أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عواطف منصور - الألم في المنجز التشكيلي بين ترجمة الحدث والتأسيس لفن ملتزم قراءة لبعض التجارب الفنية المعاصرة















المزيد.....



الألم في المنجز التشكيلي بين ترجمة الحدث والتأسيس لفن ملتزم قراءة لبعض التجارب الفنية المعاصرة


عواطف منصور

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 19:08
المحور: الادب والفن
    



نروم من خلال هذه القراءة الوجيزة لبعض التجارب الفنية المعاصرة أنّ سنّة الحياة التشكيليّة المتطوّرة لا تتعارض مع استنباط الفنان لهموم ومشاكل عصره وتحويلها لمادّة فنية، لتكون البيئة والثقافة وحتى المستوى الفكري والاجتماعي نتاجا فنيا، فقد ظهرت على مرّ العصور ممارسات فنية عديدة لعب فيها الألم والمعاناة الانسانية دورا مهمّا في ترجمة الأحداث وتحديد ملامح وخصوصية الفنون. وقد ظهرت هذه الممارسات لتؤكّد أنّ علم الجمال الفني يتحوّل ويتجدّد باعتباره ثمرة ابداع الفنان ونتاج واقع معاش دفعت الى تطوره كما أسبغت عليه سمات التجديد وربطته بالفكر المعاصر، فكان أن ارتبطت الذاكرة والمشاعر الانسانية بالمنجز التشكيلي، فتغيرت وتلوّنت التعبيرات والممارسات التشكيلية. وخير دليلنا ما يضجّ به تاريخ الفنون التشكيلية من اتّجاهات تشكيليّة متعدّدة ومتنوّعة عملت ومازالت تعمل على تنوّع واختلاف المذاهب الفنية التي أسهمت عبر أشكالها التعبيرية والفنية بتفعيل الاتجاهات التي واكبتها لتصبح صنوان يتبادلان التأثير ويؤثران في بعضهما البعض، فتأسّست في ضوء ذلك مقاربات جماليّة شكّل فيها الألم هاجسا ترجم من خلاله الفنان الأحداث والملامح الخصوصية للفن في مرحلة بعينها.
نسوق هذه المقدّمة ونحن نطّلع الى وضع الأساس المادي لهذه التجارب الفنية التي تناولت فعل الألم والمعاناة الانسانية في اطار منجزها التشكيلي، أين تحوّل الألم من شعور انساني دفين في الذات البشرية الى واقع وخطاب فنّي يعرّي الواقع ويقود الى مدلولات تشكيليّة ذات طابع تجريدي وتعبيري وشاعري ورمزي جسّدها ولخّصها الفنان مستندا الى ذاكرته البصريّة وتأسيسا لذلك نجد أنفسنا أمام الاشكال التالي: ماهي دواعي ومصادر الألم في الفن التشكيلي المعاصر؟ والى أيّ مدى كان الألم والمأساة الانسانية دافعا ومحرّكا للفعل الابداعي ومؤسّسا لتاريخ الشعوب في اطار المنجز التشكيلي؟ وكيف يتحوّل الألم من بعده الذاتي والنفسي الخاص الى أبعاد ابداعية تلخّص الواقع وتؤرّخ للحدث وتنطلق به الى الكونية؟
ولكن قبل التوغّل في مضمار هذه التجارب التشكيلية وجب تعريف الألم في سياقه العام، فقد تم تعريفه في لسان العرب " ألم: الألم، الوجع، والجمع ألام وقد ألم الرجل يألم ألما ، فهو ألم . ويجمع الألم آلاما ، وتألّم وآلمته. والأليم : المؤلم والموجع ". وعرّفه هايدغر بأنّه "ما يصل في التمزّق الذي يميز ويجمع، إنه لحمة التمزّق، إنّه العتبة. الألم، إذن، هو الاختلاف". وضمن هذا المنظور يكون الألم طارئا يترتّب عنه تغيير ينعكس على الذات، هذا التغيير يمتد في الزمن بدرجات متفاوتة، يجعلنا لسنا ما كنا عليه، يجعلنا مختلفين، يصرفنا عن إنجاز ما كنّا بصدد إنجازه إلى الانشغال بكفّ الألم ووضع حدّ له. بهذا المعنى يكون الألم حدّا فاصلا وعتبة. في حين عرفه علماء النفس على أنّه نتاج للواقع الاجتماعي المأساوي الذي يحياه الإنسان ويعاني منه، وينطلق ألم الإنسان من وضعه وينقسم هذا الألم إلى قسمين: ألم إزاء نفسه، وألم إزاء الآخرين. أما في العمل الفتي فيكون الألم دافعا ومحرّكا وحافزا للعمليّة الابداعيّة.
هكذا تتحدّد جغرافية الخطاب الذي نحن بصدده، والذي يتنزّل في ظلّ ما نعيشه اليوم في هذا الزمن الذي بات الألم يشكّل فيه حيزا هامّا جرّاء الاحتلال والحرب والارهاب والاضطهاد والتمييز العنصري والقمع والانتهاك للحريات العامّة... ما جعل التوازن السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومن ثمّ الثقافي والابداعي يختلّ. ذلك اضافة الى جملة التراكمات والتبعيّة وهو ما ولّد لدى المجتمعات عامّة جملة من التوتّرات النفسية والالام والمعاناة وعدم الاحساس بالاستقرار في شعوبها، بيد أنّ ذلك لم ينعكس على المجتمع وحده، بل انعكس بشكل جدّي على الابداع الفني وطرق استقباله وانتاجه، فالفن جزء من ثقافة الناس وممارستهم اليومية ومن البيئة التي يعيش فيها الانسان، فالفن هو تعبير عميق عمّا هو مخزون داخل القلوب البشرية من انفعالات وأحاسيس ذات رسالة معينة موجّهة من قبل الفنان الى الجماهير.
-1- الألم محرّك ومصدر ابداعي في المنجز التشكيلي المعاصر:
يتحوّل الألم الى نتاج تشكيلي وبحث جمالي تشكيلي توّاق الى المشاركة والتفاعل وجديّة الطرح الابداعي الانساني، نتاج فني يرسّخ من خلاله الفنان ويجسّد الكثير من الحالات الانسانية التي تضجّ بالمشاعر مستندا الى ذاكرة بصرية أثرت في فكره وريشته، فعمل على تسجيل اللحظة والموقف ووثّق المرحلة من ألم وفراق وموت وعذاب...فالعمل التشكيلي في النهاية هو نتاج انساني لمخزون من المشاعر وهنا نستدعي تجارب فنية تنحو هذا المنحى لتتّخذ من ألم شعوبها ومأساتها أو معاناة غيرها خصوصيّة لمنجزاتها الفنية. وهنا نجد أنفسنا أمام النقطة الثانية التي سنعرض فيها بعض التجارب الفنية التي تولّدت عن التجارب الانسانيّة الأليمة والتي تحوّل فيها الألم والمأساة الى ابداع فني ترسم المواد والالوان والخامات والتقنيات دلالاته الرمزية وعلاقاته الجمالية ليصبح المنجز التشكيلي بذلك ثقافة بصرية ملتحمة مع قيم جمالية تجمع الحاضر بالماضي وتستشرف المستقبل عن طريق الرمز والتعبير الانطباعي والتجريدي.
-2- ألم المأساة ترجمة للأحداث وتنظير لفن ملتزم:
لعب ألم المأساة دزرا مهما في صياغة الأعمال الفنية التي تفاعلت فيها المشاعر الانسانية مع الاتجاهات التعبيرية ضمن رؤى الفنان التي نقل عبرها همومه والامه ليعكسها بصدق ودقة متناهية، "فالفنان يجد في الفن خير الهام له في الشعور الانساني، انه لا يقدّم مجرّد ترجمة مصوّرة لمشاعره، بل ان هدفه هو استخدام أي وسيلة ممكنة تمكّنه من النّفاذ الى محتويات اللاشعور المكبوتة، ثم يخرج هذه العناصر حسبما يتراءى له بالصور الأقرب الى الوعي، وأيضا العناصر الشكلية الخاصة بأنماط الفن المعروفة." وقد أكّد فرويد في تفسيره للإدراك أو التذوّق في مجال الفنون على أنّ مصادر المتعة التي يحصل عليها المتلقي للعمل انما تكمن في اللاشعور، فالفن في رأيه يقدّم للمتلقّي حافزا اضافيا، بمعنى أنّه يسمح لمتلقيه بالاستماع بمادة قد تكون مهدّدة للأنا أو ضارّة بها لو قدّمت بشكل اخر أكثر مباشرة، وأنّ المرء يكون غير واع بمصادر المتعة وأسبابها التي يحصل عليها من تلقيه أو تأمله للعمل الفني". وهنا يظهر مدى التزام الفنان بقضايا أمّته المصيريّة والتعبير عنها بصدق وأصالة، هكذا يتحوّل الالم الى جمال فني وليتّخذ حديثنا اللحظة مكانته من الجديّة والصدق فإننا نستحضر التجارب التالية التي حرصت على أن يكون ألم المأساة والتهجير عن الوطن والتعذيب مصدر منجزها الفني فالتزمت بقضية بعينها لتنطلق بها من أفقها المكانيّة الضيّقة الى الكونيّة:
• "محمد قريش"وألم الغربة عن الوطن:
محمّد قريش هو أحد الفنانين العراقيين المغتربين عن وطنهم العراق منذ تسعينات القرن الماضي ما بين هولندا وكندا والمغرب، درس الفن في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد في أواسط ثمانينات القرن الماضي وأقام عشرات المعارض في العديد من الدول العربيّة والأجنبية. ويعدّ قريش واحدا من الفنانين العراقيين الذين أثبتوا حضورا فنيّا فاعلا في السنوات الأخيرة أين تناول في أعماله التشكيلية احساسه وشعوره بالغربة فتميّزت منجزاته بأسلوب جمع بين التجريديّة والتعبيرية كما حدّثنا من خلالها عن المآسي التي شهدها العراق وأثرها على النّفس البشريّة من خلال تجسيد كينونة الأشياء من أجساد بشريّة إضافة الى الطبيعة.
تتميّز أعمال "قريش" بأسلوب خاص يجمع بين التجريد والترميز ضمن وحدة لونيّة تجسّد ألم الغربة والمآسي التي شهدها العراق وذلك من خلال تجسيد كينونة الأشياء من أجساد بشريّة وطبيعيّة معتمدا على تقنيات ومواد مختلفة أغلب أصولها من المعادن كالمفاتيح، المسامير، قطع القماش، الألياف وأنواع أخرى من الورق لإضافة جماليات أخرى على العمل الفني ودعم مضمونه الفكري. يعتمد أيضا على تقنية الكولاج أو صور البورتريه لوجوه ما " portraits les " قد يأتى بها من الحضارات القديمة، فيرسم تفاصيلها ممّا وجده على المنحوتات التاريخية. في حين يطغي السواد على لوحات أخرى في شكل دوائر متعدّدة تطغي على الشكل الكلّي للوحة ونجده في بعض اللوحات الأخرى يستخدم جملاً تامّة يكتبها باللغة الإنجليزية وكأننا به يوحه من خلالها رسائله الى الظالم المستبد الذي استعبد واستبدّ بشعبه.
لقد استطاع "قريش" أن يؤلّف بين ما تعلّمه في الشرق وتحديدا في "بغداد" وما اكتنزته ذاكرته من الحضارات العراقيّة القديمة وما عاينه في الغرب وعاشه طوال سنوات غربته خارج العراق، فاللّوحة لديه هي مزيج متضاد أخذه من فنون حضارات شتّى وجمعه بتشكيل جمالي موحّدا موضوعه وقد نسّق ألوانه لينقل عبرها إحساسه للناس، فالإحساس بالفجيعة والفقدان نكاد نجده في كلّ لوحة من لوحاته.
هكذا تجاوز "قريش" ألم غربته وبعده عن عراقه من مجرّد الشعور الداخلي الى شعور مرئي تشخيصي. واللاّفت في لوحاته هو لون أديم الأرض الذي نجده ينفرش على المساحة الضوئية للوحات فيشحذ الشعور بأنّ تلك الأشياء المهملة جاءت من حضن الطبيعة، غير أن البشر قد ناصبوها العداء معنى وذوقاً نتيجة لقلّة الوعي الجمالي والاستبطان الداخلي، فقد تحيلنا الحبال على التعذيب كما تحيلنا تعرية قضبان القفص الى تغيير وظيفته من قفص الى سجن معرّى القضبان، فالفنان يلّخّص أفكاره تلك بمبدأ التعرية وهذا متأتٍّ من تعرية الأفكار والأشكال، من عري الجسد، أو من عري التعوّد على رؤية الأشياء المهملة على أنّها قبيحة، تعرية العيون التي تنظر بماضيها، بما تعودت عليه من التقاليد والأعراف، تعرية جسد السجين وتسليط الاهانة والاستبداد عليه، من هنا يكون فن "قريش فنّ ملتزم بقضية الوطن المهان.
ميّزة أخرى نلاحظها في لوحاته وهي اختفاء الاطار تماماً فتأطير اللوحة بالنسبة له سجن حقيقي وفي أحيان أخرى يظهر الاطار غي شكل جريء وذلك من خلال تثبيت قفص حقيقي على اللوحة وهو ما نجده في لوحته "اشارة على جدار" والتي نلاحظ فيها تثبيته للقفص على كادر اللوحة بشكل بارز ممّا يستدعي الانتباه الى غاية القفص في الحياة وهي السجن، لكن تضامن الألوان الفاتحة المستمدّة حميميّتها من الأرض تلقي تسامحها على القفص وتمنعه من أن يكون منفذاً للاعتقال أو في صفّ السلاسل، فالقفص في هذه اللوحة هو نفسه محبوس وتحت طائلة المنع.
أمّا في لوحته "آثار مدينة" فهو يروي حكاية مدينة عراقيّة عانت وحشاً التهم معالمها، مدينة عاصرت الخراب والدمار واستطاع أن يتفوّق عليها زمناً محدداً، غير أنّها انبثقت أغصاناً خضراء من جديد كناية على الديمومة. ولأنّها تروي آثار مدينة منسيّة فقد اتخذت اللوحة شكلا متّصلا ذا امتداد أفقي ما منح اللوحة شكل الحكاية فكأننا بهذا الشكل يجعلنا نسمع حكايتها فنتصوّرها متحوّلة إلى آثار منسية وقد اعتمد الفنان تثبيت آثار تلك المدينة في الوسط كي يبعدها عن التلاشي وعن المصير المحتوم للآثار وهو الفناء، كما تعمّد حفر تلك الآثار بعمق خمس سنتيمترات في اللوحة اشارة الى بقاء المدينة وقد أعطاها الحفر تلك الصفة. وقد لجأ الفنان الى اعتماد نوعية من الورق الصيني في شكل سيقان نباتية خضراء لامعة لتنفيذ القسم الأخير من اللوحة ليكون يانعا ومخضرّا للتدليل على فكرة الخصب، فالمدينة باقية بالرغم من الوحش الذي يلتهم معالمها في القسم الأوّل من اللوحة.
هكذا كانت لوحات قريش بمثابة رسائل كتبها الأجداد للحصول على حقوقهم من ظالميهم وأن اختلفت اللغة وألصقت فيها الصور والمطبوعات والرسوم من حضارات أخرى فذلك ليتفهّمها الآخر. وهكذا تحدّثت لوحاته عن ألم الغربة ووصفت المآسي التي شهدها العراق على النفس البشرية من خلال تجسيد كينونة الاشياء فعكست هذه المعاناة في صور جميلة ومؤلمة في ذات الوقت عبر تمثيل المواد المتنوّعة والمختلفة، المتجانسة والمتنافرة والتي تعود أغلب أصولها الى المعادن، فعبّر عن وطن يئنّ تحت عجلة القتل والدّمار والخراب اليومي والاضطهاد الذي عانى ويعاني منه الشعب العراقي. وقد لجأ الفنان في مرحلة من مراحل تطوّره الفني الى اعتماد الألوان الحارّة ليعلن عن الحرمان وسطوة الايحاء بالقهر الاجتماعي والسياسي في المرحلة التي شهدت تفتحه واعتناقه الرسم، وما ذلك الا معادلة جادّة من الفنان على حدّة الأوضاع الدمويّة في العراق الذي يبرزه في هذا القرع الصاخب للون،هكذا كان قريش يعاني من أجل وطنه، انه الفنان الملتزم بفنّ هادف.
غير أنه ليس الوحيد الذي التزم بقضية وطنه ليشحنها ضمن رسائل فنية عالمية بشعر بها الغربي والشرقي والغربي، فلا يسعنا أن نغفل في هذا المضمار عن "الفن الفلسطيني" الذي اتّسعت وتنوّعت المضامين والتعابير الفنية المرتبطة فيه بالألم والمأساة والمقاتل، المقاتل الذي يدافع ليس عن أرضه وشعبه فقط، بل عن تراثه وحضارته أيضاً، ما أنتج عدة عناصر وجماليات فولكلوريّة وتراثية تؤكد الهوية الفلسطينية عبر التاريخ، فكان التحوّل في التعبير الفني وكان رد الفعل المأساوي شديداً، فصوّر الفنانون المأساة في أحلك صورها وصولا إلى الفاجع والسوداوي وهنا وجب ذكر أهم تجربة رائدة التزمت بترجمة المأساة والألم الفلسطيني وجعلها قضية كونية وهي تجربة الفنان:
• اسماعيل شموط: فنان تشكيلي فلسطيني ولد سنه 1930 وتوفي سنة 2006، وهو أحد أبرز رواد الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر وأحد مؤسّسي قسم الفنون في منظمة التحرير الفلسطينية.
التزم "إسماعيل شموط" بأسلوب واقعي تعبيري مع بعض الرمزية وقد ذكر أنه لم يختر أسلوبه هذا بشكل عقلاني ولكن موضوع القضية الفلسطينية الذي طغى على رسوماته فرض عليه هذا الأسلوب. وقد اعتمد في لوحاته على رسم كل تداعيات المأساة الفلسطينية في اسلوب واقعي يتميز بالبساطة ويظهر ذلك في لوحته "إلى أين؟" التي جسّد فيها الفنان لحظة من لحظات الألم، ففيها تبرز ملامح مختلفة ووجوه يغلّفها الفزع أو التسليم لمصير غير معلوم، وهي لحظة تهجير الشعب من الوطن الأم الي أرض الشتات. وقد ظهر في مقدّمة اللوحة شيخ مسنّ يحيط طفلا يمسك آنية بذراعه ويمسك عصا يستند اليها وخلفه طفلا اخر يحمل اناء أيضا وخلفه فتاة شعثاء الشعر وخلفها أم تحمل طفلها علي كتفها وبجوارها أخري وخلفها اخرون كثر الي نهاية الأفق الممتد حتي نهاية اللوحة جميعهم يجهلون الى أين هم سائرون. فمن يشاهد اللوحة يراهم قادمين من الأفق الغير معلوم و لكن الذي يقف معهم سيري أنهم ذاهبون أيضا الي الأفق الغير معلوم أيضا.
تظهر قوّة اللوحة في عدم ترك "شموط" لمساحة شاغرة في اللوحة الاّ وشغلها بمواطن مهاجر وعدد في الألوان والملامح ومستويات المنظور كي يكثر من العدد ويوضّح في مساحة ضئيلة أنّ شعبا بأكمله قد تعرّض لنكبة وهو ما جعلنا لا نعيش مع محنة شخصياتها فقط بل دفعتنا الي أن نتأمّل واقعا اخر واقعا حقيقيا عاشه الشعب الفلسطيني كلّه، فقد نجح الفنان في نقلنا نفسيّا من منطقة التأمّل الي منطقة الشعور ثم التعاطف ثم التفكير، وهو ما يؤكّد أنّ الفنان قد نجح في نقل الرسالة المراد ايصالها الى ناظر اللوحة حتى أنّ ملامح شخصيّة الرجل المسنّ تشير الي عنوان اللوحة بصدق.
لقد حوّل شموط الألم من كونه من الكوامن النفسيّة الى أبعاد ابداعيّة وصور تعبيريّة تتلخّص في اهتمام الفنان بواقعه الذي تربّى فيه وعايشه بكل تفاصيله المؤلمة، فحوّل معاناة شعبه من مجرد ذاكرة سيكولوجيّة الى ترسيخها في أثار فنيّة جسّد فيها الكثير من الحالات الانسانيّة التي تضجّ بالمشاعر مستندا الى ذاكرته البصريّة، فرسم الحزن الفلسطيني في جماليّة تعبيريّة ورمزيّة وواقعية كان اللون القائد الأساسي فيها، حيث تألقت الألوان في لوحاته في أسلوب تعبيري رمزي وواقعي نلاحظه في لوحته "عروسان على الحدود"، "طاقة تنتظر"، "حتى الفجر" و"رقصة النصر". كما رسم مراحل المقاومة الفلسطينية المسلّحة بأسلوب حركي ناغم فيه بين اللون والخط نذكر منها "معاناة فلسطين"، "اليد الخضراء" ، "الحياة المستمرة" و"الربيع." هكذا هو "اسماعيل شموط" يؤمن بأنّ الفن هو التزام بقضايا واقعه وهموم شعبه التي ترجمها بألوانه وخطوطه ورؤاه، وقد نجح في المزاوجة بين مسؤوليات الوظيفة والطموحات التعبيرية والالتزام بقضية شعبه وألمه فقد "مثّلت موضوعات أعماله صوراً من معاناة الشعب المشرّد التي شملت الشيخ القنوط والأم الحزينة والطفل الجائع، وقد لحقتها أعمال أشادت بصورة الفدائي وبندقيّته والشهيد المضرّج بدمائه، وقد استقى شموط مفاتيح ايحاءاته التصويرية من تفاصيل المكان المحيط به في عالم المخيم، فجاءت مسيرته من أهالي المخيّم الفلسطيني، لتجتاز الحدود ، ورسمت أعماله معنى الانتماء إلى وطن سليب، توقّف فيه الزمن يوم الرحيل، كما تحجّر في المكان في صورة ذهنية بكاها شعراء المرحلة ". ولأن اسماعيل شموط حقا هو مؤمن بقضية العدوان على الوطن المسلوب وهو يشعر به أكثر من غيره فقد عايشه عن قرب وعاش تحت وطئته فقد شعر وتأثّر بالاجتياح الإسرائيلي على لبنان وتناوله في أعماله ليرسم موضوع الحزن بأكثر عنف مستعملا الألوان الحادّة والقويّة وقد يظهر ذلك جليّا في مجموعة اللوحات التي أنتجها سنة 1976 تحت عنوان "تل الزعتر" التي اعتمد فيها تقنية الألوان المائية ليظهر عبرها عفويّة التعبير في غياب العناصر الواقعية. هكذا أسّس "اسماعيل شموط" ونظّر لفن ملتزم بقضية وطنه وطرحها على المجتمع مصوّرا الألم الانساني الخاص في صور متسلسلة ساهمت بتوعية المتلقي بأهميّة هذه القضايا المطروحة، فرصد من خلال منجزه الفني بيئته وواقعه بطريقته التشخيصية والتعبيرية والرمزية بعيدا عن المغالاة والتعقيد مدوّنا لنا بذلك تاريخ حقبة زمنية عايشها بتسليطه الأضواء على كثير من جوانب الحياة اليومية، فقد أعطتنا أعماله الفنية الفرصة للنظر في واقع الحياة "وما ينتجه الفنان ما هو إلاّ وثيقة ذات قيمة تاريخية تسهم في إغناء الفن التشكيلي العالمي ولا سيما العربي المعاصر".
وقد أثرت المأساة ولا سيما معاناة الشعب الفلسطيني والعراقي في العديد من الفنانين المستشرقين الذين حاولوا رسم هاته الالام على طريقتهم، فمع احتلال العراق وّظهور ملامح جديدة للاحتلال الغربي تطوّرت الملامح السياسية لتغرق في الوجع العربي، فانبت على نظرية تصادم الحضارات والديانات والحرب على الإرهاب ليتغير مشهد الشرق من سحر إلى ألم، ما خلق نظرة واقعية وتوجّهات سريالية فاقت الواقع في النقل الفني ونحن هنا نشير الى:
• الجيل الجديد من المستشرقين:
الذين تأثروا بالواقع الأليم ومعاناة الشعب الفلسطيني والعراقي فنقلوا ما شاهدوه بأسلوب ملتزم وراق شعاره الإنسانية، أسلوب جسّد المعاناة والظلم من انتهاك لحقوق الإنسان واختراق للقوانين الدوليّة وفضح صور التعذيب والاحتلال والفقر والاستغلال. ومن بين هؤلاء الفنانين المستشرقون الجدد نذكر الفنانة الأمريكية "فانيسا ستاوفورد" التي تحدّثت ولكن بلغتها التشكيليّة عن سجن "أبوغريب"، موظفة تاريخ الحضارة الشرقية الفرعونية التي اعتمدتها من خلال توظيف رموز الكتابة الهيروغليفية التي أعادت تشكيلها برموز بديلة تمثلت في صورة الجندي الأمريكي المستبدّ والسجين العراقي المسلوب والكلاب والسلاسل ومشهد الدماء. وفي حين اهتمت "ستاوفورد" بالمأساة العراقية كرست الفنانة الأمريكية كذلك "سوزانا كلوتز" فنّها للتعبير عن المأساة الفلسطينية التي عايشتها عن قرب بزيارتها لأغلب المخيّمات الفلسطينيّة والأراضي المحتلة. وتعكس أعمالها قيم المجتمع الفلسطيني معتمدة على رسم العادي والغريب وكاننا بها تحاول أن تنير الوعي وتوحّد الروح الانسانية لتساهم بأفكارها في كسر وهم الشرق الموجود في عقلية المجتمع الغربي والمروّج له عن طريق الإعلام المرئي الذي ينقل فقط دعاية تخدم حتما سياسة يتخفّى وراءها ذلك الحنين الغربي للغزو والإستعمار. لقد حاولت كلاهما وعبر الفن الكشف عن الوقائع الحقيقية في استنكار لما يجري على الأراضي المحتلة وحتى على الأرض الأمريكية الداعمة للإحتلال، فأعمالهما تثير الوعي وتواجه الحقيقة السطحية التي يقدّمها السياسيون.
ولا يفوتنا أن ننسى في هذه المقام تجربة الفنان الكولومبي "فيرناندو بوتيرو" الذي استخدم عمليات التعذيب المرعبة والألام الناتجة عنها والتي جرت في سجن"أبوغريب" كمصدر إلهام في أعماله الفنية، فقد رسم50 لوحة عرضها في بروما، واصفا فيها الانتهاكات التي ارتكبت بحق المعتقلين والتي صوّرها بشكل مفزع يثير كل من يراها. فقد تأثّر "بوتيرو" كثيراً بفضيحة عمليات التعذيب التي حدثت في العراق، فبرسم مجموعة من اللوحات تصف الإذلال والتعذيب الذي تعرّض له العراقيون على يد الجنود الأمريكيين في سجن "أبو غريب" من اهانة واغتصاب وتعرية و... ويذكر في هذا الصدد: "صُدمت كثيراً بهذه الأعمال البربريّة، وبشكل خاص أن تصدر عن جنود أمريكيين، إذ يفترض في الولايات المتحدة أن تكون مثالاً للتعاطف والشفقة". وقد عنون لوحاته بـ "أبوغريب" وقد رسم هذه الممارسات الفظيعة واللاإنسانية بأسلوبه الشهير أين تبرز فيها أجساد المساجين العراقيين ممتلئة وهي السمة التي تميز أسلوبه الفني ولكنّها هذه المرة معصوبة العينين وعارية وتحت التعذيب أو على شكل كومة من الأجساد االبشرية ولكن ورغم أن هذه المشاهد المرعبة والمفزعة قد باتت مألوفة لنا نتيجة الصور التي ملأت افتتاحيات الصحف العربيّة والعالمية إلاّ أن تأثير ما حدث واقعياً تمّ إبرازه بشكل أكبر من خلال تحويل الصور إلى تقنية الرسم، فقد نجح "بوتيرو" في اظهار هذه الواقعة الفضيحة في تاريخ الجنود الأمريكيين سيما أن الفنان حاول اظهارها بأسلوب واضح وواقعي. من هنا نلاحظ أن الفنان هو حامل لقضية بعينها واذا ما أراد أن يلتزم بها وينظر لالتزامه بها فهو يحاول وترجمتها الى الرائي بكلّ أسلوب.
هكذا مثل الالم الانساني قضية بعينها اعتمدها جملة من الفنانين للخروج بها من الذاتية الى الكونية، وبعد أن تشكّل الألم والمأساة داخل الفضاءات النفسية التي تبدأ من روح الفنان ودمه وخلاياه تفجّر في المنجز الفني، ليدهشنا الفن التشكيلي بعوالمه التعبيرية الفنية أو بأساليبه في تفكيك الألم الداخلي المعبّر عن التهجير والشتات أمام قوة طرح فكرة الالتزام وهي خصوصية اكتسبها الفن التشكيلي من واقع الوضع وتداخلاته. لتحوّل الألم الانساني الى نتاج فني فيولد من رحم التجارب الانسانية ويتمخّض مع المواد والرموز والعلاقات المركّبة بين المواد والخامات فيحمّلها الفنانون بذلك دلالات رمزية واضحة لتكون اللوحة ليست مجرّد لوحة للقراءة والنظر وحسب، بل نتاج ثقافة بصريّة ملتحمة مع قيم جمالية تبرهن عن عمق التعاطي مع التاريخ والحضارة والهويّة. وهنا يكون دور الفنان بارزا في احياء روح التقارب والتمازج وتجسيد الازمنة التي أنهكت بلده أو بلدا شعر بمعاناته وألمه بخلق مخزون فنى يحاكي ما مرّ به من ظلم وفراق وأمل، فينقل حقائق الواقع ويضيفها سطرا من سطور التاريخ ليوثّق به ما مرّ على الوطن المسلوب فيخلق بذلك محاكاة بصرية يقرأها المتلقي ليتمكن بذلك من بناء علاقة تعتمد على التفاعل مع اللوحة بتعبيرية.
ويمكننا الحوصلة من خلال هذه التجارب المختلفة من حيث الجنسيات ومن حيث التقنيات وحتى الأساليب الفنية يظهر أنّ الفن كان ومازال يخضع للظواهر الاجتماعية والاقتصادية والنفسيّة وطبيعة المناخ، فالتنشئة الفنية منوطة بالتقاليد والعادات السائدة للظروف والأحوال الأمنيّة، وهو ما يعطى للفنان الدافع المباشر للالتزام الفني بأحوال الحرب والدفاع عن الأرض والوطن ومقاومة العدوّ بالتعبير التأثيري ذا الطابع الدرامي، فيترجم أحاسيسه الى رسومات تعبّر عن مدى قساوة الحرب على المجتمع بشكلها المفجع والمفزع، فالفنان يؤرّخ هاته الأحداث والآلام والظلم والاستبداد ويحوّلها الى رؤى تشكيلية بمختلف مظاهرها، وهنا تلعب البيئة والوضع السياسي والحياة الاجتماعية دورا مهما على الساحة الفنية.
الفنان إذن هو صاحب قضية ووجهة نظر يريد أن يعرفها جميع محبيه ومتتبعيه من الجمهور، ولأنه لا يمارس الفن من أجل متعة ذاتية أو من باب الترف الذهني، وانما يعتبر الفن رسالة بل سلاحا في معركة حضارية. وعليه يمكن القول أنّ الفن التشكيلي بكلّ أنواعه واحدا من أهمّ وأرقى الفنون الإنسانية لما يتميّز به من قوّة تعبيريّة تجمع الخيال بالعاطفة والعقل بالإحساس إذ يحمل في طياته بعدين: أوّلهما أنه يشكّل الفكرة بجماليّة مدهشة تثير بسحرها الكثير من الأسئلة، وثانيهما أنّه رسالة تسخّر الألوان والأسلوب والمنهج والموروث لخدمة هدف نبيل إنساني ولا يختلف البعدان في ظاهرهما بل يتوازيان جنبا إلى جنب مع اختيارات الفنان ومواقفه وأحاسيسه الجمالية رغم البيئة والواقع وهواجس العقل وتفاعله مع العواطف.
المصادر:
- أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور)، دار صادر، 2003،
- مارتن هايدغر، إنشاد المنادى، قراءة في شعر هولدرلن وتراكل، تلخيص وترجمة: بسام حجار، بيروت-البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط. I، 1994، ص. 18.
- ريد، هوربرت(1981)، الفن اليوم (ترجمة: محمد فتحي وجرجس عبدة)، القاصرة، دار المعارف، ص93.
-د.شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي: دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، عالم المعرفة، الكويت، يناير 1978، ص129 .



عواطف منصور، تونس
جامعيّة وباحثة في الفنون التشكيليّة
أستاذة بالمعهد العالي للفنون والحرف بالقصرين، تونس



#عواطف_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاسطورة في الفن التشكيلي المعاصر، قراءة في تجربة الفنانة ال ...
- قراءة في تجربة الفنانة التشكيلية -فدوى دقدوق-


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عواطف منصور - الألم في المنجز التشكيلي بين ترجمة الحدث والتأسيس لفن ملتزم قراءة لبعض التجارب الفنية المعاصرة