أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - سيد الماء .... والمجهول _ قصة قصيرة














المزيد.....

سيد الماء .... والمجهول _ قصة قصيرة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 23:28
المحور: الادب والفن
    


قبة صغيرة مبنية بكتل إسمنتية وخليط من الطابوق تشكل علامة للمارة ومحطة تعريف على الطريق الممتد من ذراع النهر الأيمن وصولا للطريق العام , لا توجد الكثير من البيوت الريفية بالقرب , الأفق مفتوح على أمتداد أخضر رهيب يختلط فيه لون شتلات الرز بالماء في منظر يوحي لك أن العالم الجميل يبدأ من هنا ,من سيد الماء حتى أخر نقطة تستطيع العين المجردة ملاحقتها .
لا أعرف بالضبط ماذا تعني كلمة سيد الماء هل هي للمكان أم لحادث جرى أم وصف للاخضرار الذي يفترش الأرض ,لكن الكلمة وحدها توحي بشيء فريد قد لا يتكرر في مكان أخر , النهر الصغير وهو يتلوى كالثعبان بين حقول الرز متجه جنوبا وشرقا يمثل مصدر الحياة الوحيد لهذه المقاطعة الشاسعة .. الأغرب أن لا أحد يمكنه السكن هنا ...جواب لا يمكن العثور على مضان له في ذاكرة الفلاحين ولا في روايات العجائز والمسنين ,الكلمة الوحيدة التي تتردد بدون تفسير .. لا يجوز لأحد أن يجاور سيد الماء فهو السيف والسماء هنا .
في مواسم الحصاد التشرينية حيث الخريف يسحب أيامه متجها للمغادرة تكثر الخيرات وتترك الحاصلات الوفيرة في مكانها كل ليلة بأنتظار وصول الجمال وأصحابها البدو لنقل الجاهز منها للتسويق للمدينة ,وحيث يحل المساء يترك الجميع أماكنهم لسيد الحجرة وراعي أمنها للصباح التالي دون خشية أو حذر ,لم يجرؤ أحد أن يمر من خلال المنطقة أو يقطع طريقا بأتجاه مكان ما بعد "مصيفران" الشمس .... ذلك ما يغضب السيد ذو الحجرة المزينة باللون الأخضر والأعلام والهدايا .. وألاف النذور منها المستحق والمؤجل .
لا أحد قد دخل الحجرة أو شاهد ما في داخلها برغم أنها مغلقة بباب خشبي قديم موطر بقضبان حديدية وقفل كبير يلاحظ أنه قد مر أحد ما وفتحه من مدة ,الشيء الوحيد الذي يمكنك أن تثق به أن ما من شاهد حقيقي يعرف كيف تنقل الهدايا والنذور التي تتراكم أمام الحجرة وحولها في مواسم الأعياد والنذور ,الحاج منسي أحد ملاك الأرض هو الوحيد الذي أمكنه تشيد ما يشبه الإيوان المغطى أمام الحجرة ووضع كوز ماء وساوى الأرض بأتجاه كتف النهر وصولا للطريق الزراعي الذي يربط المنطقة بالشارع العام .
مذيريح أخر ضحايا المجهول وما زال الصمت شعاره المفضل مذ جاء يحبو مذهولا على وجهه وصدره وهو مضرج بالدماء يتمم ولا أحد يفهم ,كانت محاولة منه ليستلف بعض ما عند السيد صاحب الحجرة الراكب على كتف النهر ليسد رمق جائع أستصرخه في لحظة تحدي وشجاعة ,ذهب شبه عاري يلفه برد الليل عاد عاريا لا يستتر بشيء ,يقولون أن خدام السيد من تحت الأرض فتكت به ولم يعد أحد يفكر أن يذهب ولو زائرا بعد الغسق ,حدود الزمان بين المعلوم والمجهول ,إنه قانون السيد .
سعيد ومجيد وخالهم شراد كانوا أول ثلاثة يقبلون على المنطقة من خارجها للعمل ,الموسم ما زال مبكرا والسماء تتلبد بالغيوم والوصول متأخرين على موعد المجهول لم يمنعهم من المبيت في أطراف المنطقة قريبا من النهر قريبا من سيد الماء ,هناك أشبه بكوخ أو بقايا كوخ من أيام الحصاد ,لم يرضى الشيخ أن ينزلوا لكم ما من خيار أما البقاء تحت المطر أو النزول والمحاولة حتى الصباح ,الحاج منسي اخو الشيخ واحد الملاك كان مرتعبا من أن يصاب القادمين الجدد أو عوائلهم من نقمة السيد وهو يعرف أن الذهاب لهم في هذا المساء يجلب اللعنة , بعث الكثير لم يجرؤ أحد الوصول , لهب نار سعيد وجماعته تلوح من بعيد قرب المكان , قرب اللعنة .
نجمة الصبح الأخيرة موعد الترقب من بعيد بعض الرجال يرقبون وبعض النساء يحملن شيء ما على الرؤوس ينتظرون أعلان الضحايا ومعرفة المصير ,مضى بعض الوقت هادئا دون حراك إلا من حركة الكلاب التي تحوم حول الكوخ ,وخيط دخان يرتفع رويدا إلى عنان السماء ... إنهم أحياء توجه البعض بأتجاه الكوخ فيما عاد أخرون ليتدبروها "سر الحكاية" ... إنه زمن جديد .
لا شيء ... الكل تملكتها الهستيريا لا شيء ...لا شيء البته لم تخرج لهم أعوان السيد من تحت الأرض بل لم تجرؤ أن تقترب من حد الكوخ , إنهم أما ملائكة وأما شياطين هؤلاء الجدد ,الرغبة في أستكشاف ما حصل أعترت الجميع حتى العجائز والشيوخ أخرجوا كل التاريخ من محافظهم العقلية البالية لعل هناك ما يبرر ..سيد الماء يخاف لأول مرة من مجموعة غرباء ,قال لهم الشيخ ذو اللحية الحمراء المصبوغة بالحناء وهو يتصنع التعقل المطلق , لكل ضيف كرامة , هؤلاء كانوا ضيوف السيد وللضيف كرامة ثلاثة أيام .
الأسابيع مرت وبدأت تلك البراعم الصيفية تنمو لتعلن ولادة موسم قادم يبشر بالخير فيما سماء حزيران ترسل لهبها لتحرق الساعات وتبعث بتلك العروق التي تحت الأرض حياة مستمرة ,وما زالت حكاية الغرباء لم تقنع الكثيرين ,هل تخلى عنهم السيد وعن أماناته والسيف والسماء ,لم يعد هناك خشية من مجهول من معلوم السيد وشاراته النارية ,الكوخ الأول أصبحت ثلاث أكواخ كبيرة والنار تشتعل في أكثر من مكان ,بل أصبح الفلاحين أكثر جرأة للبقاء في الأرض حتى بعد مغيب الشمس ,وحده مذيريح الذي يملك السر صامتا لا يتكلم لأنه في كل حرف منه قيامة .
هذه الليلة ليست كتلك الليالي التي تمر هادئة القمر أعتلى السماء مبكرا وأصوات الرصاص المنطلق من فوهات البنادق تتجه صوب بيت سعيد وإخوانه لتشاركهم فرحة لا تحدث عادة في سنين الجدب ,كان موسما ثريا جلب معه عرس مزدوج بين بيت سعيد وأخيه رشيد فيما يمضي الجميع نحو الوليمة والنار المشتعلة إعلانا بالفرح وأصوات النشيج الريفي يتردد في كل الأرجاء ,هناك ضجيج مفتعل وحركة لا تهدأ إلا حجرة سيد الماء كان يلفها السكون والصمت والموت الأبدي لا أحد هنا يتذكر قصص رجاله التي تسكن تحت الأرض .... لم يعد يجد المارون شيئا أمام الحجرة حتى السقف يبدو أنه لن يقاوم هذا الشتاء .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وصايا الأب لأبن
- شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح3
- شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح1
- شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح2
- من يحمي الدين من سطوة التاريخ
- أنتظار المنقذ التاريخي شكية الصورة أو شكية الإمكان
- الإنسان وعالم يعيش واقع مخيف
- على وقع ما جرى في فرنسا
- الحروف التي حللها الرب
- عن الثقافة والمثقفين وأزمة الهوية
- رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح1
- رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح2
- رواية الغريب _ الجزء الثالث , ح2
- رواية الغريب _ الجزء الثاني , ح2
- رواية الغريب _ الجزء الثالث, ح1
- رواية الغريب _ الجزء الأول , ح3
- رواية الغريب _ الجزء الثاني , ح1
- صلاة في باحة المخمر
- رواية الغريب _ الجزء الأول , ح1
- رواية الغريب _ الجزء الأول , ح2


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - سيد الماء .... والمجهول _ قصة قصيرة