أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعاد طيباوي - قراءة في الفلسفة النتشاوية















المزيد.....



قراءة في الفلسفة النتشاوية


سعاد طيباوي

الحوار المتمدن-العدد: 4707 - 2015 / 2 / 1 - 21:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد تعدد القراءات والرؤى للتاريخ الفكري والفلسفي من عدة زوايا ، وهي في حقيقة الأمر ما هي إلا تأويلات مختلفة لما سبقها ، فمجرى التاريخ ما هو إلا مسار تصحيحي ، يصحح ذاته بذاته ، محاولة تقديم نظرة جديدة لفهم الوجود وفقا لمعطياته أو بشكل يتجاوزها ، سواء كان الفهم أفقيا أو عموديا فهو في كل مرة يأخذ وضعية ما تعكس علاقة الذات بموضوعاتها وهاته العلاقة عبر مختلف المراحل التاريخية تحكمها مصوغات ، كانت إلى غاية نهاية الحقبة الحديثة تتميز بطابع كلي قيمي كوني ثابت ، تحكمه غايات أخلاقية ودينية ، تجعل من العقل سلطة لها إلى أن جاءت النتشاوية ، وهي وجه عاكس لعبقرية الفكر الألماني ، من أجل قلب المفاهيم ، وتكريس فعل الصيرورة ، وتتفلسف في الهامش من المعقول بل تحطم كل ما يحتكم إلى القيمة ويجعل منها أساسا له . فنتشه أراد أن يدرس الواقع الغربي ويكشف عن أسباب انحطاط الثقافة الغربية التي تعرت من روح الإنسانية بطريقته الخاصة ، وهذا بالعودة إلى الخطاب الفلسفي عودة ما ورائية ، ليس من أجل تثمينه أو اكتنازه وتخزينه وأرشفته ، بل ليتمرد عليه ويخترق كل الأوثان المتصدعة فيه ، فمقولات الفعل الفلسفي لنتشه جاءت من أجل تفكيك وتقويض التحالف الخفي الذي شكلته مقولات البناءات الكبرى : اللاهوت والفلسفة والأخلاق .
فنتشه يمثل منعطفا حاسما في تاريخ الخطاب الفلسفي ، فهو عمد إلى اللغة واعتمدها كآلية يخترق بها الفكر الإنساني، باعتباره فيلولوجيا كما اتجه الى قيمة اللغة وربطها بالإرادة. فمسألة التأويل أخذت حيزا كبيرا في فكر نتشه كما حملت فلسفته منهجا جديدا سماه بالمنهج الجينيالوجي ، وهو ممارسة نقدية استئصاليه تعود إلى أصول الأشياء نختص بالنقد التاريخي الجذري لأحكام القيمية والأخلاق ، وهذا من أجل كشف كل الخيوط الخفية التي نسجها الفكر البشري على أنها خير وواجب ...الخ ، والتستر تحت ما يسمى بالإله ، وفي الواقع ما هي إلا دسائس للهيمنة والسيطرة وفرض للغة الضعف التي أجادتها الكنيسة بأخلاقياتها المزعومة وأضفى العقل الشرعية لها ، بتكريس العبودية وبهذا فقدت الحضارة الغربية قيمة الحياة وازدادت اختناقا وانهيارا واتجهت نحو العدمية . ونتشه هو فيلسوف العدمية وقال حولها الكثير، وهي فلسفة تصطبغ بنزعة تشاؤمية ولها عدة أوجه . وسوف يتضح ما تميزت به عدمية نتشه حينما تحدث محاثة مع معطيات فلسفته ، وبذلك تنبجس كل ما تصبو إليه ، وتنفتح كل أبواب التأويل التي تدخل ضمن الاحتمالات التأويلية لها ، التي قد تشيد بها أو تتجاوزها كما تجاوز نتشه القراءات التقليدية للفكر والواقع.
فبهاته المنطلقات أرادت النتشاوية أن ترسم معالمها وتطرق بقوة أبواب الفلسفة المعاصرة ، وكيف لا وهي تجعل من القوة أساسا لها بكل ما تحمله من مقولات جديدة غيرت من الفهم الكلاسيكي للفكر والواقع وكل ما يرتبط به ، والتى بدورها ؛ أي فلسفة نتشه دخلت ضمن القراءات التأويلية فنتشه مارس فعل التفلسف ضمن قالب تأويلي ، وهو الآخر سلطت عليه القراءات التأويلية وفهمت فلسفته على عدة أوجه قد يكون نتشه قصدها أو لم يقصدها ، أفصح عنها أو لم يفصح عنها وهذا لما تحمله فلسفته من خصوبة تأويلية تعكس قوة النص النتشاوي المليء بالرمز وقوة الدلالة ، التي مرجعها اهتمامه البالغ باللغة وكل ما يدخل ضمن اطارها ، والطابع الادبي الذي اصطبغت به كتاباته .
قيل الكثير عن نتشه وعن فكره، كما أن الكثير من الفلاسفة والمؤرخين أعزوا فلسفته إلى حياته والخصوصية التي حملتها. فكان فكره انعكاسا لها حسب رأيهم، صحيح هذا، ولكنه ليس شرطا قد تكون فلسفته صبغت في جانب منها بما عاشه في حياته الشخصية ولا تكون كلها الوجه الآخر لحياته. فنتشه لم يكن متقوقعا حول ذاته فقط واسقط ذاتيته على جل موضوعاته، وإنما احتك بروح عصره وانطلق من ما يحيط به ، ومن ما عايشه من وقائع ، كما أنه عاد عودة كرونولوجية وغاص في التاريخ الفلسفي ، لا من أجل التاريخ ، بل من أجل إعادة قراءته بعيون نتشاوية ، والقراءة التاريخية تقتضي إحياء الذات في زمن غير زمانها والدارس للتاريخ يعيش زمن غيره . وكيف إذن أن تربط كل فلسفة نتشه بحياته وهو يقول على لسانه : أنا أكتب لغير زماني . لكن رغم هذا يبقى لحياة المفكر أثر في تكوينه الفكري لهذا لا بد من إعطاء لمحة عامة عن نتشه حتى يزال الاستفهام عن : من هو نتشه ؟ بغض النظر عن العلاقة بن حياة الفيلسوف وفلسفته .
فنتتشه إذن هو ابن الفلسفة الألمانية من مواليد الخامس عشر من أكتوبر عام 1844 م بمقاطعة " زاكسن " وهو ابن لأحد القساوسة البروتستانت ، كما أن لنتشه شقيقان أحدهما " إلزابث " ولعبت دورا حاسما في حياته والآخر جوزيف. وفي نهاية أوت من عام 1848 توفي والد نتشه ولم يتعدى نتشه الخمس سنوات بعد مما جعله يرسم له صورة أسطورية اتضحت فيما بعد في كتابه " هو ذا الانسان "1.
في الثانية عشر من عمره دخل نتشه معهد "بفورتا" وكان من المقرر أن يصير قسا ، لكنه عدل عن ذلك ، وفي الثامنة عشر من عمره دخل جامعة " بون " 2 ،
حيث درس هناك اللاهوت وبدأ في نفس الآونة بدراسة الفيلولوجيا الكلاسيكية ، وتضمنت المحاضرات اللاهوتية نقدا لاذعا للعهد الجديد مما بذر في نفسه أول بذور الشك فيما يتعلق بالمعتقد المسيحي فانصرف عن دراسة اللاهوت متوجها لدراسة الفيلولوجيا الكلاسيكية.3 ثم انتقل إلى جامعة " لايبتزيغ " حيث هزته مطالعة كتاب شوبنهاور " العالم كإرادة وكتمثل ". وقد كتب لأخته قائلا : " عم نبحث ؟ عن الراحة ، عن السعادة ؟ كلا لاشيء سوى الحقيقة ، مهما تكن مرعبة وكريهة ..."4 . ولقد أثر لون فلسفة شوبنهاور الأسود القائم على أفكاره تأثيرا دائما ، ولم يقتصر تأثير هذه الفلسفة على نفسه أيام تحمسه لشوبنهاور واعتباره مربيا ومثقفا ، بل لازمه حتى في الأيام التي رفض فيها التشاؤم كعامل من عوامل الانحطاط والانحلال . ولم ليكن لينقذه من شبنهاور سوى مطالعته لسبينوزا وغوته5.
وفي عام 1867 استدعي نتشه لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش البروسي ، ومن ثم ترك دراسته مؤقتا ، ولقد أدت خدمته في سلاح المدفعية إلى إصابته بأمراض في الصدر وهو يتمطى صهوة الجواد . ولقد كانت صحته معتلة منذ طفولته ولن ينعدل حالها بل ستزيد تدهورا مستقبلا . وفي فترة نقاهته بدأ يفكر في طريقة الحياة الأكاديمية وفي الفيلولوجيا بصفة خاصة6 .
وفي العام الموالي أي؛ 1868م تعرف على الموسيقار فاغنر في منزل "هارمن" بـ"روكهاوس" ، صهر فاغنر بمدينة "ليبزج" ، وقد أعجب فاغنر بنتشه فورا ودعاه إلى أن يأتي ليعيش معهما.7 فلقاء نتشه بفاغنر الذي كان يُكن له إعجابا لا حد له ، يعد حدثا هاما في حياته. وعليه فقد قبل الحصول على شهاداته بتعيينه أستاذا للفيلولوجيا اليونانية في بال سنة 1868 م.8 وكانت أول أزمة فكرية يمر بها نتشه هي انفصاله عن النزعة التشاؤمية لشوبنهاور، ونزعة فاغنر الجمالية . وبدأ يتخلى عن فكرة كون الفن وسيلة للهرب. وعندئذ نشر " تأملات غير راهنة ". منددا بالتاريخ باعتباره سما قاتلا للوجود المعافى الثمل بالحياة.9 لأن التاريخ يرسم خطوط يتوجب السير وفقها حتى وإن كانت خاطئة ، والذي لا يملك حس نقدي، يمكن أن يقع في المغالطات التاريخية ، ولهذا يتوجب إعادة النظر فيها قبل الأخذ بها تفاديا للوقوع في نفس الخطأ، وهذا ما جعل نتشه يتخلى عن فكر شوبنهاور وفاغنر.
أصيب نتشه بنوبات مرضية في الأعوام : 1875 م ، 1881 م 1888 م ، كانت السبب في إصابته بشلل عام ، وإصابته بالجنون إلى أن توفي في " قايمار" سنة 1900 م .10
هذا بصفة عامة عن بعض الجوانب من حياة نتشه وليست كلها ، فقد اُختزل منها الكثير ، فقط رُكز على أهم المحطات فيها . فحياة ننتشه مليئة بالمفارقات فهو كليل البصر ، معتل الصحة ومع ذلك ينادي بإرادة القوة ، ويلتحق بالجيش متطوعا بعد أن أعجبته مشية الاوزة عند الجنود الألمان ، وهو يولد لأسرة أنجبت أجيالا من رجال الدين ، بل كان والده نفسه راعيا رسوليا ولهذا ألحقنه أسرته بكلية اللاهوت ، ومع ذلك ينصب نفسه عدوا للمسيح ، وتزعجه أجراس الكنائس التي توقضه من نومه فيهب غاضبا وهو يقول : "أكل هذه الضجة من اجل يهودي صلب منذ ألفي عام".11
وكان وحيدا معزولا ، أحوج ما يكون إلى الناس حتى قال : " لقد اشتهيت البشر فلم أجد سوى ذاتي " ، ومع ذلك فهو القائل :" ليس في وسع أحد أن يحبني ، لأن ذلك يوجب عليه أن يعرف من أنا ، ولا أحسب أن في مقدور أحد التعلق بي ، لأن ذلك يفترض أني لقيت انسانا في مرتبتي ".12
وهو يكره النساء ، وينصحك أن لا تذهب إلى المرأة إلا وفي يدك السوط ، ومع ذلك فهو ينشأ بين خمس نساء ، ويطوف نصف أوربا جريا وراء مدام " لوسالومي" ،الذي تقدم لخطبتها بعد يومين فقط بعد تعرفه عليها ، ومن المفارقات أيضا أن تتحكم فيما ينشر وما لا ينشر ، إمرأة ، هي شقيقته "إلزابيت" . وهو ضعيف بدنيا ومع ذلك يمقت الضعف والضعفاء . جبار فكريا ، ولكنه قزم بين الرجال .13
فهاته المفارقات في حياة نتشه وفلسفته ، دليل على أن حياة الرجل فعلا ساهمت في رسم ملامح فلسفته ، لكن في معطى جزئي منها ، وليس في معطى كلي ، كما نحى هذا المنحى الكثير من الفلاسفة والمؤرخين المهتمين بالفكر النتشاوي ، الذين رأوا أن فلسفة نتشه ما هي إلا حياته على ورق . ولكنها تبقى رؤية لا تنقص من قيمة الرجل بل تثمنها ، لأنها تعتبر قراءة تأويلية وقفت في نفس الخط مع النص النتشاوي بدل من أن تتقاطع معه ، وتبقى إضافة تضاف إلى باقي القراءات التي حُضيت بها فلسفة نتشه وما سيُطرح جزء منها .
نتشه هو الفيلسوف الذي جعل من تاريخ الغرب موضع تساؤل ، ورأى أن الفلسفة حركة سلبية في الأعماق ، وهو من كافح ضد الميتافيزيقا الغربية ، لكنه ظل مرتبطا بها ، فقط قلبها على الوجه الآخر ، فلم يقتنع نتشه بصورة الإنسان الحالية فوضع صورة الإنسان الأعلى ، وقال بانقلاب القيم ، ووضع قوانين المستقبل ، ووضع المذهب المقابل لعدمية العصر . فنتشه لا يفهم الفلسفة الغربية إلا وهي أفلاطونية ، أو كتمظهر دائم للأفلاطونية ، في أكثر من مستوى ، سواء الفلسفي أو الديني أو الفني 14، حيث نجده يقول في مؤلفه " أفول الأصنام " : "... لقد عرفت كيف اكشف ، لدى سقراط وأفلاطون ، أعراض فساد الأصل دلائل تدهور الهلينية الاغريقييْن المزيفيْن المضاديْن للإغريق "15، لذا يضع نتشه عنوانا لفلسفته وبالبند العريض على أنها: الحركة المضادة للميتافيزيقا ؛ أي المضادة للأفلاطونية ، بمعنى واحد .16
فأوربا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وصلت إلى حالة من الإنكار المطلق ، فلم يعد الإنسان يؤمن بشيء ، ولا يجد قيمة في أي شأن من شؤون الحياة والوجود . فيتملكه شك قاتل ، واضطراب في النفس وبلبلة في التفكير ، وكان الشؤم وإنكار الحياة هما الطابع الغالب على تفكيره ونظرته في الوجود .17 فيذهب من بعد سعيا وراء عالم آخر غير هذا العالم، يعدُّه العالم الحقيقي، لكن يُخيل إليه من بعد أنه خدع ، فيسلم بالوجود الواقعي ، و يصبح هنا أمام خيارين : إما أن يطرح هذا العالم الآخر وراء ظهره بوصفه خرافة ووهما ، وهنا يتبدد أمله ولن يعود شيء ذا قيمة في نظره ، أو ينكر الوجود الواقعي . وفي كلتا الحالتين هو يتجه نحو الإنكار المطلق : الأول إنكار كل القيم ، والثاني إنكار قيمة الحياة .18
أمام هذا فالتحدي الأكبر الذي يواجه نتشه هو القيام بتحويل جذري وكلي للقيم أملا في تأسيس تراتب جديد، وفي ولادة إنسان جديد هو الإنسان الأسمى على أنقاض الإنسان الأخير . وهذا النموذج الجديد الذي يبتغي نتشه تقديمه للإنسانية لا يتحقق ما لم تتحقق مهمة تحويل القيم الراهنة ، على هذه القيم أن تخلي مكانها لقيم الحياة.19 ويكون تجاوز العدمية وهي حسب نتشه "الأديان والعقائد التي يشيدها الإنسان لنفسه ليهرب أمام رغبته في العيش" .20 وهي لا تخرج عن ثلاث معاني في الخطاب النتشاوي وهي : إرادة العدم ، انحطاط القيم العليا ، التشاؤم والضجر الكبير.21 لا يتحقق ، أي تجاوز العدمية ، إلا بتحويل جذري للقيم تصير بمقتضاه القيم الفاعلة في المرتبة الأعلى ، وتستولي على القيم التي بقيت إلى حد الآن بتوجيه قوى الارتكاس والحقد والمثل الأعلى الزهدي22 .
وفي هاته الحالة يكون تحويل للعدمية من ثقلها السلبي إلى العدمية في شكلها الفاعل ، هذا ما سبق لنتشه أن أعلن عنه في كتابه " جينيالوجيا الأخلاق " حينما أناط بالفيلسوف مهمة حل مشكلة التقييم ، وبناء تراتب جديد للقوى حيث يغدو الفعل هو المحدد للمعنى والقيمة ، ووحدهم فلاسفة المستقبل بإمكانهم تحقيق هذا الأمر.23
إذن نتشه أراد أن يُخرج الإنسان الغربي من حالة السلب التي بعيشها ، حالة الصراع بين واقعين : واقع من نسج دوغماتيكي قيمي يتجاوز واقعا يعيشه يأتي في مرتبة ثانية فرضت ترتيبه معايير قيمية تجعل من الأشياء غايات في ذاتها ، وعلى رأسها الأخلاق والدين والسياسة -هاته الأخيرة لم يكن نتشه يولى لها اهتماما ، كل شيء إلا السياسة بالنسبة له - وبالتالي تصبح الذات في حالة فرار واضطراب لا تعي ما حولها ، تناجي غايات تكبح فاعليتها . وللخروج من هاته الحالة التي آل إليها الإنسان الغربي ، أراد نتشه أن يعيد هذا التراتب القيمي انطلاقا من رؤية انطولوجية جديدة تؤسس لنظرة مغايرة لسابقاتها حول الإنسان ، تخرجه من حالة الضعف والعبودية التي أنتجتهما الحداثة باسم العقلانية . أي إعادة بناء علاقة جديدة تحتكم إليها الذات في فرض جموحها على الواقع ، وهذا بإعطاء الأولوية للحياة.
فنتشه جعل من السؤال الانطولوجي تابعا للسؤال الاكسيولوجي ؛ أي السؤال عن أمر القيم ، حيث أنه ما نظر في مجال الانطولوجيا ، وما بحث في مشكلة الوجود والوحدة والهوية ، ومقابلاتها العدم والكثرة والبينونة ، بحث الناظر الانطولوجي ، وإنما طرحها طرح فيلسوف قيم . اذ أخضع النظر في الوجود للنظر في القيم ، وجعل من الأول فرعا تحت الثاني ، ونفس الشيء بالنسبة للمعرفة ، فلم يطرح نتشه مسألة المعرفة طرح عارف ، على نحو ما كان يرومه المتقدمون من الفلاسفة ، وإنما طرحها طرح المقوم ؛ أي لم يهمه في المعرفة النظر المعرفي ، وإنما انكب همه عن السؤال عن قيمة المعرفة.24 وبالتالي نتشه ثار على كل التقاليد الكلاسيكية التي سار عليها الفلاسفة السابقين له وأحدث قلبا في ترتيب المباحث الفلسفية الكلاسيكية : الوجود والمعرفة والقيم ، حيث أصبح لهاته الأخيرة ؛ أي القيم الأولوية في الفلسفة النتشاوية ، على العكس مما كان مطروح سابقا ، حيث كان مبحث الانطولوجيا له محض الاهتمام على حساب المباحث الأخرى ، ومع نتشه أصبح تراتب المباحث الفلسفية يأخذ شكلا آخر : القيم ، المعرفة ، الوجود . فلم تعد مهمة الفعل الفلسفي هي النظر في الوجود ، وإنما تقويمه .
وعليه رأى نتشه في كتابه " هكذا تكلم زرادشت " أن الإنسان سمي إنسانا لأنه قوَّم الأشياء وقدر قيمتها ووزنها ووضع لها ثمنا : فهذا أمر رفيع وذاك شأن حقير ...فالإنسان ما هو إلا الكائن المقدر أو المقوِّم بامتياز ، فهو الذي وهب الأشياء معانيها الإنسية ، ولولا أن ملأ الإنسان الوجود بتقويماته قياساته ، لما كان الوجود برمته قشور لا نواة فيها ؛ أي عديم الدلالة. 25 فالعالم النتشاوي ليس ذالك العالم الذي يحتضن أشياء بل أفعالا وردود أفعال ، أي أن الوجود لا يكشف عن نفسه ، وإنما ينكشف حينما تسقط الذات ذاتيتها عن موضوعاته ، فالإنسان يكون موضع إيجاب أمام الظواهر وليس موضع سلب ، كما نظًّرت لذلك الهيجلية . فنتشه أراد أن يتجاوز كل النظريات الكلاسيكية التي نظَّرت للإنسان وجعلت منه مسلوب الإرادة تتحكم فيه قوى فوقية تجعله خاضعا لها ، والذي يكون في موضع الخضوع هو بالضرورة واقعا تحت وطأة الضعف ، السيطرة ، العبودية ...، وهذا ناتج عن التصور الهرمي الذي يجعل من الإنسان في قاعدة الهرم ، والقيم العليا في رأسه . ولهذا أراد نتشه أن يهدم هذا التصور ويعيد بناءه من جديد ، وهذا بعودة جيونولوجية تعود إلى أصول كل ما يستند على القيم ، من أجل تجاوز الإنسان الضعيف الذي خلقه الفكر الحداثي .
إذن بعد أن كانت الفلسفة منذ أفلاطون إلى هيجل تنزع إلى غاية عليا وكلية باحثة عن تجليات الحقيقة المطلقة بوصفها السلطة العليا بمنأى عن كل شك ونقد ، تنحرف مع نيتشه عن تلك الماهية والغاية لكي يجابه العقل الفلسفي ، الوجه الآخر للعقل ، بوصفه الوجه المعارض.26 ولقد أدرك نتشه في تعامله مع أنماط الثقافة الإنسانية ، خاصة من الدين والأخلاق والميتافيزيقا ، أنه يتعامل مع لغة تعكس الفكر الإنساني ، وهي لغة لا تقول حقيقة ما تعنيه ، والمعنى الذي يظهر ويتجلى مباشرة ، قد لا يكون معنا ظاهرا أو ضعيفا يخفي آخر ويحتويه ، بحيث يكون المعنى المضمر والمخفى هو المعنى الأقوى.27
وعليه يرى نتشه أن العالم بمثابة نص أصلي قابل لعدة تأويلات ، وأنه لا يوجد في درجة صفر للمعنى ، وهذا التصور الجديد يخلع عن العالم صفة الشيء في ذاته غير القابل للمعرفة ، كما ينزع عنه صفة الموضوع بما هو موضوع حاضر أمام الذات وقابل للتمثل من قبل الكوجيتو ؛ وبهذا فهو يخرج التفكير الفلسفي من الإشكالية القديمة للجوهر والعرض ، والماهية والظاهر ، وكذا من الإشكالية الحديثة للذات والموضوع. 28 فنيتشه أراد أن يُقر بوجود عالما واحدا ووحيدا ، وهو العالم الموجود فعلا ؛ أي العالم الظاهري الذي تعتبره الميتافيزيقا واللاهوت وهمًا وعالم المثل هو العالم الحقيقي ، على أن نتشه لا يعترف بوجوده ، لا وجود لعالمين بالنسبة له . هناك عالم واحد فقط هو عالم الأرض ، وبما أنه قابل لعدة تأويلات فما هو إلا المظاهر التي تتجلى للعيان .
ومن خلال التأويل ، يطرد نتشه أفق الحديث ، من أجل امتلاك جديد للحقيقة ، لأن غاية التأويل ليس التدمير فحسب ، وإنما هي نصر الشك على الوعي للمطالبة بالمعنى على العكس من ديكارت الذي ينصر الشك على جميع الأشياء ، وفي المقابل يؤمن ببداهة الوعي ويقينه. ولما كانت مهمة الفيلسوف السابق هي البحث عن الحقيقة المطلقة ، فإن الضرورة تستلزم حسب نيتشه ، أن يتحول الفيلسوف إلى مُؤول ، وتقلب غاية الفلسفة من بلوغ الحقيقة إلى حل مشكلة التقييم ، وإلى تحديد سلم القيم ومراتبها . والفلسفة بأكملها هي علم أعراض ونظرية عامة للعلامات، حيث يتجلى معنى العلامة في القوة الحالية التي تتحكم في تأويلها.29
ولأجل الخروج عن كل التقاليد الغربية قال نتشه بضرورة التخلي عن فكرة الحقيقة المطلقة وذلك بهدم الارتكاز الذي تستند إليه حيث يقول في هذا الصدد في مؤلفه " أصل الأخلاق " : " نحن أيضا ، بدورنا ، مفكرو هذه الأيام الذين يبحثون عن المعرفة ، نحن الملحدون والمناوئون للميتافيزيقا ، نحن أيضا ندلي بدلونا في حمى هذا الوطيس الذي أشعله إيمان يعود إلى ألاف من السنين . ندلي بدلونا في هذا الإيمان المسيحي الذي كان أيضا إيمان أفلاطون. إذ نعتقد أن الله هو الحقيقة ، وأن الحقيقة إلهية (...) ، ماذا لو تبين الله نقسه هو كذبتنا " 30. من خلال قوله هذا يتضح أن أصل الحقيقة هو الله ، لكن حسب نتشه نقد هذه الحقيقة لا يكون بالدحض النظري للحجج النظرية التي تثبت وجود الله ، لأن المثل الأعلى لا يمكن دحضه نظريا31، لأن المثل الأعلى لا يمكن دحضه نظريا ، وإنما في النقد الجنيالولجي الذي يتمثل في استئصال الأحكام الأخلاقية والقيمية المسبقة التي تتستر وراء مفهوم الله 32.
ولهذا تسعى الجنيالوجيا التي يعرفها نتشه في كتابه "جنيالوجيا الأخلاق " على أنها :"معرفة شروط وظروف نشأة القيم ، وكذا تطورها واستحالتها عبر التاريخ " 33، وذلك عبر الصعود إلى البداية الأولى للفلسفة ، وإلى النسيان الذي يوجد في أصل نشأتها ويجعل منها مجرد سوء فهم للجسد 34. وهنا مفهوم النسيان هو الأساس ، بما أن الإنسان خلق مملكة القيم هذه التي هي إسقاط لحوائجه وإنزال لرغباته ومناه ...ثم هو نسي ذاك أو أنسته إياه إرادة الحياة . وحسب نتشه على مفكر القيم استعادة ذكرى ذاك النسيان ، لا من أجل إحقاق الحق وإنما بغاية معرفة حيوية النسيان وفائدته للإنسان .53 وذلك بإعادةٍ على نحو مفصل ، العلاقة بين العقل والجسد، بين المفهوم والإحساس ، بين الدال والمدلول ، لتمكين التفكير من أن يحيا من جديد خارج الثنائيات الميتافيزيقية ، وفيما وراء أسيجة النحو أو المنطق والحقيقة أو اليقين ، والعقيدة أو الاعتقاد ، وداخل جغرافية جديدة فضاؤها ليس سماء المثل الأفلاطونية ، ولا كهف الفلسفة ما قبل السقراطية ، وإنما هو السطح العميق في سطحيته ، حيث يحدث الحدث ، وتتدفق الحياة .36
ففلسفة نتشه جاءت من أجل أن تعارض بشكل جذري كل التقاليد الكانطية والهيجلية. فالواقع بالنسبة لنتشه لا هو واقع ولا هو في صيرورة : إنه متتاليات من الظواهر المعيشة والمدركة ذاتيا من طرف الأفراد . إذن لا توجد حقائق أو قيم في ذاتها : يتمثل الكائن في إرادته 37. إن النتشاوية تضع وبهذه الكيفية ، في المحل الأول العلاقة بين الفكر والحياة وتفسر المعرفة من وجهة علاقتها بالحياة . فالحياة هي التي تشغل المكان الأول ، وإليها يعود حق السيادة . إنها ، وهي تعيش في الأشياء كافة ، صيرورة خالصة ، وهذا بعد إرجاع الحقيقة إلى مجراها الطبيعي؛ أي الصيرورة ، وذلك بأن جعل منها عنصرا وثيق الارتباط بالحياة 38.
وفعل الصيرورة الذي يحكم الوجود ليس صيرورة مستمرة لا نهائية ، وإنما تأتي فترة يسميها نتشه باسم " السنة الكبرى " وعندها تنتهي دورة الصيرورة لتبدأ دورة جديدة وهكذا دواليك ، فزمان الوجود مقسم إلى دورات ، وكل دورة تكرار تام للوحدة السابقة عليها ، وتوجد هوية تامة بين الواحدة والأخرى ، فكأن صور الوجود تتكرر بلا انقطاع في الزمان اللانهائي ، وهذا التكرار يتناول كل التفاصيل والجزئيات. 39 يقول نتشه في هذا الصدد على لسان زرادشت : " ما غرُب عنا كلامك يا زارا ، فأنت تقول بأن جميع الأشياء تعود أبدا ونحن معها عائدون ، وبأننا وجدنا مرارا لا عداد لها ومعنا جميع الأشياء أيضا "40، وفي موضع آخر يقول : " أنت تقول بالسنة العظمى المتكررة وهي كالساعة الرملية تنقلب كلما فرغ أعلاها ليعود أدناها للانصباب مجددا ، وهكذا تتشابه السنوات كلها بإجمالها وتفصيلها كما نعود نحن مشابهين لأنفسنا إجمالا وتفصيلا في هذه السنة العظمى ." 41 وهنا تكمن فكرة العود الأبدي التى قال بها نتشه .
فهاته الفكرة ؛ أي العود الأبدي ، تعلو على كل أفكار نتشه ، قال بها من أجل أن يُضفي على الحياة قيما جديدة ، وفيها يواجه الإنسان ضرورة الموت من خلال العلو على منظور الحياة ، وكذلك العلو فوق كل تفسير ميتافيزيقي وأخلاقي للوجود فيتحرر الإنسان ويصفو ويستعيد براءة الصيرورة . كما تلغي فكرة العود الأبدي الفارق بين الحرية والضرورة فيصبح العود الأبدي الفعل الخلاق الذي تمنحه الأبدية للإنسان وتمتلك النفس الحرية التي تسود بها على ما خلق ، وما لا يخلق من موجودات العالم 42.
كذلك فكرة العود الأبدي يتم فيها تحول الحالة الوجودية للإنسان ، حيث يتحول الوجود والجد ، والثقل إلى خفة الضحك التي تفوق الإنسان ، وهو يريد الأبدية العميقة في الصيغة القصوى للإرادة . وعليه تصبح فكرة العود الأبدي عند نتشه دين الأديان ‘ فهي تعبر عن توقع نتشه لمجيء دين جديد أو تصور جديد للخلاص ، فالعود يحل محل الدين والميتافيزيقا بالمعنى التقليدي لهما43. بقول نتشه في كتابه "إنسان مفرط في إنسانيته" : " لا يوجد في العالم ما من الدين ما يكفي ، ليقضي على الأديان " وفي موضع آخر يقول : "حين نفهم كيف تولدت الخطيئة ؛ أي عبر قناة أخطاء العقل التي بسببها يعتبر الناس أنفسهم أشرارا ـأكثر مما هم في الواقع ،فإننا نشعر بقلبنا وقد سري عنه ، ويحدث أن يبدوا لنا الناس والعالم محاطين بهالة مجد البراءة ، التي تريحنا كثيرا . الإنسان في حضن الطبيعة ، طفل بامتياز. أحيانا يرى هذا الطفل في الحلم كابوسا يزعجه ، ولكنه حين يستيقظ يجد نفسه دائما في الجنة " 44، فنتشه أراد أن يقول أن ينقد التعاليم التقليدية للدين وهو يخص المسيحية واليهودية ، ولو كان هناك دين كامل لكان بمقدوره أن يحطم كل المفاهيم الخاطئة التي جاءت بها كل الأديان ، ولذا فهو يرى أن الدين ما هو إلا تنظير ميتافيزيقي ، فهو ضد كل فكر كهنوتي طقوسي يكبح الإرادة ويضغن في القوة ، فنتشه موْقره الأرض وهي الجنة حسب رأيه ، ولا يوجد انفصام وفرقة بين عالمين ، هناك وجود واحد هو عالم الطبيعة موطن الإنسان الأعلى هو الخالق للدين الجديد دين الأرض والطبيعة ، وهو إلهه .
والإله في هذا الدين الجديد يعبر عن ذروة القوة ، وعنه يصدر العالم بأسره ، إنه الإله في ما وراء حدود الخير والشر ، موجود في كل لحظة ، وبهذا أخذ معنى الإله مع نتشه تحديدا زمانيا ، كما تعبر فكرة العود الأبدي عن رغبة الإنسان الأكيدة في هذا العالم ، وتصبح الأبدية الجديدة تمجيدا لهذه الأرض بوصفها الوطن الذي تتضح فيه الأهمية القصوى للحظة لأنها اللحظة التي يتحقق فيها الخلاص للإنسان ، فيتحول كل ما كان إلى هكذا أريد ، إنه الإبداع من خلال المعاناة.45
هذا الخلق لدين جديد ، لمفهوم جديد لله ، الذي من خلاله نتشه أراد أن يتجاوز كل المفاهيم الميتافيزيقية وإعادة التراتب القيمي للوجود يهدف من خلاله إلى صناعة إنسان آخر إنسان وليد الإرادة والقوة لا الضعف والعبودية ، التي أفقدت الإنسان كرامته وهي السمة التي تميز بها إنسان العصر الحديث على حد قول نتشه : "السمة الكبيرة للعصور الوسطى : أن فقد الانسان في نظر نفسه قدرا كبيرا من الكرامة . لطالما كان الانسان هو مركز الوجود وبطله ؛ ثم حاول جاهدا أن يثبت على الاقل قرابته مع جزء الوجود الحاسم الذي يملك قيمته كانسان مثلما يفعل الفلاسفة الماورائيين ، الذين يحاولون الحفاظ على كرامة الإنسان ؛ مع اعتقادهم أن القيم الأخلاقية قيم أصيلة .والذي تخلى عن الإيمان يتمسك بكثير من الصرامة والإيمان بالأخلاق " 46، وعليه فالإنسان النتشاوي هو إنسان تتحكم فيه معطيات هو واضعها وليست موضوعة له ، إنسان يتجاوز لغة الأشياء في ذاتها والغايات ، بل إنسان لغته الإرادة ، إنسان يضفي على الأشياء قيمتها ، وجودها ومعانيها ، إنسان يكون واقعا فوق الظواهر ، وليس واقعا تحتها . فكل التأسيس الفلسفي لنتشه غايته خلق إنسان أعلى متفوق ، وهذا لن يتأتـى إلا بإخراج الواقع الغربي من العدمية السلبية إلى واقع العدمية الايجابي الفعال ، الذي لا يرى في الوجود معطى حتمي لا بد من الخضوع له ، بل فعل الخضوع يكون موجه له ، وليس واقع عليه .
كما أن مفهوم الإنسان الأعلى عند نتشه يتصل بمفهومين أساسيين هما العود الأبدي وموت الإله ، فالإنسان الأعلى هو الذي يمكنه إثبات العود الأبدي ، وهو الذي يمر بتجربة العود الأبدي من خلال وجوده الداخلي الخاص الذي يعبر عن إمكانية لا تظهر إلا بموت الإله . فالإنسان الأعلى هو هدف الإنسانية وأكثر المخلوقات ألوهية 47، يقول نتشه على لسان زرادشت : " أمام الله ، لكن الله قد مات ، هذا الإله الذي كان يشكل الخطر الأعظم عليكم "48 وهنا زرادشت يخاطب الراقين ، الذين لم ليكن وجودهم إلا بعد موت الإله الذي يحمل عدة معاني منها ، زوال كل المثاليات المتعالية ، كل معاني الميتافيزيقا التقليدية ، واثبات كل معاني القوة والبطولة في الوجود الإنساني . الذي يجدر بالإنسان المتفوق أن يظهر فيه ، نجد نتشه قائلا : " إلى الأمام أيها الراقون ، الآن آن للمستقبل الإنساني أن ينبثق ويظهر ، فالإله قد مات ، وحان مولد الإنسان المتفوق الذي نرجوا مجيئه " 49 ، إذن فظهور الإنسان الأعلى مرهون بتوفر جملة من المعطيات والتي تتجسد ضمن العدمية الفعالة التي تتأسس على تفكيك كل القيم الأخلاقية ضمن طرح جنيالوجي ، يبسط الأرضية للادين واللاأخلاق ، وهذا بموت الإله وخلق إله جديد هو الإنسان الأعلى.
والإنسان الراقي اصطلاح عني به نتشه ضربا من الطراز البشري ، اعتدلت طبيعته ، واستكملت قوته ، أوجده ليعارض به اصطلاح الإنسان الأخير ، من حيث هو الإنسان الحديث ، أو الإنسان الطيب، أو الإنسان العادي الذي قال به المسيحيون والعدميون.50
ويجب أن نلاحظ هنا أن نتشه لم يبتكر لفظ الإنسان الأسمى أو الأعلى ، ولأنه موجود قبله ، ولقد ورد اللفظ في كتابات لأحد المفكرين الساخرين اليونان وهو51 "لوسيان" (120-180 م) ، وكذلك في الجزء الأول من "فاوست" "لغوته " (1749-1832م) . ونتشه كفيلولوجي قد قرأ لوسيان ، لكنه أعطى للمصطلح معنى جديد.52 واختار للتبشير بنموذج الإنسان الأعلى زرادشت ، لكن بمنطق يخالف تعاليم زرادشت التاريخية تماما ، وهذا التبشير يأتي مقرونا بالعودة الابدية وإرادة القوة وذلك للصلة الوطيدة ببن هذا المثلث. 53
وفي كتابه " هو ذا الإنسان " يوضح نتشه سبب اختياره لزرادشت دون غيره قائلا : " لا أحد سألني عم يعنيه اسم زرادشت على لساني ؛ أي على لسان اللاأخلاقي الأول ، اسم زرادشت : ما كان يمثل الطابع الفريد الهائل لهذه الشخصية الفارسية عبر التاريخ هو بالضبط نقيض هذا الذي نحن بصدده الآن . لقد رأى زرادشت في الصراع القائم بين الخير والشر الدولاب المحرك للأشياء ، إن ترجمة الأخلاق ميتافيزيقيا على أنها طاقة ، وسبب ، وهدف في حد ذاته لهي من صنيعه ."54 وهنا اختيار نتشه لزرادشت هو من أجل توضيح الخطأ الذي وقع فيه وهو اعتباره الأخلاق غاية في حد ذاتها وهذا ما أراد نتشه أن يحطمه ويتجاوز لغة الأشياء في ذاتها ، من أجل خلق إنسان راقي .
وفي كتاب "هكذا تكلم زرادشت " يعلن زرادشت الذي هو قناع نتشه ، خطبته الأولى التي تبدأ بالكلمات التالية : " جئت لأعلمكم كيف يكون الإنسان الراقي ، فالإنسان شيء يجب تجاوزه ، فماذا فعلتم لتحقيق ذلك ." فالخطاب المركزي هو وجوب تخطي الإنسان الحديث الذي روضته الكنيسة ، وجعلته مسالما ، رحيما شفوقا ، ينشد الغيرية ويسعى بكل الوسائل لاجتثاث كل ما يبعث في الحياة القوة والجمال والامتداد.55
فهذه القيم المريضة المدسوسة في نموذج الإنسان الحديث ، يدعو زرادشت إلى تخطيها نحو الإنسان الأسمى ، مع ما تحمله لفظة السمو من تجاوز للذات ،وعلاء على كل ما يمجد قيمها ، ويؤكد نتشه عقب التبشير بتعاليمه حول الإنسان الأسمى كمنعطف نوعي جديد ،أن هذا الإنسان ينتمي إلى عالم الأرض ، فمنها اشتقت قيمة الحيوية الأصلية ، وعلى الأرض تم تدجينه وترويض قواه ، ومنها سيعود إلى ذاته ويحيا تجربته الوجودية الجديدة.56
لقد رأى زرادشت السوبرمان أو الإنسان الأعلى أبعد عن أن يكون حتميا ، وإنما هو بالأحرى تحد للروح البشري . والواقع أن السوبرمان لا يتحقق ابدا الا ان نتشه يصر أن علينا أن نكافح نحو هذا الوضع. وأحيانا يستدعي نتشه صورة داروينية خاطئة " ما القرد بالنسبة للإنسان ؟ " خزين من الضحك أم صورة مؤلمة ؟ وهذا هو بالضبط الانسان بالنسبة للسوبرمان : "خزين وضحك أو حيرة مؤلمة ". وهذه الحيرة لن تكون سلف متحجر أدنى وراثيا ، بل ربما كان بدلا من ذلك نتيجة التغير في حياة افراد جزئيين.57
فالهدف الحقيقي ليس هو الوقوف عند إنسان داروين ، لأن المقياس الوحيد للقيمة الإنسانية هو إرادة القوة ، "لأن من الواضح أن تحدي السوبرمان يحتاج إلى موقف ذهني وجد نتشه أنه غائب عن ثقافته ، ومثل هذا الموقف الذهني يحتاج إلى مستوى غير عادي من الشجاعة زرادشت يسميه إرادة القوة ولقد إلتقى نتشه بهذه الفكرة عند شوبنهاور".58 فنتشه يوظف النظرية البيولوجية كرمز غايتها تكريس التراتب الاجتماعي ، فهو يضع إشارة مماثلة بين تطور الإنسان البيولوجي من حيث هو نوع والحركة الاجتماعية في العصر الحديث ، فالنتيجة هي ان ارتفاع بعض الكائنات المختارة فوق جمهرة البشر ، يجب أن يكون لا أكثر ولا أقل من صعودهم إلى قمة السلم ، وتكون أسطورة الإنسان المتفوق نفسها عملية منهجية غايتها تكريس التراتب الاجتماعي برمزية بيولوجية .59
إذن يمكن أن نضع الإنسان الأعلى بوصفه يختلف عن النماذج الأخرى في إطار النقاط التالية :
- أن الإنسان الأعلى ليس نموذجا مفارقا لعالم الحياة والأرض .
- انه ليس حلقة جديدة في سلسلة تطور الكائنات الحية ، على النحو الذي نجده عند إنسان داروين وعن طريق الانتخاب الطبيعي .
- أنه في تعارض مع الإنسان الحديث الطيب ، مع المسيحيين ، وغيرهم من العدميين خاصة حينما يتلفظ به زرادشت ، فإنه يدعو كثيرا للتفكير .
- أنه لا يتقيد بالحدود الأخلاقية الموروثة ومعايير التقويم الخير والشر.60
فالإنسان المتفوق ربما يكون غدا ، كما تدل منظورات علمية مستقبلية كثيرة ، لا بيولوجيا جينيا فقط ، بل سيليكونيا ، وبدليل سيليكون آت .. سوف لن تكرس أبدع الصفات المنتخبة في أفراد معدلين ، ومن جهة الجسد فحسب ، بل وكذلك الصفات العقلية مدعمة بقدرة كمبيوترية، الإنسان القادم سيحوي صفات الغابة والمدنية ، صفات الجسد الرائع والرقي الدماغي .. في الجنس والجمال والذهن . والعقل في ذلك كله هو الأساس ، لكن مع تخوف دائم من حشوه بخرافاتنا الحالية وبالأخص الدينية.61
إذن هاته قراءة لأهم النقاط التي حوتها فلسفة نتشه التي بناها من وراء كره للحضارة الغربية الحديثة ، وكان جريء جدا في ذمها ، وكان نقده لاذعا لها ، حتى انه خلص به الأمر إلى التصريح والإقرار بموت الإله ، التطاول على الإله والمساس بالمقدسات ليس بالأمر السهل والهين أمام السلطة الدينية . وهذا دليل على أن نتشه لو لم يجد الحرية الفكرية والدينية التي رسمتها الحداثة لما كان طرح أفكاره بهاته الجرأة ، فنتشه أسس فلسفة عبر ديمقراطية الحضارة الغربية التي مهدت له الطريق كي يقول كلمته حتى وإن كانت تصوب ألسنتها تجاهها .
كذلك فيما يخص نقده للميتافيزيقا ، كان في الأساس يعود إلى الطابع الميتافيزيقي لأفكاره ، فمثلا فكرة العود الأبدي ، وأن الأشياء تعود إلى بداياتها بحكم فعل الصيرورة ، هاته ميتافيزيقا بحتة لا يوجد لها إثبات على أرض الواقع ، الذي يعتبره نتشه نقطة انطلاق لفلسفته فقط لكن نتائجها لا تخلص إليه ، ناهيك عن فكرة الإنسان الأعلى وما تحمله من مثالية ، المثالية التي ينتقدها نتشه وفي نفس الوقت يجعل منها غاية كل فلسفته ، فهل فعلا ستتحقق فكرته حول الإنسان الأعلى ؟ أم أنها مجرد أضغاث أحلام يُنظّر لها نتشه كي تجد تحقيقها في سماء المثل ؟ قد تتحقق كما أنها قد لا تتحقق تبقى محض شك ، مجرد تنظير ينتظر التطبيق ، قد يجد له مكانا كما قد لا يجده . ألا توجد هنا أفلاطونية لكنها بثوب نتشاوي ؟ . أيضا اعتبار نتشه أن الأرض هي العالم الحقيقي للإنسان وما دونها يعتبر وهمًا ومحض خرافة ، أليس هذا قلبا للأفلاطونية ، التي تعتبر أن الأرض مجرد مظهر ، والوجود الحقيقي هو عالم المثل ؟
لقد اشتهر بهذه القراءة التأويلية لنص نيتشه مارتن هيدغر الذي انتهى إلى أن فلسفة نتشه تمثل خلاصة الميتافيزيقا الغربية ، وأنه آخر الميتافيزيقيين ، بشكل عام ، فان فلسفة نتشه هي اكتمال الميتافيزيقا الغربية منذ أفلاطون وهي تخطيء عندما تدعي مجاوزة الميتافيزيقا الأفلاطونية بقلبها 62، لأنها ترتد في آخر المطاف إلى التأويل الميتافيزيقي الأصلي كما مارسه ووضع أسسه أفلاطون الذي اعتبر أن الفكرة هي نموذج وماهية للوجود ومقياس لكل الأشياء .63 وهذه الفكرة الأفلاطونية ستتبلور في عصر النهضة مع ديكارت إذ ستتخذ صورة الإدراك الواضح والمتميز ، ومع ليبنتز من بعده ستأخذ شكل التمثل ، إلى أن تعثر في فلسفة كانط على صورتها الناضجة والمتمثلة في شروط الإمكان ، يقول هيدغر: " من خلال التأويل الكانطي للوجود ستصير الخاصية الأساسية للوجود هي شروط الإمكان ، وبها الطريق أصبح الطريق حرا ومعبدا لتبلور مفهوم القيمة في الميتافيزيقا النتشوية ، أي لتصبح الخاصية الأساسية للوجود والموجودات هي القيمة ؛ أي إرادة القوة ".64
هكذا يمثل فكر نتشه ، في نظر الكثير من الباحثين المعاصرين فجر ما بعد الحداثة الغربية ، ويرى يورغين هابرماس ، على سبيل المثال أن نقد نتشه للعقلانية يعد المدخل الفلسفي لما بعد الحداثة بما هو يمثل مفترق الطرق الذي تفرعت عنه نظرية ما بعد الحداثة الراهنة بخطيها : خط نظرية السلطة كما تطورت لدى فوكو مرورا ببطاي ، وخط نقد الميتافيزيقا الذي ورثه هيدغر ودريدا.65
على ضوء ما قد طُرح يمكن استخلاص أن فكر نتشه يحمل الكثير من الخصوبة ، إذ يمكن فهمه على عدة أوجه ، كما أنه لا يمكن حصره في اطار زماني ومكاني واحد ، لو أخذنا مثلا فلسفة نتشه وأسقطناها على عصر النهضة أو حتى العصور الوسطى نجدها تتلاءم والمعطيات التاريخية لتلك الفترة ؛ أي أنها تتسم بطابع تاريخاني يجعل منها لا تُفند ولا تُدحض بسهولة أمام النقد التاريخي خاصة بل تقاوم كل التغيرات الكرونولوجية ، ببساطة لأنها تتمحور حول القيمة ، ولا يمكن الحديث عن التاريخ الإنساني بمعزل عن القيمة ، فنتشه في حد ذاته ينتقد الأخلاق والقيم ويرى فيها سببا في كل تقهقر وضعف مس الحضارة الغربية ، ورغم هذا فالقيم حاضرة في فلسفته ، بتركيزه على القيم الفاعلة بالتوجه نحو الحياة .
ويمكن القول أن نتشه يملك حسا حضاريا دفعه إلى النظر في حالة الإنكار المطلق التي يعيشها الإنسان الغربي ، والفكر العدمي الذي سيطر على الواقع الأوربي ، لا من أجل فترة يعيشها هو بل من أجل ولادة أوربا المستقبل بقيادة إنسان لا يعرف معنى الضعف بل القوة بكل ما تحمله من معنى . وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذا ، وننظر في العدمية السلبية التي يعيشها الواقع الإسلامي رغم أن نتشه أشاد بالدين الإسلامي لأنه رأى فيه العملية ، لكن الاشكال أين يكمن ؟ أي نوع من العدميات يعيشها الواقع الإسلامي ؟ هذا ما لم يجد إجابة لحد الساعة ، إذا كان الغرب أدرك أسباب العدمية السلبية التي يعيشها ، ووجد الخلل في الشيء الذي كان سببا في تطوره يوما ما ، حينما جابه الحقيقة الدينية بحقيقة أخرى يكون مصدرها الإنسان نفسه ؛ أي العقل أصبح السبب في تعرية الثقافة الاوربية من كل القيم الإنسانية ، ونحى بها منحا أداتيا علماويا ، يحيل بها نحو أحادية التوجه ، أي نحو المادة ، نحو اللاروح ، نحو اللاانسانية ، ولكي تنطو عن هذا قال نتشه بأن عليها أن تتجه نحو الحياة ، نحو القيم الفاعلة ، فهل وجدت فلسفة نتشه مكانا لها في عالم اليوم ؟ هل يمكن للنتشاوية أن تحل إشكالات العالم الإسلامي رغم كل التعارضات التي بينهما ؟ كلها إشكالات قد تجد إجابات لها في ظل الفكر النتشاوي .








1. صفاء عبد السلام علي جعفر ، محاولة جديدة لقراءة فريدريش نتشه ، دار المعرفة الجامعية ، بيروت ، 1999 ، ص 15 .
2. جورج طرابيشي ، معجم الفلاسفة ، دار الطليعة للطباعة والنشر ، بيروت ، ط 3 ، 2006 ، ص 677 .

3. صفاء عبد السلام علي جعفر ، محاولة جديدة لقراءة فريدريش نتشه ، ص 17 .
4. جورج طرابيشي ، معجم الفلاسفة ، ص 677 .
5. ول ديورانت ، قصة الفلسفة ، تر فتح الله محمد المشعشع ، منشورات مكتبة المعارف ، بيروت ، ط 6 ، 1988 ، ص 509 .
6. لورانس كيتي شين ، أقدم لك نتشه ، تر : إمام عبد الفتاح امام ، المجلس الاعلى للثقافة ، القاهرة ، 2004 ، ص 14 .
7. شاهر حسن عبيد ، مولد التراجيديا لنيتشه ، ، دار الحوار للنشر والتوزيع ، سوريا ، ط 1 ، 2008 ، ص 11 .
8. جورج طرابيشي ، معجم الفلاسفة ، ص 677 .
9. المرجع نفسه ، 677 .
10. جيل دولوز ، نتشه ، تر: اسامة الحاج ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، ط1 ، 1998 ، ص 16
11. لورانس كيتي شين ، أقدم لك نتشه ، ص 5 .
12. المرجع نفسه ، ص 5 .
13. المرجع نفسه ، ص 5 .
14. صفاء عبد السلام علي جعفر ، محاولة جديدة لقراءة فريدريش نتشه ، ص 42 .
15. فريدريك نتشه ، افول الاصنام ، تر: حسن بورقية ومحمد الناجي ، افريقيا الشرق ، ط1 ، 1996 ، ص 18 .
16. عبد الكريم عنيات ، قراءة نتشه للفلسفة اليونانية ، جامعة منتوري ، قسنطينة ، 2010 ، ص ص 76-77 .
17. عبد الرحمن بدوي ، نتشه ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، ط 5 ، 1975 ، ص 158 .
18. المرجع نفسه ، ص ص 157-158 .
19. عبد الرزاق بالعقروز : نتشه ومهمة الفلسفة ، منشورات الاختلاف ، الجزائر ، ط ، 2010 ، ص 205 .
20. جان فرانسوا دورتيي ، فلسفات عصرنا ، تر: ابراهيم صحراوي ، منشورات الاختلاف ، الجزائر ، ط 1 ، 2009 ، ص 513 .
21. : Daniel Pimbè , Nitzshe , Philosophie , 2011 , pp 56-58 .
22. عبد الرزاق بالعقروز : نتشه ومهمة الفلسفة ، ص 205.
23. المرجع نفسه ، ص 205 .
24. محمد الشيخ ، نقد الحداثة في فكر نتشه ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بيروت ، ط 1 ، 2008 ، ص 284 .
25. المرجع نفسه ، ص 291.
26. وفاء درسوني ، مفهوم التأويل في فلسفة نتشه ، جامعة منتوري ، قسنطينة ، 2006 ، ص 8 .
27. المرجع نفسه ، 16 .
28. محمد اندلسي ، نتشه وسياسة الفلسفة ، دار توبقال للنشر ، المغرب ، ط 1 ، 2006 ، ص 149 .
29. وفاء درسوني ، مفهوم التأويل في فلسفة نتشه ، ص ص 7- 8 .
30. فريدريك نتشه ، اصل الاخلاق وفصلها ، تر: حسن قبيسي ، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ، بيروت ، ص ص146- 147 .
31. بيير مونتيبيلو ، نتشه وإرادة القوة ، ترجمة وتقديم جمال مفرج ، منشورات الاختلاف ، الجزائر ، ط 1 ، 2010 ، ص 20
32. المرجع نفسه ، ص 21 .
33. المرجع نفسه ، ص 290 .
34. محمد اندلسي ، نتشه وسياسة الفلسفة ، ص 21 .
35. محمد الشيخ ، نقد الحداثة في فكر نتشه ، ص 290 .
36. محمد اندلسي ، نتشه وسياسة الفلسفة ، ص ص 21- 22 .
37. جان فرانسوا دورتيي ، فلسفات عصرنا ، ص ص 512- 513 .
38. بيير مونتيبيلو ، نتشه وإرادة القوة ، ص 21 .
39. عبد الرحمن بدوي ، نتشه ، ص 249 .
40. فريدريك نتشه ، هكذا تكلم زرادشت ، تر: فليكس فارس ، مطبعة جريدة البصير ، 1938 ، ص ص 188-189 .
41. المرجع نفسه ، ص 189 .
42. صفاء عبد السلام علي جعفر ، محاولة جديدة لقراءة فريدريش نتشه ، ص 465 .
43. المرجع نفسه ، ص ص 465-466 .
44. فريدريك نتشه ، انسان مفرط في انسانيته ، تر: محمد الناجي ن افريقيا الشرق ، المغرب ، 2012 ، ج1 ، ص 82
45. صفاء عبد السلام علي جعفر ، محاولة جديدة لقراءة فريدريش نتشه ، ص 465 .
46. فريدريك نتشه ، ارادة القوة ، تر: محمد الناجي ، افريقيا الشرق ، المغرب ، 2011 ، ص 15 .
47. صفاء عبد السلام علي جعفر ، محاولة جديدة لقراءة فريدريش نتشه ، ص 431 .
48. : Friedrich Nietzsche , Ainsi parlait Zarathoustra , Traduction : Henri Albert , La Gaya Scienza , Paris , 2012 , p 423 .
49. المرجع نفسه ، ص 423 .
50. محمد الشيخ ، نقد الحداثة في فكر نيتشه ، ص 658 .
51. عبد الرزاق بلعقروز ، نيتشه ومهمة الفلسفة ، ص 208 .
52. المرجع نفسه ، ص 208 .
53. المرجع نفسه ، ص 207 .
54. فريدريك نيتشه ، هذا هو الانسان ، تر: علي مصباح ، منشورات الجمل ، ص 155 .
55. عبد الرزاق بلعقروز ، نيتشه ومهمة الفلسفة ، ص 208 .
56. المرجع نفسه ، 209 .
57. لورانس كيتي شين ، أقدم لك نتشه ، ص ص 83-84 .
58. المرجع نفسه ، ص 88 .
59. عبد الرزاق بلعقروز ، نيتشه ومهمة الفلسفة ، ص 211 .
60. المرجع نفسه : ص 212 .
61. جورج ميخائيل ديب ، عدو المسيح لنيتشه ، دار الحوار ، ط 2 ، ص 10 .

62. المرجع نفسه ، ص 10
63. عبد الرزاق بالعقروز ، نيتشه ومهمة الفلسفة ، ص 141 .
64. محمد اندلسي : نيتشه وسياسة الفلسفة ، ص 71 .
65. المرجع نفسه 71-72 .



#سعاد_طيباوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادوارد سعيد والخطاب الاستشراقي
- آليات نقد ادوارد سعيد للاستشراق


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعاد طيباوي - قراءة في الفلسفة النتشاوية