أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال التاغوتي - الرزق والتسخير ومأزق التأويل















المزيد.....



الرزق والتسخير ومأزق التأويل


كمال التاغوتي

الحوار المتمدن-العدد: 4698 - 2015 / 1 / 23 - 23:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سعادة المسلم في الدارين الأولى والآخرة غرض استنزف جهد الذين أوتوا العلم أفرادا وجماعات منذ القرن الأول للهجرة / القرن الثامن ميلادي، وقد حمى وطيس النزاع بين الفرق الإسلامية سواء كانت قريبة من السلطان أو بعيدة عنه مساندة أو مناهضة، معتمدة هذه الغائية رافعةً لما تنتجه من نصوص وأقوال. فأسطورة الفرقة الناجية ليست سوى تصعيد بلغ مداه للالتفاف على عمل المسلم من أجل ضمان سعادته في الدنيا والآخرة؛ ولا أكاد أشك في أن كل فرقة على حدة قدمت "مشروعها" المذهبي مسلكا للخلاص، ووصفةً إن يلزمْها المرء ينجُ من الألم العارض والدائم. ذاك كان هدف الجبرية والمرجئة والقدرية والأشعرية إذا حصرنا البحث في فلك النبوة؛ وقد وجد السلطان – دون استثناء أيّ من العهود – في مرجل هذا الصراع سانحة تخول له الارتفاع عن الواقع، وهو من صنّاعه، وإدارته وفق منطق الاستبداد المهيمن على شبكات العلاقات بين مختلف الطبقات وقوى الإنتاج المحكومة بنمط يكرّس الوصاية على الفرد وتشكيل سلوكه وينصّب وسطاء بينه وبين النص المقدس، فهما واستيعابا وإجراء. وغير خاف أن ظهور السلطة المركزية مع الأمويين ثم العباسيين قد سلب القبيلة، حيزا اجتماعيا وسياسيا ناهيك عن كونها المدبر الاقتصادي الأساسي، هيبتها وطفّف إحاطتها، وهو ما دفع بالفاعلين فيها وبها ولها إلى جعلها خلفية للتنازع اللاهوتي؛ إذ ما كان لفرقة من الفرق الاستمرار إلا عبر الاعتماد على العصبية وسيلة للتعبئة على الأقل. هذه الخلفية ذاتها حافظت في شق منها على سيولة تصورات جابهها الإسلام إبان شروعه في تشكيل وجه المسلم المنشود، وهيمنته على مسطح الخطاب العربي وإعادة توزيع مراكزه وعباراته وأيقوناته. ولعل أعتى تلك التصورات ما تعلق بالأرزاق، أقصد ما يكسبه المرء من كدّه وعمله قليلا كان أو كثيرا، ذلك أن النص القرآني تخلل حياة العربي الوثني اليومية وعرض أمامه حُزمة من الأدلة على وجود راع أعظم يضمن له سلاستها واتصالها. ونبّهه إلى ما ليس له به عهد، أو ما غفل عنه لحظة انغماسه في شواغله إلا إذا نزل به خطب. وحتى في هذه الحال فإن له من الشفعاء بشرا وآلهة ما يجعله يميل إلى القبول والسكينة. لكن النص القرآني وهو يهيئ القطاع التوحيدي للانفتاح والاكتساح ذكّر الوثني بهشاشته ولفت انتباهه إلى الكونين الصغير والكبير سعيا منه إلى إعادة تركيب الظواهر الطبيعية والظواهر التاريخية في قالب واحد فيخرجها سبيكة متناغمة مع أوّليات النسق التوحيدي. إنه بصدد إنشاء عالم المسلم. وهو يقوم على عمادين أساسيين: الإيمان بإله واحد متعال، والتقوى بجعل الدنيا جسر عبور للآخرة؛ فالإنتاج حسب هذا المنظور يثمر طبقتين إحداهما عاجلة – وهي المادية – والأخرى آجلة – وهي الغيبية-، بيد أن الثانية تظل المحركة للأولى المشرفة على مسالكها. من هذين العمادين الأوليين شرع النص القرآني يصقل عبارة الدنيا، عبارة ستشهد حضورا كثيفا في كل النصوص الدائرة في فلكه، إذ تجمع بين طبقتي الإنتاج، فمبدؤها إيماني غيبي ومنتهاها عملي مادي. وما سعادة المسلم إلا في صرفه عمله الدنيوي صوب رصيده الأخروي، لاسيما أن الحياة الدنيوية قد حُــفّــت بسمات يغلب عليها السلبي إما تحقيرا وتنفيرا وإما تحكما وتوجيها حتى يتمكن المسلم – أفرادا وجماعات – من السيطرة على مقدراتها الممنوحة وإغراءاتها المفتوحة بوابتها. وقد نضّد النص القرآني كي يكفل هذه السيطرة سمتين أساسيتين، الأولى سمة التسخير المتصلة رأسا بمشيئة المتعالي المطلقة فلا دور للفعل البشري سوى الاستعمال، والثانية الرزق، وهي تختلف عن الأولى في العديد من الوجوه لعل أهمها انغراسها في الواقعي التجريبي فهو لا يتأتى إلا عبر السعي الدؤوب والأمل في التحصيل طال الزمن أو قصر. وستعمل جماعة التأويل عبر تاريخها الطويل على استغلالهما والترويج لهما وتحويلهما رويدا رويدا إلى صمّام أمان لسلطتها على الفرد المسلم. فشتان بين ما تسطّرِه الآيات القرآنية من تباين بين السمتين وبين الخلط – المتعمد أحيانا- في ما تنتجه جماعة التأويل، خلط يبلغ ذروته لحظة اعتبار السمتين مترادفتين. ذاك سمت أوشك أن يمسي منوالا قائما في عملية نقل النص القرآني من المبدئي إلى الإجرائي.
عبارة الدنيا
لا بدّ قبل معالجة سِمَتَيْ التسخير والرزق الانشغال بالعبارة الدائرتين في فلكها، لاسيما وأنهما أثران دنيويين على الرغم من إشارات بضع آي النص القرآني إلى الرزق الأخروي، لكنه يظل مختلفا الاختلاف كله عنه في مجاله الدنيوي كما سيتضح ذلك في سياقه. لقد أجرى النص القرآني لحظة إعادة تأثيث مسطح الخطاب العربي في منعطف القرن السابع ميلادي هذه العبارة في سياقات متنوعة، هدفه الأساسي تغيير رؤية الوثني وعلاقته بحياته في خيمته الكونية، فإن يكن الغالب عليه الاعتقاد في استمرارها فإنه لم يقوَ على الخروج من حدودها المألوفة لديه، ويزداد الأمر خطورة مع الرافضين الألوهة في قطاعيها الوثني والتوحيدي حين يعلنون الموت فناء لا رجع ة بعده. وقد أشار إليهم النص القرآني وجعلهم مرمىً نتيجة جحدهم من جهة وتمكنهم من ناصية البيان من جهة ثانية وانتمائهم إلى الملأ الأعلى من جهة ثالثة؛ وهو شأن يعمق الشقة بينهم وبين صاحب الرسالة ويجعل منهم عقبة كأداء أمام حركته الساعي من ورائها إلى إقامة فضاء للتواصل في مرحلة أولى ليحوله تدريجيا إلى حيز تداول مشترك. فرغم تحررهم من المعتقد فيه – وثنيةً وتوحيدا – إلا أنهم لم يتوانوا عن توظيفه حتى يؤلبوا "العوام" على النبي الكريم وقلة من الذين أسلموا من أجل تلك الوثبة نحو الأمل. إن بعض هؤلاء المسيطرين أعلنوا
وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱ-;-لدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱ-;-لدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (الجاثية، الآية 24)
لكنهم ما فتئوا يدافعون عن قدسية البيت ويعملون على ترسيخه في الوجدان المشترك، نظرا لارتباط تجارتهم به وكونه قوة جذب هائلة للمستغَلين بل وغيرهم من القبائل الأخرى. هذا دأبهم. فالمنافع الدنيوية مركزية في كل حركة يقومون بها، ويستوي في هذا الأمر الوثني والملحد، لذلك عمل النص القرآني على إنشاء عبارة الدنيا، نقيض الآخرة، وشحنها سلبيا في أغلب السياقات الواردة فيها، حتى يفثأ غلواء الإقبال عليها والتضحية في سبيلها بأي محاولة لتغيير نمط العلاقات المتكلسة نتيجة التناقض البنيوي بين الانفتاح الاقتصادي على العالم وبين الانغلاق على الذات – في بعديها الفردي والجماعي – دون البحث عن مخرج من هذا الشقاء. وغالبا ما ترد نعتا لكلمة "الحياة" تأكيدا على أنها اسم تفضيل على وزن فُعْلى، فقد "سمّيت الدنيا لدنوّها ولأنها دَنَتْ ... وكذلك السماءُ الدنيا هي القُربى إلينا". (لسان العرب ج14 فصل دنو). بيد أن النص القرآني لم يقتصر على هذه الدلالة المعجمية، إذ وصْفُه حياةَ الفانين بالدنيا ليس مجرد تحديد "المسافة" بينهم وبينها، ولتعيين هذا المعنى استعمل اسم الفاعل "دانية" تعبيرا عن سهولة بلوغ الموصوف ضمن تشكيله أيقونة الجنة، جاء في الآية:
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (الإنسان، الآية 14)
وقد فسرها الفخر الرازي بما لفظه:
والتقدير غير رائين فيها شمساً ولا زمهريراً ودانية عليهم ظلالها ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم، كأنه قيل: وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد، ودنو الظلال عليهم والثالث: أن يكون دانية نعتاً للجنة، والمعنى: وجزاهم جنة دانية، وعلى هذا الجواب تكون دانية صفة لموصوف محذوف، كأنه قيل: وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً، وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها، وذلك لأنهم وعدوا جنتين...
وعلى هذا النحو يصبح الدنوّ إيجابيا، لاقترانه بتذليل عملية الوصول إلى اللذائذ. في حين زايلت الدنيا معناها القريب، لتتحول إلى موضع مشترك يكثف السلبية المطبِقة على ما تعلقت به، أقصد الحياة الأرضية. فكل اللذائذ حلالها وحرامها تدور في فلك العَرَضي والفاني والمغري إذا انحصر همُّ المرء في تحصيلها بمنأى عن الخلفية العقائدية.
فنواة الدنيا الصلبة: متعة تنبثق عنها مجموعة من السمات مثل النصيب والفضل والتسخير والعمل والرزق والتخيير، لكنها أيضا متاع ينبثق عنه السافل والعَرضي واللعب والظاهر والزينة والترف والغرور وكل ماله صلة بالوهم والزيف.
وهذه أهم خواصَّ عبارة الدنيا، فعلى الرغم من الاختلاف في حدّها بين المذاهب – وهذا الاختلاف نتيجة ضرورية حين يتعلق التعريف بعبارة وليس بمصطلح علمي – إلا أن تحقيرها والتسفّل بثمارها يعتبران القاسم المشترك بين كل من تصدى لمعالجة حضورها في النص القرآني والحديث النبوي؛ فالتهانوي في كشافه يعرض نزرا يسيرا من التعريفات منطلقه في ذلك المعنى اللغوي المتمثل في كونها: "هذا العالم" وأنها "...ما حواه الليل والنهار وأظلّته السماء وأقلّته الأرض" لينتقل إلى منظور صوفي ينبه إلى فتنتها وإغرائها للنفس فتشغلها عن الله، منتهيا إلى محصول الإنسان منها فـ"كل ما لك فيه حظ قبل الموت فهو دنياك إلا ما يبقى معك بعد الموت.". (التهاونوي ص.505 ج.2) بيد أن النص القرآني لا يعدم فيه المرء الوجهين السلبي والإيجابي استنادا إلى نواتها الصلبة المكونة من عنصر المتعة بكل مشاربها وهو مناط إقبال الإنسان عليها حبا وإيثارا وإرادة، وعنصر المتاع بوصفها مجرد أداة لما هو أسمى، فهي ليست غاية في ذاتها مادامت محكومة بالفناء. شُحن مدار هذه النواة بتناقضها بِـــــسِماتٍ تسلّط عليها السلب، فحتى ما أتاحته الطبيعة من ملذات صار فضلا ومِنّة من المتعالي يمكن سلبه حسب مشيئته أو تحويل أثره ليمسي ألما. هكذا يتجلى الرزق والتسخير سِمتين كل منهما مستقلة عن الأخرى، لتعبرا معا عن الفضل الإلهي من جهة والتمكين للكائن البشري في الأرض والفضاء من جهة أخرى؛ وعلى هذا الأساس يكون التكليف، لاسيما وأن الحياة الدنيا، خلافا للحياة الآخرة، ترك فيه باب العمل والاختيار مفتوحا. فالإنسان المختص بالوعي دون غيره من الكائنات المرئية الأخرى، له أن يصرف طاقته وما يُغذيها من ثمرات في أي نجْدٍ يتخيره خيرا كان أو شرا شرطَ تحمّل العواقب. والبرهان على ذلك تنويه النص القرآني بمزالق تتهدد مصير المسلم لعل أهمها الانقياد للمتعة دون ضوابط والاغترار بما حصّله من رزق. فإذا كان يروم السعادة في الدارين عليه الانضباط لنضيد سطره النبي الكريم قولا وسلوكا مؤيدين بالوحي. فالرزق مهما يَزْكُ يبقَ مجرد متاع قليل مقارنة بالمتع في الحياة الأخرى، وزائلا وإن يحسبه المرء مؤبدا. فحتى الحسنات وهي رصيد المسلم في مستودع العلو، لم تذكر إلا في صيغة المفرد حين تكون الدنيا حيزا لها ترسيخا لسِمة تفاهة الحيز ذاته. لا أكاد أشك في اقتناع جماعة التأويل بعرَضية زخرف الحياة الدنيا، لكنهم رغم ذلك لم يستقرَّ لهم رأي عندما يتعلق الأمر بسماتِها التفصيلية، وأخص بالذكر سِمَتي الرزق والتسخير، بسبب خطرهما على الصعيدين السياسي والاجتماعي وما يتشكل من علاقات إنتاج قُوًى ووسائِلَ، إذ أن قطب الرحى في ممارسة التأويل إنما تحديد العلاقة بين التشكيلات الاجتماعية، خاصة الطبقة المسيطرة، ومسطح الخطاب بمقدّراته الرمزية وما ينجر عن ذلك من تأثير إيديولوجي قد يتحول إلى تبرير يؤبد الاستغلال ويعيد إنتاج الهيمنة الطبقية؛ هذا ما أسعى إلى معالجته في المحطّات القادمة.
في التسخير
إن سمة التسخير إنما تشكلت إبان انشغال النص بإقناع المتلقي وحمله على الطاعة والانضباط للحدود المرسومة. وعسى الآيات الآتي ذكرها توضح ذلك:
• ٱ-;-للَّهُ ٱ-;-لَّذِي رَفَعَ ٱ-;-لسَّمَٰ-;-وَٰ-;-تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱ-;-سْتَوَىٰ-;- عَلَى ٱ-;-لْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱ-;-لشَّمْسَ وَٱ-;-لْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱ-;-لأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱ-;-لآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (سورة الرعد، الآية 2 )

• ٱ-;-للَّهُ ٱ-;-لَّذِي خَلَقَ ٱ-;-لسَّمَٰ-;-وَٰ-;-تِ وَٱ-;-لأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱ-;-لسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱ-;-لثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱ-;-لْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱ-;-لْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱ-;-لأَنْهَار (سورة إبراهيم، الآية 32)

• وَهُوَ ٱ-;-لَّذِي سَخَّرَ ٱ-;-لْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱ-;-لْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (سورة النحل، الآية 14)

• وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱ-;-لسَّمَٰ-;-وَٰ-;-تِ وَمَا فِي ٱ-;-لأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰ-;-تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (سورة الجاثية، الاية 13)

ويعرض الفخر الرازي تفسيرا للآية الثالثة فيقول ما لفظه:
اعلم أنه تعالى ذكر الاستدلال بكيفية جريان الفلك على وجه البحر وذلك لا يحصل إلا بسبب تسخير ثلاثة أشياء أحدها: الرياح التي تجري على وفق المراد ثانيها: خلق وجه الماء على الملاسة التي تجري عليها الفلك ثالثها: خلق الخشبة على وجه تبقى طافية على وجه الماء ولا تغوص فيه.

فهو يقرّب معنى التسخير بالنظر إلى المكونات من جهة والخواصّ من جهة أخرى، ليضعنا رأسا قدّام قوانين الطبيعة، إذ لولاها لما تيسر للإنسان استعمالها. إنها خواصُّ مركوزة في الظواهر الكونية، وما كانت لتكون لولا هذه الغاية، أقصد تسليط الكائن البشري عليها واستغلالها. وسأكتفي بتفسير هذه الآية لأنه ينسحب على جميع آيات التسخير إن جاز لنا التعبير. إن الكون ظاهره وباطنه، أعلاه وأسفله، الشارد منه والوارد، معطى جاهز اكتمل إنشاؤه وصيّره خالقه قابلا للاستعمال؛ فليس للإنسان إذن إلا الحمد والشكر، بل إن العملية الإجرائية لم تحدث إلا بتدخل العناية الإلهية إلهاما أو وحيا. وما قصة النبي نوح إلا مثالا من بين الأمثلة على التوجيه الإلهي: وَٱ-;-صْنَعِ ٱ-;-لْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱ-;-لَّذِينَ ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ (سورة هود الاية 37 ) ويبسط الزمخشري معنى هذه الآية موضّحا:
اصنعها محفوظاً، وحقيقته: ملتبساً بأعيننا، كأن لله معه أعينا تكلؤه أن يزيغ في صنعته عن الصواب، وأن لا يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه. ووحينا: وأنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع. عن ابن عباس رضي الله عنه: لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر(الكشاف)
واستطراده بحديث ابن عباس ينبئ بإنشاء جديد لم يعهده الإنسان من قبلُ، فالنبي نوح – أب البشرية الثاني - هو أول من اصطنع لنفسه والمؤمنين به أداة وفق شكل هندسي محدد تمكّن له في الماء بعد أن مُكّن له في اليابسة. وبذلك يدشن دربا ما كان الكائن البشري يعتقد أنه سالكه يوما. فالوحي كما تبين في هذه الآية وأخرى غيرها لا ينحصر في الكلام المقدس إنما يتنزّل تعليما، وليس ذلك سوى التنبيه إلى تلكم القوانين الكونية، إذ بها فقط يستطيع الكائن البشري تطوير حركته وتوسيع مداها لينفتح على أفق لا تتناهى طيّــاته. يبتني على ما سبق أن سمة التسخير تقترن ضرورة بالظواهر والكائنات العصيّة على التطويع إن خُــلّــي بينها وبين الإنسان ذي القدرات المحدودة المتناهية. والبرهان القائم على هذا يتجلى في قصة نوح ذاتها، إذ توسلت المشيئة الإلهية في عقابها الجماعي بتسليط مصدر الحياة في الدنيا وتعطيل اشتغال القانون المركوز فيه؛ لقد استجابت كل الكائنات الحية للنداء لأنها مسوقة بالإلهام الإلهي الراسخ في عجينتها، ما عدا الذين أنكروا على نوح نبوته وانغمسوا في عنادهم. في حين تقوم قصة النبي إبراهيم نظيرا، فكان تعطيل قانون الظاهرة الطبيعية، أقصد النار، حجة على صحة الرسالة. وفي السياق ذاته يسوق النص القرآني قصة النبي سليمان دليلا آخر:
وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱ-;-لْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱ-;-لْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱ-;-لْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱ-;-لطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (سورة الأنبياء، الآية 79 )
ويعلق الزمخشري بما لفظه:
كأن قائلاً قال: كيف سخرهنّ؟ فقال: يسبحن ( وَٱ-;-لطَّيْرُ ) إمّا معطوف على الجبال، أو مفعول معه، فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت: لأنّ تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدلّ على القدرة وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق.
وفي السورة ذاتها تظهر سمة التسخير ليس للحيوان والجماد بل لكائنات أخرى غير مرئية:
وَمِنَ ٱ-;-لشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰ-;-لِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (سورة الأنبياء الآية 82)
أي: يغوصون له في البحار فيستخرجون الجواهر، ويتجاوزون ذلك إلى الأعمال والمهن وبناء المدائن والقصور واختراع الصنائع العجيبة، كما قال:
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن محاريب وتماثيل َ )سبأ: 13)
والله حافظهم أن يزيغوا عن أمره، أو يبدلوا أو يغيروا، أو يوجد منهم فساد في الجملة فيما هم مسخرون فيه. (الزمخشري، الكشاف)
فالتسخير لا يجري ذكره إلا إذا تعلقت المسألة بكل ما لا يمكن السيطرة على حركته، سواء أكان جمادا أم كائنا حيا أم كائنا خارقا، وقد مُكّن لسليمان دون غيره من الأنبياء تصريف الرياح شأنها شأن الجن والشياطين، وهي كائنات محال التحكم فيها باستطاعة الإنسان العادية. فكان مما ليس منه بد تدخل القدرة الإلهية كي تسخرها، بتحويل طاقاتها الخارقة لصالح النبي البشري. هكذا انحصر التسخير سمةً من سمات عبارة الدنيا في غير الإنساني، والمغامرون من جماعة التأويل يمعنون في تحويل وجهتها بجعلها تنطبق على الإنسان؛ فالواضح الجلي عبر آي القرآن الشريف استبعاده من دائرة التسخير تكريما وتشريفا، فهو ليس من الأنعام أو الحجارة أو الشياطين حتى وإن شبّه بها، ليستوي موضوعا للاستغلال بل الاستعباد. هكذا أرسى النص القرآني منظورا يشمل حركة المادة، في حين خصّ الكائن البشري بوعي يستثمر ما بسط سيطرته عليه، وما كان له ذلك لولا إدراكه تلك القوانينَ الثابتة. وقد أجمل الفخر الرازي محصول الفرق بين العمل الإنساني وسلوك غيره من الكائنات الحية الأخرى المحكومة بالضرورة حين تصدى لتفسير الآية:
وَأَوْحَىٰ-;- رَبُّكَ إِلَىٰ-;- ٱ-;-لنَّحْلِ أَنِ ٱ-;-تَّخِذِي مِنَ ٱ-;-لْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱ-;-لشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (سورة النحل، الآية 68)
فيقول: يقال وحى وأوحى، وهو الإلهام، والمراد من الإلهام أنه تعالى قرر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة التي تعجز عنها العقلاء من البشر، وبيانه من وجوه: الأول: أنها تبني البيوت المسدسة من أضلاع متساوية، لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها، والعقلاء من البشر لا يمكنهم بناء مثل تلك البيوت إلا بآلات وأدوات مثل المسطر والفرجار. والثاني: أنه ثبت في الهندسة أن تلك البيوت لو كانت مشكلة بأشكال سوى المسدسات فإنه يبقى بالضرورة فيما بين تلك البيوت فرج خالية ضائعة، أما إذا كانت تلك البيوت مسدسة فإنه لا يبقى فيما بينها فرج ضائعة، فإهداء ذلك الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الخفية والدقيقة اللطيفة من الأعاجيب. والثالث: أن النحل يحصل فيما بينها واحد يكون كالرئيس للبقية، وذلك الواحد يكون أعظم جثة من الباقي، ويكون نافذ الحكم على تلك البقية، وهم يخدمونه ويحملونه عند الطيران، وذلك أيضاً من الأعاجيب. والرابع: أنها إذا نفرت من وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر، فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطنبور والملاهي وآلات الموسيقى، وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى وكرها، وهذا أيضاً حالة عجيبة، فلما امتاز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء والكياسة، وكان حصول هذه الأنواع من الكياسة ليس إلا على سبيل الإلهام وهي حالة شبيهة بالوحي، لا جرم قال تعالى في حقها: "وَأَوْحَىٰ-;- رَبُّكَ إِلَىٰ-;- ٱ-;-لنَّحْل"ِ.
فهو لم يكتف بما أشارت إليه الآية، أقصد اتّخاذ الشجر والجبال بيوتا، إنما توسع في بيان ضروب الحكمة في سلوك النحل بدءا بالخلية بناءً، وانتهاء بالتواصل أداءً. وقد رشّح توسعه بالمقارنة بين سلوك هذا الكائن المُلهم وبين الكائن البشري المعتمد أساسا على العقل المخصوص به، ليجلو افتقار الثاني إلى بذل الجهد الذهني واليدوي كي يتمكّن –وهو أمر غير مضمون- من محاكاة النحل في البناء. يعي الرازي جيدا أن الآية ليست في علم الحيوان، إنما مدارها والغاية التي إليها تجري الإقناع بــ " أن لهذا العالم إلهاً قادراً مختاراً حكيماً" على حد تعبيره في تصدير تفسيره؛ فلما كان النحل –على سبيل المثال لا الحصر- عاريا من العقل أداةً ركّب الله فيه برنامجا ثابتا ينضّد تدبيره، ولم ينشأ ذلك إلا من أجل الإنسان، إذ "أنه تعالى لما بين أن إخراج الألبان من النعم، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب دلائل قاهرة، وبينات باهرة على أن لهذا العالم إلهاً قادراً مختاراً حكيماً، فكذلك إخراج العسل من النحل دليل قاطع وبرهان ساطع على إثبات هذا المقصود"؛ فجماع الأمر إذن تسخير هذه الكائنات بواسطة ما غرس فيها مسبقا للكائن البشري حتى يستفيد من كل ما تنتجه، إما استهلاكا وإما محاكاة. لكنه مدعوّ إلى العمل حتى يتحوّل من سمة التسخير المعطاة إلى سمة الرزق المكتسبة. فإن هيأ المتعالي عالما فإنه وضع قيودا على سبل الإفادة منه. والمسلم إذ يدرك سُنن الكون ليس له أن يعوّل –شأن بقية الكائنات- إلا على ما حباه الله به من إمكانيات هي مقدّرات مرصودة تنتظر تفعيلها وحسن توجيهها لما فيه الخير في الدارين.
في الرزق
تنفصل سمة الرزق عن سمة التسخير لتقترن رأسا بالعملي. ولعل في ما ورد في قصة النبي موسى دليلا على هذه الدعوى، جاء في الآية:
وَإِذِ ٱ-;-سْتَسْقَىٰ-;- مُوسَىٰ-;- لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱ-;-ضْرِب بِّعَصَاكَ ٱ-;-لْحَجَرَ فَٱ-;-نفَجَرَتْ مِنْهُ ٱ-;-ثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱ-;-شْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱ-;-للَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱ-;-لأَرْضِ مُفْسِدِينَ (البقرة، الآية 60)
لا جرم أنها آية شغلت المفسرين ونبّهت إلى الصراع الكلامي بينهم، ففيها تمازجت السمتان وافترقتا. إنها آية تحدد التخوم، وعتبة تزدحم فيها ألوان المذاهب. فالمقام استثناء نظرا لحضور نبيّ ينفتح به السماوي على الأرضي، ويعضد فيه الوحيُ العقلَ البشري في لحظة حاسمة من رحلة التيه كما يجمع المفسرون. إن حاجة القوم إلى الماء في بيداء قاحلة دفعت النبيّ موسى إلى البحث في مرحلة أولى، متحمّلا بذلك مسؤوليته باعتباره المخلص لأتباع أوكلوا له أمرهم بغض الطرف عن الدافع الحقيقي وراء هذا التراخي عن العمل. ولما كانت الطبيعة من حوله شحيحة – مستجيبة بذلك لسنّة هي بعض خواصِّها- تدخلت المشيئة الإلهية إرشادا وإعجازا: أما الإرشاد ففي تكليم النبي موسى وحمله على استعمال عصاه، وأما الإعجاز ففي تحويل مجرى هذه السانحة نحو ترسيخ النبوة وصرف قواها لصالحها. يعرض الفخر الرازي مظاهر الهدف الثاني موضحا:
السؤال السابع: من كم وجه يدل هذا الانفجار على الإعجاز؟ والجواب: من وجوه: أحدها: أن نفس ظهور الماء معجز، وثانيها: خروج الماء العظيم من الحجر الصغير، وثالثها: خروج الماء بقدر حاجتهم، ورابعها: خروج الماء عند ضرب الحجر بالعصا، وخامسها: انقطاع الماء عند الاستغناء عنه، فهذه الوجوه الخمسة لا يمكن تحصيلها إلا بقدرة تامة نافذة في كل الممكنات وعلم نافذ في جميع المعلومات وحكمة عالية على الدهر والزمان، وما ذاك إلا للحق سبحانه وتعالى.
فالحادثة قد توهم المتلقي بكونها محضَ تسخير، لكن المتمعن يقف على قِسمة عادلة بين الإسناد الإلهي والجهد البشري؛ الأول لا يحتاج إلى عناء كي يدرك فيعرف، في حين يكتنف الثاني غُموضٌ، ذلك أن النبي موسى وهو المؤيد بالوحي قد "اضطرّ" إلى حركة يمتزج فيها الذهني باليدوي، أن تلـقّى كلاما علويا لا يتأتى لغيره من الفانين تحمّلُه، واستعمل عصاه فضرب بها الحجر تنفيذا للأمر. فالصخرة الصماء لم تنفجر ماء إلا نتيجة الفعل، وعندها فقط صار بالإمكان الحديث عن الرزق. فالمشيئة الإلهية إنما تدخلت لتوجه البصر إلى تسخير مسبق – قد يكون استثناء في مقام استثنائي وقد يكون قانونا كامنا كمون النار في الحجر، نار لا تظهر إلا بحك الزناد – وليس للبشري في النبي إلا استعمال العصا المعجزة، أي أنه وظف اليد حتى يحدث الرزق بما هو كسب مباح. يقول صاحب مفاتيح الغيب:
"أما قوله تعالى: { كُلُواْ وَٱ-;-شْرَبُواْ مِن رّزْقِ ٱ-;-للَّهِ } ففيه حذف، والمعنى: فقلنا لهم أو قال لهم موسى: كلوا واشربوا، وإنما قال: كلوا لوجهين، أحدهما: لما تقدم من ذكر المن والسلوى، فكأنه قال: كلوا من المن والسلوى الذي رزقكم الله بلا تعب ولا نصب واشربوا من هذا الماء. والثاني: أن الأغذية لا تكون إلا بالماء، فلما أعطاهم الماء فكأنه تعالى أعطاهم المأكول والمشروب"
مازجا بين السّمتين، فالمن والسلوى المشار إليهما إنما اعتبرا رزقا لكونهما من المأكولات المنتفع بها، بيد أن المعجز فيهما أنهما توفرا من دون جهد بشري يبذل عدا الجمع والمزج والذبح، كما ذكر الطبري في تفسيره "وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱ-;-لْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱ-;-لْمَنَّ وَٱ-;-لسَّلْوَىٰ-;- كُلُواْ مِن طَيِّبَٰ-;-تِ مَا رَزَقْنَٱ-;-كُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰ-;-كِن كَانُوۤ-;-اْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"(البقرة الآية 57) إذ يقول: الـمنّ: شراب كان ينزل علـيهم مثل العسل، فـيـمزجونه بـالـماء، ثم يشربونه... والسلوى: وهو طير يشبه السمانـي، فكان يأتـي أحدهم، فـينظر إلـى الطير إن كان سميناً ذبحه، وإلا أرسله، فإذا سمن أتاه. (الطبري)
إن الحادثة برمتها قد تُـلْبِس على المتلقي إذا سلبها فرادتها، تفصيل ذلك أن أتباع النبي موسى حين أسلموا أمرهم له، بعدما نجاهم من بطش فرعون وجنوده، تدخلت المشيئة الإلهية بحضور النبي كي تمنحهم وفرةً لا يمكن للبشر الفانين في الحال العادية أن يحصلوا عليها إلا بالسعي الدؤوب. فالمقام الفذ استدعى رعاية إلهية سابغة إلى حد ضمهم إلى الكائنات الحية من غير البشر، ليس من باب التحقير بل تكريما وتفضيلا على العالمين من جهة، وتأييدا للنبوة في إتمام رسالتها من جهة أخرى. فالعناية الإلهية مكّنت القوم من رزق ليس لهم فيه سوى الاستهلاك عبر حركة أوّلية، هي حركة العجماوات عموما في سعيها نحو ما توفر لها وفق نظام ثابت. وما كان لأمر كهذا أن يخرج إلى الوجود إلا بوجود نبي موصول بالعالم العلوي. لذلك حرص القاضي عبد الجبار في تناوله سمة الرزق الدنيوي على إبطال دعوى تحريم الكسب اعتمادا على سِمة التوكّل، فيقول:
وقد ثبت أيضا من جهة العقل أن التماس المنافع التي لا ضرر على المرء فيها عاجلا ولا آجلا حسن...والكتاب يشهد بصحة ما ذكرناه؛ لأنه قال تعالى (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله). (المغني ص. 43-44)
ثم يعمد إلى سمة التوكّل يوضحها بقوله:
فأما التوكّل فهو طلب الشيء من جهته تعالى بالوجه الذي أباح الطلب به وألا يجزع إذا لم يعطَ ولا يعدل في طلب المنافع عن جهة الحلال والحرام. فمتى فعل ذلك كان متوكّلا عليه تعالى (المغني ص.45)
فالرزق لديه –ومن ورائه المعتزلة- لا يطلق إلا على ما يتناوله المرء حلالا، وهو ما خالفه فيه أهل السنّة إذ اعتبروه كل ما يحصل عليه المسلم. ويمكن اختصار سمة الرزق عند القاضي عبد الجبار في خواصَّ أساسية:
1- الإباحة، فالرزق "يقال في الأمور المباحة كالماء واالكلأ والصيد وما يتناول من البحر". (ص.28)
2- الانتفاع، شرط انتفاء المضرة العاجلة والآجلة العائدة على المنتفع أو على غيره.
3- إطلاق اليد، فهو لا يكون رزقا إلا إذا انتفى من يمنع منه.
4- العموم والشياع، لأنه ينطبق على جميع الكائنات، على خلاف الملكية المختصة بالإنسان وحده.
5- الحلّية، وقد سبقت الإشارة إليها.
وعلى هذا السمت يفصل الرجل بين سمتي الملكية والرزق من جهة، ويوجب صفة الحلال فيه "وهذا يبين أن المنفق من المحرمات لا يكون منفقا مما رزقه الله (المغني ص.35)

مأزق التأويل
يقع القاضي عبد الجبار في المأزق ذاته، أقصد المطابقة بين التسخير والرزق لاسيما وأنه ينأى به عن الكسب بما هو حركة ضرورية للحصول عليه. واستناده إلى اشتراك الكائنات غير العاقلة والبشر في ذلك ليس حجة، إذ يذهل عن حركة الطرفين وإن اختلفت من حيث المصدر والطريقة. فالعجماوات تسعى هي الأخرى، سعي الإنسان، إلى رزقها، لكنها حظيت – وذلك لارتفاع التكليف عنها – ببرنامج ثابت يسيرها ويحفظ لها وجودها. فالنِّعَم المشاعة من غذاء وتكاثر ومأوى موكولة بنشاط لا غنى لها عنه، إما فرادى أو جماعات، مستعملة في ذلك أدواتها المسلحة بها غريزيا أو فطريا كما يحلو للبعض تسميتها. والحديث النبوي يشيد بذلك:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لو أنكم توَكَّلُون على الله حقّ تَوكّله لرزقكم كم يرزق الطير، نغدو خِماصا وتروح بطانا". (جامع العلوم ص. 914)
فهو يشير إلى التوكّل مسنودا بالحركة (تغدو)، فرزقها لا يتنزل عليها وهي في سلبية مطلقة. يقول الشارح:
"واعلم أن تحقيق التوكّل لا ينافي السّعيَ في الأسباب التي قدّر الله سبحانه المقدورات وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكّل. ... وقال التُّستُري: من طعن في الحركة – يعني: في السعي والكسب- فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان. (ص. 916)
جلي إذن أن تناول المنافع لا يتأتى إلا إذا بذل الكائن الحي جَهدا، بما في ذلك النبات وإن لم يذكرها النص القرآني تماشيا مع حدود المعرفة إبان هيمنته على مسطح الخطاب العربي. إن وجه المسلم المنشود تشكيله يؤسس حركته المادية على إيمانه بوجود قوة غيبية هيأت له عالما قابلا للانتفاع والتلذذ به، وهذان بُعدان أساسيان يمكّنان عبارة الدنيا من فاعليتها على مسطح الخطاب. إذ إضافة إلى سمة الاستخلاف الدائرة في فلك عبارة الإنسان في وجهه البشري، يستجيب البعدان للنواة الصلبة فيها القائمة على النّعمة إيجابا والمتاع سلبا؛ والمسلم بجمعه بينهما يجعل حياته الدنيوية جسر عبور إلى الحياة الأخروية. ذلك ما يفسر تكرار صفة "كريم" مسندة إلى الرزق في كثير من الآيات، وتعميم السمة على كل ما يحصل عليه المسلم بأي وسيلة كانت، هو تبرير لعدوله عن الحلال إلى الحرام إذا احتفظنا بالمصطلح الفقهي. فالإيجي يرى أنه:
" كل ما ساقه الله إلى العبد فأكله، فهو رزق له من الله، حلالا كان أو حراما؛ إذ لا يقبح من الله شيء." (دراسات علوم الشريعة ص.143)
وعلى النهج نفسه ذهب أغلب أهل السنة. مرد ذلك اشتراك الحيوان والإنسان فيه، فلما كان الأول مُعفى من التكليف تمكّن الثاني من التمتع بما توفر بعيدا عن الحدود الشرعية ناهيك عن القوانين الوضعية. وليس بخاف أن الالتباس سببه الأساسي إنما الخلط بين سمتي الرزق والتسخير؛ إذ المعتبر لدى جماعة التأويل، فقهاء وأصوليين، الإباحة المطلقة أو البراءة الأولى على حد تعبير ابن رشد، فما لم يدخل في الملكية يعد "رزقا" حتى وإن كان مأتاه لا يستند إلى شرعية معينة. لكن الناظر في آيات القرآن يقف على التمييز المشار إليه سلفا، فالتسخير هو الأولى بإطلاقه على ما يخرج عن حدي الحلال والحرام لأن تعلقه بالقوانين المسيرة للكون الميسرة للانتفاع به، أما الرزق فإنه لا يتعلق إلا بالثمرات المُنتجة طبيعيا أو اصطناعا. والاختلاف بين السمتين ترجحها الآيات الدائرة حول الرزق، وقد يفي الآتي ذكره منها بالمقصود:
وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ-;- مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱ-;-لْحَيَاةِ ٱ-;-لدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (طه، الآية 131)
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱ-;-للَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱ-;-لَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱ-;-للَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱ-;-بْتَغُواْ عِندَ ٱ-;-للَّهِ ٱ-;-لرِّزْقَ وَٱ-;-عْبُدُوهُ وَٱ-;-شْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُون (العنكبوت، الآية 17)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱ-;-شْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور (سبأ، الآية 15)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱ-;-لرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱ-;-لرَّازِقِين (سبأ، الآية 39)
وَلَوْ بَسَطَ ٱ-;-للَّهُ ٱ-;-لرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱ-;-لأَرْضِ وَلَـٰ-;-كِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير (الشورى، الآية 27)
مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (الذاريات، الآية 57)
تبسط الآيات المذكورة سمة الرزق ضمن سياقات مختلفة، ولكنه يظل دائرا في فلك عبارة الدنيا ولا يتجاوز كونه زائلا شأنه شأن الحياة الدنيوية برمتها. وزواله ليس مقترنا بزمان محدد -على خلاف العالم المسخر، فهو منذور للفناء لكن ذلك مقترن بقيام الساعة -، قد يسلب المرء من رزقــ"ـــــه" إما ابتلاء فيدرج في خانة اختبار الإيمان وإما عقابا نظرا لسفه مَن حصل عليه وسوء تصرفه فيه بل تحويله إلى أداة طغيان وتسلط. لكن نسبيته هذه لا تعني البتة الدعوة إلى الاسترخاء والتسليم، لاسيما وأن الآيات القرآنية تلح على المقدار في توزيع الأرزاق، أي توفير ما يسد الحاجيات؛ وعلى الرغم من القول بالتفاوت بين البشر فإن النص القرآني لم يقف عند هذه المسألة من جهة المِلْكية بقدر ما أشاد بسعي الكائن البشري وعمله من أجل أن يعم الرزق الكافة. ولعل النكتة في ذلك تواتر نفي التملّك عن الإنسان وهيمنته على أغلب الآيات الدائرة حول هذا المعنى؛ وقد صاحب الإنسانَ في سلب الملكية كل ما اعتبره إلها سواء أكان وثنا أم ظاهرة طبيعية أم بشرا مثله من قبيل الملوك والجبابرة. والآية الصريح منطوقها بالتملك – وهي تكاد تكون الوحيدة – إنما جعلت الملكية عامة بين الناس، جاء في سورة يس:
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أيدينا أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ(يس، الآيات 71-72-73)
ويبسط الزمخشري شرحه قائلا:
(مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا، وإنما قال ذلك لبدائع الفطرة والحكمة فيها، التي لا يصحّ أن يقدر عليها إلا هو. وعمل الأيدي: استعارة من عمل من يعملون بالأيدي { فَهُمْ لَهَا مالكون } أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم، فهم متصرفون فيها تصرف الملاك، مختصون بالانتفاع فيها لا يزاحمون. أو فهم لها ضابطون قاهرون، من قوله:
أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلاَ أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إنْ نَفَرَا
أي لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها
وهو شرح يبرز من خلاله صاحبه على وعي بالتمفصل بين السمتين من جهة، أقصد الرزق والتسخير، وتعميم الانتفاع بما توفر من جهة أخرى. فالتسخير تطويع والرزق تمتيع، لكن وإن كان الأول معطى جاهزا فإن الثاني منوط بعمل قد يقتصر على الاستعمال الفوري شأن العجماوات وقد يستعصي أمره إلا ببذل جهد عضلي وذهني؛ لذلك قدم الزمخشري في تفسيره احتمالين لمعنى التملك: أما الأول فالتمتع والانتفاع دون مزاحمة من الكائنات الأخرى، وأما الثاني – وهو الأرجح حسب سياق الآية – تمكين البشر من ترويض هذا الضرب من الحيوان، فلولا خواصّه الطبيعية ما كان لهم أن يسطروا عليه. إنها مؤهلة سلفا للضبط والقهر، ولن تصير رزقا إلا عبر ذاك الجهد الإنساني في تحويلها أدواتٍ للإنتاج.
الرزق وقوى الإنتاج
هكذا تتجلى سمة الرزق موكولة بالحركة أوّلية كانت أو مركبة، ولما كان البشر متفاوتين في حركتهم مبدأ ومصيرا اختلفت الأرزاق. فحركتهم ليست بالمطلقة، كما هو حال ملكيتهم، بل هي نسبية رهينة تطور قواهم على الفعل في الطبيعة المسخرة لهم وإنتاج الخيرات. فمتى تنامت وثُــقِّفت أمكن تحقيق الوفرة المرجوة. بيد أن الوفرة ذاتها محكومة بحسن تدبيرها، ودون الدخول في مسألتي التحسين والتقبيح الكلاميتين إن حددت بالعقل أو بالنقل، فمذهب القاضي عبد الجبار القاضي بضرورة أن يكون الرزق حلالا حتى يجوز نسبته إلى الله هو الأرجح؛ إذ يبدو أن انخراطه في المزج بين السمتين قد حال دون الخروج من التناقض البنيوي في اللاهوت الإسلامي، تفصيل ذلك يتمثل في التسوية بين قوانين الكون المجهز لاستثمار ما يحويه برا وبحرا وجوا وبين ثمرات هذه القوانين؛ فإن تكن الأولى شاملة تستغرق كل الكائنات بما فيها البشر من جهة وتفسح المجال لكل الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وعقائدهم فلا حدود تضبطها، تخضعْ الثانية إذا تعلق الأمر بالبشر المكلفين لحدود واضحة المعالم، وبناء عليه ظلت العجماوات سائبة، في الظاهر، تنتفع بما سعت إليه دون ضابط أو مانع (لكنها لا تنال إلا حاجتها) وذلك لأنها أساسا ليست مكلفة، كما أنها، وهذا هو الأهم، لا تتملك ما به تحرِم الأخريات. أما البشر فقد تميز لهم الحلال من الحرام، والمشروع من غيره؛ وإذا ذهب في روع المرء أن كل ما يحوزه حيازة ما لا تأخذ بعين الاعتبار طريقته ولا ما يمكن أن يلحقه من ضرر بالآخرين، حكم على نفسه بالتفسّل إلى مستوى العجماوات وهو من فضلها بالوعي. إنه يشاركها في ما هو مسخر، ولا يشاركها في سبل تحصيل الرزق، لأنها لا تطغى طغيانه؛ وما التفاوت بينها في الضراوة إلا استجابة للنظام المحكومة به. في حين غادر الإنسان منذ قرون النظام الطبيعي وفرض سيطرته عليه، فليس له إذن التشبه بها عندما يكون ذلك من أجل تبرير ذهوله وانغماسه في قهر نظيره وحرمانه من رزق إن وجد السبيل إليه انتفع به. لقد سعت جماعة التأويل المحكومة بنمط إنتاج يحدد العلاقات والتشكيلات الاجتماعية إلى تبريره دائما فالسطو على عبارة الدنيا والتحكم في سماتها، وسواء كان ذلك مقصودا أو غير مقصود، فإن جعلهم سمة الرزق مرادفة لسمة التسخير أدى في أغلب الأحيان إلى ركوب ضعاف النفوس على موجاتها للاستحواذ على المتع والمتاع محتمين بمثل هذه التأويلات رادين كل ما حازوه إلى الله مستمرئين التناقض البنيوي في منظومة التأويل العربي برمته، ومن شأن تلك التناقضات تأبيد السيطرة الطبقية لاسيما إذا كان الدين وتدا من أوتادها.


مراجع البحث
*كل التفاسير من موقع: http://www.altafsir.com/Tafasir.asp
*ابن الحاجب، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمان بن شهاب الدين: جامع العلوم والحكمة في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، تحقيق ماهر ياسين الفحل، دار ابن كثير، دمشق بيروت، الطبعة الأولى 2008
*القاضي عبد الجبار، أبو الحسن الأسدآبادي؛ المغني في أبواب التوحيد والعدل، الجزء الثالث: التكليف، تحقيق محمد علي النجار وعبد الحليم النجار.



#كمال_التاغوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين المد والجزر قمر
- حِينَ جُرِحْنَا
- خَلْدُونِيَّات
- الشَّطَارَة فِي قَبْو الإدارة
- الحَنِينُ إلى الزّنَادِ
- فِي مَا يَرَى السَّارِي فِي زُرْقَةِ النَّارِ
- إلَى تَقْنِيِي الهَاوِيَةِ السَّامِّينَ
- الثُّوَّارُ قَنَادِيلُ البَحْرِ
- مَرَايَا الهَاوِيَةِ
- شَهِيدٌ على سكّة الحديد
- الآتِي يُجْتَرَحُ، لاَ يُقْتَرَحُ
- رِحْلَةٌ فِي أُحْفُورَةِ الجَسَد
- تُونِس ! لا تَحْزَنِي إنَّكِ فِينَا
- ذَرُونَا والبِحَارَ بِلاَ دَلِيلٍ
- أُمٌّ تَلِدُ ابْنَهَا كُلَّ حِينٍ
- نَشِيدُ الكمبرادور
- فِي مِحْرَابِ الشهيدِ
- مِنْ خُطْبَةِ القَرْمَطِيِّ فِي ذِكْرَى سيّدِ الشهَدَاءِ
- اسْتِيطَانٌ
- طَرَبِيَّاتٌ انْتِخَابِيَّةٌ: نِدَاءٌ إخْوانِيٌّ


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال التاغوتي - الرزق والتسخير ومأزق التأويل