أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حذيفة صلاحات - أزمة اليسار الفلسطيني أسبابها وسبل النهوض بها















المزيد.....



أزمة اليسار الفلسطيني أسبابها وسبل النهوض بها


حذيفة صلاحات

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 19 - 21:37
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



جامعة القدس
كلية الآداب
 
مشروع تخرج بعنوان
أزمة اليسار الفلسطيني أسبابها وسبل النهوض بها
 
إعداد الطالب
حذيفة مطر صلاحات
 
إشراف
الدكتور عوض منصور
 
قدم هذا البحث استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القدس
الفصل الدراسي الأول
2014/2015م
فهرس المحتويات
الموضوع
الصفحة
فهرس المحتويات
ب
الإهداء
ت
الشكر والتقدير
ج
الفصل الأول: مقدمة الدراسة وخلفيتها
1
                 مقدمة
1
                 المشكلة البحثية
2
                 أسئلة الدراسة
2
                 فرضية الدراسة
3
                 أهمية الدراسة
3
                 حدود الدراسة
3
                 منهج الدراسة
3
                 الدراسات السابقة
4
                 التعليق على الدراسات السابقة
9
الفصل الثاني: لمحة تاريخية عن اليسار
11
                 2-1 مفهوم اليسار
11
                 2-2 لمحة تاريخية عن اليسار الفلسطيني من 1980-يومنا هذا
13
                 2-3 واقع اليسار الفلسطيني
16
الفصل الثالث: عوامل ضعف اليسار الفلسطيني
20
                 3-1 الأسباب الذاتية لفشل اليسار الفلسطيني
21
                 3-2 الأسباب الموضوعية لفشل اليسار الفلسطيني
23
الفصل الرابع: سبل النهوض باليسار الفلسطيني
28
الفصل الخامس: نتائج الدراسة والتوصيات
34
                 5-1 نتائج أسئلة الدراسة
34
                 5-2 التوصيات
39
قائمة المراجع
40
 
 


الإهداء
إلى من علمتني النّجاح والصّبر.... إلى ست الحبايب
(أُمّي الحبيبة)
إلى من أحمل اسمه بكل فخر.. إلى النّور الّذي ينير لي درب النّجاح والأَمل.. إلى من علمني الصّمود ومواجهة الصّعاب.. إلى القلب الكبير
(والدي العزيز)
إلى من أَضاءوا لي الطّريق.. إلى سندي وقوتي وملاذي بعد الله.. إلى القلوب الطّاهرة الرّقيقة (إخواني وأخواتي)
إلى كل  الأحرار والرفاق في العالم العربي ...
أُهدي هذا البحث المتواضع
 
 
 
 


الشكر والتقدير
الحمد لله رب العالمين الذي أعانني على إتمام هذا البحث والذي لم يكن ليتم لولا فضل الله وتوفيقه ثم بالعمل الدؤوب  في إتمامه منذ اختياري  لعنوان البحث وحتى إنجازه والذي أسأل الله أن يكون مفيداً وأن لا يضيع جهدي وان أكون قد قدمت  لوطني شيئاً ضئيلاً مما قدمه لي.
وأود توجيه الشكر إلى الله أولا على ما وفقني لإنجازه والى أولياء أمري الذين لولاهم لما وصلت إلى هذا المستوى الذي أنا عليه اليوم من علم ومعرفه صنعوها بأيديهم المباركة وبعرقهم وجهدهم.
كما أتوجه بالشكر  الجزيل إلى المشرف على هذا البحث الدكتور "عوض منصور" حفظه الله والذي وجهني إلى الطريق السليم لإتمام البحث فلولا جهوده الطيبة ما كان ذلك ليتم.
وكذلك أتوجه بالشكر إلى الهيئة التدريسية في كلية الآداب، وأخص بالذكر منهم أعضاء الهيئة التدريسية في دائرة العلوم السياسية، كل باسمه ولقبه على جهودهم الطاهرة وتعبهم في تعليمنا، وأعدهم أنني لن أكون إلا مصدر فخر لهم ولجامعتنا الحبيبة جامعة القدس.
وأخيرا وليس آخراً فالعلم شمعة يضيئها صناع الحرية من أبناء هذا الشعب والذين أفخر  أن أكون منهم، وأحمل مشاعل الحرية وأضيء بها درب مســـــتقبلنا الزاهر في ظل دولة مـــــستقلة عاصــــمتها القدس الشريف.
 


الفصل الأول
مقدمة الدراسة وخلفيتها
مقدمة:
مما لا شك فيه أن قوى اليسار الفلسطيني لها باع تاريخي في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، وتعتبر من القوى التاريخية في ساحة العمل الوطني والنضالي الفلسطيني، وساهمت بأدوار هامة ورئيسة في المحطات المفصلية والانعطافات الوطنية السياسية والنوعية الفلسطينية، حيث كان لها مشاركات واسعة وعظيمة على امتداد التاريخ الفلسطيني، وإسهامات في بث الوعي ونشر الفكر الديمقراطي التنويري، وحمل شعلة النضال والكفاح الوطني التقدمي الفلسطيني، والمشاركة في نضال وانتفاضات شعبنا البطولية ضد الاحتلال، ولأجل الاستقلال والحرية وبناء الدولة الوطنية المستقلة، وفي تحقيق الكثير من الانجازات والنجاحات عبر مسيرة النضال، وطرح المبادرات والبرامج والعمل الشعبي النضالي.
إلا أن الواقع الحالي لمعظم قوى اليسار العربي عموماً وقوى اليسار الفلسطيني على وجه الخصوص يشير إلى وجود أزمة حقيقية في بيتها الداخلي، فقد أصابها الضعف والترهل والانكفاء والانطفاء، وتراجع دورها الريادي والطليعي والتعبوي ومكانتها كقوى نهوضية فاعلة في المجتمع العربي عموماً والفلسطيني على وجه الخصوص.
ففي المجتمع الفلسطيني نجد مثلاً أن قوى اليسار الفلسطيني قاطبة تعاني من انحصار مشروعها، وتقلص أداؤها على كافة المستويات، وقد لوحظ هذا التراجع منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، أي بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي سابقاً بفترة وجيزة، وهذا ما حدا ببعض الدارسين والباحثين لعزو هذا التراجع لانهيار منظومة الاتحاد السوفييتي الداعم الأول للاتجاهات اليسارية على مستوى العالم أجمع.
إلا أن الواقع العالمي يشير إلى نجاح بعض التجارب اليسارية في بعض الدول كالصين وفنزويلا وكوبا وغيرها، حتى بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي، وهذا بدوره دفع باحثين آخرين لعزو التراجع اليساري الفلسطيني لاتفاق أسلو الذي أبرمته منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل والموقف الرافض لهذا الاتفاق الذي اتخذته كافة قوى اليسار منه، ثم تباين هذه المواقف بين الاتجاهات اليسارية المختلفة وتغير مواقفها فيما بعد، وهذا بدوره أدى إلى تراجع دور اليسار الفلسطيني وتهميشه. ومع صعود قوى الإسلام السياسي على الساحة الفلسطينية متمثلاً بحركتي حماس والجهاد الإسلامي وبروز دورهما على الساحة الفلسطينية، واكتسابهما للتعاطف الشعبي بشكل كبير، دفع هذا بعض الباحثين لتفسير هذا التراجع لليسار الفلسطيني على حساب صعود قوى الإسلام السياسي الفلسطيني. في حين اتجه باحثون آخرون لعزو هذا التراجع لأسباب ذاتية تتعلق بطبيعة هذه الأحزاب اليسارية وتنظيم بيتها الداخلي ومواقفها الأيديولوجية والفكرية التي لا تتلاءم وطبيعة المجتمع العربي الفلسطيني المسلم.
وانطلاقاً من هذا التباين في الآراء التي تبناها العديد من الباحثين والدارسين والمحللين السياسيين لأسباب تراجع اليسار الفلسطيني، تأتي هذه الدراسة للبحث في حقيقة هذه الإشكالية باتباع منهج علمي في البحث والتمحيص، بدراسة الآراء الفكرية المختلفة، المؤيدة لهذا الاتجاه والمعارضة له، في محاولة من الباحث للوقوف على حقيقة أزمة اليسار الفلسطيني والأسباب التي أدت إلى تراجع دوره على الساحة الفلسطينية، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الشعبي، في محاولة من الباحث للخروج بالنتائج والتوصيات المناسبة التي من شأنها أن تعيد للتيار اليساري هيبته على الساحة الفلسطينية.
المشكلة البحثية:
على الرغم من أن اليسار الفلسطيني كان في أوج قوته وشعبيته في مطلع الثمانينات إلا أنه أصبح على هامش النظام السياسي الفلسطيني منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي حتى وقتنا هذا، وبالتالي فإن مشكلة الدراسة الرئيسة تتمثل في التساؤل الرئيس الآتي: ما هي أسباب تراجع اليسار الفلسطيني على الساحة الفلسطينية، وما هي سبل النهوض من هذا التراجع؟
أسئلة البحث:
1.     هل ساهم انهيار الاتحاد السوفيتي في انهيار الدعم المادي والمعنوي لأحزاب اليسار الفلسطيني وتراجع دورها؟
2.     هل ساهم غياب الديمقراطية داخل الاحزاب اليسارية في ضعفها والنفور منها؟
3.     هل كان لاتفاقية أوسلو أثر سلبي على أحزاب اليسار الفلسطيني؟
4.     هل ساعد ظهور حركات الاسلام السياسي إلى تراجع أحزاب اليسار الفلسطيني؟
5.     هل ساعد الانقسام السياسي وثنائية حركتي فتح وحماس على تراجع تأثير أحزاب اليسار الفلسطيني؟
6.     ما هي سبل النهوض باليسار الفلسطيني من أزمته التي يعيشها؟
فرضية الدراسة:
أدى غياب الوحدة بين أحزاب اليسار الفلسطيني والانشقاقات التي حدثت فيما بينها، وعدم وجود وحدة يسارية على أساس برنامج سياسي موحد إلى تراجعها واندثار دورها في النظام السياسي الفلسطيني.
أهمية الدراسة:
تنبع أهمية هذه الدراسة من أهمية الموضوع الذي تبحث فيه والذي يتعلق بأزمة اليسار الفلسطيني وضعف دوره على الساحة الفلسطينية، وبالتالي تأتي هذه الدراسة للوقوف على حقيقة أزمة اليسار الفلسطيني وسبل النهوض بها، سعياً من الباحث لتعزيز موقف الاتجاه اليساري في الأراضي الفلسطينية، وسعياً منه لتعزيز الموقف الفلسطيني في مجابهة جبروت الاحتلال الإسرائيلي، حيث أثبت الواقع للجميع أن قوة الجبهة الداخلية لكافة الحركات والفصائل الفلسطينية هو الكفيل بتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ونيل حقوقه. كما تستمد هذه الدراسة أهميتها من سعيها للفت أنظار أبناء الاتجاه اليساري والمهتمين لحقيقة الأزمة التي يعاني منها اليسار الفلسطيني وسبل النهوض منها، هذا ناهيك عن أن هذه الدراسة ستوفر مصدراً للباحثين والدارسين والمهتمين في موضوع اليسار الفلسطيني.
حدود الدراسة:
·        الحدود الزمانية: سيغطي هذا البحث الفترة الزمنية الممتدة بين 1980 وحتى 2013م.
·        الحدود المكانية: يتناول هذا البحث مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
منهج الدراسة:
سيعتمد الباحث في هذه الدراسة على المنهج التاريخي من خلال مراجعة الدراسات والأدبيات التي تطرقت لنشاط اليسار الفلسطيني منذ عام 1980 حتى يومنا هذا، كما سيعتمد الباحث في هذه الدراسة أيضاً على المنهج الاستقرائي، من خلال البحث في الجزئيات التي تتعلق بأزمة اليسار الفلسطيني، واستناداً إلى استقرائه هذا سينتقل إلى العموميات المتعلقة بحقيقة هذه الأزمة وسبل النهوض منها.
كما أن الباحث سيعتمد في هذه الدراسة أيضاً على المنهج الوصفي الذي يقوم بتفسير الوضع القائم للمشكلة من خلال تحديد ظروفها وأبعادها، ووصف العلاقات بينها، بهدف الانتهاء إلى وصف علمي دقيق ومتكامل للمشكلة يقوم على الحقائق المرتبطة بها.
الدراسات السابقة:
               أجرى محيسن (2007) دراسة بعنوان "النظام السياسي الفلسطيني والتيار الثالثة (دراسة بنيوية)"، وهدفت الورقة البحثية إلى تسلط الضوء على إمكانية بلورة "تيار ثالث" في إطار النظام السياسي الفلسطيني من خلال التركيز على دراسة المكون الحزبي في واقع التنظيمات السياسية ومستقبلها على الساحة الفلسطينية، من حيث البرامج والبنى التنظيمية وآليات العمل والعلاقات البينية.[1]
افترضت هذه الدراسة على وجود تيارين أساسيين في النظام السياسي الفلسطيني: تيار وطني عام تمثله حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وتيار إسلامي تمثله حركة المقاومة الإسلامية حماس، وبناء على ذلك فإن التيار الثالث يتحدد بالتميز في برنامجه أولاً، من خلال التركيز على امتلاك هوية سياسية وفكرية متميزة عن حركتي فتح وحماس، وثانياً يتميز بالقدرة على المنافسة الجدية من حيث مساحة النفوذ والتأثير، وثالثاً بماهية القوى المرشحة لتشكيله. وقد طرح الباحث في دراسته التساؤل الآتي: هل هناك إمكانية أن تشكل قوى اليسار الفلسطيني كلها أو بعضها تياراً ثالثاً؟
وقد أشارت النتائج إلى أن الأسباب التي تدفع قوى اليسار لذلك تعد أسباباً وجيهة وموضوعية، لكن الظاهر أن ما يجمعها لا يقل كثيراً عما يفرقها، لكنها في ذات الوقت ترفض حالة الاستقطاب الثنائي وتتضرر منه، كما أن بعض التنظيمات اليسارية تشهد تحولاً وانفتاحاً فكرياً يعزز التوجه نحو "التيار الثالث"، رغم أن أنها تدرك أيضاً أن مساحة نفوذها منفردة ومحدودة للغاية. ورغم كل هذه الظروف إلا أن قوى اليسار لم تنجح في جميع محاولاتها لبناء ائتلاف إلا بصورة مؤقتة وطارئة، وعلل الباحث هذه النتيجة بأن جميع التنظيمات والقوى اليسارية (الجبهتان الشعبية والديمقراطية، وحزبا الشعب والاتحاد الديمقراطي "فدا"، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، وجبهة التحرير الفلسطينية، والجبهة العربية الفلسطينية) كلها تعيش أزمة بنيوية تنظيمية وفكرية وسياسية وقيادية بدرجات متفاوتة، وهذا لا يساعدها على بناء وتشكيل تيار ثالث منافس. وقد تناول الباحث أيضاً أسباب هذه الأزمة، وعزاها لما يلي:
1.     تبني أيدلوجيات لم تستقم مع المنطق الحاكم في صيرورة البحث عن هوية وكيانية تتلاءم والشارع الفلسطيني.
2.     السقوط المدوي للنموذج اليساري (الشيوعي) إثر سقوط التجربة الاشتراكية السوفييتية، هذا ناهيك عن عودة مفهوم المجتمع المدني والتحول الديمقراطي ونموذج الحكم الصالح إلى أجندة الفعل السياسي والاجتماعي وهو ما لم تلحظه معظم هذه القوى.
3.     المنافسة القوية من قبل حركة حماس على فضاء الهيمنة الأيديولوجية من خلال الشبكات الاجتماعية وتقديم نموذج يقوم على المهنية وملامسة قضايا الناس العاديين.
4.     اعتماد معظم القوى المرشحة لتشكيل التيار الثالث على العلاقة مع قيادة منظمة التحرير، وهي التي حددت برامجها وأولوياتها مسبقاً، وفشلت حتى هذا الوقت في تحقيق طموحات ورغبات الشعب الفلسطيني.
5.     إن مصادر التمويل والدعم والحصول على بعض المنافع والامتيازات عبر الارتباط بمحاور دولية أو عواصم عربية، أو عبر مؤسسات السلطة والمنظمة، تعد أسباباً تدعو للخلاف والتنافس أكثر مما تدعو للتوحد والتقارب.
وكتبت زكرياء الفاضل (2014) في أسباب فشل اليسار المغربي من وجهة نظرها، حيث دحضت في مقالتها هذه ما ذهب إليه العديد من الباحثين والدارسين في أن أسباب فشل اليسار المغربي تتمثل في سقوطه في فخ لعبة الديمقراطية وانهيار التيار الاشتراكي العالمي بسقوط جدار برلين، وادعت أن هذه الأسباب تعد سطحية بالنسبة لليسار المغربي.[2]
وعللت الباحثة وجهة نظرها هذه، بأن اليسار المغربي لا يعتبر صفاً واحداً، بل يتشكل من تيارات وحركات وأحزاب مختلفة ومتباينة لدرجة دخولها في صراعات أيديولوجية فيما بينها، فمنها من تبنى الاشتراكية العلمية على النهج اللينيني، ومنها من اعتنق الاشتراكية العلمية في التفسير الماوي، ومنها من ناصر الاشتراكية العربية وغيرها، وبالتالي فقد أصبح اليسار المغربي شعوباً وقبائل كل ينادي بلغته ولهجته الخاصة التي تبناها.
ارتأت الباحثة في مقالها أن تقسم اليسار المغربي إلى قسمين، قسم عُرف بجذوره الضاربة في حركة التحرر والنضال ضد المستعمر، ولكنها دخلت في بداية سبعينيات القرن الماضي في مساومات مع النظام المغربي توجت بتراجعها عن نهجها مضموناً والحفاظ على شكلها فقط، وهذا أفقدها قاعدتها الشعبية العريضة رغم أن النظام سمح لها بالتجمع والتظاهر ولكن بتنسيق معه. وتضيف الباحثة أن هذا القسم قد حصل على اعتراف النظام به مقابل تخليه عن نهجه، وأن دور هذا القسم قد انتهى بدخول الحكومة في بداية التسعينيات من القرن الماضي. أما القسم الثاني فتمثل في جيل ما بعد الاستقلال والذي تشبع بالفكر الاشتراكي الذي وصل أوجه في النصف الثاني من القرن الماضي بفضل انتصار الجيش الأحمر على الفاشيستية وإخضاع جزء مهم من أوروبا الشرقية له. وهذا القسم لم يدخل في مساومة مع النظام لكونها فصائل طلابية، تميزت فصائلها بالتشدد أحياناً وبالعنف أحياناً أخرى، وبقيت منحصرة في إطارها الجامعي النخبوي، وتخاطب النخبة رغم هتافها بالدفاع عن الكادحين. وبعض هذه الفصائل خرج للشارع، ولكنه بقي متقوقعاً على فئة محددة، بمعنى أنه بقي منتشراً بين جزء من فئة المثقفين، وعجز عن اقتحام القلعة الشعبية التي يدعي بأنه ينتمي إليها. وتضيف بأن هذا القسم قد قام النظام المغربي بضربه بالأصوليين ذوي القاعدة الشعبية الواسعة، في عقر دارها في الجامعة، حيث انتزع منها الأصوليون منظمة الاتحاد الوطني للطلبة. وهكذا يكون التيار الأصولي قد هزم اليسار في الشارع وفي الجامعة، واستحوذ على عقول وقلوب جماهير الكادحين.
وتوصلت الباحثة بناء على هذا التقسيم إلى أن من أهم أسباب وعوامل تراجع المد اليساري المغربي ما يلي:
1.    افتقاد اليسار المغربي لمنظرين مستوعبين للفكر الفلسفي عامة والماركسي خاصة لتطويره وأقلمته والواقع المغربي.
2.    التنكر للثقافة والتاريخ، حيث رفض اليسار عقيدة المجتمع المغربي المسلم، وتجاهل عقلية الإنسان المغربي المختلفة شكلاً ومضموناً عن نمط تفكير الإنسان الأوروبي لأنها منبثقة عن محيط ثقافي وتاريخي غير الذي وجد في أوروبا. حيث تجاهل اليسار المغربي صبغ الفكر الماركسي بصبغة ثقافة ومعتقدات مجتمعه، وهذا سهل على النظام المغربي إقصاءه من الساحة النضالية والوطنية.
وأشارت الباحثة في خاتمة مقالتها إلى أن اليسار المغربي عندما اعتنق الماركسية لم ينتبه لحقيقة واضحة وضوح الشمس، وهي أن الماركسية عندما انتقلت من ألمانيا إلى روسيا أصبحت ماركسية – لينينية، وعندما دخلت المجتمع الصيني تحولت إلى ماركسية – ماوية، وكذلك الأمر لجمال عبد الناصر في مصر، وميشال عفلق في العراق حيث تحولت إلى اشتراكية عربية. بينما نجد أن اليسار المغربي بكافة أطيافه قد تزايد على بعضه البعض بمنتجات غيره، وحاول تسويقها بلغتها الألمانية والروسية والصينية، دون تحميل نفسه عناء ترجمتها إلى اللغة المحلية.
وتناول هلال (2014) في دراسة له بعنوان "في توصيف اليسار في المشرق العربي لواقعه"، أزمة اليسار... وإلى أين وصل، وتحدث عن الواقع الراهن الذي يعيش فيه اليسار في العديد من الدول العربية، وقد تم نشر جزء من هذه الدراسة في كتاب اسماه "اليسار الفلسطيني إلى أين؟"، واعتمد الكاتب في هذه الدراسة على المنهجين التاريخي والاستقرائي، واعتمد أيضاً على منهج المقابلة، حيث قام بإجراء أكثر من 100 مقابلة مع العديد من قيادات الأحزاب اليسارية والعناصر الفاعلة في هذه التنظيمات.[3]
وقد كشفت نتائج هذه الدراسة أن اليسار بشكل عام يعيش أزمة حقيقية في هذه الأيام، وأن اليسار لن يكون قادرا على التحول إلى  قوة مجتمعية ديمقراطية فاعلة وجذابة إن لم  يتم تنظيمه على أسس ديمقراطية، حتى وإن أدار علاقة نخبوية مع الشعب، فاليسار مطالب بالتخلص من  عقليته النخبوية السابقة التي منحها لنفسه كمرشد ومعلم  وقائد للجماهير، باعتباره  يملك الحكمة والمعرفة والرؤية الثاقبة لمجرد أن قادته قرأوا كراس لينين المعنون "ما العمل؟". كما أن عليه أن يدرك  أن الوحدة الوطنية غير قابلة للاختزال إلى اتفاق بين القوى السياسية بمعزل على مكونات المجتمع غير السياسية، وبدون موافقة وقناعة من غالبية الشعب. فتجربة  الجبهات الوطنية "التقدمية" (في سوريا والعراق) تركت نتائج سلبية على قوى اليسار التي شاركت فيها، وتجربة منظمة  التحرير، رغم ما تضمنته من عناصر إيجابية كرست عبر نظام "الكوتا" التنافس بين قوى اليسار الفلسطيني، وبالتالي ساهمت في إبقائه مفتتا.
وتناول ميشال شحادة (2012) في مقال له بعنوان "أزمة اليسار الفلسطيني" العوامل الموضوعية والذاتية لحقيقة أزمة اليسار الفلسطيني، حيث ذكر أنه لم يعد خافياً على أحد أن اليسار الفلسطيني قد فقد رونقه في المشهد السياسي الفلسطيني، وأشار إلى الفصائل اليسارية قد أصبحت هامشية التأثير في المسار السياسي العام، وأن القضية الفلسطينية أصبح يتلاعب بها رياح ثنائية مكونة من حركتي فتح وحماس.[4]
وقد بين الكاتب أن أهم الأسباب الموضوعية المتعلقة بتراجع دور اليسار تتمثل في انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي سابقاً والمنظومة الاشتراكية، حيث أتى ذلك على منابع الحياة الفكرية والروحية والمادية لليسار قبل أن يتمكن من الاعتماد على نفسه، إضافة إلى الهجمة التصفوية الشرسة التي تعرض لها اليسار من القتل والكبت والقمع.
وأما فيما يتعلق بالعوامل الذاتية لتراجع دور اليسار فقد أشار الباحث إلى أمور عدة، لعل أهمها:
-       التأرجح الأيديولوجي بين القومية والماوية والستالينية والجيفارية والكوبية، وهذا بدوره أدى إلى تفاقم الأزمة الفكرية لدى الاتجاهات اليسارية وحدوث انشقاقات تنظيمية.
-       المفارقة بين طرح اليسار وممارسته في الأيديولوجيا، فقد عملت الاتجاهات اليسارية الفلسطينية على جعل الواقع يتماشى مع تركيباتها النظرية المنسوخة من أدبيات الأحزاب والحركات الشيوعية العالمية، وإسقاطها على الواقع الفلسطيني، بدلاً من أن تلاءم أفكارها وأيديولوجياتها مع الواقع الذي تعيشه.
-       سوء تنظيم البيت الداخلي، فبدلاً من القيام بتربية الكادر المسيس والخبير بأسس العمل النقابي والجماهيري والتحريضي الثوري، أصبحت تدربه على كيفية إدارة المشاريع الممولة، والعلاقة مع الممولين وكتابة التقارير، إضافة إلى اعتماد النخب القيادية على المعاشات الشهرية المرتفعة نسبياً في المجتمع الفلسطيني والتي تتقاضها من منظمة التحرير الفلسطينية.
-       رفض الفصائل اليسارية لاتفاق أوسلو، واعتباره اتفاقاً استسلامياً والدعوة لإفشاله في البداية، ثم الاعتراف به والدعوة إلى تجاوزه كواقع حالي، فبدلاً من مناهضة السلطة أداة أوسلو وعزلها جماهيرياً، أصبحت قوى اليسار تبحث عن قواسم مشتركة مع سلطة أوسلو بشكل مفضوح، وبالتالي اقلب اليسار على شعار الاستراتيجي على أنه بديل "لقيادة الكمبرادور" الفاسدة، وانحصرت مطالب اليسار على الاعتراف به كمعارضة موالية ووسيط في الخلافات بين فتح وحماس، وهذا بدوره أفقده قاعدة عريضة من جماهيره.
وقد أوصى الكاتب في نهاية مقالته بضرورة أن يتعلم اليسار الفلسطيني بأن الوضوح الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي هو الأهم، وأن الوقوع في وهم السلطة خطر كارثي، وأن على اليسار أن يعود إلى مربعه الأول ويراجع ما علق به من شوائب، من خلال صياغة خطاب وطني تحرري قادر على استيعاب الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وأن عليه أيضاً العودة إلى الشارع وتقديم نموذجه النضالي والعلمي والعقلاني والتقدمي الذي يرغب من حوله به.
التعليق على الدراسات السابقة:
               من خلال استعراض الدراسات السابقة التي بحثت في أزمة اليسار بشكل عام، نستنتج أن اليسار الفلسطيني يعاني أزمة حقيقية شأنه في ذلك شأن اليسار العربي، وبالتالي فإن الخروج من هذه الأزمة بحاجة للدراسة والبحث والتمحيص للوقوف على حقيقة أسبابها ومعالجتها.
               حيث تبين لنا من خلال هذه الدراسات ما يلي:
-       أن اليسار الفلسطيني يعيش أزمة حقيقية، وأن بعضاً من أسبابها يعود لانهيار منظومة الاتحاد السوفييتي سابقاً كما أشار ميشال شحادة (2012)، وبعضها يعود لأسباب ذاتية تتعلق بتنظيم البيت الداخلي لليسار نفسه، كما أشار كل من زكرياء الفاضل (2014) التي بحثت في أزمة اليسار المغربي، والباحث هلال (2014) الذي بحث في أزمة اليسار الفلسطيني.
-       أن النهوض باليسار الفلسطيني يتطلب إعادة النظر في حقيقة الأسباب التي أدت إلى تراجع اليسار على الساحة الفلسطينية كما ذكر محيسن (2007) الذي تحدث عن إمكانية بناء تيار ثالث يقود الساحة الفلسطينية في ظل فشل التيارين الكبيرين حماس وفتح في تحقيق ذلك، وأن هذه تعد فرصة للقوى اليسارية لإعادة رص صفوفها وبناء هذا التيار.
-       كما تطرقت هذه الدراسات للأسباب الموضوعية لتراجع دور اليسار، وعزت ذلك لانهيار المنظومة الاشتراكية السوفييتية، والهجمة التصفوية الشرسة التي تعرض لها اليسار في معظم دول العالم العربي، وقد أشار لذلك ميشال شحادة (2012).
وبناء على ما سبق، فقد استفاد الباحث من هذه الدراسات في بلورة قناعة لديه بحقيقة الأزمة التي يعاني منها اليسار عموماً واليسار الفلسطيني على وجه الخصوص، كما استفاد منها في الوقوف على بعض الأسباب الذاتية والموضوعية التي تفسر أسباب تراجع اليسار الفلسطيني، واستفاد كذلك منها في بناء تصور لكيفية النهوض من هذه الأزمة.
 


الفصل الثاني
لمحة تاريخية عن اليسار
2-1 مفهوم اليسار
إذا حاولنا أن نعرف اليسار كحركة سياسية فإننا لا نستطيع أن نجد إجماع على تعريف هذه الكلمة، فكل يعرفها من وجهة نظره سواء أكان مؤيداً أو معارضاً لأفكار اليسار، كما أن العديد من المفكرين والباحثين يرون أن مفهوم يسار اليوم يختلف عن مفهوم يسار الماضي، حيث نجد أن الكاتب والباحث كريم مروة قد أشار لذلك في كتابه "نحو نهضة جديدة لليسار"، حيث ذكر أن مفهوم اليسار لا يمكن تعريفه بدقة تامة، وأن لا إجماع على تعريفه، ولكنه في ذات الوقت يشير إلى أنه لو أردنا تعريف اليسار في أوجه في ستينيات القرن الماضي، لتبين لنا أن الجواب البديهي والتلقائي لهذا المفهوم هو "ذلك التيار العام، السياسي والفكري، الذي يولي قضية العدالة الاجتماعية موقعاً مركزياً في نضاله، والذي يقف الموقف المعاكس للرأسمالية وطرائق حكمها، ويعادي الاستعمار والإمبريالية والرجعية وينخرط انخراطاً عضوياً في العمل في سبيل السلم العالمي، ويتضامن بقوة مع نضال الشعوب الأخرى من أجل تحررها الوطني والطبقي"[5].
ويضيف الباحث كريم مروة أن تعريف اليسار في هذه الأيام قد اختلف عن التعريف السابق، فنحن نجد اليوم ماركسيين يدعون إلى التحالف مع جماعات الإسلام السياسي، وشيوعيون قد التفوا حول الإمبريالية والرأسمالية الأمريكية في مواجهة خطر الإسلام السياسي، وبالتالي اختفت عناصر الافتراق والاختلاف بين اليسار واليمين وأصبح من الصعب تعريف اليسار بسببهم.
أما أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية جلبير الأشقر فيعرف اليسار بأنه "جميعُ الذين يَحملون برنامجَ تغييرٍ اجتماعيّ في اتجاه قيَمٍ تُصنّف بأنها قيَمٌ يساريّة، ومنها العلمانيّة طبعاً، لكنْ ليس حصراً وانفراداً، بل منها أيضاً وبالضرورة قيَمُ العدالة الاجتماعيّة والمساواة والتحرّر من كافّة أشكال الاضطهاد: الوطنيّ والعرقيّ والجنسيّ والطبقيّ، الخ".
ويرى فريق آخر من الكُتاب والباحثين أنه في ظل الأزمة التي يعيشها اليسار اليوم، لم يعد بالإمكان إيجاد تعريف لليسار، فنجد أن الكاتب راتب شبو في مجلة الآداب في العدد (4-5) سنة 2010 يتساءل عن الفائدة من مفهوم اليسار، ويؤكد على ذلك بالقول: "إنه مع انتهاء الحرب الباردة وارتطام اليسار العالمي بالحائط الذي عمي أو تعامى عنه، انهارت وتشظّت جملة القياس التي خدمة يوماً في تحديد يسارية اليسار..."[6].
على أن كتاب آخرون يخالفون وجهة النظر هذه، ويرون أنه بالرغم مما حل باليسار من  ضعف وانحسار، إلا أنه ما زال بالإمكان وفقاً لوجهات نظرهم تحديد معنى اليسار وتمييزه عن اليمين، ويردّون ذلك إلى اعتقادهم التام بأن المعايير الأساسية لتحديد اليساري لم تتغير، لا قبل انهيار التجربة الاشتراكية ولا بعدها ما دامت بنية العالم لم تتغير بصورة جوهرية. ويضيفون، إن الذي تغير على الساحة العالمية هو فقط توازن القوى الدولية، وبعض جوانب إستراتيجيات القوى الدولية المهيمنة، ومواقف بعض القوى والرموز اليسارية ومواقعها، وهي تغيرات على أهميتها لا تلغي المسافة التي تفصل بين المدافعين عن الوضع العالمي وبين العاملين على تغييره. فما دام العالم يتقدم نحو نظام دولي متعدد الأقطاب حتى في ظل سيادة الرأسمالية، وما دام هناك استمرار للسعي نحو إدامة هيمنة التحالف الأطلسي الصهيوني، فإن التناقض الرئيس الحاكم لحركة الصراعات سيبقى جلياً. وبناء على ذلك، يرى هذا الفريق أنه ما دام قد تحدد اليسار العربي سابقاً بالقوى التي ربطت جدلياً بين الجوانب الوطنية والقومية للمشروع التحرري العربي وبين جوانبه الاجتماعية، فإن معنى اليسار اليوم يتحدد وفقاً لذات المعايير. كما أنه يمكن القول بن كافة القوى الوطنية والقومية والإسلامية التي ناهضت الاستعمار الغربي والكيان الصهيوني وما زالت، لا تخرج من دائرة اليسار بالمعنى الواسع للكلمة، وينحصر التمييز بين كل هؤلاء وبين اليسار الماركسي فقط بالضرورة المنهجية (الأيديولوجية) التي يتبعها كل فريق.
ومما سبق يتبين للباحث أن هناك اختلاف على تعريف اليسار بين بعض المحللين والباحثين، فالبعض يرى أن اليسار قد انتهى، وأصبح الحديث عن معنى اليسار لا فائدة منه، والبعض الآخر يرى أنه برغم كل ما مرّ به اليسار إلا أنه ما زال موجوداً على الساحة ولو بأفكاره ومنهجياته التي تسعى للتحرر، رغم وجود بعض التفاوت بين دولة عربية وأخرى، وخير دليل على ذلك، أن هناك قوىً يسارية قد شاركت في ثورات الربيع العربي التي حدثت مؤخراً في كل من مصر وتونس.
وبناء على ذلك يميل الباحث إلى القول بأن اليسار لم يزل موجوداً ولو بأفكاره ومنهجياته، وبالتالي فإن معنى اليسار يتحدد بناء على هذه المنهجيات والأفكار، ويعرفه الباحث بأنه ذلك الاتجاه الفكري الساعي إلى معاداةُ الرأسماليّة ومعاداةُ الإمبرياليّة، والسائر نحو تحقيق قيم العدالة الاجتماعية والمساواة، والذي ينطلق من أفكار وعقائد اشتراكية.
2-2 لمحة تاريخية عن اليسار الفلسطيني 1980-يومنا هذا
في مطلع السبعينيات وبداية الثمانينيات كان لقوى اليسار الفلسطين أثر كبير في الساحة الفلسطينية سواء في الداخل أو في الشتات، وكان له دور  سياسي وعسكري بارز آنذاك، وكان أكثر انتشاراً في صفوف الطلبة والمثقفين، لكن ومع بداية التسعيينيات ومع انهيار الاتحاد السوفيتي تراجع دور اليسار الفلسطيني؛ لأن الاتحاد السوفيتي كان داعم أساسي لأحزاب اليسار في شتى المجالات، ولا ننسى الدور الكبير الذي لعبته الانشقاقات داخل اليسار الفلسطيني والتي أدت إلى تشرذم أحزابه، كما أن التأرجح الفكري بين القومية والماركسية ومثال ذلك انشقاق الجبهة الديمقراطية عن الشعبية في عام 1969 ومن تلاه من انشقاقات كثيرة، كان أبرزها انشقاق الجبهة الديمقراطية وانتهاجها النهج الماركسي بينما أصرت الجبهة الشعبية على النهج القومي لتعود بعد عدة سنوات وتنتهج النهج الماركسي، وكان المستفيد الأكبر من ذلك اليمين المتمثل في حركة فتح آنذاك، وكان لاتفاقية أوسلو أيضاً أثر كبير على اليسار الفلسطيني، حيث رفضت معظم فصائله الاتفاقية وأدى دخول حركة فتح  إلى أراضي الوطن عام 1994 إلى قيام مؤسسات السلطة التي بدورها غذت اليمين الفلسطيني، بينما رفضت في البداية أحزاب اليسار المشاركة بها مما أدى إلى عدم حصولها على الدعم المادي من قبل مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، من جهة أخرى فإن ظهور قوى الإسلام السياسي المتمثل في حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الانتفاضة الأولى أدى إلى رفع الرصيد الشعبي للاسلام السياسي على حساب تراجع اليسار الفلسطيني، وهذه من أهم العوامل التي أثرت على اليسار الفلسطيني وأضعفت قاعدته الجماهيرية، ويظهر هذا التراجع جليا في الانتخابات التشريعة والرئاسية عام  1996 مع العلم أن معظم فصائل اليسار قاطعتها، وكانت نتيجة الأحزاب اليسارية التي شاركت نتيجية ضئيلة جدا، بينما شاركت أحزاب اليسار في الانتخابات المحلية عام 2004-2005 وشاركت في الانتخابات الرئاسية عام 2005 وكانت النتئاج كالتالي:[7]
                    · اعتماداً على إحصاءات الجهاز المركزي الفلسطيني لعامي 1999 و 2004 فقد تبين أن 1,799,120 فلسطيني عليهم الانتخاب لبلوغهم سن الـ 18 عاماً, ويمارس حقه في التصويت منهم 775,146 أي بنسبة 43.1%.
                    · حصل مرشح فتح محمو عباس على أعلى الأصوات بنسبة 62.3% من المقترعين، أي 26.8% ممن يحق لهم الإقتراع.
                    · لم تشارك حماس والجهاد في هذه الانتخابات واستجاب لدعوتها المقاطعة حوالي 36% ممن يحق لهم الاقتراع من أصل 56.9% لم يمارسوا هذا الحق، وقد اشتقت هذه النسبة قياساً للسلبية في الانتخابات البلدية السابقة والتي بلغت 20% من مجموع من يحق لهم الاقتراع.
                    · حصلت تنظيمات اليسار الثلاثة المشاركة في الانتخابات على حوالي 11.5% من أصوات المقترعين.
المرشح
مجموع الاصوات التي حصل عليها المرشح
النسبة المئوية للاصوات التي حصل عليها المرشح من مجموع الذين ادلوا باصواتهم
مصطفى البرغوثي، مستقل مدعوم من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
153516
19.80 %
محمود عباس (ابو مازن)- مرشح حركة فتح الوحيد
483039
62.32 %
بسام الصالحي- مرشح حزب الشعب
20844
2.69 %
تيسير خالد- مرشح الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
27118
3.50 %
عبدالكريم شبير- مستقل
5874
0.76 %
عبدالحيم الأشقر- مستقل
20774
2.68 %
السيد بــركة- مستقل
9809
1.27 %
الأوراق الباطلة
29366
3.79 %
الأوراق البيضاء
24806
3.20 %
المجموع
775146
100.00 %
أما نتائج الانتخابات التشريعية 2006 فحصدت قائمة التغيير والإصلاح فيها 76 مقعدا بما نسبته 57.6% من المجلس التشريعي، في حين فازت حركة فتح بـ43 مقعد بما نسبته 32.6%، وفاز المستقلون المدعومون من حركة حماس بـ4 مقاعد ويشكلون ما نسبته 3%، أما قائمة الشهيد أبو علي مصطفى ففازت بـ 3 مقاعد ويشكلون ما نسبته 2.3%، في حين فازت قائمة كل من: البديل، وفلسطين المستقلة، والطريق الثالث بـ 2 مقعد لكل منها، ويشكل كل منها 1.5% من عدد مقاعد المجلس التشريعي.[8]
وأما ما تلا فترة الانتخابات الفلسطينية في عام 2006 وما بعدها حتى العام 2013 من انقسام في الشارع الفلسطيني بين أكبر تيارين فيه فتح وحماس، فقد كان موقف اليسار الفلسطيني ضعيفاً جداً ولم يستطع التوفيق بين الفرقاء رغم محاولاته المتعددة. وتخلل هذه الفترة انعقاد العديد من الانتخابات الجامعية التي شاركت فيها قوى اليسار ولكنها في كافة هذه الانتخابات كانت دائماً تحصل على نتائج خلف الفصيلين الكبيرين فتح وحماس، رغم أنه طرأ عليها بعض التحسن، فمثلاً تمكنت الفصائل اليسارية من حصد (5) مقاعد لها في انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية في العام 2010/2011 وكذلك حصدت الاتجاهات اليسارية على (9) مقاعد في جامعة بيرزيت في ذات الفترة.[9]
وقد تخلل الفترة 2008-2014 حدوث أكثر من عدوان إسرائيلي غاشم على قطاع غزة، وشاركت فيها كافة الفصائل والقوى الإسلامية والوطنية الفلسطينية، وكان لليسار دور في هذه المقاومة ولم تقف موقف المتفرج.
ومن خلال ما تقدم، يرى الباحث أن موقف الاتجاهات اليسارية الفلسطينية كان قوياً في الساحة الفلسطينية مطلع ثمانينيات القرن الماضي وأبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى وخصوصاً في ساحة النضال الوطني والقاعدة الجماهيرية العريضة، والمشاركة في القيادة الموحدة للانتفاضة الفلسطينية الأولى. وقد بدأ هذا الموقف بالتضعضع في فترة التسعينيات وانتهاء الانتفاضة، وقد تبلور هذا التراجع مع اتفاقية أوسلو وتباين موقف الاتجاهات اليسارية المختلفة منه ما بين التأييد والمعارضة، ثم عودة بعض المعارضين لتيار المؤيدين، وهذا التباين في المواقف وعدم الثبات على رأي واحد أفقد الاتجاهات اليسارية جزءاً من قاعدتها العريضة، وقد تأكد ذلك وزاد من حالة الضعف هذه صعود نجم حركة حماس في تلك الفترة التي استطاعت أن تحوز على قاعدة شعبية عريضة. كما شهدت هذه الفترة مقاطعة معظم الأحزاب اليسارية للانتخابات الفلسطينية الأولى باستثناء حزب الشعب الفلسطيني، الذي شارك فيها واكتفى بالمشاركة فقط. فيما شهدت الانتخابات الفلسطينية الثانية في العام 2006 مشاركة كافة الاتجاهات اليسارية على الساحة الفلسطينية، إلا أن هذه المشاركة كانت نتائجها ضعيفة على الأحزاب اليسارية حيث لم تتجاوز نسبتها في المجلس التشريعي حاجز الـ (5%).[10]
أما الفترة التي تلت هذه الانتخابات والتي شهدت الحدث الأبرز على الساحة الفلسطينية والذي تمثل في الانقسام الفلسطيني فيرى الباحث أن موقف اليسار الفلسطيني كان منصباً على إنهاء هذا الانقسام، ولكنه لم يمتلك من قوة التأثير ما يلزم حتى يتمكن من ذلك.
2-3 واقع اليسار الفلسطيني:
أشار الكاتب والباحث جميل هلال وآخرون في كتابهم "اليسار الفلسطيني إلى أين؟" إلى وجود تراجع في اليسار الفلسطيني، وأطلقوا على هذا التراجع لفظ "ظاهرة"، دلالة على فداحة هذا التراجع. حيث ذكر الباحثون أن استطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة قد كشفت عن وجود تراجع شبه منتظم في اليسار الفلسطيني منذ تشرين ثاني 1993، حين كانت نسبة التأييد لليسار تفوق نسبة التأييد لحركة حماس (71% مقابل 61%)، وحتى الانتفاضة الثانية حين استقر تأييد اليسار على ما هو عليه الآن في سنة 2009 أي ما بين 5%-7.5% من عدد المستطلعين.[11]
ويؤيد الكاتب شاكر حسن هذا الرأي، حيث ذكر أن حال القوى اليسارية الفلسطينية لا يختلف عن حال قوى اليسار في الوطن العربي والتي أصابها الضعف والترهل والانكفاء والانطفاء، وتراجع دورها الريادي، والطليعي، والتعبوي، ومكانتها كقوى نهضوية فاعلة في المجتمع الفلسطيني، وانحسر مشروعها الديمقراطي المدني، وتقلص أداؤها على كل المستويات.[12]
وأكد العديد من المحللين السياسيين على عدم وجود دور مؤثر لقوى اليسار في الساحة الفلسطينية، منوهين إلى أن دورها يقتصر على إبداء المواقف والآراء والمقترحات اتجاه أي قضية. وأنه لا بد من توحيد اليسار على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى يتمكن من العودة إلى وضعه السابق في ثمانينيات القرن الماضي بحيث يصبح له حضور مؤثر على الساحة الفلسطينية.
فقد أشار المحلل السياسي هاني حبيب إلى عدم وجود حضور مؤثر لقوى اليسار الفلسطيني على الساحة رغم أنه كان فعالا في مستهل مشوراه النضالي، وأن إحدى معوقات وحدة اليسار الفلسطيني هي الفئوية العالية لدى فصائل اليسار، والأمر لا يتوقف على قياداتها، بل كوادرها وقواعدها وربما أكثر بكثير مما هو عليه الأمر لدى بعض قيادات اليسار.[13]
وأكد على ذلك المحلل السياسي محسن أبو رمضان، الذي أشار إلى وجود اختلاف في توجهات قوى اليسار، ولاسيما فيما يتعلق بالرؤية السياسية لبرنامجها على الساحة الفلسطينية، منوها إلى أن اليسار تحول إلى حالة هلامية بفعل عدم التنسيق بين تلك البرامج.[14]
ويرى الأسير ماهر عرار أن واقع اليسار الفلسطيني اليوم يعتريه ضعف الحضور السياسي في مرحلة إستراتيجية هامة، نحن في أمس الحاجة في سياقها إلى معادل سياسي يعيد صياغة النظام السياسي الفلسطيني في تحد لسيطرة حركتي فتح وحماس على مفاصل السلطة والنظام والقرار.[15]
كما يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ميشال شحادة أنه لم يعد خافيا على أحد أن اليسار قد فقد رونقه في المشهد السياسي الفلسطيني، ويقول: "... بعد أن كانت الفصائل الفلسطينية اليسارية تتحرك ضمن مساحة سياسية وشعبية تضغط من خلالها على حركة فتح داخل منظمة التحرير الفلسطينية، أصبحت هذه الفصائل هامشية التأثير في المسار السياسي العام، وأصبحت القضية الوطنية الفلسطينية تتلاعب بها رياح ثنائية مؤلفة من حركتي حماس وفتح، هذا بالإضافة إلى إرهاب "أمراء الحرب" وفرق الموت التي تنفذ البرنامج الصهيوني على الساحة الفلسطينية والممولة ماديا وإعلاميا بالقوى الإقليمية الداعمة لها".[16]
ويرى البعض أن اليسار الفلسطيني اليوم قد عجز عن استغلال كافة الظروف المواتية له، والتي تمر بها الساحة الفلسطينية، حيث كشف الكاتب نصار إبراهيم في مقالة له بعنوان "اليسار الفلسطيني: تحديات المرحلة والدور المطلوب"، أنه بالرغم مما يشهده الواقع الفلسطيني من أزمة حقيقية تتجلى في استمرار الحصار وتعثر ملف المفاوضات، وعدم استقرار وثبات ملف المصالحة، واستمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلي، والاعتداءات المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، والأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، إضافة إلى التحولات الكبرى والإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، والأحداث الجارية في مصر وسورية، كل هذه التحديات والظروف كشفت عن عجز وهامشية قوى اليسار الفلسطيني، فالبرغم من تاريخها النضالي الكبير، والتضحيات العديدة التي قدمها، إلا أنها في هذه الأيام ما زالت غائبة عن الفعل والمبادرة، وتكتفي فقط بموقف المتفرج أو الناقد، فهي ليس لديها القدرة على التأثير في الأحداث والتصدي لها بشكل حازم.[17]
ويشير ذات الكاتب إلى أن هذه الفترة تشكل اللحظة التاريخية التي من خلالها يستطيع اليسار الفلسطيني أن يغادر حالة السبات والهامشية نحو المبادرة والعمل، وإذا لم يستغل هذه الظروف، فسوف يختفي عن مسرح الأحداث والتاريخ.
ومن خلال ما تقدم نستنتج أن واقع اليسار الفلسطيني اليوم واقع مثير للشفقة، فهو يعاني من أزمة حقيقية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، ويعاني من ضعف كبير في قاعدته الجماهيرية والشعبية، رغم أنه في الأساس يمثل تيار الكادحين والعاملين والفلاحين (التيار الشعبي)، كما أنه يعاني من أزمة حقيقية تتمثل في انهيار المنظومة السوفييتية الاشتراكية التي كانت تمثل الداعم الأول له فكرياً ومادياً، هذا ناهيك عن حالة التخبط والمنافسة بين أفراد الطيف اليساري الواحد، وعدم القدرة على الإجماع على تشكيل قطب يساري واحد قادر على إنهاء سيطرة حركتي فتح وحماس على الساحة الفلسطينية.
كما نستنتج أيضاً أن الواقع السياسي الذي نعيشه اليوم على الساحة الفلسطينية، والمتمثل في القطبية الثنائية لحركتي فتح وحماس على الساحة الفلسطينية، وعدم قدرة كل منهما على تحقيق رغبات وتطلعات الشعب الفلسطيني، يمثل مخرجاً لليسار من أزمته، فحركة فتح التي تمثل السلطة تعيش أزمة حقيقية، سواء من خلال التخبط في بيتها الداخلي، أو من خلال فشل مشروعها التفاوضي مع الاحتلال، وكذلك حركة حماس هي الأخرى تعيش أزمة حقيقية تتمثل في تموضعها السياسي الأخير وربط مصيرها بمصير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة، والتي أضحت تواجه أزمة حقيقية في مصر وسورية وتركيا أيضاً، هذا ناهيك عن حالة اللبس والاختلاف بينها وبين الداعم الأساسي لها ممثلاً بدولة إيران الإسلامية. كل هذه الظروف تعد ساحة خصبة لليسار الفلسطيني للبدء بالعمل من خلالها من خلال تبني البرامج والسياسات التي من خلالها يستطيع إعادة بناء قاعدته الجماهيرية العريضة، والتي من خلالها يستطيع أن يشكل تياراً ثالثاً فاعلاً على الساحة الفلسطينية، لديه القدرة على التأثير، والتغيير، ويستطيع أن يفرض هيبته واحترامه على التيارات الأخرى.


الفصل الثالث
عوامل ضعف اليسار الفلسطيني
يتناول هذا الفصل عرضاً لأهم العوامل التي أدت إلى ضعف اليسار الفلسطيني، وسوف يتم التطرق إليها من خلال تقسيمها إلى قسمين اثنين، أولاهما العوامل الموضوعية المتعلقة بالظروف المحيطة بالتجربة اليسارية الفلسطينية، وثانيهما العوامل الذاتية التي أدت إلى إضعاف اليسار الفلسطيني واضمحلال دوره.
وقبل التطرق لعوامل ضعف اليسار، لا بد من الإشارة إلى بعض الإضاءات التي بينها العديد من الكتاب والدارسين، والتي تشير في محصلتها أن الأزمة لا تعني الانتهاء، وإنما تعني أن هناك إمكانية للنهوض، والعودة إلى سابق العهد.[18]
كما ذكر الباحث والمفكر السياسي جلبير الأشقر أن النقد المنصف لليسار بشكل عام لا بد له أن يقترن بالواقع الذي نعيشه اليوم والتغيرات والتحولات الجذرية التي يشهدها العالم من سيطرة القوة الواحدة الرأسمالية والليبرالية، حيث قال: "إن نقد التجربة اليسارية الشيوعية عتاداً وأيديولوجياً وفكرياً وتنظيمياً وممارسات سياسية ووعي ذاتي حتى يكون منصفاً لا بد أن يكون مقترناً بالواقع الذي نعيشه والتغيرات التي شهدها العالم حتى لا يكون هناك إجحافاً للتجربة الاشتراكية الشيوعية، حيث ذكر بأن الاكتفاء بنقد الشيوعية، أو التشكك في كفاية أدواتها، بدون النظر إلى واقع اليوم وصراعات الحاضر، من شأنه أن يفضي إلى الإنجراف السلبي في تيار التحولات الجارية، التي تجمع بين الليبرالية الاقتصادية والتسلطية السياسية والتجزؤ الاجتماعي"[19].
وبناء على ذلك، فسوف يتم التطرق إلى أهم عوامل ضعف اليسار الفلسطيني بشكل منصف، مع مراعاة الحالة السياسية الصعبة وظروف الاحتلال الإسرائيلي التي ما من شك بأنه قد ساهم في إضعاف دور اليسار شأنه في ذلك شأن باقي الفصائل الفلسطينية الأخرى مع وجود بعض التمايز.
 
3-1 الأسباب الذاتية لفشل اليسار الفلسطيني
يشير الكاتب والمحلل السياسي ميشال شحادة (2007) إلى أن من أهم العوامل الذاتية التي ساهمت في إضعاف اليسار الفلسطيني وانطفائه يتمثل في الآتي:[20]
1.    التأرجح الأيديولوجي: باستثناء الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي تعود جذوره إلى الحزب الشيوعي السوري، فإن معظم ألوان الطيف اليساري الفلسطيني الماركسي قد وجدت أصولها في حركة القوميين العرب: الفرع الفلسطيني. حيث درجت فصائل اليسار على تسمية نفسها بـ "اليسار الجديد" أو الفصائل "الماركسية القومية" تمييزا لها عن الأحزاب الشيوعية، ونعني هنا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الفصيلين اليساريين الرئيسين داخل منظمة التحرير الفلسطينية. وُيستثنى أولئك الذين أطلق عليهم لقب "يسار فتح" لأن لهم خصوصيتهم كيسار ضمن حركة يقودها يمين. حيث كان لذلك تداعيات سلبية كثيرة في علاقات اليسار تركت شرخا عميقا بينهم وبشكل خاص بين الشيوعيين والقوميين.
2.    الأزمة الفكرية والانشقاقات التنظيمية: حيث فاقمت الأزمة الفكرية والانشقاقات التنظيمية التي نجمت عن هذا الارتباك الفكري، وخصوصا انشقاق الجبهة الديمقراطية التي شكلت مع الجبهة الشعبية ثنائية يسارية منافسة قسمت ظهر اليسار.
3.    المفارقة بين طرح اليسار وممارسته في الأيديولوجيا: عند مراجعة أدبيات فصائل اليسار الفلسطينية ومقاربة الممارسة منها تجد أن هذه الفصائل كانت تلوي عنق الواقع ليتماشى مع تركيباتها النظرية المنسوخة عن أدبيات الأحزاب والحركات الشيوعية العالمية وإسقاطها على الواقع الفلسطيني. فبدلا من استنباط المقولات والمفاهيم عن الواقع الذي ينتجها -لأن الواقع هو الأصل- طبقا للنظرية الماركسية التي قالت بأولوية الواقع وفهم حقيقته من أجل تغيره، كانت الفصائل تفعل العكس، محاولة مطابقة الواقع للوصفات النظرية الجاهزة المستوردة غصبا عنه عندما تفشل المطابقة. فقد طرح اليسار نفسه بديلا قياديا لليمين الفلسطيني المتنفذ في مقدرات منظمة التحرير والثورة الفلسطينية، وتوصل إلى أن هذا اليمين يمارس "سياسة انهزامية" تمثل مصالح شريحة برجوازية كومبرادورية طفيلية خاضعة تماما لأوامر البنك الدولي ومصالح الاحتكارات الغربية التي ارتبطت ارتباطا تابعا وثيقا معها. وشددت على أن الثورة الفلسطينية لن تستطيع الانتصار على أعدائها إلا إذا شيدت جبهة وطنية عريضة يقودها اليسار. وبدلا من أن يضع اليسار برامج لتحقيق هذه الأهداف، تورط في معارك تنافسية بين أجزائه على المؤسسات كانت تنتهي إلى تحالفات تضعفه.
4.    التحالفات مع قوى أخرى منافسة: فقد تحالفت الجبهة الديمقراطية مع فتح ضد تحالف الجبهة الشعبية مع قوى أخرى مثل فتح الانتفاضة أو حماس مثلا بدلا من تشكيل تحالف سياسي يساري يستطيع الوصول إلى القيادة.
5.    عدم التركيز على بناء هوية مستقلة متميزة لليسار: فبدلا من بناء هوية مستقلة متميزة لليسار، انهمك اليسار في تقليد فتح واتضح هذا التقليد في النهج العسكري من القواعد العلنية والاستعراضات وبطريقة خوض انتخابات المؤسسات والنقابات على أسس وأرضيات وضعتها فتح، فلا يمكن للتقليد أن ينافس الأصل لأنه تقليد له. وهكذا استنزف اليسار نفسه وأنهكها، واضطر إلى أن يستكين في موقعه المعارض وخصوصا الجبهة الشعبية التي قنعت بما أصبحت توصف به من أنها الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية.
6.    الانحسار الاجتماعي: فقد بقي اليسار محصورا في صفوف الشرائح المثقفة والطلاب الذين استهوتهم لغة اليسار وخطابه السياسي، غير أن اليسار لم يستوعب بشكل حقيقي مجتمعه العربي والفلسطيني البسيط الذي كان بحاجة إلى لغة بسيطة واضحة بعيدة عن اللغو والحشو، لغة معبرة عن مصالحه وأفكاره وعواطفه. ولم يفهم اليسار الإنسان العادي، كما عجز عن فهم أهمية الإسلام في بناء كينونة الإنسان العربي، وتصرف بشكل مراهق في أحيان كثيرة في هذا الشأن، مما اضعف ثقة المواطن العادي به، خاصة أنه كان مفروضا أن يكون هذا اليسار ممثلا له.
من خلال ما تقدم نلاحظ أن هناك العديد من الأسباب الذاتية التي تتعلق باليسار نفسه قد ساهمت في تراجع دور اليسار على الساحة الفلسطينية، فالتأرجح الأيديولوجي في طرح الأفكار اليسارية ساهم في تراجع اليسار وانحساره اجتماعياً أيضاً، فالمواطن العادي عندما يلاحظ هذا التباين في تبني الأفكار الاشتراكية أو الشيوعية أو حتى القومية بين أحزاب اليسار الفلسطينية يولد لديه بعض الشك في مصداقية هذه الأحزاب، نتيجة لعدم قدرة هذه الأحزاب على تبني أيديولوجية واحدة.
كما أن إسقاط الأفكار الشيوعية أو الاشتراكية على الساحة الفلسطينية دون بلورة لها مع الواقع الذي نعيشه (كمجتمع عربي مسلم) يساهم في انحسار اليسار اجتماعياً وفي نفور البعض منه، رغم مناداته بالثورية وحقوق الطبقة الكادحة، فالأمور التي تمس عقيدة الإنسان الفلسطيني المسلم تبقى دائماً على سلم أولوياته.
كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن بعض التصرفات الفردية لبعض الأفراد وإمعانهم في طرح الأفكار الشيوعية وعدم قدرتهم على التمييز بين الإلحاد والأفكار الاشتراكية، وعدم القدرة على إيصال هذه الأفكار بوضوح قد ساهم في النفور منهم وتراجع دورهم وانحساره.
ومن خلال ما سبق يمكن استنتاج أن الأسباب الذاتية التي ساهمت في تراجع دور اليسار الفلسطيني تتلخص في الآتي: التباين في طرح الأفكار وعدم الوضوح، والانشقاقات في صفوف اليسار نفسه، وعدم تنظيم البيت الداخلي والاكتفاء بالنخبوية، وعدم القدرة على الوصول إلى الشرائح الاجتماعية الكادحة، وعدم ممارسة الديمقراطية الحقة بين أبناء اليسار نفسه وحتى في التنظيم الواحد، حيث نلاحظ أن هناك احتكار للمواقع القيادية، وعدم وجود اهتمام كافي بخلق قيادات شابة قادرة على المضي قدماً بهذه التجربة، هذا ناهيك عن بعض التصرفات الفردية لبعض الأفراد المحسوبين على الاتجاهات اليسارية قد ساهمت في النفور من اليسار وانحسار دوره.
ولكن، هل الأسباب الذاتية هي الوحيدة التي ساهمت في تراجع دور اليسار الفلسطيني، أم أن هناك أسباب أخرى قد ساهمت في ذلك ولم يكن لليسار الفلسطيني دور فيها؟ حقيقة هناك أسباب أخرى كانهيار منظومة الاتحاد السوفييتي سابقاً والتي كان تمثل الداعم الأول لليسار الفلسطيني فكرياً ومادياً، كما أن هناك أسباب أخرى، وهذا ما سيتم التطرق إليه في الأسباب الموضوعية التي لا علاقة لليسار الفلسطيني بها في الفقرات الآتية.
3-2 الأسباب الموضوعية لفشل اليسار الفلسطيني
               بعد استعراض الأسباب الذاتية لفشل اليسار الفلسطيني، سيتم تناول الأسباب الخارجية (الأسباب الموضوعية) التي ساهمت في تراجع اليسار الفلسطيني، وسوف يتم التركيز على أهم الأسباب التي تناولها الباحثون والمحللون بالدراسة والبحث والتي تتعلق بانهيار منظومة الاتحاد السوفييتي، وصعود حركات الإسلام السياسي.


3-2-1 انهيار الاتحاد السوفييتي:
أشار الكاتب السوري اليساري ياسين الحاج صالح (2010) بأن انهيار الاتحاد السوفييتي ومعسكره الاشتراكي أدخل اليسار الشيوعي المستقل في أزمة فكرية عميقة.[21] وقد تفاقمت آثار هذا الانهيار كون أغلب المعنيين (اليساريين) وقتها كانوا في السجون، ولم يتسن لهم الدفاع عن تجربتهم.
ويرى الأستاذ في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت الدكتور جليبر الأشقر أن الحديث عن أزمة اليسار عموماً واليسار العربي على وجه الخصوص قد سبق انهيار المنظومة الاشتراكية بوقت طويل، ويرى أن بدايات الحديث عن أزمة اليسار تعود إلى هزيمة عام 1967، وما تلاها من دوامة أزمات رافقت الاتجاه اليساري الشيوعي، حيث نلاحظ أن بعد هذه الحرب قد تشتت التيار الشيوعي في مصر إلى مكونات عديدة، وحدث انشقاق في الحركة الشيوعية في كل من فلسطين وسورية، ويضيف في هذا السياق أن التاريخ يشير إلى أن اليسار طوال تاريخيه قد عجز عن أن يفرض نفسه كقوة مهيمنة إلا في حالات نادرة ومؤقتة أيضاً، وأن هذه الحالات النادرة كانت مولِّدة للأزمات؛ لأن اليسار كلما أصبح قوة قادرة على الهيمنة، لم يبغ في معظم الحالات أن يسعى إلى الاستيلاء على السلطة، وهذا يعود لأسباب مختلفة تعود في الدرجة الأولى إلى تبعيته للاتحاد السوفييتي، فمثلاً نجد أنه في التجربة اليسارية العراقية عندما كان اليسار في أواخر خمسينيات القرن الماضي قادراً على الهيمنة على السلطة، إلا أنه لم يقم بذلك لأن الاتحاد السوفييتي آنذاك كان مؤيداً لحكم عبد الكريم قاسم وغير راغب في تسعير المواجهة مع الغرب في هذه المنطقة البالغة الحساسية.[22]
وخلاصة قوله تعني أنه لا يحمل الاتحاد السوفييتي المسؤولية عن الإخفاق، مع عدم إنكاره بأنه كان عامل أساسي من بين عوامل شتّى تفسر الإخفاق، إلا أن مسؤولية الإخفاق كانت لعوامل ذاتية بالتأكيد، كانت تقع على عاتق قيادات الأحزاب الشيوعية أكثر من اعتمادها على منظومة الاتحاد السوفييتي.
ويضيف الكاتب جميل هلال قائلاً: "لقد ترك انهيار الاتحاد السوفييتي وما ترتب عليه من تغيير حاد في ميزان القوى الإقليمي والدولي، وفقدان منظمة التحرير حليفا دوليا رئيسا مقابل تقوية الحليف الاستراتيجي لدولة إسرائيل (الولايات المتحدة الأمركية) التي باتت تتربع على رأس نظام دولي جديد، ترك هذا تأثيراً مباشراً ومدوياً على أحزاب اليسار العربي، ومنها تنظيمات اليسار الفلسطينية. فقد شكل الاتحاد السوفييتي لليسار الفلسطيني المرجع الفكري والتنظيمي وإلى حد ملموس محددا للموقف السياسي من بداية عقد السبعينيات وحتى لحظة انهياره، كما شكل مصدرا هاما للسلاح والتدريب والمنح الدراسية والحزبية.[23]
لكن انهيار التجربة السوفييتية ساهم في توليد وعي نقدي للبناء الحزبي لتنظيمات اليسار الماركسي تحت مسمى المركزية الديمقراطية،  وإزاء المضمون الأيديولوجي التي تناقلته أحزاب اليسار من الأجهزة الأيديولوجية السوفييتية بتأثيراتها الستالينية أو بميزاتها السوفييتية الخاصة التي مثلتها اللينينية. من هنا شهدت الأحزاب الشيوعية والماركسية مناقشات طالت حول الديمقراطية الداخلية وشكل الحزب الجماهيري وأساليب عمله فلسطينيا وعربيا ودوليا. ويمكن القول إن فشل التجربة السوفييتية ساهم في توليد اهتمام بقضية الديمقراطية الداخلية لم يكن حاضرا قبل ذلك، وهو اهتمام نهض تحت ضغط الإحساس بالضعف وفقدان التوازن، وليس بتأثير الثقة بالنفس أو في مرحلة صعود نفوذ اليسار.[24]
بناء على ما سبق، يستنتج الباحث أن انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي سابقاً كان لها أثراً كبيراً في تراجع اليسار الفلسطيني، حيث نلاحظ أن المد اليسار في فترة الثمانينيات كان في أوجه، ولكن تراجعه بدأ في منتصف تسعينيات القرن الماضي أي بعد انهيار هذه المنظومة، ويعزو الباحث ذلك كون منظومة الاتحاد السوفييتي الاشتراكية كانت تمثل الداعم الأول لليسار الفلسطيني مادياً وفكرياً وروحياً.
3-2-2 صعود حركات الإسلام السياسي:
إن اليسار الفلسطينيّ لم يقم بواجبه في التصدّي الإيديولوجيّ لتيّار "حماس" بصورةٍ ثابتةٍ وصارمة. فمن خلال العودة إلى الانتفاضة الأولى في العام 1988، نلاحظ أن زخم اليسار كان  أقوى بدرجاتٍ من زخم "حماس" التي كانت في بداية نشوئها. وقد لعبت الفصائلُ اليساريّة، كالجبهة الشعبيّة وغيرها، دورا أساسياً في تنظيم الانتفاضة. لكنّ أمرين أدّيا إلى اضمحلال اليسار في الساحة الفلسطينيّة. أوّلُهما عدمُ تصدّيه الصارم للقيادة اليمينيّة لمنظمة التحرير، وقبولُه بقيام هذه القيادة باحتواء الانتفاضة، ولاسيّما من خلال مصادرة قرار قيادات الداخل وبثّ البيانات من تونس، فتخلّى اليسارُ بذلك عن موقع القوّة الذي تمكّن من أن يبنيَه في الأراضي المحتلّة سنة 1967. وثانيهما هو عندما بدأ التصادمُ مجدّدا مع اليمين الفلسطينيّ بعد اختياره المراهنة على واشنطن، فتحالف اليسارُ الفلسطينيّ مع "حماس" تحت رعايةٍ سوريّةٍ، متخلّيا عن الصراع الإيديولوجيّ. فعلى سبيل المثال، صَدرتْ في دمشق بياناتٌ مشتركةٌ عن الفصائل العشرة للمعارضة الفلسطينيّة كانت تبدأ بالبسملة، مع أنها حَملتْ تواقيعَ فصائل تَعتبر نفسَها ماركسيّة (طبعا هذا مجرّدُ عارضٍ رمزيٍّ من عوارض التقصير في واجب الصراع الإيديولوجيّ). وهكذا تُركت للتيّار الدينيّ مهمّةُ النقد الصارم للقيادة الفلسطينيّة ولسطوتها على المؤسّسات الوطنيّة، ففَرضتْ "حماس" نفسَها بديلاً جذريّاً للقيادة العرفاتيّة، في حين ظهر موقفُ اليسار متذبذبا متراوحا بين التعبير عن الامتعاض الشديد من اليمين العرفاتيّ والالتحاقِ به باسم "الوحدة الوطنيّة". هذا الأمر قضى على الزخم الذي كان يمكن أن يوظّفه اليسارُ في تحوّله إلى قيادةٍ بديلةٍ للكفاح الفلسطينيّ، وسمح لحركة حماس بأن تستقطبَ بنفسها النقمةَ الجماهيريّة على قيادة منظّمة التحرير.
والظاهرة الأساسيّة التي رافقتْ أفولَ اليسار منذ أواخر السبعينيّات هي احتلالُ التيّارات السلفيّة الدينيّة ساحتي الكفاح الوطنيّ والمعارضة الشعبيّة للأنظمة. هذه هي المعضلة الرئيسيّة التي تواجه اليسارَ العربيّ. فالمشروع اليساريّ في المنطقة العربيّة يصطدم بهذا الجدار على أرض النضال الشعبيّ قبل أن يصطدمَ بالأنظمة. لذلك أقول إنّ على اليسار أولاً، إذا أراد أن يتمكّنَ من بناء ذاته، أن يكون يسارا كاملَ الهوية. فأيُّ يسارٍ ينتقص من هويّته ويسْتر بعضَ قيَمه بغية التعاون أو التحالف مع قوًى أخرى، دينيّةٍ أو غير دينيّة، فإنّ هذه القوى ستبتلعه. وعلى اليسار أن يكون وفيّاً لكافة القيَم التحرريّة بحيث يؤكّد تمايزَه عن الأطراف المنافسة له في كسب العطف الجماهيريّ.
ويؤكد على ذلك الباحث جميل هلال الذي أشار إلى أن من الأسباب الموضوعية التي أدت إلى ضعف اليسار العربي يتمثل في أن اليسار بات يواجه  تيارا إسلاميا سياسيا كتيار جماهيري منظم، وكتيار يملك رؤية شاملة مسنودة بنصوص دينية تعطي بعدا سياسيا. ويشكل هذا التيار خصما عنيدا لا يستطيع اليسار تجاهله، لكن هذا التيار له مكمن ضعف استراتيجي يتمثل في خلو جعبته من الحلول  لمشكلات الناس الدنيوية، فلا سياسة اقتصادية لديه تختلف عن تلك التي أسقطت العديد من الأنظمة العربية وتسببت في استشراء البطالة والفقر والغنى الاستعراضي، وليس لدى هذا التيار التوجه لبناء دولة ديمقراطية مدنية.[25]
ومن خلال ما سبق، يستنتج الباحث أن صعود حركات الإسلام السياسي وخصوصاً حركة حماس على الساحة الفلسطينية قد ساهم في تراجع المد اليساري وانحساره، ويعزو الباحث هذا إلى كون حركة حماس كانت أقدر في الوصول إلى الشرائح الاجتماعية المختلفة من خلال طرحها وتبنيها للأفكار الإسلامية القريبة إلى عقيدة المجتمع الفلسطيني المسلم، وبالتالي استطاعت أن تلامس احتياجات الجماهير أكثر من غيرها من الحركات والأحزاب السياسية على الساحة الفلسطينية بما فيها الاتجاهات اليسارية.
وبعد التطرق لأهم الأسباب الذاتية والموضوعية التي ساهمت في تراجع اليسار الفلسطيني وانحساره، هل هناك من سبيل للنهوض بهذه التجربة؟؟ وهذا ما سيتم التطرق إليه في الفصل القادم.
 
 


الفصل الرابع
سبل النهوض باليسار الفلسطيني
 
يرى الكاتب اليساري ياسين الحاج صالح أن النهوض بالتجربة اليسارية يتطلب منا العودة إلى الوراء حتى قبل 35 عاماً من خلال إعادة بناء الطرح اليساري، وعلى أرضية معلومات ومعطيات موثوقة لا يصعب توفرها في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، انطلاقاً من مبدأ أن اليسار هو حليف الوقائع والمعلومات الكثيرة، لا حليف المضاربات الأيديولوجية العريضة.
وهو يرى أن القيام بذلك سيساهم في بناء تحليل شامل للواقع، يسهم في بناء تحليلات جزئية تعزل الاقتصاد عن السياسة، والدين عن الدولة، والخارج عن الداخل، بحيث لا تتشكل حول أيٍ منها غير أيديولوجيات جزئية تساعد على تعميم التجزؤ الاجتماعي والثقافي المتنامي في المجتمعات المختلفة.
ويضيف أيضاً بأنه ينبغي على اليسار أن يستغل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، المترتبة بخاصة على لبرلة الاقتصاد وهيمنة البرجوازيين الجدد، وظهور تنويعة من الليبرالية التسلطية النخبوية جداً واليمينية جداً والمقربة من السلطات جداً ولا تبالي بالمبادئ الليبرالية من حريات ودستور وتقييد للسلطة. فهو يرى أن هذه الظروف التسلطية تستدعي إفساح المجال لتصور البعد الاشتراكي في الديمقراطية وإنصاف الشعوب، ويضيف "إن اليسار يكون أصلح ما يمكن حين نكون في (وضعية يسارية) تشغل المسألة الاجتماعية فيها مركز ثقل العمل العام أو تتصدر أجندته"[26].
ويرى جلبير الأشقر (2010) أن من العوامل التي ساهمت في تراجع التجربة اليسارية ارتهانها للاتحاد السوفييتي، ومن ضمنها التيارات اليسارية الفلسطينية المختلفة، وفي هذا السياق، يقول: "...وإذا قارنّا بين الحركة الشيوعيّة الأوروبيّة منذ الخمسينيّات، والحركةِ الشيوعيّة العربيّة، فسنرى الفارق جليّاً في ما يتعلّق بالدور السوفييتيّ: ففي حين تقلّصتْ كثيرا قدرةُ السوفييت بعد السبعينيّات على التأثير في معظم الأحزاب الأوروبيّة، كانت تبعيّةُ العديد من الأحزاب الشيوعيّة العربيّة للسوفيات كاملة، إذ ارتهنتْ إلى حدٍ كبيرٍ بدعمهم الماديّ، بعد أن فقدتْ زخمَها الخاصّ بسبب تعرّضها للقمع"[27].
وخير دليل على ذلك التجربة الكوبية، حيث اضطرّت كوبا بسبب الحصار الأميركيّ الخانق المستمرّ، إلى الارتهان بالاتحاد السوفييتيّ اقتصادياً، بما جعلها تَخضع لسياساتٍ انتقصتْ من دورها الثوريّ؛ لكنّ زخمَ الثورة الكوبيّة وتماسكَ قيادتها في استقلالها عن موسكو لجَما ارتهانَ التجربة بحيث استطاعت كوبا أن تستمرّ في الصمود بالرغم من انتهاء الاتحاد السوفييتيّ، ثم جاء فكُّ عزلتها في أميركا اللاتينيّة مع المدّ اليساريّ الجديد ليصلب قوتها، ويعزز صمودها.
وفي هذا السياق يؤكد أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين السيد نايف حواتمة في إحدى كتبه على أن قوى اليسار انتصرت حين تلمست وانحازت هذه القيادات وبإحساس عميق ومدرك لبرامج ومشكلات جماهيرها واستجابت لها. حتى أن الشعوب ذاتها تخلت أيضاً عن الأحزاب "اليسارية والليبرالية" التي لم تلتحق بها وببرنامجها، وتنضوي مع من استجاب لها، كضرورة لا بد من تحقيقها.[28]
ويسوق على ذلك ما حدث في البرازيل والأرجنتين أيضاً من نجاح للتجربة اليسارية، قيقول: "إن المجتمعات اللاتينية، التي اكتوت بالنيوليبرالية المتوحشة منذ عقود السبعينيات، قد صاغت نخبها الجماهيرية اليسارية بدائل للسياسات القديمة، مع حفاظها في الوقت نفسه على القيم الأساسية للمشروع اليساري الديمقراطي الثوري، وأهمها التركيز على الحاجات الأساسية للمجتمعات، على الجماهير العريضة في مجاليّ الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، معاً وسوياً. وكثير من هذا وقع في البرازيل بزعامة حزب الشغيلة برئاسة العامل اليساري لويس أناسيو دي سيلفا المعروف بلقب "لولا" رئيس البلاد، الذي أوقف وصفات البنك الدولي وبرامج النيوليبرالية التي قادت إلى انهيار الاقتصاد البرازيلي، والآن يحتل الاقتصاد البرازيلي الموقع التاسع في الاقتصاد العالمي، جامعاً بين قطاع الدولة والقطاع الخاص والتحولات المتسارعة نحو العدالة الاجتماعية. في الأرجنتين فاز اليسار البيروني بالرئاسة بزعامة نستور كير تشنير الذي أوقف العمل بوصفات البنك الدولي التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الأرجنتيني، وجمّد ديون صندوق النقد الدولي، ونهض باقتصاد المجتمع والدولة وشبكة الضمانات الاجتماعية، وعام 2008 فاز اليسار البيروني من جديد برئاسة كريستينا كير تشنير.[29]
يرى جلبير الأشقر أن النهوض باليسار من سباته يتطلب إعادة إحياء فكرة القومية العربية التي عرفتها خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فهذه الفكرة لا تزال كامنة، وإن إمكانية إحيائها ممكنة تماماً في حال وجود أطراف قادرة على تجسيدها في نظر الجماهير. حيث أشار إلى ذلك بقوله "إن مفهوم الأممية عند ماركس يتنافي مع قيام أيّ فصيلٍ يساري (عمّاليّ) بعلاقة مع الحكومة البرجوازيّة في بلدٍ آخر (طبعًا، يختلف الأمر في حال تسلّمِ فصيلٍ عمّاليّ زمامَ السلطة في بلدٍ ما، فلا بدّ عندها من التمييز بين العلاقات الدبلوماسيّة التي تقيمها الدولةُ الثوريّة والعلاقاتِ النضاليّة التي يقيمها الحزبُ الثوريّ)؛ فكم بالأحرى أن تصحّ القاعدة على الصعيد العربيّ الذي هو أكثرُ تداخلاً من الصعيد الأمميّ! المصالحُ التي ينبغي أن يُبنى اليسارُ على أساسها هي مصالحُ الكادحين في كافّة الدول العربيّة، والعلاقةُ التي يجب أن تُبنى هي العلاقةُ الأفقيّة بين فصائل الحركة الثوريّة العاملة في صفوف الطبقات الكادحة على نطاق المنطقة العربيّة بأسْرها، لا العلاقة بين فصائلَ تدّعي تمثيلَ مصالح الكادحين وبين حكومةٍ تُشْرف على استغلالهم وقمعهم"[30].
يتحتّم على اليسار أن يسعى، حيث أمكن، إلى توسيع المجال الذي تستطيع الحركةُ الجماهيريّةُ أن تسير من خلاله، أيْ توسيع مجال الحريّات والنضال من أجل المطالب الآنيّة، سواء أكانت ديمقراطيّة أم اجتماعيّة متعلّقة بمستوى المعيشة الكارثيّ على الصعيد العربيّ؛ هذا ناهيك بمجالاتٍ أخرى أساسيّةٍ مثل المجال النسائيّ.
اليسار في أزمةٍ هي من العمق بحيث يحتاج فعلاً إلى مثالٍ خارجيٍّ يشير إليه كي يعيد بعضَ الصدقيّة إلى المشروع الاشتراكيّ. اليوم، في أميركا اللاتينيّة، تتطوّر تجاربُ يساريّةٌ بالمعنى الفعليّ للكلمة، وليست مسوخًا كما شهدنا في منطقتنا العربيّة. إنها حركاتٌ قائمةٌ على تعبئةٍ شعبيّةٍ واسعة، وحركاتٌ ملتزمةٌ بالأطر الديمقراطيّة، تحاول دفعَ المجتمع إلى الأمام عبر التغييرات الاجتماعيّة وغيرها. وهي تذكّرنا، إلى حدٍّ ما، بالتجذّر القوميّ الذي ساد في منطقتنا العربيّة في الخمسينيّات والستينيّات، لكنْ بصيغةٍ مبنيّةٍ على المشاركة الشعبيّة التي كانت مفقودةً تماماً عندنا في زمن الناصريّة، حيث كانت الأنظمةُ القوميّةُ مخابراتيّة، أما فلولُها اليوم فمخابراتيّةٌ صرف، بلا أيّ زخمٍ قوميّ أو شعبيّ.
غير أنّ هناك مجالاتٍ أخرى عديدةً يستطيع اليسارُ أن يتميّز فيها عن كافّة القوى الأخرى، وأوّلُها الصراعُ الطبقيّ. هذه ساحةٌ أساسيّة، وهي أقدرُ على كسر الجدار الطائفيّ. وطبعًا هناك الديمقراطيّة بمفهومها العميق الذي يشمل العلمانيّة (لا "إلغاءَ الطائفيّة السياسيّة" وحسب)، ناهيك بساحات التحرّر الاجتماعيّ، والساحةُ النسائيّة في صدارتها كما سبق الذكر. كلُّ الساحات التي أوردتُها ليس لليسار منافسٌ فيها، ومن الحكمة الإستراتيجيّة البديهيّة بالتالي أن يسعى اليسارُ إلى بناء نفسه بالتركيز عليها.[31]
ويرى الباحث ميشال شحادة أن حال اليسار اليوم صعب، فهو تائه أو بالأحرى ضائع بين قطبي الساحة الفلسطينية فتح وحماس، ولكنه في نفس الوقت يؤكد أنه يمكن لليسار النهوض من هذا السبات العميق إذا استطاع استعادة تعدديته السياسية، فيقول في هذا الشأن: "من الصعب على الساحة الفلسطينية أن تستعيد عافيتها وتبدد هذه الثنائية الإقصائية الكاتمة للأنفاس دون استعادة تعدديتها السياسية، لأن القضية الفلسطينية بحاجة إلى جميع طاقات الشعب الفلسطيني مهما كانت صغيرة أو كبيرة، فهي كحركة تحرر لا تحتمل تركيبة حكومية، معارضة وموالاة كدولة مستقلة، بل تحتاج إلى جبهة وطنية فلسطينية عريضة شاملة وموحدة ومتماسكة ومستندة إلى نظام ديمقراطي حقيقي تستطيع من خلاله مواجهة التحديات فوق العادية التي تواجهها".[32]
وبناء على ذلك، فإن الكاتب ميشال شحادة يرى أن النهوض باليسار الفلسطيني يبدأ بتشخيص واقعه أولاً، وذلك لمعرفة الداء ومن ثم الدواء، وأنه حتى يكون التشخيص شاملا ومتوازنا، فعلى اليساريين تناول العوامل الذاتية والموضوعية بصراحة وجرأة وقسوة، هذه العوامل التي دفعت باليسار الفلسطيني إلى هذا السبات المرضي في جميع جوانب الحياة الوطنية الفلسطينية.
وبناء على ما سبق، يمكن استنتاج أنه طالما هناك ظلم وجور من الرأسمالية والإمبريالية التي تسود العالم حالياً، والتي تقوم بإشعال نار الحروب في دول عديدة، بل وترعاها وتشرف عليها وتشارك في بعضها، هذا ناهيك عن غطرستها وقيامها بالحروب الاقتصادية التي تستهدف السيطرة على منابع القوة الاقتصادية في كافة الدول الضعيفة أو بالأحرى الدول التي قد تكون صيداً وفيراً لهم، كما حصل في العراق لثروته النفطية، ويحدث في السودان، وفي أفغانستان، وغيرها الكثير، فإن يد التكبر والاستعلاء لن تطول، ولا بد أن يأتي اليوم الذي يُسمع فيه صوت الضعفاء، وأن تجتمع كلمتهم وتتوحد صفوفهم، ويقفون صفاً واحداً في مواجهة هذه الإمبريالية والرأسمالية المتسلطة، التي تزرع أزلاماً لها هنا وهناك وتسيطر على خيرات ومقدرات الأمم.
إن هذا الظلم يعد مرتعاً خصباً لليسار للقيام بالنهوض من جديد، وبالتالي يرى الباحث أن إمكانية النهوض تأتي من هنا، وذلك من خلال القيادات الشريفة في الاتجاه اليساري التي عليها تصحو من سباتها وأن تغلب مصالحها الحزبية على المصالح الفئوية والشخصية والمادية، وأن تخرج من برجها العاجي، وأن تنزل إلى الشارع لإسماع صوتها للطبقات الاجتماعية الكادحة التي ما انطلق اليسار وترعرع إلا من خلالها.
وهذا يعني أن النهوض باليسار يتطلب حرص القيادات اليسارية في كافة أطيافها أن تعود إلى مربعها الأول الذي انطلقت مبادئ اليسار من خلاله، والتي يتمثل في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وبناء قاعدة شعبية عريضة، وترتيب البيت الداخلي، ومن ثم الانطلاق في مجابهة الرأسمالية والإمبريالية التي تستغل ثروات ومقدرات الأمم والشعوب.
أما على المستوى الفلسطيني، فإن النهوض باليسار ممكن جداً، وخصوصاً أن الشارع الفلسطيني قد أدرك حقيقة موقف حركتي فتح وحماس المتمسك جداً بالكراسي، والذي لم ينجح كلاهما في تحقيق تطلعات شعبنا الفلسطيني وآماله.
وبالتالي على اليسار أن يعيد رص صفوفه، من خلال تسلم القيادات الشريفة والنظيفة للمواقع القيادية في الأحزاب اليسارية المختلفة، ومن ثم القيام بثورة داخل هذه الأحزاب تستهدف الوقوف على مكامن الضعف وعلاجها، ومكامن القوة والتأكيد عليها، ومن ثم العمل على إعادة نشر وطرح أفكارهم التي شبوا عليها، والتي تتمثل في التحرر والعدالة الاجتماعية والمساواة، بغية الوصول إلى القاعدة الجماهيرية العريضة السابقة التي كانت مؤيدة لهم، عليهم أن يضعوا خطة إستراتيجية تستهدف توحيدهم لاستعادة وزنهم وهيبتهم، وهذا لا يكون إلا بإلقاء المصالح الفردية جانباً، ومن ثم السعي نحو إنهاء احتكار حركتي حماس وفتح للسلطة، انطلاقاً من مبدأ أن  الجميع أخوة وشركاء في الرأي، وأنهم يواجهون كياناً غاصباً هو الكيان الصهيوني، فلا مفاوضات حركة فتح نجحت في تحقيق الأهداف، ولا مقاومة حماس ستنجح لوحدها في تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.
إن هذه اللحظة هي المناسبة لكي تنهض قوى اليسار الفلسطيني لتقدم مشروعها وإستراتيجيتها الجديدة، ولكن هذا مشروط بقدرتها على تقديم قراءة شاملة وعميقة للتحولات السياسية التي تجري في المنطقة والعالم وانعكاسها على القضية الفلسطينية، وأيضا إعادة تجديد مشروعها الاجتماعي الثقافي الذي يدافع عن حقوق غالبية الشعب الفلسطيني من الفقراء والعمال والطبقة الوسطى التي تدفع ثمن خيارات القوى الرجعية الدينية (حماس) والقوى الرجعية النيوليبرالية (فتح).
وبناء على ذلك، يمكن استنتاج أن هذه الفرصة تعد مناسبة لليسار الفلسطيني للتقدم ببديل سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي يتجاوز من خلاله خيار الإسلام السياسي الذي تمثله حركة حماس، وخيار حركة فتح الذي انكشف أيضا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا...الخ، حتى يتمكن من إعادة بناء قاعدته الشعبية العريضة.
وفي هذا السياق يمكن التأكيد أيضاً على أن خيار التيار اليساري يجب أن يتنبه لما وقع به في الماضي، بحيث يضمن له عدم الابتعاد عن قاعدته الجماهيرية والقوى والألوان التي يمثلها، ويجب أن لا يغفل هذا التيار الواقع العربي الذي يعيش فيه، والذي يختلف كلياً عن الواقع الأوروبي أو الشيوعي، "فيجب عليه أن يتحرك كجزء من الخيار القومي العروبي التقدمي الذي تشكل مساحة العالم العربي السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية إطار فعله الثابت، وهذه المقاربة ليست اختيارية بل هي شرط موضوعي وصارم لضمان النجاح، ذلك لأن حالة النهوض والمقاومة الفلسطينية هي جزء طبيعي من منظومة النهوض والمقاومة العربية، في مواجهة المنظومة الاستعمارية الرجعية الصهيونية النقيضة التي تفعل وتتفاعل في عموم مساحة العالم العربي"[33].
وفي الحقيقة، فإن هناك أمراً لا بد من الإشارة إليه، وهو أن على كافة القيادات الفلسطينية وأحزابها أن يكون لهم دور أيضاً في إنجاح اليسار إذا كانت تهمهم مصلحة شعبهم ومصلحة وطنهم، بتغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح الفئوية، لأن التحرير هو أهم هذه المطالب، وهذا ما لن يتمكن أو يقدر أي طرف أو فصيل فلسطيني على تحقيقه لوحده.
 
 


الفصل الخامس
نتائج الدراسة والتوصيات
بعد استعراض حقيقة الأزمة التي يعيشها اليسار الفلسطيني، وتناول الأسباب الذاتية والموضوعية (الخارجية) لتراجع دور اليسار الفلسطيني وانحساره، وبعد التطرق لسبل النهوض باليسار الفلسطيني، يمكن تلخيص نتائج أسئلة الدراسة كالآتي:
5-1 النتائج:
أولاً: فيما يتعلق بالسؤال الأول للدراسة، ونصه: هل ساهم انهيار الاتحاد السوفيتي في انهيار الدعم المادي والمعنوي لأحزاب اليسار الفلسطيني وتراجع دورها؟
تبين للباحث أن غالبية من كتب في أزمة اليسار بشكل عام أو اليسار الفلسطيني على وجه الخصوص قد أجمع على أن انهيار الاتحاد السوفييتي قد ساهم في تفاقم أزمة اليسار العربي عموماً والفلسطيني على وجه الخصوص.
وهنا ينبغي الإشارة إلى رأي بعض الكتاب كجلبير الأشقر الذي ذكر أن انهيار الاتحاد السوفييتي والتجربة الاشتراكية السوفييتية قد ساهم في أزمة اليسار الفلسطيني، ولكنه لم يكن السبب القوي والمباشر لذلك. بل أشار إلى أن السبب الأقوى يتعلق بالتنظيم الداخلي لبيت اليسار، الذي أصبح بعض مسؤوليه يسعون نحو المادة والمال، بعيداً عن حاجات ورغبات وتطلعات شعبهم، وبعيداً عن المبادئ الأساسية التي انطلق اليسار الفلسطيني منها، والمتمثل في اليسار الثوري التحرري الساعي نحو التحرير والمساواة، ويؤيد الباحث هذا الرأي.
ثانياً: هل ساهم غياب الديمقراطية داخل الأحزاب اليسارية في ضعفها والنفور منها؟
تبين للباحث أن هناك أزمة حقيقية داخل الأحزاب اليسارية الفلسطينية، وأن هذه الأزمة قديمة حديثة في نفس الوقت، فهي قديمة بسبب التباين الأيديولوجي في اتجاهات الحركات اليسارية، حيث لاحظنا كيف انشقت الجبه الديمقراطية عن الجبه الشعبية في العام 1968م، واتجهت نحو الماركسية السوفييتية، في حين كانت الجبهة الشعبية حينها متجهة نحو الماركسية الماوية (الاشتراكية الصينية)، وبعد أن اتجهت الصين نحو بناء علاقات مع الإمبريالية الأمريكية، عادت الجبهة الشعبية والتصقت بالماركسية السوفييتية، هذا ناهيك عن أن بعض الأحزاب قد أيدت أفكاراً سوفييتية ساهمت في تضعضعها، كالحزب الشيوعي الفلسطيني الذي بقي ملتصقاً بالماركسية السوفييتية حتى بعد أن أيدت قرار التقسيم لفلسطين سنة 1947.
إن هذا التأرجح الفكري بين القومية والماوية والماركسية، هذا ناهيك عن مقولة فلطنة الثورة الفتحاوية قد أدى إلى حدوث اختلاط فكري لدى الاتجاهات اليسارية قاطبة، وسبب لها نوعاً من الأرباك.
أضف لذلك، فإن البيت الداخلي للاتجاهات اليسارية قد أصبح مفككاً بتصرفات قياداته، والتي أصبحت تحرص على المناصب والمنافع والمكاسب الشخصية أكثر من حرصها على أفكارها ومبادئها، وهذا أدى إلى إضعافها وخسارتها لقاعدتها الشعبية العريضة التي كانت تتبنى الأفكار الثورية والتحررية.
كما أن بقاء القيادات الحزبية على مقاعدها في قيادة الأحزاب، دون الوعي لضرورة إحلال قيادات جديدة شابة، قادرة على العمل ثم العمل ثم العمل قد ساهم في إضعاف اليسار الفلسطيني. هذا ناهيك عن أن هم بعض قادة الاتجاهات اليسارية قد أصبح منصباً فقط على كيفية جمع المال، وبناء العلاقات مع المؤسسات والجهات الداعمة، الأمر الذي أدى بدوره إلى حالة الهوان والضعف لدى الأحزاب اليسارية الفلسطينية.
وبناء على ذلك يرى الباحث أن غياب الديمقراطية وعدم الشفافية داخل الأحزاب اليسارية، وعدم الحرص على تبني أيديولوجيات موحدة، تتلاءم وضعنا الفلسطيني وتتكيف معه، وعدم إحلال قيادات جديدة شابة ...الخ، كل هذا يبرهن على أن اليسار الفلسطيني يعاني أزمة حقيقية في بنيته الداخلية وممارساته.
ومما يجب على كافة الفصائل والأحزاب اليسارية إدراكه هو أنه حتى لا يصبح الاتجاه اليساري الفلسطيني صفحة من التاريخ، على كافة قيادات الاتجاهات اليسارية وأعضاؤها أن يدركوا حقيقة اليسار الثوري، وأنه ضرورة ملحة لا طرف في معادلة أو في جملة لا محل لها من الإعراب، وخصوصاً في ظل المأزق الكبير الذي أوصلنا إليه اليمين الفلسطيني بشقيه (الوطني والإسلامي) وطنياً ومجتمعياً، فلا مجال لليسار للبقاء إلا بالإيقان بفكرة اليسار الثوري وعياً ووظيفة ودوراً وأداء وممارسة، الديمقراطي في تقبله للآخرين وفي تعامله مع عناصره وأفراده.
 
 
ثالثاً: هل كان لاتفاقية أوسلو أثر سلبي على أحزاب اليسار الفلسطيني؟
يرى الباحث أن اتفاق أوسلو قد أضعف أحزاب اليسار الفلسطيني، وهذا ظاهر من خلال موقف الأحزاب اليسارية الرافض لهذه الاتفاقية بداية، ومن ثم العودة والقبول بها بعد رفضها، والموافقة على إقامة دولة مستقلة في حدود عام 1967م، وهذا الإرباك ساهم في غياب مشاركة الأحزاب اليسارية الفلسطينية عن انتخابات عام 1996، ثم العودة والمشاركة في انتخابات عام 2006 والتي أظهرت نتائجها حقيقة المشكلة التي يعاني منها اليسار، وكيف أنه أصبح معادلة هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع.
لقد ترتب على هذه المواقف المتباينة من اتفاقية أوسلو أن أصبحت القاعدة الجماهيرية العريضة لليسار في الحضيض، وساهم بشكل غير مباشر في زيادة نمو حركات الإسلام  السياسي الممثلة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الساحة الفلسطينية.
رابعاً: هل ساعد ظهور حركات الإسلام السياسي إلى تراجع أحزاب اليسار الفلسطيني؟
من خلال استعراض ما تناولته الدراسة في هذا المجال، يتبين للباحث أن صعود حركات الإسلام السياسي قد ساهم بشكل كبير في إضعاف اليسار، وكذلك في تهميشه، بحيث أصبح معادلة لا قيمة لها، ولا تملك مقومات التأثير على قطبي الساحة الفلسطينية الممثلين بحركتي فتح وحماس.
هذا ناهيك عن أن بعض الكتاب والباحثين قد أشاروا إلى أن القاعدة اليسارية العريضة لليسار قد اتجهت نحو حركات الإسلام السياسي التي تبنت نهج المقاومة في تسعينيات القرن الماضي، وبالتالي نجحت حركات الإسلام السياسي في القيام بالعمل الذي أوجدته بعض الأنظمة من أجله وهو مجابهة الاتجاهات اليسارية، كما أشارت لذلك الباحثة ذكرياء الفاضل فيما يتعلق باليسار المغربي... وغيرها الكثير من التجارب سواء عربياً أو فلسطينياً.
غير أن الباحث يرى أن صعود حركات الإسلام السياسي الذي أوجدته بعض الأنظمة العربية لضرب اليسار قد بدأ بالتململ، وهذا مبشر خير على اليسار أن يستغله للنهوض والعودة إلى أمجاده، فما حدث لحركة الإخوان المسلمين سواء في مصر أو لحركة حماس من مقاطعة في قطاع غزة، أو لحزب الله في جنوب لبنان، أو ظهور لحركات إسلامية عديدة تقاتل بعضها البعض كحركة داعش، وجبهة النصرة وغيرها الكثير سواء في الساحة العراقية أو السورية، كل هذا يشير إلى بداية أفول لنجم حركات الإسلام السياسي، والذي على قادة اليسار أن يعوا الدرس جيداً وأن يستغلوا هذه الفرصة لإعادة رص صفوفهم والتوجه نحو قاعدتهم الجماهيرية المنظمة التي تتكون أساساً من الفقراء والفلاحين والكادحين لإعادة  إقناعهم بآرائهم وأفكارهم، وحرصهم على تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية... بغية إعادة بناء هذه القاعدة الجماهيرية العريضة التي غابت منذ زمن بعيد.
خامساً: هل ساعد الانقسام السياسي وثنائية حركتي فتح وحماس على تراجع تأثير أحزاب اليسار الفلسطيني؟
نعم، لقد ساعدت الثنائية القطبية على الساحة الفلسطينية لحركتي فتح وحماس على إضعاف اليسار، بل وعملت على ذلك، من خلال تهميش موقف اليسار فلسطينياً، ولكن... ينبغي أن نشير هنا إلى أن ضعف البيت الداخلي لليسار أيضاً قد ساعد هذه الثنائية على السيطرة على الساحة الفلسطينية.
ولكن الباحث يعتقد أن ما وصلت إليه هذه الثنائية من طريق مسدود سواء عن طريق المفاوضات التي تبنتها حركة فتح، أو عن طريق المقاومة التي تبنتها حركة حماس، كلاهما لم يحقق آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن هذا يتيح الفرصة لليسار الثوري المتحرر لأن يصبح طرفاً ثالثاً فاعلاً على الساحة الفلسطينية، وما على قادة الأحزاب والفصائل اليسارية إلا أن يفهموا حقيقة هذا الأمر، وأنه يكاد يكون المخرج الوحيد لليسار الفلسطيني من أزمته، عن طريق الاقتناع بضرورة التوحد وبناء تيار يساري موحد قادر على الوصول إلى قاعدة جماهيرية عريضة بطرح أفكاره الثورية والتحررية والتقدمية، وبالتالي رص صفوف الجبهة اليسارية والنهوض بها من جديد... وهنا يرى الباحث بأن أي تقاعس من قادة الأحزاب اليسارية على الساحة الفلسطينية عن هذا الأمر، يعني أن هذا القائد لا مكان له في اليسار الفلسطيني الثوري التحرري... على القادة أن يعوا ذلك ويفهموه جيداً.
سادساً: ما هي سبل النهوض باليسار الفلسطيني من أزمته التي يعيشها؟
يتبين للباحث بأن سبل النهوض باليسار الفلسطيني متعددة، ولكن لها أولويات تتمثل فيما يلي:
1.    إعادة تنظيم البيت الداخلي لليسار الفلسطيني.
2.    القناعة التامة بضرورة توحد اليسار لمجابهة ازدواجية الشارع الفلسطيني.
3.    القدرة على تقديم أفكار يسارية تتلاءم مع ثقافة الشعب الفلسطيني وواقعه... لا أن نعمل على مطابقة أفكار اليسار لواقع الشارع الفلسطيني وثقافته، وخير دليل على ذلك أن كل التجارب اليسارية الناجحة في العالم قد واءمت واقعها للأفكار اليسارية لا العكس.
4.    الاهتمام بإعداد قيادات شابة مثقفة وواعية وقادرة على حمل رسالة من سبقوها، حتى لا تهتز الحركة أو الحزب عند فقدان القادة أو اعتقالهم أو ....الخ.
ويرى الباحث أن هناك سبلاً أخرى كثيرة للنهوض باليسار الفلسطيني، كتبني سياسة ديمقراطية شفافة وواضحة داخل الأحزاب اليسارية، والعمل على الوصول إلى الطبقة الكادحة والعاملة لا أن نبقى في أبراجنا العاجية، وكذلك الحرص على إيصال حقيقة أفكار اليسار وسعيها نحو تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية ومحاربة الرأسمالية للنشء الجديد الذي شبَّ على ضعف اليسار وتفككه، ولكن أهمها ما تم الإشارة إليه أعلاه.
وبعد الإجابة على أسئلة الدراسة، يمكن استنتاج أن تراجع الدور اليساري الفلسطيني وانحساره اجتماعياً يعود لأسباب عديدة، بعضها ذاتي والبعض الآخر موضوعي (خارجي)، ولكن الباحث يرجح الأسباب الذاتية على الموضوعية (الخارجية)، ويعزو ذلك بأن هناك العديد من التجارب اليسارية على المستوى العالمي وخصوصاً في دول أمريكا اللاتينية قد نجحت تجاربها اليسارية وتمكنت من الوصول إلى أعلى مراتب الدولة حتى بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي الاشتراكية.
وبالتالي فإن النهوض بالتجربة اليسارية الفلسطينية يتطلب من قيادات الأحزاب اليسارية الفلسطينية وأعضاؤها الوقوف على هذه التجارب اليسارية الناجحة، ودراسة عوامل وأسباب نجاحها، ومن ثم الاستفادة منها على المستوى الفلسطيني، فلا بد من القيام بعملية نقد ذاتي، والتعلم من الأخطاء، والوقوف على أسباب وعوامل النجاح، وبلورتها على الواقع الفلسطيني للنهوض من جديد.
على أن من أهم هذه العوامل، القدرة على تحقيق الوحدة اليسارية بين كافة أطياف اليسار الفلسطيني، والقدرة على بلورة الأفكار اليسارية مع الواقع الفلسطيني الذي نعيشه.
 
 


5-2 التوصيات
1.    أهمية وضرورة الإسراع في تشكيل جبهة يسارية موحدة تجمع كافة قوى اليسار الفلسطيني، ووضع آليات تعمل على تدعيم هذا التوجه، من أجل النهوض بدور اليسار والدفاع عن القضية الفلسطينية بإستراتجية يسارية موحدة .
2.    من الضرورة بمكان أن يدرك قادة كافة الأحزاب والفصائل اليسارية أهمية التنسيق والعمل المشترك في ما بينهم، لأن هذا يعد أساساً ورافعة للنهوض باليسار الفلسطيني، وإلا فإن كافة قادة الفصائل اليسارية الفلسطينية يتحملون ما آل إليه وضع اليسار الفلسطيني.
3.    ضرورة العمل على تنظيم البيت اليساري الفلسطيني داخلياً.
4.    ضرورة أن تتلاءم أفكار الطرح اليساري مع الواقع الفلسطيني لا العكس.
5.    ضرورة قيام كافة الأحزاب اليسارية بإعداد وتأهيل قيادات شابة قادرة على المضي بالمسيرة نحو الأمام.
6.    ضرورة إدراك اليسار الفلسطيني بأن طريقه مليئة بالأشواك نحو تحقيق الهدف الأول وهو تحرير فلسطين، وأن لا يقع في المأزق الذي وقعت به حركتي حماس وفتح، فيجب عليه أن يكون واعياً في طرحه، متفهماً لأفكار غيره، قادراً على الرد بعقلانية وحكمة على الجميع، منطلقاً من قاعدة جماهيرية عريضة قادرة على شد أزر قادتها ومساندتهم... فنحن نؤمن أن طريق التحرير طويلة ولن تتم على يد اليسار لوحده أو اليمين لوحده أو حركات الإسلام السياسي لوحدها، فلا بد من الإيقان بأهمية تكاتف الجميع والسعي نحو الهدف الأسمى ألا وهو التحرير.
 
 
 
 
 
 


قائمة المراجع:
أبو رمضان، محسن، جولة سريعة داخل مؤتمر اليسار الفلسطيني، تاريخ النشر: 29/06/2014. الموقع: http://pngoportal.org/arab/modules.php?name=News&file=article&sid=1192، تاريخ الزيارة: 18/12/2014.
أبو يوسف، أزمة اليسار الفلسطيني، الجزء الثاني، مجلة وطن "المجلة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني"، تاريخ النشر: 19/3/2010.
الأشقر، جلبير، اليسار العربي: حوار مع جلبير الأشقر، مجلة الآداب، العدد 4-5/2010.
باديو، ألان، الفرضية الشيوعية، ط1، ترجمة عزيز لزرق، ومنير الحجوجي، دار توبقال للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، المغرب، 2009.
شيفر، بيتر، تمهيد كتاب اليسار الفلسطيني إلى أين؟. مؤسسة روزا لوكسمبورغ، كانون أول، 2009.
هلال، جميل، التنظيمات والأحزاب السياسية الفلسطينية، ملحق رقم (3)، رام الله، مواطن، 2006.
الحاج صالح، ياسين، في الواقع لا في النص: أيّ يسار، وأين، وأيّة سياسات يسارية؟ مجلة الآداب، العدد (3)، بيروت، 2010.
حبش، جورج، أزمة اليسار العربي... إلى أين؟، مدونة القومي العربي، تاريخ النشر: 01/02/2008.
حبيب، هاني، مؤتمر اليسار: تمرين إضافي، صحيفة الأيام، العدد الصادر بتاريخ: 28/6/2009، الموقع الالكتروني: http://www.al-ayyam.com/article.aspx?did=115391&Date=6/28/2009
تاريخ الزيارة: 17/12/2014.
حسن، شاكر فريد، واقع قوى اليسار الفلسطيني ومستقبله!، شبكة فراس الإعلامية، مقال نشر بتاريخ: 14/1/2014. الموقع الالكتروني: http://fpnp.net/site/news/3583 ، تاريخ الزيارة: 28/12/2014.
حواتمة، نايف، اليسار العربي ورؤيا النهوض الكبير، ط1، دار الأهالي للطباعة النشر، دمشق، ودار بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، 2009.
شبو، راتب، كي يكون اليسار سبيلنا إلى النهضة، مجلة الآداب، العدد (4-5)، 2010.
شحادة، ميشال، أزمة اليسار الفلسطيني، الجزيرة نت، صفحة المعرفة، مقالات رأي وتحليلات، تاريخ النشر 07/02/2012.
عبد الله، سامر، عندما يهجر أهل اليسار منازلهم، عن أي يسار نتحدث؟، مدونة الكترونية، الحلقة السادسة، تاريخ النشر: 13/09/2010، http://samerabdulah.blogspot.com/2010/09/6.html تاريخ الزيارة 28/11/2014.
عبد المجيد، حمدان، عن الديمقراطية (100) سؤال وجواب، المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية، رام الله، 2008.
عرار، ماهر، اليسار الفلسطيني بين عوامل الغيابات وديناميكيات إعادة النهوض، مقال منشور في موقع: نقطة أول السطر، تاريخ النشر: 31/10/2013،http://www.noqta.info/page-60939-ar.html   تاريخ الزيارة: 30/12/2014.
الفاضل، زكرياء، أسباب فشل اليسار المغربي كما أراها، الحوار المتمدن، العدد 2962، 1/4/2010.
لبيب، الطاهر، اليسار العربي والتباسات النقد الذاتي، مجلة الآداب، العدد (3)، دمشق، سوريا، 2010.
محيسن، تيسير، النظام السياسي الفلسطيني والتيار الثالث (دراسة بنيوية)، ورقة بحثية، 2007. الموقع الالكتروني:  http://sites.birzeit.edu/cds/arabic/research/2006/papers/2.doc
محيسن، تيسير، مجلة رؤية، العدد (13)، تشرين أول 2011، تاريخ الزيارة: 30/12/2014.
مركز المعلومات الوطني الفلسطيني – وفا، التنظيمات السياسية والمنظمات التطوعية في السياق الفلسطيني، 2011، الموقع الالكتروني: http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=3981  تاريخ الزيارة 24/12/2014.
مروة، كريم، نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد (82)، ربيع أول، 2010.
موقع اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية، http://www.elections.ps/index.php تاريخ الزيارة 18/12/2014.
نصار، إبراهيم، اليسار الفلسطيني: تحديات المرحلة والدور المطلوب، مبادرة الدفاع عن الأراضي المحتلة (OPGAI)، تاريخ النشر: 16/08/2013، http://www.opgai.org/2013 تاريخ الزيارة 20/12/2014.
هلال، جمال، إطلالة أولية على اليسار في المشرق العربي، ط1، مؤسسة روزا لوكسمبورغ، رام الله، فلسطين، 2014.
هلال، جميل،  في توصيف اليسار في المشرق العربي لواقعه، وكالة أمد للإعلام، تاريخ النشر: 30/03/2014، الموقع الالكتروني: http://www.amad.ps/ar/?Action=Details&ID=19910 تاريخ الزيارة: 27/10/2014.
هلال، جميل؛ وعوكل، طلال؛ وعثمان، زياد، اليسار الفلسطيني إلى أين؟، مؤسسة روزا لوكسمبورغ، تنفيذ: مؤسسة ناديا للطباعة والنشر، رام الله، فلسطين، 2009.
الصايغ، يزيد، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة، الحركة الوطنية الفلسطينية 1949-1993، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2002.
المراجع الأجنبية:
Norberto, B. & Allen, C., Left and Right: the significance of a political distinction, University of Chicago Press, 1997.
Smith, T. & Raymond, T., Cultures at war: moral conflicts in western democracies, Broadview Press Ltd., 2003.


[1] محيسن، تيسير، النظام السياسي الفلسطيني والتيار الثالث (دراسة بنيوية)، ورقة بحثية، 2007. الموقع الالكتروني:
   http://sites.birzeit.edu/cds/arabic/research/2006/papers/2.doc
[2] الفاضل، زكرياء، أسباب فشل اليسار المغربي كما أراها، الحوار المتمدن، العدد 2962، 1/4/2010.
[3] هلال، جميل،  في توصيف اليسار في المشرق العربي لواقعه، وكالة أمد للإعلام، تاريخ النشر: 30/03/2014، الموقع
  الالكتروني: http://www.amad.ps/ar/?Action=Details&ID=19910
[4] شحادة، ميشال، أزمة اليسار الفلسطيني، الجزيرة نت، صفحة المعرفة، مقالات رأي وتحليلات، 07/02/2012.
[5] مروة، كريم، نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد (82)، ربيع أول، 2010،
   ص158.
[6] شبو، راتب، كي يكون اليسار سبيلنا إلى النهضة، مجلة الآداب، العدد (4-5)، 2010، ص 53.
[7] لجنة الانتخابات المركزية، نتائج الانتخابات في سنوات مختلفة، رام الله، فلسطين. الموقع الالكتروني: https://www.elections.ps/Default.aspx?alias=www.elections.ps/ar
[8] موقع اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية، http://www.elections.ps/index.php
[9] منتديات رام الله لاند، النتائج النهائية لانتخابات جامعة بيرزيت 2010/2011، الموقع الالكتروني: http://forum.ramallah-land.com/f31/t48107
[10] لجنة الانتخابات المركزية، الموقع الالكتروني: https://www.elections.ps ، رام الله، فلسطين.
[11] هلال، جميل؛ وعوكل، طلال؛ وعثمان، زياد، اليسار الفلسطيني إلى أين؟، مؤسسة روزا لوكسمبورغ، تنفيذ: مؤسسة ناديا
   للطباعة والنشر، رام الله، فلسطين، 2009. ص 15.
[12] حسن، شاكر فريد، واقع قوى اليسار الفلسطيني ومستقبله!، شبكة فراس الإعلامية، مقال نشر بتاريخ: 14/1/2014.
   الموقع الالكتروني: http://fpnp.net/site/news/3583
[13] حبيب، هاني، مؤتمر اليسار: تمرين إضافي، صحيفة الأيام، العدد الصادر بتاريخ: 28/6/2009، الموقع الالكتروني:
   http://www.al-ayyam.com/article.aspx?did=115391&Date=6/28/2009
[14] أبو رمضان، محسن، جولة سريعة داخل مؤتمر اليسار الفلسطيني، تاريخ النشر: 29/06/2014. الموقع الالكتروني:
    http://pngoportal.org/arab/modules.php?name=News&file=article&sid=1192
[15] عرار، ماهر، اليسار الفلسطيني بين عوامل الغيابات وديناميكيات إعادة النهوض، مقال منشور في موقع: نقطة أول
   السطر، تاريخ النشر: 31/10/2013، الموقع الالكتروني: http://www.noqta.info/page-60939-ar.html
[16] شحادة، ميشال، أزمة اليسار الفلسطيني، الجزيرة نت، صفحة المعرفة والتحليلات، تاريخ النشر: 07/02/2007.
[17] نصار، إبراهيم، اليسار الفلسطيني: تحديات المرحلة والدور المطلوب، مبادرة الدفاع عن الأراضي المحتلة (OPGAI)،
   تاريخ النشر: 16/08/2013، الموقع الالكتروني: http://www.opgai.org/2013
[18] لبيب، الطاهر، اليسار العربي والتباسات النقد الذاتي، مجلة الآداب، العدد (3)، دمشق، سوريا، ص 43، 2010.
[19] مقدمة حوار أجراه الصحافي وائل عبد الرحيم مع الأستاذ في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت – فلسطين، المعروف بالمفكر الماركسي والأستاذ في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن(جلبير الأشقر)، نشر في مجلة الآداب، العدد 4-5/2010.
[20] شحادة، ميشال، أزمة اليسار الفلسطيني، الجزيرة نت، صفحة المعرفة والتحليلات، تاريخ النشر: 07/02/2007.
[21] الحاج صالح، ياسين، في الواقع لا في النص: أيّ يسار، وأين، وأيّة سياسات يسارية؟ مجلة الآداب، العدد (3)، دمشق،
   سوريا، ص 52، 2010.
[22] الأشقر، جلبير، اليسار العربي: حوار مع جلبير الأشقر، مجلة الآداب، العدد 4-5/2010.
[23] اليسار الفلسطيني إلى أين؟ ص10-11.
[24] عبد المجيد حمدان، عن الديمقراطية (100) سؤال وجواب، المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية، رام الله، 2008.
[25] هلال، جمال، إطلالة أولية على اليسار في المشرق العربي، مرجع سابق.
[26] الحاج صالح، ياسين، في الواقع لا في النص: أيّ يسار، وأين، وأيّة سياسات يسارية؟ مجلة الآداب، العدد (3)، دمشق،  
    سوريا، ص 53، 2010.
[27] الأشقر، جلبير، اليسار العربي: حوار مع جلبير الأشقر، مجلة الآداب، العدد 4-5/2010.
[28] حواتمة، نايف، اليسار العربي ورؤيا النهوض الكبير، ط1، دار الأهالي للطباعة النشر، دمشق، ودار بيسان للنشر والتوزيع،
   بيروت، 2009.
[29] حواتمة، نايف، مرجع سابق، 2009.
[30] مجلة الآداب، اليسار العربي: حوار مع جلبير الأشقر، العدد 4-5/2010، ص 46-47.
[31] جلبير الأشقر، مجلة الآداب، مرجع سابق.
[32] شحادة، ميشال، أزمة اليسار الفلسطيني، الجزيرة نت، صفحة المعرفة والتحليلات، تاريخ النشر: 07/02/2007.
[33] محيسن، تيسير، مجلة رؤية، العدد (13)، تشرين أول 2011.



#حذيفة_صلاحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عذرا عزيزتي
- لقمة العيش المغمسة بالدم والذل
- داعش هل هم ثوار أم وحوش بشرية؟؟!!
- الى من كانت معشوقتي
- لننتزع ما تبقى لنا من كرامة
- شتاء وفقر وانانية وثائر هو الضحية
- حكاية المارد الاحمر
- فصل الشتاء
- فرحة لم تكتمل
- مأساة عامل فلسطيني
- على الحاجز
- القطب الثالث هو الحل
- هل هو ربيع ام خريف ؟


المزيد.....




- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حذيفة صلاحات - أزمة اليسار الفلسطيني أسبابها وسبل النهوض بها