أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد علي زيني - إن فسد الملح فبماذا يُمَلّح؟















المزيد.....

إن فسد الملح فبماذا يُمَلّح؟


محمد علي زيني

الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 15:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عنوان هذا الخطاب مستل من إنجيل متّي، آية 13 "أنتم مِلحُ الأرضِ ولكن إن فَسدَ الملحُ فبماذا يُملَّح؟ لا يَصلُحُ بعد لشيء إلا لأن يُطرَحَ خارجاً ويُداسُ من الناس". في هذه الآية يخاطب سيدنا المسيح (ع) أصحابه المؤمنين ويدعوهم للذوبان في المجتمع لأنهم – بحياتهم النقية – سيكونون قدوة للناس أجمع.

إن هذا المثال الأخلاقي ينطبق على كافة البشر، وخاصة المسؤولين منهم. ومن هم المسؤولون في حالة الحكومة العراقية؟ تأتي السلطة التنفيذية على رأس القائمة، يقودها الوزراء طبعاً، ويأتي رئيسهم في المقدمة! إنهم قدوة موظفي الدولة، بل قدوة الشعب بأكملة. فالوزيرهو المنتهى، وهو الملح الذي تُملَّح به طبقات موظفي الدولة صوناً لهم من الفساد، فإن فسد الوزير، فهو لا يصلح بعدئذٍ أن يكون أهلاً للوزارة، بل لا يصلح لشيئ، ولا يستحق إلاّ أن يُطرح خارج الوزارة ويُداس من الناس. ومعنى العبارة الأخيرة، في وقتنا هذا، هي أن لامناص من التخلص من هكذا وزير بتقديمه للسلطة القضائية لينال جزائه العادل بموجب القانون. وبخلاف ذلك، أي بمعنى إن بقي الوزير الفاسد في مكانه دون حساب أو عقاب، فإنه سيصبح – حتماً - خطَراً على الدولة، وهذه الأخيرة بدورها ستتفسخ وبالتالي يكون نصيبها الأنهيار! أليس هذا هو ما يوشك أن يحدث للعراق الآن؟

لنأخذ حالة العراق بعد سقوط النظام السابق في نيسان 2003. السنة الأولى من الأحتلال، في ظل الحاكم المدني بول بريمر ومعية مجلس الحكم، كانت سنة فساد بامتياز (أنظر مقالة الكاتب "لا الريل ولا حمد" على موقعه في الحوار المتمدن). ثم تلا ذلك حكم الساسة العراقيين، وكان أغلبهم يقود شتات المعارضة العراقية بالخارج عدا الكرد. تسلمتِ السلطةَ في يوم رحيل بريمر في 28/6/2004 حكومة عراقية مؤقتة برئاسة الدكتور إياد علاوي، دامت لنحو 10 أشهر. وقد تسلم حازم الشعلان، وزير دفاع الحكومة المؤقتة آنذاك، كأس البطولة لأعظم عملية سرقة بالتاريخ بلغت قيمتها نحو مليار دولار مخصصة لشراء أسلحة للجيش العراقي. ثم تسلم الدكتور إبراهيم الجعفري رئاسة مجلس الوزراء من د. إياد علاوي في نيسان 2005، وهذا بدوره سلم رئاسة مجلس الوزراء الى السيد نوري المالكي في آذار 2006. لقد انتهت وزارة المالكي الأولى في الربع الأول من 2010، وانتهت وزارته الثانية في الربع الأول من 2014، ودخل انتخابات نيسان 2014 رئيساً لإئتلاف دولة القانون مصراً على التمسك ب "ولاية ثالثة". ولكنه رغم فوزه الساحق بتلك الأنتخابات لم يلق ترحيباً في داخل العراق ولا خارجه بعد اجتياح داعش لمحافظة الموصل واحتلالها نحو ثلث مساحة العراق، مااضطر المالكي للتخلي عن طموحه العارم في الحكم وفسح المجال لصاحبه الدكتور حيدر العبادي الذي تسلم في 8 أيلول 2014 مقاليد السلطة.

لست هنا في وارد تعداد مثالب السيد نوري المالكي. فهو قد خرج عن دائرة التأثير في السلطة سلباً أو إيجاباً، وسيلقى حساب ربه الذي طالما عبده ركوعاً وسجوداً وتاجر باسمه للوصول الى قمة الهرم. ويقيني أنه سيلقى حساب شعبه في الدنيا قبل حساب ربه في الآخرة. على أن الذي أثار حيرتي تأبطه لملفات فساد "الآخرين" والغمز بها من حين لآخر ترهيباً أو إغواءً. ولم يعرف الشعب حقيقة تلك الملفات ومن هم أصحابها إذ هو - المالكي - لم يفتح ولا واحدة منها طيلة سنوات حكمه العديدة نسبياً. ولا ريب أن أغلب الآخرين الذين شاركوا في لعبة السلطة قد غرّهم بريق الذهب وأغوتهم مباهج الحياة – وهي قصيرة مهما طالت – فراحوا يغرفوا من أموال شعبنا الجريح ما قدروا على حمله، ولم ينس الواحد منهم أن يتسلح، كما الآخرين، بما تيسر من ملفات فساد كسلاح للمبارزة بها عندما يحمى الوطيس.

ولربما سوف لن تكون هناك حاجة أصلاً لملفات هذا المشبوه أو ذاك حين تنصب محكمة الشعب أوتادها وتنشر سرادقها لاستقبال جموع المتّهمين. فالحوادث محفورة بذاكرة المحرومين والمظلومين ولا يمكن نسيانها. فهل ستنسى الثكلى من سرق أموال الشعب المخصصة لشراء السلاح وترك ابنها الشهيد يذود عن حياض الوطن بسلاح فاسد أو بلا سلاح؟ وهل ستنسى جياع الشعب أولئك الذين تكالبوا على سرقة قوتها اليومي بتقليص مفردات البطاقة التموينية أو شراء أغذية فاسدة يعاف عن أكلها حتى الحيوان؟ وهل سينسى الأب المكلوم بموت طفله المريض أولئك السرّاق الذين تسببوا بعدم توفر الدواء؟ وهل سينسى الآباء والأمهات مدارس الطين المزدحمة بالأطفال وهي لا تقي من حر ولا برد والخالية من وسائل التعليم، ناهيك عن توفير الغذاء؟ وهل سينسى فقراء الشعب والعاطلون عن العمل – وقد أصبحوا يتكاثرون بسرعة – تضخم أموال كبار موظفي الدولة والنواب وقادة القوات المسلحة دون أن يعرف أحد من أين لهم هذا؟

نعم، لقد اقتربت الساعة، وهي آتية لا ريب فيها. حينئذٍ ستخرج الفضائح من مخابئها وتزكم الأنوف. ولكن بقي عندي سؤال واحد أريد جواباً عليه. وسؤالي هو: إن العادة في كافة البلدان تقريباً أن تقوم وزارة المالية بتحضير الموازنة السنوية بطرائقها المعتادة. وبعد إقرار الموازنة يتم نشرها على الملأ، كما يُنشر معها تفاصيل الموازنة للعام المنتهي بعد غلقها، مع بيان أوجه الصرف ومدى العجز أو الفائض ... إلخ. وكمثال على ذلك أشير الى ممارسة أصولية، والتي أضحت كونها عملية روتينية تؤديها جارة العراق الى الجنوب، وهي المملكة العربية السعودية. إذ تقوم وزارة المالية لهذه الدولة الشقيقة بنشر الموازنة، بعد أقرارها، في الأسبوع الأخير من الشهر الأخير لكل سنة. ولن تكتفِ بذلك فقط وإنما تنشر الموازانة السابقة والتي تم غلقها على الأغلب، موضحة في بيانها السنوي أية مصروفات زادت عن المحدد في مرسوم الموازنة مع شرحها وتبريرها لما حدث. وليس من شك أن تقوم كافة الدول الأخرى المحيطة بالعراق بنفس الممارسة، ربما مع اختلاف بسيط هنا أو هناك لا يمس الجوهر.

ولكننا، نحن العراقيين، لم نرَ في سنة من السنوات، بعد سقوط النظام السابق، أن قامت وزارة المالية بنشر أوجه الصرف لموازنة جرى غلقها، بل ولا ندري إن كانت تغلق الموازنة بنهاية سنتها، ولربما حتى نوّاب الشعب لا يدرون بالضبط ماذا يحدث لها. أما في سنة 2014 فلم تكن هناك موازنة على الأطلاق، وذلك خرق للأصول وانتهاك للحقوق والواجبات، بل هو استهتار واستخفاف صارخ بالشعب العراقي وحقوقه. لقد كانت الضحية الأولى لتلك الفعلة الشنيعة هي الموازنة الأستثمارية، حيث لم نعد نعرف ماذا حدث لأي مشروع جديد كان من المفروض البدئ به، كما لم نعرف عما حدث لمشاريع كانت مستمرة ولم تنته بعد. وفي استضافة لوزير المالية بالوكالة، السيد صفاء الصافي، بتأريخ 27 تشرين الأول 2014 تبين للمجلس أن مبالغ طائلة قد ضاعت من الموازنة، أو بالأحرى ضاعت من "اللاموازنة" لسنة 2014، من بينها مبلغ يساوي مليارين وسبعمائة مليون دولار (2750 مليون دولاراً) مسجلة في باب الأنفاق خلال شهري الأنتخابات الأخيرة. وحين سأل أحد أعضاء اللجنة الوزير عن بيانات إنفاق ذلك المبلغ الهائل، كان جواب الوزير واحداً من بين أجوبته المبهمة والفضفاضة "هذا هو الموجود .. تفضل عندي الى الوزارة لكي تعرف أوجه الأنفاق". وعن سؤال "كم يملك العراق الآن في الخزينة" كانت إجابة الوزير "ثمانية مليارات دولار". نعم هذا ما هو موجود في خزينة بلد بلغ مجموع صادراته خلال السنوات 2004 – 2014 أكثر من 650 مليار دولار. يا ترى أين ذهبت تلك الأموال! على أن الذي يثير حيرتي – وشكوكي أيضاً – السكوت المطبق من كافة الجهات السياسية، على اختلافها، حول ما ورد على لسان السيد صفاء الصافي بشأن الطفرة الفلكية في الأنفاق خلال شهري الأنتخابات الأخيرة، فالكل ساكتون!

فمنذ حزيران 2004 ولغاية هذا اليوم، كلما تم اكتشاف عملية فساد، مثلاً هروب وزير مع الجمل بما حمل طبعاً، أو حدوث حريق هنا وحريق هناك لأتلاف "مبرزات جرمية"، أو اكتشاف حالة فساد رهيبة في وزارة حساسة مثل التجارة وهي تمس قوت الفقراء، ينتشر لغط بين أفراد الشعب وترتفع أصوات تحتج، يلي ذلك وشوشة ملحوظة بين كبار المسؤولين، ثم تهديد ووعيد بحساب شديد، ثم وشوشة منخفضة، ثم وشوشة خافتة، ثم سكوت، ثم صمت كصمت القبور، ثم تأتي رجة فساد أخرى، وأخرى، وأخرى، لتلاقي كل واحدة منها نفس المصير وتنتهي أخيراً بصمت كصمت القبور. أنها المحاصصة اللعينة أيها الناس! إنها المحاصصة التي يدعونها زوراً بالشراكة الوطنية! أي وطنية هذه التي تكاد تقضي على بلدٍ بأكمله، أي وطنية هذه يرحمكم الله؟
أناشدك يا أخي دكتور حيدر العبادي أَن تختلف عمّن سبقك. أنا أناشدك لأن بيني وبينك مودة واحترام، ولا أريد لك نهاية كنهاية الآخرين، وهي وشيكة مهما بعُدت لأن الزمن يمشي ولن يتوقف. أود أن أبشّرك بأنك أنت الآن أصبحت "خضيّر" الشعب. ألم تر أن الشعب العراقي الجريح قد ابتهج عندما حللت محل المالكي؟ وأخذ يغني نصف أغنيته المعهودة "ماكو خيّر إلا خضير"؟ فلماذا لا تستجيب لرغبة شعبك النبيل وتنقلب على هؤلاء المتحاصصين وتنصب لهم محكمة الشعب وليلقَ كلٌ نصيبه بعدالة؟ أليس هذا هو مطلبٌ عادل؟ أما إذا اخترت عدم الأستجابة، فإنك ستخيّب أملي، ولكن الأدهى والأخطر من ذلك هو إنك ستخيّب أمل الشعب، الذي سينتفض ليكمل النصف الثاني من الأغنية وهو "حتى خضيّر ما هو خيّر". وإياك إياك أن تلاقي شعباً منتفضاً كالشعب العراقي، وهو فوق كل ذلك جريح ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الكاتب خبير نفطي واقتصادي، إضافة لكونه ناشط سياسي وباحث.
يمكن الأتصال بالكاتب بواسطة العنوان التالي: [email protected]



#محمد_علي_زيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يحكم العراق رجل مثل مهاتير محمد؟
- الشهيد عبد المنعم السامرائي
- خطاب مفتوح الى الدكتور حيدر العبادي (الجزئ الثاني)
- خطاب مفتوح الى الدكتور حيدر العبادي
- في ظل الحاكم المدني بول بريمر: فساد وإفساد
- لا الرَّيل....ولا حمد
- فليسقط الكهرباء وليسقط النفط ولتحيى الطاقة!
- هل العراق يحتضر؟
- أثر صفقة غاز الجنوب بين الحكومة العراقية وشركة شل على الأقتص ...
- العقلية الريعية للحكومة العراقية
- حول مذكرة التيار الديمقراطي في المملكة المتحدة الى مجلس النو ...
- خارطة طريق إقتصادية: ردٌ على نقد
- أيها النواب العراقيون: هل ستحمون مصالح الشعب الذي انتخبكم؟
- هل وفيت بوعدك يا سيد حسين الشهرستاني؟
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة السابعة، وهي الأخيرة) (1)
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة السادسة) (1)
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الخامسة) (1)
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الرابعة) (1)
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الثالثة) (1)
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الثانية)


المزيد.....




- شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري ...
- جنوب إفريقيا.. مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من على جسر
- هل إسرائيل قادرة على شن حرب ضد حزب الله اللبناني عقب اجتياح ...
- تغير المناخ يؤثر على سرعة دوران الأرض وقد يؤدي إلى تغير ضبط ...
- العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان مساعدة إنسانية عاجلة- لغزة ...
- زلزال بقوة 3.2 درجة شمالي الضفة الغربية
- بودولياك يؤكد في اعتراف مبطن ضلوع نظام كييف بالهجوم الإرهابي ...
- إعلام إسرائيلي: بعد 100 يوم من القتال في قطاع غزة لواء غولان ...
- صورة تظهر إغلاق مدخل مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل بال ...
- محكمة العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان توفير مساعدة إنسانية ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد علي زيني - إن فسد الملح فبماذا يُمَلّح؟