أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة الكراهية والعنف والطريق إلى الإرهاب .













المزيد.....

ثقافة الكراهية والعنف والطريق إلى الإرهاب .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4686 - 2015 / 1 / 9 - 17:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


- لماذا نحن متخلفون ( 32) .

مقدمة .
قبل التطرق إلى ثقافتنا الدينية الداعية للكراهية والعنف والعداء تجاه الآخر لنا أن نمر على العملية الإرهابية التى إستهدفت صحيفة شارلي إبيدو فى قلب العاصمة الفرنسية باريس , فبلاشك أن هذه العملية الإرهابية ستترك آثار وخيمة على المسلمين والأوربيين وستوجه أصبح الإتهام للإسلام وتدين حضوره كما أعرب 61% من الألمان أن الإسلام دين إرهابى لا يستطيع التعايش فى أوربا ,وكما كشفت إستطلاعات الرأى أيضا أن الألمان الغير راغبين في تواجد المسلمين بين ظهرانيهم بلغ 13% وهى نسبة مهولة فنحن أمام واحد من كل ثمانية ألمان يرغب فى ترحيل الجاليات الإسلامية من ألمانيا وكل الخشية أن ترتفع تلك النسبه فى المستقبل القريب .
لن أتناول فى مقدمتى هذه إدانة لهذا الحادث الإجرامى فهذا أمر بديهى بالرغم أن هذه البداهة بعيدة عن الإسلاميين ليولكون كلام خائب أن هذا الإرهاب جاء نتيجة نشر الصحيفة لبعض الرسومات المسيئة لرسول الإسلام ليبرروا بهذا الإرهاب ولا مانع من إستحضار المعاناة التى يعيشها المسلمون فى سوريا والعراق وفلسطين فى خلط غريب للأوراق .
لن ننخدع بتزييف الأوراق أيضا عندما نقرأ بيان إستنكار الازهر للعمل الإرهابى ضد صحيفة شارلى ابيدو وقولهم أن النبى محمد جاء رحمة للعالمين وإنه يسامح مبغضيه فعلى من يضحكون , فهل نسى الأزهر أو تناسى قتل أم قرفة التى كانت تهجو النبى فى شعرها ليتم فسخها بين جملين , وذاك الرجل من قبيلة هذيل الذى كان يَسب محمد وعندما بلغ محمد ذلك قال: من لهذا؟ فقام رجلان من صحبه وقالا: "نحن يارسول الله." فذهبا وضربا عنقه .!

بالطبع هناك علامات إستفهام وتعجب كبيرة من هذه الهمجية والإرهاب الإسلامى فنحن أمام جاليات تعيش بل إستوطنت فى مجتمعات أوربية حيث الحرية والكرامة والعيش الطيب وإحترام حقوق الإنسان بلا تمييز فكيف تسللت الأفكار التكفيرية الإرهابية لأبناء هذه الجاليات , فالإرهاب هنا ليس وليد إنتهاك وتدهور حرية وكرامة ومعيشة الإنسان كما نبرره فى شرقنا , فما هو سر هذا الإرهاب سوى أننا أمام ثقافة متعتنة أحياها وروج لها أصوليون إسلاميون فإستحضرت القطيعة والكراهية والعداء فى ذهنية ونفسية المسلم فلم يجدى عيشه فى مجتمعات حضارية متقدمة , وللإنصاف لا نستطيع القول ان كل مسلمى أوربا على هذا النحو فهو التجنى بعينه ولكن لا ضمانة حقيقية فى الحيلولة دون تصاعد تعصب المسلمين حال بقاء المتطرفين الإسلاميين فى بث سمومهم .

سأترك إدانة ثقافتنا للمقال من خلال تبيان مفرداتها الداعية للكراهية والعداء والتصادم ولكن لابد أيضاً من توجيه أصبع الإتهام إلى السياسات الغربية التى إستثمرت بكل برجماتية الحالة الإسلامية فهى من أنشأت ودعمت وإحتضنت ومولت التيارات الإسلامية الاصولية المتشددة وخططت لحضورها منذ بدايات القرن المنصرم بل إستقبلت على أراضيها إرهابيين وغلاة القيادات الإسلامية منذ سبعينات القرن الماضى ومنحتهم حق اللجوء السياسى كذا سمحت لهم بالتعبئة والتجنيد فداء مناهضة الإتحاد السوفيتى ودعمت وخططت للتنظيمات الإرهابية القوية الحالية كالقاعدة وداعش والنصرة لتتواجد بإذن ومشورة المخابرات الغربية وتحت أعينها لذا لا تستطيع أن تقول بأن الغرب وأمريكا فوجئوا بالإرهاب الإسلامى على أراضيهم فهم ليسوا من الغباء والغفلة وعدم الفطنة بل قل أن المكاسب التى حققها ويحققها حضور القوى الأصولية الإرهابية وتصاعد التزمت والرجعية الإسلامية فى المنطقة العربية كما هو ماثل أمامنا والذى جلب كل التفتت والتشرذم والتدهور للمجتمعات الإسلامية كاف كمكاسب ,لذا فهى مكاسب هائلة لن ينال منها حدوث عمليات إرهابية مُنفلتة تجاه الغرب نتيجة إحتضانه للحيات فهذا لن يضر بل سيفيد أيضاً فى إطار خلق عدو كرتونى أمام شعوبهم بعد رحيل المارد السوفيتى ,فها هو العدو الأخضر الإسلامى ماثل أمامكم فى إطار ما يسمونه إحتيالاً صراع الحضارات .

أريد توضيح نقطة فى سياسة الغرب فهو لا يدير معاركه ومخططاته بواسطة عملاء مأجورين وأوامر ومخططات يتم إملاءها بل من خلال دراسات عميقة لمجتمعاتنا وثقافتنا ومنها يستثمر تفعيل وتواجد ثقافتنا فى أن تقوم بكل المهام لوحدها بدون مساعدة أو توجيه من أحد وذلك من قراءة لأعماق ثقافتنا الإسلامية عندما تتفرد وتتمكن ليكون فعلها وأدائها خادماً للمصالح الغربية كفكرة مناهضة الشيوعية والأفكار الإشتراكية فى البلدان الإسلامية فما عليهم سوى إطلاق جحافل الإسلاميين ليكفروا الشيوعيين بكل حماس وإخلاص ,كذلك إمكانية إثارة النعرات المذهبية والطائفية والدينية ليجهزوا على بعضهم البعض ولك أن تتخيل إيران الشيعية أو العراق السنى حال توحدهم بدون هذا التصادم السنى الشيعى , ولتتوج الأمانى والرغبات الغربية أن يبقى الشرق الإسلامى متخلف بائس تابع هزيل بثقافته المتزمتة المنغلقة الرجعية النابذة للحضارة والديمقراطية والحريات والتمدين لجر المجتمعات الإسلامية إلى الجمود والتخلف وهذه الأمور ستتم حال تفرد الخطاب الإسلامى لينجز التخريب والدمار بكل همة ونشاط دون تدخل الغرب إلا بالدعم كما يحدث من دعم للوهابية السعودية ودول الخليج وتنظيم الأخوان المسلمين . نفهم من هذا أن هناك إدانة للغرب الذى يستثمر جهلنا وغبائنا وتخلفنا فى تنفيذ مخططاته ولا يعنى هذا على الإطلاق برائتنا فنحن من منحناه بثقافتنا المُخربة كل ما يتمناه .
يكون القضاء على الإرهاب بردم منابعه وقطع السبيل أمام من يُسوق ويُروج للخطاب الإسلامى الأصولى والإنتباه لمن يستثمره سواء أكانت قوى غربية أو عربية رجعية ولنا الآن أن نعتنى فى هذا البحث بالمنابع المتمثلة فى مفردات ثقافتنا الداعية للكراهية والعنف والتصادم .

* ثقافة الكراهية .
عندما نتحدث عن ثقافة الكراهية فى الفكر الإسلامى فلا يكون قولنا هذا بلا أدلة واضحة تشير إلى تأصيل منهجية الكراهية فى التراث الإسلامى ,فلنا أن نتحدث عن فقه إسلامى يُدعى الولاء والبراء ليأتى تعريف الولاء بأنه حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم .أما البراء فهو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق .
ولك ان تستغرب من البراء حيث البغض والكراهية لبشر لم تتأذى منهم حتى تتكون فى داخلك مشاعر كراهية تجاههم فيكفى أنهم يخالفونك فى الإيمان والإعتقاد حتى تُصدر لهم الكراهية والبغض ,حتى ولو كانوا بشر طيبون , فالمؤمن مُكلف بتصدير الكراهية للآخر وإظهارها حتى يحقق إيمانه الإسلامى الحقيقى فلا معنى للتعايش السلمى فى ثقافة البراء .. فهل أدركنا الآن خطورة أن يعى المسلم هذا الفقه وماهو تفسير العمليات الإرهابية فى أوربا .

حسب الفهم والإيمان الإسلامى فإن الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة وشرط من شروط الإيمان ,ومن الخطأ تغافل المسلمين أو إهمالهم له , لذا تنبه السلفية الأصولية أن التفريط فى البراء يقوض إيمان المسلم وهذا ليس برأى أو إجتهاد ,فليس لك إختيار فى محبتك للمؤمن وكراهيتك للكافر فهذا صلب العملية الإيمانية .! فممارسة الود للآخر والبعد عن كراهيته وبُغضه يجعل المسلم يدخل فى الكفر!..نعم يخرجه من إيمانه ويُلقى به فى نار جهنم كونه تواد مع كافر ولم يمنحه الكراهية والبغضاء .! فقد أشار نبى الإسلام أن أوثق عرى الإيمان الحب فى الله والبغض فى الله . فرَوى أحمد في مسنده عن البراء قال : قال رسول الله :( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) وبتحقيق الكراهية والبغض فى الله تنال ولاية الله كما روى ابن عباس عن الرسول قال : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ). ويتأكد دخول المسلم فى الكفر حال عدم تحقيقه لهذه العقيدة بقوله : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .!

هناك ترسانة من الآيات التى تفيض بالدعوة لكراهية الآخر لأن الكراهية والبغض صار من مقومات الإيمان ويؤسس لفقه البراء الذى يعتبره علماء المسلمين انه من أركان الإيمان والتوحيد .!
(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) هذه الآية تُخرج المؤمن من إيمانه لمجرد أنه يحمل بعض الود لغير المؤمن وتصل الحدة سقفها الأعلى لتشمل الأباء والأبناء والأخوة ليصبح البغض والكراهية والنبذ بلا سقف فلا يترأف بأحد ,فمجرد أن الإبن إتخذ فكراً أو إيماناً مخالفاً لأبيه المسلم فقد أصبح خارج البنوة ودخل فى دائرة العداء والكراهية وإلا أصبح الأب ظالماً وحق عليه العذاب والجحيم لمجرد إحتفاظه ببعض مشاعر الحب تجاه إبنه ,وكما قال البغوي : "إن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكفار وأن من كان مؤمناً لا يوالي من كفر وإن كان من عشيرته "!..وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :" أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً فمن واد الكفار فليس بمؤمن".!
إذن نحن لسنا أمام إجتهاد ورؤية فى التعامل مع الآخر الغير مؤمن..ولا أمام علاقات إنسانية بين البشر تهتم بالتعامل ولا يعنيها بما يؤمن به الآخرين .. فبمجرد أنه لا يؤمن بالله ورسوله فقد إستحق الكراهية حتى لو كان يؤمن بالله وليس برسوله فهذا أيضاً مُدعاة لبُغضه وكراهيته وعدم تقديم أى ود إنسانى له وتمتد دوائر الكراهية السوداء لتحرق أصابعها فتشمل الإبن والأب والأخ , لذا لا تسأل عن سر هذه القسوة التى يتعامل بها السلفيون مع ذويهم .

( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) إلى قوله : (تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) هنا يحث الله عباده المؤمنين على متابعة خليله إبراهيم والتأسي به وبمن آمن معه في معاداة أعداء الله والتبرء منهم ومما يعبدون من دون الله وإظهار العداوة لهم والبغضاء ما داموا على الكفر بالله فقال : قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده .. وهنا على المسلم أن يتأسى بإبراهيم الخليل في معاداة أعداء الله تعالى وإظهار العداوة والبغضاء لهم!
( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) و( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) لنلاحظ هنا تحذير شديد اللهجة من الله فى موالاة اليهود والنصارى وتوعد بأشد الوعيد فقال :( ومن يتولهم منكم فإنّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ليجعل الموالاة لغير المسلم بإنضمامه للكفار والقوم الظالمين !.
(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ) وهذا تهديد آخر شديد اللهجة من موالاة الكافرين وموادتهم ، فينبغي للمسلم أن يكون شديد الحذر من أن يتخذ الكافر ولياً فيصبح خاسرا ً ويستجلب على نفسه غضب الله وأليم عذابه ! وهذا يعنى أن تعطى ثقتك لمسيحى أن يكون عضواًً فى مجلس الشعب فحينها سيدخلك الله على أثرها جهنم وسيشويك فيها ويملأ جوفك بالرصاص المصهور .!

آية ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) تأتى فى إطار ثقافة الكراهية الحادة وليست خطورتها أنها تصل بالأمور للقتال الدموى فهذا وارد بعد أن يصبح لها وجود مُمنهج قوى مُحتدم ولكن تبدأ "قاتلوهم حتى لا تكون فتنة" بالفرقة والتشتت والعصبية والنبذ والكراهية وهذا ما نتلمسه فى الصراع السنى الشيعى والصراعات الفكرية داخل المجتمع ذاته وعندما تتجول فى المنتديات ومواقع الإنترنت ستحظى على كم هائل من الكراهية الممزوجة بالسب واللعنات وكل شئ قمئ كبدايات الفتنه الحقيقية .
الكراهية والبغض لن تنتج عسل وشهد بل حنظل ومر ودم , ولن تستطيع أن تقف عند سقف محدد طالما نار الكراهية إشتعلت وتأججت فسنجد فى النهاية إرهاب وحرق البشر وذبحهم من الوريد للوريد .

* ثقافة اغلظ عليهم
ثقافة إغلظ عليهم تجد حضورها فى التأسيس الثقافى للمسلم وهى تمظهر للعنف الذى يعتبر منهج وفلسفة الفكر الإسلامى الأصيل وتجد حضورها فى الحوارات الفكرية لتجد المسلم تنتابه الحدة والسب واللعن والإغلاظ فى القول متوهماً أنه هكذا ينال من خصمه ويحمى عقيدته ويصده عنها مستلهماً هذا من قول القرآن ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) 73 – ويأتى تفسيرها من حديث ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، ويحيى بن آدم, عن حسن بن صالح, عن علي بن الأقمر, عن عمرو بن جندب, عن ابن مسعود في قوله: ( جاهد الكفار والمنافقين ) ، قال: بيده فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, فإن لم يستطع فليكفهرَّ في وجهه. وقال آخرون: بل أمره بجهادهم باللسان. وقوله ( واغلظ عليهم ) يقول تعالى ذكره: واشدد عليهم بالجهاد والقتال والإرهاب .
قد يقول قائل ان هناك آية الأنعام 108 التى تقول( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ) وهى دعوة لعدم السب والإغلاظ ولكن الآية محددة وواضحة فهى لم تدعو لعدم السب أو الإنصراف عن كراهيتهم وبغضهم بل عدم السب إذا كان الآخر قادر أن يرد السب بسب الله أما حال قدرة المسلم على سب آلهة ومعتقدات الآخرين بدون أن يطاله الأذى منهم بسب الله كحال السب واللعنات التى يقذف بها شيوخ السعودية الوهابية والسلفية لأصحاب المعتقدات الأخرى فلا حرج هنا أن يسبوهم .

* ثقافة الإختزال
ثقافة الإختزال تعنى إختزال المجتمعات والمواقف والأحكام فى موقف و حكم واحد مبنى على تجربة فردية محددة , فاليهود الأخبث والأكثر عداوة للذين آمنوا ليتم تعميم هذا الحكم على اليهود على مر الزمان والمكان ومن هنا تنشأ مواقف حادة مُستقطبة تبدد أى فكرة للتعايش السلمى بين البشر من مجرد رؤية تعميمية إختزالية, إختزلت المجموع والحاضر والمستقبل فى مشهد قديم خاص . كذلك الموقف من المشركين والكفار يعتمد على الموقف القديم لمحمد منهم ليتم إختزال المشاهد والتغيرات فى مشهد واحد لا يبارح المسلم فهو فى حالة عداء مع اليهودى والكافر والمشرك ليس عداءاً مبنى على مصالح بل على موقف فكرى قديم لم يتغير مع الزمن .
تبرز خطورة ثقافة الإختزال أنها تعمم التجربة التاريخية للإسلام الأول على كل مراحل التاريخ فمواقف محمد ورؤيته وسلوكه فى تعامله مع أعدائه والمناهضين لمشروعه كثقافة البراء والعداء مثلا مازالت قائمة يُلح على حضورها فقد تم إختزال تغير التاريخ والأحداث والمشاهد ليبقى المشهد البدئى فارضاً ذاته .

* ثقافة المؤامرة والتحفز .
يعيش المسلم منذ نعومة أظافره فى داخل ثقافة المؤامرة والتحفز ليتم إيهامه أنه مُستهدف من الآخرين وعلى هذا الأساس يتم تحفيزه وإستنفاره ومن ثم تجييشه فى الدين ليزداد تشبثه به كونه السياج الحامى , ولعل فكرة المؤامرة والتجييش رؤية حاضرة فى كل الأديان فبها تضمن بقاء المؤمن فى ربوعها ولكن الأديان والمعتقدات الأخرى تحدد العدو فى الشيطان لخلق حالة التحفز والتجيييش بينما الإسلام يحدد العدو المتآمر على المسلم فى كيانات حاضرة ماثلة للعيان علاوة على الشيطان كاليهود والصليبين والماسونيين والملحدين وهو هنا يجعل فوبيا المؤامرة على أشدها ويضمن حالة تشبث قوية بالتلويح بالعدو الخارجي الماثل ونلمح هذا فى آية ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)
بالطبع هذه الآية ليست منطقية فبداية اليهود لا يطلبون ولا يرغبون من أحد أن ينضم إلى ملتهم أما المسيحيين فيطلبون بالفعل كحال المسلمين والهندوس وأى أصحاب دين أن ينضم الآخرين لهم وأتصور أن هذه الأمانى طبيعية لا تُزعج ولكن النص التراثى وضعها فى إطار الإزعاج طالباً التحفز والحرص والتجييش .
هذه الرؤية تخلق رد فعل مساو من التوجس والقلق داخل غير المسلم , فالمسلم كاره وباغض ونابذ ومستنفر من الآخر لأن إلهه حثه على ذلك فسينتج بالضرورة مناخ من الحيطة والحذر والتوجس تتكلل فى النهاية إلى كراهية الآخر للمسلم وتحفزه له أيضا لذا بدأ الآخر يسأل سؤاله الشهير " لماذا يكرهوننا " وبدأ التفتيش فى هذا التراث الذى يتم إستحضاره .

* ثقافة هشة .
هذه الثقافة تنتفض وترتعش أمام أى نقد لها فهى لا تدرك ماذا يعنى النقد والجدال الفكرى لتعتبره تهجم وسبه وأن هناك رغبات للنيل من الإسلام بينما المُفترض أن أى فكرة مطروحة للجدل والنقاش راغبة فى الترويج لها تفتح ذراعيها لكل نقد فكرى فلا تقبحه أو تلعنه أو تشوه أهدافه بالإدعاء أن هناك مؤامرة ومخططات تريد النيل من الإسلام ,فالأفكار القوية الواثقة من ذاتها وجدارتها ترحب بالنقد والبحث..وحتى لو وضعنا هذا الإدعاء موضع الجدية فليكن هناك من يناهض الإسلام كما المسلم يناهض المسيحية واليهودية والإلحاد والماركسية ,فالرغبة فى النقد حق , والأفكار يجليها ويظهر بريقها النقاش والعقل وليس الرعب وفوبيا المؤامرة.
نرى حملة مسعورة تنال الزميلة فاطمة ناعوت لمجرد أنها غير مقتنعة بذبح الأضحية ولتسأل ماذا ينال دين لمجرد أن أحد اتباعه لم يقتنع بجزئية فيه لتجد هذه الحملة المسعورة لنهشه والنيل منه سوى أنها ثقافة هشة تخشى خروج أحد من حظيرتها أو إثارة الغبار عليها لتعتبره يهز أرجاءها كحال الموقف من المرتد .
ثقافتنا ثقافة هشة تدرك هشاشتها فتنتابها حساسية وثورة من أى كلمة نقد لتتحسس رأسها .. ثقافة تحس بأنها موضع إتهام وادانة دوما .. ثقافة تضعك فى موضع الإدانة حتى تثبت براءتك .

يجدر الإشارة لنقطة مهمة حتى لا تتميع التعريفات وتضيع القضايا فلا يوجد شئ إسمه مسلم معتدل كحالة ثقافية واضحة الملامح ذات منهج فكرى محدد قوى متماسك فهذه الحالة غير متواجدة ليمكن القول أنه يوجد مسلم يعتنق الإسلام يمارس الطقوس الإسلامية ويجهل عمق تراثه ويتحلى ببعض الفكر المعاصر ويتكأ على بعض الآيات المكية فى نهجه وحياته ليتوائم ويتوازن مع العصر أى لا يوجد مسلم يتحلى بمنهجية فكرية إسلامية معتدلة لعدم وجود هذا المنحى من الإعتدال والوسطية وعدم التطرف فى الفكر الإسلامى ليكون نهجه إنتقائى فقط وهذا بالنسبة من لديه بعض الوعى عن التراث الإسلامى ليبقى معظم المسلمين البسطاء على جهل تام بالتراث والفكر الإسلامى لأقول أنه من الخطأ إدراك المسلم لدينه وتراثه ! .. فالإدراك سيقود إلى تبنى الكراهية والعنف والوحشية فلا تندهش من التعليقات والتغريدات على النت التى تفرح وتهلل للعمل الإرهابى ضد صحفيى شارلى ابيدو كما هللت لضرب برجى التجارة وتفجيرات لندن .!.. ومن هنا ألح على فكرة خطورة ترك الخطاب الإسلامى فى يد الأصوليين الإسلاميين فهم المبعث الحقيقى لكل الخطر .

كما ذكرت ان علاج الإرهاب يتم بردم منابعه وليس تجفيفها ,كما يلزم الإنتباه للدور الغربى والقوى الرجعية العربية التى تستثمر ثقافتنا البائسة ولكن يأتى قبلها إدراك حقيقى بلا أى تزييف أو نفاق أو تخدير أو تمييع بأن إستحضار التراث الإسلامى هو الطامة الكبرى التى ستستدعى حضور الإرهاب لذا لن نطلب خطاب إسلامى معاصر كما كنت أدعو وأأمل سابقاً فلا يوجد هذا الشئ فى الواقع فلا وجود لثقافة معتدلة وسطية قوية متماسكة يمكن منها تشييد خطاب إسلامى معاصر,فالثقافة والتراث الإسلامي لن يسعفها .. لذا كل من يروج لخطاب اسلامى معاصر يُمارس اللعب والرقص على الحبال , ليكون الحل ليس بتبنى علمانية الدولة واقتصار الخطاب الدينى داخل المساجد فقط بل بمراقبة صارمة للخطاب الاسلامى وما يُلقى من فوق المنابر وما تردده وتطرحه المرجعيات الإسلامية فهذا ما يؤسس للنهج الإرهابى العنيف , وليس هذا الأمر مستحيلا فقد حدث فى فترات تصاعد المد القومى العربى فلم يُسمح بطرح كل مفردات الثقافة الإسلامية إلا الداعية للفضيلة والأخلاق الطيبة أما ترك الحرية لكل إسلامى فى التنقيب وإستدعاء وإستحضار التراث بكل آياته وسيرته ومشاهده التاريخية فستكون النتائج وخيمة ولن يخفف من وطأتها كونه يدرك جيداً تراثه أو ذو فهم مغلوط كما يبررون .
يُمكن أن نطرح حلاً نظرياً ناجزاً بدون مراقبة شديدة وذلك بحضور مشروع ثقافى نهضوى تنموى حداثى يُشبع قناعات الشعوب ويفى آمالها ولكن هل أوربا العتيدة تفتقد لهذا المشروع الثقافى فقد نالت حظاً من إحتضان التطرف والإرهاب على أراضيها لذا لا يجب أن نهمل المراقبة الشديدة لكل ما يتم طرحه من التراث وما يروجه حاملى مباخره .

دمتم بخير.
لو بطلنا نحلم نموت .. فليه ما نحلمش .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة النقل قبل العقل والطريق إلى التخلف
- خمسون حجة تفند وجود الإله-جزء ثالث21 إلى 26من 50
- زهايمر3-تناقضات فى الكتابات المقدسة-جزء عاشر
- خمسون حجة تفند وجود الإله-جزء ثان 6إلى20من50
- 50حجة تفند وجود الإله-جزء أول 5 من 50
- الإيمان بفكرة الله ضار والإلحاد هو الحل والتغيير
- ماذا تستنتج من هذه المشاهد التراثية-الأديان بشرية الفكر واله ...
- فنجرة بق- الصورعندما تحاكم وتدين
- دعوة للخربشة– نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
- ماذا لو ؟!- الأديان بشرية الفكر والهوى .
- ليس هذا إسلام داعش بل إسلام الأزهر الوسطى الطيب
- تأملات فى الإنسان والإيمان .
- تنبيط 2-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- بالذمة ده كلام – منطق الله 3.
- ضبابية الإيمان أم عبثيته– منطق الله الغريب2
- ثلاثة أسباب لإستحالة وجود إله–خربشة عقل على جدران الخرافة وا ...
- زهايمر2- تناقضات فى الكتابات المقدسة-جزء تاسع .
- بماذا تستنتج من هذه القصص-الأديان بشرية الفكر والهوى.
- مفاهيمنا المغلوطة عن الحياة والإنسان والوجود.
- ثقافة الوحشية وإرادة التوحش لن تترك أحداً


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة الكراهية والعنف والطريق إلى الإرهاب .