أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ثائر الناشف - التحول العقلي في الإسلام















المزيد.....

التحول العقلي في الإسلام


ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)


الحوار المتمدن-العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 12:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يقع العقل في الإسلام ضمن مسارين أحدهما مادي وآخر لا مادي، وبين هذين المسارين، يحاول العقل أن يتخذ موضعاً ملائماً لناحية ارتباطه بما هو ديني لا مادي، واستقلاله عما هو مادي، وغالبا ما تبوء محاولته تلك بالفشل الذريع ، طالما بقي العقل أسير هذين المسارين ، دون أن تتوفر له الأسباب الكاملة لعملية التحول العقلي التي يحتاجها العقل الإسلامي ، ليستطيع مواكبة تطورات العصر الراهن وفهم قضاياه المعاصرة فهماً سليماً غير شائك .
والإشكالية الكبرى، أنه غالباً ما يجري فهم الديني على أنه لا مادي، وغير الديني بالمادي، وبالتالي لا مسار ثالث أمام العقل ، فإما أن يكون مادياً أو لا مادياً.
ولفهم تلك الإشكالية، لا بد لنا أولاً من تقديم تعريف تبسيطي للعقل المادي واللا مادي في الإسلام .
أولاً : العقل المادي
هو الفعل الذي يعبر عن حركة واعية منضبطة بجملة من القوانين والقواعد، وهو ذلك الكل الظاهر المدرك لحقائق الأشياء وجوهرها.
ثانياً : العقل اللا مادي
هو الجزء الباطن الذي تنعدم فيه حركة الفعل، بحيث يسهل عليه الاقتناع بظواهر الأشياء دون أن يتكلف عناء البحث أو التمحيص.
ولعل الفارق الجوهري بين العقل المادي واللامادي، أن الأول يعتمد في حركته الواعية على الشك، في حين أن الثاني عديم الشك، فاعتماد العقل المادي على الشك لا يعني البتة أنه لا ديني، فالغاية من وجود الشك، دليل على اكتمال نضجه، وهو ما يحتاجه العقل لمواجهة القضايا الراهنة بأسبابها التي أدت إليها ، لا بأسبابها التي أوجدتها كيقين لا يرقى إليه الشك .
كما بإمكان العقل المادي أن يكون متديناً وغير متدين في آن معاً، فالتدين في الإسلام الذي أساسه الفطرة التي فطر عليها المرء لحظة خلقه وولادته، وهو لا يشكل حجر عثرة في طريق العقل المادي ، إذا ما خبرنا أن مركز التدين في القلب، وأنه ليس للعقل فيه أي نصيب، أما إذا كان مركز التدين في العقل أو بمشاركة القلب، فإن الإشكالية هنا هي بين أن يكون العقل ماديا أو لا ماديا ولا يمكن أن يجمع الحالتين في آن معا ، إذا ما أريد للتحول العقلي أن يكون سببا من أسباب تطوره .
ولطالما كان الإيمان في الإسلام، يدور بين العقل والقلب أو كليهما معاً، فإن العقل نفسه، واقع اليوم بين إسلام العقل وإسلام القلب، والسؤال الآن: أي العقلين أقرب إلى واقع المسلمين ؟.
الجواب عن السؤال أعلاه، بحد ذاته إشكالية كبرى، فإذا ما جرى التأكيد على مادية العقل في الإسلام، ثارت ثائرة اللا دينيين الذين يضعون المادية في سلم أولوياتهم وأعلى مراتب تفكيرهم ، أما إذا تم الجزم بـ لا مادية العقل في الإسلام، فإن ذلك يعني حنق وامتعاض أصحاب النزعة العقلانية التي تضع الدين في منطقة وسطى ما بين العقل والقلب، ومثلما تنحاز لظاهر العقل، لا تتخلى عن باطن القلب .
بناء على ما تقدم طرحه، يمكننا القول، إن العقل في الإسلام، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يكون عقلاً مادياً، يوازن بين ظواهر الأشياء وبواطنها، ويقيم حداً فاصلاً بين حاجاته العقلية ودوافعه القلبية (الإيمانية) شرط ألا يخلط بينها، وإذا ما تخلى عن ذلك الشرط، أصبح عقلاً لا مادياً يضع وظائفه العقلية (الإدراكية) في مقام وظائفه القلبية (الروحية).
وعليه، فإن الإسلام اليوم، بات بين عقلين إشكاليين أحدهما مادي وآخر لا مادي .
غير أن الإشكالية الكبرى ليست بين هذين الخيارين ، بل في عدم سير العقل الإسلامي في ركاب التطور الفلسفي المعاصر ، والاعتماد فقط على ما لديه من منجز فلسفي ، سواء ذلك الذي تمت ترجمته من اللاتينية إلى العربية ، أو الذي تفتحت له عقول فلاسفة العهود الأولى ، نتيجة الاحتكاك المباشر الذي وفرته الجغرافية .
وبرغم مرور زمن طويل ، فقد ترك ذلك المنجز الفلسفي على ما هو عليه ، وأصبح منجزا مؤرشفا في المكتبات ودور الثقافة ، دون أن يلحقه أي تطوير أو حتى تعديل ، باستثناء الاجتهادات التي قام بها بعض المفكرين المعاصرين ، بغرض الاستفادة منه في تحليل الظواهر وفهم الوقائع والحكم على القضايا في إطار المحاكمات المنطقية .
فالعقل الإسلامي لم يعد مهما، أن يكون في منطقة وسطى بين المادية أو اللا مادية ، لطالما كان مصدر الإيمان يقع في القلب ، فلا يهم هنا ، إن كان جنوح العقل باتجاه المادية أو اللامادية في إدارك أو عدم إدراك ظواهر الأشياء وبواطنها، فالقلب هو الذي يحافظ على جوهر الإيمان ، وإذا أريد لهذا الإيمان أن يكون معقلنا ، فلا بد للعقل أن يهبط من مقامه الأعلى في جسم الإنسان إلى المقام الأوسط " القلب " .
وحتى يكون الإسلام عقليا ، لابد أن يكون عقلانيا، فالعقلانية تؤدي إلى العقل دائما، والعقل يؤدي أساسا إليها ، ولا يمكن أن يكون الشيء عقلانيا، إذا لم يركن للعقل ويسلم بأحكامه وآلياته وعمليات تفكيره المستمرة دون انقطاع . لكن هل يقبل الإسلام أن يكون إسلاميا عقليا بشكل كامل ؟.
الرفض في أن يكون الإسلام عقليا أسهل بكثير من القبول ، فالرفض لا يكلف المرء ، أي عناء سوى عناء الإجابة ، أما القبول فيترتب عليه في المقام الأول ، الإجابة عن حزمة من التساؤلات التي هي بمثابة كلمة المرور نحو التحول العقلي الكامل ، ومنها التساؤلات الآتية : هل يقبل الإسلام بإجراء مراجعة فكرية شاملة لكل ما تم وضعه من اجتهادات فقهية على مدار أكثر من 1200 سنة ؟
هل يقبل الإسلام إعادة النظر في تفسير بعض النصوص القرآنية التي تثير ريبة ومخاوف الآخرين من غير المسلمين أو حتى من المسلمين أنفسهم ، بحيث يكون تفسيرها الجديد أقرب لفهم الواقع المعاصر وبلغة العقل ؟.
هل يقبل الإسلام ، بتغييب تلك النصوص التي تثير ريبة ومخاوف الآخرين ، طالما كان حذفها مستحيلا ومتعذرا ، وتفسيرها متشعبا ونتيجته واحدة ؟.
هذه التساؤلات هي فقط المقدمات الأولى للتحول العقلي الكامل للإسلام ، ولا تكفي الإجابة عنها ، لضمان التحول بشكل سريع وآلي لمرحلة التعقلن ، فهناك مراحل أخرى لهذا التحول لابد من المرور فيها مرحلة تلو الأخرى .
المرحلة الأولى : تنشيط العقل واستخدامه في عمليات الإدراك والتفكير بعد سنوات طويلة من الركود والإهمال ، والتنشيط يكون من خلال إطلاق العنان للعقل بالنظر للقضايا الدنيوية بظاهرها وباطنها وعدم الاكتفاء على تلمس ظواهرها فقط ، مثلما يجري في الوقت الراهن .
المرحلة الثانية : عدم الانشغال والاستغراق في القضايا الآخروية ، فهذه القضايا يجب أن لا تأخذ حيزا كبير من مساحة عمليات التفكير في العقل ، بل يجب أن تكون في نطاق آخر خارج موقع العقل ، بما أنها قضايا مرتبطة بالإيمان العميق المتصل بالجانب الروحي ، فمكانها الطبيعي الذي حدده الإسلام نفسه في القلب ، وليس على أطراف العقل .
المرحلة الثالثة : تنمية العقل من خلال تغذيته بشكل مستمر ، وهذا الغذاء يتمثل بالانجاز الفكري الجديد ، وليس الاكتفاء على ما هو متاح من مراكمات فكرية ، بعضها يصلح استخدامه وبعضها الآخر أصبح عبئا على كاهل العقل .
المرحلة الرابعة : ربط القضايا الفقهية المعاصرة بالعقل ربطا مباشرا، وهي قضايا تتصل بشؤون المجتمع والسياسة والاقتصاد ، على أن يكون هذا الربط مستقلا بشكل كامل عن تأثير رجال الدين بحيث ينحصر دورهم في القضايا الآخروية، فالعقل هو الأقرب لمعالجة هموم المجتمع ومشاكله الطارئة بشكل مستمر، كذلك هو الموجه الرئيسي لعربة السياسة والاقتصاد، من خلال وضع الخطط والنطريات والبرامج العلمية التي يحتاجاها في آن معا.
يمكن لنا من خلال هذه المراحل الأربع ، أن نستبشر بعض الأمل في إخراج العقل الإسلامي من دوامة الضياع بين المادية واللامادية ، فليست القضية الأساسية أن يكون العقل ماديا متجردا عن كل شيء في عمليات التفكير والتفسير والتأمل ، بل القضية أن يكون العقل متحررا بشكل كامل في كل عملياته السابقة من قيود الماضي .
عملية تحرير العقل ليست بالأمر السهل ، وهي لا تعني في هذا الصدد ، فسح المجال للعقل الإنساني ليقول رأيه في جوهر الدين الإسلامي ، ما لم يكن يستطيع قوله في السابق ، فالقول يمكن إدراجه في أبواب حرية الرأي والتفكير والتعبير ، لكن الأساس في عملية التحرير العقلي ، أن تكون مرتبطة أساساً بعملية التحول الكامل من اللامادية إلى المادية في التفسير والتفكير والتأمل ، واستخدام أدواتها في الملاحظة والمشاهدة والتجربة والتحليل والتركيب والمقارنة .
ولا قيمة لأي منجز فكري جديد ، إذا لم يكن مقرونا بعملية التحول العقلي الكامل ، فلا يكفي لأي منجز أن يستشعر وجود مساحات الحرية التي اتاحت له الأرضية الصلبة لوضع نظرياته وبناء منطقه وطرح تجاربه، بل لا بد أن يمر بعملية التحول من خلال المراحل السابقة التي أشرنا إليها في سياق عرضنا لها .
تبقى مسألة أخرى تفيد عملية التحول العقلي ، لا بد من الإشارة إليها ، وهي مسألة الشك واليقين في مواجهة القضايا المعاصرة ، فالعقل الإسلامي يجنح دائما نحو التسليم بيقينة الظواهر ، كجزء من عملية التسليم بالأسباب والمسببات التي أدت لوجودها ، طالما اربتط وجود الظواهر بالخالق ، فلا مجال أمام العقل ليشك أو ليسأل فقط عن الأسباب التي أدت لوجودها كظواهر مادية على أقل تقدير ، فما بالنا بالظواهر غير المادية .
ولكي يكون التحول العقلي كاملا ، لا بد له من حسم مسألة تعاطي العقل مع الشك واليقين، بدرجة متساوية ، بما يحقق التوازن الذي يحتاجه العقل في التصدي للقضايا المعاصرة ، لأنه سيكون من الصعب إلغاء اليقين من العقل بشكل كامل، طالما كانت بعض القضايا التي تواجهه من البديهيات التي يسلم بها، بالمقابل لا يستطيع العقل أن يواجه أي قضية من دون أن يملك القدرة على التشكيك في أصل وجودها، فإعطاء مثل هذه المساحة الواسعة من الشك، يمكن أن يرتقي بالعقل لمرحلة التحول الكامل التي يحتاجها اليوم لمواكبة التطور، الذي يطرح نفسه كتحدي أمام العقل الإسلامي ، لم يستطع اللحاق به حتى الآن .



#ثائر_الناشف (هاشتاغ)       Thaer_Alsalmou_Alnashef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب سنية شيعية أم حرب إقليمية ؟
- الإباحة الجنسية في العقائد الإسلامية
- عندما تسقط القضية الفلسطينية أخلاقياً
- الإرهاب الروسي الإيراني في سوريا
- أوقفوا إرهابكم في سوريا
- الحل السياسي في سوريا على طريقة الروليت الروسي
- هل فقدت روسيا أخلاقها السياسية ؟
- المحرقة السورية .. محرقة القرن
- أسطورة الحل السياسي في سوريا
- مصادر الإرهاب في سوريا
- لا حل سياسي في سوريا
- محطات في عمر الثورة السورية
- سورية بين مجالس المعارضة ورصاص الأسد
- براعم الحرية في سوريا
- ثورة الجيش في سوريا
- مشاريع الأسد الوريث
- فتنة الأسد
- مؤتمرات المعارضة السورية إلى أين ؟
- الشارع السوري يقود المعارضة
- سورية.. شعبٌ يولدُ من جديد


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ثائر الناشف - التحول العقلي في الإسلام