أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد شوكات - ليبيا الطرزانية















المزيد.....

ليبيا الطرزانية


خالد شوكات

الحوار المتمدن-العدد: 1311 - 2005 / 9 / 8 - 07:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


ذكر محمد حسنين هيكل في أحد كتبه، أنه التقى معمر القذافي على هامش قمة عربية عقدت في المغرب أوائل السبعينيات، وكان حينها لم يمض على تسلمه مقاليد السلطة في بلاده إلا فترة وجيزة، وأن الزعيم الليبي بادره حين رآه بالتذمر من "كمشة العملاء والخونة" – يقصد الرؤساء والملوك العرب- الذين قدم مجبرا للجلوس معهم، متسائلا عن معنى وجوده إلى جانبهم، و عن الفائدة التي يمكن أن تجنيها "القومية العربية" من التواصل معهم.
وأضاف هيكل أن القذافي سأله عن سبب مجيئه إلى القمة، وما إذا كان سيكتب عنها، وماذا سيكتب عن هؤلاء الخونة والعملاء، فأجابه الكاتب القومي العربي الكبير أنه لن يكتب عن الرؤساء العرب، إنما سيكتب عنه هو – أي عن القذافي-، وهي إجابة تفاجأ لها الزعيم الليبي الشاب، اضطرته إلى استفسار هيكل عما سيكتبه عنه، فكانت إجابة الأخير كالآتي:" سأكتب مقالا بعنوان طرزان في قصر ملك المغرب"، والحق أنني لم أجد شخصيا وصفا أبلغ وأوضح وأشمل للقائد الليبي العتيد من تعبير هيكل هذا، إنه فعلا طرزان جعل بلاده لمدة ستة وثلاثين عاما غابة "طرزانية" بامتياز.
أوجه الشبه التي تجمع بين العقيد القذافي وطرزان كثيرة بحيث يصعب حصرها بدقة، لكن أوجه الاختلاف موجودة أيضا، من أهمها أن طرزان كان رؤوفا بالحيوانات التي تقاسمه العيش في الغابة، ولم يعتبر نفسه – حسب ما تشير القصة المعروفة- كائنا متفوقا عليها، ولهذا نجده قد نال عطفها وتضامنها الصادق أوقات الشدة، وذلك خلافا للزعيم الليبي الذي مارس جرائم ضد الليبيين والإنسانية منذ اليوم الأول لوصوله إلى السلطة، وزعم باستمرار – زعما يكبر كل يوم – أنه نبي ملهم صاحب نظريات خارقة في جميع العلوم والمعارف والأشياء، بما في ذلك صناعة السيارات وتأليف الروايات وتصميم الأزياء.
في الغابة كان طرزان مضطرا إلى ترديد كلمات غير مفهومة التقفها من الطبيعة، تماما كما كانت الحيوانات مشغولة أغلب وقتها بالصراخ وإطلاق الأصوات وتقليد بعضها والقيام بحركات خاصة، والذين خبروا ليبيا القذافي يعلمون أن القائد الفذ قد ألقى خطبا أكثر مما ألقى أي زعيم آخر في كل الأزمنة والأماكن، والأنكى أنها خطب غير مفهومة في غالبيتها، وأن الليبيين قد سخروا عقيرتهم بترديد الشعارات الفارغة تمجيدا وتهليلا وتكبيرا للأخ القائد، أكثر مما فعل أي شعب آخر على امتداد التاريخ والجغرافيا، تماما كما أن قائدهم قد شغلهم ما يقارب أربعة عقود، بالغناء ورفع أيدي الموالاة بغباء، في حالة فريدة من نوعها في العالم، وذلك بدل شغلهم بالإنجاز في مسارات التقدم والبناء.
في الغابة كان طرزان مجبرا على أن يبدأ مسيرة البشرية من الصفر، لأنه ترك وحيدا وأرضعته ذئبة ولم يلتق إلا لاحقا بشرا سويا، وفي ليبيا بدا القذافي وكأنه قد بدأ التاريخ من أوله، فأعاد الليبيين من خلال النظام الجماهيري العجيب، إلى حالة الإنسان ما قبل ظهور الدولة والمؤسسات والقوانين، فالذين زاروا ليبيا يعلمون أنها بلاد تسودها الفوضى، الثابت الوحيد فيها ميليشيات المخابرات واللجان الثورية ومسميات أخرى مخترعة، تحدد للناس حسب الأمزجة ما يجب عليهم فعله وما لا يجب.
في الغابة كان طرزان بحكم أنه مفرد في جنسه، غير قابل للمحاسبة أو المراقبة، وكذلك في ليبيا فإن الأخ القائد لأنه مفرد في عبقريته ونبوءته وعظمته، غير قابل للمحاسبة أو المراقبة، فهو بكل بساطة – وكما ظل يزعم ويؤكد منذ ثلاثين عاما- ليس رئيس دولة كسائر الرؤساء، وهو لا يسود أو يحكم، و الحق يقال أنه ليس رئيس دولة كسائر الرؤساء فعلا، إنما هو إله عظيم لا تحرك شعرة أو حجرة من مكانها إلا بأمر منه أو موافقة.
في الغابة الطرزانية كانت ثروات الطبيعة مشاعا لا تستغل وفق مخططات معينة تستهدف حسن تنميتها واستغلالها، وفي ليبيا الطرزانية كانت ثروات النفط الكبيرة مشاعا أيضا، لجماعات ثورية وإرهابية معروفة وغير معروفة، ابتداء من أدغال الفلبين، مرورا بأدغال الكاريبي وأمريكا اللاتينية وانتهاء بأدغال أفريقيا، فالكل يقبض حسب مزاج الأخ القائد وتقديراته الثورية التي لا محدد لها، هذا دون أن يكف الليبيون عن إبداء الفخر والإعجاب والولاء لقائدهم الأممي الثائر صاحب الاكتشافات التي لا حد لها.
في الغابة الطرزانية الجميع شركاء في المأكل والسعي إلى إشباع الحاجة، وفي ليبيا الطرزانية رفع القائد ومن ورائه الأتباع شعار "شركاء لا أجراء، والبيت لساكنه"، غير أن كل من خبر الشأن الليبي يعلم أن ستة وثلاثين عاما من حكم الطرزان الأعظم قد حول الجميع عبيدا، لا شركاء ولا أجراء، وأن البيت عاد للأجيال الشابة حلما، ناهيك عن أن يسكنوه، رغم أن بلدهم يشكو نقصا ديمغرافيا ويعوم فوق بحيرة من الذهب الأسود.
في الغابة الطرزانية أيضا، لا وجود لأزمة ماء، فالحيوانات لديها ما تشربه لقرون طويلة دون تفكير أو عناء، وفي ليبيا الطرزانية قال الأخ القائد أنه اكتشف ما يجعل العطش بالنسبة لليبيين سكان الصحراء آخر ما يمكن أن يزعج بالهم، فالنهر الصناعي العظيم الذي سخرت لأجل بنائه مئات المليارات من الدولارات على امتداد سنين، سيوفر الماء والكلأ والتنمية، غير أن النهر العظيم لم يمنع العطش حتى عن طرابلس العاصمة التي يضطر أهلها إلى قطع عشرات الكيلومترات يوميا لملئ أوعيتهم البلاستكية الفارغة، ولم يمنح زبائن فنادق الحاضرة الطرزانية الفخمة، القدرة على الاستحمام بغير ماء يزودهم بطبقة جلدية جديدة مالحة، يسلخونها بصعوبة شديدة عند مغادرتهم الغابة السعيدة.
في الغابة الطرزانية، تتفاجأ الحيوانات كل يوم باكتشافات طرزان الغريبة، باعتباره غير معروف لديها كإنسان تقوده الفطرة، لكنها لا تملك إلا أن تقبل بها، وفي ليبيا الطرزانية، يتفاجأ الليبيون كل يوم باكتشافات قائدهم العظيمة، فقد قال لهم يوم تسلم مقاليد حكمهم أنهم عرب أقحاح عليهم التضحية من أجل وحدة أمتهم وقوميتهم ودحر الأعداء المتكالبين عليها، وفي يوم آخر قال لهم شيئا مختلفا – دون أن يكذب نفسه في السابقة الأولى- أنهم أفارقة سود زنوج من تلك السلالة التي كان البيض ينصبون لها الفخاخ لأسرها، وما عليهم أيضا إلا أن يضحوا من أجل الوحدة الأفريقية ويصبروا جلدا على العقبات المبثوثة في وجهها.
في الغابة الطرزانية، يعطي طرزان لنفسه حق التجربة التي ستقوده إلى اكتشاف حقيقته الإنسانية محملا الحيوانات من حوله ضريبة تجاربه المتكررة، وفي ليبيا الطرزانية يمنح الأخ القائد الملهم نفسه حق التجربة أيضا، لكنه لا يحمل ذاته أبدا نتيجة التجربة، فالنجاح من نصيبه حتما – وهو من حسن الحظ قليل- لكن الفشل مسؤولية الليبيين، الذين لا يستوعبون – مثلما يقرعهم الطرزان الأعظم بين الفينة والأخرى- الأفكار العظيمة، ولا يتمكنون من تطبيق النظريات العالمية الثالثة والرابعة والعاشرة مثل الشعوب المتحضرة.
في الغابة الطرزانية، لا يتطلع طرزان إلى ملكية شخصية، وفي ليبيا لا يتطلع الأخ القائد إلى ملكية خاصة، بل إن عينه كلها على أعمال البر والتقوى، ولا ضير في أن تصرف مؤسسة الطرزان الخيرية الملايين في إثبات حسن النوايا وتحرير الرهائن ودفع تعويضات العمليات الإرهابية، غير أنه لا أحد من الليبيين يملك حقا في إبداء السؤال حول أصول المؤسسة الخيرية، وما إذا كانت نتاج ما تدره قطعان الإبل التي ورثها الوالد من القبيلة البدوية.
مصاب ليبيا الطرزانية – ويا للمفارقة- أكبر من مصاب أي بلد آخر في العالم الراهن، ذلك أن القوة الإنسانية الأعظم قد قررت فيما يبدو تحويلها إلى محمية للحفاظ على " الطرزان" العجيب من الانقراض، بدلا من مساعدة من اضطرهم إلى التحول إلى "طرزانات" لاستعادة طبيعتهم الانسانية، وتقديم العون لهم للتواصل مع بيئاتهم بشرية والتخلص من نزوات وشطحات ومغامرات قائدهم المفتون.
طرزان الذي رقص في قصر ملك المغرب وأطلق صيحاته الغريبة العجيبة، ما يزال يواصل الرقص في كافة القصور الملكية والرئاسية العربية والأفريقية، ويستمر في إطلاق الصيحات الغريبة العجيبة ذاتها، مع فارق كبير أنه لم يعد بمقدور هيكل – ولا غيره- مصارحته بالحقيقة المؤلمة.





#خالد_شوكات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبرالية استيعاب لا إقصاء
- تونس بدون حركة إسلامية؟
- استكمال الاستقلال..من تحرير الأرض إلى تحرير الانسان
- شهادة يابانية في الديمقراطية العربية
- إعـــــلان تأسيس قناة -العفــو- الفضائية
- الليبراليون الجدد.. أو الليبرالية كما أفهمها
- لبنـان..حيث -الاستثناء الفاسد- يطرد -الاستثناء الصالح-
- أليست الدولة العلمانية ضرورة دينية؟
- الدولة العلمانية


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد شوكات - ليبيا الطرزانية