أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - شركية ووثنية البطريارك إبراهيم















المزيد.....

شركية ووثنية البطريارك إبراهيم


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 21:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


# شركية ووثنية البطريارك إبراهيم

لم يكن لا إبراهيم (حوالي 2000 إلى 1900 ق.م) ولا موسى (حوالي 1200ق.م) موحّدين. بل كانا جزءاً من ثقافة تعددية واسعة تضمّنت العديد من الآلهة. لم يكن إبراهيم ولا نسله وصولاً إلى موسى والإسرائيليين يؤمنون أنّ يهوه (الإله الذي نعرفه اليوم) كان هو الإله الوحيد. بل آمنوا بعدّة آلهة منها: بعل، أشيراه، أنات، والكثير غيرها، وعبدوها.
حسب كتاب التكوين أقام إبراهيم ميثاقاً مع الإله "إيل"، حيث وعده الأخير بأنّه إذا اعترف به إلهاً واحداً دون غيره من الآلهة ولا شريك له، فإنّه سيباركه بذريته ويرزقه نسلاً مباركاً وكثيراً، وأنّه سيحمي شعب إبراهيم ويحافظ عليه. من الواضح أنّ إبراهيم كان وثنياً: لماذا طلب منه إيل الولاء له إذا لم يكن إبراهيم مشركاً أصلا؟ وعندما وافق إبراهيم على هذا الميثاق، أصبح يهوه (الذي لم يكن قد سُمِيَ بهذا الاسم بعد) حامي الإسرائيليين، ووعده الإسرائيليون بأنّهم سيمتنعون عن عبادة الآلهة الأخرى. لكنّ ذلك لم يسِر على نحوٍ جيد. كيف يمكن لأحدهم الصلاة ليهوه، إله الحرب، من أجل خصوبة الأرض ونموّ الزرع؟. كان أغلب الإسرائيليون مدركين لذلك. لقد كرّسوا تقديرهم وتبجيلهم إلى يهوه، لكنهم أيضاً كانوا يصلّون للآلهة التقليدية الأخرى عند الحاجة إليها. اعتقد الإسرائيليون في البداية أنه من قبيل الطيش والحماقة تجاهل مباركات الآلهة الأخرى بسبب غيرة يهوه. في أوقات السلم، كان من السهل تناسي الميثاق الذي أقامه إبراهيم مع الله وتجاهله.
في زمن موسى، كانت هناك الكثير من الحروب، أوبئة وأمراض، وجميعها كانت تهطل فوق رؤوس الإسرائيليين، وقد زعم القدماء أنّ هذه عقوبةٌ لهم: كانوا يتجاهلون ميثاق إبراهيم مع الرب "إيل"، وبذلك خسروا تفضيل الله لهم. لذا وحسب التاريخ الكتابي/التوراتي، تراءى يهوه لموسى، وبدأ معه ميثاقاً جديداً : سن يهوه تعاليم جديدة، وجدّد الإسرائيليون وعدهم بالالتزام بعبادة يهوه وحده دون غيره من الآلهة. ومن المثير بشكلٍ خاص ملاحظة أنّه عندما يظهر يهوه لموسى في الأجمة المتّقدة، يصرّ على القول بأنّه ((إيل شاداي))_ إله إبراهيم.
((أنا إله أبيك، إله إبراهيم، وإله إسحاق ويعقوب))[خروج 3: 6]
كان موسى يؤمن بعدّة آلهة، لذا كان على يهوه أن يفسّر لموسى إيّ إلهٍ كان يتحدّث عنه موسى بالضبط، وأنه لم يكن إله والد موسى فقط، بل كان أيضاً إله إبراهيم وذريته. طبعاً يؤكّد يهوه في سفر الخروج ثلاث مرّات أنّه هو نفسه الإله الذي كان يعبده إبراهيم. والآن وجد الإسرائيليون أنفسهم ملزمون بميثاق جديد. فقد وعدوا بتقديم طاعتهم وولائهم ليهوه مرتين، الأولى من خلال ميثاق إبراهيم، والثانية من خلال ميثاق موسى الجديد، ومع ذلك كانت أوامر يهوه وقيوده وتحريمه إياهم عبادة آلهة أخرى أمرٌ يتخلّله الكثير من المشاكل: كيف يمكن ليهوه، الذي كان يُعرف بلقب "يهوه ساباوث أو يهوه إله الجيوش والجحافل"، أن يساعدهم عندما كان الأمر يتعلّق بإنجاب طفل سليم ومعافى، أو ضمان حصاد وفير وموسم خيّر؟ لمن يجب أن تتوجّه الفتاة الشابة في صلاتها من أجل الحب؟ لمن يجب أن يتوجّه الأب المريض في صلاته ليستردّ صحّته وعافيته ويعوج لمزاولة عمله لإطعام أسرته؟ مى`ر3يستجيب لصلاة راعٍ لكي يستعيد ثوره عافيته؟ لقد نجم عن هذه الإشكالات إجهاد عقلي كبير للإسرائيليين: وعدهم ليهوه كان يتعارض مع حاجاتهم الروحية.
بمرور الوقت، اتبع مفهوم الإسرائيليين ليهوه الطريق الذي تحدّثنا عنه سابقاً: أصبح يهوه (في عقولهم) أكثر وأكثر قوةً، حتى أضحى في النهاية سيداً على كل شيء، وليس فقط سيد الحرب. قبل أنّ يهوه كان قادراً على الاستجابة لجميع الصلوات، وشيئاً فشيئاً وجد الإسرائيليون أنّه من المقبول أكثر الصلاة ليهوه وحده. وفي زمن يسوع، آمن اليهود أنّ يهوه كان "الإله/الرب العظيم"، خالق الكون وكل مافيه، مطلق الحكمة، مطلق العلم والمعرفة، مطلق القوة والقدرة، والقادر على الاستجابة لجميع الصلوات.
كانت هذه هي الخطوة الأخيرة في مسيرة تطوّر الميم "إله الأغراض الشاملة". فيما سبق، كان يهوه يطالب لنفسه بالطاعة المطلقة من الإسرائيليين، لكن كان من الصعب جداً بالنسبة لهم طاعته لأنّهم كانوا بحاجة لمساعدة الآلهة الأخرى. لكن بعد أن تطوّر ميم يهوه ليصبح "إله الأغراض الشاملة"، أصبح من الممكن ولأوّل مرة في التاريخ البشري للإله بأن يطالب بالطاعة المطلقة لنفسه دون غيره، ويحصل عليها فعلاً.
لماذا كان ميم "إله الأغراض الشاملة" طفرة جديدة في تركيبة يهوه الميميائية؟ لأنّه من السهل عبادة ميم "إله الأغراض الشاملة"، "إله الغاية الواحدة" من مجموعة من الميمات الإلهية المتخصّصة. بإمكانك أن تجمع كافة طلباتك في صلاة واحدة. لقد تحوّل ميم يهوه من إله تخصّصي محدود المهام، إلى إله متعدّد بل كلي المهام يلبّي لك جميع حاجاتك ومتطلّباتك _كان ذلك بمثابة خطوة هائلة نحو تحويل يهوه إلى "الرب العظيم" الذي نعرفه اليوم.
في حين أنّ هذه الرواية قد تبدو جديدة بالنسبة لبعض القرّاء، إلا أنّ أيّ مؤرّخ يشير إلى أنّنا قد أعدنا للتو سرد قصّة يمكن إيجادها ضمن آلاف كتب التاريخ، ومن بينها العهد القديم نفسه. وهنا بالضبط تمكن دراستنا للميمات. تخبرنا كتب التاريخ ماذا حدث، لكنّ مبائ داروين في التطور، عندما نطبّقها على الميمات، تساعدنا على فهم كيفية حدوث ذلك وسببه.
لم يكن ميم "إله الأغراض والمهام الشاملة" _في لحظة من لحظات التاريخ_ مفهوماً واحداً، بل كان كتلة ضخمة من أفكار مشابهة تمّ تلقيننا إياها عن طريق الأهل، المدرسين، الكهنة، والزعماء الدينيين للأجيال التالية من الأولاد. إنّ ميم "إله المهام الشاملة" يخبرنا أساساً "ماهي الصلوات التي يستجيب لها يهوه؟".
يمكننا تأمّل إجابة أي شخص عن هذا السؤال واعتبارها "ميماً فردياً"، وأجوبة جماعات المجتمع ككل "كأنواع من الميمات" التي تتطوّر مثل النباتات والحيوانات، كل فرد (كل جواب يقدّمه شخص ما عن هذا السؤال: ماهي الصلوات التي يستجيب لها يهوه؟) له قدرة أو إمكانية للتكاثر، إذا ما قبل أحدهم بهذا الجواب وتبنّاه وأدخله ضمن منظومته العقائدية. "البقاء للأصلح" يعني أنّ النسخ المقبولة والمرغوبة من يهوه سوف تنتشر وتزدهر، أمّا النسخ السيئة وغير المقبولة فسوف تموت وتندثر. وقد استمرّت هذه العملية مع كل جيل. الأفكار ليست ساكنة، بل تتغيّر باستمرار وتتحوّل كلّما تمّ سردها، ومع تغيّر المجتمع، ومع تغيّر البيئة المادية (العالم)، مع وجود الكثير من العوامل والقوى التي تعمل على تغيير أفكار الناس وآرائهم. ومع مرور الأجيال والألفيات، استمرّ ميم "إله المهام الشاملة" بالتغيّر، استمرّ بالتغيّر والتحوّل بأساليب وطرق مختلفة، ونسخ مختلفة قد جرى الإيمان بها واعتناقها بدرجة مختلفة مع الجيل التالي.
في زمن يسوع، كان الجواب على هذا السؤال مختلف بشكل جذري عن الجواب في زمن إبراهيم. فإله إبراهيم يهوه _إله الجيوش والجحافل كان إلهاً متخصّصاً ومحدّد المهام، إله حرب، ولم يكن ميم إله المهام الشاملة قد تطوّر بعد. لكنّ العملية القاسية والطويلة للتطفّر والانتقاء قد عدّلت وغيّرت هذا الجانب من يهوه، كان ميم "إله المهام الشاملة" هو الناجي، في حين انقرض ميم "إله الحرب" واندثر.

كتاب فيروس الدين [5]



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تحوّل يهوه من إله محلّي إلى إله عالمي؟
- كتاب فيروس الدين [3] تأسيس
- كتاب فيروس الإله [2] تأسيس
- كتاب فيروس الإله [1] تأسيس
- ماذا نعرف عن محمد حقاً؟
- ديانة التوحيد القمري 12: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري 11: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري 10: ((-الله- بوصفه إلهاً للقمر))
- ديانة التوحيد القمري (جغرافية العبادات القمرية في الشرق الأو ...
- ديانة التوحيد القمري 6: ((جغرافية العبادات القمرية في الشرق ...
- ديانة التوحيد القمري 5: ((-الله- بوصفه إلهاً للحرب))
- ديانة التوحيد القمري (( الله، بوصفه إلهاً للحرب)) الأجزاء [2 ...
- ديانة التوحيد القمري 1 ((مدخل))
- أصل الاحتفالات الدينية ومصدرها: مسائل ضدّ الدين والتدين [3]
- لقد نشأت الأديان وتطوّرت في الأزمنة القديمة: مسائل ضدّ الدين ...
- الدين متوارث: مسائل ضدّ الدين والتدين [1]
- حالات صرع الفص الصدغي عبر التاريخ/ محمد: سيرة سيكولوجية[21]
- حالة فيل ديك/ محمد: سيرة سيكولوجية [20]
- الوحي الذي أوقع الجمل على ركبتيه/ محمد: سيرة سيكولوجية [19]
- أصل ومصدر تجارب محمد الدينية/ محمد: سيرة سيكولوجية [18]


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - شركية ووثنية البطريارك إبراهيم