أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - قبل أن نعاقد المتلقي على مسمى رواية














المزيد.....

قبل أن نعاقد المتلقي على مسمى رواية


سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)


الحوار المتمدن-العدد: 4703 - 2015 / 1 / 28 - 17:46
المحور: الادب والفن
    




سأجوّز لنفسي القول بأن الرواية عالم مقترح وبديل للواقع المعيش.. وعليه فإن هذا العالم الذي يقترحه كاتب ما، يجب أن يتوفر على عناصر غير العناصر التي يعيشها الواقع، أو تنسجه عنه الحكاية، بشكلها التجميلي.. وهذا يعني أن الرواية لا تعني ولا يجب أن تكون صورة فوتوغرافية عن الواقع، وأيضا ليست صورة فوتوغرافية (معدلة على الفوتو شوب) لتناسب (قيم) وعادات مجتمع ما؛ بل أن الرواية عامل خلق إزاحي، يقوم على فكرة إقتراح البديل المتوفر على عناصر الدهش والقدرة على توريط المتلقي في قبوله والتفاعل معه، كعالم بديل، قابل للحياة، لتوفره على عناصر وجماليات يفتقر إليها الواقع.
وبهذا المعنى تكون الرواية عملية إلتواء ولي الواقع المعيش ليكون أكثر جمالا وأكثر قدرة على الحياة بذاته، وأكثر امتلاء بذاته، وأكبر قدرة على إستيعاب عمليات الإحلال وجدلياتها، وتقبل مضافات فعل الحياة، خارج إطار المعهود والمتقبل، بما يسمح بكسر القوالب وإعادة تلوين بعض أجزاء اللوحة، بما لم تألفه الذائقة العامة، والبورجوازية (البورجوازية بمعناها الاستاتيكي المحافظ) منها، على وجه التخصيص.
فعل الحياة، ومنذ سقوط آدم وحواء من على حفافي نهر العسل (اسطورة الخطيئة الأولى)، ينطوي على أحجية مريرة، لا تملك ما يكفي من مبررات الإقناع والتوصيل، ولهذا اخترع الانسان اللغة والكتابة، من أجل عملية التعبير عن رؤيته لنواحي الخلل في تلك الأحجية، ومن ثم إخترع وسائل التعبير عن تلك الرؤى، في هيئة الأجناس الأدبية... والتي كانت من بينها الرواية، كشكل لتدوين الإقتراحات الجمالية وطرح البدائل، وأيضا لتسجيل الإحتجاج على مفارقات وإختلالات بنية المعيش اليومي.
ووفق هذا التصور، تكون الرواية عملية خض وتقويض لمألوفات البنى الإجتماعية والقيمية، من ناحية، وعملية ردم لفراغات الحياة، وما أصطلح عليه بقوانينها، بالخيال، من ناحية أخرى، من أجل أن تكون أكثر جمالا، وأكثر إنسجاما مع نوازع الانسان وإشتهاءاته، التي ناصبتها الفلسفة العداء، بإعتبارها مناقضة لمنطق العقل، متناسية أن تلك النوازع والإشتهاءات هي جزء أساسي من تركيب وفطرة الإنسان، وهذا ما إشتغل عليه العملاق، غابريل غارسيا ماركيز، على سبيل المثال، في معظم رواياته، وبالأخص في رائعته (مائة عام من العزلة).
الرواية ليست عملية تجميل للواقع، على طريقة رؤية البدوي للجمال، عن طريق حجب أو تغطية الأجزاء غير الجميلة في سلوكه أو عاداته، بل هي عملية إختبار وتفكيك للوقائع وإقتراح البدائل الجمالية، مهما كانت مناقضة ومعادية للمألوفات، والإجتماعية منها، على وجه الخصوص.. وبهذا المعنى يكون مجال إشتغالها توريطيا ومقوضا وناسفا لأرضية أسس المسلمات، إجتماعية وقيمية، وإحلال بدائل عنها، أكثر جمالية وإنسجاما مع مخيال الإنسان وليس مع إحتياجات معيشه اليومي وقوانين الربح والخسارة التي تحكمه.
ويكمن إشتغال الرواية الحقيقي، في الوهدة التي تطفو فيها حيوات شخوصها وأحداثها عن أرض الواقع، لتبني حياة جديدة، تترك خلفها أوزار وأعباء الواقع اليومي ومراراته، وتفتح نافذة للتشوّف والتطلع ورؤية الحياة بلا آلام وبلا إنتظارات... وحرق المسافات والمراحل، بين مدى بصر الإنسان ونهاية نفق حياته... معيشه اليومي... والوصول به إلى نهاية تقبلها نوازعه وإشتهاءاته (هل عليّ أن أستخدم مصطلح علم النفس وأقول عقده النفسية؟) حتى وإن كانت بمنتهى المأساوية، وهذا هو بالضبط ما يسقط عن فن الرواية تهمة تزويق الواقع وغش المتلقي بالأوهام وأحلام اليقظة الكاذبة أو العصية على التحقيق.
الناس تقرأ الرواية لتتجاوز أو لتنسى همومها لبعض الوقت، كحد أدنى من القبول، وعليه يكون على الرواية تقديم أكبر قدر من الدهش والطفو على الواقع ومشاكله العصية على الحل، وهذا هو بالضبط ما تراهن عليه الرواية في خلق فرص إنضاج الأفكار وتيسيّر عملية قبولها في الوجدان الإنساني، كفرص ممكنات لعملية التغيير وإحلال البديل الأكثر إنسجاما مع فطرة الإنسان وصيغة الجانب البدائي في تكوينه الطبيعي الذي وجد عليه.. وهذا يعني أو يماثل، بطريقة من الطرق، عملية إلقاء حجر في مياه المستنقع الراكدة.. ولكن حجر الرواية، وبالتأكيد، هو أكثر مضاء من مجرد حجر اصم، لأن حجر الرواية الكبيرة، يجب أن يكون مشبعا بالكثير من الأفكار والرؤى الجديدة..، وأيضا الخاضة والدافعة للتفكير والتمرد على سلبية الحياة اليومية ورؤيتها بعين واحدة... وأيضا صبغ المعيش اليومي للأشياء من حولنا بلون واحد... لون قوانين الإتفاق البورجوازي أو سلطة المجموع الإجتماعي.



#سامي_البدري (هاشتاغ)       Sami_Al-badri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقريظ لعورة المنفى
- قاطرة أخرى..
- قطرة برق ملساء
- وعد فيروزي أبيض
- الولادة خارج القواميس
- سقوط هزيل
- ولع وتقدمة حب
- حفلة أطفال يقلدها الكبار
- العالم... يبحث عن فلسفته (عتبة الغابة الزرقاء)
- الإنتخابات على الطريقة العراقية
- البوكر العربية.. أسئلة وملاحظات
- الرواية ومراحات الرمال البيضاء
- وجودية الرواية
- عناصر وإستيفاءات
- نزوة في آخر الزقاق
- محنة الربيع أم العقل العربي؟
- م ي ا م ... قدر أبيض
- إحتباس سياسي أم إحتباس ثقافي؟
- عندما يركب الحاكم العربي رأسه
- من يصنع الرئيس الأمريكي؟


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - قبل أن نعاقد المتلقي على مسمى رواية