أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عضيد جواد الخميسي - كلكامش يقف شاخصاً على خشبة المسرح الأمريكي















المزيد.....

كلكامش يقف شاخصاً على خشبة المسرح الأمريكي


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 4702 - 2015 / 1 / 27 - 04:46
المحور: الادب والفن
    


ليس بالأمر الغريب ان نجد عملا كـملحمة كلكامش يثير اهتمام كتاب ومخرجي المسرح الغربي الحيدث ، لأن هذا النص يتميز بخصائص درامية ومسرحية هائلة . وهناك الآن بعض الادلة التاريخية التي تزعم ان الملحمة كانت تعرض على الخشبة . ذكر( روبرت تمبل) ، الذي ترجم ملحمة كلكامش إلى الانكليزية شعراً ، نقلا عن بعض علماء الاثار ان أميرة عيلامية ذهبت إلى ارمينيا للزواج من ملكها . ورافقتها في الرحلة فرقة قدمت عرضا لملحمة كلكامش في حفلة زفافها . والنص العيلامي ، على حد قول تمبل ، هو على شكل مخطوطة مسرحية ، ومعظم ما هو محكي ينطق به كورس .
وهناك مبررات جوهرية أخرى سهلت حديثا أمر تحويل الملحمة إلى مسرحية ، نذكر منها قصر النص الذي لا يتطلب تمثيله اكثر من ساعتين ، خلوه من الوصف المطول والسائد في الادب الملحمي القديم ، كثرة الحوار ، والمشاهد الحسية التي يسهل عرضها على الخشبة ، قلة الشخوص وتنوع تكوينها النفسي ، ومحدودية مكان الفعل . والبعد الدرامي الآخر يتجلى في تعددية انواع الصراع : هناك صراع عامودي بين كلكامش والالهة أنانا ، صراع افقي بين كلكامش وانكيدو ، صراع سيكولوجي داخلي بين كلكامش وذاته ، لاسيما بعد موت انكيدو . واذا درسنا نص الملحمة على ضوء نظرية أرسطو للتراجيديا لوجدنا ان (وحدة الفعل) التي اعتبرها أرسطو أهم عنصر في الدراما تشكل المحور الاساسي للملحمة . ولا يعني ارسطو بوحدة الفعل مجرد حدث أو سلسلة احداث . بل ذلك الدافع الرئيسي الذي يحرض الشخوص على فعل يتطور عبر الزمان والمكان باتجاه هدف محدد . وهذا الهدف هو السمو الذي يتجلى في محاولة كلكامش المستمرة لتجاوز ذاته . ونجد في الملحمة عناصر درامية أخرى كالمفاجاة والترقب والتشويق ، فضلا عن عنصر (النقض) ، الذي يحيل كل ما هو موجب إلى سالب . كما يعتبر ارسطو ان العنصر الأخير وسيلة درامية هامة لانها تكشف للبطل المنتشي بانتصاره دون ان يعلم انه يسير إلى خيبة أو هزيمة مرتقبة . هذا الانتقال من الموجب إلى السالب يتجسد في الملحمة بالافعى التي تسرق نبتة الخلود من كلكامش وهو في أوج انتصاره ، وبذلك تستحيل كل انجازات كلكامش إلى خيبة ، ولكنها خيبة كل ابطال التراجيديا الذين لابد أن يواجهوا الحقيقة ويقبلوا بها .

منذ بداية الثمانينات قدم المسرح الاميركي ـ في ولاية نيويورك وحدها ـ ليس أقل من عشرة عروض لـملحمة كلكامش . وكانت هذه العروض لفرق طليعية واختبارية تعمل على تخطي المسرح التقليدي الذي كرسته (برودواي ). ولكن اول عمل مسرحي متكامل كان للشاعر الكندي (ميشيل كارنو ) الذي وضع مسرحيته الشعرية ( كلكامش) بالفرنسية وذلك عام 1970 ، وتم اخراجها في مونتريال عام 1972 ، كان كارنو في كتابته لمسرحيته حريصا ليس فقط على روح النص البابلي بل ايضا على تقنيته . لذلك جاءت مسرحيته مشحونة باجواء الشعائر الموحية بالطقوس القديمة والمتداخلية مع روح الحكاية التي تجسدت بالحكواتي . ولكي يضع جمهوره في تماس مع معاناة كلكامش ادخل كارنو الحوار الدارمي في ثنايا النص فجاء متناغما ونسيج الشعائر والحكاية اللتين تتميز بهما الملحمة .

قدمت فرقة (مسرح كرونك) اول عرض مسرحي لـملحمة كلكامش في 13 كانون الأول/ديسمبر عام 1975 اعتمد الاخراج على الحركات الايمائية كوسيلة لرسم الشخوص واثارة الدلائل والمعاني . كما لعب الرقص الحديث دورا هاما في تحديث العمل ، اما بعض الاحداث الخارقة التي تخللت العرض فقد اضفت عليه سمات الاثارة والتشويق . اما العرض الذي قدمته فرقة (مسرح ديركت) النيويوركية في 8 أيار 1975 ، فجاء اكثر تكاملا ، اذ استخدم المخرج الانماط التجريبية التابعة لفترة الستينات دون أن يقع في فخ الكليشيهات المملة . نوهت جريدة «ذي ويستسايدر» بهذا العرض قائلة (( كان كل شيء ناضجا وملازما للنص ، الامر الذي خلع على العرض هالة الاعمال الكلاسيكية ومعانيها دون السقوط في هوة الادعاءات . ان هذا الاخراج الجريء اعاد بناء المسرح برمته ليقوم برسم ابعاد شعائرية تثير الاحساس بمكان لاحتفالات طقسية قديمة ، وهذا أدى إلى خلق مكان رائع لاداء الممثلين عز نظيره في نيويورك )) .
وفي تشرين الاول/اكتوبر من عام 1981 قدمت فرقة (المسرح الايمائي الدولي) على خشبة مركز الفنون التابع لمسرح جامعة ولاية نيويورك . وفي هذا العرض استعيض عن الحوار بالايماء والاشارة والحركة ، فكانت المسرحية سلسلة من المشاهد المتحركة . أما عرض فرقة (مسرح لاترازا) في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1982 . فكان مجموعة متكاملة من مشاهد قصيرة ولكن شيقة . كان اداء الممثلين ايحائيا ، واستخدمت الاقنعة بغية تحويل بعض الممثلين إلى شخوص مثل همبابا وثور السماء . كما تمكن المخرج أن يوحي بغابة همبابا عبر اربعة ممثلين وقفوا ، بلا حركة ، على شكل لفافات خضراء .
وفي شهر تموز/يوليو من عام 1984 عرضت مسرحية كلكامش في متحف ( المتروبولتن ) للفن في نيويورك . قامت بهذا العمل فرقة (مركز نيويورك المفتوح) التي تشرف عليها المخرجة( بيفا روستن) . اعتمدت المخرجة في صياغة النص على ترجمة سنادرز للملحمة . كان عملها نسيجاً من الحكاية ، والحوار ، والحركة الايحائية . واستخدم الايماء في بعض ما كان يرويه الحكواتي ، وتم توظيف اداء الممثلين ليس فقط لنقل انفعالات داخلية بل كاداة لخلق الديكور وخلفية الحدث . استفادت المخرجة كثيراً من الفنون التشكيلية ، ولكن دون أن تستخدم موادها ، اذ كانت حركة الممثلين هي التي تقوم بدور الفنون التشكيلية في رسم المشاهد . وكانت الاقنعة التي صممتها (باربرا بوليت) صورا ممسرحة ومعمقة عن الفن الرافديني . لم يكن هم المخرجة التقيد بحرفية النص ، بل ارادت أن تخلق جواً يماثل في تأثره ما كان للنص الاصلي على جمهور الرافدين . واعيد عوض هذا العمل ثانية في أذار/مارس من عام 1986 ولقي اقبالا جيداً .

من جانب اخر كان أثر ملحمة كلكامش في الموسيقي الغربية الحديثة مهما وكبيرا، لان ليس هناك من فن نزع إلى التجريد أكثر من الموسيقى .

ففي الموسيقى نجد اللغة قد تحررت من قيود الدلالات والمعاني المحددة التي يسقطها الانسان على الالفاظ . فالموسيقى ، بمعنى آخر ، هي اللغة قبل أن تتقولب وتنال من مطلقيتها حتمية المعاني اللفظية . ومجازية ملحمة كلكامش كمجازية الموسيقى لها طاقة ايحائية ، الا انها تتجاوز محدودية الموحى به .
ومن هنا شغف موسيقيين امثال (نيكولاي بيرزوسكي) ، (وبوسلاف مارتينو) ،( والفرد بوهل) ، بالملحمة البابلية . وضع بيرزوسكي مقطوعته ((كلكامش)) عام 1947 ، وقدمت في صالات الموسيقى الاميركية . أما مارتينو التشيكي فقد الف مقطوعته الموسيقية ((ملحمة كلكامش)) عام 1958 قبل وفاته في سويسرا عام 1959 ، وظهرت مقطوعة يوهل النمساوي عام 1956 ، الا انه اعاد نسخها بين عامي 1968و1969 .

هناك مجالات أخرى كالفنون التشكيلية وقعت بدورها تحت تأثير ملحمة كلكامش ، ولكن الاطلاع عليها يقتضي القيام بمسح شامل لكل ما انجز حول العالم ، اذ هناك بعض الفنانيين الذين وضعوا بعض اللوحات من وحي الملحمة البابلية . يقال ، مثلا ، ان الفنان الايطالي(دينو كافاليري) قد رسم لوحات عديدة بوحي من قراءته لـملحمة كلكامش .

كثيراً ما تقف الترجمة عائقا بين الخصوصية اللغوية والقومية للاثر الادبي والشعوب المتلقية له ، الا ان الترجمات المتعددة لـملحمة كلكامش لم تقف عقبة في انتشارها ، لأن هذه الملحمة تستمد اصالتها من الافاق الانسانية وليس من التقاليد الادبية وحدها ، لهذا خرجت من سجن الترجمة منتصرة ، وانفتحت على كل لغات العالم لتفجر فيها ابداعات متميزة وتمد شعوبها برؤى جديدة . ان تجاوز ملحمة الرافدين للحدود الجغرافية والثقافية واللغوية يماثل تجاوز كلكامش لذاته ، وانفتاح الملحمة على شعوب العالم يشبه انفتاح كلكامش على الآخر محبة وعطاء وسمواً ...



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم القومية التركية ( الطورانية) وجرائم الابادة
- ملف جرائم الابادة الجماعية التركية بحق الاقليات(1)
- عودة الانسان الاول والخلق في العقيدة الزرادشتية
- نزول الانسان الاول القديم في العقيدة الزرادشتية
- كلكامش في قصص الاطفال
- ما السر بين المندائيين و الكنيسة الكاثوليكية ؟
- ملحمة كلكامش واثرها في الثقافة الاغريقية
- المندائيون في جمهورية ايران الاسلامية بلا حقوق!!
- محنة اليهود في أرض اليمن السعيد!
- كويتيون مسيحيون ..ولكن!!
- نبأ عاجل: انتحار فتاة من شقة في الطابق السابع
- الموارنة والصراع السياسي التأريخي في لبنان(2)
- الموارنة والصراع السياسي التأريخي في لبنان(1)
- أقليات أرض الجزيرة الشمالية السورية
- أحوال الأقليات في تركيا بعد سنة 1918
- بعض العلوم والمعارف المثيرة عند الدولة الآشورية العظيمة
- نينوى وبابل.. وما بينهما
- من التراث ( قصة عشق بابلي )
- رئيس الجمهورية السورية.. لساعات فقط!
- فَلسطين أرضاً وشعباً ..ثمَّ عنواناً


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عضيد جواد الخميسي - كلكامش يقف شاخصاً على خشبة المسرح الأمريكي