أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد النبي أشطبي - ما المقصود بالخطاب -الكوني-؟















المزيد.....

ما المقصود بالخطاب -الكوني-؟


عبد النبي أشطبي

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 16:30
المحور: حقوق الانسان
    


ما المقصود بالخطاب "الكوني"؟
كثيرا ما يثار النقاش حول صفة "الكوني" بحيث يتم عبتا إلصاقها بمجموعة من الخطابات الفكرية و الإيديولوجية، في هذا السياق قد لا يدرك البعض المقصود بهذه الدلالة ومعانيها، وهو ما قد يؤدي إلى الخلط في المعنى بين الخطاب الخصوصي أي الخطاب الذي تبقى له محدوديته الزمانية والمكانية والثقافية التي نشأ فيها، والخطاب الكوني الموجه للإنسانية جمعاء والذي ينتصر لمقولات العقل، الحق الطبيعي، الحرية والتعاقد الاجتماعي.
إن هذا الخلط يفرض طرح الأسئلة التالية: هل كل خطاب فكري يستحق صفة "الكوني"؟ ما المقصود بهذه الصفة التي نقدمها مثلا للخطاب الفلسفي أو الخطاب الحقوقي؟ ما هي المعايير التي ينبغي اعتمادها حتى نقول عن خطاب ما أنه "كوني"؟
من دون شك أن الإجابة عن الأسئلة السابقة، تبقى مسألة صعبة، لأنها تتطلب الاعتماد على حقول معرفية متعددة منها بالخصوص الفلسفة واتجاهاتها، بالإضافة إلى الانفتاح على العلوم الإنسانية بمختلف مشاربها، والاستناد كذلك على كل الأبحاث التي تناولت وتتبعت تاريخ الإنسان وكيفية تطور حضارته وثقافاته منذ أزل التاريخ.
لكن رغم هذه الصعوبة، فإنه يمكن مبدئيا أن نتحدث عن أربعة مقومات رئيسية تشكل العمود الفقري لكل خطاب "كوني"، أي لكل خطاب حامل لرسالة تنويرية تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية الموجودة بين بني البشر، وتدافع عن المشترك الإنساني الذي يؤسس كل القيم الإنسانية النبيلة، هذه المقومات هي :


1- كل خطاب "كوني" هو كذلك لأنه إرث مشترك للإنسانية جمعاء:
وهذا معناه أن الخطابات والمنظومات الفكرية التي ساهمت في بناءها التجارب المعرفية لكل من الشرق والغرب، الشمال والجنوب، هي أفكار كونية. فالفلسفة هي مثلا فكر "كوني" لأنها ليست ملكا لأحد، أو لدولة ما أو لثقافة ما، بل إنها ملك إنساني مشترك.
صحيح أن الحضارات القديمة عرفت وجود فلسفات معينة تعبر عن أحاسيس الإنسان وتمثلاته للعالم والزمان بشكل "عقلاني" و "منظم". غير أن مضامين هذه الفلسفات سيتم الاستفادة منها واستثمارها من طرف الإغريق منذ بدايات القرن السادس قبل الميلاد ليتم بعد ذلك تأسيس المباحث الفلسفية الكبرى (مبحث المعرفة، مبحث الوجود، مبحث القيم)، هذه المباحث وإشكالياتها سيتم الخوض فيها لاحقا، بفضل حركة الترجمة، من طرف حضارات وشعوب أخرى، وفي أزمنة أخرى. هذا ما نلمسه مثلا في الفلسفة المسيحية مع "توماس الأكويني"، أو في الفلسفة الإسلامية مع "الفارابي" و "ابن رشد" أو في الفلسفة الحديثة مع الفرنسي "ديكارت" و الإنجليزي "جون لوك" والألماني "هيجل". أو في المرحلة المعاصرة مع الدانماركي " كييركجارد"، والأمريكي "جون راولز".
إن هذا يعني أن إشكاليات الفكر الفلسفي والخوض فيها ليست مقتصرة على ثقافة ما أو قبيلة أو جماعة معينة، بل إنها مسألة كونية، أي مشتركة بين سائر بني البشر، فهي إشكاليات تعالج في الصميم قضايا تهم وجود أي إنسان كيفما كان موطنه أو جنسه أو عرقه.
نفس الشيء يمكن أن نقوله عن الخطاب الحقوقي، أي خطاب حقوق الإنسان، فهو خطاب "كوني" بامتياز لأن كل الحضارات الإنسانية، ساهمت في تأسيسه : الحضارات الشرقية القديمة (الصينية، الفارسية، البابلية)، الأديان (البوذية، الهندوسية، الإسلام، اليهودية، المسيحية...) الفكر الفلسفي عبر كل مراحله (الإغريق، القرون الوسطى، المرحلة الحديثة، المرحلة المعاصرة). هكذا عندما نقول مثلا حق الكرامة أو حق الحياة أو حق الحرية، فهذا حق مشروع لكل إنسان، وما يضمن مشروعيته بالأساس هو كونه تكون نتيجة تراكم معرفي مشترك بين الأفراد والجماعات أينما كانوا : في الشرق أو الغرب، في الشمال أو الجنوب.
2- المضمون والمدلول باعتباره مقوم لصفة الكونية :
فكل خطاب يتضمن مضامين ومدلولات تنويرية تدافع عن القيم الإنسانية النبيلة، يستحق صفة "الكوني"، هنا لابد من التوقف عند مفهوم التنوير، باعتباره مفهوما مركزيا في إطار المقوم الثاني : فالتنوير في الأصل اللغوي، كلمة مستمدة من النور، كمقابل للظلام، وهو بهذا المعنى يرتبط بنشر "النور" وتفادي كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الظلام، ومن هذه الدلالة اللغوية يمكن أن نستنبط أن التنوير يرتبط بكل المضامين والقيم والمثل والمبادئ التي تخدم الإنسان وتحمي كرامته لأنه إنسان، أي ذات عاقلة، حرة في تصرفاتها، مستقلة في إرادتها، ومسؤولة قانونيا وأخلاقيا عن أفعالها.
هذه المضامين التنويرية تتمظهر مثلا في قيم العدالة والكرامة، والحرية، واحترام الغير، وقبول الاختلاف، والتضامن والتعايش...، إنها مضامين تنويرية ترفض وتنبذ كل ما قد يسبب الضرر لأي إنسان كالكراهية، والحقد، والعنف، والأنانية، والعبودية، والظلم والتعصب والانغلاق...، بالتالي فهي مضامين تستحق صفة "الكوني"، لأن الاستناد عليها سيسير بكل المجتمعات الإنسانية إلى الأمام رغم كل الاختلافات الثقافية الموجودة بينها.
3- المقصد كمقوم لصفة "الكوني" :
فالخطاب الذي يكون موجها لكل الناس في كل بقاع العالم، لا إلى قوم دون آخرين، أو لثقافة دون أخرى، أو لفئة دون أخرى، هو خطاب "كوني" بامتياز. من هذا المنطلق لا يمكن أن نعتبر نصوصا دينية معينة وتشريعاتها كونية، بكل بساطة لأنها موجهة إلى فئة ومجتمع معين، وبالتالي فهي تراعي لغة خاصة، وتنسجم مع تقاليد وعادات معينة، وتلبي حاجات سياسية واجتماعية وسيكولوجية خاصة بمجتمع معين . إذن لا يمكن أن نقول عن دين ما أنه "كوني" أو أنه صالح لكل الأقوام في كل زمان ومكان،لأن كل ديانة ظهرت في التاريخ إلا وكانت موجهة لمجتمع معين لا إلى كل المجتمعات، وهو ما يعني عدم صلاحية تشريعاتها لكل إنسان في كل بقاع العالم. فالمطلوب إذن، ومن أجل ضمان ترسيخ القيم الكونية التنويرية الجميلة هو العمل على ضمان تعايش المعتقدات والديانات، لا الدفاع عن أفضلية إحداها عن الأخرى، كأن نقول مثلا أن الإسلام أفضل من المسيحية، أو العكس، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى الحرب والصراع والاقتتال الدائم، وبالتالي قتل "الكوني"، باسم الخصوصي.
لكن الخطاب الحقوقي عكس الخطاب الديني في إطار هذا المقوم، يعتبر كونيا لأنه يخاطب أي إنسان كيفما كان جنسه، أو لونه أو عرقه أو ثقافته، فهو ينظر إلى الناس كأفراد للنوع البشري وكأعضاء متساويين، كاملي العضوية في الإنسانية.
4- الاعتراف الدولي والعالمي كمقوم لصفة "الكونية" :
فكل فكرة تصبح عبارة عن قانون دولي تعترف به أغلب دول المعمور وتصادق عليه، تعتبر كونية، ولتوضيح هذه المسألة ربما قد نحتاج إلى أمثلة مستقاة من مجالين رئيسين هما : العلم و الحق.
ففيما يخص العلم، نقول مثلا أن الماء يتبخر عندما تصل درجة حرارته إلى مائة، أو نقول كذلك أن الخلل في عضو البانكرياس هو المسؤول عن داء السكري، أو أن تكتونية الصفائح والفوالق في القشرة الأرضية هي سبب ظاهرة الزلازل. هذه القوانين العلمية تعتبر أفكار كونية لكونها مقبولة من طرف العلماء في الفيزياء والبيولوجيا والجيولوجيا، بكل دول المعمور، بحيث أن الاستناد إلى العقل والتجربة هو ضامن مصداقيتها، لذلك فالعالم كان مسلما أو مسيحيا أو لا دينيا، إفريقيا أو آسيويا، امرأة أو رجل، يقبل هذه القوانين العلمية لأنها تحترم الشروط الإبستمولوجية للعلم والمتعارف عليها في كل بقاع العالم.
وفي ميدان حقوق الإنسان نجد حاليا أن أغلب دول المعمور صادقت أو أنها في طور المصادقة على المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فهذه المصادقة معناها نقل كل تلك المبادئ والقيم الإنسانية من مثل أخلاقية جميلة إلى قوانين وتشريعات ملزمة للدول والمنظمات الاجتماعية، بل أكثر من ذلك أن هذه المواثيق الدولية تصبح مصدرا للقوانين الوطنية، بحيث تعمل العديد من المجتمعات بفضل هذه المصادقة على تكييف قوانينها الخاصة مع منظومات حقوق الإنسان، وفي حالة وجود تعارض بين الخصوصي والكوني، فإنه يتم الانتصار لمبادئ حقوق الإنسان وقوانينها، كما هو متعارف عليها دوليا.
نستنتج مما سبق أن المقومات الأربع التي تحدثنا عنها لها أهمية قصوى لتوضيح خصائص كل خطاب يسمى ب "الكوني"، لكن رغم هذه الأهمية، فإن هذه المقومات لا تعتبر نهائية وحاسمة، بل إن النقاش العلمي، والفلسفي، والحقوقي، هو الكفيل بتبيان قيمة هذه المقومات وإبراز مقومات أخرى إضافية.
لكن عموما وفي إطار الواقع السياسي العالمي الحالي تتضح أهمية هذا الحديث عن مقومات الأفكار والقيم الكونية، ذلك أن مظاهر الحرب والصراع والاقتتال والكراهية التي نراها اليوم ما هي إلا نتيجة مباشرة لنبذ "الكوني"، والانتصار للخصوصي، وهذا معناه أننا باسم الثقافة الخاصة والعادات والتقاليد المحلية ننسى أن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا، ولعل إدراكنا لهذا المشترك الموجود بين كل بني البشر هو أول خطوة ينبغي إتباعها لفهم معنى "الكوني"، في سبيل الدفاع عن الإنسان اقصد أي إنسان.



#عبد_النبي_أشطبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد النبي أشطبي - ما المقصود بالخطاب -الكوني-؟