أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم مرزة الاسدي - الشعر : نظامه المقطعي وعروضه الرقمي ، وقصيدة نثره ، وسرعته















المزيد.....


الشعر : نظامه المقطعي وعروضه الرقمي ، وقصيدة نثره ، وسرعته


كريم مرزة الاسدي

الحوار المتمدن-العدد: 4700 - 2015 / 1 / 25 - 23:58
المحور: الادب والفن
    


الشعر : نظامه المقطعي وعروضه الرقمي ، وقصيدة نثره ، وسرعته

الفصل الثالث (*)

كريم مرزة الأسدي


سنعرج في هذا الفصل على علاقة النظام (المقطعي ) اللغوي الشعري الحديث مجازاً(1) فائدةبوحدات الخليل وتفعيلاته , ثم على الترقيم العروضي إلى المدى المتاح والقدر المباح , بادئاَ نقول : للصوت اللغوي العربي خصوصيته المتميزة بالنسبة لبعض اللغات الأخرى , واللغة نطق قبل أن تكون كتابة , وهكذا الشعر , ولكل من الحروف الساكنة والمتحركة والحركات وحتى حروف المد مدى زمني جزئي صوتي خاص بها , تبثه الحنجرة وأعضاء النطق , أو ما يسمى بالجهاز الصوتي , بتردد معين , والتردد هو عدد الذبذبات الصوتية في الثانية الواحدة , ويرجع إليه تحديد درجة الصوت ونغمته , وبنبرة خاصة , والنبرة يكتسبها المتكلم من بيئته المناطقية أوالقبلية ...حتى تقترب من اللهجة المحلية , ولا تؤثر النبرة في العربية على إيقاع الشعر الكمي , ولكن في بعض اللغات الأجنبية لها دور فيه تؤدي إلى كسره آو استقامة وزنه , حسب الحالة الشعرية (2) .
وفي النظام اللغوي المقطعي الكمي الحديث , قسّم العلماء الحدث اللغوي إلى أجزاء حسب الفترة الزمنية المقطوعة إلى ( مقاطع ) , والمقطع ظاهرة صوتية عضوية , تعريفه أقل كمية لصوت ملفوظ يصدر خلال حدوث نبضة صدرية , وقد يعتبر حركة قصيرة أو طويلة , مكتنفة بصوت أو أكثر من الأصوات الساكنة وفي العربية المقطع لا يبدأ بصائت , ولا يحتوي على صامتين متتاليين بداية ( 3) و المقاطع منها :
أولا: المقطع القصير , ويرمز له بالرمز ( ب) , ويتكون من : صامت + صائت قصير ( حرف منطوق بحركته في اللغة العربية , والسكون ليست منها , مثل حرفي الجر الباء واللام .
ثانيا : المقطع الطويل , ورمزه ( - ) , ويتكون إما من :
صامت + صائت طويل (حرف + حرف مد مثل لا) , وهو المفتوح .
آو من : صامت + صائت قصير + صامت (حرف بحركته + حرف ساكن مثل : لـَمْ ) , وهو المغلق .
وهذا هو السبب الخفيف , وهنا فقط يلتقي النظام المقطعي الحديث مع الوحدات الوزنية الخليلية ) .
ثالثاً : المقطع زائد الطول , ورمزه ( ^) , ويتكون إما من : صامت + صائت طويل + صامت مثل : دارْ , وهو مغلق بصامت , أو من صامت + صائت قصير + صامتين مثل : حَبْرْ , وهو مغلق بصامتين ( 4) وهنا يلتقي النظام المقطعي الحديث مع السبب المتوالي الذي أقر به القرطاجني , وهو نادر الحدوث في اللغة العربية .(5) , ويذكر تمام حسّان مقطعا سادسا , يمكن أن نسميه بـ (المقطع الأقصر ) , وهو حرف صحيح مشكل بالسكون , مثل لام التعريف ( 6 ) , ويمكن للصائت القصير أن يشبع الى حرف مد للضرورة الشعرية , ولكن لا يساويه تماما , هنا قد نلجأ الى إيجاد صيغة المقطع شبه الطويل , ويجب التمييز عند التقطيع بين حروف العلة ( الياء والألف و الواو ) أبان مدّها ولينها , فالحرف عند المد تكون حركة ما قبله تجانسه , ويقف بالسكون ,ومخرجه من الجوف , وحرف العلة نفسه عند اللين تكون حركة ما قبله الفتح دائما , ويقف ساكناً أيضاً , ومخرج الواو عندئذ من الشفتين , ومخرج الياء من وسط اللسان , وهنالك فروق أخر .
و(الكم ) يعتمد على ترتيب عدد المقاطع حسب التفعيلة والبحر وحتى صورة تكوينه , وقد تأتي التفاعيل من مقطع واحد ( فعْ ) , أو مقطعين ( مفـْعو ) و (فعْلنْ ) - التي كثرت في شعر التفعيلة - أو ستة مقاطع ( متفاعلاتن ) (مَ تَ فا ع ِ لا تنْ ) , وهذا أمر قليل او نادر , ولكن معظمها تتكون مابين ثلاثة او خمسة مقاطع (7 ) , ويمنع العروضيون أنْ تتوالى في الشعر خمسة متحركات ( خمسة مقاطع قصيرة , أو أربعة مقاطع قصيرة يليها مقطع طويل ) , والواقع لم يرد في الشعر اكثر من ثلاثة مقاطع قصيرة متتالية , نعم وردت أحيانا في الرجز - وهو حالة خاصة - التفعيلة ( مُتـَعَلـَنْ ) , وهي تتكون من ثلاثة مقاطع قصيرة يليها مقطع طويل , وإذا جاءت ثلاثة مقاطع قصيرة متتالية في القافية , أوسموه بـ ( المتكاوس ) , ويقول التبريزي , إنما سمي بذلك للإضطراب , ومخالفته المألوف , كتكاوس الأبل إذامشت على ثلاث قوائم (8) . أمّا المقاطع الطويلة , فقد تأتي أربعة منها بشكل متوال ٍ, تقبله الأذن العربية , ومما ألفته كـ (مستفعلن مفعولن ) ,اوكما في كثير من أبيات بحر (المتدارك ) :( يا ليل ُ الصبُّ متى غدهُ )أو ( مالي مال الا درهمْ.......أو برذوني ذاك الأدهمْ) , ولكن نادرا ما تتوالى أكثر من اربعة مقاطع طويلة في غير شعر (التفعيلة )(9).
وعلى العموم قراءة الشعر العربي , وحدوه وترتيله بلسان أصحابه , اقرب الى وحدات الخليل الوزنية منه الى المقاطع الحديثة , ربما يعود للممارسة والتعويد على طيلة العهود العربية الموروثة , ثم أن المقاطع تؤدي الى وحدات الخليل فالسبب الثقيل يساوي مقطعين قصيرين (ب ب) , والوتد المجموع يساوي (ب -) , والوتد المفروق هو (- ب) , والفاصلة الصغرى (ب ب -) , والفاصلة الكبرى (ب ب ب -) , وتفعيلة :فعولن تصبح ب - - , وتفعيلة : مفاعلتن تقطع ب - ب ب - , وهكذا دواليك ..تعوض أجزاء التفاعيل بما يساويها من المقاطع .
وذهب آخرون الى تسهيل دراسة العروض وتعقيداته المزعومة بلغة الأرقام اللينة , أو قل ليتأملوا فيه بعقلية الرياضي المستنبط للأمور من دقائق حساباتها , ورسم خرائطها , للإنطلاق الى الإبداع النظري المفتوح , وللناس فيما يعشقون مذاهب , وأوسموه بالعروض الرقمي الشمولي أو القياسي , وهذا ربما يفيد لوزن الشعر وإبداعه كتابيا بتان وتفحص ٍ وتقليب , وبالتالي يلجأ إليه النقاد أبان بحوثهم ودراساتهم وتحليلاتهم , أما إذا اردت البديهة العاجلة والسرعة الخاطفة , ولديك الملكة الشعرية النافذة , والأذن المرهفة العارفة , أرى أن اللجوء الى التفعيلات ووحداتها , أو الأجزاء ومقاطعها مباشرة , دون وساطة الأرقام , أجدى وأسرع للإفهام , فللأرقام البحث والأقلام , ربما تأتي بلذيذ جديد غير مكتشف في عالم القصيد ,من بعد "هل غادر الشعراء من متردم " و" معاداَ من قولنا مكرورا " منذ علم الجاهليين , وجهل العارفين !!, على كل حال , تـُعطى الرموزالرقمية كالآتي : الرقم 1 : للحرف الواحد المتحرك ( / ) , أو الساكن ( ه ) ,( ويمكن لا يُعطى للساكن الرقم :1 ويبقى على سكونه ( ه ) , الرقم : 2 : للمتحرك يليه ساكن ( /ه ), وهو السبب الخفيف , وللمتحركين ( // ) , وهو السبب الثقيل , والرقم : 3 : للمتحركين يليهما ساكن (//ه ) , وهو الوتد المجموع , وللمتحركين بينهما ساكن ( /ه/ ) , وهو الوتد المفروق , والرقم :4 : لثلاث متحركات والرابع ساكن ( ///ه ) , وتساوي الاربعة سبباً خفيفاً وسبباً ثقيلاً (الفاصلة الصغرى ) , أما الرقم :5 (ولا يستخدم تطبيقياَ ) :وإنما تُرجع ( الخمسة) الى أعدادها الأولية 2 ,3 , لأنها تمثل الفاصلة الكبرى ( ////ه) , التي تتشكل من السبب الثقيل والوتد المجموع , والتكرار للإفادة والإعتبار .
الوحدتان الرئيسيتان في العروض الرقمي هما 2 , 3 , ومنهما تُستنبط التفعيلة - التسمية مجازية - الأساسية السباعية من سببين ووتد دون ترتيب (2 , 2 ,3 ) , فإذا كان الوتد متصدر ا (3 ,2 , 2) سميت تفعيلة الصدر , و إذا كان الوتد يتوسطها (2 , 3 , 2) دعيت تفعيلة القلب , وعندما يقعالوتد في نهايتها ( 2 , 2 ,3 ) أطلق عليها تفعيلة العجز(10 ) , وللدكتور محمد طارق الكاتب طريقة رقمية تجعل المتحرك : صفر , والساكن : 1 , فمثلا (مستفعلن ) قدرها ( مُسْ 10 - تـََفْ 10 -عََلـُنْ 100),ويحولها الى (2-2-4) , اما مزاحفتها ( مُفـَتـْعلنْ ) قدرها (100- 100 ) , وتتحول الى ( 4 - 4 ) , وبالتالي حاصل ضرب الأرقام (الجداء ) له القيمة نفسها, والدكتور أحمد مستجير يفترض رقماً للحرف المتحرك الذي لا يتبعه ساكن (مقطع قصير) - وهو بالأساس سبب خفيف حذف ساكنه - , فمثلا الشطر ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن ) له الأرقام ( 3 -7-11) . (11) أي ألأسباب الخفيفة , الثالث والسابع والحادي عشر التي حذفت حروفها الساكنة في الشطر المحصور بين قوسين, لاحظ معي : ( مسْ تفْ عَ 3 لنْ مسْ تفْ عَ7 لنْ مسْ تفْ عَ11 لنْ ) , وهذه الأراء لاتستقيم مع جميع البحور والزحافات والعلل التي تعتريها , فهي حسابات رياضية نظرية وللباحثين فيما يذهبون ترقيم , والله فوق كل ذي علم عليم .


الشاعر بين ملكة حفظه وقدرة رياضيته ، وسعة تخيّلة ، وقصيدة نثره !!
والحق هنالك علاقة وثيقة جداً بين الموهبة الرياضية والإلهام الشعري فكلتا العبقريتين تستندان على القدرة التحليلية والتركيبية الخاطفة حتى الدهشة والإعجاب ، وما الموسيقى والإيقاع والأوزان - ولكلّ مفردة دلالتها الخاصة - إلا انعكاساًت مظهرية و عملية لهذه المواهب ، إضافة للسعة التخيّلية و التفكير الاستدلالي والمنطقي ، والاستخدام الرمزي للتكامل العبقري ، ومن يتخيل أن القابلية الهائلة للحفظ كالمسجل لها أن تولد شاعراً كبيراً عملاقاً ،فهو في خطأ كبير ، ووهم شديد ، إلا إذا جمع هذا العبقري كل هذه المواهب حتى الحافظة القوية ، فلله لله درّه .
وبالرغم من أنني أزعم أن لا شعر عربي دون موهبة موسيقية مرهفة حتى الإبداع قد جبل عليها الفنان الشاعر منذ بويضته الملقحة ، وتتضمن هذه الجبلة بقية الخصائص المذكورة آنفاً ، وقد تسلب الطبيعة منه بقدر ما وهبته من نواح ٍ أخرى ، أي أن الإلهام الشعري موهبة موروثة متكاملة على درجات ، والدنيا قسم ،وهنا يكمن السر بين الشاعر الشاعر ، والشاعر ، والناظم الذي يوّلد القصيدة الميتة أقول بالرغم من هذا ، فعلى الشاطر الشاطر أن يتدارك الأمر ، وينتبه إليه ، ويأخذ الدنيا غلاباً ، للمجد والخلود ، فيستكمل ما وهبه الله ،بما يجب أن يتعلمه من الحياة ومعانيها ومدرستها ،ودروسها النحوية واللغوية والفكرية . من هنا نستطيع أن نتفهم قول ابن رشيق في ( عمدته) عن الشعر: " الوزن أعظم أركان حد الشعر، وأولاها به خصوصية وهو مشتمل على القافية وجالب لها ضرورة " (12) ، وعن الشاعر : " إنما سمي الشاعر شاعرا؛ لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره . فإذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى ولا اختراعه أو استظراف لفظ وابتداعه، أو زيادة فيما أجحف فيه غيره من المعاني، أو نقص مما أطاله سواه من الألفاظ، أو صرف معنى إلى وجه عن وجه آخر؛ كان اسم الشاعر عليه مجازا لا حقيقة ولم يكن له إلا فضل الوزن، وليس بفضل عندي مع التقصير " ، (13) وأن نوفّق بين قوليه ، وقولي الجاحظ في (حيوانه) أنّ الشعر " صياغة وضرب من النسج وجنس من التصوير " (14) ، والقرطاجني ، واعتماده التخاييل " والتخاييل الضرورية هي تخاييل المعاني من جهة الألفاظ، والأكيدة والمستحبة تخاييل اللفظ في نفسه وتخاييل الأسلوب وتخاييل الأوزان والنظم، وآكد ذلك تخييل الأسلوب " (15)
ولا أتكلم أنا في هذه الفقرة عن الخصوصية العربية للشعر ، وإنما عن الشمولية الإنسانية له ، ولا أزعم أنّ موسيقى الشعر وأوزانه ملزمة ببحور الشعر الخليلية وأنواعها المتشعبة ، بل ولا بمهملاتها وزحافاتها وعللها ، ولا بشعر تفعيلته المتجدد على يد الرواد أنفسهم ،ولكن مع التجدد الموهوب بعبقرية ، وقد أشار أدونيس نفسه إلى مثل هذا بقوله : " الزيف الذي ينتشر باسم التجديد خصوصا أن الكثير من هذا المزعوم تجديدا، يخلو من أي طاقة خلاقة، وتعوزه حتى معرفة أبسط أدوات الشاعر: الكلمة والإيقاع" (16)
والحقيقة قد استندت " قصيدة النثر" لأطروحات سوزان بهنار والتي رسمتها وفق ثلاث بنيات تفترضها كشروط لها.. وهي الإيجاز والكثافة ، التوهج - الإشراق ، وأخيراً الوجائبية واللازمنية.. إن هذه الدعامات أضحت عند شعرائنا الأولين لقصيدة النثر إدعاءات (17) ، ذلك ، كما يقول محمد الصالحي في ( شيخوخة خليله ...وقصيدة نثره ) أن " كل ما كُتب تحت يافطة قصيدة النثر في الشعر العربي، خاصة في البدايات الأولى - مجرد هلوسات تختفي بفرضيتها، وثوريتها، فيما هي خالية تماماً من أية نفحة شعرية، متذرعة في ذلك بكونها سوريالية، أو عبثية، أو دادائية يختار الكتابة الآلية وسيلة " (18)
لا يتخيل القارئ الكريم أنني عندما أتكلم عن الوزن أو موسيقى الشعر أجرده من الأركان الأساسية الأخرى التي تجعل من الشاعر شاعراً شاعرا ، وإلا فهو ناظم ميت الإحساس بجسد شعري ميت ، ولكن أيضاً العوامل الأخرى لا تكتمل مطلقاً إلا بوجود العبقرية الموسيقية .
تعال معي رجاء لتقارن بنفسك ما جاء به الشاعر المعاصر من أصحاب الشعر الحر ، وأصبح أحد روّاد ما تسمى بقصيدة النثر، بل هو شيخها ، ألا وهو يوسف الخال ، اقرأ ، وأنا أتكلم عن الموسيقى والنغم ، لا عن عمق الفكرة ، ومضمون الشعر، يقول في ( البئر المهجورة) :
متى تُمْحى خطايانا
//ه/ه/ه //ه/ه/ه
مفاعيلن مفاعيلن
متى تلمسنا أصابع الشّكِّ
متى تلْمَ سناأصا بعشْ شكْ كي
مفاعيلُ مفاعلن مفاعيلن
//ه /ه/ //ه//ه //ه/ه /ه
الشطر الأول جميل (مفاعيلن مفاعيلن) ، وهو من الهزج .
الشطر الثاني مشكلة المشاكل ، تتبع معي قباحة موسيقاه ، ومدى كرهها من قبل الأذن ، إن لم نقل إنها عيب عروضي ، إذ توالت خمسة أوتاد ، بينها وتد مفروق واحد ، وهذا ما تمجّه الأذن السليمة الذوّاقة للشعر ، وتأباه ، وهذا ما فات على الشاعر ، ثم ( مفاعلن ) ليست من جوازات الهزج ، بل من جوازات مجزوء الوافر ، والنقطة الثالثة توالى زحافان في شطر واحد في تفعلتين متجاورتين وهما الكف والقبض ، وأخيراً كما ذكرنا في المقدمة أنّ شطر بحر الهزج يتشكل من تفعيلتين ، ولم يأتِ الهزج إلا مجزوءا ، بمعنى أن الأذن العربية لا تستسيغ هذه التفعيلة أكثر من مرتين ، لذا شعراء التفعيلة أنفسهم هاجروا هذا البحر إلى مجزوء الوافر . هذا شعر موزون - كما يزعمون - ، ومن شاعر كبير مثل يوسف الخال ، كيف تريدون منّا أن نقبل بما تسمى بقصيدة النثر ، بل ونصفق لمن هبّ ودبَّ ، وما هؤلاء بيوسف الخال الكبير جزماً ؟!!
أما كان الأجدر أن يقول مثلاً :
متى تُمْحى خطايانا
يمسُّ الشّــــكُّ دنيانا ؟!!
فيكون الشطر الثاني أيضا مثل أوله ( مفاعيلن مفاعيلن ) ، وهكذا يسير متناغماً في كل مسيرته الشعرية ، ليسهل حفط شعره كلّه ، ويغنى ، وتتداوله الألسن والأجيال !
ما أستشهدنا به عروضياً شطرين - كمثال عابر - من مقطع جميل ، يتضمن عدّة رموز ومدلولات وإشارات دينية من الكتاب المقدس للمسيحيين !!

نسبة السرعة الافتراضية لبحور الشعر :

وسنأتي من الحسابات الرياضية في علم العروض سرعة البحور ، وسرعة البحور لوحدها لا تعطي جمالية للشعر العربي، وإن كثرت في أيامنا ، إذ لائمت العصر الحديث المتسارع بسرعتها ، ونغماتها الغنائية الراقصة، فرقص لها الراقصون، وتهافت عليها الملحنون، ونظم فيها الشعراء المعاصرون ، وسبقهم شوقي ليعارض أبا نؤاسه في كأسها الحبب ، والحصيري القيرواني في مضناك جفاه مرقده ، ثم تلاقف التفعيلات القصيرة السريعة شعراء التفعيلة - روّاد الشعر الحر - كالسياب في عيناك ونخيله ودرويش في خبز أمه ونزارفي قارئة فنجانه ، والحق أن لكل سامعٍ ذوقه ومزاجه وحالته ، بل لكل عقل جمعي عصره ومكانه وخصوصيته ، فالجاهليون استطعموا البحور المهابة الرصينة كالطويل والبسيط والكامل والوافر ، وسايرهم خليلهم من بعد ، فأبعد هذا المتدارك الخبب من بحور شعره ، واستقل شأنه ، وتداركه تلميذه الأخفش الأوسط ، فضمّه إليها ، واليوم تقام له المحافل والمراقص ، ولله في خلقه شؤون وفنون !!
لا أخالك بحاجة إلى جهد كبير لمعرفة نسبة السرعة الافتراضية لبحور الشعرالعربي ، مرت عليك المقاطع الصوتية الكمية ،
أ - لنعطي قيمة رقمية افتراضية لكل مقطع حسب سرعة نطقه :
1 - المقطع القصير ( ب) وهو أسرع المقاطع ، فلتكن قيمته = 4 .
2 - المقطع الطويل (- ) أقل سرعة ، يحتاج إلى زمن أطول لنطقه ، فلتكن قيمته = 2 .
3 - المقطع زائد الطول ( ^ ) أ أقلهم سرعة ، لأنه يأخذ وقت أطول عند نطقه ، فلتكن
قيمته = 1 .
ب - لنأخذ الضابط الإيقاعي لبحر معين كـ ( الكامل) التام الصحيح بعروضه وضربه ، ونقسمه إلى مقاطع صوتية :
متَفاعِلن / متَفاعِلن / متَفاعِلن *** متَفاعِلن / متَفاعِلن / متَفاعِلن
ب ب - ب - / ب ب - ب - / ب ب - ب - *** ب ب - ب - / ب ب - ب - / ب ب - ب -
ج - نعوض عن المقاطع بما افترضنا من قيم رقمية :

24244 / 24244 / 24244 * ** 24244 / 24244 / 24244
د - اجمع القيم الرقمية للمقاطع = 96
هـ - عدد المقاطع في هذا البحر الكامل التام الصحيح = 30
و - قسّم القيم الرقمية على عدد المقاطع أي : 96 -30 = 2 .3
ز - 2 . 3 ، هذه هي النسبة الافتراضية لسرعة البحر الكامل التام الصحيح بعرضه وضربه ، وهو أسرع البحور .
طبعا تختلف السرعة الافتراضية للبحر الكامل حسب الزحافات والعلل التي تعتريه ، ربما تكون هذه التغييرات حسنة ، أو مقبولة ، أو قبيحة ، لنأخذ مثلاً على السريع ، من البحر الكامل نفسه ، ولكن من المجزوء بعروضته الصحيحة ، وضربه المرفل ( متفاعلاتن ) :

وإذا أسأتَ كما أسأ*** تُ فأين فضلك المروءة ؟
متفاعلن متفاعلن ******* متفاعلن متفاعلاتن
ب ب - ب - / ب ب - ب - *** ب ب - ب - / ب ب - ب - -
24244 / 24244 * ***** 24244 / 224244
القيم الافتراضية لمقاطع هذا النمط = 66 ، عدد المقاطع 21 ، فالسرعة الافتراضية أصبحت = 14 . 3
تأمل السرعة قلت ، لماذا ؟ لأن أصبح ثقل في قافية البيت ، إذ أضيف سبب خفيف (تن) إلى التفعيلة الأخيرة من البيت ، فأثقلته ، وقللت سرعته !!!
وهكذا تستطيع ببساطة متناهية أن تحسب سرعة كل البحور الافتراضية ، وكل أنماطها بعد دخول الزحافات والعلل ، ولا أخالك ستحتاج أكثر من هذا التوضيح والإسهاب الذي تناولته !! و الدكتور سيد البحراوي في كتابه ( العروض وإيقاع الشعر العربي ) تناول الموضوع نفسه حسب تسميات أخرى للمقاطع الصوتية ، وافتراضات رقمية ثانية وتوصل للنتائج نفسها بالنسبة لترتيب السرعة الافتراضية لبحور الشعر (12) ، وهي كما يلي :
1 - البحر الكامل : 2 .3
2 - الوافر : 08 . 3
3 - المتدارك : 66 . 2
4 - البحور : الطويل ، المديد ، البسيط : 58 . 2
5 - السريع : 54 .2
6 - البحور : المنسرح ، الهزج ، الرجز ، الخفيف ، المجتث : 50 . 2
7 - الرمل : 36 . 2

وأخيرا أرجو مراجعة ما فصلناه عن المقاطع ، ففي المقطع الطويل (-) هنالك المفتوح مثل ( لا) ، والمغلق مثل (لم) ، لا ريب أن المفتوح أسرع قليلاً من المغلق ، لأن المغلق يستوجب توقفاً تاماً للسكون الملازم ، أما المفتوح فينتهي بحرف مد ، فيكون كمه الصوتي أقل قليلاً ، وبالتالي يكون أسرع قليلاً ، وكذلك بالنسبة للمقطع زائد الطول (^) ، هنالك المغلق بصامت واحد فقط مثل (دارْ) ، والمغلق بصامتين مثل (حبْرْ) ، لا ريب أيضاً أن المغلق بصامت واحد فقط أسرع قليلاً من من المغلق بصامتين ، لأن الأخير يُلزم بساكنين تامين ، وبالتالي كمه الصوتي يتطلب زمناً أكثر قليلاً ، فتكون سرعته أقلّ قليلاً ، بقى لدينا المقطع الأقصر مثل لام التعريف ( لـْ) أكثر سرعة من المقطع القصير (ب) قليلاً ، لأن الأخير زمن كمه أطول قليلاً لتضمنه حرف صامت بحركته ، كل هذه أيضاً تجاوزناها في حسابنا للنسبة الافتراضية لسرعة البحور الشعرية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) ملاحظة : أرجو من القرّاء الكرام ، والأصدقاء الأعزاء عدم الربط بين عشقنا للغتنا الجميلة ، وتراث الأمة العظيم السليم ، وبين الانتماءات الحزبية الضيقة ، والولاء السياسي المصلحي على الأغلب ، كما يُراد له ، أو كما يقع فيه ، نحن ببساطة نعتز ونفتخر بلغتنا وتراثنا ، كعشق المتنبي لعروبته ، وشكسبير لإنكليزيته ، وغوته لألمانيته ، وبودلير لفرنسيته ، ولفؤدوسي لفارسيته ، وطاغور لهنديته .... سنواصل جهدنا المتواضع بإصرار

أعتذر عن ذكر كل المصادر والمراجع وأرقام الصفحات حتى طبع الكتاب بصياغته الجديدة
مرة ثانية !!
(1)أشار الأخفش الأوسط ( ت 215 هـ ) ال المقطع بمعناه الاصطلاحي , بشكل غير دقيق , ولم يستخدم المفردة نفسها , ولكن الفارابي ( ت 339 هـ) له نص دقيق وواضح في كتابه الموسيقى الكبير , يشير فيه الى المقطع بقوله : " وكل حرف غير مصوت اتبع بمصوت قرن به ,فأنه يسمى " المقطع القصير " , والعرب يسمونه الحرف المتحرك من قبل , انهم يسمون المصوتات القصيرة حركات , وكل حرف لم يتبع بمصوت أصلاً, وهو يمكن أن يقرن به , فأنهم يسمونه الساكن , وكل حرف غير مصوت قرن به مصوت طويل , فأننا نسميه المقطع الطويل " راجع البحراوي : مصدر سابق ص 31 - 32 الهامش , نقلا عن :محمد عامر أحمد : الدوائر العروضية - رسالة ماجستير - دار العلوم - جامعة القاهرة .....- و حاول ابن رشد ( توفي بمراكش سنة 595 هـ/ 1198م ) في تلخيصه لكتاب أرسطو في الشعر , أن يطابق مفهوم المقطع اليوناني القديم على اللغة العربية ,وعندهما صوت غير دال مركب من حرف مصوت وآخر غير مصوت ( المقطع المفتوح ), راجع : علي يونس : نظرية جديدة في موسيقى الشعر العربي .......
(2) بعد اندفاع الهواء المضغوط من الرئتين نتيجة لتقلص وانبساط عضلة الحجاب الحاجز وغيرها , يندفع الهواء عبر أوتار الحنجرة ,ثم أعضاء النطق على شكل موجات صوتية تخترق الوسط المادي , وعادة ما يكون الهواء , فيكون لكل إنسان صوته المميز ,وهنالك خصائص تميز كل صوت , فمدى آتساع الموجة - حسب الجهد المبذول - هو الذي يحدد علوه. ...طوله..نبرته..جهورته, اما التردد - عدد الذبذبات الصوتية في الثانية - فهو الذي يحدد درجة الصوت ونغمته , واخيرا نوع صوت المتكلم كأن يكون امرأة أو رجل أو صبي , هذا تحدده نوع الموجات البسيطة المكونة للموجة المركبة , وليس للنوع علاقة بالمقاطع الشعرية (راجع د. .....) .
والنبرة : هي ازدياد وضوح نطق مقطع من مقاطع الكلمات عقبى آلية النطق وسلامته خلال الجهاز الصوتي , والنبر على ثلاثة أنواع , النبر الآولي : وهو أول نبر حسب آخر الكلمة , موجود في كل الكلمات , والنبر الثانوي : وهو النبر الذي لا يوجد الا في الكلمات متعددة المقاطع , وهو يلي النبر الأولي بأتجاه اول الكلمة , والنبر الضعيف وهو يتحقق في بقية مقاطع الكلمة .للإستفاضة راجع د تمام حسان :اللغة العربية ..معناها ومبناها , د سلمان حسن العاني :التشكيل الصوتي في اللغة العربية .

(5) والقرطاجني نفسه يقر بوجود السبب المضاعف,......., وهو: مقطع صغير + مقطع زائد الطول ..... راجع
(6) يسميه حسّان تمام ( المقطع الأقصر ), لأنه استعمل تصنيفا {خر راجع :........
(8) الخطيب التبريزي :الكافي في العروض والقوافي .......... .
(9) راجع :علي يونس , المصدر السابق......
(10) نحن ذكرنا الفكرة الأساسية , وهذا ما سنسير عليه , راجع بحوث د عبد العزيز غانم (مدخل الى العروض الرقمي القياسي )....... ,
(11) راجع د .علي يونس ، د.طارق الكاتب :موازين الشعر العربي . أحمد مستجير :في بحور الشعر - الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي - .........
(12) ابن رشيق – العمدة – .......م. س
(13) ....م . ن .
(14) الجاحظ : كتاب الحيوان، تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون -.......
(15) حازم القرطاجني : منهاج البلغاء وسراج الأدباء، .....تحقيق محمد الحبيب بن ( الخوجة -..........
(16 ) مقدمة للشعر العربي - دار العودة بيروت 1983م
(17) حسن إغلان - شعرية الإيقاع.. قصيدة النثر وسؤال الوجود والمعنى
............
( 18) محمد الصالحي : ........" شيخوخة الخليل - بحثاً عن شكل قصيدة النثر العربية "
(19) راجع : د . سيد البحراوي : العروض وإيقاع الشعر العربي : ........



#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما أشرفَ الأقلامَ ! أنْ تتلطفا
- الزحافات والعلل وما يجري مجراهما ومتعلقاتها
- 2- أ.م.العالمة الأديبة الناشطة نجلاء حسون انتصاراً للمرأة ال ...
- 4 - تماضر الخنساء أجملهم ، الشعراء الجاهليون يندبون !!
- غطّتْ جفونَكَ، ياريمَ الفلا ، رشقٌ
- تشكيل التفاعيل العروضية، وما يطرأ عليها زحافاً وعللاً
- هلْ ياعراقُ تعيدُ أيّامَ المنى ؟!!
- الإيقاع ، ومراحل تطوره في الشعر العربي - الفصل الأول -
- مالتْ عليكَ الحادثاتُ وتبدعُ ...!!
- الإباء عند عباقرة الشعر والفن
- البحران السريع والخفيف ودائرة مشتبههما
- 2 - الشيخ جواد الشبيبي -الكبير-، حياته ...شعره ...طرائفه - ا ...
- 4 - د. زكي مبارك قي بغداد بين وحيها ورشيدها ونزليه قليلا...! ...
- الشبيبي - الكبير- بين حياته وشعره وطرائفه
- 1 - أبو العتاهية : أَلا ما لِسَيِّدَتي ما لَها
- 3 - الدكاترة زكي مبارك يثيرني فأثير أثيره - الحلقة الثالثة -
- حتّى كهلتُ وأيّامي تعلّمني* في كلِّ ألفٍ من الآناس ِ انسانُ
- 2 - جرد الحساب .. أزفُّ إليكم ، وأعتذرُ منكم ، وآن الحصاد !
- باقاتُ من شعري النجيبْ ، قد عانقتْ وطني الحبيبْ
- 2 - الميتاكوندريا العصماء تسخرمن وزارة الكهرباء


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم مرزة الاسدي - الشعر : نظامه المقطعي وعروضه الرقمي ، وقصيدة نثره ، وسرعته