أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: عالم














المزيد.....

قصة: عالم


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4680 - 2015 / 1 / 2 - 10:59
المحور: الادب والفن
    


تنهض من سرير قيلولتها في عز الأصيل، تتمطى أمام النافذة التي تطلّ على النهر العريض، ينتابها الإحساس بأن الشيء الذي تريده سيحدث هذا اليوم قبل المساء. كل الموجودات الأليفة في بيتها الأنيق تقول ذلك: السرير المكين، أرضية الغرفة المفروشة بالسجاد، رفوف الكتب، اسطوانات الموسيقى، فساتينها الزاهية المتناثرة في كل الأنحاء، والغلالة الشفافة التي تنسدل على الجسد البض معلنة عن رقة بلا حدود.
تخلع الغلالة في تباطؤ مقصود كما لو أنها تستثير عيوناً خفية ترصدها من مكان ما، وتدرك أنها ملّت العلاقات التي تجري وفق روتين تعودت عليه النساء: لقاء، دعوة للرقص ثم إغراق في شرب النبيذ تعقبه عودة إلى البيت، والنوم في لذة حتى الصباح. مزاجها اللجوج يتوق إلى شيء مختلف، تحدق في النهر وهي عارية، يتواطأ النهر مع رغباتها بتدفقه الرصين، تنطلق نحو الباب، تفتحه، ترنو إلى الجدران والسلم الهابط والعتمة الخفيفة التي تضاعف من حدة الصمت، تترك الباب موارباً على نحو مثير للتساؤلات، إنها تلعب لعبتها الغامضة، وتعود، تستلقي في الحمام تحت انصباب الماء على الجسد، وتتوقع أن الشيء الذي تريده سيحدث هذا اليوم قبل المساء.
ينهض من سرير قيلولته قبل المغيب بساعات، يتأمل من نافذة البيت في الطابق الثاني عشر شرفات البيوت في البناية المقابلة، تجلس النسوة الأوروبيات حاسراتٍ ثيابهن في الشمس البهيجة التي لا تظهر إلا لماماً، وثمة غسيل متنوع بألوان صارخة يتدلى من الشرفات: إنها حياة كاملة يحياها الناس. يتأكله الحنين إلى بلده البعيد، فقد أضجره التنقل من بلد إلى بلد وأعياه الإنتظار. فجأة يستفزه إحساس غامض يدعوه إلى مغادرة البيت بحثاً عن أجواء لم يعشها حتى الآن، فقد ملّ هذا الروتين اليومي المتكرر الرتيب.
يرتدي ملابسه، يمضي بمحاذاة النهر تاركاً لقدميه أن تأخذاه إلى أي مكان، يغتاظ قليلاً وهو يلمح أن النهر في احتدامه العميق يخفي عنه سراً ما، يتمنى لو أن له مصباً ينتهي إليه مثل هذا النهر كل مساء، ويمضي، لا يلتفت للنساء المتسكعات في الطرقات وخلفهن أطفال يتراكضون في جذل، يقترب من صف البنايات الجديدة التي لها رونقها الخاص، يهم باجتياز مدخل البناية الأولى. غير أنه يقرر في اللحظة الأخيرة ودون سبب واضح أن يتخطى البناية الأولى والثانية، يجتاز مدخل البناية الثالثة دون قصد، تثير العتمة الشاحبة عند أول السلم نشوة غامضة في داخله ممزوجة بظلال لمخاوف عصية على التفسير، لم يخطر بباله أن يتجه إلى المصعد، فهو يحب ارتقاء السلالم لأن لها تاريخاً يستطيع قراءته دون عناء، فثمة آثار بشر وروائح تظل عالقة بالسلالم، فتجعلها باعثة على التأمل والخشوع وتوقع المفاجآت.
يتوقف عند بسطة السلم في الطابق الثالث، يحدق في الأبواب الثلاثة المغلقة بإحكام، يصغي بانتباه لعله يميز شيئاً خلف الأبواب، يسمع الرنين العذب لكؤوس الزجاج، يسمع تنهيدة خافتة كأنها قادمة من زمن سحيق. كم هي مثيرة للفضول هذه البيوت التي تنطوي على عالم من الأسرار! يسمع صرخة طفل، يكتئب لحظة، يفكر بالرجوع من حيث أتى، غير أنه يغالب نفسه ويواصل الصعود. لدى بسطة السلم في الطابق الخامس يشم روائح أطعمة، وثمة امرأة تغني كعادة بعض النسوة وهن يعددن الطعام، في الطابق السابع كان جرس الهاتف يرن بإلحاح، وليس في البيت من أحد، لأن رنين الجرس انقطع بعد برهة مخلفاً في الصمت بعض الحزن وكثيراً من الاحتمالات. في الطابق الحادي عشر باب مفتوح، يحدق بحذر عبر الباب، يرى عن بعد غلالة وردية مطروحة فوق السجاد، لا يفكر بالضغط على زر الجرس، فالباب مفتوح، والصمت المتمدد في الداخل يغري بالدخول، يدخل دون استئذان، ويدرك أن هذه مغامرة طائشة، غير أنه لا يرعوي، يتوقف برهة عند الغلالة كأنها قطة تنام، يحملها بين ذراعيه، يلقي بها برقة فوق السرير. يمشي بخفة نحو الحمام. هناك، كانت المرأة تسبح في بركة من الدم، عيناها شاخصتان نحو الأعلى دون حراك.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: قطط
- دراسة نادية عيلبوني عن رواية فرس العائلة لمحمود شقير
- قصة: الشخص 3
- قصة: الشخص2
- قصة: الشخص1
- لقاء
- قصة قصيرة جدا: ملل
- قصة قصيرة جداً: بين اليأس والرجاء
- قصة قصيرة جداً: فضاء افتراضي
- قصة قصيرة جداً: ماء الخيال
- قصة قصيرة جداً: اقتراح
- قصة: عرس
- قصة قصيرة جداً: فرس
- سؤال
- قصة: انفصال
- قصة: نقطة الحدود
- قصة: قط
- قصة: صمت النوافذ
- قصة: قطة
- قصة: طعنة


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: عالم