أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - لانبعَاثَاتُ الأولى لقَصِيدَةِ النَّثر في مَشْهَدِ الشِّعر العَربيِّ















المزيد.....



لانبعَاثَاتُ الأولى لقَصِيدَةِ النَّثر في مَشْهَدِ الشِّعر العَربيِّ


شريف رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4711 - 2015 / 2 / 5 - 10:46
المحور: الادب والفن
    


شريف رزق
الانبعَاثَاتُ الأولى لقَصِيدَةِ النَّثر
في مَشْهَدِ الشِّعر العَربيِّ

" لَقَدْ كَافَحَ القاريءُ هَذِهِ الأشْكَالَ الشِّعريَّةَ الجديدَةَ
الَّتي تُفْقِدُهُ صَوَابَهُ
وَلَكِنَّهَا تَغَلَّبَتْ أخِيرًا
فَاسْتَمَعَ لهَا ، وَانْقَادَ إلى مَا فِيْهَا
مِنْ صَدَى تمثيلِهِ النَّفسِيِّ المسْتُور."
جورج حنين
( التَّطوُّر ) – مارس 1940

تمهيد
بَيْنَ حَلْقَةِ الشِّعرِ المنثورِ وَحَلْقَةِ قَصِيدَةِ النَّثرِ ؛ الَّتي تَبَدَّتْ انْبِثَاقَاتُهَا في أوَاخِرِ الخمسينيَّاتِ وَاتَّضحَتْ مَعَالِمُهَا في بِدَايَاتِ السِّتينيَّاتِ ، تُوجَدُ حَلْقَةٌ ، مُهِمِّةٌ ؛ سَاهَمَ فيْهَا قَلائِلُ مُتَنَاثِرُونَ في الخريطَةِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ بِإنجازَاتٍ فرديَّةٍ لافِتَةٍ ، شَكَّلَتْ الانْتِقَالَ مِنْ تَدَفُّقَاتِ الشِّعرِ إلى إحْكَامِ تَشَكُّلِ القَصِيدَةِ وَتَكْثِيْفِهَا أكْثَرَ ، بِتَجَارِبَ حَدَاثيَّةٍ ظَهَرَتْ - في مُعْظَمِهَا - آليَّاتُ الشِّعرِ السِّرياليِّ ، وَجَسَّدَتْ - هَذِهِ الحلْقَةُ - انْبِثَاقَاتٍ مُبَكِّرةً وَخَاطِفَةً ، لِقَصِيدَةِ النَّثرِ العَربيَّةِ ؛ الَّتي سَتَنْطَلِقُ ، بقوَّةٍ ، وَبِشَكْلٍ جماعيٍّ ، فيْمَا بَعْدُ ، وَيأتي في طَلِيعَةِ هَذِهِ الأعْمَالِ دِيوانُ:(البُسْتَان المهْجُور) لأحمد رَاسِم(1)(1895- 1958) - الصَّادِرُ في عَامِ 1922، في فَتْرَةِ مَدِّ الشِّعرِ المنثورِ ، وَهُوَ- للأسَفِ - مَفْقُودٌ ، وَقَدْ أثَارَ هَذَا الدِّيوانُ سِجَالاً طويلاً ، في القَاهِرَةِ ، عَشِيَّةَ إصْدَارِهِ (2)؛ حَيْثُ هَاجَمَهُ كثيرونَ ، في طَلِيْعَتِهِمْ أحمد شوقي (1968- 1932) ، ثمَّ أنجزَ توفيق الحكيم ، فيْمَا بَيْنَ عَامَيْ 1926- 1928 ؛ أثْنَاءَ دِرَاسَتِهِ القَانونَ في باريسَ ، وَعَلى مَقْرُبَةٍ مِنْ الحدَثِ السِّرياليِّ ، مجموعَةً مِنْ النُّصوصِ الشِّعريَّةِ النَّثريَّةِ ذَاتَ المخيَالِ السِّرياليِّ الحرِّ؛ وَقَدْ آثَرَ أنْ يَرَاهَا مِنْ مَنْظُورِاللامعقولِ، وَبَعْضُ هَذِهِ النُّصوصِ بِالعَربيَّةِ وَبَعْضُهَا بِالفَرَنسِيَّةِ، وَقَدْ صدَّرَهَابقولِهِ:
" هَذِهِ الطَّبعَةُ خَاصَّةٌ وَمحدَّدةٌ تمامًا وَكُلِّيَّةً للأصْدِقَاءِ "، وَظَلَّ يُشِيرُ إليْهَا ، حَتَّى نَشَرَ مَاتَبَقَّى مِنْهَا في عَامِ 1964، ثمَّ جَاءَتْ تجربَةُ شُعَرَاءِ السِّرياليَّةِ المصريِّينَ ؛ الَّذينَ تَرَكَّزوا في جماعَةِ (الفَنِّ وَالحريَّةِ)؛ مُنْذُ أوَاخِرِ ثلاثينيَّاتِ القَرْنِ الماضِي ، وَتَوَاصَلُوا بِقُوَّةٍ مَعَ بؤرَةِ الحركَةِ السِّرياليَّةِ في فَرَنسَا ، وَكَانَ مِنْ هَؤلاءِ الشُّعَراءِ جورج حنين ؛ الَّذي كَانَ يكتبُ نَصَّهُ الشِّعريَّ بِالفَرَنسِيَّةِ وَالعَرَبيَّةِ مَعًا ، وَقَدْ أصْدَرَتْ هَذِهِ الجمَاعَةُ مجلَّةَ:التَّطوُّرِ - لِسَانَ حَالِ الجمَاعَةِ - بِالإضَافَةِ إلى بَعْضِ الإصْدَارَاتِ الأخْرَى ، بِالفَرنسِيَّةِ وَالعَربيَّةِ ، وَمَضَتْ في إقامَةِ مَعَارِضِ الفَنِّ الحُّرِّ وَعَقْدِ النَّدوَاتِ وَإصْدَارِ الكُرَّاسَاتِ الخاصَّةِ ، وَقَدْ شَكَّلَ هَذَا التَّجمُّعُ ذِرْوَةَ الانْفِجَارِ الحدَاثيِّ الطَّليعيِّ في الثَّقافَةِ العَربيَّةِ في مِصْرَ ، وَكَانَ أبْرَزُ مَا يُمِّيزُ إبْدَاعَاتِ هَذِهِ الجمَاعَةِ: رُوحُ المغَامَرَةِ الوثَّابَةِ ، وَالقَفْزُ على أرَاضٍ بِكْرٍ ، وَالتَّشكُّلُ خَارج الأطُرِ وَالحدودِ ، وَتَفْجيرُ أنْظِمَةِ الأشْكَالِ الفنيَّةِ القائمَةِ وَالخروجُ على رُؤاهَا ، وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ رمسيس يونان (1913-1966) بقولِهِ :
" هَكَذَا لمْ يبقَ في وُسْعِ الفَنَّانِ ذِي الوَعْي في هَذَا العَصْرِ أنْ يَصْطَنِعَ لِنَفْسِهِ بيتًا بَيْنَ أحْضَانِ طبيعَةٍ فَقَدَتْ في نَظَرِهِ شَفَافيتِهَا ، وَلا أنْ يَقْنَعَ في الحيَاةِ بإطَارٍ زَائِفٍ مِنْ الأشْكَالِ المنسَّقَةِ أوْ المجازَاتِ المسْتَعَارَةِ ، وَلِذَلكَ نَرَاهُ يَعْمَدُ الآنَ إلى تَفْجِيرِ هَذِهِ الأشْكَالِ."(3)
وَمِنْ المؤسِفِ أنَّ النُّصوصَ الشِّعريَّةَ السِّرياليَّةَ الطَّليعيَّةَ ، لِلشُّعرَاءِ منيرحافظ ، وكامِل زُهيري ، وعادل أمين ، وحسن التِّلمساني ، وفؤاد كامِل ، لمْ تجمَعْ في دَوَاوينَ ، وَأغْلَبُهَا مفقودٌ حَاليًا ، لِدَرَجَةِ أنَّ وَاحِدًا مِنْ أبرزِ شُعَرَاءِ هَذَا الجيْلِ ؛ هُوَ كامِل زُهيري ، لمْ يَكُنْ بحوزتِهِ - قبْلَ رَحِيْلِهِ - أيّ قَصِيدَةٍ مِنْ قَصَائدِ هَذِهِ المرْحَلَةِ . وَقَدْ اسْتَطَاعَتْ هَذِهِ الجمَاعَةُ ، بهذَا الوَعْي الحدَاثيِّ الخالِقِ ، صِيَاغَةَ الأسَاسَ لما سَيُصْطَلَحُ عليْهِ ، فيْمَا بَعْدُ ، بِقَصِيدَةِ النَّثرِ، بإجْرَاءَاتها الطَّليعيَّةِ .
وَكَانَ مِنْ أصْدِقَاءِ هَذِهِ الجمَاعَةِ ، المُتفاعِلينَ مَعَهَا - وَلكِنْ بِنزوعٍ مُخْتَلِفٍ - : لويس عوض ؛ الَّذي اسْتَثْمَرَ آليَّاتِ الشَّاعر الإنجليزيِّ ت. س. إليوت .
وفي الإسكندريَّةِ ظَهَرَتْ تجربَةُ محمد منير رمزي ، مُغَايرَةً وَخَاطِفَةً ؛ قَبْلَ أنْ يَنْتَحِرَ، وَهُوَ في العِشْرينَ مِنْ عُمْرِهِ ، على إثْرِ تجربَةِ حُبٍّ فاشِلَةٍ ، تَاركًا قَصَائدَهُ مُوزَّعةً بَيْنَ صَدِيقيْهِ : إدوار الخرَّاط ومحمد مصطفى بدوي .
أمَّا بدر الدِّيب فَقَدْ كَتَبَ كِتَابَهُ:(كِتَاب حَرْفْ الـْ"ح ") ، في المناخِ التَّحرُّريِّ نفسِهِ وَلكِنْ ضِمْنَ تجمُّعِ مجلَّةِ:(البَشِير).
أما أنور كامِل(4)؛ الَّذي أدَارَ مجلَّةَ (التَّطوُّرِ)، فَقَدْ نَشَرَكِتَابَهُ:(الكِتَاب المنبوذ) سَنَةَ 1936، في إطَارِ مَا سَيُعرَفُ ، فيْمَا بَعْدُ ، بِـ" النَّصِّ المفتوحِ "؛ مُسْتَغِلاًّ طَاقَاتِ التَّداعِي الحرِّ وإمْكَانيَّاتِ الحوارِ في تحريرِ الحُلْمِ وَالرَّغبةِ مِنْ أغْلالِ التَّقنيَةِ .
وَفي مَشْهَدِ الشِّعرِ السُّوريِّ ، بَرَزَتْ تجربتَانِ مُتتاليتانِ ، إحْدَاهمَا تنتمِي - بِوُضُوحٍ- إلى هَذَا التَّوجُّه السِّرياليِّ ، وَالأخْرَى تَسْتَنْهِضُ آليَّاتِ شِعريَّةِ حافظ الشِّيرازيِّ الصُّوفيَّةِ ؛ حَيْثُ جَاءَتْ تجربَةُ علي النَّاصر، وَأورَخَان مَيسرّ في دِيوانهمَا المشترَكِ :(سِريَال) - الَّذي صَدَرَعام 1947- مَازجَةً عَنَاصِرَ الوَاقِعِ بِالحُلْمِ ، وَالتَّجريدَ بِالتَّجَسُّدِ، وَالشُّعورَ بِاللاشُعورِ ، وَالمجازَ البَلاغيَّ الجُزئيَّ بالمجازِ السِّرياليِّ الكُلِّيِّ ، في وَعْيٍ وَاضِح ٍبطبيعَةِ الإيقَاعِ في قَصِيدَةِ النَّثرِ ، ثمَّ جَاءَتْ تجربَةُ خير الدِّين الأسديِّ ، في دِيوانِهِ:(أغَاني القُبَّةِ) - الَّذي أصْدَرَهُ عَامَ1951 - كَاشِفةً عَنْ فَضَاءٍ آخَرٍ لِشِعريَّةِ قَصِيدَةِ النَّثرِ العَربيَّةِ ؛ حِيْنَمَا اسْتَلْهَمَتْ آليَّاتِ شِعريَّةِ حافظ الشِّيرازيِّ الصُّوفيَّةِ ؛ الَّتي كَانَ لهَا أعْظَم الأثَرِ حِيْنَمَا تُرْجمتْ إلى مختلَفِ اللغَاتِ .
وَكَانَتْ القِيمَةُ الكُبْرَى الَّتي بَرَزَتْ في أعْمَالِ هَؤلاءِ جميعًا هِيَ تثويرُ لغَةِ الشِّعرِ ، وَإعَادَة خَلْقِهَا ،وَتحرير العَوَالمِ المكبوتَةِ في الوَعْي وَمَا وَرَاءَ الوَعْي ، وَلمْ يَعُدْ هَدَفُ الشَّاعرِ هُنَا بَثّ حَالةٍ وِجْدَانيَّةٍ بقدرِ مَا هُوَ إنتاجُ أثَرٍ سِحْريٍّ مَرْجِعُهُ الكَلِمَات نَفْسهَا وَنِظَام تَرْتِيبِهَا (5)، لمْ يَعُدْ الشَّاعرُ ، هُنَا ، يَنْطَلِقُ مِنْ فِكْرَةٍ جَاهِزَةٍ ، أوْ مِنْ مَوْقِفٍ سَابقٍ ؛ بَلْ مِنْ تَدَفُّقِ مَوْجَاتِ الإيقَاعِ وَتجمُّعِ الكَلِمَاتِ وِفْقاً لهذَا التَّدُّفقِ ، ثُمَّ يكونُ اكِتِشَافُ المعنى أوْالفِكْرَة تاليًا لإبدَاعِ النَّصِّ ؛ حَيْثُ يُصْبِحُ الأسَاسُ هُنَا هُوَ الخَلْقُ الفَنيُّ وَمَا يبثُّهُ مِنْ لذََّةٍ خَاصَّةٍ ؛ إذْ أنَّ " مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاعرُ عَنْ ذَلكَ الرَّجلِ الَّذي يَضْبِطُ النَّثرَ وِفْقًا لِوَزْنٍ وَقَافيةٍ هُوَ أنَّهُ بدلاً مِنْ أنْ يَذْهَبَ مِنْ الفِكْرَةِ إلى التَّعبيرِ ، يَذْهَبُ - على عَكْسِ ذَلكَ - مِنْ التَّعبيرِ إلى الفِكْرَةِ ، وَبَدَلاً مِنْ أنْ يَبْحَثَ عَن البَرَاهِينِ وَالمقَارَنَاتِ وَالصُّورِ بِقَصْدِ تَوْضِيحِ أفْكَارِهِ وَبِتَحْويلِهَا مِنْ المجرَّدِ الَّذي وَلَّدَتْ فيْهِ الملموسَ نجدَهُ لا يفتأُ يَسْتَخْرِجُ نَغَمَاتٍ ذَاتيَّةً كَمَا لَوْ كَانَ يُخْرجُهَا مِنْ صُفَّارةٍ مُوسيقيَّةٍ ، وَهُوَ يَرْسُمُ ، مُقدِّمًا بأبياتِهِ الشَّاعريَّةِ ، وَرَنينِهَا ، كَلِمَاتٍ لمْ يَكُنْ يَعْرفُهَا بَعْدُ ، كَلِمَاتٍ يَنْتَظِرُهَا "(6)، وَهُنَا لا تَكْشِفُ (اللغَةُ) عمَّا وَرَاءَهَا فَقَط ؛ بَلْ تَكْشِفُ عَنْ ذَاتها قَبْلَ ذَلكَ ، وَ" تُصْبِحُ تجربَةُ الشَّاعرِ هيَ أنَّه بَدَلاً مِنْ أنْ يُعَرِّفَ الأشْيَاءَ أوَّلاً بأسمائِهَا يَلُوحُ أنَّهُ يحدُثُ اتِّصالٌ سَاكنٌ بينَهُ وَبَيْنِهَا ،ثمَّ يحدُثُ أنْ يَسْتَديرَ نحوَ هَذَا النَّوعِ الآخَرِ مِنْ الأشْيَاءِ ، الَّتي هِيَ الكَلِمَات بِالنِّسبَةِ لَهُ ، يَلْمَسُهَا وَيَتَحَسَّسُهَا لِكَي يَكْتَشِفَ فيْهَا ضَوْئيَّةً صَغِيرَةً خَاصَّةً بهَا ."(7)


انْبِعَاثَةُ الشِّعريَّةِ السِّريَاليَّةِ
في مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ المِصْريَّةِ الجَديدَةِ
تَجْرِبَةُ توفيق الحكيم (1898– 1987(

في الفَتْرَةِ مَا بَيْنَ (1926- 1928) أنجزَ توفيق الحكِيم(8)، مجمُوعَةً مِنْ القَصَائدِ النَّثريَّةِ ، في باريسَ ، عَلى مَقْرُبَةٍ مِنْ الحدَثِ السِّريَاليِّ ؛ الَّذي كَانَ أندريه بريتون قَدْ أصْدَرَ بَيَانَهُ سَنَةَ1924، وَقَدْ أهْمَلَ الحكِيمُ هَذِهِ النُّصوصَ الشِّعريَّةَ قُرَابَةَ الأربَعيْنَ عَامًا ؛ فَفُقِدَ مِنْهَا مَا فُقِدَ ، وَكَانَ قَدْ أشَارَ إليْهَا مَرَّتينِ : مَرَّةً في ثَنَايَا كِتَابِهِ: زَهْرَةِ العُمْرِ:1943 ، وَمَرَّةً في مُقَدِّمَةِ مَسْرَحِيَّتِهِ: يَا طَالعَ الشَّجرَةِ:1962، قَبْلَ أنْ يُصْدِرَهَا في كِتَابٍ شِعريٍّ ، أوْضَحَ في مُقدِّمتِهِ لهذِهِ القَصَائِدِ ، أنَّهُ كَانَ وَاقِعًا تحتَ تأثيرِ الفَنِّ الجديدِ ، في السَّنوَاتِ العِشْرينَ (مِنْ القَرْنِ العِشْرين) ، فَأغْرَاهُ هَذَا الحالُ بِكِتَابَةِ قَصائِد نَثْريَّةٍ مِنْ هَذَا النَّوعِ(9)، كَمَا أوْضَحَ - في كِتَابِهِ: زَهْرَة العُمْر - أنَّ خَوْفَهُ مِنْ الوُقوعِ في التَّقلِيدِ حَدَا بِهِ إلى الإغْرَابِ ، في هَذِهِ القَصَائِدِ ؛ فَإذَا بِهِ يَقَعُ - دُونَ أنْ يَشْعُرَ - في محَاكَاةِ " الدَّادايزم " وَ"السُّوريَالزم" وَ"الكُويرم " ، وَإذَا مَا كَانَ يَظُنُّهُ اسْتِيْحَاءً مُبْتَكَرًا في وَضْعِ الشِّعرِ عَلى طَريقَةِ "بيكاسو" وَ" مَاتيس " في التَّصويرِ الحدِيثِ ، لَيْسَ إلاَّ صَدىً باهِتًا لِطَريقَةِ "جان كوكتو" ، وَنَزَعَاتِ " مارسيل شووب " وَاتِّجَاهَاتِ "ماكس جاكوب".(10)
 
وَاعْتَمَدَ الحكِيمُ في هَذِهِ التَّجربَةِ عَلى آليَّةِ الكِتَابَةِ الآليَّةِ ، وَطَاقَةِ الحُلْمِ ، وَالأدَاءِ الهذَيَانيِّ ، كَمَا شَدَّدَ خِطَابُهُ عَلى تَكْثِيفِ الصُّورِ السِّريَاليَّةِ ، وَعَلى بَسَاطَةِ التِّعبيرِ ، وَامْتِدَادِ الصُّورَةِ ، وَالاحْتِفَاءِ بِالقَافِيَةِ : 

" تَنَفَّسَ صُبْحٌ مِنْ أنُوفِ خيول
تَرْكُضُ لاهِثَةً في وِهَادِ نَفْسِي
أسْمَعُ في أعْمَاقي الصَّهِيل
امْنَعُوهَا مِنْ اللحَاقِ بِأمْسِي
إنَّهَا في غيومٍ تَمْرُق
تَتَسَاقَطُ مِنْ سَنَابِكِهَا شُهُبٌ تَبْرُق
وَتَغْرَقُ في عيونٍ سُود
غَريبَةِ النَّظَرَاتِ لِنِسَاءٍ عَاريَات ٍ
يَسْعَلْنَ وَيَضْحَكْنَ في سُوقِ النُّهود .(11)
وتلعبُ المخيِّلةُ الشِّعريَّةُ ، في هَذِهِ التَّجربَةِ، دورًا رئيسًا في إنجازِ خِطابٍ شِعريٍّ بَصَريٍّ ، اسْتبطانيٍّ وانْسيابيٍّ ؛ تَتَّخذُ فيْهِ الأشْيَاءُ عِلاقاتٍ جَديدَةً وَأدْوَارًا أخْرَى:
" إذَا كنتِ عصفورًا
فإنِّي دودةٌ
منقارُكِ يشدو بغناءٍ
أصُوغُهُ مِنْ أحْشَائِكِ
تبحثيْنَ في الطِّينِ عَنِّي
لكنِّي أغنِّي
أغنِّي وَأنَا في فَمِكِ
وَأنْتِ لا تَسْمَعِينَ
لا تَسْمَعِينَ غيْرَ غِنَائِك"(12)

سَتَنْتَسِبُ هَذِهِ القَصَائِدُ بِوضُوحٍ إلى أُفقِ الشِّعريَّةِ السِّريَاليَّةِ ؛ الَّتي تُشِّددُ عَلى قيْمَةِ الخَلْقِ التِّلقائيِّ الأوتوماتِيكيِّ الَّذي يَتَخَطَّى مَرَائِي الوَاقِعِ المنظُورِ إلى مَرَائِي الوَاقِعِ المحْجُوبِ ؛ سَعْيًا لِلْقَبْضِ عَلى الحقَيقَةِ البَاطِنيَّةِ المحْجُوبَةِ . وَطَعْنًا في اللحْظَةِ المنْظُورَةِ الشَّائِهَةِ ، وَسَتَعْكِسُ هَذِهِ النُّصوصُ الشِّعريَّةُ امْتِزَاجَ عِدَّةِ عَنَاصِرٍ مَعًا ؛ هِيَ: سَطْوَةُ العُزْلَةِ ؛ ذَاتَ التَّاريخِ الرُّومَانِسيِّ المثاليِّ - رُؤى الخَرَابِ - آليَّاتُ السِّريَاليَّةِ - ذَاتيَّةُ الحكِيمِ الأسْيَانَةِ:

"هَبَطْتُ بِعَيْنيََّ في أعْمَاقِ فنْجَانِي
فَرَأيْتُ الكَوْنَ يُخْلَقُ مِنْ جَديد
هَذَا النَّقيعُ في القَاعِ لَهُ غُبَارٌ
يَهِيْمُ طلِيقًا في فَضَاءٍ مَدِيْد
أدَرْتُ فيْهِ المِلْعَقَةَ
وَإذَا بِدَوَّامَةٍ تَدُورُ ، ثُمَّ تَدُور
وَتَجَمَّعَ الغُبَارُ
في كُتْلَةٍ دَائِرَةٍ مُعَلَّقةٍ
وَبَدَا في الأُفقِ نَجْمٌ وَلِيْد ."(13)

وَتَكْتَسِبُ هَذِهِ النُّصوصُ أهميَّةً تَاريخيَّةً ، رَغْمَ مَا يَبْدُو في بَعْضِهَا مِنْ مُشْكِلاتٍ ، يَأتي في مُقَدِّمَتِهَا صِرَاعُ الوَعْي وَاللاوَعْي في الخِطَابِ الشِّعريِّ ، الجنُوحُ إلى التَّشطِيرِ وَالتَّقفيَةِ أحْيَانًا ، بِالإضَافَةِ إلى أنَّ الحكِيمَ يَنْطَلِقُ فيْهَا مِنْ رُؤيَا كَامِلَةٍ وَسَابِقَةٍ عَلى الفِعْلِ الشِّعريِّ ؛ لِيُصْبِحَ الفِعْلُ الشِّعريُّ مجرَّدَ وَصْفٍ لِلتَّجربَةِ لا كَشْفٍ لهَا ؛ حَيْثُ لمْ يَنْطَلِقْ مِنْ الإيقَاعِ وَمِنْ التَّشكِيلِ اللغويِّ إلاَّ نَادِرًا؛ وَبِالتَّالي وَقَعَتْ بَعْضُ الجمَلِ الشِّعريَّةِ في النَّثريَّةِ ، وَفَقَدَتْ حَرَارَتهَا وَتَوتُّرَهَا الشِّعريَّ ؛ حَيْثُ مَضَى الحكِيمُ مِنْ وِجْهَةٍ عَكْسِيَّةٍ ؛ فَبَدَلاً مِنْ أنْ يَذْهَبَ مِنْ التَّعبيرِ إلى الفِكْرَةِ ؛ ذَهَبِ مِنَ الفِكْرَةِ إلى التَّعبيرِ(14)، وَهُوَ مَا نَتَجَ عَنْهُ إشْعَارُنَا بِانْطِفَاءِ التَّجربَةِ ، في النَّصِّ السَّابقِ عَلى سَبيلِ المثَالِ .


الانفجارُ الحداثيُّ للشِّعريَّةِ السِّريَاليَّةِ المِصْريَّة
في مَشْهَدِ : جَمَاعَةِ الفَنِّ وَالحُريَّة

في الوْقَتِ الَّذي كَانَ يُهيمِنُ على الواقعِ الإبداعيِّ المصْريِّ خَدَرٌ رُومانسيٌّ زاخِمٌ - في مُنْتَصَفِ الثَّلاثينيَّاتِ وَطوَالِ الأربعينيَّاتِ - جَاءَتْ حَرَكةُ السِّريَاليَّينَ المصْريِّينَ ، انْفِجَارًا طَليعيًّا ، اخْتَرَقَ مَدَارَاتِ الشِّعريَّةِ العربيَّةِ في مِصْرَ .
وَالوَاقعُ أنَّ مِصْرَ ، في هَذِهِ الحقبَةِ ، كَانَتْ تعيشُ اسْتِجَاشَةً ثقافيَّةً كبيرَةً تَتَوَاشَجُ مَعَ حَركَةِ الثَّقافَةِ العالميَّةِ ؛ فَمِصْرُ - الَّتي كَانَ يعيشُ بهَا بعضُ الكُتَّابِ وَالشُّعرَاءِ الأجَانِبِ وَالمتَمَصِّرينَ ؛ الَّذين يكتبونَ بلغاتٍ أجنبيَّةٍ(15) - " كَانَتْ جُزْءًا مِنْ الحيويَّةِ الثَّقافيَّةِ العالميَّةِ ؛ كَانَ كِبَارُ كُتَّابِ وَفنانيِّ العَالمِ يحرِِصُونَ على زيَارَتهَا ، وَكَانَتْ تربِطُ بَعْضَهُمْ علاقاتٌ مَعَ كبارِ فنَّانينَا ، كَانَتْ مِصْرُ تموجُ بحركَاتٍ ثَقَافيَّةٍ حَيَّةٍ مِنْ اتجاهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ، كَانَتْ جُزْءًا مِنْ الحيويَّةِ الثَّقافيَّةِ العالميَّةِ .. كَانَتْ مجلَّة (انيفور) تَنْشُرُ رِسَالَةً مِنْ بول فاليري (1871- 1945) إلى جماعَةِ (المحاوِلينَ) ، وَكَانَ طه حُسين يَنْشُرُ في (الكاتِبِ المصْرِيِّ) رَسَائلَ مِنْ أندريه جِيد (1869- 1915) ، وَكَانَ جُورج حنين يَنْشُرُ رَسَائلَ مِنْ أندريه بريتون (1896- 1966) إلى السِّرياليِّينَ المصْريِّينَ ."(16)
تَفَاعَلَتْ شِعريَّةُ السِّريَاليَّةِ المصْريَّةِ تفاعُلاً مُبَاشِرًا مَعَ حَرَكةِ السِّريَاليَّةِ العَالميَّةِ ، مُتَحَرِّرةً مِنْ شَتَّى تَقَاليدِ الموروثِ الشِّعريِّ العَرَبيِّ التِّليدِ ، وَنَشَرَتْ إنتاجَهَا الإبْدَاعيَّ بِالعَرَبيَّةِ وَبالفَرَنْسِيَّةِ ، "بِالمعْنَى الأوْسَعِ لِلْحَدَاثَةِ تَنْظِيرًا وَمُمَارَسَةً ، مُنْذُ الثَّلاثينيَّاتِ ، وَهِيَ البِدَايةُ الَّتي اتَّخَذَتْ بَعْدَ ذَلكَ بِعِقْدَينِ جَسَدَهَا الأكْمَلَ في بيروت "(17) ؛ فَشَكَّلتْ بهذَا الحضُورِ الطَّلِيعيِّ القَنَاةَ الأسَاسِيَّةَ الَّتي سَتُؤدِّي إلى مَشْهَدِ الشِّعرِ النَّثريِّ الرَّاهِنِ ، في شَكْلَيْهِ الأسَاسِيَّينِ :" قَصِيدَةِ النَّثرِ ": Prose Poem وَقصِيدَةِ الشِّعرِ الحرِّ: Free Verse ، وَهَكَذَا تَوَاشَجَتْ هَذِهِ الحرَكةُ بمثِيلَتِهَا الفَرنْسِيَّةِ ، الَّتي كَانَ لهَا تأثيرُهَا الفَاعِلُ في التَّاريخِ الشِّعريِّ ، وَتحديدًا في شِعرِ النَّثرِ ، حِيْنَمَا شَرَعَتْ في البِنَاءِ بمعزِلٍ عَنْ تَقَاليْدِ المورُوثِ الشِّعريِّ ، وَتحطيْمِ الأعْرَافِ الشَّكليَّةِ ، وَإعَادَةِ تقييمٍ لِلوَظِيفَةِ الميتافيزيقيَّةِ لِلشِّعرِ (18)، عَبْرَ الكِتَابةِ الآليَّةِ المتَدَفِّقَةِ ، هَذَا المبدَأُ الَّذي يَرَاهُ بريتون (1896- 1966) سَبَبًا " كيْلا يَتَحَدَّثونَ مَعَنَا عَنْ التَّقطيعِ الشِّعريِّ (19)، ليْسَ هَذَا فَقَطْ ، بَلْ إنَّ المفهُومَ السِّريَاليَّ يَنْهَضُ على نَقْضِ مَفْهومِ القَصِيدَةِ القديمِ ؛ الَّذي يُشِيرُ إلى "نِتَاجٍ مُرَكَّزٍ ، إرَادِيٍّ ، خَاضِعٍ لِضَرُورَاتٍ فنيَّةٍ بحتٍ "(20)، وَإعْلاءٍ دَورِ التَّدفُّقِ اللفظيِّ الكثيفِ ، المتحَدِّرِ مِنْ اللا وَعْي ؛ لِلتَشكُّل في مجَالِ قَصِيدَةٍ أخْرَى ، وَلاشَكَّ أنَّ شِعْرًا لَهُ هَذِهِ الطَّاقَةُ المتمرِّدَةُ سَيَجدُ لَهُ مجالاً خِصْبًا لِلتَّحقُّقِ الذَّاتيِّ في رَحَابَةِ النَّثرِ وَحُرِّيَتَهُ ، حِيْنَمَا يُفارِقُ أنْظِمَةَ الشِّعرِ ومحدِّداتِهِ المتَجَدِّدَةِ الصَّارمَةِ. بِلْ لَقَدْ ذَهَبَ شُعَرَاؤنَا السِّريَاليُّونَ أبْعَدَ مِنْ هَذَا حِيْنَمَا انْتَهَجُوا النَّزعَةَ الدَّادائيَّةَ ؛ الَّتي تُعَدُّ أشَدُّ النَّزَعَاتِ الإبدَاعيَّةِ تَطَرُّفًا وَغُلوًّا ، بمَا تَقُومُ بِهِ مِنْ تَقْويضٍ وَتَشْويهٍ لأنْظِمَةِ الكِتَابَةِ ، وَإفْرَاغِهَا مِنْ كُلِّ مَضْمُون مُسْتَقِرٍّ ، وَيَنْتُجُ الشِّعرُ ، هُنَا، عَلى أنْقَاضِ اللغَةِ :
" عِنْدَ مَدْخَلِ قَوْسِ الكَنيسَةِ
حَيْثُ تَجْري مُبَاحَثَةٌ شَرْعيَّةٌ
رَجُلٌ يَسْتَعْملُ صِيغَةَ الحَاضِرِ عِوَضًا عَنْ المَاضِي
يَخْطُو خُطْوَةً رَاقِصَةً نَحْوَ صندُوقٍ بَيْضِيِّ الشَّكلِ
يَتَضَمَّنُ هَدَايَا عِيدِ الفَصْحِ
فَيَنَالُ أغْلَبيَّةَ الأصْوَاتِ
في شِرْكةٍ تجَاريَّةٍ أوْ حِزْبٍ سِياسِيٍّ
قابِلٍ لِلتَّجزئةِ ."(21)

هَكَذَا جَسَّدَتْ هَذِهِ الشِّعريَّةُ قَفْزًَةً خَارِجَ الأُفْقِ ؛ قَفْزةً كَامِلةً ، وَمُبكِّرَةً .كَانَ مَفْهُومِ الحريَّةِ - الَّذي تجسَّدَ في هَيْمَنَةِ وَعْيٍ حَدَاثيٍّ صَارم ؛ٍ يخترِقُ وَعْيَ هَذِهِ المرْحَلَةِ الرُّومَانِسيَّ - كَامِلاً ، لَدَيْهِمِ ؛ سِيَاسِيًّا ، وَاجْتِمَاعيًّا ،وَإبْدَاعيًّا ، وَدِينيًا .(22)
وَكَانَتْ هَذِهِ الشِّعريَّةُ تُعَبِّرُ عَنْ وَعْي نخبَةِ النُّخبَةِ ؛ بحيثُ وَجَدْنَا التَّآزُرَ الحقيقيَّ لهَا صَادِرًا مِنْ تِلْقَاءِ الأدَبَاءِ وَالفنَّانينَ الأجَانبِ ؛ المقِيْمِيْنَ أوْ القَادِمِيْنَ إلى القَاهرَةِ أوْ الإسْكَندريَّةِ ، وَكَانَتْ الحركَةُ ذاتهَا " تَضُمُّ أجَانِبَ ؛ لكِنَّهُمْ أجَانِبُ مُثقَّفينَْ مُتَحَضِّريْنَ "(23) ، يَتَوَاشَجُونَ مَعَ الطَّليعَةِ المصْريَّةِ المبدِعَةِ وَلا يُمثِّلونَ اخْتِرَاقًا مِنْ القُوَى المحتلَّةِ ، وَمِنْهُمْ الشِّاعرُ البُولنديُّ الأصْلِ : سَام كنتروفتش (24) ، كَمَا أن َّ مُعْظَمَ إنتاجِ بَعْضِ أفْرَادِ هَذِهِ الجمَاعَةِ لمْ يَكُنْ بِالعَرَبيَّةِ ؛ فجورج حنين - الَّذي ارْتَبَطَ اسْمُهُ بِالتَّجَمُّعِ السِّريَاليِّ ؛ الَّذي قَادَهُ بريتون - منذ 1936 وَحَتَّى 1948- (25) نَشَرَ جُلَّ أعْمَالَهُ بِالفَرَنْسِيَّةِ ، وَأغْلَبُهَا خَارجَ مِصْرَ .(26)
وَاللافِتَ أنَّ هَذِهِ الحرَكَةَ لمْ تَنَلْ المؤازَرَةَ الحقِيقِيَّةَ مِنْ تَلامِيذِ الأدَبِ الفَرَنْسِيِّ المصْريِّينَ ؛ الَّذينَ تَرَبَّعُوا عَلى قِمَّةِ المشْهَدِ الأدَبيِّ حِيْنَئذٍ ، وَتَسَنَّمُوا ذُرَاهُ ، وَمِنْهُمْ : طَه حُسين (1889- 1973) ، وَتوفيق الحكِيم (1898- 1987) ، وَمحمَّد حُسين هيكل (1888- 1956) ، وَلَقَدْ كَانَ جُورج حنين (1914- 1973) المُحَرِّكُ الحقيقِيُّ لهذِهِ الجماعَةِ ، وَكَانَ هَمْزةَِ الصِّلةِ بينَ زُملائِهِ المصْريِّينَ وَشُعرَاءِ السِّريَاليَّةِ الفَرَنْسِيِّينَ ، كَانَ بَعْضُهُمْ يُلبِّي دَعَوَاتِ جورج وَيحضُرُ إلى مِصْرَ ، وَمِنْ هَؤلاءِ :هنري ميشو (1899- 1984) ، بونفوا(27)، وَفي نهايَةِ عامِ 1935 ،كَتَبَ جورج أوَّلَ خِطَابَاتِهِ لأندريه بريتون ، وَطَرَحَ فيْهِ عدَِّةَ اقْتِرَاحَاتٍ ، وَفي رَدِّهِ – المؤرَّخ بـ 18أبريل 1936- كَتَبَ بريتون لجورج :" يَبْدُو لي أنَّ الشَّيطَانَ لَهُ جنَاحٌ هُنَا وَالآخَرُ في مِصْرَ "(28)، وفي 16يونيو 1939كَتَبَ بريتون إلى جورج في رِسَالةٍ :" أنْتَ وَاحدٌ ممنْ أفْتَقِدُهُمْ في بَاريسَ ، وَلا سِيَّمَا وَأنَّكَ لَسْتَ فيْهَا دَائِمًا ، بِتَأكِيْدٍ أكْثَرَ ، أنْتَ مَنْ أهَتَمُّ بِآرَائِهِ وَنَشَاطِهِ في هَذِهِ الفترَةِ " (29 )، وَيَذْكُرُ بريتون لجورج ، في رِسَالَةٍ بتاريخ 16يونيو1939:" أُحِبُّ كَثِيرًا قَصِيدَتَكَ النَّقيَّةَ مِنْ كُلِّ شَائبةٍ ، وَالَّتي تُدَوِّي بِوُضُوحٍ ، في هَذَا الضَّبَابِ المخِيْفِ "،(30) وَهَكَذَا أثْبَتَتْ السَّريَاليَّةُ المصْريَّةُ حُضُورَهَا الخَاصَّ ، وَدَلَّتْ على أنَّهَا لمْ تَكُنْ مَسْخًا أوْ ظِلاًّ لِلسِّريَاليَّةِ الفَرَنْسِيَّةِ ، وَقَدْ شَدَّدَ على هَذَا المعْنَى : كامل التِّلمِسَاني (1917- 1972) حِينَ قَالَ :" إنَّ السِّريَاليَّةَ لَيْسَتْ حَرَكةً فَرَنْسِيَّةً محْضَةَ .. لَيْسَ لِلفنِّ بَلَدٌ "،(31) وَأصَّلَ لرأيهِ بِأمْثِلَهٍ مِنْ قبيْلِ : عَرُوسَةِ المولدِ الحلاوَةِ ذَاتِ الأيْدِي الأرْبَعِ ، عَرَائسِ القَرَاقُوز الصَّغيرَةِ ، وَحِكَايَاتِ أمِّ الشُّعورِ ، وَالشَّاطرِ حِسن ، وَغَيْرِهَا مِنْ آثَارِ الأدَبِ الشَّعبيِّ المحَليِّ الصَّميْمِ .(32)
وَعَلى قَلَّةِ مَا وَصَلَنَا مِنْ شِعرِ السِّريَاليِّينَ المصْريِّينَ ، فَإنَّهُ يُعِّبرُ عَنْ إيقاعيَّةٍ جَديدَةٍ عَلى الشِّعرِ العَرَبيِّ ، وَعَنْ تجسُّدٍ جَدِيدٍ لِلْخِطَابِ الشِّعريِّ ، وَعَنْ وِجْدَانٍ حَدَاثيٍّ مُرَكَّبٍ يَنْزَعُ إلى صَفَاءِ اللحظَةِ الشِّعريَّةِ وَتحريرِ تيَّارَاتِ الذَّاتِ مِنْ كُلِّ قيْدٍ هَيْمَنَ عَليْهَا ، كَمَا يُعبِّرُ عَنْ سَعْيٍ خَلاَّقٍ ، لِلإمْسَاكِ بحرَارَةِ التَّجربَةِ التَّحتيَّةِ وَطَزاجَتِهَا ، وَإلى التَّوحُّدِ مَعَ حَرَكَةِ البَاطِنِ ، وَبَرَزَ ذَلكَ عَبْرَ مجموعَةِ أدَائيَّاتٍ وَآليَّاتٍ ؛ مِنْهَا :آليَّةُ الكِتَابَةِ الآليَّةِ ؛ الَّتي تَسْتَجِيْبُ لِتَدَفُّقِ حَرَكَةِ الشُّعورِ عَبْرَ التَّصويرِ ، الَّذي يَتَشَابَكُ فيْهِ الحُلْمُ بِالوَاقِعِ ، وَاليَوْميُّ البَسِيْطُ بِالشِّعوريِّ ، وَكَسْرِ العِلاقَاتِ الموَضْوعَةِ ، وَتَدَاخُلِ المشَاهِدِ وَالرُّؤى ، وَامْتِزَاجِ المبْتَذَلِ بِالسَّاميِّ وَالرَّثِ بِالنَّبيْلِ ، وَكَسْرِ مَنْطقِ التَّضَادِ ، وَإعادَةِ البَكَارَةِ إلى الرُّؤى وَالتَّعبيرِ الشِّعريِّ ؛ سَعْيًا إلى القَبْضِ على منَاخِ حَالَةٍ شِعْريَّةِ مُتَوَهِّجَةٍ ، بخطَابٍ شِعريٍّ طَازجٍ ، وَطَافِحٍ بِرَوَائحِ التَّمرُّدِ ، وَالغَرَائبيَّةِ ، وَالسُّخريَةِ ، وَالعُنْفِ ؛ الَّذي يَنْقَضُّ عَلى الزَّيفِ وَعلى أبَاطِيْلِ التَّناقُضِ الظَّاهِريٍّ.
نَقْرَأُ لحسَن التِّلمِسَاني :
" كَمَا أعْشَقُ الفََسَادَ
أحْتَرمُ رجَالَ الدِّينِ
ألتهمُ بُرْتقالَ الجيرَانِ
أتنزَّهُ في الحَدَائقِ الرَّسميَّةِ مَعَ المُوَظَّفينَ
تَحْمَرُّ وَجْنَتَايَ كَمَا امْرَأة
وَلِكَي لا أحْرقَ المَكانَ
أُشْعِلُ سِيجَارَةً وَأبْصُقُ ."(33)
هَكَذَا طَرَحَتْ هذِهِ الشِّعريَّةُ قَانونَ الإيقَاعِ الخليليِّ المورُوثِ ، وَتخلَّتْ عَنْ آليَّاتِ البَلاغَةِ القَديمَةِ وَإجْرَاءَاتهَا المنْتِجَةِ لِلدَّلالةِ ، وَاعْتَمَدَتْ على انْفِتَاحِ الذَّاتِ على عَوَالمِ اللغَةِ وَعِلاقَاتهَا ، وَعِلاقَةِ الأشْيَاءِ بِالأشْيَاءِ ؛ لِتَخْلِيْقِ حَالةٍ شِعْريَّةٍ هَادِئةٍ وَهَادِرَةٍ مَعًا .
لَقَدْ أسَّسَتْ هَذِهِ النُّصوصُ لِشَرعيَّةِ الحدَاثَةِ الشِّعريَّةِ ؛ الَّتي اقْتَرَحَتْهَا على المشْهَدِ الشِّعريِّ ، وَجَسَّدَتْ بِتَحَقُّقِهَا النِّضَاليِّ شَقًّا لِلأُفقِ الجمَاليِّ ؛ المقَابلِ لهَا وَالسَّابقِ عَليْهَا . وَإذَا كَانَتْ قَصِيدَةُ الشِّعرِ المنْثُورِ قَدْ أنجزَتْ الشِّعرَ ؛ مُتَحرِّرةً مِنْ سَطْوَةِ العَرُوضِ ، فَإنَّ قَصِيدَةَ السِّريَاليِّينَ قَدْ فَعَلَتْ ذَلكَ ، وَتجَاوَزَتْ أُفُقَ الوَعْي الرُّومَانسيِّ البَسِيْطِ – الَّذي أسَّسَتْ عليْهِ قَصِيدَةُ الشِّعرِ المنثُورِ مَشْرُوعَهَا – إلى وَعْيٍ حَدَاثيِّ ثَوْريٍّ مُرَكَّبٍ ، لا تَكونُ قَصِيدَتُهُ إفْرَازًا لِتَوَرُّمِ الذَّاتِ ، أوْ اسْتِجَابَةًَ فَوْريَةً لِزَوَابِعِ الشُّعورِ ، وَإنمَا نِتَاجًا لِتَجْربَةٍ مُتَشَابِكَةِ الملامِحِ ، مُتَرَامِيَةِ الحدُودِ ، بعيدَةِ الأصْوَاتِ ، وَهُوَ مَا تَكْشِفُ عَنْهُ النَّمَاذِجُ الآتيَةُ :


انتحَارٌ مُؤقَّتٌ (34)
لجورج حنين (35)

في أعْمَاقِ الأدْرَاج الزَّرقاءِ
الَّتي رَحَلتْ مَفَاتيحُهَا إلى الأقفالِ المُتَوحِّشَةِ
وَتَاهَتْ خِطَابَاتُهَا في سُوقِ الاعْتِرَافَاتِ
في أعْمَاقِ الأدْرَاجِ الملَّونَةِ بلونِ التِّلميذةِ
بينَ سيجارَةٍ ذابَلةٍ ، وَصَفْعَتيْنِ
يَرْجعُ تاريخُهَا إلى الفَضِيحَةِ الأخيرَةِ
يَحدُثُ أحْيانًا أنْ تلتقِطَ
شِفاهٌ مُرَّةٌ
تتلو كَلمَاتٍ قريبةً
تَهْبِطُ كالْحَصَى
مُنْحَدَرَ الصَّوتِ
شِفاهٌ نادِرَةٌ مُخْتَصِرَةٌ
تَتَفتَّحُ لِتَدَعَ جاسُوسًا يَمُرُّ
وَهُوَ مُتَخَفٍّ في فرقةٍ عَازفَةٍ
لا أعْرفُ أبَدًا أيَّ لَحْنٍ
يَتَشَبَّثُ بطَوقٍ مِنْ اللهيْبِ
وَالآنَ تَقِفُ النَّافذةُ
بلا عُمْرٍ وَلا ضَوْءٍ
شَقيقَةُ الشِّفاهِ المُرَّةِ
فإنَّهُ مِنْهَا تَدْخُلُ الأعْصَابُ الهَائجَةُ
مُتلَبِّسَةً أياديَ بشريَّةً
تقطعُ رُءوسَ النِّسَاءِ
بَعْدَ الحُبِّ
على مَائدةٍ مَا
شَيءٌ يَبْتَسِمُ خلالَ كُلِّ نُعاسِ العَالمِ
إنَّه وَجْهٌ
لا يُلْمَحُ أبَدًا
وَجْهٌ تُؤرجِحُهُ
ثُلوجُ الذِّكرى الَّتي لا تَنْتَهِي .

إنَّ هَذَا النَّصَّ يَتَحَقَّقُ تحقُّقًا شِعريًّا مُغَايرًا لمَا عَرَفْنَاهُ في تجاربِ الشِّعرِ المنثُورِ- رَغْمَ صُدورِ الشِّعريَّةِ في الحالتَيْنِ عَنْ فَضَاءِ النَّثرِ، وَبإيقَاعَاتٍ خَارجَةٍ على دوائرِ الخليْلِ العَرُوضِيَّةِ - وَهَذَا التَّحَقُّقُ المغَايرُ نِتَاجٌ لِوَعْي نَصيٍّ حَدَاثيٍّ مُغَايرٍ ، وَلِطَبيعَةِ التَّجربَةِ المغَايرَةِ ؛ الَّتي سَتَتَبَدَّى تبِّديًا مغايرًا ، وَبِأدَاءٍ يَعْتَمِدُ على إقَامَةِ عِلاقَاتٍ جَديدَةٍ بَيْنَ الكَلِمَاتِ ، وَعَلى التَّصويرِ الخَلاَّقِ الَّذي يَسْتَثْمِرُ فاعليَّةَ المخيِّلةِ الحدْسِيَّةِ ، وَيُؤسِّسُ مَشْهَدَهُ بمعْزلٍ عَنْ آليَّاتِ المجازِ البَلاغيِّ القَديمةِ :
" شِفاهٌ نادرَةٌ مُخْتَصَرَةٌ
تَتَفتَّحُ لتَدَعَ جَاسُوسًا يَمُرُّ
وَهُوَ مُتَخَفٍّ في فرقةٍ عَازفَةٍ "
وَثَمَّةَ مَقْدِرَةٌ جَليَّةٌ على كَبْحِ التَّسايُلِ الوجْدَانيِّ ، وَتَشْكِيلِ التَّجربَةِ بِصورٍ تخرُجُ آليًّا مِنْ حَرَكةِ الشُّعورِ ؛ طازَجَةً وَكاشِفَةً عَنْ إيقاعيَّةِ مَا تحتَ الوَعْي وَمَا بعدَ الوَاقِعِ ، ثمَّةَ عِلاقَاتٌ جديدَةٌ بَيْنَ الكَلِمَاتِ ، وَمَنْطِقٌ جَديدٌ لِلغَةِ وَلِعِلاقَاتِ الأشْيَاءِ بِبَعْضِهَا البَعْضِ ، وَهُوَ مَنْطقٌ يَتَخَطَّى حُدودَ المنطِقَ المؤسَّسِيِّ ؛ فَيَنْتَقِلَ مِنْ مَشْهَدِ جملَةٍ غريبٍ إلى مَشْهَدٍ آخَرٍ يليْهِ بِعلاقَاتِ التَّركيْبِ وَلكِنَّهُ انْتِقَالٌ مُباغِتٌ لِلمَنْطِقِ المؤسَّسِيِّ العَامِ ، وَيَزْدَادُ انفصَالُهُ عَنْ هَذَا المنطِقِ بامْتِدَادِ الصُّورَةِ ، حيثُ لا رَابِطَ مَنْطِقيًّا ؛ بَلْ انْتِهَاكَاتٌ حَادَّةٌ لِلَمْألوفِ، وَسْعِي لإفْرَاغِ البِنَاءِ النَّصيِّ مِنْ رَوَاسِبِ المعْنَي المؤسَّسِيِّ .
وَما يُميِّزُ شِعريَّةُ قَصِيدَةِ الشِّعرِ الحرِّ السِّريَاليَّةِ ، هُنَا ، عَنْ شِعريَّةِ الشِّعرِ المنثُورِ هُوَ الاخْتِلافُ بَيْنَ الطَّبيعَتَيْنِ ؛ طَبيعَةٍ حدَاثيَّةٍ وَأخْرَى رُومَانسِيَّةٍ ؛ طَبيعَةٍ مُرَكَّبةٍ وَأخْرَى بَسِيطَةٍ ؛ طَبيعَةٍ تَشْكِيليَّةٍ وَأخْرَى غِنَائيَّةٍ ، وَيَتَبَدَّى لَنَا هَذَا الاخْتِلافُ بِوُضُوحٍ ، إذَا وَضَعْنَا هَذَا النَّصَّ في مُقابِلِ نَصٍّ مِنْ الشِّعرِ المنثُورِ، وَلْيَكُنْ : حَيَاتي ، لِصَالح الشَّرنُوبي (1924-1951) ، الَّذي مِنْهُ :

" حَيَاتي دُمْيةٌ لمْ تَتَمْ .
فَقَدْ شَوَّهَ خَلْقَهَا مَثَّالُهَا الفَنَّانُ
بَعْدَ أنْ أوْدَعَ فيْهَا مِنْ ذَاتِهِ أرْوَعَ المَعَانِي وَأبْدَعَ الأفْكَارِ
وَلكنَّهَا مَعَانٍ سَجيْنَةٌ .. وَأفْكَارٌ مُقيَّدَةٌ
لمْ يَأن لهَا أنْ تَطْفُوَ
فالدُّميَةُ خَرْسَاءُ العيْنِ ، زنْجيَّةُ اللسَانِ
أرَاهَا في خيَالي كأنَّهَا تُنادِي الزَّمَنَ
أيُّهَا المجنونُ في عَدْوهِ
امْضِ بي إلى خَالِقي
فإنِّي أرْجُو أنْ يَذْكُرَ عَنِّي أنِّي شَقِيُّهُ
مِنْ يَوْم كُنْتُ في يَديْهِ
لا حَوْلَ لي وَلا قُوَّةَ ."(36)
فَبَيْنَما يَعْتَمِدُ نَصُّ الشَّرنوبي على خَصِيْصَةٍ رُومَانسِيَّةٍ خَالصَةٍ هِيَ : التَّسَايُلُ الوِجْدَانيُّ الآليُّ الحرُّ ، يَعْتَمِدُ نَصُّ جورج عَلى طَاقَاتِ المخيِّلةِ السِّريَاليَّةِ وَوَعْيهَا الحدَاثيِّ ، في تَشْكِيْلِ بنيَةٍ تَصْويريَّةٍ مُرَكَََّبَةٍ ، وَمُتَوَاشِجَةٍ ، بِعَنَاصِرِهَا وَعِلاقَاتهَا الَّتي تَقُودُ إلى صَفَاءِ اللحْظَةِ الشِّعريَّةِ ، بطَزَاجتِهَا التَّشْكيليَّةِ . وَقَدْ كَانَ جورج يَرَى أنَّ التَّحقُّقَ الإبْدَاعيَّ سَيَقُودُ إلى تغييرِ الشَّخصيَّةِ المصْطَنعَةِ ؛ الَّتي اضطرَّنَا المجتمعُ أنْ نَتَكَيَّفَ بهَا مَعَهُ ، وَأنْ هَذَا الطَّريقَ سُيُؤدِّي إلى التَّحرُّرِ النَّفسِيِّ ؛ الَّذي اعْتَبَرَهُ مُقدِّمَةً لِلتِّحرُّرِ الاجْتِمَاعِيِّ .(37)

الجُمْجُمَةُ المُحَطَّمَةُ (38)
لأحمد رُشدي

هاهو ذا يَطوفُ
في كُلِّ الدُّنيَا
بلا مَقْصدٍ وَلا غَايَةٍ
بلا رَفيْقٍ في الحَيَاة
كلْبٌ ضَالٌّ جَريْحٌ
نأى عَنْ الأهْلِ وَالصِّحَابِ
بَعْدَ مَا نَأى عَنْهُ الخُبْزُ
لا يَعْطِفُ عليْهِ أحَدٌ
وَلا يَهْتَدِي
إلى وجْهَةٍ في الحَيَاةِ
الكلُّ ينفرُ منْهُ وَيَهْرَبُ
كأنَّهُ مَنْحُوسُ الطَّالعِ
الكُلُّ يَخَافُ أنْ يَجُورَ عَليهِمْ نَحْسُهُ
إنَّه يُحَوِّمُ في دَائرةٍ مُنْعَزلةٍ
مُنْفَصِلةٍ عَنْ مَعْشَرِ الأحْيَاءِ
كالمَرْضَي بالجُذَامِ
المَنْبُوذيْنَ المَطْرُودِيْنَ المَحْرُومِيْنَ
إنَّ حُلمَهُ في الحَيَاةِ قَدْ طالَ مَدَاهُ
في يقظةٍ مُخيفَةٍ أصْبَحَ
يقظةٍ مُفزعَةٍ يَرى فيْهَا نَفْسَهُ تَنْشَطِرُ وَرُوحَهُ تَتَمَزَّقُ
أنَّهُ لنْ يَعْتِبَ على أحَدٍ
لنْ يَعْتِبَ عَلى الَّذينَ اضطهدُوهُ
وَسَامُوهُ العَذَابَ فَنَفْسُهُ أحَقُّ بهَذَا العِتَابِ
نَفْسُهُ الَّتي قَنَعَتْ بهَذِهِ الحَيَاةِ
وَرَضِيَتْ بهَذِهِ القيَمِ
المَمْلُوءَةِ بالغَدْرِ وَالخيَانَةِ
وَنُكْرَانِ الجَمِيلِ .
سَلَنْحَظُ هُنَا آليَةً أخْرَى ، غَيْرَ مَا وَجَدْنَا عِنْدَ جورج ؛ تَتَجَلَّى في هَيْمَنَةِ فاعِليَّةِ السَّردِ الشِّعريِّ الرَّاصِدِ ؛ الَّتي سَتَسْتَدْعِي طَاقَةَ الإخْبَارِ ، لا تَشْكِيليَّةِ الإنْشَاءِ ؛ حيثُ سَيَتَبَدَّى لنَا مَشْهَدٌ مَسْرُودٌ ، يَتحَوَّلُ الإنْسَانُ فيْهِ إلى كَلْبٍ ؛ أوْ يَتَأنْسَنُ الكَلْبُ - في لحظَةِ انْفِصَالٍ عَنْ الجمَاعَةِ الوَحْشِيَّةِ ، وَتُشَدِّدُ الشِّعريَّةُ هُنَا عَلى الصُّورَةِ الكُلِّيَةِ لِلنَّصِّ وَالتَّخَلِّي عَنْ الصُّورِ الجزئيَّةِ ، وَسَيَسْتَدْعِي هَذَا الإجْرَاءُ هَيْمَنَة فاعِليَّة الخَبَرِ عَلى إمْكانيَّاتِ الإنْشَاءِ ، وَلَقَدْ نجَا النَّصُّ مِنْ الهيَجَانِ العَاطِفِيِّ الرُّومَانسِيِّ ، وَمِنْ التَّهالُكِ الوجْدَانيِّ الآليِّ ، وَإنْ تبَدَّتْ فيْهِ بَعْضُ تَعْبِيرَاتٍ مُباشِرَةٍ ، وَلَوْ أمْكَنَنا إعَادَةُ كِتَابَةِ النَّصِّ ، في سُطورٍ مُكْتَمِلَةٍ لَظَهَرَتْ النَّثريَّةُ بحدَّةٍ ؛ غَيْرَ أنَّ هَذَا التَّغييرَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مِنْ النَّاحِيَةِ الفنيَّةِ ؛ لأنَّ تَوْزيعَ الشَّاعرِ سُطورَ نَصِّهِ يَرْتهنُ بحرَكةِ التَّجربَةِ الدَّاخليَّةِ ، بمدِّهَا وَجَزْرهَا ، هَذِهِ الحركَة الَّتي تعكِسُ بِتَجَسُّدِهَا المادِيِّ حَرَكاتِ الإيقَاعِ الشَّخصيِّ ، كَمَا أنَّ الإيقَاعَ البَصَريَّ جُزْءٌ مِنْ إبْدَاعِ النَّصِّ ، وَهُوَ مَا يَتَآزرُ مَعَ إيقَاعِ المعْنَى ؛ الَّذي تُحْدِثُهُ ذُيولُ الجمْلَةِ وَهِيَ تَنْتَهِي ؛ لِتَتَّصلَ بمَا يَليْهَا . وَهَكَذَا يُمِّثلُ هَذَا النَّصُّ حَالةً مِنْ حَالاتِ الشِّعريَّةِ الجديدَةِ ، وَلا يمثِّلُ بِالتَّحديدِ شِعريَّةَ النَّصِّ السِّريَاليِّ .

يَصْنَعُونَ المَوْتَ (39)
لِكنتروفتش

" وَهَجُ الأتُونِ يتألَّقُ
دَائِمًا
المَعْدنُ يَتَّخذُ أشْكالاً إجْرَاميَّةً
وَالجَريْمَةُ الحَديثَة ُتَتَكوَّنُ في أعْمَاقِ البَوْدَقةِ الهَائِلَةِ
جُدْرَانُ المَصْنَعِ المُفْتَرسِ
تَرْتَعشُ دُونَ انْقِطاعِ
مِنْ الجُهدِ المُرهِقِ
عَلى الرَّقابِ النُّحاسيَّةِ
الَّتي لوْ انْتَفَضَتْ فَجْأةً
لَجَعَلَتْهُمْ يَفِرُّونَ
على الظُّهورِ اللامِعَةِ مِنْ العَرَقِ
وَالجُزَيئاتِ الكَهْرَبَائيَّةِ
سَوْطُ الجَلاَّدينَ المُذَهَّبينَ مَرْفُوعٌ بلا رَحْمَةٍ
ضَرَبُهُمْ بالعَمى .. أعْشَى عُيونََهُمْ
خَطَبَاءٌ مَخْبُولونَ ،
أُلعبانُ يُقلِّدُ القياصِرَةَ الدَّمويينَ
جَلبَةٌ للأشْيَاءِ فارغةٌ
العُمَّالُ يَصْنَعُونَ المَوْتَ
كَوَابيسُ فُولاذيَّةٌ
تُوْلَدُ
هَلْوَسَةٌ
مُمْكنَاتٌ لِلهَلاكِ : كُرَويَّةٌ وَبَيْضَاويَّةٌ وَمُدَبَّبةٌ
إنتاجُ كِيمياء جُهَنَّمِيَّةٍ
أزيزٌ هَوَائيٌّ
وُجُوهٌ مُفزعَةٌ
وَتَتْويجٌ لِلْهَمَجيَّةِ الإنسانيَّةِ .
هَاهُنَا سَيَتَجَلَّى التَّشكِيْلُ الشِّعريُّ الَّذي وَجَدْنَا آليَّاتِهِ العَامةَ المحكَمَةَ عند جورج ، وَسَنَجِدُهَا عند كامل زهيري أيْضًا ؛ حَيْثُ التَّعبيرُ الطَّازَجُ الَّذي تَتَشَكَّلُ حَرَكَاتُهُ التَّصويريَّةُ السِّريَاليَّةُ ؛ عَاكِسَةً مُنَاخَاتِ التَّجربَةِ النَّابِضَةِ بِالتَّمرُّدِ ، المُنَدِّدَةِ بِآليَّاتِ القَهْرِ وَالطُّغيَانِ، عَبْرَ بَلاغَةِ المخيِّلَةِ السِّريَاليَّةِ المتَوَقِّدَةِ الحرَّةِ :
" جُدْرَانُ المَصْنَعِ المُفْتَرس
تَرْتَعِشُ دُونَ انْقِطَاعِ
مِنْ الجُهْدِ المُرْهق
على الرِّقابِ النُّحَاسيَّةِ
الَّتي لوْ انْتَفَضَتْ فَجْاةً لَجَعَلَتْهُمْ يَفِرُّونَ
على الظُّهورِ اللامِعَةِ مِنْ العَرَقِ
وَالجُزْئيَّاتِ الكَهْربيَّةِ
سَوْطُ الجَلاَّديْنَ المُذهََّبينَ مَرْفُوعٌ بلا رَحْمَةٍ ."
وَوَهجُ الإيقَاعِ يَتَبدَّى صَاعِدًا بحدَّةٍ وَتكثيفٍ ، نابِضًا وَمُتَنَامِيًا وَطافِحًا بمنَاخَاتِ التَّمردِ . وَيَعْكِسُ هَذَا النَّصُّ مَوْقفًا حَادًّا ضِدَّ طبقيَّةِ ذَلكَ العَهْدِ ؛ وَلكِنَّ ذَلكَ يَتَأتَّى عَبْرَ لغََةٍ تَصْويريَّةٍ دَالةٍ ؛ فَالتَّهاويلُ الَّتي تَتَبَدَّى في مُخَيِّلة النَّصِّ ليْسَتْ تهويماتٍ مُجَرَّدةً وَمجانيةً :
"وَهَجُ الأتُونِ يَتَألَّقُ
دَائمًا
المَعْدنُ يَتَّخذُ أشْكَالاً إجْرَاميَّةً
وَالجَريمَةُ الحَديثَةُ تَتَكوَّنُ
في أعْمَاقِ البَوْدَقةِ الهَائلةِ "
وَبهذَا يُشِيرُ هَذَا النَّصُّ - في النِّهايَةِ - إلى أنَّ حَرَكَةَ الإبدَاعِ الشِّعريِّ لهذِهِ الجمَاعَةِ ، لمْ تَكُنْ مُنْعَزلةً عَنْ حَرَكَةِ الوَاقعِ ، وَعَنْ قَضَايَاهُ الأسَاسِيَّةِ المُلِحَّةِ .

مِنْ تَجَاربِ كامل زهيري (40)
( 1927 – 2008) الشِّعريَّةِ

ينامُ رَجُلٌ على كُرسِيَّينِ وَفَمُهُ في أبعدِ مُحيطٍ
في الحلقومِ مَسْرَحٌ
وَفي المَسْرَحِ نَهْرٌ
القلقُ بنُ القلقِ
الضَّحكُ بنُ الضَّحكِ بن الضَّحكِ
كَالشَّعْرِ في المَاءِ أُحِسُّ الوِحْدةَ
مِنْ يَدٍ جَيِّدةٍ تَمُرُّ على الوَجْهِ المُتْعَبِ
الأبيضُ أمَامَ الأبيضِ أمَامَ الأبيضِِ
ثديَاكِ أبْيَضَانِ كَالصَّيفِ
أحُّبكِ
أضْحَكُ
حِيْنَ أُقْسِمُ
لَهُ
أُحَرِّكُ النَّافذةَ مِنْ الحَائِطِ إلى الحَائِطِ حَتَّى تُطلَّ عَلى السَّمَاءِ
حِيْنَ يَهْطُلُ المَطَرُ
يَدَايَ المُمْتَدَّتانِ حَديدٌ . (41)

يَتَمَيَّزُ السِّردُ الشِّعريُّ عِنْدَ كامل زُهيري - في هَذا النَّصِّ - بخلْخَلَةِ التَّوالي السَّرديِّ المعروفِ ، وَذَلِكَ عَبْرَ جُمَلٍ مُتَشَظِّيَةٍ وَمُتَدَاخِلةٍ وَمُفَاجِئَةٍ تَقُودُ إلى انهيَارِ التَّتابُعِ السَّرديِّ وتناثره .وَبهذَا يَضَعُ النَّصُّ لِذَاتِهِ نِظَامًا لُغَويًّا خَاصًّا تُهَيْمِنُ فيْهِ بَلاغَةُ المخيلِّةِ السِّريَاليَّةِ في تَشَظٍّ وَتجاوُرٍ وَتَكْثِيفٍ شَديدٍ يُسَاعدُ على برُوزِ حِدَّة الإيقاعِ :
" أُحَرِّكُ النَّافذةَ مِنْ الحَائِطِ إلى الحَائِطِ حَتَّى تُطلَّ عَلى السَّمَاءِ
حِيْنَ يَهْطُلُ المَطَرُ
يَدَايَ المُمْتَدَّتانِ حَديدٌ . "
هَكَذَا يُؤسِّسُ هَذَا النَّصُّ شِعريَّتَهُ مُعْتَمِدًا على تجلِّي البِنيَةِ المِسْبَحِيَّةِ ؛ فكلُّ سَطرٍ يُمَثِّلُ حَبَّةً تَتَجَاوَرُ مَعَ غَيْرِهَا ، وَلا تَتَمَاهَىَ مَعَهَا ، وَهَذَا الفَصْلُ بَيْنَ الجمَلِ ، وَهَذِهِ الفَجَوَاتُ ، وَمِسَاحَاتُ الصَّمتِ ، وَالفَرَاغَاتُ ، تُسَاعِدُ على تحقيْقِ إيقاعِ التَّجربَةِ الحادِّ ، وَالشَّاعرُ حِيْنَمَا يَسْتَخْدِمُ أدَوَاتِ البَلاغَةِ القَديمةِ فَإنَّه يُحَرِّكُهَا؛ لِتُؤدِّيَ أدَاءً جَديدًا لمْ تمنَحْهُ مِنْ قَبْلُ ، كقَوْلِهِ:
" كَالشَّعْرِ في المَاءِ أُحِسُّ الوِحْدةَ"
و قوله : " ثديَاكِ أبْيَضَانِ كَالصَّيفِ "

تَكْشِفُ هَذِهِ النَّمَاذِجُ عَنْ سَعْي هَذِهِ الجمَاعَةِ إلى تأسِيْسِ خِطَابٍ شِعريٍّ مُخْتَلفٍ ، خَاصٍّ وَطَازَجٍ ، يحتَفِي بِتَحْقِيْقِ قيْمَةِ الخَلْقِ الشِّعريِّ المُدْهِشِ ، بمَا يُحَقِّقُ تأكِيْدِ بودلير (1821- 1867) عَلى أنَّهُ "مَا مِنْ قَصِيدَةٍ يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ عظيْمَةً ، نبيلَةً ، جَديرَةً بهذِهِ التَّسمِيَّةِ ، إلاَّ تِلكَ الَّتي تَكونُ قَدْ كُتِبَتْ بِقَصْدِ إشْبَاعِ لَذَّةِ كتَابَةِ القصيدَةِ فَحَسْب ."(42)



حَدَاثَةٌ أُخْرَى ، على حُدُودِ الحَدَاثَةِ السِّريَاليَّة
تَجْربَةُ لويس عوض (1914- 1990)


قريبًا من جماعةِ (الفنِّ والحريَّةِ) كَانَ لويس عوض (43) - الَّذي تربطُهُ بأعضَائِهَا صَدَاقَةٌ - عَاكِفًا على صِياغةٍ شعريَّةٍ أخْرَى ، تحتشِدُ بالإحَالاتِ المعرفيَّةِ الكثيفَةِ ، شديدَةِ الإفرَاط في مَزْجِ الثَّقافاتِ العالميَّةِ في مجرَى تجربتِهِ ، اقتناعًا بِوحْدَةِ المعرفَةِ الإنسَانيَّةِ لا بوحْدَةِ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ ؛ وَبالتَّالي وَقَعَتْ هَذِهِ التَّجربةُ في فِخَاخِ خِبرتِهَا المعرفيَّةِ وَفي آليَّاتِ التَّثاقُفِ ، يتبدَّى هَذَا الأدَاءُ في نَصِّهُ (الحبِّ في سَان لازار)(44)؛ الَّذي يستهلُّه هَكَذَا :

"في مَحَطَّةِ فكتوريا جَلَسْتُ وَبيدي مِغْزَلٌ
وَكانَ المِغْزَلُ مِغْزَلَ أوديسيوس
عفوًا إذا اختلفْنَا أيُّهَا القارئ
فقدْ رأيتُهُمْ ، رَأيتهُمْ سُكَّانَ الأرجو، وَجُلُّهُمْ مِنَ النِّسَاءِ
ارتدينَ البنطلوناتِ وَلبسْنَ أحذيةَ كاوتشوك. "(45)

لَقَدْ تَرَكَتْ هَذِهِ الشِّعريَّةُ حَرَكَةَ التَّاريخِ ، وَظلالَ المكانِ ، وَالاسْتِجَابَةَ الآليَّةَ لتيَّارِ الشُّعورِ ؛ لتؤسِّسَ لِشِعريَّةِ الثَّقَافَةِ الإنسَانيَّةِ المركزيَّةِ ، وَنَظرًا لِتَكَدُّسِ أشْتَاتِ المعرفَةِ وَاخْتِرَاقِهَا المتعدِّدِ لمدَى النَّصِّ ،كَانَ على الشَّاعرِ أن يُذيِّلَ - هَذَا النَّصَّ وَحَْدَهُ - بما يَرْبُو على الثَّلاثينَ هامِشًا ، وَقَدْ أدَّى هَذَا الإفرَاطُ في الإحَالاتِ ، إلى تشْتِيْتِ مَرْكزيَّةِ التَّجربَةِ الإنسانيةِ في أقْطَارِ التَّثاقُفِ : 

" بوزايدون . يَا مَنْ تُرسلُ الملاَّحَ إلى زَوْجِهِ وبنيْهِ كُلَّمَا اكْتَمَلَ
القمرُ وَجَذَبَ الميَاهَ . هَا اكْتَمَلَ القمرُ وَارْتَفَعَ الحَبَبُ الأبيضِ إلى
نحورِ الصُّخورِ وَالأرجو لمَّا تَزَلْ وَرَاءَ الأفقِ
لقدْ نَفَذَ مَا مَعي مِنْ الصُّوفِ . وِبنيلوب لمْ تبسُطْ بَعْدُ الشِّراعَ .
أوَّاهُ !!
لَقَدْ نَفَذَ مَا مَعي مِنْ الصَّبرِ فَكَسَّرتُ مِغْزلي وَألقيْتهُ إلى أسْمَاكِ المَانشِ
لكنَّ بنيلوبَ جَاءَتْ أخيرًا .أوَّاهُ مَرَّةً أخْرَى
ليتني لمْ أُحَطِّمْ مِغْزَلي وَلمْ ألقِهِ إلى أسْمَاكِ المَانشِ
إنَّهَا بنيلوب . أقْسِمُ أنَّهَا بنيلوب . عَرَفْتُهَا إذْ صَدَّقتْني عِنْدَمَا
قَصَصْتُ عليْهَا حكايةَ المِغْزَلِ وَلمْ تطلُبْ إليَّ أنْ أعودَ إلى أسْمَاكِ
المانشِ أُجَادِلُهَا في اسْتِرْدَادِ المِغْزلِ ."(46)

وَهَذَا الانْفتاحُ المطلَقُ على المعرفَةِ الإنسانيَّةِ المتنوِّعةِ ، يُؤكِّدُ انتمَاءَ الشَّاعرِ إلى تجربَةِ الشَّاعرِ الإنجليزيِّ ت . س . إليوت (1888- 1965) ، في قصيدَتِهِ : (الأرْضِ الخرَابِ) :1922؛ الَّتي حَفَلَتْ بالإحَالاتِ وَالإشَارَاتِ ، وَإدخَالِ لُغَاتٍ أخْرَى على لُغَةِ النَّصِّ ، وَهُوَ مَا فَرَضَ على إليوت إلحاقَ النَّصِّ بملاحظَاتٍ جَسِيْمَةٍ ؛ تُشِيرُ إلى مَصَادرِ الاقتباسَاتِ ؛ فَهَا هُوَ لويس عوض يَكْتُبُ في نَصِّه المذكورِ :

"لأنِّي سَمِعْتُ مَارك انطونيو يقولُ :
There s beggary in the love that can be reckon d.
وفي سَان لازار نَزَلنَا
وَحَمَلَ دُون جُوان حَقيبَةَ مريمِ المَجْدليَّةِ
وَفي سَان لازار نَسِيَتْ مريمُ المَجْدليَّةُ مَا حَدَثَ لهَا في حَوَارِي أورشليمَ .
نَسِيَتْ أنَّ المَسيحَ رَجَمَ رَاجميهَا بكلامٍ مِنْ سِجِّيلٍ .
كَمَا انسي سَان لازار أكفانَهُ في مَخْزَنِ المَحَطَّةِ وَسَارَ مَعَنَا
ليشتريَ أمَّ الخُلولِ وَقَدَحًا مِنْ الكونيَاكِ ."(47)



تَدَاخُلُ الأُفُقِ الحَدَاثِيِّ في الأُفُقِ الرُّومَانسِيِّ
في خِطَابِ محمد منير رمزي (1925- 1945(

مَثَّلتْ تجربَةُ محمد منير رمزي(48)الشِّعريَّةُ خُطوةً لافِتَةً ؛ تَدَاخَلَ فيْهَا الأفُقُ الرُّومَانسيُّ في الأفُقِ الحدَاثيِّ ، وَقَدْ أتَى هَذَا التَّداخُلُ نتيجَةً طَبيعيَّةً، لِتَجْربَتِهِ الحيَاتيَّةِ ؛ الَّتي انْتَهَتْ وَهُوَ في العشريْنَ مِنْ عُمْرِهِ ، مُنْهيَةً تجربَةَ حُبٍّ محبَطَةٍ مَليئَةٍ بالآمَالِ وَالشُّكوكِ وَالانكسَارَاتِ ؛ وَهُوَ مَاسَيَنْعَكِسُ بقوَّةٍ في تَشْكِيْلِ المنظورِ الرُّومَانسيِّ لديْهِ ، كَمَا أنَّ دِرَاسَتَهُ لِلأدَبِ الإنجليزيِّ ، وَاطِّلاعِهِ على تجربَةِ الحدَاثَةِ فيْهِ ، سَتُؤثِّرُ على نزوعِهِ الجَمَاليِّ إلى آليَّاتٍ حَدَاثيَّةٍ وَسِرياليَّةٍ على محورِ الأدَاءِ الشِّعريِّ . كَتَبَ رمزي القَصِيدَ النَّثريَّ بِالعَرَبيَّةِ وَالإنجليزيَّةِ ، وَكَانَ أميلَ إلى الرُّومَانسِيَّةِ الإنجليزيَّةِ مِنْ نَاحِيَةِ طبيعَةِ التَّجربَةِ ، وَإلى ثَقَافَةِ الأدَاءِ الحدَاثيِّ في تَشْكِيْلِهِ لخطَابِهِ الشِّعريِّ المحتَدِمِ الأعْمَاقِ.

يَتَبَدَّى النُّزوعُ الرُّومَانِسيُّ لَدَى رمزي في رُؤيَةِ العَالمِ ، وَالتَّعبيرِ عَنْ تجربَةِ الغُربَةِ وَالوَحْشَةِ وَالحبِّ المحبَطِ وَالتَّفاعُلِ مَعَ الطَّبيعَةِ ؛ حَيْثُ يمتزِجُ مَا هُوَ طَبيعِيٌّ بمَا هُوَ إنسَانيُّ ، وَثَمَّةَ تَتَفَجَّرُ الأسْئلَةُ الميتَافيزيقيَّةُ ، وَقَدْ قَادَتْهُ هَذِهِ المشَاعِرُ العَاتِيَةُ إلى الانْتِحَارِ .

بَيْنَمَا تمثَّلَ النُّزوعُ الحدَاثيُّ في الوَعْي بِالتَّجربَةِ وَالتَّعبيرِ عَنْهَا ، في صُوَرٍ مُتَّقدَةٍ وَمُتَنَامِيَةٍ ؛ تَنْتَمِي ، غَالبًا ، إلى الوَعْي السِّريَاليِّ . يقولُ في قَصِيدَةٍ بعنوانِ : أنَا الغَريْبُ :

أنَا الغَريْبُ
أذْرَعُ الأيَّامَ عَلى نَغَمَاتِ مُوْسِيقَى
حَزيْنَةٍ ضَائِعةٍ
غَيْرَ تَاركٍ فيْهَا آثَارًا لأقْدَامِي
أنَا الغَريْبُ ، فَقَدْتُ طَريقِي قَبْلَ أنْ أجِدْهَا
وَهَأنَا أذْرَعُ الأيَّامَ
وَرَاءَ غَريْبٍ ليُرْشِدَني
أهِيمُ بَيْنَ مَجَالسِ المَوْتَى
هَامِسًا في آذنِهِمْ
بأغانيَّ الَّتي لامَعْنَى لهَا
أُرْسِلُهَا في خُفُوتٍ
خَائفًا إيقَاظهمْ
ثمَّ أجْلِسُ في صَمْتٍ
مُنْصِتًا إلى أنَاشِيدِهِمْ الَّتي يَعْبَقُ بهَا السُّكونُ
يُلقُونَهَا في سَعَادَةٍ عَمِيقَةٍ أبديَّةٍ.(49)

تَبْدُو الذَّاتُ الشَّاعرَةُ ، وَحِيدَةً ، تَتَضَوَّرُ في العَالمِ الموحِشِ ، تَذْوِي وَحْدَهَا ، وَتَنْزِفُ غِنَاءَهَا الاستبطانيَّ المزدَحِمِ بِالصُّورِ العَارِمَةِ ، لا أنيسَ لهَا سِوَى تجاوبَاتِ الطَّبِيعَةِ ، وَرُؤاهَا الميتافيزيقيَّةِ ، يقولُ في قَصِيدَةِ : الدُّمُوع الأخْرَى :
وَقَفْتُ أمَامَ الشَّمسِ فَشَمَلَ الكونُ ظِلِّي
وَلكنَّهُ تَضَاءَلَ وَتَضَاءَلَ
حَتَّى غَابَ تَحْتَ أقدَامِي
وَوَقَفَتْ في مَآقيَِّ دَمْعَةٌ
خِلْتُهَا – لوْسَقَطَتْ –
لأغْرَقَتْ العَالمَ الَّذي لاحَ في طيَّاتِهَا
وَلكنَّهَا انْحَدَرَتْ فَغَابَتْ حَيْثُ غَابَتْ ظِلالِي
وَوَقَفْتُ أُحْصِي الظِّلالَ الَّتي مَزَّقتُهَا
وَرُحْتُ أحْصِي الدُّموعَ الَّتي ضَيَّعتُهَا
إنَّ الكوْنَ أوسَعُ مِنْ أنْ تَكْسُوَهُ ظِلالُ مَجْنُونٍ
وَأعْمَقُ مِنْ أنْ تُطهِّرَهُ عَبَرَاتُ ضَائعٍ .(50)

لَقَدْ كَانَتْ تجربَةُ رمزي ؛ الَّتي أنجزَها" خِلالَ ثَلاثِ سَنَوَاتٍ ؛ من1943- 1945، عَمِيقَةً وَمُتَّقِدَةً ، صَهَرَتْهَا تجربَةُ الحبِّ المحبَطِ وَألْقَتْهَا على مَشَارفِ الأسْئِلَةِ الوجوديَّةِ الكُبْرًَى، وَيُعَدُّ صَوتُهُ أحَدَ الأصْوَاتِ الهامِشيَّةِ الأسَاسِيَّةِ في مَسيرَةِ القَصِيدِ النَّثريِّ العَرَبيِّ .


المُغَامَرَةُ الشِّعريَّةُ لبدرِ الدِّيب (1926– 2005)
في : كتابِ حَرفِ الـْـ " ح "

في أوَاخِرِ الأربعينيَّاتِ شَرَعَ بدرُ الدِّيب ، في كتابَةِ نُصوصِ :(كِتَابِ حَرْفِ الـْ"ح") ؛ طَامحًا إلى إنجَازِ كتابَةٍ شِعريَّةٍ حُرَّةٍ ، خَارجِ الأطُرِ المهَيْمِنَةِ . وَبَعْدَ مُرورِ أرْبَعَةِ ِِعقودٍ كَامِلَةٍ تأمَّلَ بدرُ الدِّيب هَذِهِ التَّجربَةَ - الَّتي كَانَ قَدْ نَشَرَ بَعْضَهَا في مجلَّة (البَشِير)(51) - رَاصِدًا إيَّاهَا في خِضَمِ الظُّروفِ الَّتي أحَاطَتْ بهَا ، مُوَضِّحًا أنَّهَا: " كلامٌ كُتِبَ عامَ 1948 ، كَتَبَهُ شَابٌّ في الثَّانيَةِ وَالعِشريْنَ مِنْ عُمْرِهِ ، وَالشَّابُ مِصْريٌّ عَرَبيٌّ أفريقيٌّ تُحِيطُهُ فَوَاجِعُ حَضَارةِ القرْنِ ، دُونَ أنْ تَكونَ لهُ حمايَةٌ إلاَّ مِنْ إنسانيَّتِهِ المجرَّدَةِ ، وَمِنْ قُدرَتِهِ الفَرديَّةِ على مُعَاوَدَةِ تجربَةِ الخَلْقِ الكَونيِّ لِيَفْهمَ وَيَعْرفَ، وَقَدْ أحَسَّ الشَّابُ حينذَاكَ أنَّهُ يرفُضُ التَّاريخَ المكتُوبَ ، وَالذَّي يُصَنَّعُ آنَذَاكَ وَأدْرَكَ أنَّ قَوَالِبَ التَّعبيرِ تعْمِيَةٌ ، وَأنَّ طُرُقَ المعرفَةِ غيرُ مُفْضِيَةٍ إلى الحقيقَةِ ."(52)
وَانْطِلاقًا مِنْ هَذَا الوَعْي ، رَأى أنَّ خَيْرَ طريقٍ هُوَ أنْ يَتَقَصَّى الطَّريق إلى المعرفَةِ بحوَاسِّهِ ، وَبفوَرَاتِ تخييلِهِ وَتَضَوُّراتِ جَسَدِهِ المتوقِّدِ بالمعْرفَةِ الطَّليعيَّةِ ، وَبهذَا جَسَّدَتْ هَذِهِ التَّجربَةُ وَلاءَهَا الكَامِلَ لحركَةِ الذَّاتِ المبدِعَةِ ، نازِعَةً إلى " الغَوْصِ البَاطِنِ ، هَذَا الاسْتِبْطانُ مِنْ أجْلِ الإبْدَاعِ المعرفيِّ وَالإبْدَاعِ الأدَبيِّ ، هَذَا الاجْتِهَادُ المغامِرُ لِلْخُروجِ عَنْ المألوفِ السَّائدِ ".(53)  
وَالجديرُ بِالذِّكرِ هُنَا أنَّ الحضورَ الذَّاتيَّ لا يَتَمَثَّلُ في صُورَةِ وعيٍ رُومَانسيٍّ بَسِيْطٍ ؛ بل يَتَبَدَّى في حَرَكَةِ وَعْيٍ حَدَاثيٍّ على جَنَبَاتِ الفَضَاءِ النَّصيِّ ، مُشَكِّلةً حَرَكَتَهَا الخاصَّةَ على المشْهَدِ ؛ بحيثُ لمْ يَعُدْ "وُجُودٌ لِشيءٍ سِوَى الوَعْي الإنْسَانيِّ ، يَبْني دَائِمًا ، يُعَدِّلُ ، يُعِيدُ بِنَاءَ عَوَالم جَديدَة ."(54)

"في غَيْرِ أوْقَاتِ الرَّاحَةِ وَالهُدوءِ كُنْتُ أتَدَلَّي مَشْنُوقًا مِنْ سَطْحِ غُرْفَتي
كَانَ العَالمُ تَحْتِي دَائرًا يَتَحَرَّكُ في خُطُوطِهِ وَكُنْتُ أرْقُبُهُ مِنْ عَلٍ
لِسَاني بَارزٌ وَأحْدَاقِي جَاحِظةٌ
أنَا المُتَحَرِّكُ الرَّاقصُ في جِيْئَةٍ في رَوْحَةٍ
أنَا السَّاعةُ الدَّاقةُ ،
أنَا وَقْتُ العَالمِ الصَّاخبِ المُضْطَربِ مِنْ تَحْتِي
خُطْوةٌ لِليَسَارِ وَوَاحِدةٌ لِليَمينِ .
وَأُخْرَى لِليَسَارِ وَثَالِثةٌ لِليَمينِ
يَاللتَّوتُّرِ الرَّتيبِ
يَا حَرَكَتِي الضَّائعَةُ المُعَلَّقةُ . لَقَدْ أضَعْتُ أرْضِي وَأبْعَادِي وَأنَا أحْيَا وَحْدِي
وَحْدِي في الهَشِيمِ الأسْوَدِ . البَاهِتِ ، في النَّارِ المَشْبُوبَةِ ، في الحَصِيْدِ
يَا بُعْدَ أبْعَادِي ، يَافَجيعَتِي في الحَرَكةِ
يَافَرَاغَ الرَّقصَةِ المَشْدُودَةِ المُتَشَنِّجةِ ." (55)

لَقَدْ كَانَ التَّحرُّرُ مِنْ قَوَالبِ الكِتَابَةِ الثَّابتةِ، هُوَ التَّبدِّي الشَّكليُّ أوْ الظَّاهريُّ لِلتَّحرُّرِ مِنْ قَوَالِبِ التَّفكيرِ الجامِدَةِ "(56)؛ حيثُ بَرَزَ في هَذِهِ التَّجربَةِ هَاجِسُ العَوْدَةِ إلى المعْرِفَةِ الذَّاتيَّةِ الحسِّيَّةِ وَالمعْرِفَةِ الحَدْسِيَّةِ ، انْطِلاقًا مِنْ خِبْرَةِ الجَسَدِ ، وَمِنْ الوَعْي المتَشَظِّي المتَشَبِّتِ " بِالمرئِيِّ وَالمحسُوسِ مِنْ نَاحِيَةٍ ، وَبجمَحَاتِ الخيَالِ مِنْ نَاحِيَةٍ أخْرَى"(57)، وَبَرَزَتْ الكَثَافةُ ، وَحِدَّةُ الإيقَاعِ الشَّخصِيِّ الاسْتِبْطَانيِّ ، وَالتَّفاعُلاتُ النَّصيَّةُ مَعَ نُصُوصٍ أخْرَى تَلْتَحِمُ بهَا ، وَليْسَ مِنْ العَسِيْرِ أنْ نَلْحَظَ مُنَاخَاتِ رَامبو سَاريَةً في أُفُقِ هَذِهِ الشِّعريَّةِ ، وَبهذَا الوَعْي الإشْكاليِّ المركَّبِ جَسَّدتْ هَذِهِ التَّجربَةُ شَقًّا للأفُقِ الرُّومَانسِيِّ ؛ الَّذي هَيْمَنَ على المشْهَدِ الإبْدَاعيِّ لِلشِّعرِ المنثُورِ ، بِوَعْيهَا الحدَاثيِّ التَّركِيبيِّ ، وَخِبْرتهَا المعْرِفيَّةِ وَالعرْفَانيَّةِ وَجَيَشَانهَا الإيقاعِيِّ المتدفِّقِ الموَّارِ ، سَابِقَةً بِذَلكَ - بِعَشَرَةِ أعْوَامٍ كَامِلَةٍ - مَا سَيَطْرَحُهُ يوسف الخال (1917- 1987) ، في برنَامجِهِ الطَّليعيِّ عَنْ " مُسْتَقْبَلِ الشِّعرِ في لبنان " - في رَبيعِ 1957 - ؛ وَهُوَ البرنَامجُ " الَّذي ألحَّتْ مَبَادئُهُ على التَّعبيرِ عَنْ التَّجربَةِ الحياتيَّةِ ؛ كَمَا يَعِيْهَا الشَّاعرُ بجميْعِ كِيَانِهِ ، وَاسْتِخْدَامِ الصُّورَةِ الحيَّةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ تَدَاعٍ نَفْسِيٍّ ، يَتَحَدَّى المنْطِقَ وَيُحَطِّمُ القَوَالِبَ التَّقليديَّةَ ، وَاسْتِبْدَالِ التَّعابيرِ وَالمفْرَدَاتِ الجديدَةِ المسْتَمَدَّةِ مِنْ صَمِيْمِ التَّجربَةِ وَحَيَاةِ الشَّعبِ ، بِالتَّعابيرِ وَالمفْرَدَاتِ القَديمةِ الَّتي اسْتَنْفَدَتْ حَيَويِّتِهَا ، وَتَطْويرِ الإيقَاعِ الشِّعريِّ العَرَبيِّ ، وَصَقْلِهِ على ضَوْءِ المضَامِيْنِ الجدَيدَةِ ؛ الَّتي لا تَتْرُكُ لِلأوْزَانِ التَّقليديَّةِ أيَّةَ قَدَاسَةٍ . يُضَافُ إلى ذَلكَ وَعْي التُّرَاثِ الرُّوحِيِّ / العَقْليِّ العَرَبيِّ ، وَفَهْمِهِ على حَقِيْقَتِهِ دُوْنَ خَوْفٍ أوْ تَرَدُّدٍ ، والغوص إلى أعماق التَّراث الروحيِّ / العقليِّ الأوربيِّ ، وَالتَّفاعُلِ مَعَهُ في مُوَازَاةِ الإفَادَةِ مِنْ التَّجَاربِ الشِّعريَّةِ ، الَّتي حَقَّقَهَا أدَبَاءُ العَالمِ ".(58)
كَمَا سَتَتَجَسَّدُ في (كِتَابِ حَرْف الـْ "ح ") ، تَقْنيَاتٌ شِعريَّةٌ سَتَظْهَرُ بَعْدَ اثْني عَشَرَ عَامًا ، بِكَثَافَةٍ ، لَدَى أُنْسِي الحاج ، في عَمَلِهِ الشِّعريِّ الأوَّلِ : (لَنْ) : 1960 ؛ حَيْثُ الاعْتِمَادُ على إحْدَاثِ خَلْخَلَةٍ في بِنْيَةِ السَّردِ الشِّعريِّ ؛ بِتَدَاخُلِ الجمَلِ في العِبَارَةِ ؛ ممَّا يُشَكِّلُ بَتْرًا في عِلاقَاتِ التَّراتُبِ العِبَاريِّ ، وَتِكْرَارِ بَعْضِ الصِّيغِ أوْ الكَلِمَاتِ في تَدَفُّقٍ لُغَويٍّ مَشْحُونٍ بالإيقاعِ الحادِّ وَالنَّبرَةِ المتوتِّرةِ الصَّاخِبَةِ . يُصْبِحُ النَّصُّ بهذَا الشَّكلِ سَاحَةً هَادِرَةً بِانْفِجَارَاتٍ غنائيَّةٍ مَوْصُولَةٍ أشْبَهِ بهذَيَانٍ مَبْتُورِ الجُمَلِ ، يخْلِطُ الكَلامِ ، وَيَسُوقُ شَظَايَاهُ كَحُمَمٍ مُتَوَالِيَةٍ. 

وَإذَا أمْكَنَنَا- في أقلِّ تَقْديْرٍ- رَدَّ هَذِهِ التَّقنيَاتِ إلى آليَّاتِ الشِّعرِ الحدَاثِيِّ الفَرَنْسِىِّ ، وَبخَاصَّةٍ تجربَة رامبو(1854 - 1891) ، في : (فَصْل في الجحِيْمِ) - دُونَ أنْ نَطْرَحَ احْتِمَالِ اطِّلاعِ أنْسِي على كِتَابَةِ بدر الدِّيب - فَسَتَكُونَ الرِّيادَةُ العَربيَّةُ لِقَصِيدَةِ العِبَارَةِ ذَاتِ البُتورِ وَالشَّظايَا في فَضَاءِ القَصِيدِ النَّثريِّ ، مِنْ حَقِّ بدرِ الدِّيب لا أُنْسِي ، على الرَّغمِ مِنْ حِدَّةِ أُنْسِي وَحُجَجِهِ المسْتَعَارَةِ في مُقدِّمَةِ : (لنْ) ، وَبهذَا جَسَّدَتْ تجربَةُ (كِتَابِ حَرْفِ الـْ "ح ") قَفْزَةً في المشْهَدِ الآتي .

لا ، لَمْ تَعُدْ بَعْدُ

لا لمْ تَعُدْ بَعْدُ تلكَ الَّتي أنتظرُهَا. انْتَظَرْتُهَا الليلَ كُلَّهُ. كَانَ الليْلُ الطَّويلُ
يَنْبَسِطُ عَلى رُوْحِي فَأُحِسُّهُ مُتَعَمِّقًا أصِيلاً كَأنَّهُ لا يَطُولُ .
كُنْتُ أنْتَظِرُ وَأنْتَظِرُ وَلَيْسَ أمَامِي إلاَّ الليْلُ ، إلاَّ اللحظَةُ القَادِمَةُ مِنْهُ ، مِنْهُ
هُوَ. كَانَ الليْلُ انْتِظَاري ، وَلكِنْ كُنْتُ أنْتَظِرُ .
كَانَتْ النُّجومُ الوَافِرَةُ تَتَرَامَى عَلى عيونِي فَأُحِسُّهَا بِدَاخِلِي المُتوحِّدِ لا تُضِيءُ وَلا تَبْرُقُ ، أحِسُّهَا في دَاخِلِي تَوَحُّدًا وَبَابًا لِمَسْرَبٍ طويْلٍ كُلُّهُ ظُلْمَةُ لَيْسَتْ الظُّلمَةُ قَصْدِي وَلكِنَّهَا نَصِيْبِي .
أنَا أفْتَح ُ يَديَّ عَلى عَدَمٍ ، أفْتَحُهُمَا فَأحِسُّهُمَا نُجُومًا بَعِيدَةً ، أحِسُّهُمَا بابًا ، وَرَاءَهُمَا مَسْرَبٌ .
أنَا أسْتَحِيْلُ ظُلْمَةً وَانْتِظَارِي المُتَوفِزُ ليْلٌ . ليْلٌ ليْلٌ ليْلٌ في الدَّائرَةِ ، ليْلٌ في النَّجمِ ليْلٌ في رُوحِي الدَّائرَةِ الوَامِضَةِ .
أنَا أتَحَرَّكُ أتَحَرَّكُ في ظُلْمَتِي ، أتَحَرَّكُ بوَمِيْضِي الخَافِتِ . وَلكِنَّي أتَحَرَّكُ أتَحرَّكُ في دَائرَةٍ دَائرَةٍ تَتَحَرَّكُ لا أمَامَ وَلكِنْ طُول.
طُوْلٌ مُتَرَامٍ مِنْ مَسْربٍ .
حُرِّيَّتي المَسْلُوبَةُ تَبْتَلِعُهَا الظُّلمَةُ كَأنَّهَا أمَلٌ .
كَأنَّهَا هِيَ .
كُنْتُ أحِسُّ انْتِظَاري تَحَرُّرًا وَطَريقًا .
كُنْتُ أحِسُّ ليْلِي مُفْضِيًا مُتَقَاصِرًا .
كُنْتُ أحْسَبُ وِحْدَتِي بَعِيدَةً لا مَعْنَى لهَا . وَلكِنِّي أنْتَظِرُ في عُبُوديَّةِ الظُّلمَةِ ، في وِحْدَتي الأصْلِيَّةِ الليليَّةِ .
لا لنْ أتَحَرَّكَ . أنْ أقدِرَ عَلى الدَّائرَةِ . أنْ أُحَطِّمَ المِحْوَرَ وَلكِنِّي أنْتَظِرُ، أنْتَظِرُ فَلا يَنْحَطِمُ إلاَّ النَّجمُ ، فَلا يَخِفُّ الآه ، فَلا تَمْتَدُّ إلاَّ الظُّلمَةُ ، أصَالَةُ الظُّلمَةِ .
يَا ظُلْمَتِي الأصِيْلَةُ ، يَا حَرَكَتِي الدَّائرَةُ هَلْ لَكِ ابْنٌ . أنَا ابْنِي قَدْ مَاتَ .
قَدْ كُنْتُ أبًا في القَديْمِ ، في العَهْدِ القَدِيْم ِ، في أورشَليمَ الأرْضِيَّةِ .
يَا ابْنِي ، يَا ابْنِي ، يَا نَجْمِي ، يَا وِحْدَتي أنَا أحْيَا في رَقْصَةٍ ، رَقْصَةٍ مُتَدَاعِيَةٍ ، رُءوسُهَا أشْجَارٌ وَأقْدَامُهَا ظِلالٌ .أنَا السَّاكِنُ ، أنَا السَّاكِنُ ، وَحَوْلِي الرَّقصَةُ . رَقْصَةُ الحُرِّيَّةِ ، حُرِّيَّتِي المَسْلُوبَةِ ، حُرِّيَّتِي المُظلِمَةِ .
يَا وِحْدَتِي ، يَا وِحْدَتِي في هَذَا الأُفُقِ المُغْلَقَ في هَذَا المَسْرَبِ المَلْعُونِ .أنَا أتَحَرَّكُ ، أتَحَرَّكُ في الظُّلمَةِ ، أتَحَرَّكُ إلى مَكَانِي القَديْمِ وَلكِنِّي قَدْ فَقَدْتُ المَاضِي ، قَدْ فَقَدْتُ ابْنِي ، قَدْ أضَعْتُهُ في أورشَليْمَ .
أورشَليْمَ المُقَدَّسَةِ ، أورشَليْمُ الَّتي أقَمْتُهَا بِقُوَايَ ، أقَمْتُهَا وَحْدِي بِألوَاحِي وَلكِنِّي فيْهَا أضَعْتُ ابْنِي .
يَا مَديْنَتِي الكَبيْرَةُ يَا مِعْمَاري القَاسِي إنَّ ابْنِي ضَلَّ ، قَدْ أضَلَّتْهُ طُرقُاتِي ، قَدْ أضَاعَتْهُ الجُدْرَانُ المُقَامَةُ ، قَدْ ابْتَلَعَهُ البنَاءُ الوَاسِعُ المُدْركُ لذَاتِهِ .
أنَا وَحْدِي لا أُدْركُ . أنَا وَحْدِي لا أقومُ .أنَا وَحْدِي لا أضِلُّ .لا أضِلُّ عَنْ مَكَانِي عَنْ حَاضِري عَنْ ظِلِّي وَأشْجَاري الرَّاقِصَةِ .
أشْجَاري ابْتَعِدِي . انْزَعِي جُذُورَكِ وَحَرِّريْنِي اتْرُكُيْنِي وَحْدْي قَدْ
أجَنَّتْنِي رَقْصَتُكِ امْضِي امْضِي في هدُوءٍ احْمِلِي ظِلََّكِ ارْتَحِلِي كَكِيَانِهِ .
أيُّهَا الظِّلُّ المَرْمِيُّ . أيُّهَا الحَاضِرُ المَبْسُوطُ عَلى أرْضِي ، أرْضِي الصَّمَِاء الصَّلدَةِ .إنَّهَا رَحِيمَةٌ بَشِعَةٌ إنَّهَا تُنِيْمُكَ فلا تَتَحَرَّكُ فَلا تَتْرُكَهَا .
ارْتَحِلْ اجْمَعْ كِيَانَكَ وَسِرْ .مَاذَا تَنْتَظِرُ ؟.
أنَا وَحْدِي أنَا وَحْدِي أنْتَظِرُ .
أيُّهَا الظِّلُ المَعْمُودُ ، أيُّهَا العَاشِقُ اللعِيْنُ قَدْ أجَنَّكَ الحُبُّ وَجُنِنْتُ أنَا ، جُنِنْتُ أنَا وَحْدِي في مَكَانِي .
يَاظِلِّي المَرْمِيّ مَاذَا تَنْتَظِرُ ؟.
أنَا أتَحَرَّكُ أتَحَرَّكُ بمُفْرَدِي أتَحَرَّكُ في أُفُقِي ، أُفُقِي ظِلِّي وَظِلِّي سَاكِنٌ لا يَتَحَرَّكُ . أنَّهُ يَضِيْقُ عليَّ كَالظُّلمَةِ يَضيْقُ كَالنَّجمِ البَعِيْدِ . يَتَبَاعَدُ يَتَبَاعَدُ كيْ يُصْبِحَ ظُلْمَةً
وَالظُّلمَةُ صَارَتْ كلِمَةً ، الكَلِمَةُ صَارَتْ جَسَدًا ، وَالجََسَدُ حَلَّ فيَّ وَكَانَ .
أنَا مَصْلُوبٌ مَصْلُوبٌ على ظِلِّي . مَصْلُوبٌ في اللحْظَةِ وَاللحْظَةُ صَارَتْ ظُلمَةً وَالظُّلمَةُ صَارَتْ ظِلاًّ وَأنَا وَحْدِي في ظِلِّي أغِيْبُ .
أنَا الغَارِقُ في ظِلِّي أنَادِي :
أبْعِدُوا أرْضِي عَنِّي وَانْزَعُوا مِنِّي جُذُورِي ."(59)
11/ 12 / 1947

وَقَدْ أرْجَعَ محمود أمين العالم (1922-2009) أهميَّةَ تجربَةِ حَرفِ الـْ" ح " إلى قيمَتيَنِ أسَاسِيَّتينِ تُؤكِّدَانِ على حَدَاثَتِهَا ، وَتَتَمَثَّلُ الأولى في " تجاوزِهِ وَتخطِّيهِ لِلنَّهْجِ البَلاغيِّ السَّرديِّ القَديمِ ؛ سَوَاء في البِنْيَةِ الشِّعريَّةِ أوْ القَصَصِيَّةِ أوْ المسرَحِيَّةِ ؛ فَحَرْفُ الـْ " ح " في الحقِيقَةِ بنيَةٌ شِعريَّةٌ تجمَعُ دَاخِلَهَا بَيْنَ الأجْنَاسِ الأدبيَّةِ الثَّلاثَةِ.. بِنيَة حَرْفِ الـْ : ح "؛ برَغْمِ اسْتِفَادَتها العَمِيقَةِ وَالغَنِيَّةِ مِنْ الثَّقافَةِ الغَربيَّةِ في أرْقَى مُسْتَوَيَاتهَا ، وَخَاصَّةً كِتَابَاتِ كافكا وكيركجارد ، إلاَّ أنَّهَا تمتحُ مِنْ الثَّقافَةِ العَربيَّةِ في أرْقَى مُسْتَوَيَاتهَا الأسْلوبيَّةِ وَالبَلاغيَّةِ ، وَتَتَجَاوَزَهَا وَتخرُجُ عليْهَا مِنْ دَاخِلِهَا، وَيَتَمَثَّلُ هَذَا التَّجَاوُزُ في السِّمَاتِ الأسْلوبيَّةِ وَالبِنَائيَّةِ التَّاليَةِ: سِيَادَةِ الاسْتِبْدَالِ وَالتَّداخُلِ الاسْتِعَاريِّ وَالمجازيِّ ، وَالخروجِ على مَنْطِقيَّةِ السَّردِ وَتَعاقُبيَّتِهِ ، وَبروزِ الوَثَبَاتِ المفَاجِئَةِ المتَعَارضَةِ المتَنَاقِضَةِ ، وَسِيَادَةِ مَنْطِقِ الوجْدَانِ تخلُّصًا مِنْ المنْطِقِ الاسْتِدلاليِّ الاسْتِخلاصِيِّ ، إلى جَانبِ صُدورِ الأوْصَافِ مِنْ أعْمَاقِ الظَّواهِرِ وَالأحْدَاثِ وَمِنْ وَظِيْفَتِهَا الفَاعِلَةِ المؤثِّرَةِ لا مِنْ خُطُوطِهَا وَمَظَاهِرِهَا الخارجيَّةِ ، فَضْلاً عَنْ بروزِ بنيَةٍ تَبْشِيريَّةٍ رَسُوليَّةٍ ؛ ذَاتِ إيقَاعٍ سِحْريٍّ مَأسَويٍّ حَادٍّ . َوتَتَحَقَّقُ هَذِهِ السِّمَاتُ في وِحْدَةٍ تعبيريَّةٍ على دَرَجَةٍ عَاليةٍ مِنْ الاتِّسَاقِ الخاصِّ المميِّزِ . أمَّا القِيمَةُ الثَّانيَةُ لحرْفِ الـْ " ح "، فَهَيَ هَذَا الغِنَى الوِجْدَانيُّ وَالعِرْفَانيُّ وَالمعْرِفيُّ الَّذي تحتَشِدُ وَتَزْخَرُ بِهِ الخبرَةُ الحيَّةُ الحارَّةُ لمقطوعَاتِ حَرْفِ الـْ " ح ".(60)  
وَيَتَّفقُ إدوار الخرَّاط (1926 - ) مَعَ محمود أمين العالم ، في الرَّأي حَوْلَ عُمْقِ انْتِمَاءِ بدر الدِّيب إلى التُّراثِ العَرَبيِّ وَإلى التُّراثِ الغَرْبيِّ على السَّواءِ . وَهُوَ " انْتِمَاءٌ حَيٌّ مُتَجَدِّدٌ مُدْرِكٌ وَعَارفٌ لِذَاتِهِ ، وَعَيْنُهُ على المسْتَقْبَلِ مَهْمَا ضَرَبَتْ جُذُورُهُ في كُتْلَةِ الماضَََِي .  
"وَلِذَلكَ فإنَّ تقنيَاتِ الكِتَابَةِ عندَ بدرِ الدِّيبِ تَتَرَاوحُ مِنْ أسَاليبِ النَّجوَى إلى التَّقريْرِ ، وَمِنْ السَّردِ القَصَصِيِّ إلى التَّخييلِ الشِّعريِّ ، وَمِنْ المفارَقَةِ وَالسُّخريَةِ إلى التَّناصِ اللفظِيِّ وَالتَّاريخيِّ ، وَمِنْ المقطوعَاتِ الِقصَارِ إلى المطَوَّلاتِ المسْهَبَةِ. (61)  
وَهَكَذَا تَتَوَاشَجُ في البِنْيَةِ الشِّعريَّةِ لحرْفِ الـْ "ح " عِدَّةُ فَوَاعِل بنائيَّةٍ ، أهمُّهَا : الاسْتِفَادَةُ مِنْ مُنْجَزَاتِ الحدَاثَةِ الغَربيَّةَ ؛ بخاصَّةٍ لَدَى رامبو وكيركجارد وهولدرلين ، بجانِبِ اسْتِثْمَارِ إمكَانَاتِ أسَاليبِ السَّردِ العربيِّ الأصِيلَةِ ، وَمَزْجِهَا بِأجْوَاءِ وَآليَّاتِ (العَهْدِ القَدِيمِ)في خِطَابٍ شِعريٍّ جَامِعٍ وَحُرٍّ .

ODE TO RIMBAUO
إلى رامبو

خَرَجَ يَخْرُجُ فَهُوَ خَارجٌ إذَا وَجَدَ لَهُ مَخْرَجًا وَهِيَ خَارجَةٌ عَلى طَاعَةِ زَوْجِهَا .
خَرَجَ مُوسَى بِاليَهُودِ مِنْ مِصْرَ وَخَرَجَ لعاذرَ مِنْ قَبْرِهِِ عَلى يدِ المَسِيْحِ ، وَخَرَجْتُ أنَا وَحْدِي أتَنَزَّهُ في الحُقُولِ .
دَفَعْتُ يَدِي في جَيْبِي وَتَذَكَّرْتُ رَامبو وَسِرْت ُ.
رَامبو أنَا سَعِيدٌ لأنَّكَ مَعِي .
أنْتَ وَحْدَكَ أحِبُّكَ وَأعْرفُكَ وَآلَفُ عُيونَكَ .
خُذْنِي إلى جِوَاركَ . خُذْنِي في يَدِكَ . انْظُرْ لِي .
رَامبو هَلْ تَعْرِفُنِي ؟.
أنَا لَسْتُ أنْتَ ، أنَا أذْكُرَكَ أذْكُرَكَ فَحَسْب وَأنَا خَارجٌ أتَنَزَّهُ في الحُقُولِ .
لا تَدْفَعْ حِمَمَكَ عَليَّ . لا تَجْعَلْنِي أخْتَفِي كَمَا اخْتَفَتْ أمريكا وَآسيا وَأوروبَا.
أنَا لا أجِدُّ . أنَا لا أجِدُّ . لَقَدْ تَجَاوَزْتُ السَّابِعَة عَشَرَ .
أنَا مَازلْتُ أحْلُمُ بقُصُوركَ وَفُصُولكَ .
رَامبو لا تَقْسُ عَليَّ . لَقَدْ تَفُهَتْ حَيَاتِي وَلكِنِّي أُحِبُّكَ
رَامبو كَيْفَ خَرَجْتَ مِنْ الجَحِيْمِ .(62)


شِعريَّةُ السِّريَاليَّةِ في المَشْهَدِ الشِّعريِّ السُّوريِّ
في دِيوانِ: سِريَال ، لِعَليّ النَّاصِر وَ أُورْخَان مَيسرّ 


جَاءَتْ تجربَةُ : سِريَالِ ، لِلشَّاعريْنِ عليٍّ النَّاصِر وَ أورْخَان مَيسرّ ، انْبَثَاقًا آخَر لِتَجْربَةِ قَصِيدَةِ النَّثرِ الحدَاثيَّةِ المبكِّرَةِ ، وَانْبِثَاقًا آخَرَ لِلمَدِّ السِّريَاليِّ ، في المشْهَدِ السُّوريِّ ، بَعْدَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ كَامِلَةٍ مِنْ مَدِّهِ الأوَّلِ في المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ ، عَلى أيْدِي شُعَراءِ جماعَةِ: الفَنِّ وَالحريَّةِ ، مُنْذُ عَامِ 1938 . 

تَتَشَكَّلُ مجموعَةُ سِريَال(63)، مِنْ خمسةٌ وَخمسِينَ نَصًّا شِعريًّا ؛ مِنْهَا خمسةٌ وَثلاثونَ لِعَليٍّ النَّاصِرِ، وَعشرونَ لأورْخَان ؛ الَّذي كَتَبَ الإهْداءَ والمُقَدِّمَةَ وَالخَاتمةَ ؛ بمَا يُوحِي بِأنَّهُ المسئولُ عَنْ الإطَارِ النَّظريِّ لِلتَّجربَةِ ، وَالتَّرويجِ لِشِعريَّةِ السِّريَاليَّةِ .

وَتَتَّسِمُ نُصُوصُ المجموعَةِ بِالتَّركِيزِ الشَّديدِ ،كَمَا أنَّهَا جَاءَتْ بغيرِ عَنَاويْنَ ، وَنُصُوصُ النَّاصِرِ أكثرُ تَكْثِيفًا وَإشْرَاقًا، بَيْنَمَا تميْلُ نُصُوصُ أورْخَان إلى السَّرديَّةِ ، وَهِيَ تَتَنَوَّعُ بَيْنَ القَصِيرَةِ وَمُتَوَسِّطَةِ الطُّولِ .

وَيَتَّسِمُ الدِّيوانُ بحرصٍ وَاضِحٍ ، عَلى تَكْثِيفِ الصُّورِ الشِّعريَّةِ الحرَّةِ المدْهِشَةِ ، وَفيْمَا يجنَحُ النَّاصِرُ إلى البِنَاءِ المشْهَدِيِّ ، يميْلُ أورْخَانُ إلى البِنَاءِ السَّرديِّ ؛ عَبْرَ التَّوسُّعِ في اعْتِمَادِ آليَّاتِ التَّصويرِ المتَعَدِّدَةِ . 

وَيحنَحُ علي النَّاصِر(1894-1970)(64)، في نُصُوصِهِ ، إلى التَّكثيْفِ الشَّديدِ ، وَالتَّشَظِّي ، وَالمونتَاجِ ، وَالأدَاءِ البَصَريِّ ، في إقامَةِ خِطَابِهِ الشِّعريِّ ؛ عَبْرَ الصُّورِ المتَشَظِّيَةِ في بِنَاءٍ مُونتاجِيٍّ ، وَعلى الرَّغمِ مِنْ هَيْمَنَةِ التَّشظِّي وَأنْ شَظَايَا الصُّورِ تَبْدُو ، ظَاهريًّا ، مُتَبَاعِدَةً ، وَبَيْنَهَا فَرَاغَاتٌ دلاليَّةٌ عَديدَةٌ ، فإنَّ البِنيَةَ الكُلِّيَّةَ لِلنَّصِّ تَكْشِفُ عَنْ وُجودِ تَرَابُطٍ دَاخِليٍّ عَمِيقٍ بَيْنَ عَنَاصِرِ المشْهَدِ النَّصيِّ ،كَمَا يُسَاعِدُ التَّكثيفُ الشَّديدُ ، على بروزِ حِدَّةِ الإيقَاعِ ، وَثمَّةَ تَشْديدٌ على إنهَاءِ النُّصوصِ بخواتيمَ مُشِعَّةٍ بِالدَّلالاتِ. إنَّ النَّاصِرَ مُصَوِّرٌ بِامْتِيَازٍ ؛ يَعْتَمِدُ آليَّاتٍ بَصَريَّةً مُتَنوِّعَةً ، بِكَثَافَةٍ ؛ فَيَجْنَحُ أحْيَانًا إلى فَنِّ الرَّسمِ الحدَاثيِّ ،كَمَا في قوْلِهِ في أوَّلِ نُصُوصِهِ:

" شَفَةٌ ..
أشْلاءٌ مِنْ زَهْرَةٍ مُمَزَّقةٍ
مُشَوَّهةٍ لمْ يَبْقَ مِنْ تَنَاسُقِهَا
إلاَّ قطرَةَ دمٍ
تَرْنُو إلى عَيْنٍ ."(65)

وَكَمَا في قوله :
" شَجَرَةُ الدَّلبِ 
شَلاَّلٌ هَائِلٌ 
غَنَجٌ في الأعَالي
دُودَةٌ 
سنونو تُعَشِّشُ ."(66)

إنَّ النَّاصِرَ في نُصُوصٍ كَهَذِهِ يَرْسُمُ لوْحَاتٍ شِعريَّةً خَالِصَةً .  
وَيجنَحُ أحيانًا إلى شَكْلِ الأدَاءِ السِّينمائِيِّ ؛ فيتحرَّكُ الفعْلُ الشِّعريُّ ، تحرُّكَ كَاميرَا؛ تَرْصُدُ مُفْرَدَاتِ المشْهَدِ الشِّعريِّ الدَّالِ ، بغيرِ تَذْويتٍ ، كَمَا في قوْلِهِ : 
" فِرْعَونُ
أزَلٌ
كليوباترَه
مِنْ جَانِبيْ الرِّوَاق 
صَدَى نَايٍ سَحِيْق 
صَحَرَاء .. صَحَرَاء 
نَغَمَةٌ مِنْ جَليْدٍ 
جَليْدِ أبديٍّ 
مُوْميَاء ."(67)
وَقَدْ يجنْحُ في هَذَا الأدَاءِ السِّينمائِيِّ إلى الصُّورِ السِّريَاليَّةِ ، الجزئيَّةِ ، في تَشْكِيْلِ عَنَاصِرِ الصُّورَةِ الكُليَّةِ للْمَشْهَدِ ؛ لِلتَّعبيرِ عَنْ رُؤى هَذَيَانيَّةٍ ، كَمَا في قَوْلِهِ :

"دمُوعٌ مُغْلَقَة 
غُلَّةٌ تَنْقَعُ 
قِشْرَةٌ جدُّ وَحْشِيَّةٌ 
سَعِيْرٌ ..
عيونٌ 
جَدَاولُ 
جَنَّةٌ . 

دمُوعٌ مُجَلْجِلَةٌ 
دمُوعٌ مُحْتَرقَةٌ 
جَهَنَّمُ .. جَنَّةٌ 
عَيْنٌ ذَاتَ كُوَّتَيْنِ ."(68)

أمَّا أورْخَان مَيسرّ (1914-1965)(69) ، فَيَحْتَفِي بِالصُّورةِ السَّرديَّةِ احْتِفَاءً لافِتًا ، وَيُلاحَظُ أنَّ الصُّورَةَ السَّرديَّةَ الكُلِّيَّةَ لَدَيْهِ ، تَتَضَمَّنُ حُضُورًا كَثِيفًا لِلصُّورِ الاسْتِعَاريَّةِ ؛ الَّتي تَضْطَلِعُ بِأدَاءِ أدْوَارِ سِريَاليَّةٍ بَصَريَّةٍ ، في خِطَابٍ يحتَشِدُ بِالصُّورِ الشَّعريَّةِ الجزئيَّةِ المتَنَامِيَةِ في إطَارٍ سرديٍّ ؛ لِتَشْكِيلِ رُؤى إنْسَانيَّةٍ كُليَّةٍ وَدِرَاميَّةٍ ، كَمَا في هَذَا النَّصِّ :  

" أجَلْ إنَّ أعْمَاقي تَعْرفُ الطَّريقَ
طَريقَ النُّورِ
فَقَدْ ألِفَتْهَا قبْلَ أنْ تَتَفَتَّحَا لِلشَّمسِ
وَاحْتَضَنَ دِفئُهَا قَدَمَيَّ قبْلَ أنْ تَنْتَعِلا اللهَبَ
إنَّ تَوْقي يَسْبِقُنِي
هَذَا التَّوقُ الَّذي يَنْبَنِي في كِيانِ التَّاريخِ
وَيُبخَِّرُني بِسَخَاءٍ
لأعودَ فأتَسَاقطَ على القَافلةِ الصَّاعِدَةِ وَأصْبِحَ كَأنَّني حَوَافِرُهَا
الظَّمأى إلى النُّورِ
أمَّا الغُبَار الَّذي يَكَادُ يفقأُ عَيْنيََّ الآنَ
فََسَيَرتدُّ عَنْ الفَجْرِ
لِيَتَقَمَّصَ أسْطُورَةً ضَامرَةَ البَدَنِ
ذَاتَ شَفَتَيْنِ ضَخْمَتَيْنِ شَفَّافتَيْن ِ
تُرَدِّدَانِ مَعِي
أنْشُودَتِي الَّتي غنَّتْهَا خَلايَايَ قبْلَ أنْ أُولدَ
بُورِكْتَ أيُّهَا النُّورُ
قُدِّسْتَ أيُّهَا النُّورُ ."

ثمَّةَ حِرْصٌ وَاضِحٌ على تَكثِيفِ الصُّورِ الجزئيَّةِ - الاسْتِعَاريَّةِ الأصْلِ ، ذَات النُّزوعِ السِّريَاليِّ الوَاضِحِ - الَّتي تَتَنَامَى في تَكْثِيفٍ وَاضِحٍ لِلحَالةِ الشِّعريَّةِ وَللغَةٍ وَللصُّورِ الشِّعريَّةِ وَلِلإيقَاعِ ، مُشَكِّلةً - في النِّهَايَةِ - مُنولوجًا شِعريًّا دِرَاميًّا، وَيَبْدُو أنَّ جُنُوحَ تجربَةِ أورْخَانِ مَيسرّ إلى المجازِ البَلاغيِّ البَصَريِّ السِّريَاليِّ ، مَعًا ، هُوَ مَا دَفَعَهُ إلى أنْ يُقرِّرَ - في مُقدِّمَةِ الدِّيوَانِ - أنَّ " في المجموعَةِ الَّتي يَتَضَمَّنُهَا هَذَا الكِتَابُ عَدَدٌ مِنْ القِطَعِ الَّتي هِيَ شِبْهُ السِّريَاليَّةِ "(70)؛ فَهُوَ يُقَدِّمُ السِّريَاليَّةَ بِصِيغَةٍ عَربيَّةٍ مُلائمَةٍ ، أوْ يُقَدِّمُ شِعريَّةً شِبْهَ سِريَاليَّةٍ كَمَا يَقُولُ - وَجُنُوحُهُ إلى التَّصويرِ السِّريَاليِّ الحرِّ لا يُخْفِي دَوْرَ الوَعْيَ المُنَظِّمِ لإنْتَاجِ الدَّلالةِ، عَبْرَ خَوَاتيمِ النَّصِّ الدَّالةِ ؛ فَإذَا كَانَتْ الصُّورَةُ تَنْقَذِفُ - كَمَا يقولُ في المقدِّمَةِ - "مِنْ اللاشُعورِ في حَالةٍ نفسيَّةٍ يكونُ فيْهَا الانْتِبَاهُ غَيْرَ شَامِلٍ لهَا كُلَّ الشُّمولِ "، فَإنَّ دَوْرَ الوَعْي يَأتي لِيُنَظِّمَ عَمَليَّةَ بِنَاءِ النَّصِّ ، في النِّهايَةِ ، وَهُوَ مَا يَبْدُو في هَذَا النَّصِّ (71) :

" دَأبِي تَكْويمُ الظِّلالُ
أمَّا الخُطوطُ وَالألوَانُ فأترُكُهُمَا طَعْمًا لأحْلامِي الَّتي
تلتهمُ بَعْضِي دُونَ وَعْي مِنِّي
أمَّا أنَا ، أنَا المُجَرَّدُ مِنْ الظِّلالِ وَالألوَانِ وَخَفْقَةِ الحُلْمِ
فأمْضِي كَبَحَّةِ وَترٍ مَقْطُوعٍ ، غُمِرَ في الطِّيْنِ " . 

كَمَا يَبْدُو، في النَّصِّ التَّالي ؛ الَّذي يَتَجَسَّدُ فيْهِ الإحْسَاسُ بِالعَجْزِ ، في صُورَةٍ سَرديَّةٍ سِريَاليَّةٍ مُحْكَمَةٍ ، وَإنْ جَاءَتْ نهايَتُهَا ، كَعُنْوَانهَا ، رُومَانتِيكيَّةَ الطَّابعِ ، هَكَذَا :

" إنَّ سَاقِي مَشْلُولةٌ
وَهَذِهِ الأحْلامُ
الَّتي تُحَاولُ أنْ تُجَنِّحَ جَسَدَهَا المَبْتُورَ
سَيَتَلاشَى لُهَاثُهَا
إذْ ذَاكَ
دَعْنِي
أحْلُمُ في صَمْتٍ ."

إنَّ التَّشديدَ على شِعريَّةِ التَّصويرِ ، وَتحفِيزِ التَّخييلِ لأدَاءِ الدَّورِ الرَّئيسِ في التَّجربَةِ ، عَبْرَ أدَاءٍ يجنَحُ إلى الاسْتِبْطَانِ وَإلى السَّرديَّةِ وَالتَّقريرِ ، في بِنَاءِ صورٍ سَرديَّةٍ وَبَصَريَّةٍ كُليَّةٍ ، غَالبًا مَا يَنْتَهِي إلى تَعْمِيْقِ حَالةِ العُزْلَةِ وَالوَحْشَةِ وَالاغْتِرَابِ ، كَمَا يبدو في قولِهِ :

"لَمْ تَكُنْ لي مَعَاولُ في المَاضِي 
فَكُنْتُ أحْفُرُ القُبورِ بأظَافِري
وَكُنْتُ أضَعُ في هَذِهِ القُبورِِ 
لُهَاثَ المَدَى 
وَكُنْتُ مَابَيْنَ لَحْظَةٍ وَأخْرَى 
أعُودُ إلى مَقْبَرَتي فَأجِدُ 
مَابَيْنَ حُفْرَةٍ وَأخْرَى 
حُفْرَةً لَمْ تَصْنَعْهَا يَدَاي 
غَيْرَ أنِّي في تِجوَالي هَذَا 
أحْسَسْتُ كَأنَّني لَمْ أنْتَقِلْ 
مِنْ قَبْرٍ إلى قَبْرٍ ."
وَقَدْ تجنَحُ التَّجربَةُ إلى تَكْثِيفِ البِنَاءِ ، وَإقامَةِ المفَارَقَةِ ، مَعَ الحفَاظِ عَلى دَوْرِ التَّخييلِ في بِنَاءِ الخِطَابِ الشِّعريِّ الدَّالِ ، كَمَا في قولِهِ :
" ظُفْري أطْلَقْتُهُ لَيَحزَّ في نَيْزَكٍ 
قَلْبِي قَطَّرْتُهُ لِيَرْتَمِيَ مِنْ عَيْنٍ ، 
وَإذَا بِالظُّفرِ وَالقَلْبِ 
تَوْأمَانِ يَرْعَيَانِ في عَيْنَيْ إلهٍ ."

وَعَلى هَذَا النَّحوِ مِنْ الأدَاءِ الشِّعريِّ الخاصِّ ، جَسِّدَتْ تجربَةُ:(سِريَالِ)إحْدَى العَلامَاتِ الشِّعريَّةِ المبكِّرَةِ المهِمَّةِ ، لِقَصِيدَةِ النَّثرِ العَربيَّةِ ؛ تُضَافُ إلى التَّجَارِبِ الطَّليعيَّةِ الَّتي سَبَقَتْهَا ، وَالَّتي جَاوَرَتهَا ، وَيأتي في طَلِيعَتِهَا تجاربُ الشُّعراءُ السِّريَاليينَ المصْرِيينَ ، وَتجربَةُ بدرِ الدَّيبِ في كتابِهِ: حَرْفِ الـْ "ح ".


شِعريَّةُ القَصِيدِ النَّثريِّ الصُّوفِيِّ 
في دِيوَانِ : (أغَانِي القُبَّةِ) ، لخيرِ الدِّينِ الأسدِي (1900– 1971( 


أنجزَ خيرُ الدِّين الأسدي(72)، دِيوَانَهُ الوحِيْدَ:(أغاني القُبَّةِ)(73)، مُتأثِّرًا بِشِعريَّةِ النَّصِّ الصُّوفيِّ الفَارسِيِّ، وَبخاصَّةٍ شِعريَّة حَافظ الشِّيرازيّ (729 -791 هـ) ، في تَوَقُّدِهَا البَاطِنِيِّ وَرَمْزيَّتِهَا وَرَوْحَانيَّتِهَا المجنَّحَةِ ، وَقَدْ قسََّمَ نُصوصَ الدِّيوَانِ إلى سَبْعٍ وَعِشْرينَ سُورَةً ، جَعَلَ حَافظ الشِّيرازيَّ - المُلقَّبَ بَلِسَانِ الغَيْبِ وَتُرجمَانَ الأسْرَارِ - سَاردًا شِعريًّا لمعظَمِهَا ، وَتَكْشِفُ هَذِهِ السُّورُ - مُجْتَمِعَةً - عَنْ تَفَاعُلٍ شِعْريٍّ وَاضِحٍ مَعَ تجربَةِ الشِّعريَّةِ الصُّوفيَّةِ الفَارسِيَّةِ ، وَتحديدًا تجربَة جَلالِ الدِّين الرُّوميِّ (604-628هـ)،وَتجربَة حَافظ الشِّيرازيِّ ، وَبِشَكْلٍ أوْضَحٍ مَعَ تجربَةِ حَافظ الشِّيرازيِّ ، وَيَتَجَلَّى هَذَا التَّفاعُلُ في طَبيعَةِ التَّجربَةِ ، وَفي آليَّاتِ إنتاجِ الدَّلالةِ ، وَفي الموقِفِ الشِّعريِّ، وَفي النَّبرَةِ الشِّعريَّةِ ؛ ففِي : سُورَةِ الحبرَةِ ، يقولُ الأسدِيُّ: 

" أنَا مَزَامِيْرُ مِحْرَابِ الزَّمن ، أنَا ببغاءُ الحَضْرَة ِ، أُرَدِّدُ مَا يَنْفُثُ في مِنْقارِي أسْتَاذُ الأزَلِ ."(74)
وَهُوَ، هُنَا، يُذكِّرُنَا بجلالِ الدِّينِ الرُّوميِّ ، في قَوْلِهِ : 
" أنَا ألَمُ العَصَا ، أنَا السَّحَابُ ، وَأنَا الغَيْثُ ، 
أنَا الَّذي أُمْطِرْتُ في المِرُوجِ ."
وَفي: أغاني القُبَّة ، إشاراتٌ عديدةٌ إلى كلام جلال الدِّين الرُّومي ، بالإضافة إلى إشَارَاتٍ أخْرَى لحافظ ، وَتأتي خُصُوصِيَّةُ تجربَةِ :أغَاني القُبَّةِ ، في مَشْهَدِ قَصِيدَةِ النَّثرِ ، مِنْ اعْتِمَادِهَا عَلى مَصْدَرٍ مُغَايرٍ لِلْمَصْدَرِ الغَربيِّ ؛ الَّذي اعْتَمَدَتْ عليْهِ قَصِيدَةُ النَّثرِ العَربيَّةِ كَثِيرًا؛ حَيْثُ اكْتَشَفَتْ ، مُبَكِّرًا ، شِعريَّةَ النَّصِّ الصُّوفيِّ الشِّعريِّ عَامَّةً ، وَالفَارسِيِّ مِنْهُ خَاصَّةً ، وَالأسديُّ - في وقوفِهِ على هَذِهِ الصِّيغَةِ - يُوَضِّحُ ، أنَّهَا " نَفَحَاتٌ مِنْ الشِّعرِ الصُّوفيِّ المنثورِ؛ "فيُؤكِّدُ عَلى البُعْدِ الصُّوفيِّ فيْهَا ، وَعَلى كَوْنهَا شِعْرَ نَثْرٍ ، وَمِنْ الآليَّاتِ الشِّعريَّةِ البَارزَةِ الَّتي تَنَاسَبَتْ مَعَ طَبِيعَةِ تجربَةِ أغَاني القُبَّةِ: المخَاطَبَاتُ وَالمنَاجَيَاتُ وَالنِّدَاءَاتُ ، وَمِنْ هَذِهِ الشِّعريَّةِ قَوْلُهُ : 
" يَاصَبْوَةُ ! يَاصَبَاحُ ! ، يَا صَبِيُّ ، يَا كَاتِبَ أسْرَارِ الغَيْبِ بقَلَمِ الإرَادَةِ ، هَاتِ بَنَاتِ القَنَانِي ،وَهَلُمَّ نَتَفَاغَمُ ، عَبْعَبُ !، يَارَبْرَبُ ! ضُمَّنِي ، ثُمَّ عُبَّنِي ، نَحْنُ في وَادِي الهُدَى ، نَحْنُ في وَادِي الصَّلاحِ ."(75) 
وَمِنْ الوَاضِحِ هُنَا قُدْرَةُ الأسديِّ - العَلاَّمَةِ اللغَويِّ - عَلى انْتِخَابِ مُعْجَمٍ شِعريٍّ ؛ وَاضِحِ الدِّقةِ وَالأصَالةِ وَالدَّلالةِ ، وَرَصْفِهِ في نَسِيجٍ شِعريٍّ عَاليَ التَّكثِيْفِ وَالإيقَاعِيَّةِ ، وَبِالإضَافَةِ إلى المنَاجَيَاتِ وَالنِّدَاءَاتِ ، تَعْتَمِدُ التَّجربَةُ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ ، عَلى التَّصويرِ الرَّمزيِّ المجنَّحِ ؛ ففي: سُورَةِ الذِّكرى ، يَقُولُ : 

" في دَبيْبِ النُّورِ ، وَعَلى قَطَرَاتِ الطَّلِّ، زَرَعْتُ حَبَّةَ رُوحِي بيدَيَّ ، في حَقْلِ الوجُودِ ، وَنَصَبْتُ مِصْبَاحَ عَيْنَيَّ في مَهَابِّ مُخَمَّرِ ، النَّسِيمُ يَرْقُبُ مَوَاكِبَ الجَلالِ عَلى مِصْبَاحٍ مُوَرَّدٍ ."(76)
إنَّ التَّصويرَ ، عِنْدَ الأسديِّ ، يَتَجَاوَزُ التَّزيينَ الاسْتِعَاريِّ إلى التَّشكِيْلِ الرَّمزيَّ ، بِالصُّورِ الشِّعريَّةِ ، لِلْحَالاتِ الصُّوفيَّةِ المتَّقِدَةِ في صَوْتٍ بَاطِنيٍّ عَمِيْقٍ ، عَلى طَريقَةِ حَافظ الشِّيرازيِّ ؛ الَّذي قَرَأْنَا لَهُ قَوْلَهُ : 
"وَارْتَضَيْتُ عُزْلَتِي 
كَمَا ارْتَضَاهَا الفِرْجَارُ 
يَدُورُ حَوْلَ مُحِيطِهِ 
وَلكِنَّ القَدَرَ جَعَلَنِي ، في النِّهايَةِ ، كَالنُّقطَةِ 
في وَسَطِ الدَّائرَةِ ."(77) 
وَقَوْلَهُ :
" سَأظَلُّ كَالشَّمْعَةِ المُتَّقدةِ البَاسِمَةِ ، أبْكِي عَلى نَفْسِي طُوْلَ حَيَاتِي ، حَتَّى أرَى مَاذَا يَصْنَعُ احْتِرَاقِي بِقلْبِكَ الحَجَريِّ ."(78)
وَقَوْلَهُ :
" يَاريْحَ الصّبَا .. !! طَوِّحِي بتُرَابِ جَسَدِي إلى هَذَا المَكَانِ العَالي
 فَرُبِّمَا اسْتَطَعْتُ أنْ أرْمُقَ مَلِيكَ الحِسَانِ في مَجْلِسِهِ."(79)  
وَحَافظُ ، عِنْدَهُ ، هُوَ: سَاقَي الشَّرَابِ، و: شَيْخُ المجوْسِ ، و: ببغَاءُ الحضْرَةِ ، في المشْهَدِ المضِيءِ ، يَقُولُ في: سُورَةِ الجمَالِ : 
" طَابَ الزَّمَانُ ، وَأمْسَكَ مَلاكُ الرَّحمَةِ جَامَ الهَنَاءِ ، يَسْقِي بِهِ وُجُوهَ الحُورِ وَالولْدَانِ . فَتَكَسَّرَ السُكَّرُ ، وَتَفَطَّرَ اليَاسَمِيْنُ ، وَسَالَ لُعَابُ حَافظ ، بَيَّاعِ الغَرَامِ 
قُلْتُ : سَلامًا ، طَنِّبْ ، قَالَ : امْضِ أيُّهَا الدَّرويشُ العِربِيْدُ ! كَيْفَ غَادَرْتَ جَنَّةَ المَأوَى، وَضَرَبْتَ خَيْمَتكَ في هَذَا الخَرَابِ ؟ 
يَا هُدْهَدَ الصّبَا ! يَا مُرَادَ العَافِي ! إنِّي مُرْسِلُكَ إلى سَبَأٍ بِكِتَابِ عَنْبرِ حُبِّي ، صَفِّقْ صَفِّقْ ، يَا جنَاحُ ، وَاسْكُبْ – بِحَيَاةِ قلبِكَ – تَصْفِيقَةَ الألْحَانِ عَلى أعْتَابِ بَلقِيْسَ . 
قُلْ لهَا : مَالَهَا ؟، لَثَمْتُ خَدَّ الضُّحَى : صَلاتُنَا عُمْرُنَا ، نَحْنُ عُبَّادَ الشُّعَاعِ."(80) 
وَيحضرُ حَافظ، أحْيَانًا ، بِاعْتِبَارِهِ لِسَانَ الغَيْبِ، وَسُرْعَانَ مَا يَتَوَاشَجُ هَذَا الصَّوتُ بِصَوْتِ الأسديِّ ؛ في جَديلَةٍ حِوَاريَّةٍ وَاحِدَةٍ ، كَمَا في :سُورَةِ المدَرْجِ ؛ الَّتي يَقُولُ فيْهَا:
" إذَا ضَرَبْتَ في الصَّحَاري شَوْقًا إلى الكَعْبَةِ ، فَلا يُحْزُنْكَ إنْ آذَتْكَ الأشْوَاكُ .
مُنْذُ عَزَمْتُ عَلى الزِّمَاعِ ، طَرَّى خَيَالي دُمَاعُ النَّدَى ، وَقَهْقَهَةُ السَّرَابِ . 
يَا غَرَامِي ! إنَّ يَدِي تَعْويذَةٌ لَكَ مِنْ أعْيُنِ السُّوءِ ؛ فَاتَّخِذْهَا تَمِيْمَةً تُطَوِّقُ مِنْكَ الجَيْبَ :
عِنْدَمَا يَتَهَادَى خَيَالُ وَجْهِكَ في رَوْضَةِ العَيْنِ يُقْبِلُ القَلْبُ ؛ لِيَنْظرَ إليْكَ 
أيْنَ غَاليَةُ المُرَادِ ؟، يَا نَسِيمَ السَّحَرِ ! ، يَا طَيِّبَ الأنْفَاسِ ، أيْنَ ذُؤابَاتُ الجَمِيْلِ ؟  
لا تُحْضِرُوا الشَّمعَ ، لا تَأذَنُوا لِلنُّورِ ، لَقَدْ تَمَّ بَدْرُ التَّمِّ في أُمْسِيَةِ حَلْقَتِنَا ؛ حَيْثُ نَفْتَرُّ بِنُورِ التُّهَاليْلِ وَنَبْكِي ."(81)

وَتَبْقَى تجربَةُ الأسدِيِّ ، في: أغَاني القُبَّةِ ، شَدِيدَةَ الخصُوصِيَّةِ ، في طَبِيْعَتِهَا الشِّعريَّةِ ، وَرِيَادَتهَا في اكْتِشَافِ شِعريَّةِ النَّصِّ الصُّوفيِّ وَرَوْحَانِيَّتِهِ ، بجانِبِ أهمِّيتِهَا التَّاريخيَّةِ ؛ بِاعْتِبَارِهَا مِنْ التَّجَاربِ الخاصَّةِ الَّتي انْبَثَقَتْ مُبَكِّرًا في فَضَاءِ الشِّعريَّةِ النَّثريَّةِ العَرَبيَّةِ .


خَاتِمَة

لَقَدْ شَكَّلتْ هَذِهِ التَّجاربُ الشِّعريَّةُ الطَّليعية جُزرًا مُستقلَّةً في خريطةِ الشِّعريَّةِ العربيَّةِ ، وَاسْتَطَاعتْ - في مِسَاحاتهَا المحدودَةِ - أن تُحافِظَ على سمتِها الخاصِّ ، وَأنْ تتحصَّنَ ضِدَّ التَّماهِي في آليَّاتٍ الشِّعريَّةِ العربيَّةِ التَّليدَةِ ، ظَهَرَ هَذَا ، في تجاربِ توفيق الحكيم الشِّعريَّةِ السِّرياليَّةِ المبكِّرَةِ ،كَمَا ظَهَرَ في تجاربِ شُعَرَاءِ جماعةِ الفَنِّ وَالحريَّةِ ؛ الَّتي هَيْمَنَ عليهَا وَعيُّ حَدَاثيٌّ طليعِيٌّ مُركَّبُّ أسَّسَ مَشَاهِدَهُ الخاصَّةَ بأدائيَّاتِهِ الخاصَّةِ ، مُتفاعِلاً مَعَ المنطقِ العَامِ للشِّعريَّةِ السِّرياليَّةِ ، وَقَدْ بَرَزَتْ في هَذِهِ الأعمالِ أهميَّةُ إطلاقِ المخيِّلةِ بكلِّ حُريَّتهَا ، كَمَا بَرَزَتْ فيْهَا فاعليَّةُ تفجيرِ الإمكانيَّاتِ المضْمَرَةِ في اللغَةِ بإقامَةِ علاقاتٍ جَديدَةٍ بينَ الكلِمَاتِ ، كَمَا بَرَزَ فيْهَا ضَبْطُ حَرَكةِ التَّجربَةِ مِنْ التَّدفقِ الوجدانيِّ السَّيَّالِ ؛ بحيثُ لم يَعُدْ الفِعْلُ الشِّعريُّ تقيُّؤًا للحالَةِ الشِّعريَّةِ ، وَأصْبَحَ النَّصُّ الشِّعريُّ فَضَاءً لعالمٍ مِنْ الصُّورِ الطَّازجَةِ المسْتَحْدَثَةِ المتنامِيَةِ .
وَعَلى مَقرُبةٍَ منْ هَذِهِ الجماعَةِ جَنَحَ لويس عوض إلى شعريَّةٍ حداثيَّةٍ أخْرَى ، أرْسَى ملامحَهَا الشَّاعر الإنجليزيُّ ت.س إليوت بقصيدتِهِ:(الأرْض الخرَاب) ، وَهِيَ شِعريَّةٌ تعتمِدُ عَلى احْتِشَادِ النَّصِّ الشِّعريِّ بالرُّموزِ وَالإشَاراتِ وَالإحَالاتِ وَالاقتباسَاتِ وَالتَّضمينَاتِ وَاسْتِخدَامِ اللغَاتِ المختلِفَةِ في النَّصِّ ، ممَّا يجعلُ الشَّاعرَ مُضطرًا لأنْ يُلْحِقَ بالنَّصِّ الشِّعريِّ قائمةً بمصادرِ الإحَالاتِ وَالاقتباسَاتِ المتعدِّدةِ .
وَكَانَتْ تجربَةُ محمد منير رمزي المباغِتَةِ ، وَاحِدةً مِنْ هَذِهِ التَّجاربِ الشِّعريَّةِ المهمَّةِ ؛ الَّتي لمْ تُعْرَفْ على نحوٍ كبيرٍ في وقتِهَا ؛ حَيْثُ ارْتحلَ عَنْ العَالمِ مُنْتَحِرًا ، وَهُوَ في العشرينَ مِنْ عُمرِهِ .
أمَّا بدر الدِّيب فَقَدْ أنجزَ (كِتَاب حَرْفِ الـ" ح ") ، وَنَشَرَ مَقَاطِعَ مِنْهُ في الأربعينيَّاتِ ، وَظَلَّ مَعْروفًا عَلى نِطَاقٍ ضَيِّقٍ ، وَلمْ يُصْدِرْهُ في كتابٍ إلاَّ بعدَ أرْبعَةِ عقودٍ كامِلةٍ ، حَيْنَمَا سَتُهيمِنُ على المشْهَدِ الشِّعريِّ توجُّهاتٌ لكتابَةِ الشِّعرِ بالنَّثرِ ، وَبهذَا سَيُعَادُ وَضْعهُ في التَّاريخِ الشِّعريِّ الحداثيِّ باعْتِبَارِهِ أحَدَ المنْجَزَاتِ الشِّعريَّةِ المؤسِّسَةِ المهمَّشَةِ في المشْهَدِ الشِّعريِّ .
وَعَلى مَقْرُبَةٍ مِنْ هَذَا المشْهَدِ الزَّاخِمِ انْبَجَسَتْ تجربتَانِ بارزتَانِ، في أوَاخِرِ الأرْبعينيَّاتِ وَبدايَةِ الخمسينيَّاتِ مِنْ القرْنِ الماضِي، في المشْهَدِ الشِّعريِّ السُّوريِّ، همَا: تجربَةُ علي النَّاصِرِ وَأوْرَخان مَيسرّ ، في ديوانهمَا:(سِريال) ، وتجربَةُ خير الدِّين الأسديِّ في دِيوَانِ:(أغاني القُبَّة) ، وهو ما يوحي بأن إرهاصات التَّغيير ، وانبعاث ظاهرة شعر النَّثر الحداثيِّ، كانت حالةً عَامةً ، في خَريطَةِ الشِّعريَّةِ العربيَّةِ ، وَبِاسْتِثناءِ تجربَةِ خير الدِّين الأسديِّ ؛ الَّتي اشْتَغَلَتْ على آليَّاتِ الشِّعريَّةِ الفَارسِيَّةِ الصُّوفيَّةِ ، وَتحديدًا شِعريَّة حافظ الشِّيرازيِّ ، فقدْ أكَّدَتْ مُعظَمُ التَّجاربُ على انحيازِهَا الوَاضِحِ لمنجَزَاتِ الشِّعريَّةِ الغربيَّةِ الطَّليعيَّةِ ؛ وَبخاصَّةٍ السِّرياليَّة في فََرَنْسَا، غيرَ أنَّ المؤكَّدَ أنَّهَا لمْ تتَّسقْ مَعَ مثيلاتها الغربيَّةِ سِوَى في الأُطُرِ العَامَّةِ لإنتَاج ِ الشِّعريَّةِ ، وَكَانَ الطُّموحُ الأسَاسِيُّ العَامُّ لهذِهِ التِّجاربِ جميعًا هُوَ تأسِيسُ خِطَابٍ شِعريٍّ كَامِلِ الأبْعَادِ ، لا يَتَوَاشَجُ في أيِّ بُعْدٍ مِنْ أبعادِهِ مَعَ نماذَجِ الشِّعريَّةِ العربيَّةِ بأنْسَاقِهَا الموروثَةِ وَآلياتها الضَّالعةِ في تأطير التَّجاربِ الجامحَةِ وَتحْجِيْمِهَا .
وَقَدْ أعْقَبَتْ هَذِهِ الأعْمَالَ الشِّعريَّةَ الحداثيَّةَ الطَّليعيَّةَ ، تجاربُ أقرَبُ إلى طبيعَةِ النَّموذَجِ الرُّومانتيكِيِّ ، في شِعريَّةِ القَصِيدِ النَّثريِّ ، بَدَأتْ مُنذُ أواخِرِ الأرْبعينيَّاتِ وَاتَّضحَتْ مَعَالمُ شِعريَّتِهَا في الخمسينيَّاتِ ، وَمِنْ أبرزِهَا تجربَةُ الشَّاعرَةِ اللبنانيَّةِ ثريَّا مِلْحِس ؛ الَّتي ظَهَرَتْ في الدَّواوينِ الآتيَةِ:(أناشيد التَّائه):1949، وَ(قُرْبَان):1952، وَ(أناشِيد وَمجامِر):1956، وَ(ملحَمَة الإنْسَان):1961، وَ(محاجِر في الكُهوف):1961، وَ(خَبَّأنا الصَّواريخ في الهيَاكِلِ ):1968، وَتجربَة الشَّاعر العِرَاقِي حُسين مُردَان (1927-1972) الَّتي بَرَزَتْ في دَواوينِهِ:(صور مُرْعِبَة):1951، وَ(العَالم تنور):1952، (عزيزتي فُلانة):1951،وَ(نشيد الإنشاد):1955، وَ(هلاهل نحو الشَّمس):1959،وَ(الرَّبيع وَالجوع):1953. وَقَدْ حَافَظَتْ هَذِهِ الأعْمَالُ ، وَسِوَاهَا ، على اسْتِمْرَارِ حُضورِ النَّوعِ الشِّعريِّ الخاصِّ للقَصِيدِ النَّثريِّ ، وَسُرْعَانَ مَالحِقَ بهذِهِ الحلقَةِ حَلْقَةٌ أخْرَى سَيَتَّضِحُ وُجُودُهَا بقوَّةٍ مَعَ نهايَاتِ الخمسينيَّاتِ وَبِدَايَاتِ السِّتينيَّاتِ ، وَمِنْ أبْرَزِ مَنْ فيْهَا : محمَّد الماغوط ، أدونيس ، أُنْسِي الحاج ، شوقي أبو شقرا ، وجبرا إبراهيم جبرا ، ويوسف الخال ، وإبراهيم شكرالله ، بالإضَافَةِ إلى توفيق صايغ ؛ الَّذي كَانَ قَدْ سَبَق زملاءَهُ بِسَنَوَاتٍ إلى المشْهَدِ الشِّعريِّ .وَعلى أيْدِي هَذِهِ الحلقَةِ سَيَشْهدُ القَصِيدُ النَّثريُّ تجلِّيًا جَديدًا ، وَحُضُورًا جَديدًا..

الإحَالات وَالتَّعلِيقَات

(1) أحمد رَاسِم ( 1895-1958) : وُلِدَ بالإسكندريَّةِ ،كَانَ أبُوهُ مِنْ بَاشَاوَاتِ الإسكندريَّةِ وَكَانَتْ جدَّتُهُ جَركسِيَّةً وَمُربِّيتُهُ أفريقيَّةً ، أشَارَ إليهِمَا كثيرًا في شِعْرِهِ . حَصَلَ على إجَازَةِ الحقوقِ مِنْ مَدْرَسَةِ الحقوقِ الفَرَنْسِيَّةِ بالقَاهِرَةِ، وَأصْدَرَ أوَّلَ كتبِهِ وَهُوَ في نحوِ العشريْنَ بعنوانِ:(الدِّين والإنسان) في عام 1916، وَكَانَ يتردَّدُ في هَذَا الوقْتِ على مَرْسَمِ الفنَّانِ أرتور زانييري بالإسكندريَّةِ ؛ ليتعلَّمَ فنَّ الرَّسمِ وَالتَّصويرِ مَعَ ابنِ خَالِهِ محمود سعيد ( المصوِّرُ الكبيرُ فيْمَا بَعْدُ) . أجَادَ رَاسِمُ الفَرَنْسِيَّةَ وَالإنجليزيَّةَ وَاختلَطَ بِالأوْسَاطِ الفنيَّةِ وَالأدبيَّةِ الأوربيَّةِ بالإسكندريَّةِ . وَأصْدَرَ دِيوانَهُ الأوَّل:(البُسْتَان المهْجُور) بِالعَربيَّةِ في عَامِ 1922، ثمَّ انتقلَ إلى الكتابَةِ بِالفَرَنْسِيَّةِ في العَامِ التَّالي وَنَشَرَ بهَا مجموعَةً مِنْ الدَّواوينِ مَنْهَا :(كِتَابُ نيسَان):1927 - (جدَّتي تقولُ أيضًا):1930- (هِيَ الابتسامَةُ الأخِيرَةُ ليسوع):1931، وَقَدْ لاقَتْ هَذِهِ الأعْمَالُ اهتِمَامًا كبيرًا مِنْ نُقَّادِ وَمُبْدِعي الأدَبِ الفَرَنسِيِّ. عَمِلَ رَاسِمُ مُلْحَقًا ثقافيًّا بِالسِّفَارَاتِ المصْريَّةِ في عواصِمِ إيطاليَا وَأسبانيَا وَتشيكوسولفكيا ثمَّ عُيِّنَ سكرتيرًا عَامًا لرئاسَةِ مجلسِ الوَزَرَاءِ ، فوكيلاً لمحافظَةِ القَاهِرَةِ، فَمُحَافِظًا لِلسِّويسِ عَامَ 1938، فَمُديرًا لإدَارَةِ المطبوعَاتِ عَام 1944، فَمُديرًا عَامًا لمصلحَةِ السِّياحَةِ ، ثمَّ اسْتَقَالَ لَيَتَفَرَّغَ للأدَبِ وَحْدَهُ ، حَتَّى وَفَاتِهِ في يناير 1958.
بإيجازٍ عَنْ : نقولا يوسف - أعْلامٌ مِنْ الإسكندريَّة - الهيئة العامة لقصور الثَّقافة - الطَّبعة الثَّانية – 2001.
(2) اشْتَمَلَ دِيوانُ: (البُسْتَان المهجُور) على قَصَائِدَ نثرٍ خَالِصَةٍ ، تَتَرَاوحُ بَيْنَ النُّصوصِ الشِّعريَّةِ الطَّويلةِ ، وَالنُّصوصِِ المركَّزةِ القَصِيرَةِ؛ الَّتي تَكْشِفُ عَنْ اتِّصالِهِ بِشِعرِ الهايكو اليَابانيّ . وَالوَاقِعُ أنَ رَاسمَ كَانَ ذَا ثقافَةٍ شِعريَّةٍ وَاسِعةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ؛ فبجَانِبِ إلمامِهِ بِالشِّعرِ العَرَبيِّ ألمَّ بِشِعرِ حافظ الشِّيرازيِّ وَسَعْدِي الشِّيرازيِّ، وَبِشِعْرِ الهايكو اليَابَانيِّ ، وَبَأشْعَارِ الشُّعرَاءِ الفَرَنْسِييِّنَ المحدَثينَ الرَّمزيِّينَ مِثْل بودلير، وَالرُّؤيويِّينَ مِثْل رامبو، وَالسِّرياليِّينَ مِثْل هنري ميشو ، وَلكنَّ التَّجاهُلَ الَّذي قُوبِلَتْ بِهِ تجربَةُ :(البُسْتَان المهْجُور) جَعَلَتْهُ ينتقَّلُ سريعًا وَنهائيًّا إلى الكتابَةِ بِالفَرَنْسِيَّةِ ، حَيْثُ نَشَرَ أوَّلَ قَصَائدِهِ في عام 1923، ثمَّ أصْدَرَ أوَّلَ دَوَاوينِهِ:(كتاب نِيْسَان) في عام 1927، فَكَانَ حَدَثًا شِعريًّا لافتًا بجوِّهِ وَلعبَتِهِ الشِّعريَّةِ المفتوحَةِ على أفُقِ النَّثرِ بمَا هُوَ سَرْدٌ وَوَصْفٌ وَنَصٌّ حُرٌّ قائمٌ على الإيقَاعِ الدَّاخِليِّ . وَيُلاحَظُ أنَّ الرُّوحَ المصْريَّةَ وَالشَّرقيَّةَ ظَلَّتْ وَاضِحَةً في شِعْرِ رَاسِم الفَرَنْسِيِّ ؛ لِذَا اعْتَبَرَهُ النَّاقدُ جاستون برثي " أكثرَ شُعَرَاءِ الفَرَنْسِيَّةِ المصْريِّينَ مِصْريَّةً " ، كَمَا اعْتَبَرَهُ جان موسكا تيلي " أكثرَ الشُّعَرَاءِ مِصْريَّةً بينَ مَنْ كَتَبُوا في اللغَةِ الفَرَنْسِيَّةِ وَأكْثَرَهُمْ شَرقيَّةً وَشَعبيَّةً " ، وَيُلفِتُ النَّظرَ في قَصِيدَتِهِ النَّثريَّةِ وَشِعْرِهِ النَّثريِّ الحرِّ " الجنوحُ إلى العَابِرِ وَالهَامِشِيِّ وَالعَرَضِيِّ ، وَهُوَ مَا يبدو في بَعْضِ عَنَاوينِهِ : " يَوْمِيَّات مُوَظَّفٍ بَسِيط "،"يَوْمِيَّات مُوَظَّفِ الأرْشِيف " ، " يَوْميَّات رَسَّامٍ فَاشِل" . وَقَدْ قُوبِلَتْ تجربَةُ رَاسِمٍ في الشِّعريَّةِ الفَرَنْسِيَّةِ بِاحْتِفَاءٍ كبيرٍ ، وَممَّنْ احْتَفَى بِهِ : أندريه شديد ، جورج دوهاميل ، جاك بريفير، جورج حنين، قسطنطين كفافيس .
رَاجِعْ : عبده وازن : أحمد رَاسِم ، شَاعرٌ مِصْرِيٌّ رَائِدٌ بِالفَرَنْسِيَّةِ ، باريس تُعيدُهُ إلى الضَّوءِ بعدَ خمسِينَ سَنَةً مِنْ التَّجَاهُلِ _ جَريدَة:(الحيَاة) اللندنيَّة - 9 /4/2008 ، بشير السِّباعِي : كفافيس وأحمد رَاسِم - مجلَّة:(إبداع) - العدد السَّابع عشر / نوفمبر ، 1991ص :133، نيقولا يوسف - أعْلام مِنْ الإسكندريَّة - الجزءُ الثَّاني - الهيئة العامة لقصور الثَّقافة - الطَّبعة الثَّانية - 2001.
(3) عَنْ : عصام محفوظ - السُّورياليَّةُ وَتفاعُلاتها العربيَّةُ - المؤسسة العربية للدِّراسات والنّشر - 1987 - ص : 49 .
(4) أنور كامل (1913- 1991) : تعلَّم في الجامعةِ الأمريكيَّةِ بالقاهرَةِ ، وَنَشَرَ كتابَهُ : (الكِتَاب المنبُوذ) سَنَةَ 1936، وفي ديسمبر1938 وَقَّعَ وَوَزَّعَ بيان " يحيا الفَنُّ المنحطُّ "وفي العامِ التَّالي أسَّسَ مجلَّةَ (التَّطوُّر) المعبِّرةَ عَنْ جماعة: الفَنِّ وَالحريَّة ، وَصَدَرَ عَدَدُهَا الأوَّلُ في يناير1940، وفي نهايةِ ذلكَ العَامِ أسَّسَ ، أيضًا ، جماعةَ :الخبزِ وَالحريَّةِ ، وَمِنْ إصْدَارَاتِهِ : (الصُّهيونيَّةُ):1944، (لا طَبَقَات):1945 .
(5) جان برتلمي - بحثٌ في عِلْمِ الجمَالِ - ترجمة :د. أنور عبد العزيز - دار نهضة مصر- د. ت - ص : 299 .
(6) السَّابق - ص : 302 .
(7) السَّابق - ص : 289 .
(8) توفيق إسماعيل الحكيم : وُلِدَ في الإسكندريَّةِ ، في أكتوبر سَنَةَ 1898، وَكَانَ أبُوهُ يعملُ بِالقَضَاءِ ، وَأمُّهُ تركيَّةَ الأصْلِ ، تَعلَّمَ بمدرسَةِ دمنهور الابتدائيَّةِ ، وَدَرَسَ المرحلَةَ الثَّانويَّةَ بالقاهرَةِ ، ثمَّ تخرَّجَ في كليَّةِ الحقوقِ سَنَةَ 1924 ، وَأرْسَلَهُ أبُوهُ إلى بَاريسَ لاسْتِكمَالِ دِرَاسَتِهِ في القَانُونِ ، وَهُنَاكَ قَضَى أرْبَعَ سَنَواتٍ عَكَفَ فيْهَا على دِرَاسَةِ الفنونِ وَالآدَابِ وَالاغترَافِ مِنْ الجديدِ وَالقديمِ فيهما ، ثمَّ عادَ إلى مِصْرَ سَنَةَ 1928 ، دُونَ أنْ يحصُلَ على الدُّكتورَاه في القانونِ ؛ لِيَعْمَلَ في النِّيابَةِ ،ثمَّ مُديرًا للتَّحقيقاتِ بِوَزَارَةِ التَّربيةِ وَالتَّعليمِ حتَّى سَنَةِ 1939 ، ثمَّ مُديرًا لِدَارِ الكُتُبِ المصْريَّةِ سَنَةَ 1951 ، بَدَأَ رِوَايتَهُ الأوْلى :(عَوْدَةُ الرُّوح) بِالفَرَنسِيَّةِ ، ثمَّ حَوَّلَهَا إلى العَربيَّةِ ،وَنَشَرَهَا سَنَةَ 1933 وَفي السَّنةِ نفسِهَا نَشَرَ مَسْرَحيَّةَ :(أهْلُ الكَهْفِ) ، ثمَّ نَشَرَ مَسْرحيَّةَ:(شَهْرَزَاد) سَنَةَ 1934 ، وَنَشَرَ رِوَايَةَ :( يوميَّاتُ نائبٍ في الأريَافِ) سَنَةَ 1937 ، ثمَّ رِوايَةَ :(عُصْفُورٌ مِنْ الشَّرقِ) سَنَةَ 1938، وَتَوَالتْ بَعْدَهَا أعْمَالُهُ المسْرحيَّةُ وَالرِّوائيَّةُ وَالفِكْريَّةُ ؛ الَّتي تُرْجِمَ مُعْظَمُهَا إلى مختلَفِ اللغَاتِ ، أمَّا شِعْرُهُ فلَمْ يَتَبَقّ منْهُ إلاَّ مَقَاطِعَ قليلَةٍ - بِالعَرَبيَّةِ وَبِالفَرَنسِيَّةِ - منْهَا المقاطِعُ الوَارِدَةُ هُنَا ، وَتُوفِّيَ في يوليو 1987 .
(9) توفيق الحكيم - رحلةُ الرَّبيعِ وَالخريف - دار مصْر للطِّباعَةِ - د.ت - ص :14، وَتجدُرُ الإشَارَةُ إلى أنَّ نجيب محفوظ (1911- 2006) ،كَذلكَ ، صَرَّحَ ، ذاتَ مَرَّةٍ أنَّهُ كَتَبَ الشِّعرَ المُحَرِّرَ مِنْ الوزنِ بينَ عَاميْ 1925- 1926 ، وَلكنَّه لمْ يَنْشُرْ هَذَا الشِّعرَ ، وَإنْ ظَلَّ محتفظًا بِهِ ، وَبهذَا السَّبقِ التَّاريخيِّ اعتبرَ محفوظ نفسَهُ "رَائِدَ المدرسَةِ الحديثَةِ في الشِّعرِ بلا مُنَازعٍ ." رَاجِعْ : فؤاد دوَّارة - عَشْرَةُ أدَبَاءٍ يَتَحَدَّثونَ - الهيئة المصْريَّة العامة للكتاب - الطَّبعة الثَّانية – 1996- ص :358.
(10) توفيق الحكيم - زَهْرَةُ العُمْرِ - مَطْبَعَةُ التَّوكُّلِ - 1943 - ص ص : 196 – 197.
(11) السَّابق - ص :29 .
(12) السَّابق - ص :49 .
(13) السَّابق - ص :46 .
(14) بحثٌ في عِلْمِ الجمَالِ - سَابق - ص :302 .
(15) مِنْهُمْ : كفافيس (1863- 1933) ؛ الَّذي وُلِدَ وَعَاشَ بالإسكندريَّةِ وَظَلَّ يكتبُ أشعارَهُ باليونانيَّةِ ، وَمِنْهُمْ: سترانيس تسير كاس (1911-1980) ؛ الَّذي وُلِدَ بحي عابدين بالقاهرَةِ وَعَاشَ بالإسكندريَّةِ بيْنَ عَاميْ :(1939- 1963) ، ثمَّ ارتحلَ إلى أثينا ، وَكَانَ يكتبُ أشْعَارَهُ وَرِوايَاتِهِ وَأبحاثِهِ باليونانيَّةِ ، وَمِنْهُمْ : جوزيبي أورنجاريتي (1888-1970) الشَّاعر الإيطالي الكبير؛ الَّذي وُلِدَ في الإسكندريَّةِ ، وَلَبِثَ فيْهَا الأربعةَ وَعِشْرينَ عامًا الأولى مِنْ عُمْرِهِ ، وَمِنْهُمْ كَذَلكَ: سيفيريس (-1971) الشَّاعرُ اليونانيُّ ؛ الَّذي عَمِلَ - في النِّصفِ الأوَّلِ مِنْ الأربعينيَّاتِ - مُلْحَقًا صَحافيًّا بِالسِّفَارَةِ اليونانيَّةِ بِالقَاهرَةِ ، وَالحاصِلِ على جائزةِ نوبل في عامِ 1963، وَمِنْهُمْ كَذَلكَ : أدمون جابيس (1912-1991) ؛ الَّذي وُلِدَ في مِصْرَ، وَعَاشَ فيْهَا حتَّى ارْتحالِهِ إلى فرنسا 1957، وَكَانَ قريبًا مِنْ السِّرياليِّينَ ، وَمِنْهُمْ كَذَلكَ : لورنس داريل (1912- 1990) ؛ الشَّاعرُ وَالرِّوائيُّ وَالنَّاقدُ الإنجليزيُّ ؛ الَّذي وُلِدَ بالهندِ ، وَتَعَلَّمَ بها ، ثمَّ انتقلَ إلى لندن ، وَمَكَثَ في بَاريسَ في الثَّلاثينيَّاتِ ، ثمَّ انتقلَ إلى مِصْرَ؛ حيثُ عَمِلَ مُوظَّفًا في السِّفارَةِ البريطانيَّةِ بِالقَاهِرَةِ ، أثنَاءَ الحرْبِ العالميَّةِ الثَّانيةِ ، وَقَدْ أنجَرَ رُباعيَّةَ الإسكندريَّةِ ؛ أشْهَرَ أعمالِهِ ، في أعْوَامِ :1957-1958- 1958- 1960.
(16) سمير غريب - السَّرياليَّة في مصر- الهيئة المصْريَّة العامة للكِتَاب - 1986- ص :50 .
(17) عصام محفوظ - السُّورياليَّة وتفاعلاتها العربيَّة - ص : 50، وَهَذَا ما أكَّدَ عليْهِ ، أيضًا د. شكري محمد عيَّاد ، في كتابه: المذاهب الأدبيَّة والنَّقديَّة عند العَرَبِ وَالغَربيِّينَ - عالم المعرفة - الكويت - سبتمبر 1993 - ص :60 .
(18) سوزان برنار - قصيدة النَّثر - ترجمة: زُهير مجيد مغامس - الهيئة العامة لقصور الثَّقافة - الطبعة الثَّانية - ديسمبر 1996 - ص : 173 .
(19) السَّابق - ص 210 .
(20) السَّابق - نفسه .
(21) عنْ : السُّورياليَّة وتفاعلاتها العربيَّة - ص : 51 ، وَالمدهِشُ أنَّ الدُّكتور محمود البسيوني يُرجِعُ نشأةَ فكرةِ الدَّاديَّةِ - لَدَى رُوَّادِهَا - إلى مِصْرَ ؛ " ففي عَامِ 1915 لجأَ بعضُ الفنَّانينَ إلى العيشِ في زيورخ باعْتِبَارِهَا مدينةً حياديَّةً ، جَاءَ إليْهَا تريستان تزارا ومارسيل جانكو مِنْ رومانيا ، وهانز آرب مِنْ فرنسا ،وريتشارد هوياستيك مِنْ ألمانيا ، وفي أحَدِ لقاءَاتهمْ العَابرَةِ في القَاهِرَةِ انْبَعَثَتْ لَدَيْهِمْ فكرَةُ تنظيمِ كباريه عالميٍّ للتَّرفيهِ ،كَانَ "هوجوبول " مُنظِّمُ الاحْتِفَالِ الأصْليِّ ، الَّذي أخَذَ مكانَهُ في الخامِسِ مِنْ فبراير عَام 1915 في حُجْرَةٍ اسْتُؤجِرَتْ مِنْ شَخْصٍ يُدْعَى "جان إفريم " وَهُوَ بحَّارٌ هُولنديٌّ وَصَاحِبُ حانَةٍ في " سيجلجاس" وَقَدْ تَبِعَ ذَلكَ بَرَامِجُ مِنْ التَّرفيهِ تَضَمَّنَتْ :أغاني فَرَنسِيَّة وَهُولنديَّة ،ومُوسِيقَى رُوسِيَّة قدَّمَهَا أوْركِسْترا "بلاليكا "وَمُوسِيقى زنجيَّة ، وَقَصَائد ، وَمَعَارِض للأعْمَالِ الفَنِّيَّةِ ، وَحِيْنَمَا جَاءَ كُلٌّ مِنْ بول و هويلستيك في أوائلِ شَهْرِ فبراير بحثًا في قاموسٍ ألمانيٍّ فَرَنْسِيٍّ عَنْ اسْمٍ مُنَاسِبٍ لنوعِيَّةِ النَّشاطِ الَّذي تُزَاولُهُ المجموعَةُ ، وَبِطَريقَةِ الصُّدفةِ قدَّمتْ السَّيدَةُ " ل.روي " كلمة:" دَادَا "، وَقَدْ تقبَّلَ الجميعُ المسمَّى بحمَاسٍ على أنَّهُ اسْمٌ مُلائِمٌ لكُلِّ أنْشِطَتِهِمْ ". د. محمود البسيوني - الفَنُّ في القرنِ العِشْرينَ : مِنْ التَّأثيريَّةِ حَتَّى فَنِّ العَامةِ - دار المعارف - 1983 - ص ص : 95 - 96 .
(22 ) الدَّليلُ على ذَلكَ أنَّ جورج حنين (القِبْطيَّ) تزوَّجَ إقبالَ حامد العلايلي (المُسْلِمَةَ) ؛ حفيدَةَ الشَّاعرِ أحمد شوقي وَابْنَةَ وَكِيلِ مجلسِ النُّوَّابِ .
(23) سمير غريب - السِّيريالية في مصر - الهيئة المصرية العامة للكتاب - الطبعة الثَّانية - 1998ص: 248 . وَالكلام لأنور كامل ، وَللتَّأكيدِ على الوَعْي الوَطِنيِّ لهذِهِ الجمَاعَةِ نُشِيرُ إلى وَاقِعَتَيْنِ :
- حِيْنَ خَاصَمَ السِّرياليِّونَ المصريُّونَ بقيادة جورج حنين السِّرياليِّينَ العَالمينَ بقيادَةِ " أندريه بريتون " سَنَةَ 1948، حِيْنَ أرَادَ هَؤلاءِ جَمْعَ التَّبرُّعَاتِ لدولَةِ إسرائيل الجديدَةِ .
- حِيْنَ رَفَضَ رمسيس يُونان سَنَةَ 1956 إلقاءَ بياناتٍ ضِدَّ مِصْرَ مِنْ إذاعَةِ باريسَ أثنَاءَ العُدْوَانِ الثُّلاثيِّ - وَكَانَ مُوَظَّفًا هُنَاكَ مُنْذُ عَامِ 1947 ، بَعْدَ خُروجِهِ مِنْ المعتقَلِ المصْرِيِّ ؛ الَّذي دَخَلَهُ بِسَبَبِ سُوءِ فَهْمِ السُّلطَاتِ المصْريَّةِ حينذَاكَ لِطبيعَةِ نَشَاطِ السِّرياليِّينَ. "
: مختار العطَّار - رُوَّادُ الفَنِّ وَطليعَةُ التَّنويرِ في مَصْر - الجزء الثَّاني - الهيئة المصْريَّة العامة للكِتَاب - 1997- ص :142.
(24) سام كنتروفتش : بُولنديُّ الأصْلِ ، وُلِدَ وَتَرَبَّى وَعَاشَ بمصْرَ ، وَسَافَرَ إلى بَاريسَ ، وَحَصَلَ على أعْلَى الدَّرجَاتِ في الرِّياضَةِ البَحْتَةِ ، وَحِيْنَمَا عَادَ إلى مِصْرَ ، رَفَضَتْ الجامِعَةُ المصْريَّةُ أنْ يَعْمَلَ بهَا ، فَعَاشَ مِنْ عَمَلِهِ مُعلِّمًا للأطفالِ اللغَةَ الفَرَنْسِيَّةَ ، ثمَّ هَاجَرَ إلى فَرنسَا ، وَظَلَّ بهَا حَتَّى رَحِيْلِهِ . (وَرَدَتْ هَذِهِ المعلومَاتُ في كَلام أنور كامل ؛ الَّذي كَانَ زَمِيلاً لَهُ ، في الجامعَةِ الأمريكيَّةِ ، وَنَشَرَ لَهُ شِعْرًا في:(التَّطور) . رَاجِعْ :السِّيرياليَّة في مصر - الطَّبعة الثَّانية - 1998 - ص ص :248-249) .
(25) مجلَّة:(الكِتَابَةُ الأخْرَى) - العدد الثاَّلث - ديسمبر1992 - ص 78 .
(26) مِنْهَا :( لامبررات الوجود) باريس: 1938- ( مَنْ هُوَ السَّيدُ أرَاجُون ؟) القاهرة :1945 - (المتنافِرُ) القاهرة: 1949- (الصُّورتَانِ) القاهرة:1953- (العَتَبَةُ المحرَّمَةُ) باريس: 1956– (الإشَارَةُ الأكْثَرُ غُموضًا) جنيف: 1977 - (قُوَّةُ التَّحيَّةِ) جنيف: 1978 .
(27) عَنْ :كامل زُهيري ، في كِتَابِ : الهجرَةُ المسْتَحِيلةُ ، لسمير غريب - الهيئة المصريَّة العامة للكِتاب -1999 - ص: 34 .
(28) السِّرياليَّة في مصر - الطَّبعة الأولى - 1986 - ص : 15 .
(29) السَّابق - ص : 19 .
(30) السَّابق - ص :77.
(31) السَّابق - ص : 142 .
(32) السَّابق - نفسه.
(33) عَنْ : السُّورياليَّة وتفاعلاتها العربيَّة - سابق- ص :51 .
(34 ) مجلَّة: (التَّطوُّر) - العدد الثَّاني - فبراير 1940 - ص :50 .
(35) جورج حنين : وُلِدَ في20 نوفمبر1914 مِنْ أبٍ دبلوماسيٍّ قِبطيٍّ ؛ هو صادق حنين باشا ، وَأمٍّ إيطاليَّةٍ ، تَعَلَّمَ اللغة العربيَّةَ في مدريد ،وَدَرَسَ في رُوما وباريسَ ، حَيْثُ حَصَلَ على ثَلاثِ شَهَادَاتٍ مِنْ السِّربونِ في القَانونِ وَالأدَبِ والتَّاريخِ ، وَكَتَبَ أغْلَبَ أشْعَارِهِ بِالفَرنسِيَّةِ ، وَهُوَ الَّذي أصْدَرَ بيانَ السِّرياليَّةِ المصريَّةِ سَنَةَ 1938 في القاهرَةِ ،وَتَرَكَ مِصْرَ نهائيًّا سَنَةَ 1960 إلى أثينا ثمَّ رُوما ثمَّ إلى باريس ، وَمَاتَ في ليْلِ 17/18 يوليو1973، بَعْدَ سَنَوَاتٍ مِنْ الصِّرَاعِ مَعَ مَرَضِ سَرَطَانِ الرِّئةِ ،وَدَفَنَتْهُ زَوْجَتُهُ في القاهرَةِ مُنَفِذِّةً وَصِيَّتَهُ بألاَّ يُدْفَنَ في مَقَابِرِ المسِيْحِيِّينَ أوْ المسْلِمينَ احْترَامًا لعلمانيَّتِهِ . رَاجِعْ السِّيرياليَّة في مصر ، الطَّبعة الأولى - ص : 38، (الهِجْرَة المسْتَحِيلَة) - ص : 248 ، (الكِتَابَة الأخْرَى) العدد: 3 - 1992- ص : 78 .
(36) دِيوان صَالح الشَّرنوبي - تحقيق : د . عبد الحي دِياب - دار الكِتاب العَرَبي بالقاهرة د. ت - ص : 567 .
(37) رَاجِعْ : جورج حنين - (مِنْ الحُلْمِ إلى المزَاحِ الأسْوَد) - مجلَّة :(التَّطوُّر) ، مارس 1940 - ص : 28 .
(38) التَّطوُّر - العدد الثَّالث - مارس 1940 – ص:52 .
(39) السَّابق - ص : 49
(40) كامل زُهيري :وُلِدَ بالقاهِرَةِ 1927، وَتخرَّجَ في جامعَةِ القَاهِرَةِ 1947، ثمَّ حَصَلَ على دبلومَةِ الدِّراسَاتِ العُليا في الأدَبِ العَرَبي مِنْ جَامِعَةِ السِّربون بباريسَ عَامَ 1950 ، وَعَمِلَ مُذيعًا باللغَةِ العَرَبيَّةِ في الإذاعَةِ الهنديَّةِ ، ثمَّ بالمحاماةِ في عَامِ 1952 ، ثمَّ انْتَقَلَ إلى الصِّحافَةِ ، وَعَمِلَ في مجلَّةِ رُوز اليُوسف بَيْنَ عَاميْ 1955- 1964، ثمَّ رَأسَ تحريرَ مُؤسَّسةِ دَارِ الهلالِ بَيْنَ عَامَيْ 1964 - 1969، ثمَّ عَمِلَ رئيسًا بمجلسِ إدَارَةِ مجلَّةِ رُوز اليُوسف فيْمَا بَيْنَ عَامَيْ 1969-1971. وَمِنْ كُتُبِهِ : (الغَاضِبُونَ):1960 - ( ممنوع الهمْس): 1964- (الموسوعَةُ الاشتراكيَّةُ ): 1968- (العَالمُ مِنْ ثُقْبِ البَابِ): 1974 - (النِّيلُ في خَطَرٍ):1980، وَقَدْ تُوفِّيَ في يومِ 24 مِنْ نوفمبر 2008 .
وَكَانَ كامل زُهيري أحَدَ أبرزِ شُعَرَاءِ السِّرياليَّةِ المصريِّينَ ،وَلِلأسَفِ فُقِدَتْ جميعُ أشْعَارِهِ ، وَلمْ يتبقَّ مِنْهَا ، لَدَيْهِ ، شَيءٌ ، وَقَدْ ذَكَرَ زَمِيْلُهُ الرَّسَامُ سمير رَافِع - المقيم في بَاريسَ مُنْذُ يوليو 1969 - أنَّ زُهيري " كَشَاعَرٍ وَسِرياليٍّ كَانَ أعْمَقَ الشَّعرَاءِ السِّرياليِّينَ المصْريِّينَ وَقَدْ أدَّتْ به السِّرياليَّةُ إلى حَدٍّ بعيدٍ ؛ حَيْثُ كَادَ يُصَابُ بالجنونِ ، أقوُ فعلاً بالجنونِ ، وَكُنَّا نَذْهَبُ لزيارَتِهِ في الفِرَاشِ ، في مَنْزِلِهِ مَعَ عائلتِهِ ، في حَيِّ القلعَةِ. "رَاجِعْ : سمير غريب - الهجرة المستحيلة - سابق - ص ص: 36- 37 .
(41) عَنْ : عصام محفوظ - السُّوريالية وتفاعلاتها العربيَّة - سابق- ص :51 .
(42) بحثٌ في عِلْمِ الجمَالِ - سَابق - ص : 269 .
(43) لويس عوض: وُلِدَ في مَغَاغةَ، بمحافظة المنيا، في 5يناير من عام 1915، حَصَلَ على ليسانس الآدَابِ مِنْ قِسْمِ اللغَةِ الإنجليزيَّةِ بجامعَةِ القاهرَةِ ، في عَامِ 1937، ثمَّ حَصَلَ على الماجستير مِنْ جامعَةِ كامبردج، في عَام1943ِ،ثمَّ دكتوراه الدَّولةِ في الأدَبِ من جَامعَةِ بريستن ، في عَامِ 1953، تَدَرَّجَ في التَّدريسِ الجامِعِيِّ ، حَتَّى أصْبَحَ أوَّلَ مِصْريٍّ يَرْأسُ قِسْمَ اللغَةِ الإنجليزيَّةِ بجامعَةِ القَاهِرَة . كَمَا عَمِلَ مُشْرِفًا على القِسْمِ الأدبيِّ بجريدَةِ الجمهوريَّةِ في عَامِ 1953، ثمَّ مُسْتَشَارًا ثقافيًّا لدار التَّحرير للطَّبعِ وَالنَّشرِ في عَامِ1961، ثمَّ مُسْتَشَارًا لمؤسَّسةِ الأهْرَامِ في 1962،كَمَا عَمِلَ أستاذًا للأدبِ المقارَنِ بجامعَةِ كالفورنيا1982 في عامِ ، وَلَهُ أعْمَالٌ مُتَعدِّدةٌ في التَّرجمةِ وَالنَّقدِ وَالأدَبِ وَالفِكْرِ ، مِنْ أهمِّهَا: فَنُّ الشِّعرِ ، لهوراس- برومثيوس طَلِيقًا ، لشلي – في الأدَبِ الإنجليزيِّ – تاريخُ الفكرِ المصْريِّ الحديثِ - مُقدِّمَةٌ في فقهِ اللغَةِ – أوْرَاقُ العُمْر – العَنْقَاء – بلوتولاند ، وَقَصَائِدُ أخْرَى ... تُوفِّيَ في أغسطس1990 .
(44) لويس عوض- بلوتولاند - الهيئة المصْريَّة للكِتابِ - الطَّبعة الثَّانية -1989. وَالنَّصُّ مُؤرَّخٌ بـ(26فبراير1940) ، وَمَوْجُودٌ في:(بلوتولاند) بينَ صَفْحَتيْ : 57،69 .
(45) السَّابق - ص : 57 .
(46) السَّابق - ص :60 .
(47) السَّابق - ص : 66.
(48) محمد منير رمزي : وُلِدَ في الإسكندريَّةِ في عَامِ 1925، كَانَ يدرسُ الأدَبَ الإنجليزيَّ في جَامعَةِ الإسكندريَّةِ ، حِيْنَ كَتَبَ فيْمَا بينَ عَاميْ 1943،1945 قَصَائدَهُ النَّثريَّةَ ، كَمَا كَتَبَ بالإنجليزيَّةِ شِعرًا رَفيعَ المستوى ، على مَا يذكُرُ صَدِيقَهُ إدوار الخرَّاط ؛ وَلكنَّه لمْ يَنْشُرْ شَيئًا مِنْ شِعْرِهِ في حَيَاتِهِ ؛ وَعَلى أثرِ قِصَّةِ حُبٍّ فَاجِعَةٍ انْتَحَرَ في 25 مايو 1945، تاركًا أشْعَارَهُ بينَ صَديقيْهِ : إدوار الخرَّاط ، ومحمد مصطفى بدوي ؛ اللذينِ عرَّفا بِهِ ثمَّ نَشَرَا دِيوانَهُ ، وَقَدَّمَا لَهُ .
(49) منير رمزي - بريقُ الرَّماد - تقديم :إدوار الخرَّاط ، ومحمد مصطفى بدوي - دار شرقيَّات، القَاهِرَة -1979- ص: 97.
(50) بَريقُ الرَّماد - سَابق - ص:110.
(51) صدر منها أربعة أعداد في سنة 1948 ، ثُمَّ توقَّفتْ ، وقد نشرت أقاصيص وأشعار وكتابات نقدية لبدر الدّيب ويوسف الشَّاروني وعباس أحمد ومحمود أمين العالم وغيرهم .
(52) أنجزَ بَدر الدِّيب هَذَا الكتابَ، وَهُوَ في الثَّانيةِ وَالعِشْرينَ مِنْ عُمْرِهِ ، في عَامِ 1948 ، وَنَشَرَ بَعْضَهُ في مجلَّة(البشير)، وَظَلَّ الكِتابُ مَعْرُوفًا في دَائرَةٍ محدودَةٍ مِنْ أصْدِقائِهِ حَتَّى نُشِرَ في كِتَابٍ عَامَ 1988. وَلبدر الدِّيب أعمالٌ أدبيَّةٌ أخْرَى عديدَةٌ منْهَا :روايته ( أوْرَاق زمردة أيُّوب) وَمجموعتُهُ القَصَصيَّةُ:(حديثٌ شَخْصِيٌّ) ، وَمجموعَاتٌ أخْرَى مُنْجَزَةٌ على تخومِ الشِّعرِ والنَّثر، منْهَا:(السِّينُ وَالطّلّسمُ) وَ:(تِلالٌ مِنْ الغُروبِ) وَ:(المسْتَحِيلُ وَالقِيْمَةُ) ، وَلَهُ ترجماتٌ ؛ عَنْ شكسبير وتشيكوف وكوفمان وسارويان .
(53) محمود أمين العالم - كِتَابُ حرفِ الـ"ح " لبدر الدِّيب - مجلَّة:(أدب ونقد) - يوليو1989 - العدد 48 - ص : 121 .
(54) إرفنج هاو- فكرَةُ الحديثِ في الأدَبِ وَالفنونِ - ترجمةُ: د.جابر عصفور- مجلَّة:( إبداع) - مايو 1984 - ص : 28 .
(55) مِنْ نَصِّ (القَمَر المقتول) ، مُذيَّلٌ بتاريخِ 19/12/1947، في كِتَابِ حَرْفِ الـ( ح) طبعة: دار المستقبَلِ العَرَبيِّ - 1988- ص : 24 .
(56) د. صبري حافِظ - كتابُ حرفِ الـ" ح " وَفَجْرُ المغَامَرَةِ التَّجريبيَّةِ - مجلَّة:(إبداع) - يوليه 1989 - ص: 8 .
(57) السَّابق - نفسه .
(58) د. جابر عصفور- مُقدِّمةُ ديوان: "حُزْنٌ في ضَوْءِ القَمَر" ، لمحمد الماغوط - طبعَةُ الهيئة العامة لقصور الثَّقافة - 1998 - ص : 10 .
(59) كتابُ حرفِ الـ"ح " سابق - ص ص : 21 – 23 .
(60) محمود أمين العَالم - سَابق - ص ص : 123 – 124 .
(61) إدوار الخرَّاط - الكتابَةُ عَبْرَ النَّوعيَّةِ - دار شرقيَّات - القاهرَة -1994- ص : 34 .
(62) كِتَابُ حَرْفِ الـ " ح " - سَابق - ص : 27 .
(63) صَدَرَتْ الطَّبعةُ الأولى عَنْ مَطْبَعَةِ السَّلام بحلب ، في عَامِ 1947، ثمَّ صَدَرَتْ قَصَائدُ أوْرَخَان تحتَ عنوانِ :(سِريَال وَقَصَائدُ أخْرَى)، ضِمْنَ مَنْشُورَاتِ اتحادِ الكُتَّابِ العَرَبِ بِدِمَشْق ، في عام 1979، بمقدِّمَةٍ لأدونيسَ ، أمَّا قَصَائِدُ علي النَّاصِر ، فَصَدَرَتْ ، بَعْدَ ذَلكَ ، ضِمْنَ أعْمَالِهِ الشِّعريَّةِ الكاملَةِ ، عَنْ وَزَارَةِ الثَّقافَةِ بِدِمَشْق ، في عَامِ 2006 .
(64) علي النَّاصِر: وُلِدَ في حَلب 1894، وَتَعَلَّمَ في حماة ، وَدِمشق ، ثمَّ سَافرَ إلى استانبول ؛ لِدرَاسَةِ الطِّبِ، ثمَّ سَافَرَ إلى باريسَ لاسْتِكمَالِ دِرَاسَتِهِ بها بين عاميْ 1923-1924، ثمَّ عَادَ إلى حَلب ؛ لِيَعْمَلَ بالطِّبِ ، وَكَانَ يجيدُ الإنجليزيَّةَ وَالفَرَنْسِيَّةَ وَالتُّركيَّةَ . أصْدَرَ دِيوانَهُ الأوَّل:(قصَّة قلبٍ) عام 1928، ثمَّ (الظَّمأ)عام1923؛ بتقديمٍ لأمين الرِّيحاني ، ثمَّ (سِريَال) ، بِالاشْترَاكِ مَعَ أوْرَخَان مَيسرّ عَام1947َ. وَفي يومِ الثُّلاثَاءِ 2حزيران1970وُجِدَ صَريعًا ، مُضَرَّجًا في دِمَائِهِ ، في عِيَادتِهِ .
(65) سِريال – الطَّبعة الأولى - ص :23 .
(66) السَّابق - ص : 25 .
(67) السَّابق - ص :40 .
(68) السَّابق - ص : 45 .
(69) أُوْرَخان شَكيب مَيسرَ: وُلِدَ في استانبول 1914، وَتلقَّى تعليمَهُ حتَّى المرحلَةِ الثَّانويَّةِ في حلب ، ثمَّ انتقلَ إلى بيروت ؛ لِيلتحِقَ بالجامعَةِ الأمريكِيَّةِ فيْهَا ، لِيدْرُسَ الطِّبَ ، وَلكنَّهُ سُرْعَانَ مَا هَجَرَ دِرَاسَةَ الطِّبِ إلى دِرَاسَةِ العلومِ وَالفيزيَاءِ ، وَحَصَلَ فيْهَا على البكالوريوس ، ثمَّ على الماجستير ، وَقَدْ عَمِلَ مُديرًا للعلاقَاتِ العَامةِ في وزَارةِ الثَّقافَةِ وَالإعلامِ السُّوريَّةِ ، في بداياتِ السِّتينيَّاتِ ، قَبْلَ وَفَاتِهِ سَنَةَ 1965، وَقَدْ نَشَرَ أوْرَخَان دِيوانَهُ الوحيدَ:(سِريال) - بالاشْترَاكِ مَعَ: علي النَّاصِر – في سَنَةِ 1947، ثمَّ نَشَرَ كِتابًا بعنوَانِ:(مَعَ قَوَافِلِ الفِكْرِ) ، وَآخَرَ بعنوانِ:(شَوقي وَعَصْرُهُ) .
(70) مُقدِّمَةُ (سِريال) - ص:16.
(71) جميعُ نُصوصِ أوْرَخان مَيسرّ ، هُنَا ، مِنْ الطَّبعةِ الثَّانيةِ لـ(سِريال)؛ الَّتي قَدَّمَ لهَا أدونيس ، وَأضَافَ لها نصوصًا أخْرَى لمْ تُنْشَرْ في الطَّبعةِ الأولى المشترَكَةِ .
(72) خير الدِّين الأسديُّ : وُلِدَ في حلب 1900 ، وَعَمِلَ مُدرِّسًا للغةِ العربيَّةِ في المدرسة الفاروقيَّة ثمَّ في مدرسة الهايكازيان ، ثمَّ في اللايبك ، فَقَدَ يَدَهُ اليُسْرَى بسببِ انْفِجَارِ كميَّةٍ مِنْ البَارودِ أثنَاءَ إعدادِهِ مَسْرحيَّةً مدرسيَّةً عَامَ 1923 ، أتْقَنَ عِدَّةَ لغاتٍ منْهَا : الإنجليزيَّةُ وَالفَرنسِيَّةُ وَالفَارسِيَّةُ وَالتُّركيَّةُ، وَكَانَ بحَّاثةً لغويًّا ، قَضَى أوَاخِرَ عُمْرِهِ في دَارِ العَجَزَةِ بحلب ، وَدُفِنَ بغيرِ جِنَازَةٍ وَلا مُشَيِّعينَ وَلا قَبْرٍ مَعْلومٍ ؛ حَيْثُ دُفِنَ في ممرٍّ بينَ قبرينِ ، وَقَدْ تَرَكَ أعمالاً لُغويَّةً وَأدبيَّةً عديدَةً ، بَعْضُهَا لا يزَالُ مخطوطًا ، مِنْهَا: موسُوعَةُ حلب المقارنة - أغاني القُبَّةِ الصُّوفيَّة - البَيَانُ وَالبَدِيعُ - الموسُوعَةُ في النَّحو- قَواعِدُ اللغَةِ العَربيَّةِ - يا ليل- أيس وليس- عروجُ أبي العَلاء- الألِفُ .
(73) صَدَرَتْ الطَّبعةُ الأولى منه في حلب ، مطبعة الضَّاد ، في عام 1951، في 314 صَفحةً ، ثمَّ صَدَرَتْ طبعةٌ جديدَةٌ له ، بتحقيق : جميل منصور ، عن الهيئة العامة السُّوريَّة للكتاب ، دمشق ، 2007 ، وَكَانَ الأسديُّ قد أذَاعَ مُعْظَمَ قصائدِ (أغاني القُبَّة) في إذاعَةِ طهران في أربعينيَّاتِ القَرْنِ الماضِي .
(74) أغاني القُبَّة - الطَّبعة الثَّانية - ص : 40 .
(75) السَّابق – ص : 69 .
(76) السَّابق – ص : 59 .
(77) أوْرَدَهَا الأسديُّ - دُوْنَ أنْ يَنْسِبَهَا لحافظ - في : سُورَةِ السَّواجي ، انظرْ : الطَّبعة الثَّانية – ص : 64 .
(78) أغاني شِيراز - لحافظ الشِّيرازيِّ - الجزء الثَّاني- ترجمة : د. إبراهيم الشِّواربي - لجنة التَّأليف والتَّرجمة والنَّشر- الطَّبعة الأولى - 1945، من غزلية رقم:389 ، ص : 269، وَانْظُرْ طبعةَ الهيئة العامة لقصور الثَّقافة، بعنوان : غزليَّات حافظ الشِّيرازيِّ - 1997 - ص : 269 .
(79) السَّابق - غزليَّةٌ رقم :360 - ص : 235.
(80) أغاني القُبَّة - سَابق - ص : 43 .
(81) السَّابق - ص : 34 .



#شريف_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد في قصيدَةِ ...
- تداخُلاتُ الأنواعِ الأدبيَّةِ والفَنيَّةِ في قصيدةِ النَّثرِ ...
- إِشكاليَّاتُ النَّوعِ الشِّعريِّ في قَصِيدةِ النَّثْر


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - لانبعَاثَاتُ الأولى لقَصِيدَةِ النَّثر في مَشْهَدِ الشِّعر العَربيِّ