أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - نقد العلمانية والعلمانيين المصريين والعرب – الجزء الخامس















المزيد.....



نقد العلمانية والعلمانيين المصريين والعرب – الجزء الخامس


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4692 - 2015 / 1 / 15 - 07:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


## الجزء الخامس: ("السياسة والحكم والسلطة" بين العلمانية والدين).

حين أطالع كتابات ومقولات وأفكار العلمانيين المصريين والعرب أجد أن رؤاهم حول قضية "السياسة والحكم والسلطة" من وجهة نظر علمانيتهم يمكن أن ألخصها في عدد من النقاط الرئيسة التي يجعل منها العلمانيون نصوصاً وعقائد مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، يرددونها ويبشرون بها ليلاً ونهاراً، وما هي إلا محض "بيت عنكبوت" لا تثبت أمام النقد، وسوف أقوم بسرد بعضها هنا ومناقشتها والتعليق عليها في فقرات قصيرة وموجزة، وذلك على النحو التالي:

يقول العلمانيون: (العلمانية تعمل على أنسنة العلاقات البينية فى المجتمع).
قلنا من قبل إن العلمانية في أصل مفهومها ومضمونها هي: "إقصاء الدين من واقع الحياة" وخاصة من "الحكم والسياسة والتشريع والقانون والأخلاق"، وهذه الدعوى التي تزعم أن العلمانية تجعل كافة البشر مهما اختلفت أديانهم ومذاهبهم وألوانهم وأجناسهم وأعراقهم يتعاملون على أساس إنساني، وأن الإنسانية هي التي تحكم علاقات الناس وليس الدين أو العقيدة الدينية، هذا فضلا عن أن العلمانيين المصريين والعرب لا يردعهم وازع من حياء أو خجل في أن يروجوا بين البسطاء والسذج من الناس أنه بقيام أنظمة سياسية علمانية ستعيش الشعوب أبهى وأزهى معاني الإنسانية، وسينزل عليها المن والسلوى، وستفتح عليها البركات من السماء والأرض!!. إلا أن المدقق الواعي يعرف أن كل هذه المقولات ما هي إلا محض خرف ودعاوى كاذبة لا أساس لها من الصحة، والواقع وأحداث التاريخ القريب والبعيد تكذبها جملة وتفصيلا.

وحري بنا أن نسأل العلمانيين المصريين والعرب ونقول: في أي حقبة زمنية وفي أي بلد من بلدان العالم قامت "العلمانية" بمفردها بأنسنة العلاقات بين طوائف الناس في هذا البلد أو ذلك المجتمع؟؟، ثم ما علاقة العلمانية بالإنسانية؟؟، أليس عتاة الطغاة قاتلوا الشعوب المجرمون السفاحون المستبدون من الحكام كانوا علمانيين؟؟ وألم تكن أنظمة حكمهم أنظمة علمانية لا علاقة لها بالأديان من قريب أو بعيد؟؟، فهل منعت العلمانية كل من: "عبد الناصر" "تشاو شيسكو" "كمال أتاتورك" "بينوشيه" "صدام حسن" "حافظ الأسد" "القذافي" "كيم جونغ إيل" "بشار الأسد" "عبد الفتاح السيسي" وعشرات أمثالهم هل منعتهم علمانيتهم من الشمولية والاستبداد والطغيان وذبح وسجن وقتل وقهر شعوبهم؟؟، هل منعت العلمانية "ستالين" أو "هتلر" أو "موسيليني" أو "ماو تسي تونغ" من ارتكاب المجازر الوحشية الهمجية ضد عشرات الملايين من البشر؟؟، هل منعت العلمانية الأوروبيين من إبادة شعب بأكمله من الهنود الحمر واحتلال أوطانهم؟؟، هل منعت العلمانية الأمريكان من استخدام أقذر أسلحة الدمار والفناء الشامل ضد "هيروشيما" و"نجزاكي"؟؟ هل منعت العلمانية الأمريكان من قتل "مليون ومئة ألف" وجرح "3 ملايين" وتشريد نحو 13مليون لاجئ في فيتنام؟؟. هل منعت العلمانية أمريكا من احتلال "أفغانستان" و"العراق" وقتل وجرح وتشريد الملايين من أبناء الشعبين؟؟، ثم إن كل دول أفريقيا السمراء أنظمتها السياسية هي أنظمة علمانية لا تمت للأديان بصلة، فماذا قدمت لها العلمانية؟ وبماذا أفادتها العلمانية في أي مجال من المجالات؟؟، هل منعتها من الطغيان والاستبداد والحروب الأهلية؟ هل منعت عنها المجاعات؟ هل منعت عنها الفقر والجهل والأمية والتخلف؟؟.

فحقائق الواقع وأحداث التاريخ تؤكد لنا أن "العلمانية" بمفردها ما هي إلا الطغيان والإجرام والدمار والخراب والإبادة والمجازر والفناء والوحشية الآدمية التي تتعفف عنها وتشمئز منها وحوش البهائم والأنعام، والقول بأن "العلمانية" بمفردها أو النظم العلمانية تعمل على أنسنة العلاقات البينية في المجتمعات البشرية المختلفة لهو الكذب والدجل والتضليل والتدليس بعينه.

يقول العلمانيون: (العلمانية هي التفكير بطريقة نسبية متغيرة).
العلمانيون المصريون والعرب يتخذون من مصطلحات كـ (المطلق، النسبي) غطاءً للهروب من: "القيم والأخلاق والمبادئ والنزاهة والشرف والاستقامة والاعتراف بالحقوق" والهروب من: "الحق القسط والعدل"، فمصطلحان كـ "المطلق والنسبي" ما هما إلا شعاران فضفاضان بيد العلماني، لا يفقه مدلولهما ولا مناطهما الحقيقيان، هو فقط يستدعيهما على لسانه وفي كتاباته حين يسقط في يده، وتعوذه الحجة والبرهان، وموضوع: "المطلق والنسبي" والحديث عنهما باستفاضة يحتاج إلى بحث مستقل ومطول، وليس هنا موضع بسطه وتفصيله، لكن ما يمكنني قوله هنا أن "المطلق والنسبي" لهما مواطنهما ومدلولاتهما الحقيقيان، وليس كما يستخدمهما العلماني للهروب والهزل واللغو والتدليس والخداع والمكر والتعمية وتشويه الحقائق. فالنصوص الدينية ليست نصوصا مطلقة بالكلية، وليست نصوصا نسبية بالكلية، إنما فيها المطلق وفيها النسبي، ولكل منها مناطه وموضوعه ومدلوله العلمي الذي لا يطغى فيه أحدهما على الآخر ولا يلغي أحدهما الآخر.

يقول العلمانيون: (العلمانية تكفل حق المواطنة للجميع).
هذا كذب وتدليس فاقع، فالعلمانية تعادي المواطنين من أتباع الدين _أي دين_ الذين يريدون أن يحتكموا لشرائع دينهم، وتفرض العلمانية على جميع المواطنين وخاصة المسلمين ترك شرائع دينهم عنوة وقهراً وتفرض قوانين وشرائع وضعية صنعها بشر من عند أنفسهم، وهنا تستوي الفاشية العلمانية مع الفاشية الدينية لا فرق بينهما على الإطلاق، فكما أن هناك فاشية دينية لأتباع التيارات الإسلامية السياسية التي تريد أن تفرض التشريعات والقوانين الإسلامية على غير المسلمين أو على المنتسبين للإسلام من العلمانيين والملحدين واللادينيين عنوة وقهراً فكذلك الفاشية العلمانية تفرض تشريعاتها وقوانينها عنوة وقهراً على الجميع دون استثناء.

وإذا كان العلمانيون يعترضون على اعتماد الدولة على دين بعينه أو طائفة بعينها أو مذهبا بعينه لأن المجتمع يتشكل من طيف عريض من الديانات والطوائف والمذاهب الدينية المتعارضة والمختلفة، بينما باقي المواطنين المستبعدين سيشعرون بالإحباط لأنهم لا يستطيعون التعرف على أنفسهم، وعلى هويتهم في دين الدولة أو طائفتها أو مذهبها وسيبقون خارج المواطنة الكاملة، ولن يتمتعوا بكامل حقوقهم في وطنهم، ويقول العلمانيون أيضا: إن رابطة المواطنة لا تقوم على الدين أو الطائفة أو المذهب، بل تقوم على العقد الإجتماعي "الدستور"، فالدولة العلمانية تستمد شرعيتها من العقد الاجتماعي، لا من الدين، لتنظيم حياة المجتمع وتحقيق السلام الداخلي بين دياناته وثقافاته.

أقول: هذا الاعتراض حقيقي وصحيح وعادل، ولكن مَن مِن العلمانيين العسكريين والقبليين والطائفيين الذين يسيطرون على مقاليد الحكم في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه منذ عشرات السنيين قد سمح لبقية طوائف ومذاهب المجتمع بأن يشاركوا في صياغة العقد الاجتماعي "الدستور" دون إقصاء ودون إبعاد لطائفة أو فصيل بعينه؟؟، ثم أليست الدساتير الموجودة في دول العالم العربي والإسلامي بها الكثير من المواد التي تتحدث عن الإنسانية والكرامة والمواطنة وحرية الفكر والرأي والاعتقاد وعن الديمقراطية والدولة المدنية وعن الشفافية والمحاسبة والعدالة والحقوق؟؟ فمتى وفي أي زمن من الأزمان وفي أي بلد من بلداننا لمسنا أي أثر لهذه البنود وتلك المواد الدستورية في الواقع المعاش منذ عشرات السنيين؟؟، أم أنها طوال هذه العقود لم تكن سوى محض "حبر على ورق"؟؟.

يقول العلمانيون: (العلمانية تكفل للجميع حرية الاعتقاد وممارسة شعائر الدين).
هذا شعار يرفعه العلمانيون لكنه شعار مضلل مخادع، إذ هل الدين محض اعتقاد نفسي وإيمان قلبي ومحض شعائر ونسك فحسب كما يتوهم العلمانيون أم أن الدين منهج للحياة؟؟!، فإن كانوا يتحدثون عن الدين ويقصدون به "النصرانية البولسية" فمعهم كل الحق في هذا، فالنصرانية البولسية هي محض إيمان بالإله المصلوب، ومحض الإيمان بالإله المصلوب يمثل الخلاص للإنسان يوم القيامة، وليس ثمة شريعة ولا أحكام ولا شعائر ولا نسك ولا أوامر ولا نواه ولا حلال ولا حرام ولا جرائم ولا عقوبات، أما الإسلام فهو شريعة تمثل منظومة كاملة شاملة لكافة مناحي الحياة، منظومة من القوانين تحدد الجرائم وتضع لها العقوبات وتحوي الأوامر والنواهي والحلال والحرام والعبادات والشعائر والنسك. إذاً فشعار (حرية الاعتقاد وممارسة شعائر الدين) حين يوجه للدين الإسلامي فهو شعار مضلل ملتبس، يدخل تحته كثير من المقولات والشعارات المخادعة، مثلها مثل أن نسمع من بعض العلمانيين أن الغرب العلماني لا يمنع بناء المساجد للمسلمين وبناء دور العبادة لغير المسلمين ولا يمنع أحدا من ارتداء الزي الديني وممارسة شعائر دينه ولا يجبر أحدا على اعتناق دين بعينه، وينسى العلمانيون دائما أن الأنظمة العلمانية الغربية تفرض بقوة القانون منظومة تشريعية قانونية علمانية ونمط سياسي ثقافي اجتماعي علماني بعينه على المسلمين وغير المسلمين المقيمين هناك ولا خيار لهم في رفضه، ولا يستطيع مسلم واحد أو غير مسلم في الغرب أن يتحاكم إلى شرائع وقوانين دينه الإسلامي التي يتعبد بها لله ويؤمن أنها وحي من عند الله. فهناك فرق كبير بين الشعار المخادع الذي يرفعه العلمانيون "حرية الاعتقاد القلبي" وممارسة تشريعات وأحكام وتعاليم ذلك الاعتقاد في الواقع. وبالتالي فمن يحاول أن يقدم لنا العلمانية على أنها محض نظام سياسي يكفل الحرية والمواطنة والمساواة بين الجميع وأن العلمانية لا تعني اللادينية ولا الإلحاد فهو شخص ساذج ماكر مخادع أجوف لا علم له ولا فهم.

ومن المغالطات التي يسوقها العلماني المصري والعربي في سبيل الترويج لعلمانيته العنصرية القبيحة الزئبقية المراوغة، نجده يقول لنا: (العلمانية تعني أن تترك السياسة لأهلها ..وعلم الاجتماع لأهله .. والاعلام لأهله .. والاقتصاد لأهله ..وعلم النفس لأهله .. والقانون لأهله .. والدين لأهله ..لا أن يتغول رجل الدين ليفتي في كل هذه الأمور).
بالتأكيد لم يحدث على الإطلاق في طول التاريخ الإسلامي وعرضه أن قام أحد الحكام أو الخلفاء أو السلاطين أو الأمراء باستدعاء رجل دين أو فقيه دين وطلب منه الإفتاء دون علم في أي من هذه التخصصات، إلا إذا كان هناك فقيه دين قد درس وبحث أيا من هذه التخصصات من مصادرها الأصلية كـ "الرازي وجابر ابن حيان وابن الهيثم" وغيرهم كثيرون، فقبل أن يكون هؤلاء وأمثالهم علماء في العلوم الطبيعية كانوا فقهاء وعلماء في أمور الفقه والتفسير والعلوم الشرعية الدينية، وبالتالي فالعلمانيون بترويجهم لمثل هذه المقولات كأنهم يقولون لنا أن الشخص الوحيد في أي مجتمع من مجتمعات الأرض الذي يتقن ويحترف السياسة ويفهم في علم الاجتماع، أو الذي يحترف الإعلام، أو الذي يتقن الاقتصاد، أو الذي يتقن علم النفس، أو الذي يتقن القانون لابد وأن يكون علمانيا لادينيا ماديا ملحدا شاذا حتى يفهم ويتقن كل هذه الأشياء، وأن أي شخص ينتمي لأي تيار ديني أو يحمل أي فكر أو توجه ديني لا يصلح جينيا وحتميا للسياسة ولا لعلم الاجتماع ولا للإعلام ولا لعلم النفس ولا للقانون ولا للاقتصاد. بل إن من العجيب والغريب والمحير أنك لو سألت جل العلمانيين المصريين والعرب الذي يرددون مثل هذه المقولات الساذجة الحمقاء عن مؤهلاتهم الدراسية فربما تجد معظمهم لديهم مؤهلات دراسية متوسطة أو أقل من متوسطة بل ربما تجد معظمهم لا يجيدون التلاوة ولا الخط بشكل صحيح وسليم، وقد تلاحظ ذلك في كتاباتهم ومقالاتهم وتعليقاتهم. أو كما يقول المثل الشعبي المصري: (ميعرفش الألف من كوز الدرة)، ثم تجده يحدثك عن العلم والعلماء والتخصصات والكفاءات العلمية، بينما تجد المنتمين للفكر الديني والتيارات الدينية لديهم أعلى الشهادات الدراسية وأرفع الدرجات العلمية والأكاديمية من أكبر الجامعات والمراكز العلمية في العالم وفي شتى التخصصات العلمية. ومع هذا لا يصلح أحدهم لمزاولة أيا من هذه التخصصات لأنه ليس علمانيا لادينيا أمياً عنصريا جاهلا.

وقد تجد علمانيا مصريا أو عربيا مدلساً يقول: (العلمانية في الغرب لم تنجح إلا بعد أن تم نقد العقائد الدينية المسيحية نقدا صارما لا هوادة فيه، بل إن العلمانية كانت المقدمة التمهيدية لعلمنة الدولة وفصل الكنيسة عن الدولة. فالعلمانية هي محصلة لصيرورة طويلة عريضة، إنها تتويج لمسار التنوير والحداثة، إنها لبّ الحداثة وجوهرها. لا حداثة بدون علمانية. ولكنها نهاية او تتويج لصيرورة طويلة عريضة وليست بداية).

وللرد على هذا الكلام الساذج المدلس أقول: هل هناك شك في وجوب وضرورة نقد ونقض بل وهدم الديانة "النصرانية البولسية" التي تسببت في كل تلك الحروب وفي كل تلك المجازر الوحشية وفي كل ذلك الخراب والدمار والقتل لعشرات الملايين من البشر والظلام والفساد والإفساد في الأرض الذي عاشته أوروبا ومعها كثير من شعوب العالم منذ أن فرض عليها الامبراطور "قسطنطين" هذه الديانة كرها وقهراً؟؟، بل هل هناك شك في تجريم مثل هذه الديانة وتجريم التبشير بها وتجريم نشرها بين الناس؟؟ وهي الديانة التي أفرزت وحوشا بشرية مفترسة وذئاباً بشرية ضارية لم يعهدها الجنس البشري من قبل على الإطلاق؟؟، فالديانة التي تقول للطفل الصغير الذي يخطو أولى خطواته نحو الوعي: "إن الله الخالق العظيم القدير الرحيم الغني القوي قد خلق آدم، وآدم قد عصاه، فغضب الإله عليه، ولعنه ولعن نسله وكتب عليه الموت هو وبقية نسله إلى الأبد، ثم بدا لهذا الإله فجأة بعد آلاف السنين أن يتجسد في جسد بشري، وينزل من ملكوته لرحم مريم العذراء، ويبقى فيه تسعة أشهر، ثم تلده مريم طفلا صغيرا، يجوع ويظمأ ويحزن ويضحك ويبكي، وحين يكبر يقدم نفسه أضحية ليفتدينا نحن البشر من لعنة وآثار خطيئة أبينا آدم، فيقبض عليه مجموعة من الجنود الخطاة المجرمين ويعلقوه من يديه ورجليه على الصليب ويسبوه ويلعنوه ويبصقوا عليه حتى يموت، ومن ثم يتحقق لنا الفداء من خطيئة أبينا آدم التي لا ذنب لنا في ارتكابها ولا دخل لنا فيها!!، وأن هذا الإله قد مات ودفن، ثم قام من بين الأموات وصعد إلى ملكوته في السموات مرة أخرى، ثم أرسل رجلا اسمه "بولس" ليلغي العمل بناموسه وشريعته وأحكامه وأوامره ونواهيه وشعائره وعبادته ونسكه وحلاله وحرامه ويستبدل بها محض الإيمان القلبي بهذا الإله المصلوب".

فمثل ذلك الطفل الأوروبي الغض الصغير الذي ولد لأبوين نصرانيين، والذي تم صب مثل هذه التعاليم الشيطانية الخرفة في رأسه، ماذا تنتظر منه أن يكون حين يكبر وينضج وهو يحمل في نفسه رواسب هذه التعاليم الإجرامية الشائهة سوى أن يكون وحشا عدميا مجرما كـ "نيتشه، وهتلر، وموسيليني، وستالين، ولينين، وماو، ورادوفان كراديتش، وملاديتش" وعشرات ومئات من السفاحين المجرمين الذين يعج بهم التاريخ الأوربي على مدار ما يقرب من ألفي عام؟؟!!. وما الحروب الدينية التي قامت في أوروبا في القرن السادس عشر والسابع عشر إلا فقاعات متناثرة كان سببها هذا الدين "البولسي"، فبعد ظهور حركة الإصلاح الديني "البروتستانتية" حدثت حروب دينية أحرقت أوروبا كلها خلال القرني السادس عشر والسابع عشر استمرت أكثر من مائة وثلاثين سنة وجرت في الكثير من بلدان أوروبا مثل سويسرا وفرنسا وانجلترا والمانيا وهولندا والتي كان يصفق لها الزعماء الدينين لمكسابهم الشخصية كما صفق البابا "غريغوري الثالث عشر" لمجازر "سانت بارتيلمي" التي ذبح فيها 30 ألف بروستانتي بأبشع الطرق. والجدير بالذكر أن المؤرخ الفرنسي "فرناند بروديل" –في نهاية حياته- خشي أن يعود الصراع المذهبي في فرنسا مرة أخرى وأن تعود مثل تلك الأيام الغابرة التي كان يقتل فيها الكاثوليكي بروتاسنتني أو العكس لمجرد أنه يحمل عقيدة تخالفه أو لا تروق له. ولعلنا مازلنا نتذكر الفظائع والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية التي لم يمر عليها أكثر من عشرين عاما في أوروبا التي ارتكبها مجرمي الصرب ضد مسلمي "البوسنة والهرسك" فقد قتل النصارى الصرب حوالي 200,000 بوسني مسلم، ووصل عدد الجرحى إلى 200 ألف جريح ومعاق، وتم تهجير حوالي 1.8 مليون شخص عن مناطقهم، وتم اغتصاب النساء المسلمات في البوسنة بشكل خاص. وتشير تقديرات لأعداد النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب ما بين 20،000 إلى 50,000 امرأة وطفلة. ثم يحدثنا العلمانيون المصريون والعرب الحمقى أن العلمانية في الغرب لم تنجح إلا بعد أن تم نقد العقائد الدينية المسيحية نقدا صارما لا هوادة فيه!!.

العلمانيون يفرضون وصايتهم على الأديان وعلى المؤمنين بها:
يقول بعض العلمانيين: (العلمـانيـة تكفل الحريـات والتعـدد والتنوع الثقافي والفكري والعقائدي، والعلمانية تقف على الحياد من كل الاديان ولا تعرف تمييز بين المواطنين على أساس الدين والجنس واللون والثقافة والايدولوجية أو المعتقد، والعلمانية لا تلغـي الدين كما يشيع البعض بل العكس العلمانيـة تـحرر الدين من الأستغلال والأستبداد وتحرر المؤمنين والغير مؤمنين من عبودية ادعاء البعض بأنهم يملكون مفاتيح الجنة والنار لتسكين البشر فيها).

يا أيها العلماني ما هو الدين الذي تتحدث عنه؟؟ هل هو دين العلمانيين منزوع الدين أم دين القرءانيين الرمزي الهلامي الخرافي الأجوف؟؟.
ثم يا أيها العلماني عن أي حياد علماني بين الأديان تتحدث؟؟ هل تقبل العلمانية في المجتمع المصري أو العربي أو حتى في الغرب الأوروبي العلماني من أي تيار ديني أن يكون له قوانينه وتشريعاته المستقلة والخاصة به وبأتباعه والمستمدة من شريعته ونصوصه الدينية؟؟ هل تقبل العلمانية بمشاركة أشخاص من التيارات الدينية في مؤسسات الحكم وصنع القرار في مصر أو في أي بلد في العالم حتى في الغرب نفسه منبع العلمانية القذرة؟؟.
ثم يا أيها العلماني من أعطاك صكوك الوصاية على الأديان وعلى المؤمنين بها لتحرر الدين من استغلاله وتحرر المؤمنين به من عبودية ادعاء البعض امتلاكهم مفاتيح الجنة والنار؟؟!! ولماذا لا تكون هذه الوصاية وهذا الحق للمؤمنين بالأديان ليحرروك ويحرروا أمثالك من علمانيتك العنصرية الوحشية ويحرروك من شهوانيتك ونزواتك ورعونتك وجهلك وهوجائيتك ويعلموك القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية حتى تصبح إنسانا سويا يعيش ويتعايش مع بقية بني جنسه البشري في أمن وأمان وسلام؟؟!!.

ثم عن أي مفاتيح للجنة والنار يمتلكها المؤمنون بالأديان؟؟ هل تقصد النصارى وديانتهم البولسية الربوبية الكهنوتية؟؟ أم تقصد الإسلام؟؟ فإن كنت تقصد "النصارى" فبالفعل كهنة النصارى هم من يدعون ويزعمون أن لهم السلطان على جميع النصاري وبيدهم ملكوت السماء ويملكون مفاتحه، لكن في الإسلام ليس هناك من سلطان على أحد من البشر ولا يملك أحد أن يدخلك نارا أو جنة، بل لا يملك أحد حتى معرفة ذلك المصير أو ذاك. ثم إن جميع التيارات الدينية الإسلامية المعاصرة التي تكفر وتقتل من يخالفها في الدين والمذهب والمعتقد ما هي إلا إفرازات طبيعية ورد فعل حتمي على انتشار "العلمانية" "بمفردها" والفكر العلماني والثقافة العلمانية والفنون العلمانية والوحشية العلمانية والاستبداد العلماني والعنصرية العلمانية التي انتشرت كالطاعون في كافة مناحي الحياة في المجتمعات العربية والإسلامية، فكان من الطبيعي والحتمي بروز مثل هذه التيارات التكفيرية العنيفة المشتددة كطرف مقابل للفاشية والإجرام والاستبداد العلماني، فما "تنظيم القاعدة" و"جماعة داعش" إلا النقيض الجدلي الطبيعي الحتمي للعلمانيين المصريين والعرب. فلا يمكن أن توجد مثل هذه الجماعات التكفيرية العنيفة المتشددة إلا في مجتمعات يسطو عليها وعلى السلطة والثقافة والفكر والمال والإعلام فيها إلا كائنات علمانية عنصرية متوحشة لا تعرف للدين ولا للأخلاق ولا للقيم الإنسانية أية معنى. فتنظيم القاعدة وجماعة داعش وبقية التيارات الدينية المتشددة هي أشبه بالدواء الكيماوي المر الذي يقاوم ويلجم ويحد من رجس وسرطان العلمانية والعلمانيين في جسد مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

العلمانيون دائما ما يتشدقون بقولهم: "إن الحياة الإنسانية وتعقيداتها وتشابكاتها ومتطلباتها يجب وأن تقوم على أسس من العلم والتجربة المادية وعلى ما يسمونه "العقل"، فيرى العلمانيون أن العلمانية هي اتجاه مادي مطلق يعتمد التفكير بحدود المادة المكونة للطبيعة والكون والحياة للانسان والكائن الحي عموما والجماد ويستقي كل معلوماته عن هذه المنظومة من خلال العلوم الطبيعية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والاحياء والفلك وغيرها وبأسلوب الادراك الحسي والعملي التجريبي والتمييز العلمي الطبيعي وخبرة الحياة وممارستها وفهمها بحقيقتها وكينونتها القائمة على المادية الطبيعية" انتهى.

لكن لم يخبرنا هذا الاتجاه العلماني المادي اللاديني كيف تنتج لنا علمانيتهم أنظمة حكم سوية ومواطنين أسوياء لا يكذبون ولا يسرقون ولا يطغون ولا يستبدون ولا يظلمون ولا يعتدون على حقوق الآخرين، ولم يخبرنا هذا الاتجاه العلماني المادي اللاديني كيف يقيم لنا دولة الحق والعدل والقسط والسلام في نفوس الناس أولا ثم في أنظمة الحكم والسلطة ثانيا؟؟ ولم يخبرنا هذا الاتجاه العلماني المادي اللاديني كيف تتحول منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية إلى مرجعية ذاتية ملزمة للفرد سواء كان "رئيسا، أو وزيرا، أو مسئولا، أو قاضيا، أو مشرعا، أور رجل أمن، أو موظفا" ...إلخ، وتمنعه من تجاوزها أو الخروج عليها؟؟.

والسؤال الذي دوما ما يطرحه العلماني المصري والعربي بخبث ولؤم ومكر هو: لماذا شعوبنا العربية والإسلامية تهرول إلى استخدام التقنيات الحديثة والتكنولوجيا العصرية ومنتجات الحداثة والحضارة الغربية بينما تفشل في التحضر بل تقاوم وترفض شعوبنا العلم والحرية والديمقراطية والعلمانية والليبرالية التي انتجت الحضارة والحداثة والتقنيات؟؟.

هكذا هم العلمانيون المصريون والعرب يقتانون على الكذب والزئبقية والمراوغة والخداع والتضليل، فمنذ متى وفي أي وقت وفي أي عصر رفضت الشعوب العربية العلم والحرية والديمقراطية والحضارة والحداثة؟!!!، وهي في الأصل شعوب أمية مضللة منهكة فقيرة بائسة محكومة بالحديد والنار من قبل عصابات عسكرية علمانية متوحشة مسلحة تسهر على قمعها وسجنها وتعذيبها وقتلها إن رمقت يوما بعينيها ناحية التحرر والخلاص. الكائن العلماني المخادع المضلل لا يجرؤ أن يشير بإصبعه إلى مكمن الداء الحقيقي، إلى تلك العصابات الإجرامية المسلحة التي تغتصب أوطاننا منذ عشرات السنين وتأخذ شكل أنظمة حكم من عسكريين ورجال قانون وسياسيين وحزبيين ونخبة وإعلاميين في عالمنا العربي والإسلامي، لكن الكائن العلماني الزئبقي المخادع الدجال لا يجد أمامه لقمة طرية سائغة يجلدها ويمضغها ويبصقها ويدوسها بحذائه ليلا ونهارا سوى الشعوب المغيبة المضللة الخائفة الجائعة المقهورة الفقيرة ويحمّلها كل جرائم وخطايا وموبقات الحكام العلمانيين الطغاة وحاشيتهم.

وحتى لا يتفلسف علينا أهل العلمانية ويقولون إن الغرب قام بتشييد حضارة عظيمة بسبب "العلمانية"، وللرد على هؤلاء أقول: إن الحضارة الغربية ليست وليدة "العلمانية" على الإطلاق، كما يتوهم العلمانيون المصريون والعرب الكذابون الواهمون، فالحضارة الغربية كانت نتاجا للثورة الصناعية التي استغرقت قرنا من الزمان، ثم تطور على أثرها الإقتصاد والتعليم، ولم تنل الشعوب الغربية حقوقها وقيمتها وكرامتها إلا بالنضال الدائم المستمر عبر النقابات العمالية والثورات والإضرابات والمظاهرات والاعتصامات حتى وصلت الشعوب الغربية إلى ما هي عليه الآن، وقبل هذا كله كان المواطن الغربي ومازال يتمتع بميزة الانتماء العرقي والجغرافي، أي: الانتماء لوطنه وأبناء وطنه، حتى وإن كان انتماءً عنصريا قبيحا إلا أنه كان هو السبب الأساس والرئيس في تطور المجتمعات الغربية وتقدمها على هذا النحو الذي نراها عليه الآن، أما العلماني المصري والعربي والحاكم العلماني المصري والعربي فبمجرد اقترافه للعلمانية القذرة وبمجرد تلوث نفسه برجسها يتحول ما بين عشية وضحاها إلى مشروع خائن لوطنه وبني وطنه، وبائع لوطنه وبني وطنه، ومتاجر بوطنه وبني وطنه، والأدلة والبراهين على هذا أكثر من أن تحصى أو تعد. فلم تكن العلمانية قط هي السبب والدافع للتطور العلمي والاقتصادي في الغرب، إذ لو كان الأمر كذلك فلماذا لم تساهم العلمانيّه في القضاء على الطغيان والاستبداد والمجاعات والحروب الأهلية والفقر والجهل والأمية والتخلف في المجتمعات الأفريقية والآسيوية العلمانية المتخلفة المعدمة؟؟!!، ولماذا يكثر العلمانيون المصريون والعرب الحديث عن العلمانية الغربية الأوروبية بينما يتغافلون ويتعامون عمداً عن علمانيّة المجتمعات الأفريقية والآسيوية المتخلفة المعدمة؟؟!!.

ثم ألم يسأل العلماني المصري والعربي الأحمق نفسه يوما ما هو سبب عداء الشعوب العربية والإسلامية للعالم الغربي؟؟ هل لأن هذه الشعوب تكره التحضر وتعادي الحداثة كما يكذب ويراوغ العلمانيون المدلسون؟؟ أم أن هذه الشعوب عانت ومازالت تعاني الويلات التي جرتها إليها حكومات الغرب وسياسييه العلمانيين العنصريين منذ عشرات السنيين من الاحتلال والاستعمار وتوجت ذلك الاحتلال بزرع قاعدة عسكرية غربية إرهابية عنصرية سرطانية إجرامية في جسد العالم العربي تسمى "إسرائيل"؟؟، هذا فضلا عن تنصيب الحكومات الغربية الطغاة والجبابرة والمستبدين واللصوص حكاما للشعوب العربية رغم أنفها، ومساندة هؤلاء الطغاة سياسيا وعسكريا وماديا، وغض الطرف عن جرائمهم ومذابحهم ضد شعوبهم، أليست هذه الأسباب مبررا طبيعيا مشروعا لكراهية هذه الشعوب لحكومات الغرب وسياسيه العلمانيين العنصريين المجرمين وليس كراهية للحداثة والتحضر كما يزعم ويدعي العلمانيون السفهاء المدلسون؟؟.

هذا وناهيك عن المزايدة الفارغة لجهلاء وسفهاء العلمانيين علينا بالحضارة والتقدم والعلوم الغربية والعلماء الغربيين، ودائما ما يجلدوننا بسياط التحضر والحداثة والتقدم التي لا يملكون ولا يعرفون عنها هم ولا آباؤهم ولا أجدادهم شيئا، ولم يساهموا فيها بشيء، فالعلوم الغربية نشأت في بيئات توافرت فيها كافة العناصر المحفزة والمشجعة على العلم والبحث والكشف، وكان من أول عناصر بيئة تقدم العلوم وازدهارها وجود أنظمة سياسية تتمتع بقسط لا بأس به من الوطنية واحترام آدمية المواطنين وكرامتهم وتوفير معيشة كريمة محترمة لهم، واحترام حقوقهم في الفكر والعقيدة والتعبير وكافة الحقوق الإنسانية الأخرى، فمن هنا فقط تقدمت العلوم وارتقى العلماء في الغرب، فلا تزايدوا علينا من فضلكم أيها العلمانيون المصريون والعرب، فما أنتم إلا محض متسولين شحاذين على موائد العلوم والأفكار والفلسفات الأوروبية والغربية.

ويا أيها العلمانيون المصريون والعرب إن كنتم تهتمون فعلا بالعلوم والتحضر والتحديث والتطور العلمي كما تزعمون فبدلا من الزعم بأنكم تريدون أن تثوروا على التراث الديني للمسلمين وتقوموا بمحاكمته وتنقيته اذهبوا فثوروا أولاً على الحكام العسكريين العلمانيين اللادينيين والطائفيين والقبليين الطغاة اللصوص عملاء المحتل الأجنبي، الذين يستعبدونكم ويستعبدون الشعوب العربية والإسلامية منذ قرنين من الزمان. أم أن هؤلاء الحكام هم من نفس التربة التي أنجبت أفكاركم الموتورة الشائهة؟؟، فأنتم جميعا اتباع ملة واحدة، فلا فرق عندي بين علماني أو ملحد أو لا ديني أو مدني مصري أو عربي وبين "هتلر" و"ستالين" و"القذافي" و"صدام حسين" و"عبد الناصر" و"مبارك" و"بن علي" و"بشار الأسد" و"عبد الفتاح السيسي"، فجميعهم رضعوا من ثدي آثمة واحدة، وشربوا من لبن آسن واحد. وهم بأفكاركم الموتورة المشوهة من ثبتوا للطغاة عروشهم وطغيانهم واستبداداهم، ولولا وجودهم هم وحكامكم الطغاة الجهلة الأشرار لكان العالم العربي والإسلامي اليوم في وضع ربما أفضل بكثير من أوروبا والغرب.

فيا أدعياء العلمانية والمدنية وأدعياء التنوير والإصلاح في العالم العربي والإسلامي منذ قرنين مضوا ما أنتم إلا الوجه المتثاقف لحكامنا العلمانيين اللادينيين العسكريين الطائفيين القبليين الطغاة المستبدون اللصوص، وأنتم السبب الحقيقي وراء تخلفنا وليس أحد آخر غيركم، فأنتم وحكامكم من تسطيرون على العالم العربي والإسلامي منذ قرنين من الزمان منذ عهد الطاغية الهالك "محمد علي باشا"، فجميعكم ملة واحدة وتربة خبيثة واحدة لا تنتج سوى الخراب والعمالة والاحتلال والتبيعة وخراب الأوطان والإفساد في الأرض. إذ ما الفرق بين ما يحمله العلمانيون المصريون والعرب من أفكار وتوجهات سياسية وبين ما يحمله كل من "عبد الناصر" و"القذافي" و"صدام حسن" و"بشار الأسد" و"السيسي" أو غيرهما من أفكار وتوجهات سياسية؟؟، أليست هي نفس الأفكار والفلسفات الغربية "علمانية، ليبرالية، مدنية، ديمقراطية" حرية" وطنية"؟؟.

إن كل من يدعون اعتناقهم للعلمانية والليبرالية والمدنية والأفكار الغربية من المصريين والعرب ما هم إلا خلايا نائمة تحمل جينات "بشار الأسد" و"القذافي" و"صدام حسين" و"حسني مبارك" و"بن علي" و"عبد الناصر" و"السيسي" وجميع القتلة والسفاحين المصريين والعرب الذين يدعون منذ عشرات السنين انتماءهم فكريا وسلوكيا وعقائديا لنفس الأفكار والفلسفات السياسية الغربية التي يدعي العلمانيون اعتناقها، وفور تمكن أحد هؤلاء العلمانيين من اغتصاب كرسي الحكم واعتلاء السلطة إلا وتتحول خلاياه النائمة إلى خلايا غاية في النشاط والفاعلية والتوحش والافتراس، فيفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل وينشر الخراب والدمار ويستعبد البلاد والعباد ويعيث في الأرض خرابا وفسادا والله لا يحب الفساد ولا المفسدين. فجميعهم يستخفون تحت غطاء ادعاء العلمانية والليبرالية والمدنية، ولا يملكون أية مرجعية قيمية أو أخلاقية يمكن محاكمتهم بها أو إرجاعهم إليها.

لا يفتأ العلمانيون يخلطون الأوراق ويقلبون الأمور كما هي عادتهم الوبيلة، فدوما ما يشوش العلمانيون على الناس بقولهم: إن الدولة كيان اعتباري لا يؤمن ولا يكفر ولا يمارس شعائر دينية مثلها مثل "الشارع" و"الحارة" و"القرية" و"البلدة" و"القارة" و"المدينة" و"المحافظة" ووو...إلخ، فهذه كلها اسماء لكيانات اعتبارية وليست كائنات حية واعية مفكرة مكلفة كالإنسان الذي يؤمن ويكفر ويصوم ويصلي وله معتقداته وديانته وإيمانه أو عدم ايمانه، ومن ثم فلا يستقيم أن نقول هذه دولة مسلمة أو مؤمنة وتلك دولة كافرة، لأن أي دولة وأي بلدة وأي مدينة وأي قارة في العالم فيها ناس مختلفون دينيا وفكريا ومذهبيا وعقائديا وفيهم المؤمن والملحد واللاديني". بكل تأكيد هذا كلام حق ولا غبار عليه، لكن العلماني رغم صواب كلامه هذا وصدقيته إلا أنه لا يعلم ولا يعي أن ذلك لا يمنع أن تكون هناك أمة أو جماعة أو فصيل يطلق على نفسه اسم الأمة المؤمنة أو المسلمة أو أي اسم آخر، أو أمة غير مؤمنة لا تتبع لأي دين، أو أمة عرقية، أو مذهبية، أو طائفية لها كامل الحق داخل أي دولة في أن يكون لها ثقافتها الخاصة وقوانينها الخاصة وتشريعاتها الخاصة التي لا تلزم بها أحدا غير أتباعها، ومن حقها أن تشارك مع بقية الطوائف الأخرى في صنع القررات العامة للدولة وأن تشارك في جميع المناصب الإدارية لجميع المؤسسات العامة في الدولة، وهذا هو بالضبط ما يطالب به النصارى في مصر وجميع الأقليات في كل مكان وهو حقهم الإنساني المشروع.

فربما ما لم يعلمه العلمانيون الغربيون والعرب أن ممارسة السلطة والحكم واختيار القوانين والتشريعات المناسبة هو حق إنساني عام لا يحق لأحد من أهل الأرض أن يمنع منه فصيلا بعينه أو طائفة بعينها أو أقلية مهما كان عددها ضئيل، ولا يحق لأحد من أهل الأرض أن يفرض تشريعات وقوانين خاصة على أي جماعة من الناس لا تقبل ولا ترتضي أن تحتكم إليها فيما بين أفرادها، فالعلمانيون يخلطون بين لونين من القوانين والتشريعات، "القوانين والتشريعات العامة" و"القوانين والتشريعات الخاصة"، فالقوانين والتشريعات العامة هي التي تختص بإقرار الحقوق العامة وتنظيم التعايش السلمي المشترك والمشاركة الفعالة في إدارة الوطن الذي يحوي كل هذه المجموعات والطوائف المختلفة، هذه القوانين والتشريعات العامة تسمى "العقد الاجتماعي" أو "الدستور"، ومواد وبنود هذا العقد الاجتماعي أو هذا الدستور تكون ملزمة لجميع الناس أفرادا وجماعات، أما القوانين والتشريعات الخاصة فهي القوانين والتشريعات الخاصة بكل طائفة أو كل مجموعة من المجموعات داخل الوطن الواحد والتي يتوافق عليها أتباع كل طائفة ويرتضونها للحكم بها فيما بين أفرادها دون إلزام للأخرين بها. وبالتالي فليس معنى أن الدولة كيان اعتباري ليس له دين وليس له فكر أو أيديولوجية أن تقوم الدولة بمحو خصوصيات الجماعات والطوائف المختلفة داخل الدولة الواحدة وتجبر هذه الطوائف والجماعات على التخلي عن ثقافاتها وأديانها ومعتقداتها وهوياتها لصالح الدولة، وإلا فهي فاشية الدولة وعنصريتها وإرهابها.

وما لم يحصل كل مكونات الوطن وكل فصائله وكل جماعاته على حقه في المشاركة في إدارة الوطن وحقه في المشاركة في شغل مناصب مؤسسات الدولة العامة، وحقه في صياغة واختيار القوانين والتشريعات التي تحكم طائفته ومجموعته وفصيله فسوف ندور في الحلقة المفرغة التي تحدث عنها الدكتور "فرج فودة" حين قال: (هنا تبدأ الدائرة المفرغة فى دورتها المفزعة. ففى غياب المعارضة المدنية، سوف يؤدى الحكم العسكري إلى السلطة الدينية. ولن ينتزع السلطة الدينية من مواقعها إلا الإنقلاب العسكري، الذى يُسلم الأمور بدوره، بعد زمن يطول أو يقصر، إلى سلة دينية جديدة. وهكذا. وأحياناً يختصر البعض الطريق فيضعون العمامة فوق الزي العسكري، كما حدث ويحدث فى السودان).

ولكن الدكتور "فرج فودة" وإن كان قد أصاب في جانب من كلامه إلا أنه قد أخطأ في جانب آخر، بل أراه قد سقط في نفس حفرة ومستنقع الفاشية الذي وقع فيه العسكر والتيارت الدينية، ولكن سقوط "فرج فودة" في مستنقع الفاشية كان بغطاء وبذة مدنية، وهذا نتيجة لاعتقاده أن غياب "المعارضة المدنية" _على اعتباره لها أنها المنقذ والمخلص_ هو السبب الحقيقي لسقوطنا في مستنقع الفاشية العسكرية أو الفاشية الدينية، وفي الحقيقة حديث الدكتور "فرج فودة" عن غياب "المعارضة المدنية" يدل دلالة واضحة على أن الدكتور "فرج فودة" ربما كان "رجلا طيبا" أو"رجل بركة"، ولم يكن يعيش معنا على كوكب الأرض الذي نعيش عليه، فربما ما لم يدركه الدكتور "فرج فودة" وربما ما لم يعرفه وما لم يعه هو أن "المعارضة المدنية" في مصر والعالم العربي ليست غائبة كما يزعم، إنما "المعارضة المدنية" موجودة منذ عشرات السنين ولكن بشكل فاضح ومخز وبئيس، ولو كان الدكتور "فرج فودة" قد أجهد نفسه قليلا وحدق ببصره جيدا في المشهد السياسي المصري والعربي لوجد أن زعماء "المعارضة المدنية" موجودين نهارا كمتسولين على موائد الأنظمة والحكام، وموجودين في إعلامهم وصحفهم كنخبة من السحرة المأجورين، وموجودين ليلا في فراش الأنظمة والحكام كأحزاب وحركات سياسية داعرة عاهرة يمارسون رذيلة وزنى المعارضة الشكلية للأنظمة العسكرية الاستبدادية الإجرامية الحاكمة، وربما ما لم يدركه ولم يعه الدكتور "فرج فودة" أن تعاطف الشعوب العربية مع التيارات الدينية وتأييدها ومناصرتها لها كان سببه ما رأته هذه الشعوب من فساد حكامهم العسكريين الطغاة واستبدادهم ورعونتهم وحماقاتهم وأميتهم وخيباتهم المتوالية، وكان أيضا سببه ما رأته هذه الشعوب من النخب المصرية والعربية المدنية العفنة وما رأته منها من سفاهة ونذالة وصعلكة وضحالة وخسة وارتزاق.

(للحديث بقية في الجزء السادس)


نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]
فيس بوك: https://www.facebook.com/nehro.tantawi.7
مقالات وكتابات _ نهرو طنطاوي:
https://www.facebook.com/pages/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%86%D9%87%D8%B1%D9%88-%D8%B7%D9%86%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A/311926502258563



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد العلمانية والعلمانيين المصريين والعرب – الجزء الرابع
- نقد العلمانية والعلمانيين المصريين والعرب – الجزء الثالث
- نقد العلمانية والعلمانيين المصريين والعرب – الجزء الثاني
- نقد العلمانية والعلمانيين المصريين والعرب – الجزء الأول
- (مسيحيون أم نصارى)؟ حوار رمضاني مع الأستاذ (أسعد أسعد)
- نبضة قلب في حياة ميتة
- لماذا توقفت عن كتابة مقالي اليومي في (روزاليوسف)؟
- (الإلحاد) هو الابن الشرعي للعقائد المسيحية
- (ليندي انغلاند) (أنجلينا جولي): يد تبطش والأخرى تداوي وتطبطب
- الفرق بين الإنسان الواقعي والإنسان الافتراضي
- الفرق بين -حقائق الأشياء- و-زخرف الكلمات- و-عوالمنا الخاصة-:
- آخر الهوامش: هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 ي ...
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (26)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (25)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (24)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (23)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (22)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (21)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (20)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (19)


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - نقد العلمانية والعلمانيين المصريين والعرب – الجزء الخامس