بمناسبة الذكرى 60 لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية (الحلقة الأولى)

جبهة التحرير الوطني - البحرين

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 21:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    

من أرشيف الجبهة
رفاق يستعيدون صفحات مشرقة من تاريخ الجبهة
بهذه المناسبة تتوجه الجبهة بنشر حلقات أساسية من تاريخها النضالي المشرق، ففي الخامس عشر من فبراير 1955 .. في يوم غير مألوف في حياتهم وفي حياة الطبقة العاملة البحرينية والشعب .. تجمع ذلك العدد القليل من الشيوعيين في البحرين ، وقرروا القيام بأمر غير مألوف لا في البلاد ولا في الامارات المجاورة: تشكيل منظمة سياسية متسلحة بالأفكار الماركسية – اللينينية من أجل تنظيم الطبقة العاملة والشعب وقيادة النضال الذي ينشد الخلاص من الاستعمار وانتزاع استقلال البلاد الوطني، وجعل الشعب مصدرا لكل السلطات.
هذا العدد القليل من الشيوعيين خطى الخطوة الأولى، قام بالعمل العظيم والجميل فأعطى الطبقة العاملة البحرانية حزبها، أداتها النضالية الصلبة، فاحتضنته بحب وثقة وعطف، فإذا بذلك العدد غابة لا متناهية من الأشجار.
عام 1952 شهد دخول الأفكار الشيوعية إلى البحرين، إذ لجأ إلى البحرين بضعة من المناضلين الشيوعيين الإيرانيين الذين فروا من الإرهاب الدموي الذي رافق سقوط حكومة الدكتور مصدق وعودة الشاه مرة أخرى إلى السلطة بالانقلاب الذي دبرته المخابرات الأمريكية، وبالإضافة لهؤلاء كان هناك بعض الشيوعيين العراقيين، بين هؤلاء جميعا برز المناضل الشيوعي ، البحراني المولد ، حسن نظام ، الذي غادر البحرين في صباه إلى إيران للدراسة، وهنك تعرف على حزب (توده) وأصبح مناضلا نشطا في صفوفه، بل أنه لتحليه بصفات المثابرة والاخلاص والاقدام وتمتعه بخصال القائد الشيوعي اختير ليكون عضوا في قيادة فرع الحزب في خوزستان.
عاد حسن نظام إلى البحرين، إذا، هو وشيوعيون آخرون بعد العودة الدموية للشاه إلى السلطة في إيران، وككل المناضلين الشيوعيين الحقيقيين، يحملون رسالتهم الأممية حيثما يذهبون، كان الرفيق حسن نظام ورفاقه الآخرين ، واصل كفاحه في البحرين مسقط رأسه.
الرفاق الذين كان لهم شرف التعرف إليه يصفونه بأنه كان كتلة من النشاط الدؤوب والحركة المستمرة، ينطلق إلى الأحياء والأماكن الشعبية بحماس وبدون أي تردد ليقيم أوثق الصلة مع العمال والكادحين، وكان همه الرئيسي هو ورفاقه الآخرين إرساء أساس الأفكار الشيوعية والثورية في البلاد، بنشرها بدرجة أساسية في صفوف الطبقة العاملة البحرانية الفتية وتشكيل نواة حزبها الثوري.
من المفيد تثبيت حقبقة ان عملية التحضير لإقامة هذه المنظمة كانت تترافق مع جهود إنشاء هيئة الاتحاد الوطني التي قادت التحرك الجماهيري الواسع في أعوام 54 – 1956 .
استخدم الرفاق الأوائل عددا من البيوت كأوكار حزبية وأمكن للقاءات والاجتماعات التي كانت تدرس فيها الأفكار الشيوعية، ومن بين هذه البيوت، سكن متواضع يقع فوق قهوة "أحمد شاه" المنامة، مقابل سينما الحمراء حاليا، هذا السكن شهد قسم من الخطوات التحضيرية الأولى لقيام الجبهة.
التأسيــس
الجهود التي بذلت في هذا الاتجاه أعطت ثمارها، لم يكد عام 1955 يبدأ حتى كانت الظروف مهيأة للمباشرة في تأسيس الجبهة والاعلان عنها.
وهكذا في 15 فبراير 1955 التئم أولئك الذين كان لهم شرف حضور الاجتماع التاريخي في حياة طبقتنا العاملة وشعبنا وبلادنا في بيت بالعاصمة بادروا بتشكيل الجبهة .. تجنبوا بوعي أن يطلقوا عليها أية تسمية تشير إلى طابعها الشيوعي، منطلقين من تقديرهم الدقيق لظروف البلاد، واختيرت تسمية جبهة التحرير الوطني بالذات تيمنا بالثورة الجزائرية التي كانت في أوجها حينذاك بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وكذلك بالجبهة الوطنية في إبران.
فالجبهة تأسست في ظروف محلية وعربية ودولية جديدة ومعقدة، فرغم ان الانطلاقة جاءت في فترة خصبة من فترات النضال الوطني في بلادنا (فترة هيئة الاتحاد الوطني)، وعلى الرغم من الطابع الجماهيري الواسع الذي ارتدته هذه الانتفاضة، إلا أن الثغرات ونقاط الضعف التي اتسمت بها قيادة الحركة واعلامية البرنامج المطروح من قبلها – قصرت عن استيعاب الجوهر الجماهيري الجذري لها - ، وفي وقت كانت فيه البلاد تواجه مهام التحرر من السيطرة الاستعمارية البريطانية والتسلط العشائري كعائلة آل خليفة واطلاق الحريات العامة.
كان ذلك يطرح أعباء ومهام كبيرة ومعقدة على عاتق الجبهة أمام واقع غياب أي اطار تنظيمي قيادي لحركة الجماهير بعد أن صفيت هيئة الاتحاد الوطني وتراجع البرجوازية.
فقد كان أهم نجاح حققته الهيئة هو قبرها للفتنة الطائفية التي دبرها الاستعمار لشق وحدة الشعب – واعادتها اللحمة للشعب بمختلف طوائفه – وقد حرصت الجبهة على التأكيد على الوحدة الوطنية للشعب والنضال ضد المساعي الاستعمارية والرجعية لإعادة الطائفية.
من جهة أخرى كانت منطقة الخليج، قبل ربع قرن من اليوم، منطقة تعاني من التخلف الاجتماعي الشديد وتعيش ظروفا معقدة وصعبة، وكان العمل الوطني، بمضمونه الجديد، لا يستند في الواقع على تقاليد سابقة لعمل سري منظم، كانت عملية تشكيل حزب سياسي عملية جديدة غير مألوفة، ويزداد الأمر صعوبة حين يكون مثل هذا الحزب ماركسيا في ظرف عربي يتسم بالعداء الشديد للشيوعية والأفكار الماركسية حتى من قبل الأوساط والفئات القومية والوطنية الأخرى وليس من قبل الرجعية فقط، أما دوليا فقد شهدت فترة تأسيس الجبهة أوج مرحلة الحرب الباردة بين النظامين العالميين : الاشتراكية والرأسمالية، كانت الامبريالية تقود عملية تشكيل الأحلاف العسكرية العدوانية لمعاصرة الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى وكان نصيب منطقتنا من هذه الأحلاف ليس يسيرا.
إذا في هذا الظرف المحلي – العربي – الدولي الشائك – البالغ الصعوبة، الفائق التعقيد تأسست جبهة التحرير الوطني البحرانية.
حزب الطبقة العاملة
انبثقت الجبهة من صفوف الطبقة العاملة الفتية وقادت نضالاتها المبكرة.. فالخلايا الأولى التي
نشكلت منها الجبهة كانت أساسا خلايا عمالية، متواجدة في شركة النفط (بابكو) وفي شركة (اكمي) وهي شركة الانشاءات الرئيسية في البحرين يومذاك وكانت تقوم بتنفيد أعمال عائدة لشركة (بابكو) بموجب ما يعرف بنظام الدفع، وكانت هنك خلايا في أوساط طلاب المدرسة الثانوية بالمنامة، ومنذ البدء لم تكن خلايا الجبهة محصورة في العاصمة فقط، بل كانت موجودة في مناطق سكنية أخرى غير المنامة.
غير ان اسم شركة (اكمي) بالذات اقترن بالنضالات الأولى للطبقة العاملة البحرانية منذ بدايات خمسينيات القرن الماضي بقيادة الشيوعيين الأوائل، إذ كان عددا منهم عمالا في هذه الشركة ومن بينهم الشهيد حسن نظام ذاته، والمناضل العمالي علي مدان، وكان من أوائل اضرابات العمال في هذه الشركة اضراب في عام 1954 للمطالبة بتحسين أوضاع العمال.
وهناك حادثة ظريفة جدا، ولكنها ذات دلالة، ففي فترة هيئة الاتحاد الوطني أضرب عمال (اكمي) مطالبين بعدة مطالب غير ان الشركة رفضت الاستجابة لهذه المطالب، فكان ان اتصل العمال ببعض عناصر الهيئة يطلبوا دعمها والضغط على إدارة الشركة كي تستجيب لمطالبهم، غير انهم كانوا يتهربون ويقولون للعمال: تخلصوا أولا من الشيوعيين فإنهم سوف "يجرونكم إلى داهية".
ويذكر قدامى الرفاق ان الجبهة دأبت منذ الأول من مايو عام 1955 على تكريس تقليد سنوي بتنظيم رحلة إلى البساتين في القرى خارج العاصمة احتفالا بعيد العمال العالمي.
الذين حضروا احتفال عام 1955 يقدرون العدد الذي شارك في الرحلة بالعشرات إذ نقلتهم إلى البستان مجموعة من الباصات الخشبية القديمة، وتعد هذه الرحلة أول شكل للاحتفال بعيد العمال العالمي في بلادنا، في هذا الاحتفال ألقيت كلمات عن المعاني الكفاحية التي يجسدها هذا اليوم كرمز للوحدة النضالية بين بروليتاريي بلدان العالم، مثلما شرحت ظروف النشأة التاريخية لفكرة هذا اليوم تخليدا لذكرى العمال الأبطال الذين سقطوا برصاص الغدر البرجوازي عام 1886 في مدينة شيكاغو بأميركا، وأنشدت الأناشيد الثورية الأممية والوطنية.
وارتباط الجبهة الوثيق بنضال الحركة العمالية، وهاجس تطوير وتعميق هذا النضال الذي شغلها منذ البدء، دفع الرفاق الأوائل إلى التفكير في مشروع كان في حينه طموحا جدا بالنظر إلى امكانيات الجبهة المحدودة وقلة كادرها، إذ أعلنوا عن تشكيل اتحاد لعمال البحرين طبع عدة منشورات ووزعها، غير ان الظروف التنظيمية لم تسمح بالاستمرار في العمل تحت هذا الاسم، بسبب ان الجهد الأساسي للرفاق حينها كان منصبا على بناء الجبهة ذاتها، وكان العمل في الاتحاد العمالي يتم على حساب العمل لبناء الجبهة مما استدعى صرف النظر عن هذه المحاولة بعد فترة لا بأس بها من بدئها.

الولادة الجديدة لنضال شعبنا
يومها كان الوضع في البلاد يشهد حالة تراجع بعد ضرب حركة الهيئة، النصر الذي كانت الجماهير تحلم بالامساك به بسرعة قد ابتعد، والحلم قد تبدد، الانجليز يفرضون هيمنتهم بقوة أكبر، العمل الوطني البحراني كان على مفترق طرق .. اما أن تبذل الجهود لاعادة رفع معنويات الجماهير وتحسين مزاجها .. اما أن يجرى التحضير لجولة نضالية أخرى ضد المستعمرين وعملائهم، واما أن تطول فترة الركود والاحباط.
جبهة التحرير الوطني البحرانية كانت هناك يومها .. رفعت شعارات جماهيرية مستمدة من برنامجها:
- اسقاط الحماية البريطانية الاستعمارية .
- الحد من نفوذ الاحتكارات الاستعمارية وتسلطها على اقتصاد البلاد .
- اجلاء القواعد العسكرية البريطانية من أراضي البلاد .
- ارجاع المنفيين السياسين من قادة هيئة الاتحاد الوطني من جزيرة "سانت هيلانة" واطلاق سراح المعتقلين منهم في سجون البحرين .
- التضامن مع نضالات الشعوب العربية في مصر والجزائر والجنوب اليمني وفلسطين .
وخاضت الطبقة العاملة النضالات من أجل تشكيل النقابات العمالية وتحسين ظروف العمل، وبذلت الجبهة جهودا مضاعفة لنشر الفكر التقدمي في أوساط الشغيلة في البحرين.
هكذا كانت الولادة الجديدة للعمل الوطني في البحرين .. هكذا كان النهوض من الكبوة .. حالة اليأس والخوف التي أراد المستعمرين وعملائهم اشاعتها انقشعت ..
واستمرت راية النضال الوطني مرفوعة خفاقة تتحدى الارهاب على أيدي مناضلي جبهة التحرير الوطني البحرانية وعلى أيدي مناضلي التنظيمات الأخرى التي بدأت في التشكل بعد ذلك.
أول هجوم من البوليس
أول هجوم من قبل البوليس تعرضت له الجبهة، كان في أوائل عام 1957 .. كان البوليس يريد في الأصل القبض على أحد الرفاق الذي كان يعمل كأمين مخازن في شركة (اكمي) حيث أخذ من مكان عمله إلى البيت ولكن المفتاح لم يكن لديه، بل كان لدى رفيق آخر يسكن معه في نفس البيت الذي يقع بالقرب من "سوق الاربعاء"، وظلت الشرطة تنتظر هي والرفيق أمام البيت بانتظار مجيء صاحبه ليفتح الباب كي يفتش البيت ..
ولما عاد الرفيق الآخر فوجئ بالشرطة التي أمرته بفتح الباب، حيث عثروا على الكتب التقدمية واليافطات، وألقي القبض على الرفيقين وهما أرمنيان ورفيق ثالث يشاركهم السكن في البيت، وكان الثلاثة من نشطاء الجبهة في شركة (اكمي) ولعبوا دورا كبيرا في الاضرابات والمظاهرات، وقد تم ترحيلهم جميعا إلى إيران بعد أن مكثوا في المعتقل فترة ثلاثة أشهر.
بعد هذا الاعتقال كلفت الجبهة أحد الرفاق بالذهاب للبيت وتفقده للتأكد مما صادره البوليس ومحاولة نقل الأغراض والمطبوعات ان كان قد بقي منها شيئا، ورغم انه من المتوقع ان يكون البيت مراقبا إلا ان هذا الرفيق وافق على المهمة فطلب من صاحب المطعم الذي كان متعهدا بأخذ الطعام للرفاق المعتقلين في مركز الشرطة بإحضار مفتاح البيت من عندهم، وبالفعل أحضره، فذهب الرفيق بصحبة صبي صغير لمساعدته في رصد البيت قبل الدخول إليه، وكانت التعليقات لدى الصبي انه في حالة رؤية أحد قرب الزقاق المؤدي للبيت يبلغ الرفيق بذلك كي يعود أدراجه، غير انه لم يجد أحدا، فتقدم الرفيق نحو البيت ليجد ان كل ما فيه من وثائق وأدبيات قد صودر، واتخذت الجبهة على ضوء ذلك احتياطات مباشرة وسريعة إذ غيرت الأوكار وأخلت البيوت من كل الوثائق.
***
للحديث صلة

#جبهة_التحرير_الوطني_-_البحرين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات