أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - الرؤية الاستراتيحية (3-7) تجارب عربية ودولية















المزيد.....


الرؤية الاستراتيحية (3-7) تجارب عربية ودولية


عمرو محمد عباس محجوب

الحوار المتمدن-العدد: 4703 - 2015 / 1 / 28 - 13:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إنني من الذين يؤمنون أننا يجب إن لانعيد انتاج العجلة، اغلب دول العالم الكبيرة والصغيرة، الغنية والفقيرة وحتى الشركات استطاعت أن تتوصل لرؤية، نحن الذين تاخرنا في الوصول لمحطة البداية. هذه ميزة نسبية ممتازة إذ تتاح لنا تجارب ثرية جدا من دول تفوقنا ودول كانت مثلنا لكنها انطلقت، وتصبح تجاربها دروسا مستفادة نتخطى عوامل فشلها ونعزز عوامل نجاحها. لكن لكي نبدأ من المكان الصحيح لابد من دراسة هذه التجارب بعناية وتركيز. الاختلاف الاساسي الذي نبدأ منة أن الرؤى التي سوف اقوم باستعراضها ارتبطت بقادة عظام هم الذين طرحوها، روجوا لها، دفعوا اطراف الامة لتبنيها وغالباً كانوا من بدأوا بتطبيقها او الاشراف عليها. ورغم اختلاف الدول فقد تشابهت آليات صناعة الرؤية، لأنهم استفادوا من تجارب الغير والسبب الآخر أن هذه الآليات هي قياسية في علم الرؤية.

لن ترتبط الرؤية بقائد فذ لان المناخ الإجتماعي اختلف تماماً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فقد فرض تطور وسائل التواصل الإجتماعي (الاتصالات، التويتر، الفيسبوك، المدونات..الخ)، وسائل المعرفة (الانترنت، القنوات الفضائية..الخ) بشكل كبير وشملت اغلب قطاعات الشعب وان بدرجة نسبية، جعلت من الشأن العام، عاما بشكل واضح من ناحية وتشارك فيه مئات الالاف بارائها. سوف اتناول هنا تجارب (ماليزيا، الهند، سلطنة عمان ودبي)، كامثلة ولكن هناك تجارب كبرى في اليابان، جنوب افريقيا، اندونبسيا، الصين، البرازيل، وغيرها، مما يمكن الاسنعانة بها عند الشروع في بناء الرؤية حسب اكثر المشتركات,

من ماليزيا، الهند، سلطنة عمان ودبي انتجت الرؤية الخاصة بكل بلد من موروث متراكم من التخطيط المستمر، وفي الغالب خطط خمسية كانت مكرسة في البداية لحل القضايا العاجله والمتوسطة الاجل التي وجدتها الدول في مواجهتها عند الاستقلال. التخطيط الإستراتيجي والخطط الخمسية كانت ممارسة شائعة في ذلك الزمان، تاثراً بالتجربة السوفيتية وبقية بلدان الكتله الاشتراكية، ونجاحاتها في البناء المتواصل. في تطورها وانتقال اغلب هذه الدول إلى تلمس القضايا البعيدة الاجل والمستقبلية، وبدء ظهور نظريات الرؤية في مجال الشركات والدول من بعدها تبنت اغلب الدول تطوير رؤاها. وقد حدث تطوران مهمان في هذه المسيرة لكافة الدول:

أولاً: كانت عملية وضع الخطط خاصة بالقطاعات المختلفة في الحكومات المختلفة، لذلك كانت تقوم بها الاجهزة البرقراطية عن طريق خبراء في المجال المعين (غالباً بمساعدة من منظمات الامم المتحدة او البنك الدولي..الخ)، وتتم مناقشتها في الغالب الاعم بواسطة لجان عليا تنشأ لهذا الغرض وتعرض على الاجهزة السياسية لاجازتها. مع دخول المجتمع المدني كقوى مؤثرة في العمل الوطني وبدء تجذر شعارات المشاركة الجماهيرية وتمكين المجتمعات، بدأت هذه القوى تشارك شيئاً فشيئاً في عملية تطوير هذه الخطط.

اغلب الدول طورت عملية تطوير الرؤية، من مجرد عملية فنية تقوم بها لجان فنية وخبراء والقطاع الحكومي بمفرده، لنقل مركز ثقل تطوير الرؤى الوطنية إلى مؤسسات مستقله وبمشاركة واسعة ومتنوعة من القطاع الخاص، قوى المجتمع المدني، المنظمات السياسية وحتى الافراد العاديين. نرى هذا كامثله في الهند، ماليزيا وجنوب افريقيا. إن هذا اصبح ممكن التطبيق لأن هناك استقلال حقيقي للمؤسسات المملوكة للشعب ولاتخضع للسلطة التنفيذية وفي نفس الوقت فأن الرؤية عابرة للحكومات والتي يؤدي تداول السلطة إلي تغييرها كل عدد من السنوات.

ثانياً: عالجت الخطط قضايا بعينها خاصة بالقطاعات المختلفة ولتنفيذ مشروعات بعينها. لم تعن الخطط كثيراً برسم صورة المستقبل قدر عنايتها بتحقيق الاهداف المرسومة بدقة وضمن ميزانيات محددة. الرؤية تمرين مختلف يحتاج لخيال وابداع مجتمعي لتصور حال الوطن في خلال مدة اطول وتحتاج بالضرورة إلي تغييرات محسوسة في المسار العام. إن الخطط تراكم كمي يمكن حسابها بدقة وإحصائيات ومخرجات محددة. الرؤية حشد لكل الطاقات المجتمعية، الرضا الشعبي واقتناع الناس بها لتحقق تغييرات نوعية شامله في حاله الوطن. الخطط – رغم أنها تحتاج لقيادة ملهمة- إلا أن طبيعتها فنية أكثر من أنها سياسية وتحتاج للكفاءة الادارية من القادة السياسيين.

الرؤية العمانية

توصلت بعد سنين عدة من مراقبة أداء النظام الصحي إلى الوصول لحقيقة بسيطة عن ارتباط الأداء الجيد والتطور المضطرد برؤية قيادة الدولة في بناء الوطن، ومدى وضوحها في ذهن المنفذين، والتفاف جموع الشعب حولها، بغض النظر عن النظام السياسي وتفاوته في الديمقراطية والعدالة الإجتماعية. وتمثل تجربة عمان مثالاً واضحاً عن هذه الحقيقة، فالبناء الطويل، ومشاركة العمانيين في وضعها، وتنفيذ الخطط الخمسية (بدأ من أوائل السبعينات من القرن الماضي إلى الآن) والتي تشمل كافة مناحي الحياة، قد أدت في النهاية إلى أن تصنف عمان كأفضل نظام صحي في العالم عام 2000.

الحقيقة الثانية: إن التطور في مجال معين يستحيل أن يحدث بشكل منعزل عن كافة المجالات وضمن رؤية تتضمن حلولاً لكافة القضايا المعلقة.

الحقيقة الثالثة: إن الرؤية، وضوحها، تجسيدها وإيمان القيادة المفعم بها، ومن ثم نقل عدوى تبصرها لعموم الشعب هي العامل المهم في بناء الأمة، أو الوطن، وليس المشروعات، أو الخطط الإستراتيجية.

لعب السلطان قابوس بن سعيد، الدور الإيجابي والحاسم في بناء دولة عمان الحديثة، وقد ظهر أثر قيادته بائناً وجلياً في جميع مناحي حياة المجتمع العماني. تمثل هذا تناول التجربة العمانية، تحت قيادة السلطان لتطورات كبرى في خمسة مجالات رئيسية: الاستقرار السياسي، التنمية الحضرية، التنمية البشرية، الاهتمام بالتراث، وأخيرا تمكين المرأة.

دبي: رؤيتي.. التحديات في سباق التميز

عرض سمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدوله و حاكم دبي رؤيته، التي تقوم على تحقيق الامتياز والانتقال بالإمارات ودبي من دورهما كمركز إقتصادي إقليمي، إلى القيام بدور حيوي كمركز إقتصادي عالمي، مع التركيز على قطاعات الخدمات المتميزة، السياحة، اقتصاد الفكر والمعرفة والطاقة البشرية المبدعة. تم الاعتماد في صياغة مادته على المعايشة اليومية للتنمية ذات المواصفات الدولية العالمية، التجربة الذاتية، والعمل الدؤوب لرفعة الشعب والوطن. ( الشيخ محمد بن راشد: رؤيتي.. التحديات في سباق التميز المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2006 ).

كوريا الجنوبيه

كوريا الجنوبيه بلد فقير من ناحية مواردها الطبيعية، فحوإلي 80% من اراضيها جبلية، بها كثافة سكانية كبيرة وتخلو من المواد الخام بشكل شبه كامل. منذ نحو اربعة عقود مضت، لم تكن كوريا الجنوبيه في مصاف الدول التي يعتد بها ولقيت كوريا بعض الاهتمام خلال الحرب الكورية في الخمسينات، واستفادت من مشروع مارشال في سنواتها الأولى ثم ذهبت إلى غياهب النسيان. وكانت تعتبر من قبل العديد من الدول بلدا فقيراً حتى أنها اعتبرت بلا أمل او مستقبل كما أنها عانت من التقسيم.

على الرغم من هذا، فقد تطورت كوريا الجنوبيه واصبحت لاعباً عالمياً رئيسياً في غضون سنوات قليله في بعض القطاعات الإقتصادية الرئيسية التي تستخدم التقنيات الحديثة، من إنتاج الصلب، بناء السفن والسيارات والالكترونيات. لقد ظن كثيرون من إقتصادي الغرب أن هذه إستراتيجية خاطئة، لأن البلد لم يكن لديه الكفاءات الأساسية الطبيعية في أي من هذه المجالات. ولكن كوريا الجنوبيه دوله ذات إرادة استطاعت تحقيق النجاح في جميع هذه المجالات. لقد تحولت كوريا الجنوبيه، لتصبح مقراً لشركات متعددة الجنسيات هائله في هذه المجالات وكذلك في بلدان أخرى عديدة.

عندما صممت كوريا على أن التعليم هو المفتاح الوحيد للنجاح في الحاضر والمستقبل، كان ما جاء بعد ذلك هو الذي يدعو للفخر والاعتزاز من الكوريين. لقد ظهر ذلك في تصميمهم الشديد والالتزام الصارم بما قطعوه على انفسهم. المشهور في الإجراءات التي قامت بها كوريا الجنوبيه للنهضة بتعليمها أنها كرست سنواتها الأولى في الإستثمار على التعليم واوقفت الصرف على كافة القطاعات – ألا في حدودها الإدني- لمدة خمس سنوات.

وضعت كوريا الجنوبيه كل ثقلها لبناء نظام تعليم متطور بدأ من تعليم الأطفال في الروضة والتمهيدي حتى المرحله الثانوية. ركزت كوريا الجنوبيه على تعليم الرياضيات والعلوم، هذا بالإضافة إلي تعليم اللغة الانجليزية إيماناً منها بأن اللغة الانجليزية هي لغة العلم والتقدم والرقي دون نسيان للغتها القومية. تبنت الوزارة رؤية تتمحور في "بناء وطن متقدم من الدرجة الأولى". ومن اجل تحقيق ذلك قامت كوريا بعمل عدد من الإجراءات، منها: توسيع الإستثمارات في قطاع التعليم، إصلاح نظام التعليم وخاصة النظام الجامعي، تحسين البيئة المدرسية وخاصة المرافق المدرسية، تأهيل المدرسين بكفاءات عالية الجودة، التركيز على العلوم والرياضيات، إعادة بناء المناهج الدراسية وتطويرها والتركيز على التعليم الجامعي الفني (سعيد بن عيد العنزى: سياسة كوريا الجنوبية التعليمية و الخطاب السياسي، http://www.dr-saud-a.com).
هناك وزارة واحدة للتعليم العام والجامعي تسمي وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية، التي تربط التعليم بالإستثمار في الانسان وسوق العمل وفق جودة البيئة التعليمية والبني التحتية‏.‏ وأمام كل هذه الانجازات تخطيط دقيق مبني علي رؤية واضحة تنفذ بكل إصرار وتحد بعقول كورية مبتكرة‏. تقوم هذه العملية على مبادىء محددة بالاتي:

‏الأول: النظرة الشامله للإستثمار في الانسان‏ باعتباره الإستثمار الحقيقي الذي يحقق التطوير‏‏ والتركيز عليه من بداية تعليمه‏ وإعداده الاعداد الجيد للحياة العملية‏،‏ وتوفير فرص العمل له ليكون مواطناً صالحاً يستفاد منه في بناء التنمية وتحقيق التطوير المنشود‏.‏ ‏‏
الثاني: التخطيط والتركيز علي هدف معين يعمل الجميع بجد لتحقيقه، وفق خطط مدروسة ومحددة زمنياً‏.‏
الثالث: القيم التربوية التي تحملها المؤسسات التعليمية والمدارس،‏ فالصدق، الاخلاص والابداع قواسم مشتركة لكل مؤسسة مسئوله عن التعليم بشكل مباشر أو غير مباشر‏.‏ ‏‏
الرابع: بناء هذه المفاهيم، فمفهوم الهدف‏، الشعار‏ والقيم‏ يتعامل معها الطالب من المرحله الابتدائية فتتأصل في نفسه‏.‏
الخامس: العناية بالطلاب الموهوبين قبل المرحله الثانوية‏، وتخصيص ثانويات متخصصة في العلوم والرياضيات والفنون يتجه اليها هؤلاء الطلاب‏.
‏‏اخيراً: التكامل بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات الخاصة الداعمة التي تقوم بتوفير منح تعليمية وتقوم بتدريب الطلاب وتوفير فرص العمل اللازمة لهم بعد ذلك‏.‏

التجربة الماليزية

عند الاستقلال عام 1957 كانت ماليزيا تتكون من شعب متعدد الاعراق والثقافات والاديان، الملاويون (وهم السكان الاصليون في البلاد) يمثلون حوالى 55% وكلهم تقريبا مسلمون. الصينيون الذين استوطنوا البلاد منذ حوالى 600 عام كانوا سكان المدن والمسيطرون على الاقتصاد والتجارة، وكان عددهم حوالى 37% من السكان عند الاستقلال ومعظمهم بوذيون. الهنود الذين استوردهم البريطانيون لزراعة المطاط شكلوا حوالى 10% ومعظمهم هندوس (عمر الرفاعى (ترجمة): خطابات مهاتير محمد، مكتبة الشروق الدولية، روكسى، القاهرة، 2007 )
القضية الاخطر التي واجهها الماليزيون هو وضع الاعراق الثلاث وقانونيتها في الدوله. عند الاستقلال كان الملاي يعيشون في القرى والأرياف ولم يكن نصيبهم في الاقتصاد يزيد عن 2% وكانوا يعانون من الجهل والفقر. كان العقد الإجتماعي الذي استطاع الماليزيون تطويره، هو أحد عناصر نجاح التجربة، وأحد ضمانات استمرارها. الاعتراف بالتنوع العرقي والديني، الاعتراف بوجود اختلالات حقيقية في مستويات الدخل والتعليم بين فئات المجتمع، التوافق على ضرورة نزع فتائل التفجير وعلاج الاختلالات بشكل هادئ وواقعي وتدريجي.

كان جَوهر فكرة علاج الاختلالات مبنيًا على تحقيق التعايش السلمي وحفظ حقوق الجميع. والفكرة مبنية على أساس زيادة أنصبة جميع الفئات، وإن بدرجات متفاوتة، حل مشكله المحرومين من خلال عملية الزيادة والتوسع وليس من خلال مصادرة حقوق الآخرين أو التضييق عليهم. أي أن الفكرة مبنية على أساس "تكبير الكعكة"، وليس على أساس التنازع عليها. كان أساس التوافق أنه للوصول إلي حاله من الاستقرار السياسي والإجتماعي، فلابد أن تُتاح الفرصة للملاي للحصول على حصة عادله من ثروة بلادهم، وأن تعطي لهم ضمانات بأن قيادة النظام السياسي ستكون بأيديهم.

موضوع علاقة الدين بالدوله، في بلد متعدد الأديان، الأعراف والثقافات، أمر يتسم بالحساسية والدقة. تم الاتفاق على علمانية الدوله، وعلى ضمان الحريات والحقوق الدينية والثقافيه لمختلف الطوائف. وأصبح ذلك نوعاً من "العقد الإجتماعي" الذي ارتضته مكونات المجتمع الماليزي، كما أن العديد من النصوص القانونية اتخذت شكلاً رمزيًاً، لا يمس جوهر النظام العلماني، وظلت التطبيقات القانونية الإسلامية محصورة، مثل معظم بلدان العالم الإسلامي، بقانون الأحوال الشخصية الذي لا يُطبق على غيرالمسلمين.

من نجاحات الدكتور مهاتير الملهمة، تلك المتعلقة بالبعد الإسلامي في النموذح الماليزي، فهو لم يخرج من عباءة أيٍّ من تلك الجماعات التي ترفع شعارات النماذج الإسلامية المعروفة في المنطقة العربية، أو تلك التي تحتكر الحديث باسم المشروع الإسلامي، ومع ذلك نجح باجتهادات تجديدية خلاقة أكثر فهماً لمقاصد الإسلام في إقامة دوله متقدمة ومجتمع إسلامي متحضر، وبرز النموذج الماليزي أكثر تمثلاً لقيم الإسلام وأكثر نجاحاً في رفع رايته.

لقد نجح النموذج الماليزي، في إثبات أن الحضور المؤثر والفاعل للهوية والسلوك الإسلامي في الحياة، لا تستند بالضرورة على حتمية وجود قاعدة قانونية أو دستورية، نحو ما تتعسف الحركات الإسلامية في المنطقة العربية في اختزال تصورها لسيادة الدين، فالذي يحض على ذلك ليس سيف القوانين المسلط على الرقاب بل القدرة على تمثل قيم الإسلام الرفيعة في النفوس وفي الممارسة.

كما فعلت الهند فقد نجحت ماليزيا في تجنب استخدام القوات المسلحة لحسم الخلافات، باحتكارالقوة لفئة للسيطرة على الحكم في البلاد وفرض سياسات بعينها، ولم يقفز قادتها ولا قواها السياسية على المراحل ولم يستخدموا الجيش في صراعاتهم السياسية أو حل المشكله العرقية. اعطت الحكومة الماليزية اهتمامًا كبيرًا للتعليم والتدريب، وعادة ما يغطي هذا البند نحو 23-29% من الميزانية السنوية العامة. تُعدّ هذه الميزانية من أعلى معدلات الميزانيات التي تُمنح للتعليم في العالم، وتظهر قراءة مقارنة أن ما تنفقه ماليزيا على التعليم يبلغ عادة نحو ثلاثة أضعاف ما يُنفَق على الجيش والدفاع.

تحت عنوان الطريق إلي المستقبل - دوله صناعية متقدمة بحلول عام 2020، قام رئيس الوزراء الماليزي الأسبق والأكثر شهرة مهاتير محمد بطرح رؤية لماليزيا لعام 2020 – والتي تشتهر أيضاً باسم 2020 Wawasan - وذلك خلال إعداد الخطة الخمسية السادسة لماليزيا عام 1991، والتي كانت بمثابة المرحله الأولى من تحقيق الرؤية المنشودة. حددت تسع تحديات الأساس الذي كان على ماليزيا تخطيها لكي تستطيع تحقيق هدفها بأن تصبح دوله متقدمة بحلول عام 2020. صيغت الرؤية لنتضافر جميع المجالات الإقتصادية، الإجتماعية، السياسية، الروحية، النفسية والثقافيه. إن تركيز ماليزيا ليس فقط على القطاعات الصناعية الكبري من الصناعات الثقيله، مثل صناعة الصلب والبترول والكيماويات، لكنها تركز أيضاً على الالكترونيات الدقيقة المتقدمة، السلع الاستهلاكية، أجهزة الكمبيوتر والاتصالات السلكية واللاسلكية.

الرؤية الماليزية توخت دوراً للإستثمار الأجنبي المباشر. كما تريد تحقيق كامل القدرة على تصميم وتصنيع المنتجات التي تستخدم الخبرات المحلية. هذا التركيز هو المهم: القدرة على التصميم بنفسك وتصنيع المنتجات للتصميم الخاص بك هو مؤشر حاسم لقدرة "متقدمة". في قطاعي السلع والخدمات، والهدف من ذلك هو تعزيز القيمة المضافة في إنتاج وتسليم السلع. وقد استهدفت ماليزيا :

أولاً: المواد المتقدمة، تقنيات التصنيع المتقدمة، الالكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيات الطاقة. لذلك فانها لتحقيق خططها للعلوم والتكنولوجيا، ضاعفت نسبة الناتج المحلي الإجمالي المخصصة للبحث العلمي.

ثانياً: تطمح ماليزيا بتبني هذه الرؤية أن تكون في طليعة مناطق معينة من التكنولوجيا، وليس مجرد مصدر رئيسي لمنتجات التكنولوجيا المكثفة، ولكن أيضاً مولد تكنولوجيات رئيسية في مجال الالكترونيات الدقيقة والعديد من المجالات الآخرى وأن تصبح أكبر ممر للوسائط المتعددة فائقة السرعة.

ثالثاً: ركزت الرؤية أيضاً على الجوانب البيئية ذات الصله ويشير التقرير إلي أنه على الرغم من التقدم السريع، فان موارد الغابات في ماليزيا لم يتم التضحية بها ولازالت 60% من الأراضي لا تزال غابات. رؤية تتوخى التزام قوي للسياسات الخضراء وتنص على أن يتم التعامل مع المشاكل البيئية بشكل كلي ومتعدد الأطراف.

ركزت الرؤية في جانب التنمية الإقتصادية تحقيق العداله الإجتماعية على قضية الفقر، ولتستطيع معالجة هذا التحدي بدات بتحديد مفهوم العداله الإقتصادية بكل ابعادها لتأسيس مجتمع عادل، ضمن عدد من الاهداف الواضحة:

الهدف الأول: إن تقوم الخطة الإقتصادية الجديدة على اقتلاع جذور الفقر بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الموقع الجغرافي، ولتشمل كل الماليزيين، وأن تكون الدوله قادرة على توفير الغذاء والرعاية الصحية عن طريق طبقة متوسطة تتميز بالحيوية وأن توفر كافة الفرص والدعم للذين يحاولون الخروج من براثن الفقر.

الهدف الثاني: إزاله ارتباط الهوية العرقية بالاقتصاد لبناء مجتمع يقوم على المساواة بما يعني أن كافة الإدارات والقطاعات الهامة سوف تشهد مزيجاً من الجماعات العرقية التي تتكون منها ماليزيا، ويجب أن يكون هناك توازن عادل في كافة الشرائح الأساسية للعمل، والعمل على تطوير تنمية المجتمع التجاري والصناعي. هذا يتم بتضييق الفجوة بين دخل الطوائف العرقية من خلال توفير الفرص والخدمات الإجتماعية والبنية الأساسية وتنمية المفاهيم الثقافيه الإقتصادية.

الهدف الثالث: تضاعف إجمالي الناتج المحلي كل عشر سنوات من عام 1990 إلي عام 2020، مع متوسط معدل نمو سنوياً 7% على مدار 30 عاماً، مع خفض معدل التضخم وضمن الفعالية ودعم مستوى المعيشة وتحقيق الأهداف الإجتماعية الآخرى ( مركز الدراسات المستقبلية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء: المستقبل في عيون العالم، نشرة ربع سنوية السنة الثانية - العدد5 - مار س 2012 ).

التجربة الهندية

حين تتقدم أية أمة في التأريخ لتنازع على احتلال مرتبة الدوله العظمي، فإن هذا يعني أنها قد حسمت بالفعل أمرها حيال مجموعتين من العوامل. الأولى تجسدها عوامل القوة الخارجية من اقتصاد معافي، وقوة عسكرية، ورساله أيديولوجية قادرة على غسل القلوب والأدمغة وشحنها بحزمة من الآمال والتطلعات. لا تصبح لهذه العوامل فاعلية إلا بعد أن تكون الدوله قد أمسكت بزمام المجموعة الثانية من العوامل والتي تمثلها مصادر القوة الداخلية، وفي مقدمتها رقعة جغرافيه واسعة تضم تنوعاً من الثروات والمواد الخام، وقوة ديموغرافيه متجددة تتألف من جماعات بشرية طموحة ومتجانسة. (عاطف معتمد عبد الحميد: المسلمون في الهند.. عقبة مانعة أم قوة دافعة، الهند عوامل النهوض وتحديات الصعود، مركز الجزيرة للدراسات - الملفات البحثية - سلسلة دراسات القوى الصاعدة).

أخذت الهند، التي تتكون من أعراق، طوائف، أديان متعددة وتسودها لغات ولهجات متعددة، بالنظام العلماني الديمقراطي منذ قيام الدوله الهندية عام 1947، كافضل نظام ملائم بقيمه، آلياته ووسائله للحفاظ على كيان الدوله. احترمت القوى السياسية الهندية هذا النظام والتزمت بقواعده التي تتيح أمكانيه تداول السلطة، وتعلي من قيمة المواطنة، إذ تتيح الفرصة للمشاركة السياسية للمواطنين بغض النظر عن الدين، الطائفة، العرق أو الجنس. تتسم الانتخابات الهندية بحسن التنظيم وعدم التدخل أو التلاعب من جانب أي طرف من الأطراف السياسية للبناء المؤسسي الرسمي ( محمد سعد أبوعامود: الهند: من اكبر مستعمرة إلى اكبر ديمقراطية، الديمقراطية فى الهند: الواقع والمستقبل http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=220274&eid=2).

ما ميز التجربة الهندية، ورؤى اخرى، انها بنيت على تطور متراكم من الخطط الخمسية التي تم تطبيقها ومتابعتها وتقيمها. إنشاء ابحاث الصواريخ والفضاء الهندي، سمح بتوفر بيئة علمية رصينة وتكنلوجية مناسبة ادت إلي إنشاء مجلس تكنولوجيا المعلومات، التنبؤ والتقييم (TIFAC) وهي منظمة مستقله أنشئت في عام 1988 تحت إشراف وزارة العلوم والتكنولوجيا. في عام 1993، وتحت رئاسة د. ابو الكلام شرعت TIFAC على مهمة رئيسية لصياغة الرؤية للتكنولوجيا في مختلف المجالات التكنولوجية الناشئة والتي قادت من تطورها إلي صياغة رؤية الهند 2020.

سواء في ماليزيا او الهند فقد توصلت شعوبها أن حل المشكلات والتحديات التي تواجه المجتمع هي حزمة من السياسات المتنوعة (سياسية، قانونية، إقتصادية وثقافيه)، لكنها كلها ترتبط بتحقيق التنمية الإقتصادية الإجتماعية، باعتماد العداله الإجتماعية، كمدخل في معالجة الفوارق الكبيرة بين مختلف فئات الدخل، وبين المجتمعات الريفية والحضرية وحتى المناطق داخل الدوله. في الهند كان العنصر الاساسي في التنمية الإقتصادية هي أنها إستراتيجية شامله لتحقيق الأمن الغذائي الوطني وهو شرط ضروري لرفع انتاجية القوى العامله مستويات دولية.

كان الهدف الأول تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وبعد ذلك، من خلال تزايد المخزون الفائض من الحبوب الغذائية يوجه للتصدير وخلق فرص عمل جديدة والنمو الإقتصادي. هذا التوجه في جوهره يقوم على المعرفة والابحاث. لا يمكن حل مشكلة النقص المزمن في الغذاء ببساطة عن طريق الزيادة في انتاج الغذاء أو تراكم أكبر مخزون احتياطي الغذاء، اصلاح نظام التوزيع التي تخفف من المشكله مؤقتا. ولكن في المدى الطويل، فان الحل هو ضمان فرص العمل لجميع المواطنين بحيث يكتسبون القوة الشرائية لتلبية احتياجاتهم الغذائية (Planning Commission, Government of India: India Vision 2020, New Delhi, DECEMBER, 2002).

لقد تبنت الدولتان، ماليزيا ذات الاغلبية المسلمة والهند ذات الاقلية المسلمة الكبيرة، النظام العلماني الديمقراطي الذي يشجع كل طائفة على ممارسة طقوسها الدينية، غناء حياتها الروحية واثبات هويتها العقائدية، ليس من خلال الفرض والقانون ولكن بالقدرة على تمثل قيم الإسلام، والبوذية والهندوسية الرفيعة في النفوس وفي الممارسة. إن الماليزين المسلمين ليسوا باقل تمسكاً بدينهم من دول التدين الشكلي ولا الهندوس هجروا تعاليمهم. لقد ادى هذا إلي الاستقرار السياسي، برغم القضايا المعقدة والحساسة. لعب التعليم أيضاً دورا هاماً ومفصلياً في تطور البلدين. التعليم جزء اساسي من النظرة المستقبلية لكل هذه الدول واعتبرت القوى البشرية، الثروة الحقيقية في تطورها ووضع القدم على طريق المستقبل.

ارتبط هذا بتشجيع التنوع واعتبار الثقافات المختلفة مصدر قوة وثراء. لكل طائفة، عرق ومجموعة سكانية مدارسها الخاصة بها، التي تستعمل لغتها، وتشرف الدوله على جودة التعليم بها وتدعمها من الخزانة العامة. لقد اتيحت لكل ثقافة أن تنمو بشكل فعال ومبدع مما جعل التداخل بينها طبيعياً ومنساباً. شجعت الدوله اللغات المختلفة في كل دوله ووفرت لها الحماية وامكانية التطور، وبرغم أن الهندية هي اللغة الأولى والملاوية في ماليزيا، فهي لغة العمل ولكن لكل منطقة لغتها الخاصة. أيضاً احتفظ البلدان باللغة الانجليزية كلغة ثانية في الدوله باعتبارها لغة العلم الحديث ووسيط نقل المعرفة على الاقل حالياً.



#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء تونس: ابدعي في التوافق
- الرؤية الاستراتيحية (2-7) ما قبل الرؤية
- الرؤية الاستراتيحية (1-7): مفاهيم منهجية
- اليمن وداعاً........اليمن أهلاً
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (4) دروس الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (3) مطالب الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (2) صناعة الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1) الطريق إلى ثورات الربيع ...


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - الرؤية الاستراتيحية (3-7) تجارب عربية ودولية