أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - خالد الذكر فؤاد نصار في ذكراه المئوية















المزيد.....



خالد الذكر فؤاد نصار في ذكراه المئوية


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 4 - 16:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لتباسات الواقع المازوم عطلت نشر هذه الورقة في حينها. فقد قررت الهيئة الإدارية لجمعية فؤاد نصار لأبحاث التنمية في رام الله إقامة احتفال في الذكرى المئوية لميلاد القائد الثوري ، واقترحت على حزب الشعب تنظيم الاحتفال بمدينة رام الله؛ كما كلفت كاتب هذه السطور تقديم كلمة الجمعية في الاحتفال. قبلت قيادة حزب الشعب الفلسطيني تنفيذ المهمة. وحلت الذكرى المئوية لميلاد المناضل الجسور في شهر سبتمبر / أيلول الماضي. وفي اجتماع دوري للهيئة العامة لجمعية فؤاد نصارعقد لمناقشة خطة العمل في العامين المقبلين وانتخاب هيئة إدارية جديدة جرى تاكيد إجراء الاحتفالية في العشرين من ديسمبر / كانون اول الماضي؛ كما تمنت الجمعية العامة على حزب الشعب عقد لقاءات في المناطق للتذكير بالقائد الثوري الذي رحل عن دنيانا عام 1976. ونظر لأنني اعتذرت لأسباب صحية عن مواصلة النشاط داخل الهيئة الإدارية فقد اتصلت استفسر إن كان الاحتفال سيقام في موعده لأبلغ ان ظروفا معينة حالت دون إجراء الاحتفالية. نقلت الخبر إلى رئيس الجمعية السابق ، الروائي والمناضل الشيوعي محمود شقير ، فوعد بالاستفسار، ويبدو أن لا جديد. وصلت عمان في الحادي والعشرين من الشهر نفسه لأجد دعوة من اتحاد الشيوعيين الأردنيين للتحدث عن خالد الذكر اما م لقاء في مدينة اربد الأردنية، وذلك بالمشاركة مع الرفيق عبد العزيز العطي ، العضو الوحيد على قيد الحياة من مؤسسي الحزب الشيوعي الأردني. غير ان الحالة الصحية للقائد الشيوعي السابق حرمته من الحضور والمشاركة؛ فكانت الورقة التالية المادة الوحيدة التي القيت في المناسبة، بجانب مداخلات وتعليقات قدمت أثناء النقاش. ورغم هطول الامطار الغزيرة ذلك المساء فقد حضر حشد كبير من الرجال والنساء لسماع المحاضرة؛ كما لاحظ المشرفون على اللقاء حضور نسبة عالية من الشباب والشابات، بشكل لم يسبق له مثيل في الآونة الأخيرة .
استهل الحديث بالتذكير ان فؤاد نصار رمز للنضال المشترك الذي يخوضه الشعبان الشقيقان الأردني والفلسطيني ضد الامبريالية والصهيونية، ومن اجل التقدم الاجتماعي. فالعلاقة العضوية بين الشعبين والتي تعززت في مجرى الكفاح المشترك لعقود عدة ستظل عامل إلهام لتعزيز النضال المشترك ضد مخاطر التوسع الصهيوني ومحاولاته العدوانية المعلنة للتطهير العرقي وفرض يهودية دولة إسرائيل والمسنودة من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
إن العداء للشيوعي قد أصاب بعدواه البعض داخل حركة التحرر العربي بعامة والفلسطينية على وجه الخصوص لتسقط اسم فؤاد نصار من بين الرواد الكبار للحركة الوطنية التحررية في فلسطين . فهذا المناضل الوطني الجسور أضاف للتراث الكفاحي الفلسطيني عبر نشاطه السياسي وإسهاماته الثقافية . في الحقيقة دمج النظرية الثورية بالنشاط الثوري وما زالت إبداعاته في المجالين مرشدة وآنيّة. كان الرائد في تقدير وتقييم ثورية الفلاحين والعمال والتأكيد العملي لدورهم المركزي في إيصال نضال التحرر الوطني الديمقراطي إلى غاية التحرر الإنساني الشامل. أوصلته ثوريته وذكاؤه المتوقد إلى الارتباط بالفكر الماركسي والتعمق في فهمه وتطويره كي يرشد المقاومة الفلسطينية ضمن تعقيدات مناهضة اضطهاد الانتداب البريطاني المعزز بعنصرية الحركة الصهيونية المندمجة عضويا بالامبريالية.. وارتبط بالفكر الماركسي هاديا ومرشدا للمقاربة العلمية للتحرر من مختلف قضاياه: قضية التحرر الوطني، تعقيدات النضال الوطني التحرري الفلسطيني في ظروف الغزو الاستيطاني الصهيوني ، قضية الوحدة العربية، قضية وحدة اليسار الفلسطيني، قضية الإرهاب الفردي؛ وما زالت طروحاته ومواقفه الجذرية تجاه هذه القضايا تحتفظ بصحتها وقيمتها العملية. انصرمت العقود وما زالت رؤى فؤاد نصار في بواكير نشاطه الثوري تنير الدرب للنضال الراهن من اجل تصفية الاحتلال وإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية.
إدراكه للمسئولية وهو طفل حفزه لترك مقاعد الدراسة بعد الصف الرابع للمساعدة في إعالة أسرته؛ لكن إدراكه للمسئولية الوطنية حفزه للتسامي على الهموم الأسرية، والانخراط وهو في الخامسة عشرة من عمره في النضال المثابر ضد الانتداب البريطاني. ومنذ ذلك التاريخ احترف النضال الوطني وتحمل تبعاته باقتدار. شارك في المظاهرات الاحتجاجية على الهجرة اليهودية عام 1929 وضد إعدام شهداء الثلاثاء الحمراءممن ادينوا بأمال العنف التي جرت ذلك العام في أنحاء فلسطين احتجاجا على الهجرة . وكان لاستفزازات اعناصر الصهيونية المتطرفة دور في تأجيج العنف، كما ورد في شهادة البروفيسور أينشتاين اما لجنة تحقيق دولية . وبإدراكه ذاك طلب من المندوب السامي عدم تنفيذ احاكم الإعدام. صدر بحق فؤاد نصار أحكام بالإقامة الجبرية والنفي؛ بقي ذهنه متوقدا يلتقط الجديد في كل ما يصادفه، ولديه جلد على المطالعة وطموح لإغناء معارفه السياسية والفكرية. أثناء السجن تعرف على شيوعيين وكتب يقول "إذا كانت السلطات البريطانية تكره هؤلاء الناس الذين تسميهم شيوعيين فلا بد أن يكونوا اناسا طيبين ". وصرح أمام المحكمة البريطانية " إذا كان الأمر كذلك فعلي أن أفتش عن الشيوعيين".
إلى جانب ذهنه المتوقد كانت جرأته حاضرة في كل موقف. دفعه التفاني في النضال الوطني التحرري للانخراط في ثورة 1936- 1939؛ آنذاك وفرت مناعةً للثورة جبالُ فلسطين ومحدوديةُ شبكة الطرق المعبدة وتخلفُ الوسائل اللوجستية وتكنولوجيا التسلح لدى قوات سلطة الانتداب . أصيب في إحدى المعارك برصاصة بالعضد الأيمن . بشجاعته وقوة إرادته اكتسب احترام المنضوين تحت قيادته وكل من تعرف عليه. احترم في المرء إنسانيته، كان متقدما في أفكاره وطروحاته. يحث على احترام القرويين وتخفيف الأعباء عنهم ؛ردد ان الفلاحين عماد الثورة، ينهضون بأعبائها ماديا ومعنويا كلما استطاعوا لذلك سبيلا. أصيب في إحدى المعارك برصاصة بالعضد الأيمن. ذكر أحد أبناء الشيخ يوسف خميّس ، مختار قرية بيت نتيف، وكان الشيخ معروفا بسرعة البديهة، أنه استضاف القائد الثوري ، حين فوجئ بمحاصرة القرية من قبل الجيش البريطاني. عمد إلى الطلب من زوجة ابنه ان تنام بجانب فؤاد نصار في فراش ادعاه الشيخ يوسف فراش الزوجية، وأنقذ المناضل الثوري من الاعتقال، ومن عاقبته المحتمة - الإعدام.
منح فؤاد نصار لقب "أبو خالد" اعترافا بكفاءته القيادية وإقدامه الثوري، وفي العام 1938 أوكلت إليه قيادة المنطقة الجنوبية للثورة بعد نقل عبد القادر الحسيني خارج فلسطين ، إثر إصابته بجراح في معركة بني نعيم بالخليل ضد عناصر " روابط القرى" المتعاملة مع الإنجليز.[اضاف الدكتور عصام محمد السعدي، الذي قدم مداخلة في لقاء اربد ان فؤاد نصار أشرف منذ بداية الثورة الفلسطينية على نقل السلاح من العراق عبر شرقي الأردن إلى فلسطين، وكان ينام في قرى الشمال بمحافظة اربد]. يبدو أن بفضل مأثرته تلك تم تفضيله، وهو ابن الناصرة ومسيحي الديانة ، للمركز القيادي في جنوب فلسطين.
بانتهاء الثورة المسلحة انتقل فؤاد نصار إلى العراق عبر الأردن ليعود اوائل عام 1943،وقد دمج خبرته العملية بالفكر الماركسي، وشرع نضاله الفكري الثقافي في ظروف انفراج سياسي بفضل نجاحات الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية. نجد بعض الضوء مصلتا على النشاط الثقافي في ما كتبه الباحث جهاد صالح عن الشاعر عبد الرحيم محمود . فقد دأب الشاعر على الحضور إلى مدينة الناصرة في العطل الصيفية ويلتقي صديقه فؤاد نصار، الذي أنشا مكتبة فيها من الكتب والمجلات اليسارية والاشتراكية مما كان يصدر في أنحاء العالم العربي. وكانت هذه المكتبة ملتقى فكريا يجتمع فيه المثقفون يناقشون شتى الشؤون الفكرية والوطنية. وكان أصدقاء عبد الرحيم محمود من أعضاء " عصبة التحرر الوطني" النشيطين في نادي النهضة بالمدينة. ." قام فؤاد نصار بتشكيل حلقة ماركسية ضمت عدداً من العمال والمثقفين، الذين كانوا يجتمعون بصورة دورية ويطلعون على النشرات الماركسية، إلى أن أصبحت حلقتهم جزءاً من عصبة التحرر الوطني في فلسطين"؛ وقد برز تأثر الشاعرعبد الرحيم محمود بهذا المناخ الثوري في قصائده التي يتحدث فيها عن آلام الطبقة العاملة وآمالها ، والتي شرع بنشرها في جريدة الاتحاد منذ سنتها الأولى في آب ( أغسطس) 1944. وصدرت عن رابطة المثقفين العرب اليسارية مجلة " الغد" في القدس في تموز ( يوليو) 1945؛ وفي العدد الأول منها تحية شعرية من عبد الرحيم محمود بهذه المناسبة بعنوان " فلا تسلموا الأمر عميانها" بتوقيع (ع.م) وفي صفحة مواجهة مقال بقلم فؤاد نصار.
لم يترك فؤاد نصار مذكرات شخصية سوى بضعة سطور . كتب عنه الباحث الدكتور ماهر الشريف وكذلك المناضل الشيوعي نعيم الأشهب. واجرى الحزب الشيوعي الأردني ندوة في الذكرى الثلاثين لوفاة قائده الأسبق .
الالتصاق بقضايا الكادحين هو الوجه الثاني لمدالية الولاء لفلسطين. التحق فؤاد نصار بالنشاط النقابي للعمال ضمن مؤتمر عمال فلسطين. وفي جريدته الأسبوعية – الاتحاد- برزت الموهبة الفكرية والثقافية للمناضل الثوري . في مقالاته ركز على الرابطة العضوية بين النشاط العمالي النقابي والنشاط الوطني التحرري؛ كما دمج التحرر بإنصاف المحرومين ضحايا الاستلاب الدهري ، حيث انفتح على ضرورة الديمقراطية التي احتلت موقعا محوريا في نشاط عصبة التحرر الوطني الفلسطينية ، التي كان فؤاد نصار احد المبادرين لتشكيلها . تشكلت عصبة التحرر الوطني، وانتخب عضوا في لجنتها المركزية، ثم انتخب أمينا عاما لمؤتمر العمال العرب واشترك في تحرير صحيفة المؤتمر – "الاتحاد"، الناطقة بلسان المؤتمر؛ و انتخب عضو سكرتاريا اللجنة المركزية وكانت بمثابة مكتب سياسي للعصبة.
انتبهت العصبة إلى خطأ المفتي في( الارتباط بالمحور)، وأكدت بأن الشعب العربي الفلسطيني يقف، في هذه الحرب، في الخندق المناهض للفاشية والنازية. اعتبر أحد قادتها ، وهو بولس فرح، أن الحركة الوطنية العربية في فلسطين هي " حركة تقدمية في مضمونها وجوهرها"، تستهدف "الوصول إلى أسباب الرقي الاجتماعي والثقافي والسياسي، لتمكّن الشعب العربي من السير مع قافلة البشرية الحرة".وفي نشرة داخلية اصدرتها قيادة العصبة في 12 نيسان 1944 ذكرت أن القضية الفلسطينية "جزء من القضية العالمية، قضية القضاء على النظم العنصرية، قضية استقلال جميع الشعوب ضمن أوطانها.. جبهة مناهضة للنازية ، وتآخي الشعوب ومساواتها، قضية سلام عالمي دائم". إن نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله هو جزء من نضال الشعوب "ضد النازية والفاشستية ونظمها العنصرية"، وهو جزء من نضال "الشعوب السوفيتية، والشعوب الانجليزية والأمريكية والفرنسية واليوغوسلافية وغيرها من الشعوب، المناضلة للقضاء على أكبر خطر يهدد الحريات الوطنية". وأكدت، في هذا السياق، "أهمية العمل على توحيد القوى التقدمية في العالم ضد الفاشستية".
تعينت الديمقراطية ، في رؤية العصبة، بالملموس في مواقف مبدئية لو تضافرت ظروف انتهاجها لوفرت الكوارث والنكبات على الشعب الفلسطيني، ولاختصرت المتاهة التي انجرفت إليها القضية الفلسطينية. إنها موقف مبدئية ما زالت تصلح في الأساس لترشيد النضال الوطني الديمقراطي بفلسطين في الوقت الراهن. رأت العصبة في إشاعة الديمقراطية في السياسة والاقتصاد الشرط الذي لا بدّ منه لضمان ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير، وذلك "لأن الديمقراطية هي من الضرورات الأولية لكل حركة وطنية تطالب بالحرية"، ولأن السياسة الديمقراطية هي وحدها التي ستضمن الحفاظ " على السلم في فلسطين... وفي الشرق العربي بأسره". ودعت العصبة حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين إلى أن تسير على خطة ديمقراطية في تسيير دفة الحكم في فلسطين، بحيث "يشترك الشعب بجماهيره الواسعة في إدارة شؤونه"، وهو ما يعني بلغة الواقع "إجراء انتخابات ديمقراطية للمجالس البلدية وإجراء انتخابات ديمقراطية لمجلس تشريعي ومنح الشعب حريات واسعة في إدارة شؤونه وتحقيق آماله.
دعت عصبة التحرر الوطني الأوساط الوطنية العربية إلى تأمين حقوق السكان اليهود الديمقراطية في فلسطين، والوصول إلى تفاهم معهم. فلدى قيامها، جابهت عصبة التحرر الوطني مشكلة وجود أكثر من 600000 يهودي على أرض فلسطين. كانت مسألة الوجود اليهودي في فلسطين ومستقبله من المسائل المركزية التي واجهها الفكر السياسي الفلسطيني في عهد الانتداب البريطاني.
قدمت العصبة وفؤاد نصار ضمن مجلس قيادتها، تجربة عملية كان بالإمكان البناء عليها لإنجاز التفاهم العربي اليهودي وتحقيق وحدة العمال العرب واليهود ضد الاستعمار البريطاني. إذ بفضل النفوذ الكبير داخل " مؤتمر العمال العرب"، أمكن تحقيق نجاحات هامة على هذا الصعيد، تجسدت في الإضرابات المطلبية الموحدة التي شارك فيها العمال العرب واليهود في دوائر ومؤسسات الحكومة في نيسان 1946 وفي المعسكرات البريطانية في أيار 1946.
فُرِض على العصبة صراع جانبي من لدن عناصر يمينية في قيادة الهيئة العربية العليا ، التي رفضت بتشجيع من الجامعة العربية قبول اليساريين في عضويتها . ادعى جمال الحسيني أن اليسار الفلسطيني يتعاون مع بن غوريون، فأنشد عبد الكريم الكرمي امام حشد عمالي يرد على التخرصات: قالوا يساريون قلت أجلهم خلقا ومبدا / لم يعرفوا كيف المبادئ تشترى عدا ونقدا.
في عام 1946 صعدت قيادة الهيئة العربية العليا الصراع وألقى جمال الحسيني خطابا أحد أيام الجمعة في اجتماع جماهيري حاشد هدد وتوعد اليسار وذكر عصبة التحرر الوطني بالاسم. ردت العصبة في يوم الجمعة التالي باجتماع عمالي حاشد ألقى فيه فؤاد نصار خطابا قال فيه أن اليد التي تمتد إلى اليسار ستقطع. هاجم العقليات المتحجرة والبالية ، مؤكدا أن تكرار تجربة التصفية الجسدية للمخالفين في الرأي السياسي لن تمر. وكان هذا باعثا على التعقل وتخفيف التوتر .
وردا على تدخل وفد من الجامعة لعزل اليسار تصدى فؤاد نصار لتحليل مدلول التدخل . كتب فؤاد نصار يقول إن الجامعة العربية تنتزع زمام المبادرة من أيدي الشعوب العربية وتحد من نضالها ضد الامبريالية ، وتتدخل في الأمور الصغيرة والكبيرة ، متخذة مقررات " سرية " وعلنية لا تشفي غليل الشعب العربي الفلسطيني الظامئ للحرية .
انبرى فؤاد نصار يندد بالاغتيالات الفردية، إثر مقتل الزعيم النقابي سامي طه. بادرت العصبة بجرأة ومسئولية وطنية عالية بالتصدي لنهج الإرهاب السياسي الفردي والقتل الفسيولوجي في العمل الوطني . وبتكليف من قيادة العصبة أعد فؤاد نصار كراسا صدر عن لجنة العمل الثقافي التابعة للعصبة تجلى في فكر فؤاد نصار وعصبة التحرر الوطني الفلسطينية التقدير العالي للديمقراطية في النشاط السياسي المرتبط جدليا بالثقافة. ورد في التقرير أن المستعمر يشجع الإرهاب الفردي والقتل السياسي كي يتمكن "من تفريق صفوف الأمة أثناء خوضها معركة النضال الوطني في سبيل الحرية" . رأى فؤاد نصار، في الكراس حول الإرهاب الفردي ، في القتل السياسي "أخطر الأساليب التي تهدد وحدة الحركة الوطنية، خصوصاً في مجتمع مثل مجتمعنا... لا يزال إلى حد ما يقوم على العصبيات العائلية، وخاصة في القرى والبلدات الصغيرة"، ودعا إلى عدم التهاون " في مقاومة هذا الاتجاه"، لأن القتل السياسي "عدا عن أنه يشل النضال الوطني ويقضي على حرية الرأي ويبعد أقساماً كبيرة من الجماهير الشعبية عن الحركة الوطنية، فهو يترك آثاراً بعيدة الغور على حاضر النضال الوطني ومستقبله". وانتقد لجوء بعض أوساط داخل قيادة الحركة الوطنية إلى هذا الأسلوب كوسيلة " لمعالجة بعض القضايا الوطنية مثل بيوع الأراضي والسمسرة عليها، وفي مسألة مقاطعة البضائع اليهودية، وغير ذلك"، معتبراً بأن جميع هذه القضايا "لا يمكن معالجتها معالجة معزول عن قضية البلاد الرئيسية، وهي قضية الحرية والاستقلال"، وذلك لأن "هذه القضايا كلها متفرعة عن وجود الاستعمار في وطننا، وهو أصل الداء والبلاء، وهو الذي قاد البلاد إلى أزمات اقتصادية وسياسية".
أكد نصار على أنه لا يمكن لأحد أن "يجيز لنفسه أن يحكم على الناس بالقتل أو بإتلاف أموالهم"، لأن ذلك هو من حق محاكم الشعب فقط، أعرب عن قناعته بأن أسلوب الإرهاب "لا يردع خارجاً عن غيه"، بل " يشيع الفوضى والفساد في الصفوف المتراصة، ويفتح ثغرات يتسرب منها المستعمر". واختتم كراسه بتوجيه نداء من عصبة التحرر الوطني إلى جماهير الشعب العربي الفلسطيني وإلى جميع الهيئات والأحزاب والنوادي والجمعيات للوقوف صفاً واحداً "في وجه الاتجاه الإرهابي الذي أخذ يذر قرنه من جديد داخل حركتنا الوطنية."
في نهاية التقرير أورد فؤاد نصار أن"طريق الكفاح الشعبي المنظم ضد الاستعمار وأعوانه في سبيل الحرية هو طريق طويل ولا شك ؛ وليس هناك من طريق أقصر منه وأسلم عاقبة" .

أثناء الحرب العالمية الثانية، لم تدرك قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية التغيّرات العميقة التي راحت تتولد عن تلك الحرب، والتي حوّلت المستوطنين اليهود في فلسطين إلى قوة سكانية وسياسية واقتصادية كبيرة، وخلقت أجواء من التعاطف الدولي الواسع معهم، لاسيما بعد المذابح الجماعية التي صار يتعرض لها يهود أوروبا على أيدي النازية. كما لم تتنبّه إلى خطورة التوجه الذي أُقرّ في مؤتمر الصهيونيين الأمريكيين، في أيار 1942، لإقامة دولة يهودية في فلسطين تكون جزءاً عضوياً من " العالم الديمقراطي الجديد "، وهو التوجه الذي صادق عليه المجلس العام للمنظمة الصهيونية العالمية، في تشرين الثاني من العام نفسه، وكان إيذاناً ببدء انحياز هذه المنظمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كان الغموض يغلف مواقف قيادة الحركة الوطنية العربية الفلسطينية، من مستقبل هذا الوجود، من الأسباب التي جعلت هذه الحركة تتخبط في موقفها تجاه استقلال فلسطين.
اما العصبة فحاولت أن ترسم حدوداً واضحة بين الصهيونية، من جهة، والسكان اليهود في فلسطين، من جهة ثانية، حيث رفضت ادعاءات الصهيونيين بأنهم يعبّرون عن مصالح كل اليهود، وأكدت أن الصهيونية تتعارض مع مصالح اليهود أنفسهم، وانتقدت، في هذا السياق، مواقف القيادة القومية العربية التقليدية التي كانت تعلن دوماً أنها "لا يمكن أبداً ان تعيش بسلام مع السكان اليهود في فلسطين، وأن تؤمن لهم أي حق ديمقراطي من حقوقهم، أو الوصول إلى تفاهم معهم"، محذرة من مخاطر هذه "السياسة غير العملية"، تجاه السكان اليهود في فلسطين، والتي قد تقود إلى تقسيم فلسطين، "والتقسيم هو أخطر حل يجر البلاد إلى المصائب والاضطرابات الداخلية".
خلصت العصبة إلى أن قيام "دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية"، تحفظ حقوق جميع مواطنيها من العرب واليهود، هي "الضمانة الحقيقية ضد أي اضطهاد وعدوان". فالديمقراطية، والتعاون بين العرب واليهود، هما "السبيل الوحيد لإيجاد الحياة المطمئنة والروح الإنشائية في فلسطين، وهما وحدهما اللذان يضمنان لليهود حياة مستقرة ثابتة في فلسطين". أما تعلق الجماهير اليهودية بشعار الهجرة فهو، بالإضافة إلى أنه " يعمق الخلاف والبغضاء بين العرب واليهود، وينمي النعرة العنصرية "، سيؤدي إلى تأخير وإعاقة حل القضية الفلسطينية". ولذا، ينبغي أن يترك البت في مشكلة الهجرة اليهودية " إلى أهالي البلاد أنفسهم ليقرروا فيها عندما ينالون حريتهم واستقلالهم، ويصبحون المسيطرين على مصائرهم" .
لدى صدور قرار التقسيم وتفجر الصراع المسلح اتضح أن الصهيونية بقياد بن غوريون مصممة على التطهير العرقي وطرد الفلسطينيين من ديارهم؛ أدركت العصبة ان مرحلة جديدة بدات تتبلور ، بات حيالها من الضروري إعادة النظر . أدرك فؤاد نصار بحسه المرهف وذهنيته الجدلية أن الخيار لم يعد بين تقسيم ودولة موحدة ، بل بين تقسيم وتشريد. كان فؤاد نصار من ضمن المبادرين لعقد مؤتمر الناصرة ، الذي وجد أن التقسيم - رغم سوءاته - بات أفضل الطروحات المتاحة. فشلت العصبة في التأثير على مجرى الأحداث وتحقق ما حذرت منه ـ طرد الجماهير الفلسطينية من الديار.
انتقل فؤاد نصار سرا إلى غزه وبصحبته فهمي السلفيتي . كان يراوده الأمل بأن تعلن الدولة الفلسطينية في غزة ، نظرا لتشكل قيادة قومية ضمت مختلف القوى السياسية والأطر النقابية . تشكلت مجموعة ميليشياوية كان للعصبة أغلبية في قوامها؛ وعهد بقيادتها إلى فايز الوحيدي ( وهو عضو سري بالعصبة) . غير ان الرياح الغلابة عصفت في اتجاه مضاد، وفشلت القيادة القومية في كبح جماحها فدمرت المجتمع الفلسطيني عن طريق الصدام المسلح. قوضت القوات المصرية الآمال حال دخولها . حملت قائمة من المطلوبين المراد اعتقالهم ، ضمت فؤاد نصار وفهمي السلفيتي وعبد العزيز العطي وفائق وراد. انتقل فؤاد نصار إلى الضفة متخفيا بزي شيخ قبيلة ، وتهيب الجنود المصريون على الحاجز من اعتراضه وتركوه يمضي.
نفر قليل بقي كالجذوة الملتهبة بين الرماد مشهرا رفضه الاستسلام للمؤامرة التي نجحت على نطاق واسع. مارس هذا الرعيل وطنيته وفق المنهجية الماركسية فاولى أهمية لتحرك الجماهيروبعثها من حالة الذهول . تجلت ثقة فؤاد نصار ورفاقه بالطاقة الثورية الكامنة في الجماهير المرتبكة الحائرة شبه الخانعة للمصير المجهول حيال الزلزال المدمر. رفض التستر خلف أسم مستعار ، وباسم عصبة التحرر ندد بالجيوش العربية وانظمتها المتواطئة مع الامبريالية؛ أصدر فؤاد نصار اول بيان سري وجهه إلى الجيوش العربية في فلسطين في11تموز1948. بات فؤاد نصار مطلوبا للجيوش التي قدمت لإنقاذ فلسطين. اعتقلته القوات المصرية ، وكان عبد المحسن أبو النور حاكما عسكريا في بيت لحم ، وهو الذي أشرف على التحقيق معه ؛ ولما أعيد إلى الغرفة في منتصف الليل غافل الحارس تاركا سترته في الغرفة وخرج وانتقل إلى القدس.
رغم المطاردة ، ورغم شح الموارد وشظف العيش بادر فؤاد نصار في كانون ثاني 1949إلى إصدار جريدة " المقاومة الشعبية "، وعمل على توصيل أعداد منها إلى غزة. كانت إمكانات الطباعة بدائية للغاية ؛ لكن ما من عقبة تحد من العزيمة الثورية المستلهمة توعية الجماهير بالحقيقة. والحقيقة تحمل طابعا ثوريا في ظروف الإعلام الزائف والمؤامرة المموهة بالنوايا المزورة. حمل العدد الاول على رأس الصفحة الأولى عبارة " لسان حال عصبة التحرر الوطني الفلسطيني"، وحوى ثلاثة مواضيع: "ما هي الطريق لتحرير الشعب العربي الفلسطيني" و "الشعب الصيني في طريق النصر على الاستعمار واجرائه" ثم "أساليب الحكم العبدلي في فلسطين". تتجلى في الموضوع الأول النظرة الثاقبة تخترق الحجب الكثيفة والإدراك السليم لاصطفاف القوى المحلية والإقليمية والدولية. حلل الموضوع الأول قرار تشكيل لجنة التوفيق بمشاركة أميركا وبريطانيا ودول تابعة . جاء في المقال : " وما خرجت به منظمة الأمم المتحدة من قرار حول تشكيل لجنة التوفيق ليس القصد منها التوفيق بين العرب واليهود ، كما يظن البعض ، بل التوفيق بين مصالح الاستعمارين الأميركي والبريطاني. اما الدول العربية فقد اثبت مندوبوها في المنظمة مرة اخرى سيرها في ذيل الاستعمار الأنكلو أميركي. واختتم المقال بالدعوة إلى أن" حرية الشعب الفلسطيني تتحقق فقط عن طريق النضال الشعبي الواعي المنظم في جبهة شعبية تضم جميع العناصر الشعبية الكادحة وجميع العناصر الوطنية الشريفة... إن عصبة التحرر الوطني التي صدقت سياستها ولم تنجر وراء مؤامرات الاستعمار واذنابه تدعو جماهير الشعب العربي الفلسطيني الكادحة وجميع العناصر الوطنية الشريفة إلى تكوين جبهة شعبية ...".
استفاد فؤاد نصار من تجربة النشاط الثوري في جبال فلسطين، وتنقل بين القرى والبلدات . كبرت النواة وتجمعت حولها عناصر استفاقت على هول الفاجعة واطلعت على الصدق السياسي والبصير النافذة لمن حذر من المقامرة بالمصير الوطني.
وقعت اتفاقية رودس بين الأردن وإسرائيل في 3 نيسان 1949؛ وعقد مؤتمر أريحا لضم الضفة إلى المملكة الأردنية في 7 نيسان 1949. وفي 7نيسان 1950 أجريت اول انتخابات في الضفتين لبرلمان يكرس عملية الضم ، عارضه الشيوعيون. عارضت عصبة التحرر الوطني مؤتمر أريحا لضم الضفة إلى الأردن؛ وفي أواخر آذار 1950جرت مظاهرة في نابلس فرقتها الشرطة بقوة واعتقل 25 من المشاركين فيها ، أجبروا على السير مع الدرك راكبي الخيول ، حيث سقط المناضل روحي زيد الكيلاني من الإعياء . جلبت لهم سيارة نقلتهم إلى عمان.
غير أن سرعة الاندماج بين الضفتين وتطور علاقات اقتصادية وسياسية متبادلة جعل من الواقعي تحويل العصبة إلى حزب شيوعي أردني ؛ استمر ت العصبة تطالب بتنفيذ قرار التقسيم وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة إلى أن اجبرتها الظروف والتطورات على الا قتناع باستحالة ذلك. في بداية عام 1951 اخذت عصبة التحرر بالاعتبار وجود عدد هائل من الفلسطينيين لاجئين في الأردن ، واتخذت قرارا بالتحول إلى حزب شيوعي أردني وقبول العناصر الماركسية في الضفة الشرقية أعضاء في الحزب. وتقرر نقل مطبعة الحزب والكوادر القيادية وفؤاد نصار إلى عمان ومارس نشاطه بصورة سرية. حمل برنامج الحزب بنود تحرير الأردن من المعاهدات المجحفة مع الامبريالية البريطانية وإقامة دولة فلسطين المستقلة، وإقرار الحريات العامة وحق النشاط الوطني والنقابي ودعم حقوق المراة.
كما حرص الحزب بتوجيه من فؤاد نصار على رفع الثقافة السياسية والنظرية لأعضاء الحزب بصورة منتظمة ودائبة. واسترشد الحزب بالخطة اللينينية بصدد انتظام أعضاء الحزب في خلايا لضمان الوحدة الكفاحية للحزب تنظيميا وفكريا وسياسيا إلى جانب استقلالية الحزب من خلال تحميل الأعضاء مهمات تدبير مالية الحزب. برز الحزب خلال فترة قصيرة قوة سياسية واجتماعية امتدت فروعه في مدن الأردن وقراه ومخيماته. تميز الحزب عن بقية القوى الوطنية في الثبات على تحدي السلطة المستبدة بموقف ثوري صلب ومسئولية وطنية . واشتهر الشيوعيون في الأردن بصلابتهم في الثبات تحت ظروف السجن القاسية وتعسف قوى الأمن.
وفي نهاية كانون أول1951 القي القبض على فؤاد نصار مع عدد من الرفاق في بيت يحوي مطبعة الحزب. تجلى الموقف الثوري الحازم لفؤاد نصار اثناء التحقيق والمحاكمة . ذكرت صحيفة يصدرها مسلم بسيسو في ذلك الحين ان فؤاد نصارأقر بانه قائد الحزب ويتحمل كامل المسئولية عما صدر عنه. حوكم في محكمة سرية وصدر حكم استؤنف في الحال ، حيث صدر الحكم بسجنه ست سنوات أمضاها مكبلا بقيد من الحديد الى سجن الجفر؛ وهناك اعتنى بالمطالعة والتثقيف الذاتي ؛كما أشرف على تنظيم الرفاق وتثقيفهم ، فحول المعتقل إلى مدرسة . أتقن اللغة الإنجليزية ودرس التاريخ العربي والعالمي ودرس الفلسفة والاقتصاد السياسي. دأب على تسجيل رسالة دورية يعممها على السجناء ضمنها التحليلات السياسية على ضوء ما يصله من حزم إخبارية.
أثناء السجن ميز بين فضيلة التواضع وبين الكرامة الشخصية والحزبية بصفته قائدا للحزب الشيوعي ؛ فلم يقم لدى حضور الزوار الرسميين لمشاهدة الزعيم الشيوعي. يُعرف الكثير عن مواقف فؤاد نصار في السجن وأثناء قيادة الحزب . ذكر الرفيق نعيم الأشهب أنه دعا وهو في المستشفى بألمانيا لعقد اول لقاء بين الحزبين الشيوعيين الأردني والإسرائيلي. وصدر عن اللقاء أول بيان مشترك تضمن الرؤية المشتركة لعدوان 1967 والحقوق الفلسطينية المشروعة.
وفور عودته من الخارج عام 1967 قدم تقريرا حلل فيه أسباب نجاح انقلاب حزيران 1957؛" لم يكن ممكنا تمرير المؤامرة لولا موقف الحكومة الوطنية المتردد المتذبذب ، وعدم وقوفها بحزم ضد القصر والرجعية .لقد رفضت الحكومة أن تستجيب لنداء الحزب بالصمود وبأن ترفض الإقالة ، وأن تلجأ إلى الشعب . إن طبيعة حكومة النابلسي الطبقية وتركيبها الذي غلب عليه الطابع اليميني ، كانا لا يسمحان للحكومة اتخاذ مواقف حازمة والتوجه إلى الشعب.
كان الاستناد إلى الشعب ورعاية مصلح الجماهير مرشد موقفه من الوحدة العربية : إن الشعب الأردني كغيره من الشعوب العربية يطمح إلى تحقيق الوحدة العربية وبلدانها المتحررة ، ونضالها المشترك تجعل من قضية الوحدة العربية قضية حيوية وعزيزة على الشعب الأردني ، وهدفا كبيرا يسعى إليه. وحدة ذات مضمون تقدمي معاد للامبريالية والاستعمار الجديد والصهيونية والرجعية العربية. كان الاستناد إلى الشعب ورعاية مصلح الجماهير مرشد موقفه من الوحدة العربية .
والحزب الشيوعي الأردني ليس ضد وحدة القوى الثورية التي تتبنى قضية الاستراكية العلمية ( الماكسية – اللينينية) في حزب طليعي موحد ، أي القوى الثورية المناضلة بحزم من اجل السير بالأردن في طريق الديمقراطية والتقدم الاجتماعي والانتقال إلى الاشتراكية ... إن عملية توحيد القوى الاشتراكية في حزب واحد وتنظيم سياسي واحد هي عملية طويلة ومعقدة تمر خلال نضال سياسي وأيديولوجي ، ومن خلال النضال لإنجاز المهمات الديمقراطية العامة والانتقال إلى المرحلة الاشتراكية . إنها تمر من خلال النضال الحازم ضد الامبريالية والاستعمار الجديد.
ذكريات شخصية مع الرفيق اود ان أسجلها في هذه المناسبة. فقد التقينا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية قبيل أحداث أيلول الأسود عام 1970. كنت مع الرفيق الراحل عبد الكريم القاضي في رحلة استجمام بعد الخروج من السجن الإسرائيلي والإبعاد.إلى الضفة الشرقية. جاء فؤاد نصار لإجراء فحوص طبية. أبلغني ذات مساء أن الحرب ضد المقاومة قد اندلعت ، وانه وجد مقعدا له على الطائرة ذلك المساء، اما عبد الكريم وانا فقد حجز لنا على رحلة اليوم التالي إلى مطار دمشق. في مساء اليوم التالي، وكان يجلس معنا عدد من الطلبة والرفيقة ليلي زوجة فؤاد نصار طلب مني أحد المضيفين أن يتحدث معي على انفراد. طلب أن أبلغ الحزب أن فؤاد نصار مصاب بالتهابات في الكبد ولا يصلح للعمل السري. بدوري نصحت إطلاع ليلي على صحة زوجها. وصلنا دمشق وانتقلنا إلى إربد مع الرفيقين يعقوب زيادين ومحمد أبو شمعة. طلب فؤاد نصار مني التوجه إلى عمان حاملا رسالة يحذر الرفاق من الإدلاء بتصريحات عن منظمة الحزب المسلحة ، الأنصار؛ فقد طالع مقابلة صحفية مع الرفيق قائد الأنصار وعلق الصحفي في نهاية المقابلة أن وجود تنظيم شيوعي مسلح في الشرق الوسط مدعاة للتفكير العميق .
وصلت عمان وسلمت الرفيق بشير البرغوثي رسالة فؤاد نصار وأبلغته الرسالة الشفوية من الرفاق الألمان. طلب مني حمل رسالة إلى الرفيق فؤاد نصار علمت لدى قراءته لها انها تطلب منه البقاء خارج الأردن. لم أشهد انفعالا يوازي حدة انفعاله ؛ وعبثا يجادله الرفيقان يعقوب ومحمد أبو شمعة . هدا قليلا وتلفت نحوي وسألني ما الذي أبلغتهم به؟ اجبت يا رفيق الموضوع يتعلق بصحتك والرفيقة ليلي تدري بذلك. هدا مزاج الرفيق وقال صحتي كويسة ، وأردف ولو اموت لكن مش خارج ساحة النضال!
أصر على أن ننتقل صباح اليوم التالي إلى عمان. كانت الطريق مليئة بنقاط التفتيش ، التي تدقق في هويات المسافرين. لكنه اصر . وفي بلدة صويلح اعترضتنا مفرزة جيش ودققت الهويات وسمحت لنا بالمرور. توجهنا إلى بيت يعقوب زيادين وكان شقة مستأجرة على جبل اللويبدة ؛ وانتقلت إلى مركز الحزب على جبل عمان أبلغ بوصول الرفاق ثم توجهت إلى بيت شقيقي على جبل التاج.
كلفني الرفيق بمهمة البحث عن بيت يصلح لمطبعة اقيم فيه ،ثم طلب ضمي إلى هيئة التحرير، وكلفني برئاسة تحرير نشرة دورية باسم "العامل". الوضع نصف العملي اتاحلي العمل بصحيفة يومية وكتابة عمود يوميا ، وانشر ترجمات عن الانجليزية لمقالات سياسية. أثنى على دخولي ميدان الصحافة العلنية. ومرة انتقد بناء الآراء السياسية في مقالاتي على كتابات محللين سوفييت وقال ليست جميع تحليلاتهم صحيحة.
جاء دوري للسهر ليلة بجانبه في بيت الدكتور يعقوب زيادين. كانت زوجته تسهر باستمرار . مرارا لومني لتكبد مشقة القدوم والسهر ، ومرارا كرر طلب تغيير ملابسه الداخلية ، والمسكينة زوجته تقول غيرت له لكنه فقد ذاكرته للأحداث القريبة. اما الأحداث البعيدة نسبيا فما زال يتذكر ها . ردد بأسى مذابح أبناء المخيمات الفلسطينية في ذروة الصراع مع الكتائب في لبنان. نام عند الفجر . وبعد ليلتين أسلم الروح وقت الفجر؛ في ذلك اليوم نفذت الزهور من سوق عمان. وسار في موكب جنازته رتل طويل من سيارات المشيعين.
ترددنا على قبره الأخضر خلال سنوات. وفي العام 2006 دعتني قيادة الحزب الشيوعي الأردني للمشاركة في ندوة بمناسبة الذكرى الثلاثين لرحيله؛ وقدمت ورقة بالمناسبة.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب على عدة محاور يخوضها نتنياهو
- العاهة بنيوية في تركيبة النظام الرأسمالي
- الشعب الأسود وشعب فلسطين يصليان جحيم العنصرية
- لامصلحة لإسرائيل في الاتفاق مع العرب
- في ذكرى أكتوبر-3
- في ذكرى اكتوبر - المآثر التاريخية لثورة اكتوبر الاشتراكية ال ...
- في ذكرى أكتوبر - الهيمنة المطلقة لدولة الاحتكارات
- ثنائية القوي - الضعيف في صراعات المنطقة
- التنوير المجهض - امتهان الديمقراطية
- التنوير المجهض-3
- التنوير المجهض - تحديث زائف
- التنوير المجهض
- من أحشاء نظم الاستبداد السياسي 4من4 -ابن تيمية
- من أحشاء نظم الاستبداد السياسي 3من4 شهادتان
- طرد العقلانية من الفقه الإسلامي
- من أحشاء نظم الاستبداد السياسي
- متاهة الحلول المنفردة في استراتيجية الخداع والتمويه
- همجية المحارق.. الدلالات والمخاطر
- الهمجية الممنهجة ..عار عنصرية البيض
- الغبلزية الجديدة


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - خالد الذكر فؤاد نصار في ذكراه المئوية