أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سامح عسكر - أبنائي والدومينو














المزيد.....

أبنائي والدومينو


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 4707 - 2015 / 2 / 1 - 20:41
المحور: سيرة ذاتية
    


لعبة الدومينو الشهيرة من أكثر ألعاب المصريين شعبية، لها وقع خاص وحضور مميز على القهاوي، لها مستويات تحدد مهارة اللاعب في الرياضيات والذكاء، وإن كان في اللعبة جانب كبير من الحظ، إلا أن مهارة اللاعب كافية لتعويضه سوء حظه، لذا فهي لعبة مهارية أولاً وأخيراً وإن كانت تلك المهارة تظهر كلما طال زمن اللعبة.

في الطفولة كنت أعشقها وأجلس بجوار اللاعبين الكبار أتعلم منهم وأستمتع بروح المنافسة، فهي وإن كانت لعبة ذكاء إلا أنها أخف على العقل من الشطرنح مثلاً، بها كل عناصر المنافسة الشريفة..وإن كان بعض ممارسيها يحتالون على الخصوم من غير ذوي الخبرة، ولعل ذلك الاحتيال ما يُكسبها متعة عند ممارسيها فتكثر لديهم نوازع الانتقام..ولكنه انتقام من نوع آخر..انتقام لا يخلو من الفكر والحركة والتأمل، فينشط العقل حتى أنه وبعد كل مباراة يشعر اللاعبون بالتعب..فترى أحدهم يمسح على وجهه وآخر على رأسه وثالث في عينيه.

مع هذه المميزات إلا أن اللعبة لم نمارسها بأمان، فالأب كان شديد الحذر من انصرافنا عن المذاكرة والاهتمام بتلك الألعاب التي كانت تنفق ما في جيوبنا على المشاريب، أو أن ننغمس مع أصدقاء السوء الذين كان لهم الحضور المميز على القهوة..ولم يكن الأب يهتم بما تغرسه اللعبة في نفس اللاعب من مقوّمات وفضائل.. هكذا كانت- ولا تزال -مجتمعات العرب، تنظر إلى الأشياء من جوانبها السلبية ...!

فهي لعبة فكر تنمي حاسة الرياضيات وتزرع في نفوس محبيها قدرة خلق الأدوات واستعمالها وملكة التوزيع ، كل ذلك في لعبة واحدة ، فإذا كانت بتلك المواصفات فما الذي يمنع من اكتساب لاعبيها تلك الحواس العقلية؟

فكرت في ذلك أكثر من مرة، وقررت شراء قطع الدومينو من التاجر لأستعيد ذكريات الطفولة والمراهقة ، ثم لعبت مع بعض الأصدقاء، وأولادي يُشاهدون ..أكبرهم في الصف الثالث الابتدائي والأصغر في الصف الثاني، وبنتان يتطلعان إلى اللعبة كأنها من لعب الأطفال، لا يفهمون مصطلحات اللعبة.."الدورجي والجاهار والدش والدبش والدوسة والدوبارة والدو والشيش والبلاطة..إلخ...لكن يفهمون شيئاً واحدا وهو أننا نضع قطع الدومينو بلصق الأعداد المتشابهة، فيظنون أن تلك الغاية من وراء اللعب..

بعد انقضاء أول.."عشرة"..والثانية والثالثة ناداني أحدهم وهو الإبن الثاني.."صلاح الدين"..وقال لي: أنه يريد أن يلعب، لم أفكر كثيراً وكان الجواب بالموافقة، فانتظرني الطفل بعد مغادرة الضيف، وجلست وسط الأطفال أحكي لهم اللعبة بطريقة بدائية، لم أذكر لهم مصطلحات اللعبة، فالدش يعني ستة وستة، والدبش خمسة وخمسة، والدورجي أربعة وأربعة...وهكذا..حتى لا أحمل عقولهم بما لا تهتم أو تفهم ، وحتماً سيعرفونها بعد الممارسة.

تساءلت الزوجة عن ما حدث، وأن لعبة الدومينو- كما حكيت- لا يلعبها الصغار، وأننا كنا نُعاقب على لعبها في الطفولة والصبا.

قلت أن الطفل في تلك المرحلة العمرية بحاجة للمذاكرة والاطلاع من مداخل يعشقها ليس كما هو معتاد من مداخل أبوية أو تعليمية رتيبة ، فإذا أحب الطفل لعبة الدومينو وفهم ما بها من حساب ورياضيات فسيخلق ذلك لديه عقلاً وحواساً رائعة تهتم بالرياضيات، وبدلاً من دراسته للحساب لغرض النجاح سيدرسه لغرض المتعة ، وينشط عقله بخيال وتفكيك وتركيب رياضي مدهش.

أزعم أن لعبة الدومينو لا تحقق هذه الأمنيات جميعها، ولكن على الأقل هي تغرس في عقل اللاعب روح المنافسة وخيالاً رياضياً مقبولا ..فما المانع أن يتعلم أطفالنا مما يحبونه وليس مما يكرهونه.

أذكر وقد كنت صغيرا محباً للتاريخ، حتى أتذكر جيداً حادثة فريدة في الصف الخامس الابتدائي أنه لم ينجح في الترم الأول في مادة الدراسات الاجتماعية سوى العبد لله، لم يأتِ ذلك جُزافاً فمنذ الصف الثاني الابتدائي وأنا أقرأ في كتب أختي الكبيرة الدارسة في معهد الخدمة الاجتماعية، قرأت في التاريخ والجغرافيا، قرأت شذرات عن روسو وديكارت وشوبنهاور وابن خلدون، وعندما كنت أميناً لمكتبة المرحلة الثانوية الفنية اطلعت أكثر على فكر هؤلاء العظماء، وعرفت الشك وأنا في سن الرابعة عشر..وإن لم أتوسع..عرفت كذلك فلسفة القوة النيتشوية في هذا السن.

لم أخض في غمار الاطلاع إلا عن عشق لتلك المواد

هكذا فتربية الأطفال تبدأ من الترغيب وتنتهي به، أما الترهيب لا يكون إلا عن أخطار تهدد الطفل، حتى أزعم أنه وأثناء المذاكرة لا أفرض على الطفل شيئاً يكرهه ولا أحمل عليه أمراً لا يفهمه، وكثيراً ما أحاول ترغيبه في المادة سواء بأسلوب قصصي وأدبي أو بأسلوب واقعي وضرب الأمثال...حتى وإن كان الدومينو لعبة يستهجنها البعض أو يظنونها حكراً على عوام الشعب والبسطاء إلا أنها لعبة بشرية يمارسها بشر ويربح فيها المجتهدون وتغرس في نفوسهم روح التنافس واللعب النظيف...وأكثر وأكثر..الأمانة.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنها القرية ياعزيزي
- ذكريات في عالم المنتديات
- أسطورة الختان عند شعب دوجون الأفريقي
- عشرة أدلة تنفي حد الحرابة عن الإسلام
- وقفات مع الفكر الأزهري(2)
- وقفات مع الفكر الأزهري
- صفحات من تاريخ التنوير(5)
- صفحات من تاريخ التنوير (4)
- صفحات من تاريخ التنوير (3)
- صفحات من تاريخ التنوير (2)
- صفحات من تاريخ التنوير (1)
- وحشية الثورة السورية الملعونة
- الهوية والطبيعة
- من هم المؤلفة قلوبهم؟
- ماذا يعني تحكيم الشريعة؟
- تهافت البخاري وتحريفه لحديث الرسول
- عشرة أدلة تثبت اختلاق قصة رجم الغامدية
- بدعة ليلة النصف من شعبان
- عندما يكون الدين سيفاً على الإرهاب
- حوار إعلامي مع ابن تيمية


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سامح عسكر - أبنائي والدومينو