أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - المرحاض هو أفضل مكان















المزيد.....

المرحاض هو أفضل مكان


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4681 - 2015 / 1 / 3 - 18:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ما هو أفضل مكان اكتشفتموه في عام 2014م؟ أو ما هو أجمل مكان؟ أنا بالنسبة لي كان أفضل مكان ارتحت فيه هو المرحاض.

كان عندي جار رحمه الله كلما غضب من أي فرد من أفراد أسرته يأمره فورا بدخول الحمام كعقاب له, وكان يقول لي: أنا أربط أولادي في الحمام لكي ينالوا عقابهم, أما أنا فبالنسبة لي لا أحد يجبرني على دخول الحمام إلا لقضاء الحاجة وفي أغلب الأحيان لأبكي بعيدا عن عيون الأطفال, في سنة 2014م دخلت الحمام أكثر من 100 مائة مرة من أجل أن آخذ راحتي في البكاء, ففي داخل الحمام لا أحد يراني لكي ينتقدني بل أنا من يرى العالم كله أمامه, أراهم وأرى صورهم وجثثهم وآلامهم, ليس من الطبيعي في بعض الأوقات أن أدخل الحمام ولكني كنت أهرب من غرفة النوم إليه ومن غرفة الجلوس إليه, كنت وما زلتُ أدخل الحمام أو المرحاض لكي أريح نفسي بالبكاء قليلا, فعلا الحمام مريح لكي تتلاشى في داخله الأحزان والجراح, كنتُ وما زلت استلُ رموش عيني بيدي وأنا أشخط وأمخطُ على مصير هذا العالم, عالمٌ مقرف وعالم سوداوي.

بصراحة الحمام أفضل مكان نحن البشر نرتاح فيه, فهو مريح أكثر من غُرف نومنا ومريح أكثر من الصالة التي يوجد فيها التلفاز, إنه مريح أكثر من بساتيننا وحدائقنا, لذلك تفنن المهندسون في طرائق بنائه وزخرفوه بالبلاط الصيني وبالسيراميك , إننا حين ندخل بأيدينا الطعام إلى أجسامنا نشعر وقتها بالتعب وأحيانا نرغب بعدها بالنوم قليلا ولكن الحمام هو المكان الوحيد الذي نفرغ فيه حمولتنا من سوائل ,اطعمه, لذلك ليس عيبا أن نتحدث عن الحمام كمكان وحيد نفرغ فيه أحمالنا واثقالنا, كنت في عام 2014م متخذا من الحمام مصدرا لراحتي, كنت أفرغ فيه السوائل من معدتي وغير ذلك وكنت في نفس الوقت أُفرغُ فيه دموعي, كنت أدخله لكي أبكي ولكي أرتاح ولكي أريح عيوني من الدموع التي تنهمر من مقلتي حزنا وألما على هذا العالم العربي الذي كله فقر وآلام.

في عام 2014 توصلت إلى فكرة مفيدة وهي أن أفضل مكان كنتُ أرتاح فيه كان هو الحمام أو المرحاض, فأفضل مكان كان يناسبني في عام 2014م كان هو المرحاض, كان مريحا بالنسبة لي أفضل من دخول الحدائق والبساتين لأنني أينما كنت أذهب كنت أشعر بالألم, ففي غرفة نومي كنت أنبطح على جنبي الأيمن فأتألم وكنتُ أنبطح على جنبي الأيسر وأتألم, كنت أحاول أن أعثر على مكان هادئ وجميل وأنيق فلم أجد مكانا من الممكن أن أرتاح فيه إلا الحمام.

العام الذي مضى كان عاما يحمل في طياته الكثير من الآلام والجرحى, كانت مناظر الحزن والألم تشع من كل مكان وتدخل إلى كل مكان وإلى كل غرفة من غرف منزلي إلا الحمام لم تكن الآلام تدخله أبدا, كان الحمام هو أجمل مكان, ودخلت في وطني عدة أماكن من الممكن أن أرتاح فيها فلم أكن أجد مكانا فيه راحة إلا الحمام, ففي غرفة الكمبيوتر كنت أتألم وفي المطبخ كنت أتألم كلما فتحت باب الثلاجة أو كلما وقفت أمام البوتوغاز, فلم أجد الراحة المثلى التي أبحثُ عنها إلا في المرحاض, كانت هنالك مناظر مرعبة للقتل وللدمار في الدول العربية جراء ما يفعله الإسلاميون, وكنت أفكر بالهجرة إلى الدول العربية ولكن الظروف في كل الدول صعبة جدا وكان من الصعوبة أن أجد مكانا ألقي فيه قمامتي وألقي فيه أحزاني, وفتشت في الحارة وفي المدينة وفي القرية عن مكانٍ آمن ألقي فيه حمولتي وما لدي من أوجاع فلم أجد أفضل مكان مريح إلا الحمام أو المرحاض.

ويا لخيبة الأمل, إنسان مثلي مدني وحديث ومعاصر بحث في كل الأمكنة لكي يرتاح فيها ولكنه لم يجد إلا المرحاض, ومع كل ما تبذله الدولة لبناء مراكز الترفيه لم أجد فيها ولا أي مكان مناسب لإسقاط الحمولة من نكد وتعب وسوائل إلا الحمام, لذلك أنا أطالب الدولة بأن تبني لنا في المدن والقرى وفي كل حارة أو في كل حي مراحيض نرتاح فيها أفضل من أن تبني لنا دور السينما ودور اللهو, فبالرغم من وجود حدائق وبالرغم من وجود المدن العصرية إلا أنني أنا وكثير من الناس لا نجد لنا مكانا نرتاح فيه إلا المرحاض.

عامٌ مضى بكل ثقله ترك في نفسي منه أثرا مروعا, لم يكن عاما مريحا بالنسبة لي وحين استقبلته كنت أتمنى أن يكون أفضل من عام 2013, وها أنا استقبل عام 2015 والأمل يحدوني بأن يكون أفضل من عام 2014, إنني مصاب بخيبة أمل من ذاك العام الذي انصرم, ذلك العام الذي فتشتُ فيه كثيرا عن مكان أرتاح فيه فلم أكن أجد إلا المرحاض, أنا إنسان لا أحتمل رؤية المشاهد المؤلمة, والحمام أو المرحاض هو المكان الوحيد الذي من الصعب عليك أن تجد فيه منظرا مؤلما, تدخله وهو نظيف فترتاح جدا من منظره ومن تلك القطع الخزفية التي تزين أرضيته وجدرانه, إنه أفضل من غُرف النوم, تتمدد فيه وتغرق بالمياه ولا أحد يستطيع الدخول عليك فيه ليقطع خلوتك, إنه أفضل مكان وجدته في عام 2014م , لم تعد بي طاقة قادرة على التحمل وكل الأماكن التي اعتدتُ أن اذهب إليها مؤلمة ,فالأسواق مؤلمة جدا وتقتلني فيها الأسعار المرتفعة دوما, وفي الشوارع منظر الناس مؤلمٌ جدا, ودخول المستشفيات مؤلم جدا ودخول السجون مؤلم جدا ودخول باب حارتنا مؤلم جدا ومقرفٌ جدا لكثرة من يلاحقونني لسداد الديون, ولا يوجد مكان أرتاح فيه إلا الحمام, فهو هادئ وجميل وأنيق ولا أحد يجلس فيه إلى جوارك, أنا أبكي من أتفه سبب وأجزع من أبسط سبب, والمرحاض هو المكان الأنسب لكي أبكي فيه , لا أستطيع أن أرى ما أرى من هموم وويلات, سئمتُ من هذا العالم الشرقي الغبي بكل مكوناته, سئمت من النوم في البيوت المرعبة والشوارع المرعبة, كلما مر عليّ يوم أحلم فيه بأن يكون أفضل من الذي سبقه ولكن للأسف أجمل الأيام هي تلك التي مضت والأيام القادمة ليست جميلة, هذا ما تشير إليه كل الدلائل, وأن ترى المرحاض حتى ولو كان متسخا أفضل من أن ترى العقول في الشوارع وهو متسخة جدا, أنا قلق جدا على مصير الناس وقلق جدا على صحتي النفسية ففي الشهور الأخيرة من عام 2014 حزنت كثيرا وجزعت كثيرا, وازداد دخولي إلى المرحاض أكثر من أي وقتٍ مضى, كنت أبكي من غير أن يراني أحد وأحيانا أمام الناس كنتُ أحبسُ دموعي خشية أن تظهر, كنتُ أمسك بها بيدي الاثنتين, كنتُ أغمض عيني وأنا تحت الغطاء لكي أنام قرير العين ولكن مشاهد الحرب والدمار كانت تنغصُ عليّ نومي, فمتى نرتاح من أصحاب العقول القذرة التي تدمر كل شيء أمامها؟ متى يا رب , كنت يا رب أعصر عيوني كما ولو أن عيني حبتين من الليمون, كنت أعصرهما على طعامي, كانتا لقمة الخبز التي آكلها أحيانا تكون بطعم الدم وأحيانا تكون بطعم الليمون, لم يمر عليّ يوم واحد من دون أن أبكي أو من دون أن أنزف من خاصرتي, إن مجموعة الآلام كلها تتركز في داخلي وتحفر في أعماق أعماقي, كنتُ بين الفينة والفينة أدخل إلى المرحاض بحجة الاستحمام أو قضاء الحاجة ولكن لم أكن في أغلبها صادقا, كنت أدخل لكي أمسح دموعي بعيدا عن الناس وعن الأطفال, الناس في 2014 وأيضا في 2015م تدخل الحمام بحجة الراحة أو الاستحمام إلا أنا كنت دوما أحاول دخوله من أجل أن أشفي غليلي من وجع السنين, وأتحداكم جميعا أن تجدوا مكانا ترتاحون فيه أكثر من المرحاض.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم الجليل أبو لؤلؤة المجوسي
- غباء البخاري
- العرب يمدحون بصوت منخفض ويشتمون بصوت مرتفع
- كيف يتغلب عليك الشيطان؟
- التعصب
- وقفة قصيرة بين الإنجيل والقرآن
- لحية الشيخ الطويلة
- المسيحيين عندهم شرف أكثر من داعش
- ختيار سمعه ثقيل
- دعوة للشرك بالله
- أحبك يا يسوع
- مسيحي بس محترم!!!
- قفص مارك توين
- نعمة الرب
- بجاحة المسلمين
- القاتلُ مُجرما وليس مقدَسا
- مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية يفتقر نظامها الداخلي ...
- امرأة حاولت تعريفها بالمسيح
- استثمار الكراهية في المجتمعات العربية الإسلامية
- المسيح يشفي الأمراض دون أن يضطر لفتح الجراح بالشفرة


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - المرحاض هو أفضل مكان