أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - في زمانٍ آخر .. بتوقيت غرينتش














المزيد.....

في زمانٍ آخر .. بتوقيت غرينتش


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4708 - 2015 / 2 / 2 - 02:12
المحور: الادب والفن
    



في زمان آخر ..
جاء أبي برأسِ غزالٍ ساكِتٍ ، وعلّقَهُ عند مدخل البيت .
- لماذا يا أمّي ؟
- ليدرءَ عنّا الحسَدَ يابنيّ .
- وماذا لدينا ليحسدونا عليه ؟
- كلّ شيءٍ يا ولدي .. كلّ شيء .
وعندما مات أبي ، وفي جيبهِ " رُبْعَ " دينارٍ فقط ،
رأيتُ رأسَ الغزالِ ينظرُ إلى تابوتهِ بحبورٍ عظيم .
وفي زمنِ الخساراتِ التي لا تُعَدّ ،
نزَعْتُ رأسَ الغزالِ عن مدخلِ البيتِ ، وذهبتُ بهِ إلى البريّة ،
وتركتهُ يركضُ هُناك ، وحيداً ،
مثل ربحٍ ضائع
في تاريخ العائلة .

***

لم تكن جدّتي تقصّ الروايات .
كانتْ تاريخاً من الهجرِ الجميلِ ، والنسيان الحلو .
وعندما أرادتْ أن تموت .. جلستُ بالقرب منها ، لأقصّ عليها حكايات حُبّي القصيرة جدّاً ، والكثيرة جدّاً .
أمسكتْ بكفّي ، وقالتْ لي .. إخرَس ايها الفتى البائس ، وأستَمِعْ إليّ .
لا تترُك أمرأةً واحدةً في هذا العالم ، دون ان تحبّها حُبّا جمّاً .
ولكن .. إيّاكَ أن تعشقَ واحدةً منهنّ إلى الأبد .
وعندما ماتتْ جدّتي
كنتُ أرى في عينيها المُطفأتينِ .. ظِلاًّ لفتاةٍ صغيرة
تنظرُ إلى جدّي ، الفتى ، من بعيد
وتلوّحُ لهُ بذراعيها النحيلتين ..
وتبتسِم .

***

تسلّلَ أبي ، في آخر الليلِ ، إلى البيتِ خِلسة .
همسَتْ أمّي - ها ؟ ماذا لديك ؟ .
- لديّ أكتشافٌ مُذهِل . هل الأطفالُ نيام ؟ لا أريدُ أن يسمعني أحد .
- الجياعُ نائمونَ ياسيّد البيتِ ، فماذا أكتشَفْت ؟
- إكتشَفْتُ إنّنا لانموتُ ، لأنّنا يجبُ أن نموت .
لانموتُ ، لأنّنا لانريدُ الحياة .
نحنُ نموتُ ، لأنّنا .. لا نستطيعُ العيشَ في هذا العالم .
لاتزالُ ضِحكةُ أمّي المُجلجِلَة ، على اكتشاف ابي المُدهِش ،
ترنُّ في أذني إلى هذه اللحظة .
ومنذ تلك الليلة .. كنتُ أموتُ كلّ يومٍ ألف مرّة .
لا لأنّني لا أحبّ الحياة .
لا لأنّني أريدُ أن أموت .
بل لأنّني لم اتمكن من العَيش
، كما يعيش الآخرون ،
في هذا العالم .

***

- يا إلهي ..
لماذا انت مُضيءٌ
مثل قنديل حزنٍ وحيدٍ
على الحائط ؟
- لأنّني أبدو كذلك .
أبدو كذلك .
بينما كلّ شيءٍ حولي
غارقٌ في الظُلمَة .
بما في ذلك جسدك البهيّ
الذي تنهشهُ أصابعُ الليلِ
على سريرٍ ساكت .

***

الساعة هي التاسعة الآن .. بالتوقيت المحليّ .
أنتَ وحيدٌ ، وحزين .
في السادسة بتوقيت غرينتش .. أنتَ كذلك .
فَرْقُ ساعةٍ عن غرينتش .. فَرْقُ ساعتين .. أنتَ كذلك .
مهما يكُنْ الفَرْقُ ، وأينما يكون .. أنتَ كذلك .
بتوقيت غرينتش ..
أنتَ تكتبُ لعزلتِكَ المُقدّسة ، قصائدكَ التي تشبهُ الفأس .. لتكونَ سعيداً.
وبالتوقيت المحليّ ، نحنُ الذين هنا .. نقرأُ لك .
بالتوقيت المحليّ .. أنتَ بيننا .. أنتَ معنا .
مهما كنت ، وأينما كنتَ ، بالتوقيت المحليّ ،
فأنتَ وحيدٌ ، وحزينٌ ،
بتوقيت غرينتش .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليل وقتٌ مُحايِد .. في الشتاء اللئيم
- من - ألغاز - الموازنة العامة للدولة - الأتّحاديّة - لعام 201 ...
- امورٌ عاديّة .. في البلد العجيب
- للبيتِ صوتٌ .. يُنادي الجنود
- اقتصاد .. اقتصاد .. اقتصاد
- دروع .. دروع .. دروع
- طلقات .. طلقات .. طلقات
- جمهوريات تكسير الأشياء الجميلة
- الشباب في العراق : إشكالية الدور في المرحلة الأنتقالية
- الغباء النسبي .. والغباء المطلق
- ليس هذا زمن الرومانس . أخرجوا .. وانظروا السَخامَ في الشوارع
- من التاريخ الأقتصادي والسياسي .. للعراق - المنكوب -
- مدرسة القمل
- في التاريخ الأقتصادي المُقارن للعراق : الموازنة العامة للعرا ...
- لماذا تُتْعِبُ نفسَك ؟
- هذه المدينة الباهتة
- في نهاية كلّ عام
- أمّي .. وقصة الحب في زمن الكوليرا
- أنتَ تدنو من الصمت
- هموم عراقية -2-


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - في زمانٍ آخر .. بتوقيت غرينتش