أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - متلازمة الصدمة الدينية















المزيد.....

متلازمة الصدمة الدينية


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4702 - 2015 / 1 / 27 - 19:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



((كيف تقود بعض الأديان المنتظمة لمشاكل في الصحة العقلية))

((الجماعات والطوائف التي تتطلّب طاعة عمياء وخضوع تام تنتج الخوف والرعب، وليس الحب والازدهار))
في سن السادسة عشر كنت قد دخلت فيما سيغدو لاحقاً صراعاَ طوال أربع سنوات مع مرض البوليميا/ النهم. عندما بدأت الأعراض بالظهور، توجّهت يائساً إلى أشخاص بالغين كان من المفترض أنّهم يعرفون أكثر منّي عن كيفية توقّفي عن هذا السلوك المخجل _قائد صف دراسة الإنجيل وقس شاب زائر.
((إذا كنت تسألين عن أي موضوع ضمن إطار الدين، الإيمان، والمعتقد)) قالا ((لكِ ذلك)). كنت أعرف أنّهما كانا يقتبسان آياتٍ ومقاطع من الكتاب المقدس. صلينا مع بعضنا، وذهبت إلى البيت وأنا على ثقة تامة بأنّ الله قد سمع صلواتي. لكنّ نهمي القهري لم يتركني لحظة. خلال سنتي الأولى في الكلية، كنت يائسة ومكتئبة لدرجة دفعتني لأحاول الانتحار. لكنّ مشكلتي لم تكن محصورةً في النهم القهري. كنت مقتنعة آنذاك أنّتي كنت فاشلة كلياً على المستوى الروحي. وقد عرض القسم الاستشاري في كليتي تقديم يد المساعدة والعون لي (وتبيّن أنّه كان ناجعاً فيما بعد). لكن بالنسبة إلى عقلي، في تلك المرحلة، تلك المساعدة لم تكن لتعالج لبّ المشكلة وأساسها: كنت أنا فاشلةً في نظر الله. كان ذلك بعام قبل أن أفهم أنّ عجزي عن معالجة نهمي القهري عبر الآليات التي قدّمتها إليّ الكنيسة المسيحية الإنجيلية لم تكن وظيفة عجزي الروخي الخاص بل عجز وإشكاليات إنّما تتخلّل الدين المنظّم نفسه.
د. مارلين واينل هي مستسارة في شؤون التنمية البشرية في منطقة سان فرانسيسكو. كما أنّها ابنة مبشّرين من أتباع كنيسة عيد الحصاد. هذه التركيبة قد منحت عملها ميزة غير عادية. وخلال العقدين الأخيرين قابلت رجالاً ونساءً أثناء عملها لمعالجتهم من أشكال مختلفة من الدين الأصولي ومن بينهما Assemblies of God Denominationحيث نشأت هي نفسها فيها. د. واينل هي مؤلّفة كتاب ((ترك الرعية: دليل الأصوليين والمتشددين السابقين لترك دينهم Leaving the Fold - A Guide for Former Fundamentalists and Others Leaving their Religion)) الذي كتبته خلال سنيّ عملها الخاص في علم النفس. على مرّ السنوات، قدّمت واينل دعماً ومساندة كبيرين لزبائن كُثُر كانوا يعانون من أضرار خلّفها الدين لهم أكبر بكثير من الأضرار التي لحقت بي. بعض هؤلاء كانوا أشخاصاً لم تكن أعراضهم مجرّد عوارض أثارها الدين، بل تسبّب بها فعلياً.
منذ سنتين، أثارت واينل موجات تسونامي في الأوساط الاجتماعية عندما صنّفت مابات يسمى بمتلازمة الصدمة الدينية Religious trauma Syndrome (RTS) وبدأت الكتابة والتحدّث حول هذا الموضوع أمام جماهير مختصّة.
وعندما نشر علماء نفس من الجمعية البريطانية للسلوك والإدراك سلسلة من المقالات حول هذا الموضوع، احتجّ أعضاء من جمعية الإرشاد المسيحية على ما سمّوه بالاهتمام المفرط لهذا الموضوع الصغير. أحد المعلّقين قال ((لا يمكن لكتاب أو دين أو معتقد ما أن يكون إساءة، لكنّ الناس الذين يؤوّلونها ويفسّرونها هو الذين يسيئون باسمها))
هل الديانة السامة والخبيثة هي ببساطة سوء فهم أو سوء تأويل؟ ماهي الصدمة الدينية؟ لماذا تعتقد واينل أنّ "الصدمة الدE•ٍ‎ية" تستحقّ مكانة تشخيصية في الأدبين الطبي والعلمي؟
# لنبدأ هذه المقابلة بمبادئ تأسيسية. ماهي الصدمة الدينية بالضبط؟
واينل: متلازمة الصدمة الدينية (RTS) هي مجموعة من العوارض والحالات التي تتزامن مع بعضها وتكون مرتبطة بتجارب ضارة ومؤذية مع الدين. إنّها نتيجة طبيعية لشيئين اثنين: الانغماس في ديانة مسيطرة تفرض سيطرتها المطلقة على أفرادها، والشيء الثاني التأثير الناجم عن ترك جماعة دينية معينة والخروج منها. إنّ تشخيص "متلازمة الصدمة الدينية" تمنحنا اسماً وتوصيفاً يمكننا من خلاله التعرّف على الأشخاص المصابون بها على الفور. هناك الكثير من الناس ممّن استغربوا فكرة "المتلازمة"، لأنّه يفترض في ثقافتنا بشكل عام أنّ الدين ظاهرة حميدة أو غير ضارة أو حتى أنّها مفيدة لنا. وتشبه إخبار الأولاد قصص وحكايات عن بابانويل ثم تركهم يتدبّرزن معتقداتهم لاحقاً، فالناس لا يجدون أي ضرر من تعليم الأولاد الدين.
لكن في الواقع، فإنّ التعاليم والممارسات الدينية ينتج عنها معظم الأحيان أضرار جادة وخطيرة للصحة العقلية. الناس بشكلٍ عام على اطلاعٍ بحالات الاعتداء الجنسي والجسدي في مجال الدين. كما ذكرت الصحافية جانيت هيمليخ في توثيقها: ((تكسير إرادتهم))، فإنّ الجماعات الدينية التي تقوم على أساس السلطة الأبوية في العائلة وتستخدم طرقاً وأساليب قاسية في التربية غالباً ما تكون مدمّرة.
لكنّ المشكلة هنا ليست في الإساءة الجسدية أو الجنسية. بل إنّ المعاملة العاطفية والعقلية في الجماعات الدينية السلطوية يمكن أن تكون مدمّرة بسبب 1) التعاليم السامة كالعذاب الأبدي أو الخطيئة الأصلية، 2) الممارسات والطقوس الدينية أو حتى العقلية الدينية، كالعقاب، التفكير الأبيض والأسود، أو الذنب الناجم عن الجنس، و3) الإهمال الذي يمنع المرء من تلقي المعلومات أو استغلال الفرص للتطور بشكل طبيعي.
# أيمكنك إعطائي مثالاً عن متلازمة الصدمة الدينية خلال ممارستك في مجال تخصّصك؟
واينل: بإمكاني إعطائك الكثير من الأمثلة. أحد الأعراض يتمحور حول الخوف والقلق. فالأشخاص المبرمجون على الأصولية المسيحية خلال طفولتهم تنتابهم أحياناً بعض الذكريات كيف كانوا مرعوبين بصور ومشاهد خيالية عن الجحيم أو نهاية العالم قبل أن يبدأ دماغهم بفهم هذه الأفكار. بعض الناجين، أو الذين أفضل أن أشير إليهم بالمُستَصلَحين، ينتابهم ذكريات خاطفة، نوبات رعب، أو كوابيس خلال بلوغهم حتى إذا كانوا قد بلغوا مرحلة عدم تصديق مثل هذه الأمور. إحدى مرضاي، خلال النهار تراها عاملةً نشيطة وطبيعية ومحترفة، لكنها كانت تعاني من حالات خوف وفزع شديدة في ليالي كثيرة. أخبرتني:
((كنت خائفة من فكرة ذهابي إلى الجحيم. كنت خائفة من أني أقوم بشيء شيء أو أرتكب خطيئة ما. كنت لا أستطيع السيطرة على نفسي بتاتاً. كنت أستيقظ خلال الليل وأبدأ بالصراخ، ألوّح بيدي، أحاول تخليص نفسي ممّا كنت أشعر به. كنت أخرج للسير حول المنزل محاولةً استعادة تفكيري وتهدئة نفسي، في منتصف الليل، أحاول أن أجري حديثاً مع نفسي، لكنني كنت أشعر أنّ الخوف والرعب والقلق يسيطران على حياتي كلها))
أو لنمعن النظر في هذا التعليق، الذي يشير إلى فيلم يستخدمه المبشرّون للترهيب من فظائع وأهوال نهاية العالم من أجل اللادينيين والملحدين:
((أخذني والداي لحضور فيلم "A Thief in the Night". يا إلهي. وأنا مصدوم لمعرفتي أنّ الكثير من الناس قد عانوا من نفس الصدمة التي عانيت منها بسبب هذا الفيلم. بعد عرض الفيلم بعدّة أيام أو أسابيع، عدت إلى المنزل ولم تكن أمي موجودة. وقفت هناك وأنا أصرخ برعب وفزع [دون أن يسمعه أحد أو يلبّي نداؤه]. وعندما توقفت عن الصراخ، بدأت بوضع خطتي: من كانوا جيراني المسيحيين، وأي المنازل أريد اقتحامه من أجل المال والطعام. كنت صبياً في الثانية عشرة من عمره يستعدّ لوحده من أجل نهاية العالم)).
بالإضتفة إلى القلق، قد ينجم عن "متلازمة الصدمة الدينية" حالات من ضمنها الاكتئاب، صعوبات إدراكية، ومشاكل في النشاط الاجتماعي. في حالة الأصولية المسيحية، يعتبر الفرد مذنباً ومدنساً ويحتاج إلى الخلاص. هنا تكمن رسالة في قلب هذا المفهوم مفادها "أنت إنسان سيء ومذنب وتستحق الموت" _(عقوبة الخطيئة هي الموت). هذا المفهوم يجري تلقينه لملايين الأطفال عبر منظّمات مثل Child Evangelism Fellowship وهناك جماعة منظّمة تعارض تغلغلها في نظام المدارس العامة. لديّ مرضى يتذكّرون مدى دهشتهم عندما قدّموا لهم صورة حية دموية ليسوع وهو يدفع الثمن الأخير لخطاياهم. بعد ذلك بعدّة عقود هم يجلسون ويخبروني بأنّهم عاجزون على أن يشعروا بأي قيمة أو أهمية لأنفسهم.
((بعد 27 عاماً من محاولتي عيش حياة مثالية، فشلت... كنت أشعر بالخجل والعار من نفسي طوال اليوم. كان عقلي يتصارع مع نفسه بدون راحة... كنت مؤمنة بكل شيء تعلّمته وجرى تلقيني إياه لكنّنّي كنت أعتقد على الدوام بأنّني لم أكن مقبولةً بنظر الله. كنت أعتقد بأنّني كنت سأموت أثناء الهرمجدون/نهاية العالم.
أمضيت سنوات عديدة وأنا أعذّب وأؤذي نفسي، أحرق وأجرح يدي، وآخذ جرعات زائدة وأجوّع نفسي، لمعاقبة ذاتي كي لايعاقبني الله. وقد تطلّب مني الأمر سنوات طويلة لأشعر بأني أستحق الخير))
المسيحية التي تدعو إلى "الميلاد من جديد" والكاثوليكية الملتزمة تزرع في عقول الناس فكرة أنّهم ضعفاء ومذنبون، وكثيراً ما نسمع منهم عبارات مثل "لا تعتمد على فهمك الخاص للأمور" أو "ثِقْ وأطِع". الأشخاص الذين يمتصّون هذه الرسائل ويستبطنونها يمكن أن يعانوا من عجز مكتسب. سأعطيك مثالاً من مريض كان يعاني من مشكلة في اتخاذ قرار بعد أن عاش كامل حياته مكرّساً نفسه وجلّ وقته "لإرادة الله". كلماته هنا لاتعطينا صورة عن مدى عمق يأسه.
((أعاني من صعوبة في اتخاذ القرارات بشكلٍ عام. كأنني لاأستطيع الاستيقاظ في الصباح، ما الذي سأفعله اليوم؟. لاأعرف من أين سأبدأ. فجميع الأمور التي اعتقدت بأني سأقوم بها قد تلاشت واختفت وأنا أعرف تمام المعرفة بأني يجب أن أحاول إيجاد عمل أو الحصول على مهنة، عملياً أنا أجالس ابني ذو الأربع سنوات طوال اليوم)).
الجماعات الدينية السلطوية الشمولية هي ثقافات فرعية أو تحتية حيث الطاعة والخضوع مطلوبين لتستطيع الانتماء إليها. وبذلك إلى تجرأت وخرجت من الدين، فأنت تخاطر بخسارة نظام دعمك كاملاً.
((خسرت جميع أصدقائي. خسرت علاقاتي المقرّبة مع عائلتي. والآن أنا أخسر وطني. خسرت الكثير بسبب هذا الدين الخبيث وأنا الآن غاضب وحزين في صميمي... حاولت جاهداً إقامة صداقات جديدة، لكنني فشلت بشكلٍ مريع... أنا وحيد تماماً.))
الخروج عن دين وتركه بعد اندماجٍ كاملٍ فيه يمكن أن يؤدي إلى ثورة كاملة في بنية الإنسان ونظرته للواقع، ومن ضمنها الذات، الآخرين، الحياة، والمستقبل. الأشخاص الذين ليسوا على اطلاع بهذه الحالة، ومن بينهم المعالجون النفسيون، سيجدون صعوبة في تقدير المخاطر والأضرار التي تنجم عنها.
((الدين الذي نشأت عليه تجذّر بعمق في قلبي. من الصعب وصف إلى أي مدى قولب وصقل وأثر ديني على وجهة نظري إلى العالم. خطواتي الأولى خارج الأصولية كان صعبة للغاية وكانت تنتابني أفكار بالانتحار. والآن قد تجاوزت ذلك، لكنني لم أستطع حتى الآن العثور على مكاني في العالم)).
حتى بالنسبة للأشخاص الذين لم يتعلّقوا كثيراً بدينهم، فترك الدين يمكن أن يكون أشبه بنقلة محورية ومثيرة للتوتر.
# كثير من الناس يبدو أنّهم يتركون أديانهم يمنتهى السهولة، ومن دون أن ينظروا إلى الوراء. ماهو الاختلاف بين هؤلاء والمرضى الذين تعاملتِ معهم.
واينل: الجماعات الدينية المسيكرة، تزرع الخوف من العالم، وتبقي أفرادها متقوقعين وغير مجهّزين للتعامل مع المجتمع لذلك سيكون من الصعب بالنسبة لهم العيش بسهولة. والصعوبة تكون أكبر لو أنّ الشخص قد ولد ونشأ داخل الدين من أن يكون قد اعتنق الدين وهو بالغ. وهذا لأنّ المتديّنون منذ صغرهم يفتقرون لإطار ينظرون من خلال إلى العالم _دون "ذات" أخرى أو "وجود آخر في العالم". نمط الشخصية الشائع هو شخص عاطفي بعمق ومفكّر يميل الشروع في سعيه بإخلاص والتزام. أمّا "المؤمن الحقيقي" الذي يفقد إيمانه لاحقاً يشعر بغضب ويأس وأسى أكبر من أولئك الذين يذهبون إلى الكنيسة أيام الآحاد [أو المساجد أيام الجُمَع].
# أليس هناك أشخاص مكتئبون وقلقون ومهووسون بشكل طبيعي؟
واينل: على الإطلاق. إذا صحّت ملاحظاتي، هؤلاء أشخاص عاطفيون ومرهفو الإحساس ومراعون. إنّهم يتعلّقون بالدين فترة أطول من أولئك الذين "يخرجون" ببساطة شديدة لأنّهم يحاولون إنجاح ذلك حتى عندما تنتابهم الشكوك. في بعض الأحيان يكون ذلك نتيجة الخوف، لكن في معظم الأحيان يكون نتيجة الإخلاص والالتزام. هؤلاء أشخاص يكون أخلاقهم ونزاهتهم وعواطفهم على درجة كبيرة من الأهمية. أنا أرى أنّهم عندما تتحسّن أحوالهم ويعيدون بناء حياتهم، سيكونون أشخاصاً رائعين مبدعين تملؤهم الطاقة بشأن كل الأمور الجديدة.
# برأيك، كيف تختلف "متلازمة الصدمة الدينية" عن "اضطراب توتر مابعد الصدمة"؟
واينل: "متلازمة الصدمة الدينية" هي مجموعة محدّدة من العوارض والحالات المرتبطة بتجارب دينية مؤذية، وليست مجرّد صدمة. وهذه نقطة في غاية الأهمية لكي نفهم هذه الحالة وأي نوع من العلاجات الذاتية.
هناك اختلاف آخر وهو الإكار الاجتماعي، وهو مختلف تماماً عن الصدمات الأخرى أو أي أشكال أخرى من الإساءة. عندما يكون هناك إنسان يتعافى من إساءة منزلية، على سبيل المثال، يفهمه الآخرون ويدعمون رغبته في المغادرة والتعافي. هم لا يسألون عن ذلك بوصفها تفسيراً، ولا يعيدون الشخص من أجل المزيد. لكنّ هذا مايحدث بالضيط بالنسبة للعديد من المتدينين السابقين الذين يسعون لنيل الاستشارة. إذا كان صاحب الاستشارة لايفهم مصدر وأساس الأعراض، فإنّه قد يعيد إرسال المريضة أو المريضة للبحث عن استشارة من كاهن أو قس، أو من كنيسة أخرى. إحدى الخارجات من أحد الأديان عبّرت يأسها وإحباطها على هذا النحو: ((خُذ أبوين مسيئين جسدياً يعملان بمقولة "ضع القضيب ودلّل الطفل" وسيكون لديك روحاً فاسدة ومحطّمة: صبي صغير منبوذ، غير محبوب ومصدوم في جسد إنسان بالغ. أنا روحٌ محطّمة داخل قوقعة فارغة. لكن انتظر... ألا يكفي ذلك؟! هناك أيضاً هذا المجتمع الذي يتوقّع منّا نحن الضحايا أن نحتفل مع مفسدينا بذلك كل عيد ميلاد وفصح!!!))
على غرار باقي الاضطرابات مثل التوحّد والنهم، فإنّ منح متلازمة الصدمة الدينية اسماً يعتبر تقدّماً هاماً. الأشخاص الذين يعانون سيجدون أنّ هناك اسماً وتشخيصاً لتجاربهم ممّا قد يساعدهم على تخطّي مشاعر الوحدة والذنب. بعضهم كتب لي وهو يعبّر عن ارتياحه:
((عملياً لايوجد اسم يعبّر عمّا نمرّ به! كنت مغسول الدماغ منذ نعومة أظفاري وهدرت 25عاماً من حياتي على خدمه هذا المرض! وقد خرجت من ديني منذ عدّة سنوات، لكنني مازلت عاجزاً عن زعزعة هذا الخوف المتربّص من الجحيم والشعور الدائم بالنهاية. أنا الآن مشلول اجتماعياً، عاجز، عاطل عن العمل، والسبيل الوحيد للحصول على الجنس هو أن أدفع في المقابل))
تشخيص "متلازمة الصدمة الدينية" وتصميفها يشجّع المحترفين وعلماء النفس على دراستها بتمعّن وعن قرب، وتطوير علاجات لها، وتقديم المساعدة. على أمل أنّ نعمل على منعها بعد ذلك.
# ماذا ترين كفارق بين الدين الذي يسبب صدمة والذين الذي لايسبب صدمة؟
الدين يسبّب صدمة عندما يكون مسيطراً ومتحكّماً ويمنع الناس من التفكير بأنفسهم وبطريقتهم الخاصة والثقة بأحكامهم ومشاعرهم الخاصة. الجماعات التي تطالب بالطاعة المطلقة والخضوع التام تنتج الخوف، وليس الحب والازدهار. ومع وجود أحكام دائمة على النفس وعلى الآخرين، يشعر الناس بالاغتراب عن أنفسهم، عن بعضهم، وعن العالم. فالدين بأسوأ أشكاله يسبّب انفصالاً واغتراباً.
بالمقابل، الجماعات التي تؤسّس روابط مع الآخرين وتروّج لمعرفة الذات والانفتاح والازدهار الشخصي يمكن القول عنها أنّها جماعات صحية وحميدة. الكتاب ((الدين الصحي Healthy Religion)) يصف هذه السمات والخصائص. هذه الجماعات تقيّم وتقدّر التنوّع وتشجّع احترام الاختلافات، وأعضاؤها يشعرون بقوّتهم كأفراد. إنّهم يقدّمون دعماً اجتماعياً، مكاناً للنشاطات وطقوس الانتقال، تبادل الأفكار، الإلهام، فرص لتقديم الخدمات والمساعدة، والاطلاع على المواضيع الاجتماعية والانخراط فيها. إنّهم يشجّعون الممارسات الروحية الصحية كالتأمّل أو تعلّم مبادئ العيش كالقاعدة الذهبية. وأكثر من ذلك، كثيراً ما يسأل اللادينيون والملحدون أنفسهم كيف يمكنهم خلق مجتمعات روحية مماثلة لكن من دون الروحانيات الدينية. هناك ائتلاف إلحادي في لندن أنطلق في هذا العام وتسلّم أكثر من 200 طلب من أشخاص ينتظرون محاكاة نموذجهم وإقامة نماذج مماثلة.
# بعض الناس يقولون أنّ اصطلاحات وتعابير على غرار "تعافي من الدين" أو "متلازمة الصدمة الدينية" ماهي إلا محاولات من الملحدين لتحويل المعتقد الديني إلى مجرّد عارض مرضي.
واينل: اختصاصيو الصحة العقلية لديهم الكثير من الأمراض ليتعاملوا معها ولاحاجة ليبحثوا عن أمراض جديدة. ولم أسعى أنا للبحث عن "موضوع صغيرة" جديد، وبالتأكيد ليس متلازمة الصدمة الدينية. في الأصل كنت قد كبت ورقة من أل مؤتمر أقامت الجمعية النفسية الأمريكية وظننت أنّ هذه ستكون النهاية. ومنذ ذلك الوقت، حاولت الانتقال إلى أمور أخرى عدّة مرات، لكنّ هذا العمل تنامى وتضخّم بكل بساطة.
برأيي، نحن نصبح _كثقافة_ أكثر إدراكاُ للصدمة الدينية. الناس يبتعدون عن الدين أكثر فأكثر، وكما تبيّن استطلاعات للرأي أنّ "الخارجين عن الدين" قد تزايدوا خلال الأعوام الخمس الأخيرة من نسبة لاتتجاوز 15% إلى 20% عند البالغين في الولايات المتحدة. لاعجب أنّ الشبكة العنكبوتية تعجّ بمواقع لمؤمنين سابقين ومن جميع الأديان، موفّرةً ملاجئ وملتقيات للناس ليدعموا بعضهم البعض. العدد الكبير من الأشخاص الذين "يخرجون عن القطيع" يتضمّنون فئة فرعية يعانون من "متلازمة الصدمة الدينية"، والكثيرون يتحدّثون عنها ويسعون خلف المساعدة.
إنّ القول بأنّنا نحاول تحويل الدين السلطوي المنظّم إلى حالة مرضية يشبه القول أنّنا نحوّل اضطرابات الأكل إلى أمراض عن طريق تسميتها. لكن قبل ذلك، هل كانت صحية؟ بالطبع كلا، قبل ذلك لم نكن قد لاحظناها. كان الناس يعانون، كانوا يظنون أنهم وحيدين، وكانوا يلومون أنفسهم. لم يكن المختصون لديهم أي إدراك أو تدريب. وهذا هو حال "متلازمة الصدمة الدينية" اليوم. الأديان السلطوية المنظّمة هي حالات مرضية أصلاً، والخروج من جماعة دينية مسيطرة قد يكون أمراً خطيراً وجاداً ويخلّف صدمة واضحة. الناس يعانون. إنّهم بحاجة إلى الاعتراف بهم ومساعدتهم.

فاليري تاريكو: عالمة نفس وكاتبة من سياتل، واشنطون. ومؤلّفة عدّة كتب منها
Trusting Doubt: A Former Evangelical Looks at Old Beliefs in a New Light
Deas and Other Imaginings



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميم التوحيد
- شركية ووثنية البطريارك إبراهيم
- كيف تحوّل يهوه من إله محلّي إلى إله عالمي؟
- كتاب فيروس الدين [3] تأسيس
- كتاب فيروس الإله [2] تأسيس
- كتاب فيروس الإله [1] تأسيس
- ماذا نعرف عن محمد حقاً؟
- ديانة التوحيد القمري 12: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري 11: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري 10: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري (جغرافية العبادات القمرية في الشرق الأو ...
- ديانة التوحيد القمري 6: ((جغرافية العبادات القمرية في الشرق ...
- ديانة التوحيد القمري 5: ((-الله- بوصفه إلهاً للحرب))
- ديانة التوحيد القمري (( الله، بوصفه إلهاً للحرب)) الأجزاء [2 ...
- ديانة التوحيد القمري 1 ((مدخل))
- أصل الاحتفالات الدينية ومصدرها: مسائل ضدّ الدين والتدين [3]
- لقد نشأت الأديان وتطوّرت في الأزمنة القديمة: مسائل ضدّ الدين ...
- الدين متوارث: مسائل ضدّ الدين والتدين [1]
- حالات صرع الفص الصدغي عبر التاريخ/ محمد: سيرة سيكولوجية[21]
- حالة فيل ديك/ محمد: سيرة سيكولوجية [20]


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - متلازمة الصدمة الدينية