أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فخر الدين فياض - شآم نزار قباني ..والورثة















المزيد.....

شآم نزار قباني ..والورثة


فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري

(Fayad Fakheraldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 1316 - 2005 / 9 / 13 - 08:23
المحور: الادب والفن
    


حين يتحدث الآخرون عن الشام.. فإنهم يذكرون معالمنا وملامحنا السياحية والتاريخية، يقولون شام بردى وقصر العظم والجامع الأموي وقاسيون.. وشام أقدم عواصم الدنيا وحاضرة الشرق وموطن أندلس وقرطبة والحمراء..
يقولون شام العروبة وركاب الخيل ويوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش..
يقولون شام الماء ورائحة الياسمين وبياض الفل وخير السنابل وحمائم الحب وعصافير الشتاء..
يقولون شام أبو الطيب والمعرّي وديك الجن وأدونيس والماغوط وغادة السمان..
ويقولون شام نـزار قباني..
وهل يمكن أن نتعرّف على الشام دون ملامح نـزار الدمشقية.. ولغة نـزار الطيبة..وقصيدته الطويلة في حب أهل الشام..
وحكاية عشق لا تتكرر بين الشام ونـزار..
"إني الدمشقي الذي احترف الهوى..
"قمر دمشقي يسافر في دمي..
"والحب يبدأ من دمشق فأهلنا عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا
والفل والماء والشعر والخيل وقصص الهوى ورسائل الغرام وقداسة الصلاة في معبد الجمال والكلمة..كلها تبدأ من دمشق.
ويكاد نـزار لا يعرف طعمها إلا في دمشق.. وهو الشاعر الجوّاب الذي عاشر عواصم العالم ومدنه وثقافاته وحدائقه وغاباته وجباله وسهوله وشعره وجماله.. وسحر نسائه.
"فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا دمشــــــق لمــــــــاذا نبدأ العتبا

حبيبتي أنت فاســـــتلقي كأغنـــية
على ذراعـي ولا تستوضحـي السببـا

أنت النساء جميعاً.. ما من امــرأة
أحببت بعدك، إلا خلتهـــــــــا كذبــا"

والشام أحبّت شاعرها.. وخبأت آهات عشقه في صدرها.. وعلّقت قصائده على بواباتها وأنهارها وبساتينها وساحاتها.. ورسمت صور الشاعر داخل عينيها.
الشام رفضت رحيله لأن حروفه ظلّت تنبض في شرايينها.. ولم تصدّق حكاية تقول إن نـزار قباني مات ذات يوم، فما زالت رسائله الزرقاء تصلها كل يوم مع قهوتها الصباحية وصوت فيروز.. وتهيأ نفسها مساء لتتأبط ذراع الشاعر إلى قاسيون والهامة وشوارع الصالحية وتشرب معه النبيذ وهو يكتب لعينيها قصيدته المليون.. ويوقعها: ألف أحبك.
* * * * *
الشام لم تصدق أن هناك من يمكنه أن يجرؤ ويقول أنه وريث نـزار قباني.. وأن شاعراً ملأت عصافيره الدنيا يمكن أن يدّعي أحد أنه وريث حصري له..
وأن باستطاعته احتجاز ملايين العصافير في قفص!!
قد يدعوني الكبرياء والاعتزاز أن أقول أنني ونـزار قباني من أبناء الشام..
وقد "أناكد" حزبياً عقائدياً ببيتين من شعر نـزار قباني..
وقد أسخر من "عنصر أمن" بأن أهديه كتيباً لنـزار..
وقد أكافح ضد إرهاب الأنظمة وديكتاتورية النص وقبح "الجمهور".. بأن أطبع قصيدة لنـزار وأوزعها..منشور حرية وانعتاق.
وقد أبرز "تبرمي" من شعراء "الجنس الثالث" بأن أغني قصيدة لنـزار على مسامعهم..
وقد أغازل امرأة في جنيف بقصيدة لنـزار..
وقد أبعث بصورة نـزار إلى" مايا".. لكي أدعوها إلى العشاء..
لكن المخيلة " مهما كانت مريضة" لا يمكنها أن تصل إلى الادعاء " عند أي كان" بأنه وريث لقصائد ومكاتيب الهوى وقصاصات العشق والتوحد مع الوطن عند نـزار.
هل يمكن أن يدعي يوناني أنه وريث " زوربا"، أو هندي أنه وريث "طاغور" أو فرنسي أنه وريث "هوجو" أو روسي بأنه وريث "بوشكين" أو مصري بأنه وريث "أمير الشعراء"..
ونحن أهل الشام لا يمكن أن نسمح لأحد أن يقول إنه وريث "الجامع الأموي".. كذلك لا يمكن أن نسمح لأحد أن يدعي أنه وريث نـزار قباني..
* * * *
تداعيات ملأتني بالحزن وأنا أرى أبناء نـزار قباني يحاولون انتزاع قصائده وأحلامه من ذاكرة الشام.. لبيعها داخل فنادق وصالونات و"بورصات" لم تعرف نـزار قباني.
تداعيات ملأتني بالغضب من أبناء نـزار قباني وهم يصرون على وفاة الشاعر ويصرون على معاملة "حصر الإرث" واقتلاع أشجار نـزار قباني عن أرصفة الوطن وبيعها حطباً وفحماً.. ومنعنا من التفيؤ والحلم في ظلّها..
قد يحق لمدينة أن ترث شاعر..كما ورثت أثينا "سوفوكليس" ومسرحه الساخر.. وورثت جزيرة العرب امرؤ القيس ومجونه و"ثاراته".. وورثت بغداد "أبا نواس" بكل وجوديته وخمرياته وزندقته.. وورثت باريس "بودلير" وعاهرته وزهور شرّه.. وورثت هافانا "أرنست همنغواي" وأجراسه التي ستظل تقرع إلى الأبد.. والشام هي وريثة نـزار قباني بشاميته وعروبته، بطهره ومجونه، بإيمانه وزندقته، بأرستقراطيته وشعبيته، بتقليديته.. وتمرداته التي لا تنتهي .
أهل الشام أرادوا تكريم الشاعر وتوثيق حياته وشعره وحكاياته.. مثل كل العالم المتمدن الذي يكرّم رموزه الأدبية والثقافية.. ويبني صرحاً حضارياً لأبنائه الأوفياء..
كذلك فعلت الشام.. أرادت إنتاج مسلسل تلفزيوني عن نـزار، يروي لأطفالنا وللعالم والتاريخ قصة شاعرنا الكبير..
هكذا أرادت الشام من رجل أحب نـزار كما أحب الوطن..
رجل أراد بمجهود فردي إنتاج هذا العمل العظيم.. ولا نخفي فرحتنا حين نقول أنه جعلنا نتفاءل بالبلاد أكثر وبالمستقبل أكثر حين أقدم على هذا المشروع.
نبيل طعمة حمل قراءته لنـزار قباني فكرة ونصاً وسيناريو وحمل أيضاً كاميراته وأدوات إنتاجه.. مع كثير من الحب لأبناء نـزار يسألهم أن يحدثوه عن نـزار الأب ورب الأسرة.. لأنه يعرف نـزار الشاعر كما تعرفه حمائم الجامع الأموي.. لكن المفاجأة التي أذهلت هذا الرجل كما أذهلت الشام أن الأبناء كانوا قد أنهوا معاملات "حصر الإرث" وجمعوا قصائد الشاعر وحكاياته وأقفلوا عليها في صندوق لا يتسع لبيت شعر واحد قاله نـزار في دمشق، وجمعوا صور الشاعر وأحلامه وأودعوها في حساب سري في أحد مصارف أوروبا!!
وقدموا "ليستة الأسعار": القصيدة بكذا، والتنهيدة والأمنية وبوح المدخنة وافتقاد فناجين قهوته له وعشق دفاتره وأقلامه لخطه الجميل.. كل شيء تجده في هذه"الليستة".. والدفع مقدماً وبالدولار!!
دمشق التي لم تصدق موت شاعرها.. لم تصدق أيضاً إصرار أبنائه على هذا الموت..
ومنع أحلامه وعطر حروفه وعصافير الدوري المخبأة داخل قصائده من التحليق في سماء الشام.
دمشق لم تصدق أن يعرض شاعرها في مزاد علني!!
الشاعر الذي أرّخ للحمام الزاجل على الصفصاف الدمشقي حكايته.. ولأحلام الصبايا لحظة تفتحها ..
ولمآذن الحارات القديمة حكايتها مع العروبة والعسكر.. واخترع لغة عشق جديدة لمقاومة الظلم والكراهية ..
تحية حب لنـزار قباني الذي ظل طوال نصف قرن يبوح بحبه للشام.
وتحية لنبيل طعمة الذي أراد أن يبني صرحاً حضارياً ووطنياً من قصائد نـزار قباني.



#فخر_الدين_فياض (هاشتاغ)       Fayad_Fakheraldeen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف الديموقراطي بين جورج بوش ..والحجاج بن يوسف الثقفي
- !!كيسنجر ..وعرب 2005
- الأيديولوجية تغتال الفكرة رد على الردعلى_ لاتنتقدوا النظام ا ...
- مورفين الخوف
- امرأتان.. في ظل النظام العالمي الجديد
- لا تنتقدوا النظام السوري في لبنان حتى لا يغتالكم - الشرق الأ ...
- مصباح -علي بابا-.. والديموقراطية!!
- فيدرالية.. ومن بعدي الشيطان!!


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فخر الدين فياض - شآم نزار قباني ..والورثة