضمّن التقرير المتبنّى فى هذا المؤتمر هذه الصيغة الممتازة :" و بالتالى ، على الجبهة العالمية ، على حزبنا أن يدافع عن الأممية البروليتارية ،و يدافع عن سياسات الحزب الصريحة، و يعزّز وحدتنا مع البروليتاريا و الشعوب و الأمم المضطهَدَة للعالم كافة و مع كافة البلدان المتعرّضة للعدوان و تنظيم الإنقلابات و التدخّل و التحكّم أو التهجّم الإمبرياليين ، و أن يشكّل أوسع جبهة ممكنة ضد الإمبريالية و الإستعمار و الإستعمار الجديد و بصورة خاصّة، ضد هيمنة القوتين الأعظم، الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي. ينبغى أن نتّحد مع جميع الأحزاب و المنظّمات الماركسية - اللينينية الحقيقية عبر العالم ، و أن نخوض النضال ضد التحريفية المعاصرة إلى النهاية ".
و من المفيد أن نلاحظ أنّ لا وجود هنا لذرّة لنظرية العوالم الثلاثة فى هذا التقرير. و كذلك إنّه لإفتراء بديهي من قبل الألبانيين أن يصرّحوا الآن بأنّ ماو ، فى أية مرحلة ، قد إعتبر الإمبريالية السوفياتية العدوّ الأساسي ، و بالتالى ، نادى إلى التفاهم أو التحالف مع الإمبريالية الأمريكية. هذه فظاعة أفرزها فكر دنك سياو بينغ و لا علاقة لها بماو.
و عليه، إنّنا ننبذ بشدّة أطروحة أنّ نظرية العوالم الثلاثة المعادية للماركسية- اللينينية كانت من إنتاج فكر ماو تسى تونغ. لا وجود لأدلّة مهما كانت تدعم مثل هذه الإمكانية. والرفيق ماو تسى تونغ قائد عبّر عن وجهة نظره حول كلّ المواضيع الممكن تخيلها و التى كانت ضمن مجال رؤيته. و كون المدافعين عن نظرية العوالم الثلاثة ليس بوسعهم إستخراج و لا مقولة واحدة لماو تدعم هذه النظرية العبثية ، دليل كافى على أنّه لم يدعو أبدا لوحدة العالم الثاني و العالم الثالث ضد العالم الأوّل ، أو أنكى حتى ، يدعو إلى وحدة العالم الثاني و العالم الثالث مع جزء من العالم الأوّل ضد الجزء الآخر.
إنّ الطريقة المفضّلة التى يستعملها أنور خوجا ، على طول كتابه و عرضه، هي أن يلصق بماو تسى تونغ وجهات نظر ليست له ثمّ يعمل على تحطيمها. هذه أكثر طرق النقاش غشّا.
و مع ذلك ، علينا أن نعترف بأنّ أخطاء إقترفت حتى خلال حياة ماو. وهي أخطاء فى تطبيق فكر ماو تسى تونغ. و يبدو أنّ بعضها إقترف عندما لم يكن بوسع ماو أن يحول دون إقترافها. و فى حالات أخرى ، يبدو أنّ ماو ذاته قد ساهم فى الأخطاء. و نحيل بوجه خاص على الفترة الموالية لسبتمبر 1971 ، لمّا جرى إرتكاب أخطاء جدّية فى مجال السياسة الخارجية و فى مجال العلاقات مع الأحزاب الماركسية – اللينينية الأجنبية.
كانت هذه هي الفترة التى تحوّل فيها لين بياو إلى خائن،و حاول أن يغتال ماو و مات فى حادث جوّي عند محاولته الهروب إلى الإتحاد السوفياتي . كانت تلك تجربة عصيبة بالنسبة للصين قاطبة. و قد إستغلّت العديد من العناصر التى أطاحت بها الثورة الثقافة هذه الفرصة للحصول على إعادة الإعتبار. و بثقله وقف شو آن لاي الذى ما كان أبدا مناصرا حقيقيّا لماو وراء هذه الحركة. و من أبرز الذين وقعت إعادة الإعتبار لهم هو دنك سياو بينغ. أحد الذين كان شو آن لاي يحميهم. و تحت تأثيرهم إرتكبت عديد الأخطاء فى السياسة الخارجية مع أنّه فى الشؤون الداخلية ، توصّل القادة الأربعة المقترنة أسماؤهم بماو من السهر على جعل السياسة الصحيحة تسود. و علينا أن نلمح إلى حدث مرتبط ببلادنا. ففى 1972، قدّمت الحكومة الصينية مساعدة عسكرية لحكومة سيرى لانكا [سيلان] و حتى بعثت بضبّاط ليدرّبوا الجيش. و كان عملا غير قابل الدفاع عنه و عبّرنا عن ذلك للحزب الشيوعي الصيني فى رسالة ، سنة 1973. و كذلك غير قابل للدفاع عنه هو موقفه من الشيلي و إيران إلخ. لكن ثمّة أيضا أعمال شارك فيها ماو شخصيّا و لا يمكن الدفاع عنها. و من ذلك إستقبال القائد الفاشي الألماني ستروس و نكسون ( لا سيما فى المناسبة الثانية و الحال أنّه لم يعد رئيسا للدولة و و أنّ سمعته مرّغت فى الوحل بفعل فضيحة الواترغايت) و الدكتاتوريين الفاشيين مثل ماركوس.
و قد تميّزت أيضا هذه الفترة بالإرتداد على السياسة تجاه الأحزاب الماركسية – اللينينية الأجنبية. و أثناء فترة الثورة الثقافية و الفترة الموالية لها تماما و حتى فى الفترة السابقة لها ، لا شكّ فى أنّ الحزب الشيوعي الصيني قدّم دعما نشيطا للأحزاب الماركسية – اللينينية الأجنبية. و لو أنّه ، فى فترات، لا يمكن أن نوافق على سياسته فى الإعتراف بأكثر من حزب واحد فى كلّ بلد- و هكذا يساهم فى عدم الوحدة.
و لعلّ سبب هذا التغيّر كان تغيّرا فى قادة القسم العالمي للحزب الشيوعي الصيني. ففى 1972 توفّي الرفيق كانغ تشان وهو ماوي قديم موثوق به كان على رأس القسم العالمي للحزب الشيوعي الصيني. و جاء مكانه كانغ بياو ، أحد رجال شو آن لاي و كان من معارضي ماو. و فى ظلّ قيادته، إبتدأ توخّي سياسة لامبالاة و عدم دعم إزاء الأحزاب الماركسية - اللينينية الأجنبية.
و رغم ذلك، فإنّنا لا نعتقد أنّ هذه الأخطاء و بعض الأخطاء الأخرى، تفقد أهمّ ركائز فكر ماو تسى تونغ صلوحيتها. نعتبر ستالين ماركسيّا – لينينيّا عظيما رغم بعض الإنحرافات فى الممارسة. و نعتبر أنّ فكر ماو تسى تونغ هو ماركسية - لينينية عصرنا و أنّ كلذ من يهاجم فكر ماو تسى تونغ هو فى الواقع يهاجم الماركسية – اللينينية . و لا يسرّنا أن نختلف مع الحزب الألباني الذى كنّا نحترم كثيرا دفاعه عن نقاوة الماركسية فى الماضي ، و الذى منه تعلّمنا الكثير.
حين تخلّى دنك سياو بينغ و القيادة الحالية للصين عن راية فكر ماو تسى تونغ ، كانت للحزب الألباني و لأنور خوجا فرصة توحيد أحزاب العالم التى نهضت لتندّد بنظرية العوالم الثلاثة البغيضة هذه و لترث راية ماو . إلاّ أنّه عوض القيام بذلك ، قاما بالعكس وأراحا كلّ من التحريفيين السوفيات و الصينيين و لكافة الإمبرياليين و الرجعيين فى العالم.
لنتذكّر أنّه منذ زمن لينين و ستالين ، لم تلق إيديولوجيا مثل هذا القبول على النطاق العالمي و لم تعبّئ الثوريين عبر العالم مثلما فعل فكر ماو تسى تونغ.
يرغب الرجعيون و التحريفيون حدّ الموت رؤيته يتحطّم تحطيما ما يجعلهم يهرولون لإعانة صين دنك سياو بينغ لخشيتهم من أن تعود إلى الصين الماوية.
فى مثل هذا الوضع الصعب، ينبغى على كافة الثوريين أن يختاروا. و نحن نختار الوقوف مع ماركس ، إنجلز ، لينين، ستالين و ماو ./.
[ وثيقة تبنّاها مؤتمر إستثنائي للحزب الشيوعي لسيلان إنعقد فى جويلية 1979].









5 - دحض أنور خوجا
بقلم ن . ساموغاتسان، الأمين العام للحزب الشيوعي بسيلان [ سيريلانكا] 1980.

منذ بداياتها الأولى ، كانت الماركسية أممية شكلا و مضمونا. لهذا ختم ماركس و إنجلز " بيان الحزب الشيوعي " الشهير فى 1848 بالنداء المدوّى : " يا عمّال العالم إتحدوا ! " وواصلا المشوار ليعطيا شكلا تنظيميّا لهذا الفهم بتشكيل جمعية الشغيلة العالمية التى باتت معروفة بالأممية الأولى. وبفضل هذه المنظّمة نشرت بذور الماركسية فى صفوف العمّال المتقدّمين بأوروبا و شمال امريكا.
و عندما سلّطت يد القمع على اوروبا ، عقب هزيمة كمونة باريس سنة 1871، و أضحى من غير الممكن تسيير الأممية من أوروبا، إنتقل مركز القيادة إلى أمريكا الشمالية حيث مات ميتة طبيعية. و إثر وفاة ماركس، تشكّلت الأممية الثانية فى ظلّ قيادة إنجلز. فكانت هذه فترة ظهور الأحزاب الإشتراكية و العمّالية الجماهيرية فى أوروبا و العديد منها لا يزال قائما إلى اليوم.
و لم يعش إنجلز ليشهد فسادها و تحوّلها إلى الإنتهازية مع بداية الحرب العالمية الأولى. فخاض لينين صراعا جبّارا ضد القادة التحريفيين للأممية الثانية، كاوتسكي و برنشتاين اللذان صارا يلبسان لبوس ماركس و إنجلز و يقودان أقوى حزب إشتراكي ديمقراطي، الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني...
و أكمل نجاح ثورة أكتوبر فى روسيا سنة 1917 و نهاية الحرب العالمية الأولى فضح إنتهازية الأممية الثانية. و بجهد جهيد جمّع لينين ما كان جيّدا فى الأممية القديمة و فى 1919 ، فى موسكو، تشكّلت الأممية الثالثة التى رغم عديد الهنات والأخطاء ، قد نهضت بدور هام فى تركيز أحزاب شيوعية جماهيرية فى غالبية أصقاع العالم. و قد أدّت بعض التسويات المفروضة عليها لأسباب شتّى – بالأساس الحاجة إلى تسهيل دخول الأحزاب الشيوعية المحلّية فى التحالفات القومية المناهضة للفاشية و التى كانت تضمّ حتى قوى غير بروليتارية – إلى حلّها سنة 1943.
و يظلّ مدى صحّة هذا القرار و صوابه مصدر جدال.و لعلّ ما هو أعسر على الفهم هو فشل إعادة بناء وحدة الحركة الشيوعية العالمية فى شكل تنظيمي مع نهاية الحرب العالمية الثانية. و من الصحيح أن ّالكومنفورم نهض بدور مركز لفترة وجيزة إلاّ أنّه لم يكن أداة أممية و كان دوره محدودا.
بوفاة ستالين و إستيلاء التحريفيين الخروتشافيين على السلطة فى الحزب و الدولة السوفياتيين، تلقت وحدة الحركة الشيوعية العالمية التى أقيمت فى ظلّ ستالين ضربة قاتلة. و إضافة إلى ذلك، كان الإنشقاق بين الماركسية – اللينينية و التحريفية المعاصرة قد شقّ تماما كلاّ من الوحدة التنظيمية و الإيديولوجية للحركة الشيوعية العالمية. و نشأت احزاب ماركسية - لينينية جديدة نبذت التحريفية الخروتشافية فى كلّ مكان. ووجهت نظرها إلى قيادة الحزب الشيوعي الصيني العظيم بقيادة ماو تسى تونغ الذى ظلّ صامدا فى الدفاع عن الماركسية - اللينينية و شنّ معاركا جدالية فى خضمّ دفاعه.
و لعلّ وقتها كانت الفرصة سانحة أكثر لإعادة الحياة للأممية الشيوعية. لكنّه لم يتمّ إغتنام الفرصة. يبدو أنّ قادة الحزب الشيوعي الصيني قد إعتبروا أنّ الوقت لم يحن بعدُ لهكذا مغامرة ، و إكتفوا بالمبادلات الثنائية بين الأحزاب. و ممارستهم اللاحقة فى الإعتراف بأكثر من حزب واحد فى بلد على أنّه ماركسي- لينيني لم يساعد على توحيد القوى الماركسية - اللينينية على النطاق الوطني. بالعكس تبيّن أنّه باث للتفرقة. و من جهته ، إعترف حزب العمل الألباني بحزب واحد فقط فى كلّ بلد على أنّه ماركسي- لينيني غير أنّه لم تكن لديه مقاييس أو مبادئ للتمييز بوضوح.
و الفرصة الوحيدة كانت أن تلتقى الأحزاب و الجماعات الماركسية - اللينينية فى المؤتمرات الوطنية لحزبي الصين وألبانيا. وفيما يتصل بالصين، وضع حدّ لهذه الفرصة كذلك مع المؤتمر التاسع عندما تخلّى الحزب الشيوعي الصيني عن إستدعاء مندوبين من الأحزاب الإخوة إلى مؤتمره. و ايضا تخلّى عن إرسال ممثلين له إلى مؤتمرات الأحزاب الإخوة الأخرى. و لم تقدّم أية تبريرات رسمية لهذه الممارسات.
لعله تمّ الشعور بأكثر عمق بغياب إطار أممي للماركسيين - اللينينيين ، مباشرة عقب وفاة ماو، حينما إنزلقت قيادة الحزب الشيوعي الصيني إلى مستنقع التحريفية المعاصرة و تقدّمت بالنظرية التحريفية تماما " نظرية العوالم الثلاثة " كسلاح إستراتيجي للحركة الشيوعية العالمية.
دون شكّ، عدد كبير من الأحزاب و المجموعات الماركسية - اللينينية ، و فى مقدّمة الجميع حزب العمل الألباني – إنبرت لفضح النظرية التحريفية للعوالم الثلاثة. غير أنّه عوض توحيد هذه القوى بصلابة و مواجهة جبهوية رائعة لكلّ من التحريفية السوفياتية و الصينية، زاد حزب العمل الألباني فى تفرقة هذه القوى بتمريغه حتى أكثر فى الوحل راية فكر ماو تسى تونغ التى مرّغها بعدُ فى الوحل التحريفيون الصينيّون. كانت لحزب العمل الألباني فرصة لرفع راية فكر ماو تسى تونغ من الوحل الذى مرّغها فيه التحريفيون الصينيون و لتوحيد كافة الماركسيين - اللينينيين و الثوريين الحقيقيين حولها. و عوض ذلك إختار العكس. مستعملا سلطة الدولة ، أفسد عددا من القوى الثورية الصريحة محوّلا إيّاها إلى الموقع الخاطئ لمعارضة فكر ماو تسى تونغ و قائدا إيّاها إلى الخندق السياسي الذى يتخبطون فيه.
لماذا قام حزب العمل الألباني بذلك ؟ على الأرجح سيبقى هذا سرّا غامضا. لكن حجم خيانته يمكن إدراكه فقط إذا أدرك المرء حجم إمكانية التقدّم بالحركة الماركسية - اللينينية التى توفّرت فى 1977 و لم يقع إستغلالها بفعل التصدّع الذى أحدثه الحزب الألباني.
لكن، من الواجب ان ندحض نظريات حزب العمل الخاطئة ذلك أنّه اليوم بات الدفاع عن فكر ماو تسى تونغ المهمّة المركزية لجميع الماركسيين- اللينينيين فالدفاع عن فكر ماو تسى تونغ ليس أقلّ من الدفاع عن الماركسية- اللينينية ذاتها إذ أنّ فكر ماو تسى تونغ تطوير أعمق للماركسية- اللينينية و كلّ من ينكر فكر ماو تسى تونغ ينكر الماركسية - اللينينية و هنا تكمن أهمّية الجدال الدائر حول هذا الفكر.
ما يزعج المرء فى الجدال مع حزب العمل الألباني هو إعتماده التزوير. كاتبا فى نهاية مقدّمته ل " ملاحظات حول الصين" ، فى ماي 1979، يقول خوجا إنّ المؤتمر السابع لحزب العمل الألباني : " قام بتحليل شامل للموقف المعادي للماركسية و الأعمال المعادية للثورة لدى القيادة التحريفية الصينية ، دون إستبعاد مسؤولية ماو عن الوضع القائم". ببساطة هذا غير صحيح.
إنّ كاتب هذا المقال كان حاضرا فى المؤتمر السابع سنة 1976 و لم يسمع أبدا كلمة واحدة ضد ماو تسى تونغ. بالعكس ، فى تقريره للمؤتمر السابع ، أشار أنور خوجا إلى ماو تسى تونغ ليس كماركسي – لينيني عظيم فحسب ، بل أيضا كصديق عظيم للشعب الألباني. هذا موثّق فى التقرير. لا يمكن القبول بالكذب فى أي جدال.
يحاول أنور خوجا أن يعود بجذور تحريفية القيادة الصينية الحالية إلى ماو. يبدو أنّه يجهل كون دنك سياو بينغ قد تنكّر لجميع القرارات الصحيحة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى وهو يبحث عن محو مرحلة قيادة ماو للحزب الصيني بأكملها كما لو أنّها كابوس. و حتى إعادة الإعتبار لليوتشاوتشى الذى فضحه ماو كرمز لأتباع الطريق الرأسمالي و كان أنور خوجا يشاطره الرأي فى ذلك ( فى كتابه " ملاحظات حول الصين" ) لم تجعله يستفيق ليواجه الوقائع. و لعلّ فقط القدح المتوقّع فى ماو بشكل علني وسافر فى المؤتمر القادم للحزب الشيوعي الصيني وحده بإمكانه أن يفضح الإنحطاط السياسي لأنور خوجا. بالتأكيد، يجب أن يكون واضحا حتى لأبسط مثقّف أنّ تحريفية دنك سياو بينغ ليس منبعها ماو و إلاّ لما كان دنك معارضا بغلّ لماو و لكلّ ما دافع عنه ماو.
يتّهم أنور خوجا ماو بأنّه مثالي و ميتافيزيقي . لكن فى الواقع أنور خوجا هو من تنطبق عليه هذه التهمة. ولنضرب مثالا على ذلك طريقة مقاربته الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى يمكن أن تعدّ أعظم الأحداث الثورية التى جدّت أبدا. بإعتباره هذا الحدث العظيم على أنّه ليس بعظيم و لا هو بروليتاري و لا ثقافي و لا ثورة ، يبرز أنور خوجا ليس فقط جهله التام لما تعينيه الثورة ، و إنّما أيضا موقفه الميكانيكي و الميتافيزيقي.
من الزاوية التى يتطرّق منها لهذا الحدث العظيم ، يرى أنّه على الحزب الشيوعي الصيني بقانونه الأساسي و لجنته المركزية المنتخبة هو الذى يجب ان يقرّر و يقود كلّ شيء. لا يمكن ان توجد إضطرابات و ما يسمّيه " فوضى". هكذا بالضبط كان ليوتشاوتشى أيضا يتطرّق للمسألة. كان يعتقد أنّه جالس فى وضع مريح لأنّه كان يعلم أنّه كان يتحكّم بالأغلبية فى صفوف اللجنة المركزية. و قد إرتأى كذلك حتى أنّ ماو. كشيوعي جيّد ، عليه أن يثير خلافاته صلب اللجنة المركزية أين كان ليوتشاوتشى واثقا من الإنتصار. بالكاد فكّر فى أنّ ماو سيتجاوز اللجنة المركزية و ينادى الجماهير خارجها رافعا شعاره الشهير : " أطلقوا النار على القيادات العامة " . من سبق و أن سمع عن شيوعي يدعو الجماهير للإطاحة بقيادة الحزب او الجزء الذى بات تحريفيا.
لكن هذا بالضبط ما قام به ماو. لم تمنعه القواعد الميكانيكية أو التفكير الميتافيزيقي. لقد فكّر على نحو جدلي و عمل على المحافظة على دكتاتورية البروليتاريا. فإتباع القواعد كان سيؤدّى بالتأكيد إلى كارثة. و علاوة على ذلك ، كانت لماو ثقة كبرى فى الجماهير. لقد كان يعلم أنّها يمكن أن تقترف أخطاءا . لقد كان يعلم أنّها يمكن أن تقترف أخطاءا إلاّ أنّه كان كذلك يعلم جوهريّا أنّها ستتصرّف على نحو صحيح، فى ظلّ قيادة مناسبة و ثورية. لهذا لم يكن يخشى "نشوب" الإضطراب.
بيد أنّ أنور خوجا غير قادر على فهم هذا. و بالتالى ، يصف هذه الثورة الكبرى التى شارك فيها فعلا الملايين، كإنقلاب قصر على النطاق الصيني. فى الواقع لا يعدو هذا أن يكون وصفا طفوليّا.
إذا كان على ماو أن يخرج عن قيادة الحزب و ينادي الشعب و من ثمّة يقدّم قيادة شخصيّة للثورة الثقافية ، فيعزى ذلك إلى كون قيادة الحزب خرّبها التحريفيون و أتباع الطريق الرأسمالي. لم تكن لدى ماو خيارات أخرى إذ أراد أن يصون الحزب و يحول دون تغيير لون الصين.
إنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى مثال لكيفية خوض الصراع الطبقي فى ظلّ ظروف دكتاتورية البروليتاريا فى الصين، لمنع الصين من تغيير لونها و المضيّ على طريق إعادة تركيز الرأسمالية ، و صيانة الصين كقاعدة للثورة العالمية.
سُمّيت ثورة ثقافية لأنّ على الجبهة الثقافية تمّ إطلاق النيران الأولى من قبل كلّ من التحريفيين و الثوريين. مثل مثل دور نادى بيتوفى فى المجرّ أثناء الثورة المضادة لسنة 1956، إضطلعت النشاطات الثقافية بدور كبير فى محاولة التحريفيين فى الصين العودة بعقارب الساعة إلى الوراء. و زيادة على ذلك ، كانت الثورة برمّتها تتمحور جول كسب أذهان الناس و التأثير عليها، و حول خلق نوع جديد من الإنسان الإشتراكي ، مجرّد من الأنانية و الولع بالسلطة و العظمة الشخصيين.
لم تكن الثورة الثقافية خدعة كما يدعى خوجا. و كذلك لم تقض على الحزب الشيوعي الصيني. فقد حطّمت مراكز قياداته البرجوازية نذلك الجزء من القيادة الذى أصبح تحريفيّا. وبدلا منه ضخّت دما جديدا فى الحزب . و بالطبع وُجدت فوضى. وكلّ ثورة تنتج قدرا ما من الفوضى. هذا حتمي. لذا قال ماو إنّ الثورة ليست وليمة عشاء. إنّها محاولة طبقة أن تقلب الأخرى.عادة ما يسبق التهديم البناء. وصحيح أنّ ماو و الثوريين لم يبلغوا كافة أهدافهم التى رانوا تحقيقها بواسطة الثورة الثقافية. و مردّ ذلك أنّ فى منتصف طريق الثورة ، بتعلّة أنّ الثورة مضت بعيدا أكثر من اللازم ن نجح بعض القادة ،مثل شو آن لاي فى إعادة الإعتبار لأناس أطاحت بهم الثورة الثقافية. و عدم القدرة على منع هذا ترجم ضعف الطبقات الإجتماعية التى يمثّلها ماو و الثوريون.
يعترض أنور خوجا على دور الشباب فى الثورة الثقافية. لماذا الشباب؟ لماذا ليست البروليتاريا؟ يتساءل متناسيا أن الحزب الألباني ذاته ، نادى الشباب لبناء سكك الحديد و لتهيأة سفوح الجبال. ليس الشباب بحدّ ذاتهم طبقة. إنهم ينحدرون من طبقات مختلفة ، و لكن لديهم ميزة كونهم مثاليّون، يضحّون بالنفس و يطمحون لتغيير المجتمع. وبالتالى ، يمكن أن ينهضوا بدور طليعي ما يعنى دور القيادة فى السير فى الصفوف الأمامية.
لكن هذا لا يعنى أنّ شباب الطبقة العاملة لم يكن فى الصفوف الأولى للثورة الثقافية. لقد مثّل الشباب من الطبقة العاملة و الفلاحين جلّ الحرس الأحمر حتى و إن وُجدت قطاعات صغيرة من العمّال الذين كانوا ضد الثورة.و دعونا لا ننسى أنّ القوّة المحرّكة لعاصفة جانفي بشنغاي- احد أبرز الأحداث و المنعرجات خلال الثورة الثقافية – كانت من تنظيمات العمّال الثوريين فى شنغاي، بقيادة تشانغ تشن -شياو و رفاقه.
و من أهمّ التهم الجدّية الموجّهة من أنور خوجا لماو تسى تونغ هي انّ الأخير قد نبذ المفهوم الماركسي للدور القيادي للبروليتاريا فى الثورة و بدلا من ذلك ، نسب الدور القيادي للفلاحين. هذا فى آن معا غير صحيح و تهمة لا يمكن إثباتها و يمكن الردّ عليها بسهولة. عبر كتاباته النظرية ، قد شدّد ماو على الدوام على الدور القيادي للبروليتاريا و إعتبر الفلاحين القوّة الأساسية . و لم ينحرف أبدا عن هذا الموقف.
فى المقال الأوّل من المجلّد الأوّل من مؤلّفاته المختارة ، ردّا على أسئلة : من هم أعداؤها؟ و من هم أصدقاؤها؟ ، أكّد ماو فى " تحليل لطبقات المجتمع الصيني: " القوّة القائدة لثورتنا هي البروليتاريا الصناعية" [ م1، ص 24 ] و فى مقاله " حركة 4 مايو" أكّد :" لا يمكن إنجاز الثورة الديمقراطية ضد الإمبريالية و الإقطاعية بدون هذه القوى الثورية الأساسية ،و بدون قيادة الطبقة العاملة" [ م2، ص 328-329 ] وحلّ المسألة بأكثر تفاصيل فى كتابه : " الثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني" فأشار إلى أن :"بدون قيادة البروليتاريا، لن تتمكّن الثورة الصينية بالتأكيد على الظفر"[ م2، ص449 ]. و كرّر هذا الموقف عديد المرّات فى ما خطّه قلمه. و عمليّا أيضا ، أعطى الأولوية لتنظيم العمّال مثلا، عمال مناجم الفحم فى آنيوان.
لكن خوجا يعمد إلى الخداع الخسيس فيستشهد بجملتين من مقال ماو الشهير " تقرير عن تحقيقات فى حركة الفلاحين فى خونان" فى محاولة منه ليتبيّن أن ماو قال إنّ كافة الأحزاب و القوى السياسية يجب ان تخضع للفلاحين ووجهات نظرهم. هذا ما قاله ما وفى ذلك التقرير:" تهبّ فى هذه النهضة مئات ملايين من الفلاحين فى مقاطعات الصين الوسطى و الجنوبية و الشمالية بسرعة خارقة و قوة جارفة كالعاصفة العاتية ، لا تستطيع أية قوّة أخرى ، مهما تكن عظيمة ، أن تقف فى وجهها. " و " الأحزاب الثورية و الرفاق الثوريون فإنهم سيجدون أنفسهم جميعا أمام إختيار الفلاّحين الذين سيقرّرون قبولهم أو رفضهم".[ م1،ص 30]
لقد وضع ماو هذا البحث ليس بغاية دفع الدور الهيمني للفلاحين فى الثورة الصينية بل لدفع قيادة الحزب الشيوعي الصيني وقتها لتقدّم القيادة للحركة الفلاحية الناهضة بعدُ فى الريف. و تجدر الملاحظة أنّ قيادة الحزب الشيوعي الصيني آنذاك لم تكن تهتمّ إلاّ لأمر التحالف مع البرجوازية الوطنية و تنكر مهمّة تشكيل تحالف بين العمّال و الفلاّحين . وهو محقّ ، أراد ماو تغيير هذه السياسة. و أراد تقييما سليما و دقيقا لدور الفلاحين الذين كانوا يشكّلون 80 إلى 90 بالمائة من السكّان، كقوّة أساسية فى الثورة الصينية. و صرّح :" دون الفلاحين الفقراء لن توجد ثورة " . ولم يحاجج أبدا من أجل الدور الهيمني للفلاحين فى الثورة.
و يسترسل أنور خوجا ليذكر الأطروحة حول " القرى الثورية " و أطروحة " محاصرة المدن إنطلاقا من الريف" كدليل على أن ماو رفع الفلاحين إلى مصاف الدور القيادي.لكن ماذا كان ماو يقصد؟ على حدّ فهمنا ، أشار ماو إلى أنّ فى أشباه المستعمرات حينذاك، كانت قوى العدوّ أقوى نسبة للقوى الشعبية الأقلّ قوّة فى البداية و كانت متمركزة فى المدن- مثلا، ،مراكز قيادة الحكومة و الجيش و الشرطة و الراديو و السكك الحديدية و البريد إلخ كانت جميعها فى المدن.
فى مثل هذا الوضع ، كانت قوى العدوّ فى البداية أقوى من القوى الشعبية الضعيفة حينها. و فى هذا الإطار ، إقترح ماو أنّه سيكون ضربا من الحماقة أن نحطّم رؤوسنا على الجدار الحجري للقوّة الأعتى للأعداء. و عوض ذلك ، إقترح أن يتمّ الإبتعاد قدر الإمكان عن مراكز سلطة العدوّ. و فى بلدان كالصين حيث غالبية الناس كانوا يعيشون فى الريف ، كان هذا يعنى التوجّه إلى صفوف الشعب و تنظيمه و بناء قواعد ثورية ضمنها يمكن بناء جيش شعبي و تدريبه. و سيُحوّل هذا الوضع غير المواتي إلى ميزة و يضطرّ العدوّ لإرسال قواته بحثا عن القوى الشعبية. و فى مثل هذا الحال ينبغى إستدراج العدوّ إلى العمق الشعبي و تحطيمه بإستعمال تكتيك ضرب عشرة لواحد. و سيتعلّم الجيش الشعبي و ينمو فى المعارك العملية مع العدوّ إلى أن يتمّ التوصّل إلى تغيير نوعي عندما تصبح القوى الشعبية أقوى من قوات العدوّ. هذه هي النظرية المعروفة بحرب الشعب الطويلة الأمد. و عندما تصبح القوى الشعبية أقوى من العدوّ سيكون حينها من الممكن محاصرة المدن و فى النهاية تحريرها.
هذه هي الإستراتيجيا و التكتيك العسكريين اللامعين اللذان صاغهما ماو فى خضمّ قيادة الثورة الصينية . وهي لا تنكر بتاتا الدور القيادي للبروليتاريا أو تعطى هذا الدور للفلاحين. و يتجسّد الدور القيادي للبروليتاريا عبر الإيديولوجيا البروليتارية الماركسية - اللينينية و التعبير عنها من خلال الحزب الشيوعي . غنّها لا تعنى أنّ البروليتاريا ينبغى أن تكون عدديّا أكبر أو أن جميع النشاطات ينبغى أن تنبع أو تحدث فى المدن. و المر على هذا النحو فى بلد متخلّف و واسع مثل الصين، لأنّ البروليتاريا ضعيفة عدديّا ، بينما يوفّر الريف الشاسع مجالا كبيرا للقوى الشعبية حتى تناور. و أبدا لا تعنى هذه التكتيكات عدم القيام بالعمل أو القيام بعمل أقلّ فى المدن. فى ظروف اللاقانونية التى سادت فى الصين ما قبل الثورة، قال ماو إنّ فى المناطق التى يحتلّها العدوّ يجب أن تكون سياستهم أن يعمل سرّيا و لمدّة طويلة كوادر منتقاة لمراكمة القوى و تربّص الفرصة.
و إضافة إلى ذلك ، عندما ننظر إلى ممارسة الثورة الصينية ، نجد أنّ العدد الكبير من القوى التى شكّلت اوّل وحدات الجيش الأحمر للعمّال و الفلاحين الذين قادهم ماو إلى جبال تشنغ كانغ سنة 1927 ، كانت متكوّنة من عمّال مناجم الفحم من آنيوان الذين عمل ضمنهم ماو قبلئذ.و مع ذلك ، لم يقدّم ماو هذا التكتيك لحلّ عالمي لكافة البلدان. وفى 25 سبتمبر 1956 ، فى حديث مع ممثّلين لبعض الأحزاب الشيوعية الأمريكية اللاتينية قال إنّ التجربة الصينية بهذا الصدد يمكن أن لا نطبق على العديد من بلدانها و لو أنّها يمكن أن تستخدم كإطار مرجعي. و ألحّ على نصحها بأن تستنسخ التجربة ميكانيكيّا.
و نقد أنور خوجا للرفيق ماو تسى تونغ على ما يدّعى أنّه مفاهيما غير ماركسية حول مرحلتي الثورة الديمقراطية و الثورة الإشتراكية. ليس هناك من أعمى من الذى له عيناي و لا يرى. لقد شرح الرفيق ماو تسى تونغ وجهة نظره فى العديد من كتاباته ، أهمّها كتابه " حول الديمقراطية الجديدة " حيث أشار إلى أنّ الثورة الصينية إمتداد لثورة أكتوبر و جزء من الثورة البروليتارية الإشتراكية العالمية. والثورة الصينية يجب أن تمرّ بمرحلتين . أوّلا الثورة الديمقراطية الجديدة ثمّ الثورة الإشتراكية. وهما سيرورتان ثوريتان مختلفتان و هما فى نفس الوقت مختلفتان و مترابطتان. لا يمكن إنجاز السيرورة الثانية أو الثورة الإشتراكية إلاّ بعد إتمام السيرورة الأولى أو الثورة ذات الطابع الديمقراطي البرجوازي. و الثورة الديمقراطية هي الإعداد الضروري للثورة الإشتراكية و الثورة الإشتراكية تتمّة حتمية للثورة الديمقراطية ".
و هكذا من الواضح تمام الوضوح أنّه لم تكن لدي ماو مفاهيما خاطئة بشأن وجود سور صيني بين الثورات الديمقراطية و الإشتراكية. و قد شدّد على هذا حينما قال :" إنّه لصحيح و متفق مع النظرية الماركسية حول تطوّر الثورة أن نقول عن المرحلتين الثوريتين: إنّ أولاهما توفّر الشروط اللازمة للثانية ،و إنه لا بدّ أن تكونا متتابعتين دون السماح بأن تتخلّلهما مرحلة دكتاتورية البرجوازية. أمّا الإدعاء بأنّ الثورة الديمقراطية ليست لها مهمّتها المحدّدة و لا مرحلتها الخاصة،و أنّه من الممكن ،فى الوقت الذى تتحقّق فيه مهمّة الثورة الديمقراطية ، تحقيق مهمة أخرى لا يمكن القيام بها إلاّ فى فترة أخرى مثل مهمّة الثورة الإشتراكية ، فذلك يترجم فكرة " تحقيق الثورتين بضربة واحدة " ، وهي فكرة طوباوية يرفضها الثوريون الحقيقيون". و من هنا أكّد ماو تسى تونغ بوضوح على أنّ الثورة الديمقراطية هي الإعداد الضروري للثورة الإشتراكية و أنّ الثورة الإشتراكية هي التتمّة الحتمية للثورة الديمقراطية. و بطبيعة الحال يعنى هذا أنّه خلال المرحلتين المختلفتين من الثورة ، ستكون للطبقة العاملة حلفاء مختلفون. قال الرفيق ماو تسى تونغ إنّه خلال المرحلة الديمقراطية للثورة ، سيكون من الممكن كلّ من الوحدة و الصراع مع البرجوازية الوطنية ذات الطابع المزدوج. من جهة لها تناقضات مع الإمبريالية الغربية و الرأسمالية البيروقراطية المحلّية. و من جهة أخرى ، لها تناقضات مع الطبقة العاملة و الفلاحين. و بالتالى ، لها طبيعة مزدوجة فى الثورة الديمقراطية للشعب الصيني.
أعلن ماو :" و ينتج عن هذا الطابع المزدوج للبرجوازية الوطنية أنّه يمكنها أن تسهم، فى فترات معينة و إلى حدّ معيّن، فى الثورة المناوئة للإمبريالية و حكومات البيروقراطيين و أمراء الحرب، و أن تصبح قوة ثورية. و لكن يكمن هناك خطر فى أنها قد تجرى ، فى فترات أخرى، وراء البرجوازية الكبيرة الكومبرادورية و تلعب دور المساعد فى مناهضة الثورة."[ م2 ، ص243]
هذه النظرة للتحالف المؤقت بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية قد سبق و أن شدّد عليها كلّ من لينين و ستالين. فى " مسودة أوّلية لموضوعات فى المسألة القومية و مسألة المستعمرات" قال لينين : " ينبغى للأممية الشيوعية أن تقدم على تحالف مؤقت مع الديمقراطية البرجوازية فى المستعمرات و البلدان المتأخّرة، على أن لا تمتزج بها و على أن تصون بصورة قاطعة إستقلال الحركة البروليتارية حتى بشكلها البدائي" و فى مقاله " الثورة الصينية و مهام الأممية الشيوعية "، إستنتج ستالين أنّه من المسموح بالتحالف مع البرجوازية الوطنية.
كان ماو واعيا للحاجة إلى اليقظة و الحاجة إلى كلّ من الوحدة و الصراع مع البرجوازية الوطنية. قال : " يملك الشعب جهاز دولة قويّ بين يديه و لا يخشى تمرّد البرجوازية الوطنية " و هذا مشابه نوعا ما للأحاسيس التى عبّر عنها لينين لمّا قدّم للسياسة الإقتصادية الجديدة . قال : " لا خطر على دولة البروليتاريا طالما تمسك البروليتاريا بصلابة بالسلطة السياسية بيديها ،طالما تمسك بصلابة بيديها النقل و الصناعات الكبرى".
ينكر أنور خوجا أنّ مثل هذا الوضع وُجد فى الصين بعد الثورة الديمقراطية ، لكن بعيدا عن إصدار موقف حاسم، فإنّه لا يقدّم أيّة وقائع ليبرّر مثل هذا الموقف؟ لكنّه من المعلوم جيّدا أنّه حتى فى السنوات الأولى من الصين الشعبية كانت البنوك الكبرى و المؤسسات الصناعية و التجارية الكبرى مملوكة للدولة و أن مؤسسات كالبنوك و السكك الحديدية و الخطوط الجوّية كانت تسيّرها الدولة. و فضلا عن ذلك ، فإنّ أهمّ سلاح لدى جهاز الدولة ، جيش التحرير الشعبي، كان حصريّا تحت قيادة الحزب الشيوعي.
و أيضا لم يكن ماو كما يدعى خوجا لا مباليا بضرورة الصراع الطبقي حتى بعد الثورة. ففى 1957 ، قال : "بالرغم من أنّ التحويل الإشتراكي فى بلادنا ،فيما يتعلّق بالملكية ، قد أنجز من حيث الأساس ، و انّ الصراع الطبقي الجماهيري العنيف الشبيه بالعاصفة و الواسع النطاق فى المراحل الثورية قد إنتهى الآن من حيث الأساس ، إلاّ أنه ما تزال هناك بقايا من طبقتي ملاك الأراضي و الكومبرادوريين اللتين أطيح بهما ، و ما تزال البرجوازية موجودة ، و البرجوازية الصغيرة فى بداية إعادة تكوين نفسها. " [ مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ ، ص 18].
و قبل ذلك ، سنة 1952، كان قد قال : " مع الإطاحة بطبقة الملاكين العقاّريين و الطبقة الرأسمالية البيروقراطية، صار التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية التناقض الرئيسي فى الصين وبالتالى من هنا فصاعدا لا يجب وصف البرجوازية الوطنية بالطبقة الوسطى."
إمتدّت المرحلة الديمقراطية للثورة الصينية لحوالي سبع سنوات. و مع 1956، جرى تحويل المؤسسات الصناعية و التجارية المملوكة للخواص إلى مؤسسات مشتركة بين الدولة و الخواص و جرى تحويل الفلاحة و الصناعات التقليدية إلى تعاونيّات. و صار قسما من البرجوازية جزءا من الإداريين فى المؤسسات المشتركة بين الدولة و الخواص و كان تحويلهم جاريا من مستغِلّين إلى عمال يعيشون من عملهم الخاص. لكن ظلّت لديهم نسبة محدّدة من أرباح رأسمالهم فى المؤسسات المشتركة. يعنى أنّهم لم يقطعوا جذورهم بعدُ مع الإستغلال.
بوضوح ، لم يُحلّ تماما التناقض الطبقي و لم يكن ليحلّ فى غضون بضعة سنوات تالية. فقط خلال الثورة الثقافية ، فرض الحرس الأحمر إيقاف دفع فوائد للبرجوازية الوطنية . كانت هذه الطريقة الصينية الخاصة لتقييد و تقليص البرجوازية الوطنية و تغييرها.
على كلّ حزب فى مختلف البلدان أن يطبّق طرقا مختلفة فى معالجة التناقضات التى تظهر دائما مع تعمّق تقدّم المجتمع على الطريق الإشتراكي. و الطرق التى يستعملها كلّ حزب ستختلف عن طرق بلد بلد. و درجة المقاومة التى واجهها البلاشفة فى روسيا عند الإطاحة بالملاك العقاريين و الرأسماليين كانت كبيرة جدّا. و كان عليهم إتخاذ إجراءات شديدة للقضاء على هذه المقاومة. و لهم الحقّ تماما فى القيام بذلك ز و فى الصين أيضا ، جرى القضاء على المعادين للثورة. لكن فى الصين ، نادى ماو بإستعمال طريقتين مختلفتين فى ظلّ الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية ، طريقة دكتاتورية و أخرى ديمقراطية ،لمعالجة النوعين من التناقضات المختلفة فى طبيعتها – التناقضات بيننا و بين العدوّ ، و التناقضات صلب الشعب. و فى مقاله: " حول الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية" المكتوب سنة 1949 و المنشور أيضا فى جريدة الكومنترن، شرح ماو أنّ :" من جهة ، ديمقراطية للشعب ، و من جهة أخرى ، دكتاتورية على الرجعيين،و يكوّن هذان الوجهان بترابطهما الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية ." [ م4، ص 528]
هذه الطريقة من إستعمال الإقناع و ليس الإجبار لمعالجة التناقضات صلب الشعب يمكن أن تبدو لبعض الناس غير ماركسية. لكنّه من المبادئ الجوهرية فى الماركسية أنّه عندما يعمل الشيوعيون فى صفوف الجماهير ينبغى أن يستخدموا الطريقة الديمقراطية للإقناع و التربية و لا يلجأوا أبدا إلى الأوامر و القوّة. و قد نجح بوجه خاص تطبيق هذه الطريقة فى الصين كما يشهد على ذلك كونه خلال الحرب الكورية ، مرّ بسرعة الأمريكيون قرب ضفاف نهر اليالو ، و لم يجدوا صينيّا خائنا واحدا. و هذا يتعارض مع الوضع فى المجرّ زمن الثورة المضادة فى 1956.
و يعتبر أنور خوجا أيضا مخطأة نظرية التناقضات كما عرضها ماو و التى وفقها يؤكّد على أنّ قانون التناقض أي قانون وحدة الأضداد ، هو القانون الأكثر جوهرية فى المادية الجدلية و أنّ كافة القواينين الأخرى تنبع منه. و الردّ على جميع هذا النقد سيستحقّ منّا مجالا أكبر و أكثر وقتا ممّا هو متاح لنا.
سنقتصر على إعادة التأكيد على ما نعتقد أنّه المبادئ الأساسية لقانون التناقض فى الأشياء ،مثلما شرحه ماو. التناقض شامل[ عام ] ؛ تعبّر التناقضات عن ذاتها بأشكال خاصة؛ و من كافة التناقضات هناك دائما تناقض رئيسي و كذلك مظهر رئيسي للتناقض يلعب الدور القيادي فى معالجة التناقض ؛ و لكافة مظاهر التناقض وحدة مثلما لها صراع،و فى ظلّ ظروف معيّنة ، يمكن أن تتبادل المواقع( الوحدة مؤقّتة و نسبية بينما الصراع مطلق) ؛ و أخيرا ضمن التناقضات هناك تناقضات عدائية و غير عدائية و يجب معالجتها بصورة صحيحة لعدم السماح للتناقضات غير العدائية بالتحوّل إلى تناقضات عدائية.
إنّه ذات الإخفاق الجوهري فى فهم نظرية التناقض فى الأشياء هو الذى جعل انور خوجا ينقد وجهة نظر ماو حول نظرية صراع الخطّين. حسب رأي خوجا ، يجب أن يكون للحزب خطّ واحد و بالتالى من غير الماركسي أن نفكّر بوجود خطّين داخل الحزب. لكن ما كان ماو يشير إليه هو شمولية التناقض أي أنّ التناقضات توجد فى كلّ شيئ ، حتى فى الفكر، فى الأحزاب و حتى فى الأشخاص. و من الصحيح أنّه فى لحظة زمنية معيّنة ، يمكن للشخص أو يجب عليه أن يتحدّث بصوت واحد فقط. لكن صيغة الصوت الواحد هي دائما نتيجة صراع مرير بين نظرتين. و صراع الضدين هذا ، حتى فى الفكر ، هو الذى يدفع الأشياء إلى الأمام. و بهذا المعنى ، و وُجد دائما خطّان صلب الحزب و حتى صلب الشخص. و على أسا التناقض بين الخطّين ، بين ما هو صحيح و ما هو خاطئ، يحدث التقدّم. و التنكّر لهذا هو تنكّر لجدلية الماركسية.
و كذلك ، هناك إخفاق فى فهم المبدأ الجدلي لوحدة الأضداد بين المظهرين المتعارضين للتناقض و أنّه ، فى ظلّ ظروف معيّنة، يمكن للضدّين أن يتبادلا المواقع. فى ظلّ الرأسمالية تمثّل الطبقة العاملة و البرجوازية مظهري التناقض ذاته. إنّهما متضادتين و هذا التضاد مطلق. لكن ثمّة أيضا مظهر وحدة بين الإثنين أي لا يمكن للواحد ان يوجد دون وجود الآخر. و فى ظلّ ظروف معيّنة أي ، نتيجة لثورة ، يمكن للطبقة العاملة و البرجوازية أن يتبادلا المواقع، أي يمكن للطبقة العاملة أن تتحوّل من طبقة محكومة إلى طبقة حاكمة ؛ بينما تتحوّل البرجوازية من طبقة حاكمة إلى طبقة محكومة.
و ينقد أنور خوجا أيضا الطريقة التى يستعملها ماو للتعاطي مع المعادين للثورة و القوى المتناقضة ضمن الشعب. و فى حين يعترف ماو بأنّه لم يكن بوسع البروليتاريا إلاّ أن تقضي على البرجوازية فى روسيا التى كانت معادية للثورة ،فقد أشار إلى أ،ّ الوضع فى الصين متباين قليلا. مع 1956، غالبية المعادين للثورة جرى سحقهم . و بالتالى ، بينما لم يكفّ عن الدعوة للتعامل بشدّة مع المعادين للثورة و أعداء آخرون للشعب ، فإنّه نادى إلى طريقة مغايرة من الإقناع الديمقراطي و إعادة التشكيل عبر العمل لأعداء آخرين. و قال أيضا إنّه ينبغى أن لا يقتل أناس أكثر من اللازم و إنّه ينبغى أن توجد حدود حتى فى عدد الناس الموقوفين و إنّه مهما كانت الأخطاء المقترفة يجب إصلاحها.
لقد تمّ الدفاع عن هذه السياسة نظرا للعد الكبير لعناصر البرجوازية الصغيرة فى الصين و لضرورة كسب كافة فئات الشعب غير المنتمية للطبقة العاملة ( و ليس الملاكون الإقطاعيون و البرجوازية الكبيرة) إلى جانب الطبقة العاملة.
و أيضا أقيمت حملة " لتتفتح مائة زهرة و لتتنافس مائة مدرسة " بهدف تشجيع الصراع بين المدارس الفكرية المتصارعة ضمن الشعب، لكن تحت مراقبة الحزب الشيوعي. و دافع ماو عن انّه سيكون من الخطإ قمع الأفكار الخاطئة فى صفوف الشعب بإجراءات إدارية. بالعكس دافع عن أنّه يجب السماح للأفكار الخاطئة بالخروج إلى النور و بمواجهة التنافس و الصراع. لم يكن يشكّ فى أنّ الأفكار الصحيحة ستنتصر لأنّ الإشتراكية كانت فى موقع أفضلية فى الصراع الإيديولوجي. و كانت السلطة الأساسية للدولة بأيدى الطبقة العاملة بقيادة البروليتاريا. و كان الحزب الشيوعي قويّا و سمعته جيّدة وكبيرة. و بالتالى الطريقة الوحيدة للصراع الإيديولوجي يجب أن تكون الإجتهاد فى التفكير ليس الإكراه الفجّ.
كانت هذه الحملة " لتتفتّح مائة زهرة " صراعا إيديولوجيا ضد " الأعشاب السامة " من أجل أفضلية الماركسية فى المجال الثقافي. و إستغلّ اليمينيون الفرصة للدعوة لديمقراطية من النمط الغربي. و جدّت حتى أحداث سيّئة، مثل الإعتداء على الناس . و مثلما قال ماو :" لا يمكن إقتلاع الأعشاب السامة إلاّ بعدما تخرج من الأرض" و شنّ هجوما مضادا شرسا ضد اليمينيين البرجوازيين الذين ظهروا و فضحوا أنفسهم فأُجبروا على التراجع. و جرى عقاب البعض منهم و نعتوا باليمينيين كأحد المجموعات الخمس التى إعتبرت مجموعة سوداء فى المجتمع الصيني. و قد وقع الإنقلاب على هذا القرار بعد عودة دنك سياو بينغ إلى السلطة . و الشيء ذاته صحيح فيما يتعلّق بسياسة ماو السامحة لكافة الطبقات التى ساهمت فى الثورة الديمقراطية بأن تساهم فى الحكومة إثر الثورة. كان هذا مظهرا مميّزا حصل فى الصين نتيجة إلتحاق قطاع من البرجوازية المدينية و البرجوازية الوطنية بالعمّال فى الثورة ضد الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية.هذه وقائع تاريخية. لكن مثل هذه السياسة مورست على أساس قيادة الحزب الشيوعي و قبول الأحزاب الأخرى بالإنتقال إلى الإشتراكية. إلاّ أنّ هذا التعايش السلمي الطويل المد و المراقبة المتبادلة بين الحزب الشيوعي و الأحزاب الديمقراطية لم يعجب أنور خوجا.
إنّه ينسى أنّه إثر ثورة أكتوير فى روسيا ، وُجد حزبان فى الحكومة – البلاشفة و الإشتراكيين الثوريين اليساريين. و لم يكسر التحالف مع الأخيرين إلاّ بعدما تمرّدوا ضد البلاشفة . و حتى فى ألبانيا ، إلى اليوم ، هناك الجبهة الديمقراطية.
و من المفيد فى إرتباط بهذا أن نشير إلى أنّ هذه الفكرة عن إعادة تشكيل و إعادة تربية الطبقات الأخرى تعود تاريخيّا إلى لينين . لقد قال فى " مرض " اليسارية " الطفولي فى الشيوعية " :" لقد بقيت الطبقات وهي ستبقى فى كلّ مكان طوال سنوات بعد ظفر البروليتاريا بالسلطة...إنّ القضاء على الطبقات لا يعنى فقط طرد الملاكين العقاريين و الرأسماليين ، فهذا ما قمنا به نحن بسهولة نسبيّا ، إنّه يعنى كذلك القضاء على منتجى البضائع الصغار ، و هؤلاء لا يمكن طردهم ،و لا يمكن قمعهم، إنّما يلزم أن نتعايش معهم." [ مجلد 9 ، المختارات فى 10 مجلّدات، صفحة 460] و هكذا ليست سياسة ماو بأي حال تعبيرا عن ليبراليته.
ويحيلنا أنور خوجا على نقد ستالين و الكومنترن لقيادة الحزب الشيوعي الصيني و ماو تسى تونغ. و حسب رأيه ، يعبّر هذا النقد عن فشل ماو فى تكريس مبادئ الماركسية - اللينينية حول الدور القيادي للبروليتاريا فى الثورة تكريسا متسقا .و الأممية البروليتارية و إستراتيجيا و تكتيك النضال الثوري إلخ. لقد سبق و أن تطرّقنا لبعض هذه النقاط.
صحيح أنّه وجدت خلافات بين الكومنترن و الحزب الشيوعي الصيني. لكن يجب ان نقرّ أنّه تقريبا فى جميع المسائل تأكّد أنّ ماو كان على صواب و ستالين ، و هذا يعدّ فى صالحه، قد كان الأوّل فى الإعتراف بذلك. و بالطبع لم توجد خلافات بين الجانبين بشأن طبيعة الثورة التى إعتبرها الإثنان ديمقراطية برجوازية،و بشأن الدور المفتاح للفلاحين و الثورة الزراعية و كون النضال المسلّح كان الحلّ الوحيد للثورة فى الصين. و من جهته ، إعتبر ماو الإتحاد السوفياتي كوطن للبروليتاريا العالمية و فهم بشكل صحيح الأهمّية التاريخية لثورة أكتوبر و تأثيرها العالمي. لكن ثارت خلافات بصدد مسألة إستراتيجيا و تكتيك الثورة الصينية.
بين 1927 و 1935 ، عبر خطّي كلّ من لي لي سان ووانغ مينغ ، كان تاثير الكومنترن قويّا على مثل هذه القضايا كإفتكاك السلطة بالتوازى فى المدن و ضرورة اللجوء إلى حرب المواقع عوض حرب الأنصار و رفض بناء القواعد الثورية فى الريف. و بالفعل أُطلقت المسيرة الكبرى كطريقة للهروب من حملة التطويق الخامسة لتشان كاي تشاك. و اليوم شرع الرفاق الألبانيون ( فى نقاش مع بعثة لحزبنا زارت ألبانيا فى أفريل 1979) فى التقليل من شأن المسيرة الكبرى و أكّدوا أنّه كان من الأفضل لو أنّ الجيش الأحمر قد خاض المعركة حيث كان و تجنّب هذه الخسائر الهائلة.و بالكاد يحتاج المرء لأن يضيف أنّه لو جرى إتباع مثل هذه السياسة لما وجدت ثورة و لا حزب و لا ماو. و يستخفّ الألبانيون أيضا بندوة تسونيى التى إنتخبت ماو للسلطة فى 1935 على أنّها غير ممثّلة. و يتساءل المرء إذا ما كانوا يتوقّعون عقد مؤتمر يكتسى صبغة قانونية و يكون ممثّلا تماما فى خضم أحد أكثر الحروب الأهلية شراسة فى العالم.
فى نهاية الحرب العالمية الثانية ، كذلك ، كانت لستالين خلافات مع الشيوعيين الصينيين. وقد شكّ فى قدرتهم على كسب حرب أهلية شاملة ضد تشان كاي تشاك ( الذى كان مسنودا من قبل الإمبرياليون الأمريكان) و حافظ على علاقات مع تشان كاي تشاك حتى أثناء الحرب الأهلية. بيد انّ ستالين كان لطيفا بما فيه الكفاية ليقول إنّه كان فرحا لثبوت خطئه.
و رغم هذه الأخطاء ن لا شكّ فى أنّ ماو إعتبر ستالين ماركسي-لينينيا عظيما و أنّه جوهريّا كان على صواب. و فضلا عن ذلك ، لم يلم ماو الكومنترن و ممثّليه فى الصين على أخطاء الحزب الشيوعي الصيني. فقد وجه اللوم للشيوعيين الصينيين الذين حاولوا أن يتبعوا عن عمى النموذج السوفياتي دون أخذ خصوصيات الوضع الوطني الصيني بعين الإعتبار.
والأنكى من كلّ هذا ، يوحى لنا أنور خوجا بأنّ موقف الشيوعيين الصينيين ضد التحريفية السوفياتية لم يكن تمليه مواقف صحيحة ، مبدئية ماركسية- لينينية. و هذا ليس مجرّد لؤم فحسب بل كذلك غير صحيح تماما. لم يفهم ماو بصورة صحيحة تحريفية خروتشاف منذ 1956 فحسب ، بل فى ظلّ قيادته أطلق الحزب الصيني جدالا عظيما مع نشر " عاشت اللينينية " فى 1960. و هذا الجدال المتشكّل من عديد الرسائل الموجهة للحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و لبعض الأحزاب التحريفية الأخرى لغرب أوروبا، و اللامعة بوضوح فكرها و عمق محاججتها.وقد درّب هذا الجدال العظيم جيلا كاملا من الماركسيين- اللينينيين عبر العالم على المبادئ و أساليب العمل الثورية. و التنكّر لهذا اليوم هو تحليق بعيدا عن الوقائع.
و يريدنا الآن الألبانيون أن نعتقد بأنّ ماو كان على الدوام مواليا للأمريكان،أو بأنّه غيّر بإستمرار مواقفه. لقد قالوا لبعثتنا إنّه خلال الحرب العالمية الثانية ، وجد فى أمريكا لوبي تشان كاي تشاك و لوبي ماو . و صحيح أنّه وجدت خلافات فى الرأي ضمن الطبقة الحاكمة الأمريكية حول من يجب مساندته فى القتال المشترك ضد الفاشية اليابانية: تشان كاي تشاك ؟ أو ماو؟ وجد أمريكيون شرفاء أرادوا تقديم الدعم للشيوعيين الصينيين لأنهم كانوا القوى الوحيدة التى كانت تقاتل حقّا اليابان،و ليس الكيومنتانغ فى ظلّ تشانكاي تشاك. و هذا لا يعنى أنّ ماو موالى للأمريكان.
كان موقفه إزاء الإمبريالية الأمريكية جلي و صريح. أثناء الحرب العالمية الثانية ، حين غدت الفاشية اليابانية العدوّ الرئيسي للصين ، إستغلّ الحزب الشيوعي الصيني التناقضات بين الفاشية اليابانية و الإمبريالية الأمريكية و دافع عن تحالف مع الأخيرة. لكن بمجرّد نهاية الحرب ضد الفاشية و تعويض الولايات المتحدة للفاشية اليابانية كعدوّ أساسي للصين بمساندتها لتشان كاي تشاك فى حربه الأهلية ضد الشيوعيين، وصف الإمبريالية الأمريكية بالعدوّ الرئيسي الذى يجب إلحاق الهزيمة به قبل أن تتحرّر الصين ز و قد ألحقوا به الهزيمة !
وفى السنوات التالية ، لا أحد بمستطاعه أن يشكّ فى صدق مواقف ماو المناهضة للإمبريالية عندما أرسل المتطوّعين الصينيين إلى كوريا للتصدّى للغزو الأمريكي لتلك البلاد و عندما قدّم مساعدة لا توصف لشعوب الهند الصينية المناضلة ضد الإمبريالية الأمريكية و بالفعل ، لكافة الشعوب المناضلة من أجل إستقلالها. وبيانه الشهير لسنة 1970 المنادى بوحدة كافة القوى المناهضة للإمبريالية الأمريكية و كلابها العملاء، لا زال صداه يتردّد فى آذاننا.
لكن ، فى تلك الفترة ، دخل عنصر جديد الوضع العالمي . بإحتلالها العنيف لتشيكوزلوفاكيا فى 1968، أشّرت التحريفية السوفياتية إلى تطوّرها إلى قوّة إمبريالية إشتراكية. نشأت إمبريالية جديدة و سجّل ماو التغيير فى موازين القوى. و مذّاك فصاعدا صار يعتبر الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية إلى جانب الإمبريالية الأمريكية توأما من أعداء الإنسانية. و هذا هو الموقف الذى تشبث به إلى النهاية ، إلى ترأسه آخر مؤتمر للحزب الشيوعي الصيني فى حياته ، المؤتمر العاشر ، فى 24-28 أوت 1973.
و قد تضمّن التقرير الذى تبنّاه المؤتمر هذه الصيغة الممتازة : "على الجبهة العالمية ، يجب على حزبنا أن يرفع راية الأممية البروليتارية ، و يدافع عن السياسات الصريحة لحزبنا و أن يعزّز وحدتنا مع البروليتاريا و الشعوب. و على الأمم المضطهَدة فى العالم بأسره إلى جانب كافة البلدان ضحية عدوان الإمبريالية و إنقلاباتها و تدخلها و هيمنتها أو تهديدها أن تشكّل أوسع جبهة متحدة ضد الإمبريالية و الإستعمار و الإستعمار الجديد، و خاصّة ، ضد هيمنة القوتين الأعظم ،الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي. ينبغى أن نتحد مع كافة الأحزاب و التنظيمات الماركسية- اللينينية الحقيقية عبر العالم، وأن نخوض النضال إلى النهاية ضد التحريفية المعاصرة."
و من المفيد أن نلمح إلى أنّه لا توجد و لا إشارة إلى نظرية العوالم الثلاثة فى هذا التقرير. و إنّه لمحض تشويه من قبل الألبانيين أن يقولوا الآن إنّ ماو فى مرحلة ما إعتبر الإمبريالية الإشتراكية عدوّا أساسيا و من ثمة ، نادى إلى تفاهم أو تحالف مع الإمبريالية الأمريكية. هذه من الفظائع التى جاد بها ذهن دنك و لا علاقة لها بماو.
و هكذا ندحض بحماس الأطروحة القائلة بأنّ نظرية العوالم الثلاثة المناهضة للماركسية- اللينينية كانت من إنتاج فكر ماو تسى تونغ. ما من دليل مهما كان يثبت مثل هذه الإمكانية. الرفيق ماو قائد عبّر عن وجهة نظره بصدد تقريبا جميع المواضيع الممكن تصوّرها و التى صادفته. و واقع أنّ دعاة نظرية العوالم الثلاثة ليس بوسعهم أن يعثروا على إستشهاد واحد لدى ماو يدعّم هذه النظرية العبثيّة يكفى كحجّة على أنّه لم يدع أبدا لوحدة العالم الثاني مع العالم الثالث ضد العالم الأوّل ، و أنكى حتّى ، يدعو لوحدة العالم الثاني و الثالث إلى جانب جزء من العالم الأوّل ضد الجزء الآخر.
إنّ الأسلوب المفضّل الذى يعمد إليه أنور خوجا ، على مدى كامل كتابه ، هو أن ينسب لماو وجهات نظر ليست له ثمّ يشرع فى تحطيمها . هذه أكثر طرق الجدال خسّة.
لسوء الحظّ أنّه علينا أن نخصّص الكثير من الوقت و المساحات لدحض أنور خوجا . إلاّ أنّ هذا ، فلى حدّ ذاته ، تدريب على الماركسية - اللينينية شأنه فى ذلك شأن الجدال بين الماركسية - اللينينية و التحريفية المعاصرة الذى أضحى مدرسة لكلّ الماركسيين- اللينينيين، لذا يمثّل اليوم الدفاع عن فكر ماو تسى تونغ تدريبا على الماركسية - اللينينية.
يجب على الحركة الشيوعية العالمية أن تتحد و ستتّحد من جديد و تتجه صوب الإنتصار. بيد أنّه ينبغى أن تكون الوحدة وحدة مبدئيّة – وحدة بين الثوريين المعتمدين على الماركسية - اللينينية - فكر ماو تسى تونغ [ الماوية ]. ==================



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحيةّ حمراء لتشانغ تشن- تشياو أحد أبرز قادة الثورة الثقافية ...
- شارو مازومدار أحد رموز الماوية و قائد إنطلاقة حرب الشعب فى ا ...
- الإستعمار من جديد بإسم التطبيع وراء إعادة إرساء العلاقات الد ...
- مقدّمة كتاب - قيادات شيوعية ، رموز ماوية - ( العدد 17 من - ا ...
- عشر سنوات من قيادة الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) لحرب الشع ...
- الشيوعيّة أم القومية ؟
- المسؤولية و القيادة الثوريتين - الفصل السادس من كتاب من كتاب ...
- الأخلاق و الثورة و الهدف الشيوعي -الفصل الخامس من كتاب من كت ...
- فهم العالم من وجهة نظر علم الشيوعية
- القيام بالثورة البروليتارية - الفصل الثالث من كتاب - الأساسي ...
- الشيوعية عالم جديد تماما و أفضل بكثير - الفصل الثاني من كتاب ...
- نظام إستغلال و إضطهاد عالمي - الفصل الأوّل من كتاب - الأساسي ...
- من الولايات المتحدة الأمريكية : تحليل لأوهام الديمقراطية
- مدخل لفهم حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان... - فصل مضاف إلى كتا ...
- إسرائيل ، غزّة ، العراق و الإمبريالية : المشكل الحقيقي والمص ...
- مقدّمة كتاب - الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته - / ال ...
- الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ ...
- الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ ...
- إعادة صياغة برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللين ...
- حول - القوّة المحرّكة للفوضى - و ديناميكية التغيير ...النضال ...


المزيد.....




- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عملية بمجمع الشفاء الطبي في غزة ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى تخليد ...
- النهج الديمقراطي العمالي بوجدة يعبر عن رفضه المطلق للأحكام ا ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية - الفصل الخامس : من كتاب - قيادات شيوعية ، رموز ماوية -